عطاءات العلمكتب ابن القيمكتب ابن القيم- شاملة - txt

الفروسية المحمدية_2

الفروسية المحمدية_2

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
  الكتاب: الفروسية المحمدية [مشروع آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (11)]المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 – 751)
المحقق: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير – علي بن محمد العمران
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ – 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 474
قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

وقال آخر (1):
لا يُؤيِسَنَّك مِنْ مَجْدٍ تُباعِدُهُ … فإنَّ للمَجْدِ تدْرِيجًا وتَرْتِيبا
إنَّ القَنَاة الَّتي شَاهَدْتَ رِفْعَتَها … تَنْمُو وتَصْعَدُ أُنْبُوبًا فأُنْبُوبًا

فصلٌ في الخصال التي بها كمال الرمي
رأيت للأستاذ أبي محمد عبد الرحمن بن أحمد الطَّبَرِي (2) في ذلك كلامًا حَسَنًا أمليه (3) بلفظه قال: “ينبغي أن يَجْعَل الرامي عينَه اليمنى من خارج القوس مع النصل على الغرض ويكون نظرُه بعينه اليمنى من فَوْق عقد السبابة اليسرى من قبضته، ويفْتُلُ خِنْصَرَهُ على جانبه الأيمن قليلًا قليلًا (4) فَتْلًا خفيفًا فيه يصحُّ الاعتماد وتمام النظر من العين اليمنى من خارج القوس، وينبغي أن يُسْبِل كتفه اليسرى؛ ليطول شماله،
__________
(1) في (مط) (تأريخًا) بدلًا من (تدريجًا)، والبيتان لأبي الفرج ابن هندو، انظر معجم الأدباء (4/ 1724).
(2) لعله من كتابه “الواضح في الرمي والنشاب” وهو محفوظ في المكتبة الأزهرية [6] أباظة (7275) في (98) ورقة، كتبت بخط ابن قطلوبغا الحنفي سنة 867 هـ. معجم الموضوعات للحبشي (1/ 572).
(3) في (ظ)، (ح) (أجلبه).
(4) من (ظ).

(1/403)


ويَقْصُر سهمُه، ويَحْسُنَ جَرُّه، ويستوي بطنُه عند آخر وفائه، وتكون العقدة الأخيرة من أصل إبهامه اليسرى موازية لرأس مَنْكِبه الأيسر، ويمدَّ وهو كذلك؛ لا (1) يخفض شماله ولا يُصْعِدها، وتكون المداراة لزيادة السَّهم ونقصانه بالزَّنْدِ.
وأما مقدار السَّهم: فقد اختلفت أقوال الرُّمَاة فيه، والصوابُ أن مقداره ما يحسن بالرامي استيفاؤه حتى يبلغ نصلُه إلى العُقْدَة الأولى من الإِبهام، ويكون مرفقه الأيمن موازيًا لمَنْكِبه وقبضتُه في خطِّ الاستواء، ومتى طوَّل مقداره عن ذلك أو قصَّره؛ اضطرب له اعتماده.
ومن سبيل الرمي أن يَغْمِز على المِقْبض بأليةِ كفه اليسرى والضرة بين العقدتين من الإبهامين غمزًا واحدًا إلى أن يستوفي [ح 176] سهمه، وبهذا تتمُّ صحة القبضة والسرعة.
فإذا أراد أن يُفْلِت السَّهم، زاد في غمزه بالضرب من حيث لا تُنقص قوة (2) أليةُ الكفّ على ما كان في يده، وبهذا تتمُّ صحة القبضة، والسرعة، والنِّكاية.
وسبيل الفَتْلة: أن تُعقدَ على ثلاثة وستين، وأن تَعْتَمِد على [ظ 85] إبهامك أكثر من سبابتك، ولا ترفع طرف إبهامك عن العقدة حتى تواري عقدة الوسطى من سبابتك اليمنى، ويكون موقعُ الوتر النصف من سبابتك اليمنى.
فإذا أردت الإطلاق؛ فسبيله أن تُطْلِق بعد الوفاء واستقرار النصل
__________
(1) في (ظ) (ولا).
(2) في (مط) (قوته).

(1/404)


بين عقدتي الإبهام مع القبضة بمقدار يعدو النصل (1)، وتفرك السهم عن الوتر بالإبهام من أسفل الفُوق، وبالسبابة من فوقه، بحيث لا يصيب شيءٌ من إبهامه وسبابته للفوق، ويزن السهم، ويفتح وسطه مع سبابته وإبهامه في وقتٍ واحدٍ عن الإطلاق؛ فإن ذلك أُسّ الإِطلاق، وأسْلَس للسهم، أو أسرع (2)، وأنْكَى مِن فتح سبابته وإبهامه فقط، ومِن فَتْح أصابعه الخَمْس في وقت الإفلات”.

فصلٌ في النَّكَاية
قال الطَّبَرِيُّ (3): “قال لي عبد الرحمن الفَزَارِي: أصلُ الرمي إنما وُضِعَ للنِّكاية، فمَن لا نكايةَ له؛ لا رمي له عند علماء هذه الصِّناعة وحذَّاقها من المتقدِّمين.
وكان الذي يقع به الفضل بعد بلوغهم نهاية الرمي والحذق شيئان:
أحدهما: طنين الوتر، وصفاء صوته بعد إفلاته.
والثاني: شِدَّة نِكَايته.
فمَن صحَّ صوت وتره منهم وأنكى كان له فضلٌ عندهم.
فإن تكافؤوا في طَنيْن الوَتَر، وصَفَاءِ صوته، والنِّكاية، والسُّرعة، والإِصابة؛ لم يبق لأحدهم فضل على أصحابه (4) إلا شيء واحد، وهو
__________
(1) في (مط) (مقداره والنصل)، وفي (ح) (بمقدار هرو النصل).
(2) في (ح)، (مط) (أسْلَس الأطلاقات، وأسكن للسَّهم، وأسرع).
(3) في (ظ) (الطبراني) وهو خطأ.
(4) في (ظ)، (ح) (صاحبه).

(1/405)


صحة الكُشْتِبَان (1)، وعدم تأثير الوَتَر فيه؛ فمن كان عقده صحيحًا. وسَلِم كشتبانه من حزِّ وتَرِه (2)؛ كان أحذقَ الرماة وأفضلهم.
قال: وكان طاهرٌ (3) البلخي وأبو هاشم وإسحاق وغيرُهم من الأكابر يخفون كشاتبينهم، ولا يظهرونها لأحد (4)؛ خوفًا أن يوجد غير سالم من جهة الوتر (5)، فيسقط [ح 176] من حَدِّ الأستاذيَّة عند نظرائه (6).
وقال: بذلتُ جَهْدي في طَلَبِ رامٍ ليس في وجه كشتبانه أثر ولا عيب، فلم أجد”.
قال الطبري: “فسألتُ أُستاذي (7) أن يريني كُشْتِبَانَه، فامتنع، فلم أزل ألحَّ عليه حتى أجابني، ثم أخذه وأنا أرى، فرمى عليه، ثم دفعه إليّ لمعرفته (8) فوجدتُه مستوي الجرَّ، لا انحراف فيه ولا مَيْل، سَلِيْم الوَجْه من شَعْثِ الوَتَر، وكان طَاقًا واحدًا أديمًا (9) صَلْبًا لا حَشْو فيه، متوسط الغِلظ
__________
(1) الكُشْتِبَان: كلمة فارسية أصلها (انكشتبان) ومعناها: حافظ الأصبع، وهو قُمْع يغطي طرف إصبع الخيَّاط ليَقيْهِ وخْز الإبر.
انظر معجم عطية في العامي والدخيل ص 145، والمعجم الوسيط ص 823.
(2) من قوله (فمن) إلى (وَتَره) من (ظ).
(3) ليس في (ظ).
(4) من (ظ).
(5) ليس في (مط).
(6) في (مط)، (ح) (النظر إليه).
(7) في (مط)، (ح) (فسألته أن يريني).
(8) في (ح) (لوقته).
(9) في (مط) (دائمًا)، وسقط من (ح) من (أديمًا) إلى (الغلظ).

(1/406)


وقال العبَّاس القرشي – وهو من أكابر (1) تلامذة طاهر -: إنه اجتهد أن يرى عقد طاهر، فلم يَقْدر، إلى أن دخل معه الحَمَّام، فاستخرج كُشْتِبَانه من ثيابه، فنظر فيه، فإذا هو لا أَثَرَ فيه، فعلم أنَّ مداراة (2) الرمي وصِحَّتَه في الكُشْتِبَان”.
قال الطبري: “وقال لي (3) عبد الرحمن: النكاية عشرة أشياء: تسعة منها في الوفاء التام الصَّحيح، وواحد في الرامي.
والوفاء وفاءان: أحدهما (4) أن يبلغ نصلُ السهم إلى العُقْدة الأولى من الإبهام، فمَن قال بهذا الوفاء، أنكر على من يَجُوزُ بالنصلِ هذه العقدة الأولى من الإبهام، واحتجَّ هؤلاء بأن قالوا: النَّصل عدوٌّ، وليس للإنسان أن يدخل العدو على نفسه.
والوفاء الثاني: بلوغ النَّصل ما بين العقدتين من الإبهام.
وقال عبد الرحمن: سمعنا من شيوخنا أن مدَّ وفضل النصل في السهم أنفذ شِبْرًا في الدَّرقة، وأنهم شبهوا الوفاء الأول بالدُّخان الذي يلحق العدو من النَّار الموقدة التي يرمون بها، والوفاء الثاني بإصابة النار نفسها لهم.
قال: وقد قال قومٌ: إنَّ الوفاء إلى طرف (5) الظفر، وضعَّف غيرهم
__________
(1) في (ظ) (وهو أحد تلامذة).
(2) في (مط) (مدار)، وفي (ح) (مدارة).
(3) من (ظ).
(4) في (مط) (والوفاء الأول: أن)، وفي (ح) (والوفاء فإن احدهما أن يبلغ).
(5) ليس في (ظ)، وسقط من (ح) (الإبهام).

(1/407)


هذا الرأي”.
قال الطبري: “وفي الرمي ثلاث خصال: واحدة في الإنسان، وأخرى في القوس، والثالثة في السهم.
فأما التي في الإنسان، فخمسة عشر شيئًا:
أربعة في القفلة، وثلاثة في القبضة، وخمسة فى الإطلاق، وواحدة في الفم وقت الإطلاق، واثنتان في الصدر.
فأما الأربعة التي [ح 177] في القفلة:
فهي شِدَّتها (1) في نفسها وَقْت الجَرِّ أشد ما يكون بالأصابع كُلِّها غير السبابة؛ فإنها تكون دونهن، والثلاثة الأُخر في صحة القفلة، وصحَّتها أن يعقد ثلاثًا وستين، ويكتم ما استطاع (2) الأظافر من الأصابع الثلاث: الخِنْصَر، والبِنْصَر، والوسْطى، حتى لا يرى منها شيء، وأن يجعل الوتر من إبهامه دون الجرّ مما يلي أصلها (3) مستويًا لا انحراف فيه ولا تعويج، ويجعل طرف الإبهام فوق عقدته الوسطى من أصبعه الوسطى (4)، لا تتحرك عنها إلى وقت الإفلات، ويجعل سَبَّابته على لحم إبهامه بعد أن يرمي باطن لحم سبابته إلى ظهر إبهامه [ظ 86] على الجزء الأوَّل من السبابة على جَنْبِ إبهامه مما يلي الوَتَر،
__________
(1) في (ح) (فهي في شدها في نفسها).
(2) من (ظ).
(3) في (مط)، (ح) (جرَّها) بدلًا من (أصلها).
(4) قوله (من أصبعه الوسطى) ليس في (ظ).

(1/408)


ويعطف طرف سبابته، ويجعل الجزء الثاني من سبابته على جَنْب ظاهر إبهامه مما يلي الفُوْق، ويجعل جانبي الفُوْق بين الإبهام والسبابة، محاذيًا لما بين العقْدة الأخيرة من أصل سبابته وبين الجزء الثاني، ويحمل السبابة عن (1) بدن السهم قليلًا من أول جرِّه إلى مخرج السَّهم عن يده.
وليحذر الرامي كلّ الحذر (2)، أن يغمز سبابته على شيء من فوق سهمه في مدِّه (3) وإفلاته، فيتعوَّج سهمُه، وتكثُر آفاتُه بعد الإطلاق.
وأما الثَّلاثة الأُخَر التي في القبضة:
فواحد منها: شدّتها في نفسها وقت الجَرِّ أبلغ ما يكون بجميع الأصابع.
واثنان منها: في صحتها، وهي أن تجعل متن (4) مقبض القوس ما بين جَرِّ أصول (5) أصابعك الأربعة ورأسه الأعلى ما بين عُقدتي إبهامك والأسفل على مقدار عرض أصبع واحدة مما يلي الكف.
وأما الخمسة التي في الإطلاق:
فثلاثة منها في الإبهام والسَّبابة والوسطى، وقد تقدَّمت.
__________
(1) في (مط)، (ح) (على بدن).
(2) في (مط) (شكل الجرّ، وأن)، وفي (ح) (وليحرز الرامي شكل الجزء بأن يغمز).
(3) في (مط) (جرِّه)، وفي (ح) (في حدّه).
(4) ليس في (مط).
(5) من (ظ).

(1/409)


واثنان في صحة الإطلاق: بأن يَغْمِزَ على الوَتَر بإبهامه من أسفله، وبالسَّبَّابة على الوتر من فوق القوس، بحيث لا يصيب الإبهام ولا السبابة بشيء من فُوْق السهم ولا بدنه وقت الإفْلات.
وليحذر الرامي أن يفتح وقت إفلاته خِنْصَره وبنصره؛ فإنَّ شدَّة الكفِّ بهما، ولْيَفْتح الوسطى مع السبابة والإبهام؛ فإن في فتحها [ح 178] منافع كثيرةٌ:
منها: سلاسة الإطلاق.
ومنها: سلامة (1) وجه الكُشْتِبَان.
ومنها: أنه يأمن بفتح الوسطى من مسِّ الوَتَر لِطَرفِ سبابته وإبهامه بَعْد الإطلاق.
وأما الذي في الفَم: فهو أن يستنشق الهواء من أول مَدِّهِ إلى وقت وفائه قليلًا قليلًا، فإذا أطلق، تنفَّس مع إفلاته تَنَفُّسًا خفيًّا من حيث لا يشعر به مَنْ هو إلى جانبه.
وأما الشِّيئان اللذان في الصدر:
فأحدهما: أن يجمع صدره من (2) وقت مدِّه إلى آخر استيفائه، حتى يكون صدرُه في آخر الوفاء أضيق ما يكون.
والثاني: أن يفتح صدْرَه في نفس إطلاقه؛ ليحصل لكل كَتِف
__________
(1) في (مط)، (ح) (سلاسة).
(2) في (ح) (إلى) بدلًا من (من) وهو خطأ.

(1/410)


وطرفٍ من يديه جزءٌ من القوَّة، فكأنه يعين كتفيه ويديه (1) بصدْرِه”.
قال الطبري: “فإذا أحكم الرامي جميع هذا، ولم يُنْقِص منه شيئًا؛ كان راميًا كاملًا، ولم يرمِ جَوْشَنا (2) ولا خُوْذَة ولا باب حَدِيد إلا أنفذه.

فصلٌ في جُمَل من أسرار الرمي ذكرها الطبري في كتابه
وهي عشرون سرًّا:
فمنها: ثلاثة مستوية، وثلاثة معوجَّة، وثلاثة ليِّنة، وثلاثة شديدة، وثمانية تُفرَّق (3) في سائر البدن.
فأما الثلاثة المستوية:
فرأسُ القوس، والزجُّ – وهو النصل -، والمِرْفَق.
وأما الثلاثة المعوجَّة:
فرِجْل الدشتان عند الإيْتَار، ومُقَدَّم الرِّجْلَين عند القيام (4) للرَّمي.
وأما الثلاثة اللَّيِّنة:
فعقد ثلاث وستين، ومقْبض اليسار، ومِرْفَق اليسار.
__________
(1) في (مط) (كتفه ويده).
(2) الجَوْشَن: الدِّرع. انظر المعجم الوسيط ص 168.
(3) في (ح، مط) (تفترق).
(4) في (ظ) (القياس).

(1/411)


وأما الثمانية المفرّقة (1):
فأوَّلها: أن لا يشد على القبضة في أوَّل المدّ، ويشدّها في آخره.
والثاني: أن (2) لا يرخي عقد الستين على الثلاثة، ولا يتَّكئ عليها، بل يجعل بينها فرجة في المدِّ عند الإطلاق، فهو أصلح له.
والثالث: أن يجعل بُعد الوَتَر عن وجهِهِ قدر ثلاث أصابع، وأقله أصبع واحدة، وعند الإطلاق يُخرِج سِيَة (3) قوسه قليلًا.
الرابع: أن يكون أول المَدِّ برفقٍ إلى وقت الإطلاق.
والخامس: شدّ الشِّمال على المقبوض جدًّا كلما أمكن.
قالوا: حتى يكاد الدم يخرج من الظفر، [ح 179] وعليه إجماع الرُّماة؛ لأن في استرخائها عند الإطلاق آفاتٌ كثيرةٌ.
والسادس: إذا رمى إلى بُعْدٍ اتَّكأ على رجله اليمنى، وإذا رمى إلى (4) قربٍ اتَّكأ على رجله اليسرى.
السابع: أن يكون بين أصابع زِنْدِه اليسرى وبين المقبض فُرْجَة؛ حتى لا يلحق الكُرْسُوع، فهو أشدُّ لها.
والثامن: أن يترك الحرص على طلب الصَّائب، ويجعل حرصه
__________
(1) في (ح، مط) (المفترقة).
(2) من (مط).
(3) من (ظ).
(4) في (ظ) (على).

(1/412)


على صحة العمل وتوفيته حقَّه.
فإذا فعل ذلك جمع الحذق والإصابة.

فصلٌ في القيام والجلوس
القيام على ثلاثة أوجه:
– أما مذهب الأستاذ طاهر (1): فإنه كان يقوم بحِذَاء الرُّقْعة متوجِّهًا، مستوي الرجلين بينهما قَدْرُ عظم الذِّراع، ويعلِّم ذلك تلامذته.
– وأما الأستاذ أبو هاشم: فإنه كان يقوم مُنْحَرِفًا يسيرًا بين المتوجِّه والمنحرِف، وزعم أنَّ هذا أعدل القيام للرمي، وعليه أكثر من يرمي في الإشارات.
– وأما مذهب الفُرس والرُّوم: فيقولون بالانحِراف جدًّا، ويجعلون المَنْكِب الأيسر حِذَاء الرُّقْعة، ويلصق الرامي أحد رِجْليه بالأخرى (2).

فصلٌ
وأما الجلوس؛ فعشرة أوجه (3):
– فأما مذهب أبي هاشم: فإنه كان يقعد على رجله اليمنى، ويقيم
__________
(1) في (ح) (أبي طاهر).
(2) سقط من (ظ) هذا الفصل كاملًا.
(3) من (ظ)، وانظر: تبصرة أرباب الألباب للطرسوسي ص 84.

(1/413)


اليسرى، ويشدّ يده إليها.
– وكان البلخي إذا أراد الرمي في القرب، قعد على يمينه، ويقيم ركبته اليسرى، ويشدُّها إلى يساره. وإذا أراد البعد، قعد على يساره، وأقام ركبته اليمنى، وشدَّ يده إليها. وزعموا أنه كان يرمي بهذا المذهب خمس مئة ذراع.
– وأما عبد الله بن زيد: فإنه كان يقعد على قدميه، ويقيم رأس ركبتيه، ويضع [ظ 87] أَلْيَتَهُ على الأرض إذا استوى. وهو صَعْب.
– وطائفة أخرى تقعد على الرجل اليمنى وتقيم اليُسرى، وهذا يصلح للرمي مع السلاح.
– قال الطبري: “ورأيت منهم من يبرك (1) على الركبتين جميعًا ويرمي، وكان بعض الأستاذين يقعد على الركبة اليسرى، واليمنى بائنة عنها، ويرمي من وراء رُكبتيه (2)، وهذا مذهب ينسب إلى (3) الكاغَدِي”.
– وأما الأستاذ أبو موسى [ح 180]: فإنه كان يقوم قائمًا بحذاء الرقعة، ورجلاه مستويتان ملتصقتان، ثم يجرُّ الرجل اليسرى إلى خلف، ويقعد على عقبه، ويكون مشط الرجل اليمنى ملتصقًا بالركبة الشمال، وعلى ركبته اليمنى إلى خلف.
__________
(1) في (ظ) (يقعد).
(2) في (ح) (مط) (ركبته).
(3) قوله (ينسب إلى) من (ظ).

(1/414)


وفي شدِّ الركبة على الأرض معنى لطيف.
– وأما مذهب الزرَّاد: فإنه كان يجعل قدمه اليسرى خلف ألْيَتِهِ، ويجعل رأس الركبة اليسرى بحذاء المنكب، والقدم (1) اليمنى بائنًا عن الركبة اليسرى، ويرمي.
– وأما مذهب طاهر: فإنه كان يجلس متربّعًا متصدِّرًا، ويأمر تلامذته بالجلوس على الرجل اليسرى، والاتِّكاء على اليسار.
– ومن الرُّماة من كان يقعد على رجله اليسرى، ويجعل ركبته اليمنى على ركبته اليسرى مبسوطة إذا أراد أن يرمي في القرب، فإذا أراد البُعْد، جلس على رجله اليمنى، وبسط اليسرى عليها، كما فعل في الابتداء ويرمي.
ولكلِّ مذهبٍ من هذه المذاهب وجهٌ حسنٌ، وخاصيَّة.

فصل: مشتمل على: فصول من طِبِّ الرمي، وعلاج علله، وآفاته
فصلٌ منها (2)
فمن العلل: أن يمس الوَتَر بذراع الرامي، وذلك يكون من أسباب
__________
(1) في (مط)، (ح) (بحذاء القدم والمنكب، وقدم اليمنى).
(2) في (مط)، (ح) (فصول طب الرمي وعلاج علله وآفاته، فصل: فمن العلل).

(1/415)


عديدة:
أحدها: دِقَّة (1) المقْبَض.
الثاني: سِعَة الكف.
الثالث: دخول زِنْدِه في القوس.
الرابع: اسْتِرْخَاء قبضة يده اليسرى.
الخامس: طول الوَتَر.
السادس: قيام أسفل القوس.
السابع: من جهة كُمِّه إذا لم يشمِّرْه.
الثامن: من شِدِّه الجَبْذ.
التاسع: صَلابة القوس.
العاشر: سِعَة حلقتي الوَتَر.
الحادي عشر: كَثرْة لَحْم الرَّاحة.
الثاني عشر: استرخاء مفاصله.
الثالث عشر: لين الوتر على القوس الصّلبة.
الرابع عشر: عِوَج القبضة أو السِّيَة (2).
__________
(1) في (ظ) (خِفَّة).
(2) في (ح) (أو السيتين).

(1/416)


ويمس الوتر ذراع الرامي في أربعة مواضع:
أحدها: في الساعد.
الثاني: في الكُرْسُوع، وهو طرف الكفّ.
والثالث: بقرب الكُرْسُوع.
والرابع: من القبضة.
فأما مسّ الساعد؛ فمن ثلاثة أشياء:
أحدها: صلابة القوس، وضعف الرامي عليه.
والثاني: من سوء الجبذ مع طول [ح 181] ذراعه.
والثالث: من طول الكُمِّ.
وأما مسّ الكُرْسُوع؛ فمن ثلاثة أسباب أيضًا:
أحدها: إدخال زِنده في القوس.
الثاني: طول الوتر.
الثالث: قيام أسفل القوس إذا لم يرفعه بزنده الأسفل.
وأما مسه لما تجاوز الكرسوع؛ فمن سبعة أسباب (1):
أحدها: سعة حلقتي الوتر.
الثاني: كثرة لحم الرَّاحة.
__________
(1) في (ح) (أشياء).

(1/417)


الثالث: استرخاء المفاصل.
الرابع: دِقَّة المِقْبَض.
الخامس: سِعَة الكف.
السادس: استرخاء القبضة في (1) القوس.
السابع: عوج القبضة والسِّيَتَيْن (2).
وأما ما يمسه في القبضة: فمن طول الوتر ولينه، ولا سيما إن كانت القوس معجرة صلبة.

ذكر ما يصلح به هذه الآفات:
أما ما كان منها من جهة الكفِّ: فإن سبيل القبضة أن تَقْبِض عليها بجميع الكف، فإن بقي بين الأصابع والكف مقدار عرض نصف أصبع فحسن، وإن زاد أو نقص، فلا خير فيه.
فما كان من هذه الآفات من سِعة (3) الكفِّ ودقَّة المقبض، فعلاجه: بأن يلفّ على المقبض شركة (4) طويلة من أدمٍ مبلولة رقيقة بقدر الحلقة (5)، فإن أعوزه؛ فحاشية ثوبٍ رقيقٍ صفيقٍ، ويشدُّه شدًّا
__________
(1) في (مط)، (ح) (من).
(2) في (مط) (والسية).
(3) في (ح)، (مط) (سرعة).
(4) لعل المراد: القطعة، أو: سير النَّعْل على ظهر القَدَم. وهو شِرَاك وجمعه: شُرُك، وأشْرُك. المعجم الوسيط. (ص/ 506).
(5) في (مط)، (ح) (من أدم منشورة دقيقة بقدر الحاجة)، لكن في (ح) (رقيقة) =

(1/418)


قويًّا؛ لئلا يفلت (1) من المقبض.
وما كان منها من الوتر: فتَلَهُ (2) أو عَقَدَه.
وما كان من القوس: أصْلَحه بتفقُّده وإزالة عيبه، أو الاستبدال به، فإن ألحَّ عليه من الوتر، ولم يقدر على إزالته؛ فليدفع بمقدار عرض أصبع ونصف أصبع من الوتر الأعلى ونصف أصبع (3) من الأسفل، فلا يعتريه المسّ بعدها أبدًا (4).

فصلٌ في استرخاء قبضة الشمال وما يزيله
واسترخاؤها يكون من ثلاثة أوجه:
أحدها: اجتماع لحم أصول (5) الأصابع، فيغطي بعضُها بعضًا، فتسترخي لذلك.
والثاني: من دقَّة المقبض وسِعَة الكف، فلم يمكنه شدها.
والثالث (6): أنْ يشدَّ أصابعه الثلاثة: الإبهام، والسبابة،
__________
= بدلًا من (دقيقة).
(1) في (ظ) (يلفت) وهو خطأ، وفي (ح) (يلعب).
(2) في (ظ) (فمثله).
(3) من قوله (ونصف أصبع) إلى (أصبع) من (ظ).
(4) من (ظ).
(5) ليس في (ح).
(6) سقط من (ح)، (مط).

(1/419)


والوسطى، فيسترخي من أجلها الأصْبَعان (1) الخِنْصر والبِنْصر.
وما كان من جهة اجتماع لحم أصول الأصابع؛ فعلاجه: بإنزالها إلى بطن راحته، وتحريفها (2). [ح 182].
وما كان من جهة (3) سعة الكف ودقة المقبض؛ فعلاجه: بما تقدَّم.
وما كان من جهة شد (4) أصابعه الثلاث؛ فعلاجه: بإرخائها قليلًا [ظ 88].

فصلٌ في آفة عَقْر السبابة من اليد اليمنى وعلاجه
تتعَقَّرُ السَّبَّابة (5) وقت الإيتار من وجهين:
أحدهما: أن يعتمد وقت تكبيد (6) القوس على أصابعه، ولا يعتمد على كفِّه، فيأكل طرف السِّيَة أعلى سبابته.
الثاني: أن يكون من شدَّة القوس عليه، وإخراجها إلى الاستعانة (7)
__________
(1) قوله (من أجلها الأصبعان) ليس في (ظ).
(2) سقط من (ظ).
(3) سقط من (ظ).
(4) ليس في (ح).
(5) من قوله (من اليد) إلى (السبابة) ليس في (ح، مط).
(6) في (ح)، (مط) (تكسير).
(7) في (ظ) (إلى استعانته الاستعانة) وكتب الناسخ على (الاستعانة) (خ)، أي: =

(1/420)


بجميع (1) كفِّه، فتقع سبابته على قائم السِّيَة، فيعقرها، فإن كان من أصابعه أوتر القوس بجميع كفه، فيلف عليها خِرْقَة ويعتمد عليها بكفه.

فصلٌ في آفة مس الوتر لأُذُنِ الرامي ولِحْيته وعلاجه
أما هذه الآفة؛ فلها أسباب:
أحدها: لين الإطلاق.
الثاني: مَيَلَان سِية القوس على (2) جِهَة السَّهم.
الثالث: خروج أسفل القوس فوق المقدار.
الرابع: عبثه برأسه إذا صارت يده عند (3) منكبه.
فإذا تجنَّب هذا؛ لم يمسه الوتر، فإنْ ألحَّ عليه الوتر أخرج وجهه قليلًا عن الوتر.
وعِلَّة مس الوتر لحيته (4): إما من خفض رأسه؛ فعلاجه: برفعه، وإما من ميلان سِيَة القوس، وعلاجه: بتعديلها.
__________
= في نسخة.
(1) (ح، مط) (بجمع). وكذلك ما بعده.
(2) في (مط) (عن).
(3) ليس في (ظ).
(4) في (مط) (بلحيته).

(1/421)


فصلٌ في آفة كَسْر ظُفْر الإبهام في العقد وعلاجه
هذه الآفة لها أسباب:
أحدها: أخذه على اللحم دون المفصل، لا سيما إن كان إبهامه قصيرًا.
الثاني: من تطريفه السبابة على الإبهام.
الثالث: من كزازة الإرسال: بأن يفتح إبهامه قبل سبابته، فيضغطها الوتر، فتسودَّ وتندمل.
وعلاجه: فتح السبابة قبل الإبهام أو معها.
الرابع: من (1) حزِّ الكُشْتِبَان في الوتر.
الخامس: من طول مِلْفَاف الكُشْتِبَان (2).
وعلاج ما كان من التطريف: بأن يجعل ثلثي السبابة على اللحم، وثلثها على الظفر. وعلاج طول الكُشْتِبَان: بتقصيره.

فصلٌ في آفة لحوق السبَّابة عند الإطلاق وعلاجه (3)
هذه الآفة في ثلاثة أشياء:
__________
(1) من (ظ).
(2) من قوله (في الوتر) إلى (الكشتبان) من (ظ).
(3) في (ح، مط) (وعلاج) وهو خطأ.

(1/422)


أحدها: شِدَّة التمطِّي.
والثاني: شِدَّة القوس وضعف الرامي، فيكون [ح 183] إطلاقه غير ممكن.
الثالث: من عقد ثلاث وعشرين فتطول السباب على الوتر، فيلحقه.
وعلاجه: بتجنُّب ذلك، والتحرّز منه (1).

فصلٌ في آفة ردِّ السهم وقت الإطلاق
وعلاج (2) هذه الآفة:
تكون من ذراعه إذا لم يفلته وقت الجبذ، فإذا جبذ، دخلته رخاوة، فإن أصابه ذلك؛ فليبسط شماله، ويفتح ذراعه، ويضغط (3) يمينه عند الإرسال، فتزول العلّة.

فصلٌ في آفة الكزازة وما يزيلها
الكزازة تكون (4) في اليد اليمنى وفي اليد اليسرى من شيئين:
__________
(1) في (مط، ح) (والتحريف) بدلًا من (والتحرُّز منه).
(2) في (ح) (وعلامة).
(3) في (ح، مط) (ويضبط).
(4) من (ظ)، والكزازة: اليُبْس والانقباض. العين (ص/ 840).

(1/423)


أحدهما: سفل (1) يده اليسرى في القبضة، فإذا سفلها، عَلَت اليدُ اليمنى عليها، فوجد السهمُ فراغًا في القبضة، فطاش السهم.
الثاني: أن يرفع يدهُ اليمنى نحو أذنه، ويسفل الشمال، فيقع سهمُه في الأرض قريبًا منه.
وعلاجُ هذه العلة: إن كان من يده اليسرى، فليرفع يده في المقبض قليلًا حتى يترك من القبضة مقدار عرض أصبع.
وإنْ كان من يده اليمنى، فعلاجها: أنْ يقوم على أربعين ذراعًا أو أكثر واقفًا، ويجعل العلاقة في الأرض، ويرميها (2)، ويرمي عليها، حتى تزول.

فصل في آفة ضرب سِيَة القوس الأرض عند الإطلاق
هذه العلَّة تعتري الجالس للرمي من أربعة أسباب:
أحدها: خروجه عن قوسه، واتِّكاؤه بأكثر جسمه.
الثاني: من سوء جِلْسته؛ بأن يعتمد على رجله اليسرى، ويترك الاعتماد على اليمين.
الثالث: من قوَّة قوسه عليه، فيستعين بجسمه على جبذها، فيسوقه أكثر ما (3) يسوقها.
__________
(1) في (ظ) (تسفل)، وفي (مط) (يسفل)
(2) ليس في (ح).
(3) في (ح) (مما).

(1/424)


الرابع: أن تغلب يده اليسرى ليده اليمنى وقت الجبذ.
فإن كان من اتِّكائه بجسمه عليها فعلاجه: أن (1) يأخذ قوسه، ويقف واقفًا، ويرمي على غرضٍ مرتفعٍ عالٍ (2). وإنْ كان من سوء جلوسه، فلْيصلِحْهُ، وليَعْتَمِد في جلسته على رجله اليمنى، ويطوي ساقه اليمنى، ويوقف الشمال. وإن كان من قوّة قوسه، أبدلها بغيرها. وإن كان من غلب يده اليسرى؛ فلينازع في القبضة إلى أن تعتَدِل [ح 184].

فصلٌ في عِلَّة كَسْر فُوْق السهم وعلاجه
كسره [ظ 89] يكون في موضعين:
أحدهما: أن ينكسر فينشق الفُوق بنصفين.
الثاني: أن ينكسر أحد (3) جانبي الفوق.
فأما شقُّه بنصفين، فيكون من علَّتين:
إحداهما: خشونة الوتر، وضيق شقّ الفوق.
الثانية: أن يدخل الفوق في الوتر، فلا يصل الوتر إلى آخر الشق، ويبقى بينهما فرجة، فإذا أفلت السهمُ؛ ضرب الوتر إلى أصل الفوق فشقه.
__________
(1) في (ظ) (بأي).
(2) ليس في (ظ).
(3) سقط من (ح، مط).

(1/425)


وأما كسر أحد جانبيه؛ فمن غمز الرامي على الفوق بالسبابة، فينكسر جانبُه، وهو عيبٌ فاحشّ، وأكثر ما يعتري المبتدئ لصناعة الرمي.
وعلاجه: باجتناب (1) الغمز على الفوق بالسبابة، وترك السبابة على السهم لينة.

فصلٌ في عِلَّة حركة القوس بالسهم عند خروجه من كبد القوس، وعلاج ذلك (2)
حركته تكون من خمسة عشر سببًا (3): أربعة منها في الوتر، وستة في السهم، وواحدة في القوس، وأربعة في الرامي.
فالأربعة التي في الوتر: طولُه، وغلظُه، ورقَّتُه، وأن تكون إحدى عُرْوتَيه واسعة والأخرى ضيِّقة.
والتي في القوس: أن تكون السِّيَتَان من جنسين مختلفين، تكون إحداهما: خشبًا ليّنًا، والثانية: من خشب صلب.
والستّة التي في السهم: أن يكون ريشه مخالفة، فتكون ريشة خفيفة، واثنتان ثقيلتين، أو بالعكس، أو ريشة نائمة، واثنتان قائمتين، أو بالعكس، أو ريشة عريضة واثنتان دقيقتين، أو بالعكس، أو يكون
__________
(1) سقط من (ظ).
(2) في (ح، مط) (وعلاجه) بدلًا من (وعلاج ذلك).
(3) في (ظ) (شيئًا).

(1/426)


النصل خفيفًا والسهم ثقيلًا، أو بالعكس.
وعلاجه: بإصلاح ذلك كله.
والأربعة التي في الرامي: أن يغمز بالسبابة على السهم، أو تكون قبضته رخوة، أو تكون القوس لا توافقه، أو السَّهم لا يوافقه (1).

فصلٌ
وتحريك السهم على ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يتحرَّك من أول خروجه إلى حين وقوعه.
والثاني: أن يتحرَّك من أوَّل خروجه، فإذا توسَّط المدى؛ استدَّ.
الثالث: أن لا يتحرك [ح 185] في أوَّل خروجه، فإذا توسط المدى؛ تحرَّك حتى يقع.

فصلٌ
فأما الذي يتحرَّك من أول خروجه إلى حين وقوعه؛ فيكون من ستة أسباب (2):
أحدها: من عِوَجٍ في السهم.
الثاني: أن يكون رِيْشُه غير معتدل.
والثالث: أن يكون النَّصل خفيفًا، والريش كثيرًا.
__________
(1) في (ح) (أو السهم يوافقه).
(2) في (مط) (أبواب).

(1/427)


والرابع: أن يكون النصل ثقيلًا والريش قليلًا (1).
والخامس: أن تكون إحدى الريشات (2) قائمة والأخرى راقدة.
والسادس: أن يكون الفُوْق ضيِّقًا، والوتر خشنًا، فيخرج مضغوطًا.

فصلٌ
وأما الذي يَخْرُج من أوَّل وهْلة مستقيمًا ثم يتحرَّك إذا توسَّط المدى؛ فمن ثمانية أسباب:
أحدها: خفَّة السهم وقوة القوس.
الثاني: سعة الفوق، ودقَّة (3) الوتر.
الثالث: من نقب (4) يكون في السهم، أو شقٍّ يكون فيه، فإذا دخله الهواء؛ تحرَّك، وكان المانع له من حركته في أوَّل وَهْلة قوَّة السهم وغلبة الريح، وكلما أبعد وَهَتْ (5) قوَّته؛ وإلا كان يمر إلى غير غاية فصادفت الريح قوته قد نقصت (6)؛ فحرَّكته.
الرابع: استرخاء الكف في القبضة عند الإفلات.
__________
(1) في (ظ) (ثقيلًا)، وفي (ح) (والريش كثيرًا قليلًا).
(2) في (مط) (الريشتين).
(3) في (مط) (ورقَّة).
(4) في (ح) (بقية).
(5) في (ظ) (ذهب).
(6) من قوله (وإلا) إلى (نقصت) من (ظ)، ووقع في (ح) (قوته وإلى تمر إلى غيرها الريح قوته وقد نقصت).

(1/428)


الخامس: عوَج السهم بقرب النَّصل أو الفُوْق.
السادس: سِعة عُرْوة الوتر.
السابع: أن تكون القبضة في القوس معوجَّة، أو أحد بَيْتَيها معوجٌ.
الثامن: دخول بيت الإِسقاط على بيت الرمي.

فصلٌ
وأما الذي يتحرَّك آخرًا ولم يتحرَّك أولًا؛ فسببه أن العِلَّة لم تَعْمَل فيه إلا عند فتوره؛ فإنه كان عند خروجه في غاية القوَّة والشدِّة (1)، وكانت قوَّته تغلب عليه، فلما وهنتْ قوَّته، ظهرتْ علَّتُهُ، فإنَّ قوَّة السهم (2) كقوَّة البدن، فإذا غلبت على العلَّة، لم يظهر أثرُها، فإذا وهنت القوى (3) وضعفت عند آخر العمر؛ ظهرت العلل، وكان الحكمُ لسلطانها.

فصلٌ
وأما الذي يخرج متحرِّكًا، فإذا توسَّط استدَّ (4)؛ فيكون ذلك من ثلاثة أشياء:
أحدها: رقَّة السِّيَتَيْن واعوجاجهما. [ح 186]__________
(1) من (مط، ح).
(2) في (مط) (ح) (قوته كقوة البدن).
(3) في (مط)، (ح) (القوة).
(4) في (ظ) (شد)، وفي (ح) (سَدَّ).

(1/429)


الثاني: غمز السبابة على السهم مع الوتر غمزًا قويًّا.
الثالث: قوَّة القوس وضعف الرامي.
وإنما تحرَّك أولًا من جهة أن السِّيَتَيْن باعوجاجهما دفعتا دفعتين مختلفتين، فيعوجُّ السهم من أجلهما، فإذا توسَّط مداه؛ خفَّت تلك العلة، فاستدَّ (1).
وكذلك إذا غمز بالسبابة على السهم غمزًا فاحشًا؛ يعوج السهم وهو في القوس، لا سيما إن كان [ظ 90] شِقُّ الفُوق واسعًا، فإذا خرج السهمُ من القوس؛ رجع مستويًا في سيره، فخفَّت العلَّة، فاستدَّ السهم.
وكذلك من ضعف الرامي وشدَّة القوس، تَعْتريه عيوبٌ كثيرةٌ، فليَحْذَرِ الرامي كل الحذر: أن يرمي بقوسٍ فوق مقداره؛ فإنه تكثر عيوبه، وتقلُّ نكايته، وتعتريه في نفسه عيوبٌ كثيرةٌ، ومن كمال حذق الرامي عند أهل الصناعة أن يأخذ قوسًا دون مقداره.

فصلٌ في عَقْر الإبهام بالسهم وقت الجرِّ وعلاجه
عقرها يكون في ثلاثة مواضع:
أحدها: في عقدة (2) الإبهام.
الثاني: في العقدة التي في أصل الإبهام.
__________
(1) في (ح) (فاشتدّ)، وكذا ما بعده.
(2) في (ظ)، (ح) (عقد)، وكذا ما بعده.

(1/430)


الثالث: في اللحم الناتئ بين الأصبعين (1): السبابة والإبهام، في أصل القبضة.
فأما عقرُها في عقدة الإِبهام فيكون من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يشد أصبعه على القبضة بالإِبهام (2) والسبابة.
الثاني: من (3) رَفْع عقدة إبهامه وقت الجَرِّ.
الثالث: أن يجعل إبهامه على سبَّابته في الجرّ، فإن تمكَّن من شد أصبعيه؛ لينهما، وإنْ تمكَّن من تصعيد إبهامه على سبَّابته، جعلها متوسطة؛ كأنه عاقِد على ثلاثين.
وأما عقرها في العقدة الثانية التي في أصل الإبهام؛ فإنه يكون من ثلاثة أسباب:
أحدها: دقَّة المقبض وسِعَة الكف.
الثاني: سوء القبض.
الثالث: قيام بيت الإِسقاط في قوسه وعلوه على بيت الرمي.
فإن كان من دقَّة المقبض: أصلحه بما تقدَّم، وإن كان من بيت القوس: أدناه على نار لينة، وإن كان من سوء القوس: أدناه على نار لينة، وإن كان من سوء المقبض فعلاجه: بإصلاح ذلك.
__________
(1) في (مط) (الأصابع)، (وفي (ح) (الثاني بين الأصابع .. ).
(2) من قوله (فيكون) إلى (الإبهام) من (ح، ظ).
(3) في (مط) (والناتئ ممن) بدلًا من (والثاني من).

(1/431)


وأما عقرها عند أصل الإبهام بينه وبين السَّبابة؛ فمن وجهين:
أحدهما: فساد قبضته وإشباعها (1).
الثاني: [ح 187] من تسفل فوق السهم جدًّا.
فإن كان من إشباع يده في مقبضه: أصلحه بما تقدَّم، وإن كان من السَّهم: جعله في كبد القوس في نصف الوتر، وعلَّمَ في (2) موضعٍ علامة لا يخطئها كل رمية.

فصل في (3) ذكر أركان الرمي الخمسة وصفة كل واحد منها والاختلاف فيها (4)
قد تقدَّم، أنَّ أركانه: القبض، والعقد؛ والمدّ، والإطلاق، والنَّظر، ونحن نذكرها مفصَّلة مبيَّنة:
* فأما القبض؛ فاختلف الرماة فيه:
– فمنهم من يقبض على مقبض القوس بجميع كفه، ويدفع بزنده جميعًا، وهذا مذهب طاهر.
– ومنهم من يُحَرِّف المقبض في كفِّه تحريفًا شديدًا، ويشدُّ
__________
(1) في (ح) (واتساعها)، وكذا ما بعده.
(2) من (ظ).
(3) قوله (فصل في) من (ظ).
(4) من (ظ).

(1/432)


أصبعه، ويدفع بزنده الأسفل، ويترك بين زنده الأسفل والقبضة (1) في الكفّ مقدار عرض أصبعين.
وعلى هذا جماعة الفرس، كسابور ذي الأكتاف وبهرام جور وغيرهما، وهو مذهب أبي هاشم.
– ومنهم من يتوسط بينهما، وهو مذهب إسحاق الرَّفَّاء، ويجعل بين القبضة وزنده الأسفل عرض أصبع.
وهو أجود المذاهب وأحسنها عند حذَّاق الرماة.
وقد ذُكِر عن طاهر: أنه يجعل مقبض القوس على أصول أصابعه (2)، والقبضة مستوية. وقد (3) ذكر عنه: أنه كان يجعل القوس على أصول أصابعه وهي محرَّفة، وزنده مستوٍ.
وهذا أحسن المذاهب عندهم (4)، وعليه العمدة.
قال بعض الحذَّاق: من قال باستواء القبضة؛ شدّ جميع أصابعه شدًّا واحدًا، ودفع بزنديه جميعًا.
وهذا الرمي حسن للأغراض القريبة، ورمي الشيء الدقيق من قرب؛ غير أن صاحبه لا يسلم من مس الوتر ذراعه، وهو ضعيف الرمي.
__________
(1) سقط من (مط)، (ح)
(2) في (مط) (ح) (عند أصابع رجليه)، لكن في (ح) (رجله، وقد ذكرو القبضة مستوية).
(3) ليس في (ظ).
(4) سقط من (ظ).

(1/433)


ومن قال بالتحريف: كان أنكى له، وأطرد للسهم، وأحسن للرمي، وأقوى له، وهو جيِّد للفارس والراجل، ولرمي الحصون والأسوار، والرمي العالي كله، وهو أقل إصابة.
ومن قال بالتوسط بينهما؛ لم يشبع كفَّه في المقبض، ولا يحرف كفَّه أيضًا تحريفًا شديدًا.
قال: والأحسن في هذا كله أن تأخذ القوس بكفِّك (1)، فتضع مقبضها [ح 188] عند أصول أصابعك، وتدخل لحم راحتك كلَّه في المقبض، وتشد الخنصر والبنصر والوسطى شدًّا عنيفًا على ترتيبها، الخِنْصر أشدّ ثم البِنْصر ثم الوسطى، وتترك أصبعيك الإبهام والسبابة ليِّنتيْن، فتكون كأنَّكَ عاقد مئتين بهما؛ وتُدْخِل زندك الأعلى، وتسوي الأسفل، وتترك بين زندك الأسفل وبين القبضة عرض أصبع، فتزول عنك جميع العلل بذلك.
وبالجملة؛ فالاستواء للعرب، والتحريف للعجم.
وأجمعَ أربابُ المذاهب: أنه لا ينبغي [ظ 91] للقبضة أن يكون منها موضع خالٍ.
وأجمعوا على أن شدَّة سير السهم من شدة القبضة؛ إلا شرذمة جهلت، فقالت: إن استرخاء القبضة أحدُّ للسَّهم.
وقال الأستاذ محمد (2) بن يوسف: والأجود أن لا يشدَّ القبضة
__________
(1) في (ظ) (القوس بيدك بكفك)
(2) في (ح)، (مط) (أبو محمد).

(1/434)


أولًا، ويشدها آخرًا.
وهؤلاء الذين اختلفوا في ذلك، هل اختلفوا في جنس واحد من القسي أم في أجناس، وفي كفٍّ واحدة، أم في أكُفٍّ شتى؟!
ولا ريب أنك تجد قوسًا قبضتها مربعة، وتجد قوسًا قبضتها مدوَّرة، وقوسًا بين المدورة والمربَّعَة.
وأما القبضة المربَّعة: فهي قبضات العجم، والتَّحريف لهم جيِّد، والاستواء يبطل الرمي بها.
وأما القبضة المدوَّرة: فهي قبضات (1) العرب، والتحريف يبطل الرمي بها.
وأما المتوسطة: فيتوسط لها.
ولكل قوس قبضةٌ، ولكل كفٍّ قبضةٌ، فمَن كانت كفُّه كبيرة؛ فالأصلح له من القبضات الدقيقة، والمتوسطة للكفّ المتوسط، واختيار المقبض في الكف أن يقبض بجميع (2) كفِّه، ويدخل لحم راحته في كفِّه، فإنْ لحقت أطرافُ أصابعه لكفِّه فالمقبض صغير على الكف، فلا يصلح له به رمي، ويَدْخُلُه العيب إن رمى به، وكذلك إن كانت القوسُ غليظةَ المقبضِ على الكفِّ.
وحكم القبضة: أن تقبض عليها بجميع كفِّك، فإنْ بقي بين
__________
(1) في (ظ) (قبضة، وسقط من (ح) من قوله (وأما القبضة المدورة) إلى (بها).
(2) في (ح)، (مط) (جميع).

(1/435)


أصابعك مقدار عرض نصف أصبع (1)، فهو حسن، فإن زاد أو نقص فلا خير فيه.

ذكر العقد ووجوهه
أقوال (2) الناس في العقد على الوتر على تسعة أقسام:
أحدها: وهو الصَّحيح الجيِّد [ح 189] القوي: أن يعقد ثلاثًا وستين.
الثاني: تسعة وستين. وعلى هذين العقدين جميع الأساورة والأكاسرة، والأوَّل عندهم أصحُّ وأثبت.
الثالث: أن يعقد (3) ثلاثة وسبعين.
الرابع: أن يعقد ثلاثةً وثمانين.
الخامس: أن يعقد أربعة وعشرين.
السادس: أن يعقد إحدى وعشرين.
وعلى هذا أكثر الترك والروم؛ لأنهم يرمون بقوسٍ ليِّنة وبغير أصل، فيعقدون كيفما تيسَّر عليهم.
والسابع: عقد يسمى الرَّديف، وهو: أن يعقد اثنين وستين ممكنة، ويلقي الوسطى مع السبابة على الإِبهام.
وهذا العقد جيِّد لِجبْذ القوس الصلبة، لكنَّها بطيئة الإِطلاق.
__________
(1) قوله (نصف أصبع) ليس في (ظ).
(2) من (ظ).
(3) قوله (أنْ يعقد) ليس في (ظ)، ومثله ما بعده.

(1/436)


الثامن: أن يجعل أصابعه الثلاثة: الخِنْصر، والبِنْصر، والوسطى في الوتر، ويجعل السبابة ممدودة مع طول السهم، ولا حظَّ للإبهام هنا.
وهذا عقد جميع (1) الصقالبة وإليهم يُنسب، ويصنعون للأصابع الثلاث كشتبانات الذَّهب والفضة والنحاس والحديد، والقوس على هذه الصفة واقفة لا راقدة.
التاسع: أن يجْبِذ بالأربعة أصابع (2): بالسبابة والوسطى والخنصر والبنصر.
وهو مذهب العرب القدماء في الجاهلية. ومنهم من كان (3) يجبذ بهذه الأصابع والقوس راقدة، ويجعل السهم بين الوسطى والبنصر، ويجبذون إلى صدورهم، وعليها أكثر باديتهم.
وقال بعضُ الأئمة: وهذه العقد كلها خطأ؛ إلا عقدة ثلاث وستين، وربما دعت الحاجة والضَّرورة إلى استعمال بعضها؛ لحادثٍ يحدث في الإبهام وغيرها، فينبغي تعلُّمها أو بعضها، ومَن أراد القوَّة والشدَّة والسرعة؛ فعليه بعقد ثلاث وستين.
ثم من الرماة من قال: أكتم أظفاري كتمانًا بالغًا، وأجعل الوتر من الإبهام في مفصلها مستويًا غير محرَّف.
__________
(1) ليس في (ظ).
(2) في (ظ) (الأصابع).
(3) من (ظ).

(1/437)


ومنهم من قال: أكتم أظفاري كتمانًا (1) شديدًا، وأجعل الوتر في مفصل الإبهام، وأحرفه قليلًا.
وكلاهما جيِّد حسنٌ، فالاستواء أقوى للمدِّ، والتَّحريف أسرع لخروج [ح 190] السهم.
ومنهم من يجعل الوتر قدَّام الجرِّ في مفصل الإبهام قليلًا.
وهو أحسن المذاهب، وأسرع إفلاتًا من الأول والثاني، وأطْرَدُ للسَّهم.

فصلٌ
وعند الرماة أنّ القوة (2) والسرعة والبُعد إنما هو في الإبهام من العقد باليمين، وفي القبض بالشمال، فعليهما مدار الشدَّة، ولكل أصبعٍ عقدٌ؛ كما أن لكل كفٍّ قبضة (3)، فإذا كان المتعلِّم للرَّمي طويل الأصابع أو قصيرها؛ فاختر له من هذه المذاهب أوْلاها بأصابعه، وأوفقها لرميه، وأبعدها آفة عن جسمه.

فصلٌ
تركيب السبابة على الإبهام ثلاثة أنواع:
__________
(1) في (ح) (مط) (كتمًا).
(2) قوله (أن القوة و) من (ظ).
(3) في (ظ) (ترى قبضة).

(1/438)


أحدها: أن تركب السَّبَّابة (1) فيصير طرفُها على الوتر.
الثاني: أن تركبها فتصير خارج الوَتَر.
الثالث: أن تركبها فتكون داخل الوَتَر.
فمذهب سابور [ظ 92] وبهرام جور وغيرهما: أن تكون السبَّابة خارج الوتر، واختاره أبو هاشم، وهو الرَّمي القديم، وهو جيِّد للأقواس الصلبة.
ومذهب طاهر وحذَّاق أهل هذه الصناعة: أن تكون على الوتر، وهذا أحدُّ للسَّهم، وأسرع للإفلات.
ومذهب إسحاق: أن تكون السبَّابة داخل الوتر.
وقال بعض الرماة: من قال بتحريف العقد؛ طالَتْ سبَّابتُه، وقصرت إبهامُه، فصارتِ السبَّابةُ من (2) داخل الوتر. ومن قال باستواء العقد؛ قصُرت سبابتُه، وطالت إبهامُه، فصارت (3) السبابةُ خارج الوتر. ومن توسَّط بين المذهبين؛ صارت السبابةُ على الوتر.
وحكم السبابة أن تجعل على ثلثي اللحم، والثلث على الظفر، ويكون نصفُها على الوتر، والنصف الثاني خارج عنه، ويكون فوق السهم مما يلي السَّبابة، ولا يُطوِّلُها تطويلًا، ولا يقصرها (4) كثيرًا؛ لأن السبابة إنْ كانتْ من داخل الوتر طويلةً؛ ضربت الوتر في عرض أصبعه
__________
(1) من قوله (على الإبهام) إلى (السبابة) سقط من (ظ).
(2) ليس في (ظ).
(3) من قوله (سبابته) إلى (فصارت) مسقط من (ظ).
(4) قوله (ولا يقصرها) سقط من (ظ).

(1/439)


وقت الإطلاق، وإن كانت مستويةً طويلةً على الوتر [ح 191]؛ ضربت (1) الوتر وقت الإطلاق أيضًا فعقرتْهُ، وإن كانت مطرفةٌ جدًّا، ضَعُفَ مدُّه، وافْلت السهمُ عن أصبعه (2) قبل الوفاء. وكذلك لا يجعل السبَّابة على ظِفْر الإبهام؛ فإن الظفر يَسْوَدُّ، ومن كشف ظفره كله كان أقوى على القوس الصلبة، ولكنه أبطأ إطلاقًا.

فصلٌ
ولا ينبغي للرامي أن يقلِّم أظافر يده اليمنى، بل يتركها موفَّرة؛ لأنه إذا استأصل قَطْعها ضَغَطَها الوتر وقت الجبذ، فخرج الدَّم بين الظفر واللحم.
والتحقيق: أن لكل يد عقدٌ، ولكل وجهٍ عملٌ، ولكل حالٍ عتادٌ، ولكل مقامٍ مقالٌ، وكلٌّ ميسَّر لما هُيِّئ له، وأُعين عليه.

فصلٌ في القفلة بالأصابع الثلاث من اليد اليمنى
من الرماة من يستر أظفاره (3) الثلاثة حتى لا تُرى ويجعل داخلها مجوَّفًا، ومنهم من يجعلها غير مجوَّفة.
وأحْمَدُ المذهبين مذهب (4) من يكتمها، حتى تكاد أصابعه تقطر دمًا من شدَّتها وتجوُّفها.
__________
(1) في (ظ) (ضرب به).
(2) في (مط) (ضعفت هذه، فأفلت السهم على إصبعه)، وفي (ح) (ضعفت هذه).
(3) في (مط) (أظافره).
(4) من (مط) (مذهب).

(1/440)


وقد كانت حذَّاق الرُّماة تأمر تلاميذها أن يجعلوا في أكفِّهم صنجةً (1) صغيرةً ويقفلوا عليها، فإن سقطتْ من كفَّ أحدهم أدَّبه عليها، وكانوا يفتخرون بذلك، وكانوا يأمرونهم أن لا يُخِلُّوا القفلة (2) بالأصابع الثلاث من اليد اليمنى، ولا القبضة من اليد اليسرى، حتى يكمل رميُهم، فإذا كمل حطُّوا القوس، وفتحوا أكفَّهم (3)، وكذلك لا ينبغي أن يغير جلوسه إلا عند عيبٍ يظهر له.
وشدُّهُ أصابع الكف اليمنى في القفلة (4)، واليسرى في القبضة = أسرعُ للسَّهم، وأنكى للرَّمي، وأقوى، وأنفذ.
وأكثر عيوب الرَّامي من اليد اليمني وسداد الرَّمي في اليسرى، وملاحته في اليمنى، وحسن الرمي في القعود والوقوف، والإصابة في النظر، وملاك ذلك كله المداومة والإدمان؛ فإن التَّرك خوَّان.
__________
(1) الصَّنج: صفيحة مدوَّرة من صُفْر. المعجم الوسيط (ص/ 550).
(2) في (مط) (بالقفلة)، وفي (ح) (أن لا يجعلوا بالقفلة).
(3) في (ح)، (مط) (أيديهم).
(4) في حاشية (ظ) ضرب على قوله (في القفلة).

(1/441)


ذكْرُ المدِّ
اختلفوا [ح 192] في مدِّ النشابة (1):
فمنهم من يمدها إلى مشاش منكبه.
ومنهم من يمدُّ إلى حاجبه الأيمن، ومنهم من يمدُّ إلى شحمة أذنه.
ومنهم من يمدُّ إلى آخر عظام (2) لحييه، فيجري السهم بين شفتيه.
ومنهم من يمدّ إلى ذقنه، ومنهم من يمدُّ إلى نهده اليمنى.
هذا مجموع اختلافهم.
فأما من يمدُّ إلى مشاش منكبه: فهو المذهب القديم، وذلك أنَّهم يجلسون منحرفين، فيطول نشابُهم على هذا الجبذ، ومن هنا قالوا: إنَّ طول النشابة اثنتا عشرة قبضة، وهو كثير النكاية، وقلَّ من يرمي به أو يحسنه، وهو يُحدِث للرامي عيوبًا كثيرة.

فصلٌ
وأمَّا المدُّ إلى الحاجب الأيمن: فهو مذهب إدريس، وهو جيِّد، وبه (3) يطول النشابة، وفيه قوَّة كثيرةٌ للمدِّ؛ إلا أنَّ نشابته تمرُّ محطوطة أبدًا، وهو جيِّدٌ لمن يرمي الحصون والأسوار والمواضع المرتفعة، وليس بجيد للقرطاس، وهو من الرمي القديم أيضًا.
__________
(1) في (مط) (السبابة) وهو خطأ.
(2) من (ظ).
(3) في (مط) (وهو).

(1/442)


فصلٌ
وأمَّا المدُّ إلى شحمة الأذن: فهو مذهب بسطام، وهو جيّد جدًّا، وليس في المذاهب القديمة أحْمَدُ منه، ولا أحسن عاقبة؛ إلا أنَّ نشابته أقصُر من أن يمد إلى مشاش الكتف و (1) المنكب والحاجب، وغير أنه أكثر إصابة من الأوَّلين.
وأما من يمدُّ إلى آخر عظام لِحْيَيه [ظ 93]، ويُجْري السهم على شفتيه: فهو مذهب أهل الاستواء، وعليه جماعةٌ من رماة خراسان، وهو أيضًا (2) مذهب إسحاق وطاهر وغيرهما من حذَّاق الصناعة.
ومعنى الاستواء: أن يكون أصلُ السهم مع مفرقه في حال استواء، لا (3) ينحطُّ منهما واحدٌ، ولا يرتفع. وليس في جميع المذاهب أحسن منه، وهو رمي قليل الآفات، كثير الإصابة، وعليه حُذَّاق (4) الرُّماة بالغرب وغيره.
وأما المدُّ إلى الذِّقن أو الصَّدر: فخطأ فاحشٌ، لا خير فيه، وبه تقلُّ الإصابة، وتكثرُ العيوبُ.
__________
(1) قوله (الكتف و) من (ظ).
(2) من (ظ).
(3) من (مط) (الاستواء ولا .. ).
(4) من (ظ).

(1/443)


ذكر النَّظر وأحكامه (1)
اختلف حذَّاق الرمي فى النظر إلى المرمى اختلافًا كثيرًا؛ لعلوِّه وشرفه، [ح 193] وعليه عمدةُ الرَّمي، وهم عليه على ثلاثة أقسام، ثم تتفرَّع إلى ستة:
الأول من الثلاثة: النَّظر من خارج القوس.
والثاني: من داخل القوس.
والثالث: من داخلها وخارجها.
واختلفوا في النظر: هل الأولى أن يكون بالعينين جميعًا، أو بأحدهما؟
* فجمهور الرماة رجَّحوا النَّظر بالعينين؛ لأنه أتمُّ وأكمل وأقوى.
* ومنهم من رجَّح النظر بعين واحدةٍ.
واحتجَّ هؤلاء بأنه إذا كان بعين واحدةٍ؛ كان أجمع للنُّور الباصر، وأقوى له، وإذا كان بالعينين جميعًا تفرَّق في وصوله إلى الغرض فضعف.
قالوا: فإنَّ الناظر إذا نظر بعينٍ واحدة، اجتمع فيها نورُ العينين معًا؛ فإنَّ النور الباصر ينزِلُ من الدِّماغ على تقاطع صَلِيْبِي في الجبهة، فيفترق هناك في منفذين إلى كل عين منفدٍ (2)، فإذا أغمض الناظرُ أحد عينيه، رجع
__________
(1) انظر تبصرة أرباب الألباب للطرسوسي ص 104 – 110.
(2) في (مط)، (ح) (فيتفرق هناك في مفترق إلى كل منفذ)؛ لكن في (ح) (في =

(1/444)


قسطها من ذلك النور الباصر إلى العين الأخرى، فيقوى نظرُه بها (1) ضرورةُ. ولهذا تجد الأعور قويَّ النَّظر حديدَه، وأرباب الصناعات إذا أراد أحدُهم امتحان أمْرٍ بالنظر؛ أغمض إحدى عينيه، وصوَّب الأخرى إلى المنظور إليه.
ولهذا كانت عينُ الأعور في الشرع قائمةً مقام عينين في الدَّية: فإذا فُقِئت عيْنُ الأعور؛ فعلى الجاني الدِّية كاملةً، نصَّ عليه الإمام أحمد.
فإن قلع مَنْ له عينان عَيْن الأعور عمدًا؛ فله أن يقلع من عينيه نظيرة عينه، ويأخذ منه نصف الدِّية، نصَّ عليه أيضًا.
وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمدًا فلا قَوَد عليه؛ لأن القَوَد يُعْمِيه، وعليه الدية كاملة. وقيل: يقلع عينه، ويعطيه نصف الدية.
وإن قلع الأعور عيني صحيح؛ خيَّرنا بين قلع عينه وبين أخذ دية عينه (2).

فصلٌ

والنظر من (3) الداخل: يقولون: إنه نظر بهرام جور، وإن صورته الممثَّلة على الجدار تعطي كأنه ينظر من داخل القوس بالعينين جميعًا،
__________
= متفرق).
(1) في (ظ) (نظرهما).
(2) انظر لنص الإمام أحمد، وما بعده: المغني لابن قدامة (12/ 110 و 111 و 112).
تنبيه: وقع في (ح) (عين) بدل (عيني) وهو خطأ.
(3) من (مط).

(1/445)


وعينه في مجيء السهم مع العلامة، [ح 194] لا يفارق نظره ذلك، فإذا رأى النصل على أصبعه أطلق سهمه (1).
وهو رميٌ حسن عندهم؛ إلا أنه صعبٌ، قليلُ النكاية، ولا يمكن صاحبُه أن يرمي الرمي القوي، ولا يمكن راميه أن يجلس مُنْحَرفًا، بل متربَّعًا، فتكون نشابتُه قصيرةً، ورميُه غير منكي، وهو جيَّد لرمي الأغراض القريبة والدَّقيقة.

فصلٌ
وأما النظر من خارج؛ فعلى ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يجعل السَّهم من خارج القوس، وينظر بالعينين جميعًا في العلامة، ويعتمد بالعين اليسرى، ثم يختلس (2) السَّهم بسرعةٍ في القوس.
الوجه الثاني: أن يجعل النَّصل من خارج القوس في العلامة، وينظر بعينه اليسرى، ويعتمد عليها، ويجعل عينه اليمنى في دستان (3) القوس، ولا ينظر بها شيئًا من العلامة، مع تصحيحه بالعين اليسرى، وعقده أصابع يده اليسرى في وسط العلامة.
الوجه الثالث: أن يقلب (4) نور عينيه جميعًا إلى عين واحدة،
__________
(1) في (ح)، (مط) (السهم).
(2) في (مط) (ح) (ويعتمد على اليسرى، ثم يجلس)؛ ولكن ليس في (ح) (على).
(3) في (ح)، (مط) (دستار).
(4) في (مط)، (ح) (يغلب).

(1/446)


فتكون حَدَقَةُ عينه اليسرى في مؤخر عينه اليسرى، وحدقةُ عينه اليمنى (1) في مقدمة عينه اليمنى، فيصيرُ نور حدقة عينه اليمنى إلى حدقة عينه اليمنى إلى حدقة عينه اليسرى.
وهذا النظر يسمى الأحول، فتصير العينان كأنَّهما عين (2) واحدة، وهو محمودٌ جدًّا في هذا المذهب، وهذا النَّظر كلُّه جيد للفارس ولمن يرمي بالسلاح، وهو شديد النكاية؛ لأن صاحبه يجلس للعلامة منحرفًا، وبه يطول سهمُه، وتكثرُ نكايتُه، ولا يصحُّ له أن يجلس متربِّعًا، وهو النظر القديم، وعليه الأكاسرة [ظ 94] والأساورة.
وأما النَّظر إلى العلامة بقسمة (3) النظرين جميعًا: بأن يجعل النَّصل في العلامة بالعين اليسرى من خارج القوس، ويصحِّح نظره بالعين اليمنى إلى العلامة من داخل القوس، بحيث لا يفارق النصل باليمنى، وباليسرى إلى العلامة حيث يفلت.
والوجه الثاني: أن يجعل النَّصل في العلامة من خارج القوس بالعينين (4)، فإذا بقي له من [ح 195] المدِّ قدر ثلث السهم، وغاب عن بصره النصل؛ ترك عينه اليسرى في موضعها من العلامة، وينظر بعينه اليمنى مجيء النَّصل على يده من داخل القوس، فإذا رأى النصل على
__________
(1) في (ظ) (حدقة عينه اليسرى أو حدقة عينه اليمنى).
(2) من (ظ).
(3) في (ظ) (فقسمة).
(4) في (ح) (بالعين).

(1/447)


أصبعه؛ أطلق، وهذا (1) حسنٌ جدًّا، وهو أكثر إصابةً وأقلُّ آفةً، وصاحبه يجلس بين التحريف والتّربيع، فتذهب بذلك عنه عيوب أهل التَّربيع وأهل التحريف، مع ما فيه من الإصابة ودقَّة النظر.

فصلٌ في ميزان النظر
قال بعضُ أئمَّة الرماة: من أراد أن يتعلَّم حقيقة الوزن، فليأخُذْ سراجًا يجعله على بُعد، كما يجعل العلامة، ويأخذ قوسًا ليِّنة جدًّا – فهي أمكن له -، ويجلس بين التَّحْريف والتَّربيع، كما يجلس للعلامة، ويجعل النَّصل في السراج، ولا يزال ينزع في القوس، ويفتح عينًا، ويطبق أخرى، ويفتحهما جميعًا، ويمدُّ إلى آخر السهم، وينظر للسَّراج أبدًا، حتى يصحَّ له، فإن صحَّ؛ علم أنَّه قد حصل على فائدةٍ جليلةٍ، وذخيرةٍ عظيمةٍ في هذه الصَّناعة.

فصلٌ
واعلم أن خارج القوس مما يلي اليسار إذا رميت بها، والداخل مما يلي اليمين، فأهل التَّربيع يبطلون عمل أهل التَّحريف، ويقولون: إنه يفسد النَّظَّر، وإن جميع السِّلاح إذا دخله التحريف أبطله.
وأهل التَّحريف يبطلون عمل أهل التَّربيع، ويقولون: إن التَّحريف
__________
(1) في (ح، مط) (وهو).

(1/448)


أكثر نكايةً، وإنه يبطل النُّشَّاب، فمنهم من حرف القوس إحدى عشرة قبضة، واثنتي عشرة قبضة وأكثر.

فصلٌ في ميزانٍ آخر
واعلم أنَّ الوزن على نوعين فمنهم (1) من يزن أوَّلًا ويستمر على وزنه إلى حين (2) إطلاقه، ومنهم من يزن آخرًا.
فأما من يزن أوَّلًا، فعلى وجهين أيضًا:
أحدهما: أن يجعل النَّصل في العلامة، ويحقِّقه، ويجبذ عليه من نظره إلى ذراعه الشمال ومرفقه اليُمْنَى في اعتدالهما واستوائهما. وهذا مذهب طاهر.
والوجه الثاني: أن ينظر أوَّلًا إلى العلامة، فإذا جبذ من السَّهم نصفه [ح 196] أو أقلَّ حقَّقه وأطلق (3).
وهذا أحمدُ النَّوعين، وأعظمُهما سدادًا.
وأما الذي يزن آخرًا فعلى نوعين أيضًا:
أحدهما: أن لا يخلَّ (4) بتحقيق الوزن أوَّلًا، فإذا بقي له (5) من
__________
(1) في (ظ) (على وجهين: منهم).
(2) في (مط)، (ح) (آخر).
(3) ليس في (ح) (وأطلق).
(4) في (ظ) (يجعل) وهو خطأ.
(5) في (ظ، مط) (لهم).

(1/449)


السَّهم قبضةً، سكن تسكينةً لطيفةً جدًّا، واختلس السَّهم بسرعةٍ، وأطلق. وهذا النوع حسنٌ للحرب جدًّا.
الثاني: أن يحقق وزنه أولًا (1)، فإذا بقي لهم من السهم مقدار قبضة أو أكثر قليلًا؛ حقَّقه أيضًا ثانيةً، واختلس سهمه، وأطلقه بسرعة. وهذا النوع جيِّدٌ للأغراض وغيرها.

فصلٌ في (2) ذكر الإطلاق ووجوهه
الإطلاق على ثلاثة أنواع: المختلس، والمفروك، والمتمطِّي.
فالمُخْتَلَس: أن يجبذ السهم، ثم يسكن، ثم يختلِسُه اختلاسًا شديدًا، ويُفْلِت أصابعه، فيفتح الاثنين السبابة مع الإبهام. وهذا المذهب فيه سُرْعة، وليس سكونه عند الإفلات، وإنما يسكن إذا بقيت له قبضة، ويفتح ذراعيه جميعًا، ويميل وتر القوس إلى الأرض.
وأما المفروك: أن يمدَّ السهم، فإذا صار النَّصل على أصبعه، سكن قليلًا بمقدار عدَّتين، ثم فرك يده (3) اليمنى فركةً من حرف الوتر، فيحول يده قليلًا، فيجعل الشقَّ الذي من بين (4) إبهامه والسبابة مع خدِّه حاكًّا له.
__________
(1) في (مط)، (ح) (أن يجعل وزنه، فإذا … ).
(2) قوله (فصل في) من (ظ)، وفي (ح) (ذكر الأغراض ووجوهه)، وانظر تبصرة أرباب الألباب ص 110 – 112.
(3) في (ح) (بيده).
(4) من (مط).

(1/450)


وأما المتمطِّي: فهو أن يمدَّ السهم، فإذا عَلَّم بالسَّهم على أصبعه سكن بمقدار عدَّتين، وأطلق بنفْضةٍ من الوتر، ويكون جبذه أوَّلًا وآخرًا سواء.
وهذا المذهب لمن ينظر من داخل القوس = جيَّد، والفركة من فوق الوتر لمن ينظر بالنَّظرين، والاختلاس لمن ينظر من خارج الوتر.
ولا خلاف (1) بين الرُّماة أن القبضة للوتر تكون بشدَّةٍ وسرعةٍ دون تأنًّ ولا لبثٍ؛ لأن فيها القوَّة والشدَّة والنفوذ.

فصلٌ في مرِّ السهم على اليدِ
وهو على أربعة أنواع:
– منهم من يجريه على عقدة إبهامه.
– ومنهم من يجريه [ظ 95] على سبابته، ويميل إبهامه عن (2) السَّهم.
– ومنهم من يرفع إبهامه [ح 197] ويجعل سبابته تحتها، فيصير كأنه عاقدٌ ثلاثة عشر، فيجري السهم على ظفر إبهامه.
– ومنهم من يُجريها على طرفي أصبعيه السبابة والإبهام (3)، فيكون كأنه عاقدٌ ثلاثين.
__________
(1) في (ظ) (والاختلاف).
(2) في (ح، مط) (على).
(3) من قوله (ومنهم) إلى (والإبهام) سقط من (ح).

(1/451)


فمن أجراها (1) على عقدة إبهامه؛ فهو عيبٌ عند الحذَّاق؛ لأنه لا يخلو أن يضربه فيه الريش فيجرحه، وربما ضربه السهم (2) فعقر أصبعه.
وأما من يجريها على سبَّابته، وهو أحسن قليلًا من الأول، وكلاهما مذهب أهل الاستواء في قبضته، وليسا بجيِّدين.
وأما من يجريها على أصل ظفري أصبعيه: الإبهام والسبابة كعاقد ثلاثين؛ فهو مذهب التوسُّط، وهو أحْمَدُ المذاهب.
وأما من يوقف (3) إبهامه، فيجريها على طرف ظفره، كعاقد ثلاث عشرة؛ فهو مذهب أهل التَّحريف، وهو رديء جدًّا؛ لأن صاحبه يحرف قبضته تحريفًا شديدًا، ويوقف إبهامه، فإنْ هو أمال قوسه قليلًا سقط السهم من على ظفره، وهو رديءٌ في الحرب، لا يكاد يستقيم له رميٌ؛ لسرعة سقوط سهمه.

ذكر سبب (4) ارتفاع السهم في الجوِّ ونزوله وسداده
اختلف أهل العلم من الرُّماة في ذلك اختلافًا متباينًا، ونحن نذكر أقوالهم وما فيها، ونبيِّن الصحيح منها.
* فقالت طائفة: سبيل السَّهم إذا خرج من كَبد القوس أن يقطع ما بينَه وبين الغرضِ في خطِّ الاستواء بغير صُعُود وَلا هبوط، بل محاذِيًا
__________
(1) في (مط)، (ح) (أجرى بها).
(2) في (ظ) (فقتله فعقر).
(3) في (ظ) (وقف).
(4) ليس في (مط).

(1/452)


للموضع الذي خرج منه، فلمَّا رأيناه على خلاف ذلك في ارتفاعه ونزوله، طلبنا عِلَّة ذلك، فرأيناهُ من واحدٍ من ثلاث: إما من القوس وآفته فيه، وإما من السهم، وإما من الرامي، فلا بدَّ من آفةٍ خفِيَّة في واحدٍ من هذه الثلاث.
وردَّت طائفة أخرى هذا القول، وقالت: ما رأينا راميًا قطُّ، ولا نُقِلَ إلينا أبدًا أنه رَمَى بسهمٍ، فقطع المدى في خط الاستواء، محاذيًا لموضع مخرجه، لا صاعدًا، ولا نازلًا، ولم تخلُ الأرضُ من رامٍ لا آفة في رميه ولا قوسه، ولا سهمه، بحيث تجمع الرُّماة على اعتدال الثَّلاثة المذكورة وسلامتها من كلِّ عيب.
* وقال آخرون: العلَّة في الارتفاع [ح 198] والانخفاض من جهة اختلاف بناء (1) القوس؛ فإنَّها إذا غلبت بيتها الأعلى ارتفع السهمُ في أوَّل مداه، وإذا غلب الأسفل (2) ارتفع في آخر مداه.
وردَّ عليهم آخرون منهم، وقالوا: هذا لا يصحُّ؛ لأنا نجدُ القوسَ المعتدلةَ البيتين، الصحيحة التَّركيب، بيد الرَّجل الحاذق في الرمي، يرتفعُ عنها السهمُ جدًّا، وربما ارتفع أكثر من ارتفاع من هو دونه.
* وقالت طائفةٌ أخرى: ليس ارتفاعُ السهم من قِبَلِ القوس ولا الرامي، ولا من قِبَلِ السهم في نفسه، بل من أمر خارجٍ، وهو الهواء الحامل له، وذلك أن السهم (3) إذا كان شديدًا ثقيلًا، والقوس صلبة،
__________
(1) ليس في (ظ).
(2) في (مط)، (ح) (ارتفع السهم من أول مداه، وإذا غلبه الأول).
(3) من قوله (الحامل) إلى (السهم) من (ظ).

(1/453)


قطع الهواء (1) ومرَّ سادًّا، وإن كان خفيفًا حمله الهواء فارتفع.
قال: والحجَّة على (2) ذلك أنَّ المركب إذا كان ثقيلًا، غاص في الماء، وإنْ كان خفيفًا، ارتفع، والهواء للسهم مثل الماء للمركب.
وردَّ آخرون هذا القول، وقالوا: نجد السَّهم السادَّ (3) عن القوس الصلبة في اليوم الساكن الهواء لا بدَّ له من ارتفاع عن محاذاة مخرجهِ، والدَّليل على ذلك أن يَنْصِبَ حبلًا معترضًا في نصف من (4) الأرض مساويًا لمخرج السَّهم ثم يرمي بسهم سادٍّ عن قوس صلبة، فلا بُدَّ من أن يرتفع السهم (5) عنه.
وقال آخرون منهم: الَّذي صحَّ عندنا وكشفناهُ من علَّة ارتفاع السهم ونزوله: أنَّ سير السهم لا يتمُّ إلا بثلاثة أشياء:
أحدها: بدنُ الرَّامي وقوَّتُه. والثاني: قوسُه. والثالث: سهمُه.
وكلُّ واحدٍ ثلُث العلة، والدليل على هذا: أنَّك تأخذ قوسًا صلبة موترة، لا يمكنك الرَّمي عنها، فتُفَوِّق عليها سهمًا، ثمَّ تمدُّها، فتحني (6) الوتر معك يسيرًا من غير أن تنحني القوس، ثم تطلق، فيمرّ السهم (7) أذرعًا كثيرةً، وقد علمت أنَّ القوس لم يعمل في السهم شيئًا؛
__________
(1) من قوله (ثقيلًا) إلى (الهواء و) من (ظ).
(2) في (مط) (في ذلك).
(3) في (ح) (الشاذ)، وكذا ما بعده.
(4) من (ظ).
(5) من قوله (ثم) إلى (السهم) سقط من (مط).
(6) في (ظ) (تنحي)، وفي (مط) (تحنى)، وفي (ح) (فيجيء).
(7) في (ح)، (مط) (القوس).

(1/454)


لأنها لم تطاوِعْكَ، وإنما خرج السهمُ من الوتر بنفضةِ الرامي وقوَّته لا بالقوس.
وأما الثُّلث الذي من قِبَل القوس، فالدليل على اعتباره أنك تجد السهم في آخر الثلث (1) الأول في ارتفاع إلى أول الثلث الثالث (2)، فيأخذ في الهبوط، وذلك من قِبَل السَّهم نفسه؛ لأنَّ طبعه – كما علمت (3) – الهبوط، وكان ارتفاعه أوَّلًا بالقوَّة التي أفاده إياها الرامي، واعْتبِرْ هذا بالحجر: ترمي به (4) إلى فوق [ح 199] فلا يزال صاعدًا ما دامت قوة الرامي تُمِدُّهُ، فإذا انتهت (5) القوة التي أمدَّته في الصعود؛ صارت حركتهُ حينئذ النزول، وهي الحركة الطبيعية له (6).
وقالت طائفة أخرى: بل العلَّة الصَّحيحة في ذلك: أنَّ الرامي إذا فوَّقَ السهم في قسمةٍ مستويةٍ لا مرتفعةٍ ولا منخفضةٍ؛ كان العقد [ظ 96] تحت الفُوق أسفل من ذيل (7) القوس، فإذا مدَّ واسْتَوْفَى؛ وقعت شدَّة الغمز في الإطلاق تحت الفوق، فلا بدَّ لصدر السهم من أن يرتفعَ يسيرًا بالضَّرورة، فارتفاع صدره يسيرًا (8) هو الذي أكسبه ذلك الارتفاع الكثير
__________
(1) قوله (الذي) إلى (الثلث) من (ظ).
(2) في (ح) (الثاني).
(3) من (ظ) (كما علمت).
(4) في (ح)، (مط) (ترميه).
(5) في (ظ) (فإذا انتهك) وهو خطأ.
(6) من (ظ)، (ح).
(7) ليس في (ظ)، وفي (ح) غير منقوطة.
(8) في (مط)، (ح) (كثيرًا).

(1/455)


في طريق سيره، وهذا واضح، والله أعلم.

فصلٌ في مدح القوَّة والشجاعة وذمِّ العجز والجبن
قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60].
وقال تعالى في حقِّ المؤمنين: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].
وقال فيهم: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].
وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} [النساء: 104]؛ أي: لا تضعفوا.
وقال: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} [آل عمران: 139].
وفي “الصَّحيحين” (1) عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كُلًّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعَكَ، واستعِنْ باللهِ ولا تَعْجَز”.
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم يخرجه البخاري. انظر تحفة الأشراف (10/ 219).
تنبيه: سقط من (ظ) (وأحب إلى الله)، ووقع في (مط) (وفي خير:) بدلًا من (وفي كل خير)، وهو خطأ.

(1/456)


وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتعوَّذُ بالله (1) من الجُبن (2):
والجُبْن خُلُقٌ مذمومٌ عند جميع الخَلْق، وأهل الجُبْن هم أهل سوء الظن بالله، وأهل الشجاعة والجُودِ هم أهل حُسْن الظن بالله؛ كما قال بعض الحكماء في وصيَّته (3): “عليكُم بأهل السَّخاء والشجاعة؛ فإنهم أهل حسن الظنِّ بالله، والشجاعة جُنَّة (4) للرجل من المكاره، والجبن إعانة منه لعدوِّه على نفسه، فهو جندٌ وسلاحٌ يُعطيه عدوَّه ليحاربه به (5) “.
وقد (6) قالتِ العرب: الشجاعة وقايةٌ، والجُبنُ مقْتَلَةٌ، وقد أكذب الله سبحانه أطماع الجُبناء في ظنِّهم أنَّ جُبْنَهُم يُنجيهم من القتل والموت [ح 200]، فقال الله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} [الأحزاب: 16].
ولقد أحسن القائل (7):
__________
(1) ليس في (مط).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2668) ومسلم رقم (2706) من حديث أنس بن مالك بلفظ (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم … ).
* والبخاري أيضًا برقم (2667) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(3) قوله (في وصيته) ليس في (ظ).
(4) في (مط)، (ح) (حِصْن).
(5) ليس في (مط)، انظر العقد الفريد (1/ 191).
(6) من (ظ).
(7) انظر هذه الأبيات مع اختلاف في بعض الألفاظ: في الحماسة البصرية (1/ 39) وعيون الأخبار (1/ 126)، وبلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب للآلوسي (1/ 106)، مع الحاشية.

(1/457)


أَقُولُ لَهَا وقَدْ طَارَتْ شَعَاعًا … مِنَ الأبْطَالِ وَيْحَكِ لَنْ تُراعِي
فإنَّكِ لَوْ سألْتِ بقاء يومٍ … على الأجلِ الَّذي لكِ لَنْ تُطَاعِي
فَصَبْرًا في مجالِ الموْتِ صبْرًا … فما نيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتطاعِ (1)
وما ثَوْبُ الحَيَاةِ بِثَوْبِ عِزًّ … فيُطْوَى عنْ أخِي الخَنَع اليَراع
سَبِيلُ المَوْتِ غَايَةُ كُلِّ حَيًّ … وداعِيه لأهْلِ الأرْضِ دَاعِي
ومَنْ لمْ يُعْتَبَطْ يَسْأمْ ويَهْرمْ … وتُسْلِمْهُ المنون إلى انقِطاعِ
وما لِلْمَرْءِ خيْرٌ في حياةٍ … إذا ما عُدَّ مِنْ سَقَطِ المتاعِ
واعتبرْ ذلك في معارك الحروب (2) بأن من يُقتل مُدْبرًا أكثر ممَّن
__________
(1) سقط هذا البيت بكامله من (مط)، (ح)، وكذا البيتان الأخيران.
(2) سقط من (مط)، (ح) (في معارك الحروب).

(1/458)


يُقتل مقبلًا.
وفي وصيَّة أبي بكر الصدِّيق لخالد بن الوليد: “احرِصْ على الموتِ؛ توهَبُ لك الحياة” (1).
وقال خالد بن الوليد: “حضرتُ كذا وكذا زحفًا في الجاهلية والإسلام وما في جسدي موضعٌ إلّا وفيه طعنةٌ برمحٍ أو ضربةٌ بسيفٍ، وها أنا ذا أموتُ على فراشي، فلا نامت أعيُنُ الجُبناء” (2).
ولا ريب عند كل عاقل أن استقبال الموت إذا جاءك خيرٌ من استدباره، والله أعلم، وقد بيَّن هذا حسان بن ثابت قائلًا (3):
وَلَسْنَا علَى الأعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا … ولكِنْ على أقْدَامِنَا تَقْطُرُ الدَّمَا (4)
__________
(1) انظر عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 125، 126).
تنبيه: ليس في (ظ) (أبي بكر).
(2) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (16/ 273)، وسنده ضعيف جدًّا، فيه علَّتان: الأولى: الواقدي، وهو متروك، والثانية الانقطاع.
القدر الثابت عنه أنه قال حين حضرته الوفاة: (لقد طلبت القتل مظانه، فلم يقدَّر لي، إلا أن أموت على فراشي … ).
أخرجه الطبراني، وابن عساكر في تاريخه (16/ 269) قال الهيثمي في المجمع (9/ 350): “وإسناده حسن”. وهو كما قال.
(3) من قوله (والله) إلى (قائلًا) من (ظ).
(4) البيت في حماسة أبي تمام (1/ 114) لحصين بن الحمام بن ربيعة المري، أحد شعراء الجاهلية وفرسانها. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 394، وخزانة الأدب (7/ 461 و 465).

(1/459)


وقال آخر محققًا هذا المعنى (1):
مُحَرَّمَةٌ أَكْفالُ خَيْلِي على القنا … ودامِيَةٌ لَبَّاتُها ونُحُورُها
حَرامٌ على أرْمَاحِنا طَعْنُ مُدْبِرٍ … وتَنْدَقُّ مِنْها في الصُّدورِ صُدُورُها
وكانوا يفتخرون بالموت على غير الفراش، ولما بلغ عبد الله بن الزبير قتلُ أخيه مُصْعَب؛ قال: “إنْ يُقْتَلْ؛ فقد قُتِلَ أخوه وأبوه وعمُّه، إنا والله لا نموت حتف أنفنا، ولكن حَتْفُنا بالرِّماح وتحت ظلال السيوف” (2). ثم تمثَّل بقول القائل (3):
وإنَّا لتَسْتَحْلي المَنايا نُفُوسُنا … وتُتْركُ أُخْرَى مُرَّةً ما تذوقُها
وفي مثل هذا يقول السَّمَوْأل بن عادياء وهو في “الحماسة” (4):
__________
(1) (محققًا هذا المعنى) من (ظ). وهو العلوي، ديوان أبي تمام (ص/ 477).
(2) انظر الخبر في بلوغ الأرب (1/ 104)، وبمعناه مطوَّلًا عند البلاذري في أنساب الأشراف (7/ 102 – 103) ولا يثبت سنده.
تنبيه: ليس في (ظ) (وعمه)، وليس في (ح، مط) (والله).
(3) قوله (ثم تمثّل بقول القائل) من (ظ).
(4) لأبي تمام (1/ 79 – 81)، ومن قوله (وفي مثل) إلى (الحماسة) من (ظ)، ووقع في (ح، مط) (وقال السموأل).

(1/460)


ومَا مَاتَ منَّا سيِّدٌ في فِراشِه (1) … ولَا طُلَّ مِنَّا حَيْثُ كانَ قَتِيْلُ
تسِيْلُ على حدِّ الظُّبَاتِ نُفوسُنا … ولَيْسَتْ على غَيْرِ الظُّبَاتِ تسيْلُ
[ظ 97] وإنَّا لقومٌ لا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً … إذا ما رَأتْهُ عامِرٌ وسَلُولُ
إذا قَصُرَتْ أسْيَافُنا كان وصْلُها … خُطانَا إلى أعدائنا فَتَطولُ
وقال محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي (2):
لسْتُ لِرَيْحانٍ ولا راحِ [ح 201] … ولا على الجَارِ بِتيَّاحِ (3)
فإنْ أَردْتِ الآنَ لي موقعًا (4) … فبَيْنَ أسيافٍ وأرْمَاح
__________
(1) في (ظ) (حَتْفَ أنْفِه) بدلًا من (في فراشه).
(2) قوله (بن الحسين الخزاعي) من (ظ)، انظر البصائر والذخائر (3/ 80). للتوحيدي، ونسبة لأبي دُلَف. ووصع فيه (نوَّاح) بدل (بتيَّاح)، وعنده أيضًا (بلى إذا ابصرتني قائمًا) بدل (فإن أردتِ الآن لي موقعًا).
(3) في (ظ) (الحزن) بدلًا من (الجار)، وفي (ح) (بنبَّاح) بدلًا من (بتيَّاح).
(4) في (ح) (موقفًا).

(1/461)


تَرَي فتىً تحت ظِلال القنا … يَقْبضُ أرْواحًا بأرْواحِ
ولو لم يكن في الشَّجَاعة إلا أنَّ الشجاع يردُّ صِيْتهُ واسمه عنه أذى (1) الخلق، ويمنعهم من (2) الإقدام عليه؛ لكفى بها شرفًا وفضلًا؛ كما قال عمرو بن بَرَّاقة وكان فاتكًا مشهورًا بالإقدام والثبات (3):
كذَبْتُمْ وبَيْتِ اللهِ لا تَأْخُذونها … مُراغَمَةً ما دام للسَّيْفِ قائِمُ
متَى تَجْمَعِ القَلْب الذَّكِيَّ وصارِمًا … وأنفًا حمِيًّا تَجْتَنِبْكَ المظالِمُ (4)
وقال تأبَّط شرًّا الفاتك العدّاء، واسمه ثابت (5):
قليلُ التَّشكَّي للمُهِمِّ يُصيبهُ … كَثِيرُ الهَوَى شتى النَّوَى (6) والمَسالِكِ
__________
(1) في (ح)، (مط) (عند أدنى).
(2) من (ح)، (مط) (من).
(3) قوله (وكان فاتكًا مشهورًا بالإقدام والثبات) من (ظ).
(4) انظر الأمالي لأبي علي القالي (2/ 122) في قصة هذه الأبيات، ونسبهما ابن قتيبة في عيون الأخبار (1/ 237) لبعض لصوص هَمْدان وهو مالك بن حريم.
تنبيه: وقع في (ح) (جميعًا) بدلًا من (حميًّا).
(5) قوله (الفاتك العدَّاء، واسمه ثابت) من (ظ).
(6) في (ظ) (النوى شتى الهوى)، وفي (ح) (كثير النوى سوى الهوى).

(1/462)


يَبِيتُ بِمَوْمَاةٍ ويُضْحِي بمثْلها … جَحِيشًا ويَعْرَوْرِي ظُهُور المَهَالِكِ
ويَسْبقُ وفْد الريحِ مِنْ حَيْثُ تنْتَحِي … بِمُنْخَرَقٍ مِنْ شَدَّهِ المُتَداركِ (1)
إذا حاصَ عيْنَيْهِ كَرَى النَّوْم لم يَزَلْ … لَهُ كالِئٌ مِنْ قَلْبِ شَيْحانَ فَاتِكِ
إذا هَزَّهُ في عَظْمِ قَرْنِ تَهَلَّلَتْ … نَوَاجِذُ أَفْوَاهِ المَنايا الضَّواحِكِ (2)
وقال أبو سعيد المخزومي وكان شُجاعًا موصوفًا بذلك (3):
ومَا يُريد بَنُو الأغْيارِ مِن رَجُلٍ … بالجَمْرِ مُكْتَحِلٍ بالليلِ مُشْتَمِلِ
لا يَشْرَبُ المَاءَ إلَّا (4) مِنْ قَلِيْب دَمٍ … ولا يَبِيْتُ لَهُ جَارٌ على وَجَلِ (5)
__________
(1) سقط هذا البيت من (مط).
(2) انظر العقد الفريد (1/ 107 – 108).
(3) قوله (موصوفًا بذلك) من (ظ).
(4) من (مط).
(5) انظر: عيون الأخبار لابن قتيبة (1/ 190)، والعقد الفريد (1/ 108)، ووقع =

(1/463)


فصلٌ
قال عمرو بن معد يكرب: “الفزعات ثلاثة: فمن كانت فزعته في رجليه فذاك الذي لا تُقِلُّهُ رجلاه، ومن كانت فزعته في رأسه فذاك الذي يفرُّ عن أبويه، ومن كانت فزعته في قلبه فذاك الذي لا يقاتل” (1).
والجبن والشجاعة غرائز وأخلاق، فالجبان يفرُّ عن عُرسه، والشجاع يقاتل عن (2) من لا يعرفه؛ كما قال الشاعر (3):
يَفِرُّ جَبانُ القَوْمِ مِنْ أُمِّ نَفْسِهِ … ويَحْمِي شُجاعُ القَوْمِ مَنْ لا يُناسِبُه
والشُّجاع ضدُّ البخيل، لأن البخيل يضنُّ بماله، والشجاع يجودُ بنفسه؛ كما قال القائل:
كم بينَ قومٍ إنَّما (4) نفقاتُهُم … مَالٌ وقَوْمٍ يُنْفِقُونَ نُفُوسا
__________
= في (ح) (جان بلا وجل).
(1) انظر العقد الفريد (1/ 124).
(2) ليس في (ظ).
(3) من (ظ)، وانظر هذا البيت في عيون الأخبار (1/ 172) ولم ينسبه لأحد.
وفي العقد الفريد (1/ 124 – 125).
(4) من (ظ). وانظر البيت في ديوان أبي تمّام (ص 321 – بشرح إيليا الحاوي).

(1/464)


وقال الآخر: [ح 202]تَجُودُ بالنَّفْسِ إنْ ضَنَّ البخيل بها … والجُودُ بالنَّفْسِ أقصى غَايَةِ الجُودِ (1)
وهذا غير مطَّردٍ في بني آدم؛ فإنهم على أربع طبقات:
– فمنهم: الجواد الشجاع، يجود بماله ونفسه.
– ومنهم: البخيل الجبان.
– ومنهم: الجواد الجبان، يجود بماله، ويضنُّ بنفسه.
– ومنهم: الشجاع البخيل؛ فإنه مُنح خُلُقَ الشجاعة، وحُرِم خلق الجود؛ فإن الأخلاق مواهبُ يهبُ الله منها ما يشاء لمن يشاء، ويجبل خلقه على ما يريد منها، كما قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – لأشجّ عبد القيس: “إنَّ فيك خُلُقَينِ يحبُّهما الله: الحِلْمُ، والأناةُ”. قال: خُلُقين تخلَّقتُ بهما أم جُبلْتُ عليهما؟ قال: “بل جُبِلْتَ عليهما”. فقال: الحمد لله الذي جَبلني على ما يُحِبّ (2).
ومن هنا يظهر أنه لا تلازُم بين الشجاعة والجود، كما ظنَّه بعض الناس، وإن كانت الأخلاق الفاضلة تتلازم وتتصاحب غالبًا، وكذلك الأخلاق الدَّنيئة.
__________
(1) في (ظ) (آخر) بدلًا من (الآخر)، وانظر البيت في العقد الفريد (1/ 246) ونسبه لحبيب.
تنبيه: وقع في (ظ) (الجواد) بدلًا من (البخيل).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (17) و (18) من حديثي ابن عباس وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.

(1/465)


فصلٌ
وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقُوَّة، وهما متغايران، فإن الشجاعة هي (1): ثباتُ القلب عند النوازل [ظ 98]؛ وإن كان ضعيف البطش (2).
وكان الصِّدِّيق – رضي الله عنه – أشجع الأُمَّة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وكان عُمَرُ وغَيْرُهُ أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثباتِ قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبَّتُهم ويشجِّعُهم.
ولو لم يكن له (3) إلا ثبات قَلْبه يوم الغَار وليلته.
وثبات قَلْبهِ يوم بَدْرٍ، وهو يقول لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يا رسول الله! كفاك بعض (4) مناشدتك ربَّك؛ فإنه منجز لك ما وعدك” (5).
وثبات قلبه يوم أحد، وقد صَرَخ الشيطان في الناس بأن مُحَمَّدًا قد قُتِل، ولم يبق أحدٌ مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا دون عشرين في (6) أُحدٍ، وهو مع (7) ذلك ثابت القلْب، سَاكن الجَأْش.
__________
(1) من (ظ).
(2) انظر كتاب الروح للمؤلف ص 352 – 353.
(3) من (ظ).
(4) من (ظ).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4594)، ومسلم في صحيحه رقم (1763) واللفظ لمسلم مطوّلًا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) من قوله (رسول) إلى (في) من (ظ).
(7) في (ح، مط) (في).

(1/466)


وثبات قلبه يوم الخندق، وقد زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر.
وثبات قلبه (1) يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إن [ح 203] الصدَّيق ليثبَّتُه ويُسكِّنُه ويُطَمْئنُه.
وثبات قلبه يوم حُنينٍ، حيث (2) فرَّ الناس، وهو لم يفرّ.
وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزَّت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول (3) لها الجبال، وعُقِرَت لها أقدام الأبطال، وماجتْ لها قلوبُ أهل الإسلام، كموج البحر عند هُبُوْب قواصف (4) الرياح، وصاح لها (5) الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصِّيَاح، وخرج الناس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله تعالى بها أقطار الأرض عجَاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله تعالى لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، كيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهُرِهِم وحبيبهم، وطاشت الأحْلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشرأبَّ النفاق، ومدَّ أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول – صلى الله عليه وسلم – موضوعًا، وسَمِع المسلمون من أعداء الله تعالى ما لم يكن في حياته بينهم مَسْمُوعًا، وطمع عدوُّ الله أن يُعيد
__________
(1) من قوله (يوم) إلى (قلبه) من (ظ).
(2) في (مط)، (ح) (حين).
(3) في (ح)، (مط) (تزلزل).
(4) في (مط) (عواصف).
(5) من (ظ)، وكذا ما بعدها.

(1/467)


الناس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصدَّ قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهوُّد والتمجُّس والشرك وعبادة الصُّلبان، فشمَّر الصدِّيق رضي الله عنه من جِدِّه عن ساقٍ غير خوَّار، وانْتَضَى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظُهور عزائمه (1) جوادًا لم يكن يَكْبُو السَّبَاق، وتقدَّم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنما همُّه اللَّحَاق، وقال: “والله لأجاهدنَّ أعداء الإسلام جَهْدِي، ولأَصدُقَنَّهُمُ الحرب حتى تنفرد سالفتي أو أفرد وحدي، ولأدْخِلَنَّهُم في الباب الذي خرجوا منه، ولأرُدَّنَّهُم إلى الحق الذي رغبوا عنه (2) ” (3) فثبَّت الله تعالى بذلك القلب – الذي لو وُزِن بقلوب الأمة لرجَحَها – جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين والمرتدين وأهل الكتاب وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من (4) بعد اعوجاجها، وجرت الملَّة [ح 204] الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولّى حزبُ الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذَّن الإيمان على رؤوس الخلائق: ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغالِبون (5).
هذا؛ وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر
__________
(1) ليس في (مط).
(2) في (ظ) (فيه) وهو خطأ.
(3) لم أقف عليه.
(4) من (ظ).
(5) يشير إلى قوله تعالى {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)} [المائدة: 56].

(1/468)


في موطن من المواطن، بل لم تزل مذلولة (1) مكسورة.
تلك لعَمْر الله تعالى الشجاعة التي تضاءلت لها فُرْسَان الأمم، والهِمَّة التي تصاغرت عِنْدها عَلِيَّات الهِمَم، ويحقُّ لصدِّيق الأُمَّة أن يضْرِب من هذا المَغْنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوَّة بكمال التَّعْصِيْب.
وقد كان الموروث صلوات الله تعالى وسلامه عليه أشجع الناس، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمَّة بالقياس، ويكفي أنَّ عمر بن الخطاب سهمٌ من كِنَانَتِه، وخالد بن الوليد سلاحٌ من أسْلِحته، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا من اعترف أنه يستمدُّ من ثباته وشجاعته.

فصلٌ في مراتب الشَّجَاعة والشُّجْعان
أول مراتبهم: الهُمام: وسُمَّيَ بذلك لِهِمَّته وعَزْمِه، وجاء على بناء فُعَال؛ كشُجَاع.
الثاني: المِقْدام: وسُمِّي بذلك من الإقدام، وهو ضدُّ الإحجام، وجاء على أوزان المبالغة؛ كمِعْطاء، ومِنْحَار؛ لكثير العطاء والنَّحْر، وهذا البنَاء يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث؛ كامرأةٍ مِعْطار: كثيرة التَّعَطُّر (2)، ومِذْكَار: تَلِدُ الذكور.
__________
(1) في (مط) (مغلوبة).
(2) في (مط) (العطر).

(1/469)


الثالث: الباسِل: وهو اسم فاعل من بَسُل يبْسُل؛ كشرُف يشْرُف والبَسَالة: الشجاعة والشدَّة. وضِدُّها: فشُل يفْشل فَشَالة وهي [ظ 99] على وزنها فِعْلا ومصدرًا، وهي الرَّذالة.
الرابع: البَطَل: وجَمْعُه: أبْطَال، وفي تسميته قولان:
– أحدهما: لأنه (1) يُبْطِلُ فِعْل الأقران، فتَبْطُل عنده شجاعة الشُّجعان، فيكون: بطلٌ بمعنى مفعولٍ في المعنى؛ لأن هذا الفعل غيرُ متعدٍّ.
– والثاني: أنه بمعنى فاعل لفظًا ومعنى؛ لأنه الذي يُبْطِل شجاعة غيره، فيجعلها بمنزلة [ح 205] العدم، فهو بطلٌ بمعنى: مُبْطِل (2).
ويجوز أن يكون بطلٌ بمعنى مُبْطَل؛ بوزن (3) مُكْرَم، وهو الذي قد بَطَلَهُ غيرُه، فلِشَجاعته تحاماه الناس، فبَطَلوا فعله باستسلامهم له، وترك محاربتهم إياه.

الخامس: الصَّنْدِيْد: بكسْر الصَّاد، والعامَّة تلحن فيه (4) فيقولون: صَنديد، بفتحها، وليس في كلامهم فَعليل بفتح الفاء، وإنما هو بالكسر في الأسماء: كقِنْدِيل وحِلْتِيت، وفي الصَّفات: كشِمْلِيل، والصَّنديد: الذي لا يقوم له شيءٌ.
__________
(1) في (مط) (أنه).
(2) في (ظ) بعد (مبطل) زيادة وهي (بوزن مكرم).
(3) في (مط)، (ح) (كوزن).
(4) ليس في (ظ).

(1/470)


فصلٌ
ولما كانت الشجاعة خُلُقًا كريمًا من أخلاق النفس؛ ترتَّب عليها أربعة أمورٌ، وهي مظهرها وثمرتها:
الإقدام في موضع الإقدام.
والإحجام في موضع الإحجام.
والثبات في موضع الثبات.
والزوال في موضع الزوال.
وضدُّ ذلك مُخِلٌّ بالشجاعة، وهو إما جُبْنٌ، وإما تَهَوُّرٌ، وإما خِفَّة وَطيْشٌ.
وإذا اجتمع في الرجل الرأي والشجاعة (1)؛ فهو الذي يصلح لتدبير الجيوش، وسياسة أمْرِ الحرب.

والناس ثلاثة: رجلٌ، ونصف رجل، ولا شيء:
– فالرجل: من اجتمع له إصابة (2) الرأي والشَّجاعة، فهذا الرجل الكامل؛ كما قال أحمد بن الحسين المتنبي (3):
__________
(1) في (مط)، (ح) (في الرجل الرامي الشجاعة)، وهو خطأ.
(2) في حاشية (ظ) (أصالة).
(3) من (ظ)، وانظر ديوانه (4/ 226 – بشرح البرقوقي). =

(1/471)


الرّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ … هُوَ أوَّلٌ وهِي المَحَلُّ الثَّانِي
فإذا هُما اجْتَمَعا لِنَفْسٍ مرَّةٍ … بَلَغَتْ مِن العَلْياءِ كُلَّ مَكان
– ونصف الرجل: وهو (1) من انفرد بأحد الوصفين دون الآخر.

– والذي هو لا شيء: مَن عَرِيَ من الوصفين (2) جميعًا.
ونختم هذا (3) الكتاب بآيةٍ من كتاب الله تعالى، جمع فيها تدبير الحروب بأحسن تدبير، وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال: 45 – 46].
فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء، ما اجتمعت في فئةٍ قطُّ (4) إلَّا نُصِرَت، وإن قلَّت وكثُرَ عدوُّها.
أحدها: الثبات.
__________
= تنبيه: وقع في (ح، مط) (حُرَّة) بدلًا من (مِرّة).
(1) من (ظ)، وكذا ما بعده.
(2) من قوله (دون) إلى (الوصفين) ليس في (ح).
(3) من (مط).
(4) ليس في (ح).

(1/472)


الثاني: كثرة ذِكْره سبحانه وتعالى.
الثالث: طاعته وطاعة رسوله.
الرابع: اتِّفاق الكلمة، وعدم التنازع الذي يوجِب [ح 206] الفَشَل والوَهَن، وهو جُندٌ (1) يقوَّي به المتنازعون عدوَّهُم عليهم؛ فإنهم في اجتماعهم كالحِزْمَة من السِّهام، لا يستطيع أحدٌ كسرها، فإذا فرَّقها وصار كلٌّ منهم وحده؛ كسرها كلها.
الخامس: مِلاك ذلك كله وقوامه وأساسه، وهو الصبر.
فهذه خمسة أشياء تُبْتَنى (2) عليها قُبَّة النَّصْر، ومتى زالت أو بعضها؛ زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت، قوَّى بعضُها بعضًا، وصار لها أثرٌ عظيمٌ في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقمْ لهم أمَّةٌ من الأمم، وفتحوا الدُّنيا، ودانت لهم العباد و (3) البلاد، ولما تفرَّقت فيمن بعدهم وضَعُفت؛ آل الأمرُ إلى ما آل.
ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم، والله المستعان، وعليه التُّكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل (4). (*)
__________
(1) في (ح) (وهو جيد).
(2) في (ح) (تنبني).
(3) قوله (العباد و) من (ظ).
(4) في (ظ) (هذا آخر ما اشتمل عليه الكتاب، وبالله تعالى التوفيق).
وفي (ح) (مط) (وهذا آخر الكتاب، والحمد لله رب العالمين)، زاد في (ح) (الملك (الوهاب). =

(1/473)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وجاء في آخر النسخة (ظ) – بعد تعليق الناسخ – (وكان الفراغ من نسخه في شهر رمضان سنة ثمان مائة وثلاثين، يوم الخميس ليلة الجمعة المباركة. وكتبه: يوسف بن أحمد المعروف بابن سليماناه. غفر الله لكاتبه، … ، ولمن نظر فيه ولجميع المسلمين).
وجاء في آخر النسخة (ح): “أنهاه بقلمه راجي رحمة ربه، عبده وابن عبده وابن أمته: إبراهيم بن محمد بن عمر بن سليم غفر الله له ولوالديه ومشايخه في الدين وإخوانه المسلمين. فرغت من رقمه في عشرين من رمضان سنة 1318 هـ من الهجرة على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام”.

(1/474)


مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى