http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة |
الكتاب: اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية [مشروع آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (21)]المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 – 751) المحقق: زائد بن أحمد النشيري راجعه: محمد أجمل الإصلاحي – سعود بن العزيز العريفي الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت) الطبعة: الرابعة، 1440 هـ – 2019 م (الأولى لدار ابن حزم) عدد الصفحات: 614 قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
اجتماع الجيوش الإسلامية
على حرب المعطلة والجهمية
تأليف
الإمام العلامة محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية
(691 – 751)
تحقيق
زايد بن أحمد النشيري
(المقدمة/1)
راجع هذا الجزء
محمد أجمل الإصلاحي
سعود بن العزيز العريفي
(المقدمة/3)
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
[آل عمران/102].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء/1].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب/70 ـ 71].
أما بعد:
فهذا كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية» للإمام العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، نضعه بين أيدي القراء من طلبة العلم وغيرهم في ثوبه الجديد، وطبعته التامَّة، التي تطبع لأوَّل مرَّة، صنّفه مؤلفه في مسألة: علو الله، واستوائه على عرشه، فنسَّقه ورتبه وجمَّله وأتقنه، فجاء مؤلَّفهُ فريدًا في بابه، بديعًا في ترتيبه، شاملًا لأدلته وموضوعه.
(المقدمة/5)
وقد دل السمع والعقل والفطرة على علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه، وعلى ذلك تتابعت مؤلفات أهل السُّنة.
وقبل الحديث عن دراسة الكتاب، وما تضمنه واحتواه، أُحب أن أذكر نُبذة يسيرة عن الكتب المؤلفة في هذه المسألة.
تنقسم الكتب التي تحدثت عن مسألة العلو إلى قسمين:
القسم الأول: كتب مفردة في مسألة العلو.
القسم الثاني: كتب عامَّة تضمَّنت المسألة.
القسم الأول: كتب مفردة في مسألة العلو:
1 – «العرش وما روي فيه» (1) للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة
العبسي، المتوفَّى سنة 297 هـ.
وقد طُبع بمكتبة السنة بالقاهرة، حققه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه
أبو عبد الله محمد بن حمود الحمود.
2 – «العرش والكرسي» ليحيى بن الحسين بن القاسم، المتوفَّى سنة
298 هـ. انظر: الأعلام للزركلي (8/ 141).
_________
(1) يلاحظ أنني جعلت ما أُلِّف عن «العرش»، مما أُلِّف عن مسألة العلو؛ للتلازم بينهما، ولأن الجهمية لمَّا كان من مذهبهم نفي العلو والفوقية؛ نَفَوا وجود العرش وحرَّفوه هَرَبًا من إثبات ذلك، فصار ما أُلِّف عن العرش لإثبات العرش والعلو معًا، والرد على نفاتهما.
(المقدمة/6)
3 – «العرش» للحافظ أحمد بن سليمان النجَّاد، المتوفَّى سنة 348 هـ.
ذكره الذهبي في معجم شيوخه (1/ 172).
4 – «العرش» لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي، المتوفَّى سنة 401 هـ.
انظر: المعجم المفهرس لابن حجر (ص/400) رقم (1771)، وصلة الخلف بموصول السلف للروداني (ص/304).
5 – «الإيماء إلى مسألة الاستواء» لأبي بكر الحضرمي القيرواني.
ذكره القرطبي في الأسنى (2/ 123).
6 – «إثبات صفة العلو» للحافظ موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، المتوفَّى سنة 620 هـ.
وقد طُبع عن مكتبة العلوم والحكم ومؤسسة علوم القرآن، حققه وعلَّق عليه د. أحمد بن عطية الغامدي.
7 – «إثبات صفة العلو» للحافظ أبي منصور عبد الله بن محمد بن الوليد، المتوفَّى سنة 643 هـ.
ذكره المؤلف في كتابه هذا (ص/278).
8 – «الرسالة العرشية» لشيخ الإسلام ابن تيمية، المتوفَّى سنة 728 هـ.
(المقدمة/7)
وقد طبعت ضمن مجموعة الفتاوى (6/ 545 – 583).
9 – «العلو للعلي الغفار، وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها» للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفَّى سنة 748 هـ.
وقد طُبع بدار الوطن للنشر، دراسة وتحقيق عبد الله بن صالح البَّراك.
10 – «إثبات علو الرحمن من قول فرعون لهامان» (1) لأُسامة بن توفيق القصاص، المتوفَّى سنة 1408 هـ.
وقد طُبع عن جمعية إحياء التراث الإسلامي، لجنة البحث العلمي، في جزئين، الطبعة الأولى 1409 هـ.
11 – «إثبات علو الله ومباينته لخلقه، والرد على من زعم أن معية الله للخلق ذاتية» للشيخ حمود بن عبد الله التويجري، المتوفَّى سنة 1413 هـ.
12 – «علو الله على خلقه» لموسى بن سليمان الدويش.
وقد نشرته مكتبة العلوم والحكم بالمدينة، الطبعة
_________
(1) وقد رأى طابعوه أن يحوَّل ذلك العنوان إلى «إثبات علو الله على خلقه والرد على مخالفيه»؛ كي لا يُفهم من عنوان المؤلف ما لا يُحمد!
(المقدمة/8)
الأولى 1407 هـ.
13 – «الرحمن على العرش استوى، بين التنزيه والتشويه» للدكتور
عوض منصور.
14 – «الرحمن على العرش استوى» للشيخ عبد الله السبت.
ثانيًا: كتب عامَّة تضمَّنت المسألة:
وهي نوعان:
1 – كتب التوحيد.
2 – كتب الحديث الجامعة.
أولًا: كتب التوحيد:
وهي كثيرة، فلا يكاد يخلو كتاب من تلك الكتب إلا وذكرت مسألة العلو، ومنها على سبيل المثال.
1 – «السنة» لأبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم (ت 273 هـ).
2 – «السنة» لابن أبي عاصم (ت 287 هـ).
3 – «السنة» لعبد الله بن أحمد بن حنبل (ت 292 هـ).
4 – «السنة» لأبي بكر الخلال (ت 311 هـ).
5 – «السنة» للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ).
(المقدمة/9)
6 – «صريح السنة» لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ).
7 – «التوحيد» لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311 هـ).
8 – «التوحيد» لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة
(ت 395 هـ).
9 – «الشريعة» لمحمد بن الحسين الآجرِّي (ت 360 هـ).
ثانيًا: كتب الحديث الجامعة:
وهي عديدة، ذكر المؤلف بعضًا منها:
1 – الجامع الصحيح للبخاري (ت 256). ذكر هذه المسألة في كتاب «التوحيد».
انظر ما كتبه المؤلف عنه (ص/355 ـ 367).
2 – الصحيح لمسلم بن الحجاج (ت 261). ذكر الأحاديث الدالة على العلو في كتاب «الإيمان» وغيره.
انظر ما كتبه عنه المؤلف (ص/367 ـ 369).
3 – الجامع للترمذي (ت 279). ذكر المسألة ضمن الأحاديث الواردة في العلو، ونقل كلام أهل العلم فيها.
انظر ما كتبه المؤلف عنه (ص/369 ـ 372).
(المقدمة/10)
4 – السنن لأبي داود السجستاني (ت 275). ذكر المسألة في كتاب «السنة».
وانظر ما قاله المؤلف عنه (ص/372).
5 – السنن لابن ماجه القزويني (ت 273). ذكر مسألة العلو في مقدمة «سننه»، وذكر بابًا فيما أنكرت الجهمية وذكر فيه العلو.
وانظر ما قاله المؤلف عنه (ص/372 ـ 373).
(المقدمة/11)
التعريف بكتاب
«اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية»
لابن قيم الجوزية
ويتضمن ما يلي:
1 – اسم الكتاب.
2 – إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
3 – تاريخ تأليف الكتاب.
4 – نقول العلماء من الكتاب.
5 – موضوع الكتاب ومحتواه.
6 – موارد الكتاب.
7 – مقارنة بين كتابي «العلو للعليِّ الغفار» للحافظ الذهبي، وكتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم.
8 – طبعات الكتاب.
9 – وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق.
10 – المنهج في تحقيق الكتاب.
11 – نماذج من النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق.
(المقدمة/12)
1 ـ اسم الكتاب:
تعددت الأسماء الواردة لهذا الكتاب على سبعة عناوين، وهي
كالتالي:
1 – «اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية».
وهذا العنوان جاء في آخر النسخة الظاهرية «ظ»، المكتوبة سنة 760 هـ.
وجاء أيضًا في آخر نسخة برلين الألمانية «ب»، المكتوبة سنة 839 هـ، بخط ابن زُرَيق الحنبلي، المتوفى سنة 900 هـ.
2 – «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية».
وهذا العنوان ذكره المؤلف في كتابه «الفوائد» (ص/4 ـ 5).
وجاء أيضًا على الطبعة الحجرية الأُولى لهذا الكتاب، المطبوعة في الهند سنة 1314 هـ.
3 – «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية».
وهذا العنوان ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 450)، وابن العماد في «شذرات الذهب» (6/ 170)، وإسماعيل باشا في «هدية العارفين» (2/ 158)، وصديق حسن خان في «التاج المكلَّل» (ص/428)، وأحمد ابن إبراهيم بن عيسى في «شرح النونية» (1/ 8)، لكن الأخيرين
(المقدمة/13)
نقلاه عن ابن رجب فيما يظهر، والله أعلم.
4 – «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الجهمية».
وهذا العنوان أورده الداوودي في كتاب «طبقات المفسرين» (2/ 96).
5 – «اجتماع الجيوش الإسلاميَّة».
وهذا العنوان جاء على آخر نسخة تشستربيتي الإيرلندية «أ».
وجاء أيضًا على غلاف النسخة التركية «ت»، وفي آخرها كذلك.
6 – «الجيوش الإسلامية».
وهذا العنوان جاء على غلاف النسخ الآتية: النسخة الألمانية (برلين) «ب»، ونسخة تشستربيتي الإيرلندية «أ»، ونسخة دار الكتب المصرية، ونسخة مكتبة الرياض السعودية.
وذكره السفاريني في لوامع الأنوار (1/ 190, 196)، وابن عيسى في شرح النونية (1/ 478).
7 – «غزو الجيوش الإسلامية في الرد على المعطلة والجهمية».
وهذا العنوان جاء على غلاف النسخة العراقية «ع».
هذا ما وقفت عليه من عناوين لهذا الكتاب، ويظهر ـ والله أعلم ـ أن أرجح العناوين وأصحها هو العنوان الأول؛ لوروده في النسخة الأخيرة
(المقدمة/14)
التي فيها زيادات انفردت بها عن بقية النسخ، وفي نسخة ابن زُريق الخالية من الزيادات.
ثم يليه في القوة الثاني؛ لصدوره عن المؤلف، ولولا أن المؤلف أحيانًا يذكر العنوان في كتبه بصيغ مختلفة؛ لكان هو الأحق بالترجيح.
ثم يليه الثالث في القوة؛ لصدوره من تلميذ المؤلف.
وأما العنوان الرابع؛ فلعل الداوودي لمَّا نقله عن ابن رجب حذف كلمة «فرقة» اختصارًا أو سقطت منه سهوًا.
وأما الخامس والسادس: فالاختصار فيهما ظاهر جدًّا.
وأما السابع: فالتحريف فيه ظاهر جدًّا.
2 ـ إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
اجتمعت في هذا الكتاب عامَّة الدلائل والبراهين التي تقطع بصحة نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه، وإليك بيانها:
1 – نصَّ المؤلف على اسم الكتاب «اجتماع الجيوش … » في أحد كتبه، وهو كتاب «الفوائد» في (ص 4 ـ 5).
2 – تصريح المؤلف في هذا الكتاب في (ص/280) باسم مؤلَّف مشهور من مؤلفاته، وهو كتاب «الشافية الكافية … ».
3 – إشارة المؤلف في كتاب «حادي الأرواح»، إلى كتابنا هذا وموضوعه، فقال في «حادي الأرواح» (2/ 843): «وقد جمعنا
(المقدمة/15)
منه في مسألة علو الرب تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه وحْدَها سِفْرًا متوسطًا».
4 – تشابه المادة العلمية في هذا الكتاب فيما يتعلق بالأحاديث والآثار، والكلام عليها صحةً وضعفًا مع كتاب آخر للمؤلف وهو «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة»، كما جاء ذلك في مختصره للموصلي من الوجه العاشر إلى الوجه الرابع عشر من المثال «السابع»: مما ادَّعى المعطلة مجازه: «الفوقية». انظر (ص/371 ـ 376).
5 – تصريح المؤلف بالنقل عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية في عدة مواضع من كتابه هذا، وأصرحها ما نقله عن شيخه من كتاب «الأجوبة المصرية». انظر (ص/287).
6 – مجيء نسبة هذا الكتاب إلى مؤلفه «ابن القيم» في جميع النسخ الخطية التي اعتمدناها، والتي اعتمد عليها غيرنا كناشر الطبعة الهندية وغيرها، والتي وُصِفتْ في الفهارس.
7 – نقل بعض أهل العلم من هذا الكتاب كالسفاريني، وأحمد بن
عيسى كما سيأتي.
8 – أن أكثر الذين ترجموا للمؤلف ذكروا هذا الكتاب ضمن مؤلفاته، وأولهم تلميذه الحافظ ابن رجب الحنبلي في «ذيل طبقات الحنابلة» (2/ 450)، ثم الداوودي في «طبقات
(المقدمة/16)
المفسرين» (2/ 96)، ثم ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» (6/ 170)، وإسماعيل باشا في «هدية العارفين» (2/ 158)، ثم صديق حسن خان في «التاج المكلَّل» (ص/428) وغيرهم.
3 ـ تاريخ تأليف الكتاب:
لم أقف على مَنْ نصَّ على تاريخ تأليف هذا الكتاب، والذي يظهر لي أن ابن القيم ألف أصله في سنة 745 هـ أو قبلها، ثم أضاف إليه زيادات كما سيأتي.
فمن خلال ورود موضوع هذا الكتاب في «حادي الأرواح» (2/ 843) الذي ألَّفه سنة (745 هـ) (1) حيث يقول فيه: «وقد جمعنا منه في مسألة علو الرب تعالى على خلقه واستوائه على عرشه وحدها سفرًا متوسطًا»، ومراده «اجتماع الجيوش … » قطعًا= يتَّضح لنا جليًّا أنَّ المؤلّف قد كتب النسخة الأولى في تلك السَّنَة أو قبلها، فانتشر الكتاب بين النُّساخ (2)، وطلبة العلم. ولما كان من شأن المؤلف وعادته أنه دائب البحث، كثير القراءة والتأليف؛ كان لا يَدَع شيئًا يمرُّ عليه يخصُّ تلك المسألة إلا ويضعها في مكانها اللائق بها، فأضاف:
_________
(1) انظر مقدمة تحقيق «حادي الأرواح» (1/ 15).
(2) ولهذا كان عامَّة النسخ المخطوطة لهذا الكتاب هي التأليف الأول الخالي عن الزيادات والإضافات.
(المقدمة/17)
1 – بعض الآيات الدالة على العلو.
2 – وأضاف أقوال رسل الله … كآدم، وداود، وإبراهيم، ويوسف، وموسى عليهم السلام.
3 – وأضاف كثيرًا من الأحاديث والآثار في أثناء الكتاب (1).
فنسخت تلك النسخة الأخيرة بعد وفاة ابن القيم بتسع سنين، ولم يُكتب لها الانتشار والشهرة لعدم العلم بها أو الوقوف عليها أو لغير ذلك، والله أعلم.
4 ـ نقول العلماء من الكتاب:
1 – محمد بن أحمد بن سالم السفاريني (ت 1188 هـ).
نقل في كتابه «لوامع الأنوار البهيَّة وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضيَّة في عقيدة الفرقة المرضية» عن هذا الكتاب نقلًا طويلًا في الآيات والأحاديث الواردة في العلو في (1/ 190 ـ 192)، وهو يوافق ما في «اجتماع الجيوش … » (ص/100 ـ 159).
2 – أحمد بن إبراهيم بن عيسى (ت 1329 هـ).
_________
(1) انظر (ص/93 ـ 96)، (98 ـ 100، 101، 104 ـ 105، 111 ـ 112، 114 ـ 115، 134 ـ 140، 147 ـ 148، 155، 158 ـ 159)، (170 ـ 172).
(المقدمة/18)
نقل في كتابه «توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم» من هذا الكتاب في (1/ 478) فيما يتعلق بمؤلَّف أبي الخير في السُّنة، وهو يوافق ما في «اجتماع الجيوش … » (ص/278).
5 ـ موضوع الكتاب ومحتواه:
أما موضوعه:
فهو في علو الله على خلقه، واستوائه على عرشه، كما أفصح عن ذلك المؤلف في كتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» (2/ 843)، فقال فيه: «وقد جمعنا منه في مسألة علو الرب تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه وحدها سفرًا متوسطًا». ويعني بذلك كتابه هذا «اجتماع الجيوش الإسلامية».
وأما محتواه:
فيمكن تقسيمه إلى قسمين:
الأول: كالمقدمة لهذا الكتاب: تحدث فيها عن نعمة الله، وأقسام الناس، والأمثال المضروبة في القرآن مما يختص بأقسام الناس، والتوحيد وأنواعه.
الثاني: صلب الكتاب: وهو مسألة العلو.
(المقدمة/19)
فأما القسم الأول:
فابتدأه المؤلف بمقدمة دعا فيها أن يمتِّعنا الله بالإسلام، والسنة، والعافية، مبيِّنًا أن سعادة الدنيا والآخرة ونعيمهما وفوزهما مبنيٌّ على هذه الأركان الثلاثة.
ثم ذكر رحمه الله أقسام النعمة، وأنها قسمان، مطلقة ومقيدة، وتحدث عنهما بإسهاب.
ثم تحدث عن لفظ «الدين»، وأنواع إضافاته، مع بيان الدلالة من الآية على هذه النعمة المطلقة (ص/3 ـ 7).
ثم عقد فصلًا أوضح فيه أن الفرح الحقيقي يكون لمن تحصَّل على النعمة المطلقة، ثم بيَّن في هذا الفصل منزلة السُّنة وصاحبها.
ثم شرح معنى «النور» الوارد في سورة الشورى والأنعام والحديد (ص/16 ـ 18).
ثم تحدَّث عن أقسام الناس، فبيَّن أنهم قسمان: أهل الهدى والبصائر، وأهل الجهل والظلم.
ثم أسهب في بيان المراد بقوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} [النور/40]، (ص/28 ـ 39).
(المقدمة/20)
ثم تحدث عن المثلين المائي والناري المضروبين في القرآن للمنافقين، وشرحهما. (ص/39 – 50)
ثم بيَّن أقسام الناس في الهُدى الذي بعث الله به رسوله – صلى الله عليه وسلم -.وبيَّن أنهم أربعة أقسام. (ص 50 – 61).
ثم أسهب المؤلف رحمه الله في بيان ما اشتمل عليه المثلان من الحِكَم العظيمة والفوائد النفيسة، وغيرها. (ص/62 ـ 75).
ثم تحدث بشيء من التفصيل عن الآيات الواردة التي فيها لفظة «النور» والمراد منها. (ص/75 ـ 77).
ثم تحدث بما يشبه الموعظة عن حال أرباب الأعمال، الذين كانت أعمالهم لغير الله أو على غير سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وحال أرباب العلوم والأنظار الذين لم يتلقَّوها من مشكاة النبوة، وكيف يكون حالهم يوم القيامة إذا ردُّوا إلى الله مولاهم الحق. (ص/76 ـ 82).
ثم عقد فصلًا عظيمًا أوضح فيه أن ملاك السعادة والنجاة تحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتب الله، ثم بَيَّنهما بقوله:
أحدهما: التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي.
الثاني: عبادته وحده لا شريك له، وتجريد محبته، والإخلاص له، وخوفه ورجاؤه، والتوكل عليه، والرضى به ربًّا وإلهًا ووليًّا. (ص/84 ـ 87).
ثم أعقبه بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في بيان أنه تعالى مستوٍ
(المقدمة/21)
على عرشه في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وعامَّة كلام الصحابة والتابعين وكلام سائر الأئمة وأهل العلم (87 ـ 91).
وكان هذا مناسبًا للتخلّص والدخول في القسم الثاني من الكتاب وهو موضوع العلو واستواء الله تعالى على عرشه.
القسم الثاني:
ثم شرع المؤلف رحمه الله في الدخول في صلب الكتاب وعرض مادته، فرتبه ترتيبًا بديعًا، ونسَّقه تنسيقًا فريدًا، فبدأه من الأدلة بأعلاها قوةً وبيانًا، وختمها بما هو أقلّ قوة في البيان والاستدلال.
فجاء على النحو التالي:
1 – ذكر الآيات الدالة على علو الله تعالى واستوائه على عرشه،
(ص/89 ـ 92).
2 – ثم ذكر أقوال رسل الله والسفراء بينه وبين خلقه: فذكر قول آدم، وداود، وإبراهيم، ويوسف، وموسى، صلوات الله وسلامه عليهم، (ص/93 ـ 96). ثم سرد عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أكثر من ستِّين حديثًا، (ص/97 ـ 161).
3 – ثم ذكر ما حفظ عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، (ص/162 ـ 180).
4 – ثم ذكر أقوال التابعين، (ص/180 ـ 190).
5 – ثم أقوال تابعي التابعين، (ص/191 ـ 195).
(المقدمة/22)
6 – ثم أقوال الأئمة الأربعة وأتباعهم، (ص/195 ـ 323).
7 – ثم ذكر أقوال أئمة أهل الحديث، (ص/323 ـ 378).
8 – ثم أقوال أئمة أهل التفسير، (ص/379 ـ 407).
9 – ثم أقوال أئمة أهل اللغة العربية الذين يُحتجُّ بقولهم، (ص/407 ـ 411).
10 – ثم ذكر أقوال الزهاد والصوفية أهل الاتباع وسلفهم، (ص/412 ـ 430).
11 – ثم ذكر أقوال الشارحين لأسماء الله الحسنى، (ص/430 ـ 431).
12 – ثم ذكر أقوال أئمة أهل الكلام من أهل الإثبات المخالفين للجهمية والمعتزلة والمعطلة، (ص/432 ـ 472).
13 – ثم ذكر أقوال شعراء الإسلام من الصحابة، (ص/472 ـ 476).
14 – ثم ذكر ما أُنشد للنبي – صلى الله عليه وسلم – من شعر أُمية بن أبي الصلت، (ص/477 ـ 479).
15 – ثم ذكر القصيدة التي أنشدها إسماعيلُ الترمذيُّ الإمامَ أحمد ابن حنبل، (ص/479 ـ 480).
(المقدمة/23)
16 – ثم ذكر عدة قصائد ليحيى بن يوسف الصرصري في السُّنة، (ص/475 ـ 505).
17 – ثم ذكر شعر عنترة العبسي من شعراء الجاهلية، (ص/505).
18 – ثم ذكر أقوال الفلاسفة المتقدمين، والحكماء الأولين، (ص/505 ـ 510).
19 – ثم ذكر قول الجن المؤمنين، (ص/511 ـ 513).
20 – ثم ذكر أقوال ما لا يعقل:
1 – فذكر قول النمل في العلو، (ص/514 ـ 517).
2 – ثم ذكر قصة حُمُر الوحش، (ص/518 – 519).
3 – ثم ذكر قوله – صلى الله عليه وسلم – في البقر، وتكلم على الحديث الوارد فيه، وضعَّفه، (ص/519).
ثم ختم الكتاب بفصل فيه جواب طويل عن الإيراد في هذا المقام عن الاحتجاج بقول الشعراء والجن وحُمُر الوحش، (ص/520 ـ 523).
(المقدمة/24)
6 ـ موارد الكتاب:
كان المؤلف رحمه الله محبًّا للعلم، شغوفًا به، اطَّلاعًا وبحثًا وتأليفًا، مُغرمًا بجمع الكتب وتحصيلها واقتنائها وبذل الغالي والنفيس للظفر بها، فجمع مكتبة عامرة زاخرة بنفائس ونوادر الكتب والمصنفات.
ولا أدل على ذلك من قول تلميذه الحافظ ابن رجب الحنبلي:
«وكان شديد المحبة للعلم، وكتابته، ومطالعته، وتصنيفه، واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره» (1).
بل قال صاحبه الحافظ ابن كثير:
«واقتنى من الكتب ما لا يتهيأ لغيره تحصيلُ عشر معشاره من كتب السلف والخلف» (2).
ويقول الحافظ ابن حجر:
«وكان مغرًى بجمع الكتب، فحصَّل منها ما لا يُحصى، حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرًا طويلًا، سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم» (3).
_________
(1) انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 450).
(2) انظر: البداية والنهاية (14/ 246)، وقال ابن كثير: «وكنت من أصحب الناس له، وأحب الناس إليه».
(3) انظر: الدرر الكامنة (3/ 244) رقم (3700).
(المقدمة/25)
ويقول ابن العماد الحنبلي في ترجمة ابن أخي ابن القيم: عماد الدين إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي بكر:
«كان من الأفاضل واقتنى كتبًا نفيسة، وهي كتب عمِّه الشيخ شمس الدين ابن القيم، وكان لا يبخل بإعارتها» (1).
وهذا المؤلف يقول عن نفسه ـ في صدد كلامه عن الإمام أحمد بن حنبل وكراهيته للتصنيف وكتابة كلامه ـ قال: «فعلم الله حسن نيته وقصده فكُتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفرًا، منَّ الله علينا بأكثرها فلم يفتنا منها إلا القليل» (2).
وخير شاهد على ذلك مما صنفه المؤلف كتابنا هذا «اجتماع الجيوش الإسلامية» الذي يتحدث فيه عن مسألة واحدة في باب واحد من أبواب الاعتقاد، حشد فيه نقولًا عن أكثر من مائة كتاب.
ويمكن تقسيم موارد المؤلف في كتابه هذا «اجتماع الجيوش الإسلامية» إلى قسمين:
الأول: مصادر صرَّح بأسمائها.
الثاني: مصادر صرَّح بأسماء مؤلفيها.
_________
(1) انظر: شذرات الذهب (6/ 358).
(2) انظر: إعلام الموقعين (1/ 28).
(المقدمة/26)
القسم الأول: مصادر صرَّح بأسمائها:
1 – الإبانة عن أصول الديانة، لأبي الحسن الأشعري، (ص/438، 466).
2 – الإبانة، لابن بطة العكبري، (ص/342، 396).
3 – إبطال التأويلات، للقاضي أبي يعلى، (ص/296، 318).
4 – إثبات الصفات، لأبي الحسن الأشعري، (ص/454).
5 – إثبات العلو، للحافظ أبي منصور عبد الله بن محمد بن الوليد، (ص/278).
6 – إثبات صفة العلو، للحافظ المقدسي، (ص/287، 397).
7 – الأجوبة المصرية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، (ص/290).
8 – آداب المريدين والتعرف لأحوال العباد، لأبي عمرو الطلمنكي، (ص/420).
9 – الاستذكار، لابن عبد البر، (ص/213).
10 – الاستيعاب، لابن عبد البر، (ص/168).
11 – الأسماء والصفات = (الصفات)، للبيهقي، (ص/185 و 186، 324، 408).
12 – الأسنى شرح الأسماء الحسنى= شرح الأسماء الحسنى،
(المقدمة/27)
(ص/240).
13 – الأصول، للطلمنكي، (ص/203).
14 – أصول السنة، لابن أبي زمنين، (ص/238).
15 – أصول الدين، للشهرزوري، (ص/273).
16 – أصول الفقه، لأبي حامد الاسفراييني، (ص/290).
17 – اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات، لأبي عبد الله بن خفيف الشيرازي، (ص/426).
18 – الاعتقاد لأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين، لابن أبي حاتم، (ص/350).
19 – اعتقاد أبي حنيفة وصاحبيه (العقيدة الطحاوية)، للطحاوي، (ص/337، 377).
20 – أقسام اللذَّات، لفخر الدين الرازي، (ص/468).
21 – الأمالي، لأبي الحسن الأشعري، (ص/454).
22 – الإيماء إلى مسألة الاستواء، لأبي بكر الحضرمي، (ص/286).
23 – الاهتداء لأهل الحق والاقتداء، لأبي القاسم خلف بن عبدالله المقري المالكي، (ص/227).
(المقدمة/28)
24 – تاريخ ابن أبي خيثمة، لأحمد بن زهير بن حرب، (ص/183).
25 – تاريخ نيسابور، للحاكم، (ص/292).
26 – تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، (ص/511).
27 – تاريخ دمشق، لابن عساكر، (ص/189).
28 – التاريخ الكبير، للبخاري، (ص/163).
29 – تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، (ص/438).
30 – التبصير في معالم الدين، لابن جرير الطبري، (ص/295).
31 – تحفة المتقين وسبيل العارفين، لعبد القادر الجيلاني، (ص/424).
32 – تحريم اللواط، للهيثم بن خلف الدوري، (ص/393).
33 – تفسير الطبري، (ص/61، 293، 383، 405).
34 – تفسير البغوي= معالم التنزيل، (ص/301، 408، 459).
35 – تفسير الثعلبي «الكشف والبيان»، (ص/337).
36 – التفسير، للسدي، (ص/384).
37 – التفسير، للضحاك، (ص/384).
38 – التفسير، لابن أبي حاتم، (ص/394، 399).
(المقدمة/29)
39 – تفسير القرطبي= الجامع لأحكام القرآن، (ص/408).
40 – التمهيد، لابن عبد البر، (ص/187، 201، 204، 411).
41 – التمهيد في أصول الدين، لأبي بكر الباقلَّاني، (ص/460).
42 – تهذيب اللغة، للأزهري، (ص/412).
43 – التوحيد، لابن خزيمة، (ص/291).
44 – الثقفيات، للقاسم بن الفضل الثقفي، (ص/156).
45 – الجامع، لأبي عيسى الترمذي، (ص/110، 112، 113، 147، 151، 153، 369).
46 – الجامع، للخلال، (ص/319).
47 – الجامع الصغير، للحسين بن أحمد الأشعري، (ص/467).
48 – جوابات المسائل، للزنجاني، (ص/253، 462).
49 – الجمع بين الصحيحين، لعبد الحق الأشبيلي، (ص/120).
50 – جمل المقالات= المقالات، لأبي الحسن الأشعري، (ص/455).
51 – الحجة في بيان المحجة، لأبي القاسم إسماعيل بن الفضل التيمي الأصبهاني، (ص/268).
52 – حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني، (ص/400، 414).
(المقدمة/30)
53 – خلق أفعال العباد، للبخاري، (ص/329، 353، 385، 414، 416).
54 – ديوان الصرصري، (ص/480 ـ 505).
55 – ديوان حسان بن ثابت، (ص/473).
56 – ديوان عنترة، (ص/505).
57 – ديوان لبيد، (ص/476).
58 – الرد على الجهمية، للإمام أحمد بن حنبل، (ص/305).
59 – الرد على الجهمية، لابن أبي حاتم الرازي، (ص/329، 332، 334، 335، 337، 339).
60 – الرد على الجهمية، لعبد العزيز الكناني، (ص 331).
61 – الرد على الجهمية، للدارمي، (ص/22).
62 – الرد على الجهمية، لابن عرفة «نفطويه»، (ص/408، 410).
63 – الرسالة، للإمام الشافعي، (ص/242).
64 – الرسالة، لابن أبي زيد القيرواني، (ص/213).
65 – رسالة في السنة، لمعمر بن أحمد الأصبهاني، (ص/424).
66 – رسالة في السنة، ليحيى بن عمار السجزي، (ص/430).
67 – رسالة في جوابات مسائل أهل بغداد، للباقلاني، (ص/462).
(المقدمة/31)
68 – رسالة الحُرَّة، لأبي الحسن الأشعري، (ص/467).
69 – رسالة في الفوقية= السنة= العلو، للذهبي، (ص/329، 349، 382، 412).
70 – الزهد، للإمام أحمد بن حنبل، (ص/412).
71 – السُّنة، للطبراني، (ص/20).
72 – السُّنة، لعبد الله بن أحمد بن حنبل، (ص/136، 173، 325، 338، 349، 399، 415).
73 – السنة، للخلال، (ص/127، 302، 306، 340).
74 – السنة، لخشيش بن أصرم النسائي، (ص/131).
السنة= التوحيد، لابن خزيمة.
السنة= شرح أصول الاعتقاد، للالكائي.
75 – السنة، للمزني، (ص/246).
76 – السنة، لابن أبي حاتم، (ص/326).
77 – السنة= عقيدة السلف وأصحاب الحديث، للصابوني، (ص/376).
78 – السنة، لأبي بكر الأثرم، (ص/415).
السنة= العلو= رسالة في الفوقية، للحافظ الذهبي.
(المقدمة/32)
79 – السنن، لأبي داود، (ص/105، 106، 108).
80 – السنن، لابن ماجه، (ص/116).
81 – السنن، للدارقطني، (ص/517).
82 – السنة= الانتصار في الرد على المعتزلة والقدرية الأشرار، للعِمْراني، (ص/281).
83 – السنة= الجامع، لابن أبي زيد القيرواني، (ص/214).
84 – سير الفقهاء، ليحيى بن إبراهيم الطُّليطلي، (ص/202).
85 – شرح السنة= السنة= شرح أصول الاعتقاد، للطبري اللالكائي، (ص/174، 300، 303، 391، 412).
شرح الأسماء الحسنى= الأسنى شرح الأسماء الحسنى.
86 – شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، لمحمد بن موهب، (ص/224، 281).
87 – شرح القصيدة في السنة، للزنجاني، (ص/298).
88 – الشريعة، لأبي الحسين الآجُري، (ص/373).
89 – الصحيح، للبخاري، (ص/97 ـ وراجع الفهارس اللفظية).
90 – الصحيح، لمسلم بن الحجاج، (ص/21 ـ وراجع الفهارس اللفظية).
(المقدمة/33)
91 – الصحيح، لابن حبان، (ص/117).
92 – صريح السنة، لابن جرير الطبري، (ص/293).
93 – طبقات الفقهاء، للشيرازي، (ص/293، 375).
94 – العظمة، لأبي الشيخ الأصبهاني، (ص/374، 384، 400، 404، 406، 418).
95 – العقيدة= لمعة الاعتقاد، لموفق الدين بن قدامة المقدسي، (ص/288).
96 – العقيدة، لأبي نعيم الأصبهاني، (ص/428).
97 – العرش، لابن أبي شيبة، (ص/121، 405).
98 – علوم الحديث، للحاكم، (ص/292).
العلو= السنة للحافظ الذهبي.
99 – العُمَد في الرؤية، لأبي الحسن الأشعري، (ص/454).
100 – الغنية، لعبد القادر الجيلاني، (ص/426).
101 – الغيلانيات، لأبي بكر الشافعي، (ص/513).
102 – الفاروق، لأبي إسماعيل الهروي، (ص/199، 372).
103 – قَرْعُ الصَّفاة في تقريع نفاة الصفات، لأبي العباس أحمد بن محمد الرازي، (ص/471).
(المقدمة/34)
104 – قصيدة في السنة، لإسماعيل الترمذي، (ص/479 ـ 480).
105 – الكفاية، للخطيب البغدادي، (ص/243).
106 – المجرد، لأبي بكر بن فورك، (ص/433).
107 – مختصر المدونة، لابن أبي زيد القيرواني، (ص/224).
108 – المسند، للإمام أحمد، (ص/109، 127، 140، 141).
109 – المسند، للحارث بن أبي أسامة، (ص/98، 153).
110 – المسند، للإمام الشافعي، (ص/115، 136،87).
111 – المسند، للحسن بن سفيان، (ص/174).
112 – المسند، ليعقوب بن سفيان، (ص/134).
113 – المسائل، لحرب الكرماني، (ص/352، 392).
معالم التنزيل= التفسير للبغوي.
114 – المعجم (الكبير)، للطبراني، (ص/20، 387، 515).
115 – المعرفة، لأبي أحمد العسَّال، (ص/121، 177، 386، 396، 405).
116 – المغازي، لمحمد بن إسحاق، (ص/103).
117 – المغازي، ليحيى بن سعيد الأموي، (ص/120، 179).
(المقدمة/35)
المقالات= جمل المقالات، لأبي الحسن الأشعري، (ص/438 و 455).
118 – مناهج الأدلة، لابن رشد، (ص/506).
119 – الموجز، لأبي الحسن الأشعري، (ص/438).
120 – النوادر، لابن أبي زيد القيرواني، (ص/214).
121 – النزول، للدارقطني، (ص/124).
122 – النقض= الرد على بشر المريسي، للدارمي (ص/20، 174، 323، 343، 394).
القسم الثاني: مصادر صرَّح بأسماء مؤلفيها:
1 – أبو عبد الله بن منده (في الرد على الجهمية وغيره)، (ص/131، 139، 398).
2 – ابن أبي الدنيا (المرض والكفارات)، (ص/149 – 150).
3 – أبو نعيم الأصبهاني (الحلية وغيره)، (ص/155، 165، 417).
4 – أبو بكر بن أبي شيبة (المصنف)، (ص/157، 162، 165).
5 – شيخ الإسلام الهروي، (ص/378، 428).
6 – إسحاق بن راهويه (المسند)، (ص/175، 402، 404).
(المقدمة/36)
7 – أبو العباس السرَّاج، (ص/188، 341، 348).
8 – الأثرم، (ص/194).
9 – أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، (ص/423).
10 – القاضي أبو الحسين ابن القاضي أبي يعلى (طبقات الحنابلة)، (ص/320).
11 – ابن عقيل، (ص/318).
12 – حرب الكرماني (مسائله)، (ص/340).
13 – الحافظ عبد القادر الرُّهاوي، (ص/389).
14 – الدارقطني، (ص/409).
15 – ابن الجوزي (صفة الصفوة)، (ص/417).
16 – الطحاوي (شرح مشكل الآثار والتهذيب)، (ص/517).
17 – الماوردي، (ص/95).
18 – ابن منيع، (ص/94).
19 – أحمد بن حنبل (الزهد)، (ص/94، 95، 96).
20 – الحافظ الذهبي، (ص/132).
21 – أبو عبد الله الحاكم، (ص/193).
(المقدمة/37)
22 – شيخ الإسلام ابن تيمية، (ص/194، 433).
23 – ابن أبي حاتم (الرد على الجهمية وغيره)، (ص/201، 240).
24 – الخطيب البغدادي، (ص/329).
25 – سُنَيد بن داود، (ص/390).
26 – القشيري، (ص/418).
7 ـ مقارنة بين كتاب «العلو للعلي الغفَّار» للحافظ الذهبي، وكتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية» للمؤلف:
لمَّا كان كلٌّ من الكتابين من أجمع ما أُلِّف في مسألة «علو الرب تعالى على خلقه» رأيت كتابة مقارنة مختصرة بين مادتي الكتابين، متضمِّنةً الإجابة عما يتبادر إلى ذهن القارئ من تساؤلات:
– لماذا ألَّف ابن القيم «اجتماع الجيوش الإسلامية»، وهو يرى كتاب قرينه الحافظ الذهبي «العلو»، بل ويعتمد عليه في مواطن؟
– ما هي أهم المميزات التي ينفرد بها كل منهما عن الآخر؟
– هل يغني كتاب «العلو» للذهبي عن كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية»؟ أو العكس.
وإليك هذه المقارنة بين الكتابين، وأبتدئ بذكر كتاب الذهبي لسبقه بالتأليف، ثم أعقبه بالحديث عن كتاب ابن القيم، ثم بيان الاتفاق
(المقدمة/38)
والاختلاف والزيادة والنقصان بينهما.
أولاً: المقدمة:
افتتح الذهبي كتابه «العلو» بمقدمة مختصرة جدًّا، أشار فيها إلى التأليف الأول لهذا الذي جمعه في سنة 698 هـ، وذكر أنه لم يتكلم على بعض الأحاديث ولم يستوعب ما ورد في ذلك، ثم قال: «والآن فأرتب المجموع، وأوضحه هنا»، ثم ذكر مادة الكتاب.
أما ابن القيم فقد افتتح كتابه بمقدمة رائعة هي كالتوطئة للدخول في صلب الموضوع، فقد تحدَّث عن النعمة وأقسامها، وذكر ما فيها من المباحث، وتحدث عن الخارجين عن طاعة الرسول وأنهم يتقلَّبون في عشر ظلمات، وكذلك المتابعين للرسل يتقلَّبون في عشرة أنوار.
ثم تحدث عن أقسام الناس، وشرح كل قسم، ثم تحدث عن المثل الناري والمثل المائي المذكور في سورة البقرة، وشرحه شرحًا مفصلًا مع ذكر ما تضمنه من الفوائد والحِكم.
ثم عقد فصلًا بين فيه أن ملاك السعادة والنجاة بتحقيق التوحيدين، فذكرهما ودلَّل عليهما (1).
_________
(1) انظر: فيما تقدم بيانه في «موضوع الكتاب ومحتواه» (ص/20 – 21).
(المقدمة/39)
ثانيًا: المادة العلمية للكتابين:
أ ـ الآيات:
اتفق الكتابان على ذكر أكثر الآيات الواردة في مسألة العلو، فذكر الذهبي (14) آية، ثم قال (1/ 246): «إلى غير ذلك من نصوص القرآن العظيم … ».
وأما ابن القيم فذكر (18) آية ضمن كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولعله زاد عليه بعض الآيات.
ب ـ ما جاء عن رسل الله صلوات الله عليهم في مسألة العلو:
لم يفرد له الذهبي عنوانًا (1)، أما ابن القيم فأفرد له عنوانًا وذكر فيه خمسةً منهم (2).
ج ـ الأحاديث المرفوعة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -:
قال الذهبي (1/ 249): «فمن الأحاديث المتوافرة الواردة في
_________
(1) لكنه ذكر قول داود ويونس وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام رقم (125 ـ 127) ضمن الأحاديث المرفوعة، وقول يونس لم يورده ابن القيم في كتابه، كما أن الذهبي لم يورد قول يوسف عليه الصلاة والسلام.
وقد اتفقا على ذكر موسى وآدم، لكن اختلفا في المتن، وقد أورده الذهبي ضمن أقوال التابعين (2/ 877 و 883) رقم (297 و 301).
(2) انظر (ص/92 ـ 95).
(المقدمة/40)
العلو: … » فسردها من (1/ 249) رقم (2) إلى (1/ 862) رقم (286).
أما ابن القيم فسرد نحوًا من سبعين حديثًا.
ويتضح من خلال عرض أحاديث الكتابين ما يلي:
1 – أن الأحاديث المرفوعة التي ذكرها الذهبي تفوق في كثرتها على ما ذكره ابن القيم، وإن كان غالبها ضعيفة أو واهية الأسانيد.
2 – وقع للذهبي في أثناء سرد الأحاديث خلط ومزج بين أنواع المرويات، فذكر الموقوف (1)، والمرسل (2)، والمقطوع (3)، وأحيانًا يقع له تكرار (4)، وسرد طرق (5)، واختلاف في الرفع والوقف والإرسال (6).
وأما ابن القيم فلم يقع له إلا تكرار حديثين ونحوهما، وحديث
_________
(1) سيأتي بيانه.
(2) انظر «العلو»: رقم (10) و (68) إلى (70) و (73) و (85) و (129) و (186) و (279).
(3) وهذه المقاطيع جُلُّها عن التابعين. انظر «العلو»: رقم (130) و (131) و (133) و (134) و (140) و (149).
(4) انظر «العلو»: وقارن رقم (91) مع (261) و (57) مع (228) و (93) مع (240) و (178) مع (252) لكن الأخيرين موقوفة.
(5) انظر «العلو»: رقم (44 ـ 50) و (96 ـ 98) و (102 و 103) و (100 ـ 124).
(6) انظر «العلو»: رقم (16) و (203) مع (425) و (204 مع 329 و 300).
(المقدمة/41)
معضل ومقطوع وموقوف.
3 – عقد الذهبي فصلًا في رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – ربه ليلة المعراج. انظر (1/ 715 ـ 780) من رقم (225) إلى (227).
4 – يتكلم الذهبي على علل الأحاديث، فيبين أنواع الضعف: سواء من جهة الرواة أو الوقف أو الإرسال، أو المتن.
5 – اعتمد ابن القيم على أكثر الأحاديث الصحيحة الواردة في العلو، أما ما فيه ضعف فلم يبين علَّته.
د ـ الآثار الموقوفة على الصحابة رضي الله عنهم:
لم يفرد الذهبي فصلًا أو عنوانًا في كتاب «العلو» فيما ورد عن الصحابة في ذلك، وإنما أورد ذلك ضمن الأحاديث المرفوعة (1)، ولعله كان يرى أن ما ورد عن الصحابة في هذا الباب له حكم الرفع أو يلحق بالأحاديث المرفوعة حكمًا؛ لأنه ليس للرأي فيه مجال، ولا للعقل فيه مدخل.
أما ابن القيم فقد أفرد في كتابه فصلًا فيما حفظ عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
_________
(1) انظر في «العلو» رقم (17، 18، 53، 74، 90، 91، 92، 104، 106، 119، 132، 138، 143، 145 ـ 148، 152 ـ 172، 175، 194، 203، 235، 240 ـ 244، 246 ـ 253، 255، 257 ـ 263، 266 ـ 270، 273، 274، 280 ـ 286) فهذه (57) أثرًا عن الصحابة في هذه المسألة.
(المقدمة/42)
وقد اتَّفقا في أكثر ما أورداه، لكن الذهبي ينفرد عنه بآثارٍ عديدة عن الصحابة (1) لم يذكرها ابن القيم في كتابه، وانفرد ابن القيم عنه بقول زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها (2).
هـ ـ ما جاء عن التابعين:
اتفق الذهبي وابن القيم على إيراد فصلٍ في ما جاء عن التابعين في مسألة العلو، ومن خلال عرض ما جاء من ذلك في الكتابين يتَّضح ما يلي:
1 – وقع عند الذهبي ذِكْر لبعض المرفوعات والموقوفات في هذا الفصل (3).
2 – أن عدد من ذكرهم الذهبي يفوق من ذكرهم ابن القيم (4).
3 – ينفرد الذهبي عن ابن القيم بذكر جماعة من التابعين لم يذكرهم
_________
(1) كالوارد عن أبي هريرة برقم (263)، وأم سلمة برقم (165)، وعبد الله بن عمرو برقم (247، 250، 270)، وعبد الله بن عمر برقم (169)، وعبد الله بن سلام برقم (203)، وأسماء بنت عميس برقم (170، 171)، وعبد الرحمن بن عوف برقم (156).
(2) انظر (ص/177).
(3) فقد أورد حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مرفوعًا برقم (305)، وأورد أثرين موقوفين عن ابن عباس برقم (307 و 329)، وأورد قراءة لابن مُحَيصِن وهو في طبقة أتباع التابعين برقم (325).
(4) فقد ذكر الذهبي (39) أثرًا عن التابعين، من رقم (287) إلى (330) مع إبعاد (305، 307، 325، 329).
(المقدمة/43)
ابن القيم (1).
4 – ينفرد ابن القيم عن الذهبي بذكر قولي أبي العالية (2)، وعبد الله ابن الكوَّاء (3).
و ـ ما جاء عن الأئمة وأهل العلم وغيرهم في مسألة العلو:
رتَّب الذهبي ما جاء عن أهل العلم والأئمة في ذلك على الطبقات، فقسمه على ثمان طبقات؛ حيث ابتدأه من الفترة الزمنية التي واكبت ظهور الجهم بن صفوان ومقالته إلى قريب من زمنه سنة (671 هـ).
أما ابن القيم فقد تفنَّن في تقسيمه وتنظيمه، فرتبه ترتيبًا بديعًا، ونسَّقه تنسيقًا عجيبًا. فبعد أن ذكر طبقة التابعين، أعقبه بطبقة أتباع التابعين، ثم ذكر أقوال الأئمة الأربعة وأتباعهم، ثم أعقبه بتقسيم ما جاء عن أهل العلم في ذلك على العلوم والفنون، فأورد كلام أهل التفسير وأهل الحديث وأهل اللغة والعربية، ثم أعقبه بأقوال الزهاد والصوفية أهل الاتِّباع، ثم
_________
(1) كقول: شريح بن عبيد رقم (293)، وأقوال لمجاهد لم يذكرها ابن القيم (294، 299، 300، 313، 320)، وعطاء بن يسار برقم (295)، وأبي قلابة برقم (297)، وعمرو بن ميمون (298)، وحكيم بن جابر برقم (303)، وسالم بن أبي الجعد (309)، وهزيل بن شرحبيل برقم (314)، وأبي عطاف برقم (315)، وحسان بن عطية برقم (223)، وأيوب السختياني برقم (324)، وخالد القسري برقم (330).
(2) لكن ذكره في أقوال أئمة التفسير في (ص/393).
(3) انظر (ص/190).
(المقدمة/44)
أقوال الشارحين لأسماء الله الحسنى، ثم أفرد عنوانًا لأئمة أهل الكلام، ثم لشعراء الإسلام وغيرهم، ثم أقوال الفلاسفة، ثم أقوال الجن، ثم أفرد عنوانًا لغير العقلاء، فذكر النمل وحُمُر الوحش والبقر (1).
وقد اتفق الكتابان في كثير من مادة هذا القسم، وقد انفرد كتاب الذهبي عن كتاب ابن القيم بتراجم ونقولات عديدة عن أهل العلم بلغت نحوًا من (67) ترجمة (2).
وانفرد كتاب ابن القيم عن كتاب الذهبي بما يلي:
1 – إكثاره النقول عن أصحاب الإمام مالك والشافعي.
2 – بما أورده عن شعراء الإسلام عدا قول حسان بن ثابت رضي الله عنه.
3 – بما أورده عن أقوال الفلاسفة المتقدمين والحكماء الأولين.
4 – بما أورده عن مؤمني الجن.
5 – بما أورده عن غير العقلاء: كالنمل وحُمُر الوحش والبقر.
وعليه فلا يغني أحدهما عن الآخر، من حيث المادة، لكن كتاب ابن القيم أحسن ترتيبًا وتنظيمًا وعرضًا وتقسيمًا.
_________
(1) راجع ما تقدم في «موضوع الكتاب ومحتواه» (ص/22 – 24).
(2) وقد أشار ابن القيم في آخر كتابه أنه أراد الاختصار، فقال: «ولو شئنا لأتينا على هذه المسألة بألف دليل، ولكن هذه نبذة يسيرة، وجزء قليل من كثير، لا يُقال له قليل».
(المقدمة/45)
8 ـ طبعات الكتاب:
طُبع الكتاب طبعات عديدة، وأكثرها طبع عن الطبعة الحجرية الأُولى، وإليك تلك الطبعات:
1 – الطبعة الأولى الحجرية: طبع في الهند عام (1314 هـ) (1).
2 – طبعة إدارة الطباعة المنيرية: القاهرة، تصحيح ونشر: عبد الله ابن حسن آل الشيخ وإبراهيم الشوري، 1351 هـ/1932 م، في 142 صفحة.
3 – طبعة في القاهرة، بعناية: زكريا علي يوسف، بدون تاريخ، في 179 صفحة.
4 – طبعة دار المعرفة: بيروت، بدون تاريخ، في 141 صفحة.
5 – طبعة دار الباز للنشر والتوزيع، عام 1404 هـ، في 224 صفحة.
6 – طبعة مكتبة الرشد: الرياض، دراسة وتحقيق: د. عوَّاد عبد الله المعتق، الطبعة الأولى، 1408 هـ/1988 م ـ وهي رسالة دكتوراه سنة 1407 هـ، في 450 صفحة. وقد استفدت منه العزو إلى (ديوان الصرصري ــ مخطوطة جامعة الإمام) لنقص النسخة الأزهرية التي عندي.
_________
(1) وسيأتي وصفها قريبًا في وصف النسخ الخطِّية.
(المقدمة/46)
7 – طبعة دار الكتاب العربي: بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ/1988 م، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، في 390 صفحة.
8 – طبعة دار الحديث: القاهرة، تحقيق: أبي حفص سيد بن إبراهيم بن صادق بن عمران، 1411 هـ/1991 م، في 181 صفحة.
9 – طبعة مكتبة المؤيد، دمشق: مكتبية البيان، حقَّقه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه: بشير محمد عيون، 1414 هـ/1993 م، في 256 صفحة.
9 ـ وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق:
اعتمدت في مقابلة هذا الكتاب على ستِّ نسخ، خمس منها خطيَّة، والسادسة الطبعة الحجرية الأولى.
وهي كالتالي:
1 ـ النسخة الظاهرية «ظ»:
وهذه النسخة محفوظة في دار الكتب الظاهرية بدمشق، في مجموع برقم (2943) م، وعدد أوراقه (201) ورقة.
ويحتوي هذا المجموع على كتابين نفيسين لابن القيم:
الأول: «اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية». ويبدأ من الورقة (1 ـ 79).
والثاني: «الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية». ويبدأ من
(المقدمة/47)
الورقة (81 ـ 201) (1).
وكل ورقة تحتوي على وجهين، وخطها نسخي واضح، لكن وقع فيها خرم للأسطر العلوية، خاصَّة في العشر الورقات الأُول (1 ـ 10)، وذلك بمقدار ثلاثة أسطر إلى أربعة، ويقل ذلك الخرم من الورقة (11) إلى الورقة (16) فلا يتعدى بضع كلمات، يزيد أحيانًا أو ينقص، ثم يقل ذلك الخرم شيئًا فشيئًا حتى يتلاشى، ولم يرِدْ على النسخة اسم ناسخها (2)، وإنما جاء في آخرها تاريخ النسخ في سنة 760 هـ فيما يظهر.
ويبدو أن ناسخها قد عارضها بنسخة خطِّيَّة أُخرى فيها نفس الزيادات التي انفردت بها هذه النسخة عن بقية النسخ، فانظر على سبيل المثال ما
_________
(1) راجع وصف هذه النسخة في مقدمة الكافية الشافية (1/ 199 ـ 206) ط دار عالم الفوائد. ضمن مطبوعات هذه السلسلة من مؤلفات ابن القيم.
(2) جاء في فهرس المكتبة الظاهرية أن ناسخ المجموع هو عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي [يعني: الحافظ ابن رجب الحنبلي]، وأنه نسخ الكتاب الأول سنة 760 هـ، والنونية (الكافية الشافية) سنة 761 هـ.
قلت: ويظهر لي أن واضع الفهرس لما رأى في آخر «النونية» اسم أحمد بن عبد الرحمن ظنه هو الناسخ لهذا المجموع، والصواب أن هذا المجموع لا يُعرف اسم ناسخه. وأما «النونية» ــ ويحتمل أيضًا هذا الكتاب «اجتماع الجيوش … » ــ فهي منسوخة عن نسخة الحافظ ابن رجب الحنبلي التي قُرئت على ابن القيم قبل موته بستة أشهر.
انظر تفصيل ذلك في مقدمة الكافية الشافية (1/ 202 ـ 203).
(المقدمة/48)
جاء على حاشية الورقة (17 ق/أ) حيث رمز لتلك النسخة بـ «خ».
ويبدو أيضًا أن أصل الكتاب يقع في ثماني كرَّاسات، فبعد كل عشر ورقات يكتب الناسخ في أعلى الورقة من الجهة اليسرى بداية كل كراس، فقال في (ق 30/ب) في أعلاها: «رابع كُرَّاس من الجيوش»، وقال في (ق 70/ب): «ثامن الجيوش».
وجاء على صفحة العنوان بخطٍّ حديث:
«اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية»، ولعل ما أصاب النسخة من الأعلى ــ كما تقدم ــ من التلف بسبب الأرضة أو الرطوبة، أدَّت إلى ذهاب العنوان كاملًا، وشيء من اسم المؤلف.
وجاء على ورقة العنوان أيضًا:
وقف أحمد بن يحيى النجدي (1)، المحلّ: مدرسة أبي عمر في الصالحية.
_________
(1) هو أحمد بن يحيى بن عطوة التميمي النجدي، ولد في العيينة وفيها نشأ، ثم رحل إلى دمشق فانتفع بالشيخ أحمد بن عبد الله العسكري وعليه تخرَّج، وقرأ على: يوسف بن عبد الهادي، والعلاء المرداوي صاحب «الإنصاف»، ثم رجع إلى بلده وصار إليه المرجع في مذهب الإمام أحمد بن حنبل في قطر نجد، له من المؤلفات: «الروضة» و «التحفة»، توفي سنة 948 هـ.
انظر: «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» (1/ 274 ـ 275).
(المقدمة/49)
وجاء في نهاية النسخة ما نصه:
«هذا آخر كتاب «اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية»، ليلة الخميس في شهر رجب سنة ستين وسبعمائة».
وقد انفردت هذه النسخة بعدَّة مميزات:
1 – قُرب عهدها بالمؤلف؛ حيث نسخت ــ كما تقدم ـ سنة 760 هـ، أي بعد وفاة المؤلف رحمه الله بتسع سنين.
2 – انفرادها بزيادات كثيرة، أضافها المؤلف بعد تأليف أصل الكتاب، خلت عنها جميع النسخ الخطية والمطبوعة، فانظر على سبيل المثال في (17 ق/أ ـ ب): «أقوال رسل الله، والسفراء بينه وبين خلقه، وأعرف الخلق به وأعظمهم تنزيهًا له، وقد اتَّفقت كلمتهم من أولهم إلى آخرهم على أن الله فوق سماواته عالٍ على خلقه مستوٍ بذاته على عرشه.
قال الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي:
«وعلو الله على خلقه فوق سماواته في كل كتابٍ أُنزل، على كل نبي أُرسل».
ثم ذكر قول: آدم أبي البشر عليه السلام. وذكر قول داود عليه السلام. ثم قول إبراهيم عليه السلام. ثم قول يوسف عليه السلام. ثم قول موسى عليه السلام. ثم قول نبينا محمد سيد
(المقدمة/50)
الأولين والآخرين – صلى الله عليه وسلم -.
انظر هذا الكتاب (ص/93 ـ 96).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي انفردت بها هذه النسخة. راجع تاريخ تأليفه الكتاب.
وطريقتي في توضيح ما انفردت به هذه النسخة الإشارة في الحاشية بقولي: من (ظ) فقط، أو من كذا إلى كذا من (ظ)، أو هذا الحديث والذي بعده من (ظ).
3 – أنها مُقابلة على نسخة أخرى توافقها في الزيادات التي انفردت بها هذه النسخة، ويرمز الناسخ لها ــ كما تقدم ــ بحرف «خ» في الحاشية.
4 – أن سقطها قليل جدًّا، بل نادر.
5 – أن أخطاءها أيضًا قليلة، وقد صوَّب جُلَّها الناسخ في الحاشية.
6 – أنه يحتمل أنها منسوخة من نسخة الحافظ ابن رجب الحنبلي؛ لتقارب خط الكتابين في المجموع، فلعل ابن رجب الحنبلي سمع على المؤلف «النونية» ومعها «اجتماع الجيوش الإسلامية» وغيرها، فقد قال في الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 248) ــ في ترجمة شيخه ابن القيم ــ: «ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في
(المقدمة/51)
السُّنَّة، وأشياء من تصانيفه وغيرها» ا. هـ (1).
2 ـ النسخة الألمانية «ب»:
وهي محفوظة في مكتبة مدينة «برلين» برقم (2090)، وعنها مصورة على ميكروفلم في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم (7081)، وتقع هذه النسخة في (89) ورقة، كل ورقة تحتوي على وجهين إلا ورقة (46) ففيها وجه واحد، وعليه فالكتاب يقع في (178) صفحة.
والكتاب خطُّه نسخي جيد، وكاتبها هو محمد بن أبي بكر بن عبدالله بن زُريق الحنبلي المقدسي (2) المتوفى سنة (900 هـ).
وكتب ناسخها في آخرها ما نصُّه: «وافق الفراغ من تعليقه يوم
_________
(1) وقد صورنا هذه النسخة من مركز جمعة الماجد بدبي جزاهم الله خيرًا، وسعى في تصويرها مشكورًا فضيلة الدكتور عثمان جمعة ضميرية جزاه الله خيرًا. (علي العمران).
(2) الدمشقي الصالحي، ولد سنة 812 هـ، فحفظ القرآن وأخذ الفقه، وطلب الحديث وكتب الطباق والأجزاء وكان سريع القراءة، حسن الأخلاق، متواضعًا، من بيت كبير. وضع لنفسه «ثبتًا» في مجلدين، وله كتاب «رجال الموطأ» و «السول في رواة الستة الأصول»، توفي سنة 900 هـ.
تنبيه: جاء في ترجمته في الضوء والسحب: «عبدالرحمن» بدل «عبدالله».
انظر «الضوء اللامع» للسخاوي (7/ 169 ـ 171) و «السحب الوابلة» لابن حميد (2/ 890 ـ 897) رقم (571) و «الأعلام» للزركلي (6/ 58).
(المقدمة/52)
الاثنين، ثامن عشر جمادى الآخرة سنة 839 هـ، على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إلى رضوان الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن زُرَيق الحنبلي المقدسي ولله الحمد والمنَّة.
وجاء في صفحة العنوان ما نصُّه:
«كتاب الجيوش الإسلامية تأليف الشيخ الإمام العالم العامل شيخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب، الشهير بابن قيم الجوزية، أثابه الله الجنة بمنِّه وكرمه، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا وكفى، والحمد لله وحده».
وورد في أعلى صفحة العنوان ما نصه:
انتقل إلى الفقير الحقير المقرّ بذنبه والتقصير [ …. ] (1) الحنبلي مذهبًا، والقادري طريقة سنة 1180 هـ.
وجاء أيضًا في أعلى الصفحة من جهة اليمين ما نصُّه:
إن الكتاب دقائق وبدائع … [ …………. ] الضلالة وزاع
بان السبيل به لمتبع الهدى … بدلائل للحق فيه قواطع
فسقى ضريحًا ضَمَّ صاحبه الذي … حاز الفضائل ودْقَ إلّا هامع
_________
(1) طمس على اسم المالك عمدًا. وكل ما جاء بين معكوفتين فهو بياض أو مطموس أو غير مقروء.
(المقدمة/53)
وجاء أيضًا على صفحة العنوان:
وسمَّاه بعضهم كتاب «العقد الفريد في ذكر التوحيد»، سمَّيته «منية الآمال في بيان الهدى والضلال».
وجاء في وسط تلك الصفحة بخطٍّ آخر ثلاثة أبيات ركيكة، ملحونة وغير موزونة ما يلي:
هذا كتاب للضلالة قامع … حاوي الكمال مع السعادة جامع
ما مثله يا صاح ظني قد يجي … مُشْفِ الغليل لكل من هو سامع
سميته منية الآمال فاسمع وانتبه … تُكْفَ الضلال وتعطَ عزًّا شاسع
ثم تلاهُ بخطٍّ آخر ما يلي:
قال الرياشي عن أبي عبيدة وأبي زيد أنهما قالا: الفرس لا طحال له، والبعير لا مرارة له، والظَّليم لا مُخَّ له.
قال صاحب المجالسة: الظليم: النعام.
وقال أبو زيد: وكذلك طير الماء وحيتان البحر لا ألسنة لها ولا أدمغة، والسمك لا رئة له، ولذلك لا تتنفس بها، وكل ذي رئة يتنفس من العاشر من المجالسة.
قال: وبلغني عن علي رضي الله عنه أنه قال: ليس شيء يغيب أُذناه إلا وهو يبيض، وليس شيء ظهر أُذناه إلا وهو يلد.
(المقدمة/54)
وجاء في أسفل الصفحة من الوسط: تملُّك مؤرَّخ في سنة 1155 هـ، وقد شطب بعضهم على الاسم كاملًا.
ويظهر أن أصل الكتاب كان يقع في تسعة أجزاء، كما جاء تعداد ذلك في أعلى الصفحة العاشرة من اليسار.
وتمتاز هذه النسخة بما يلي:
1 – أنها كُتبت بعد موت مؤلفها بـ 88 سنة.
2 – أن ناسخها عالم معروف عند الحنابلة.
3 – بجودتها وقلة سقطها، وكثرة تصحيحاتها من الناسخ في الحاشية.
4 – أنها مقابلة على نسخة أُخرى، يرمز لها الناسخ في الحاشية بحرف (ن) أي: نسخة، وأحيانًا بحرف (خ) أي: نسخة، أيضًا.
5 – عليها تعليقات عديدة من الناسخ في الكلام على الأحاديث، نقلها عن الحافظ الذهبي.
3 ـ النسخة الإيرلندية «أ»:
وهي محفوظة في مكتبة تشستر بيتي في مدينة «دبلن» بإيرلندا برقم (3305)، وتقع النسخة في (183) لوحة، كل لوحة تحتوي على وجهين.
وخطّها نسخي واضح، ولم يرد عليها اسم ناسخها (1)، ولا تاريخ
_________
(1) ويحتمل أنه أبو بكر الحنبلي ــ كما سيأتي ــ لكن لم أقف عليه.
(المقدمة/55)
نسخها، لكن يظهر أنها ترجع إلى القرن التاسع أو العاشر على أكثر تقدير.
وقد كان أصل الكتاب يقع في عشرين جزءًا.
وجاء على ورقة العنوان ما نصه:
«كتاب الجيوش الإسلامية، تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام ناصر السنة حافظ الأمة: أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن أيوب بن سعد الزُّرعي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله ورضي عنه ونفع بعلمه المسلمين. آمين وحسبنا الله ونعم الوكيل».
وجاء عن يمين الصفحة ما نصه:
[ … ] الفقير بباب مولاه الغفار [ … ] بن محمد بن الشيخ محمد بن الحاج علي القطان [غفر الله] له ولوالديه ولمشايخه وجميع معلِّميه. سنة 1123 هـ.
وجاء عن يسار الصفحة ما نصه:
الحمد لله تعالى [دخل] في نوبة الفقير محمد بن أحمد [الطوفي].
وقد وقع سقط في (10/ب)، ولعله وقع سهوًا من مصوِّر المخطوط.
وجاء في (165 ق/ب) في الحاشية تعليق ولعله من الناسخ، فقال: «وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من تصدق بشق تمرة من كسبٍ حلال؛ تَقبَّلها الله [ … ] بيمينه، ثم يربيها حتى تبقى
(المقدمة/56)
كالجبل العظيم».
ثم قال: وكتبها: أبو بكر [الحنبلي] بن النكري [عفا الله عنه].
وجاء في (170 ق/ب) تعليق آخر:
قال أبو بكر بن النحاس الحنبلي [ …. ] في شعره.
وذكر أبياتًا لم تتضح قراءتها بصورة سليمة، فتركنا إثباتها.
وتمتاز هذه النسخة بدقة مقابلتها على الأصل، ففي كل عشر لوحات يكتب الناسخ هذه العبارة: «بلغ مقابلة بأصله» أو «بلغ مقابلة».
4 ـ النسخة التركية «ت»:
وهي محفوظة في متحف طوبقبوسراي ــ مكتبة أحمد الثالث ــ بإستانبول تحت رقم (11594) تصوف، وعنها نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية بالمدينة.
وتقع النسخة في (119) لوحة، كل لوحة تحتوي على وجهين، فهي (238) صفحة، وخطها نسخي جميل، وليس عليها اسم ناسخها، ولا تاريخ نسخها لكن يظهر أنها كتبت في حدود القرن التاسع.
وقد جاء على صفحة العنوان ما نصه:
«كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية، تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ شيخ الإسلام، ناصر السنة، حافظ الأمُة أبي عبد الله محمد بن الإمام أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرعي الحنبلي الشهير بابن قيِّم الجوزية رحمه الله تعالى ورضي عنه، وأثابه الجنة بمنِّه وكرمه، آمين.
(المقدمة/57)
وجاء في ورقة أخرى أسفل الصفحة من الجهة اليُسرى تملُّك لأحد الحنابلة:
«لله الحمد، مَلَكَهُ من فضل الله وكرمه فقير عفو الله تعالى، الراجي رحمة ربه، القادر سبحانه، علي [ …. ] سلامة الحنبلي (1) عافاه الله تعالى.
وجاء في آخر النسخة ما نصه:
«تمت الرسالة بحمد الله وحسن توفيقه، وهي «اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن قيم الجوزية رضي الله عنه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. حسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا».
وهذه النسخة على الرغم من جودة خطها ووضوحه غير مقابلة على أصلها أو على نسخة أخرى، ومن ثمَّ كَثُر فيها السقط في مواضع عديدة، وانتقال النظر، ومن ثمَّ جعلت هذه النسخة مساعدة للكشف عن المواضع المشكلة أو الألفاظ التي فيها فروق النسخ.
5 ـ النسخة العراقية «ع»:
وهي محفوظة بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد تحت رقم (4/ 6685 ـ مجاميع).
_________
(1) لعله هو علي بن الجمال محمد بركات بن سلامة الطنبدي الأصل المكي الحنبلي المتوفى سنة (901 هـ). انظر: الذيل التام للسخاوي (3/ 399).
(المقدمة/58)
وتقع النسخة في (99) لوحة، كل لوحة تحتوي على وجهين، فهي (198) صفحة، وخطها عادي لا بأس به، وناسخها هو عبد الله بن فارس ابن ناصر آل سميح (1)، وقد فرغ من نسخها في 26 من رمضان سنة 1280 هـ، وقد كان أصل الكتاب يقع في (12) كراسة ونصف كراسة.
وجاء على ورقة العنوان ما نصه:
«كتاب غزو الجيوش الإسلامية في الرد على المعطلة والجهمية»، تأليف الشيخ الإمام والحبر الهمام شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ محمد بن الشيخ أبو بكر (كذا) بن قيم الجوزية، غفر الله ذنوبه، وصلى الله على محمد.
وجاء عن يسار الصفحة ما نصه:
دخل هذا الكتاب في حيِّز العبد الفقير الواثق بالله، عبده وابن عبده: أحمد (2) بن عبد الرحمن بن نعيم الشافعي [ … ] غفر الله له ولوالديه ولمشايخه في الدين والمسلمين في سنة 1308 هـ من رمضان.
لو بيع هذا الكتاب بوزنه ذهبًا [أو] فضة لكان [البائع] هو المغبون (3).
_________
(1) لم أقف على ترجمته.
(2) وقد ضرب أحدهم على هذا الاسم.
(3) ولعله يشير إلى البيت المشهور:
(هذا كتاب لو يُباع بوزنه … ذهبًا لكان البائعُ المغبونا)
(المقدمة/59)
ثم جاء تحت ذلك ما نصه:
فائدة: قال النووي: اتفقوا على أن (عمرو) يكتب في حالة الجرِّ والرفع «بالواو» فرقًا بينه وبين «عُمَر»، وحذفت الواو في حال النصب.
وجاء في أعلى الصفحة من اليسار:
الكراس الأول. جملة هذه النسخة اثنا عشر كراسة ونصف (كذا).
وجاء في آخر هذه النسخة ما يلي:
تمَّت هذه الرسالة بعون الله وتوفيقه بحوله وقوته لا بحولي وقوتي، على يد الفقير المقرّ بالذنب والتقصير الراجي عفو ربه القدير/ عبد الله بن فارس بن ناصر آل سميح، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين.
وافق الفراغ من نسخها على نسخة غير مقابلة، آخر يوم الأحد بقي من رمضان أربعة أيام سنة 1280 هـ.
قلت: ونظرًا لأن الأصل المنسوخ منه هذه النسخة غير مقابل ولا مصحح فقد وقع فيها أخطاء عديدة وأغلاط كثيرة، ومخالفات عدة عمَّا في النسخ الأُخرى، ولا أدل على ذلك من التحريف الذي وقع لعنوان الكتاب، لذا لم أعتمد على هذه النسخة غالبًا إلا في الفروق بين النسخ، وأحيانًا أذكرها لبيان الخطأ ونحوه.
(المقدمة/60)
6 ـ الطبعة الحجرية «مط»:
وهي الطبعة الأولى الصادرة لهذا الكتاب بعد دخول المطبعة (1)، وقد طبع في الهند عام 1314 هـ ـ 1897 م على الحجر، في مطبعة القرآن والسنة الواقعة في بلدة «أمْرَتْسَر»، بأمر من السيد أبي الليث عبدالقدوس بن أبي محمد عبد الله الغزنوي.
وقد اهتم بطبعه الأخوان عبد الغفور وعبد الأول الغزنويان، وهو الآن نادر الوجود.
والكتاب يقع في (134) صفحة، وخطه نسخي جميل، لم يذكر طابعوه على أي النسخ الخطية اعتمدوا، ويبدو أنها مقابلة على نسخة أخرى رمز لها طابعوه في الحاشية بـ «ن» أي نسخة.
والطبعة فيها أخطاء كثيرة وتحريفات عديدة.
وقد طبع في آخره «الرسالة المدنية في تحقيق الحقيقة والمجاز» لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص/134 ـ 144).
ثم جواب شيخ الإسلام عن حديث التَّردُّد.
ثم توالت الطبعات عن هذه الطبعة إلى العصر الحاضر.
_________
(1) انظر معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام 1980 م (ص/354) للدكتور أحمد خان.
(المقدمة/61)
10 ـ المنهج في تحقيق الكتاب:
لما كانت النسخ المعتمدة في مقابلة هذا الكتاب منها الجيدة ومنها الرديئة، اتخذت النسخة الظاهرية (ظ)، والنسخة الألمانية (ب) أصلًا لتميزهما عن باقي النسخ بعدَّة مميزات ــ كما تقدم في وصفها ـ وأثبتُّ الفروق بين النسخ، ووضعتُ رموزًا تُشير إلى كل نسخة:
– «أ» = مكتبة تشستر بيتي الإيرلندية.
– «ب» = مكتبة برلين الألمانية.
– «ت» = متحف طوبقبو سراي التركية.
– «ظ» = مكتبة دار الكتب الظاهرية بسوريا.
– «ع» = مكتبة الأوقاف العامة ببغداد: العراق.
– «مط» = الطبعة الحجرية الأُولى.
وقد قمت بإنزال أرقام صفحات كل من نسخة «ظ، ب» داخل النص، ووضعه بين معقوفتين.
هذا بالإضافة إلى ما تقدم ذكره في غير ما كتاب من: ضبط النص وتقسيمه، وتخريج الأحاديث والآثار والحكم عليها، وتوثيق النصوص الواردة فيه، وصنع الفهارس اللفظية والعلمية الكاشفة عن مكنونه (1).
_________
(1) وفي الختام أشكر الشيخين الدكتور: محمد أجمل الإصلاحي، والدكتور: سعود العريفي على ما أبدياه من ملحوظات قيِّمة، وتصحيحات مهمَّة في تقويم مقدمة الكتاب ومادته.
(المقدمة/62)
11 ـ نماذج من النسخ الخطِّية المعتمدة في التحقيق
(المقدمة/63)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الله سبحانه المسؤول المرجو الإجابة أن يمتِّعكم بالإسلام والسنة والعافية، فإن سعادة الدنيا والآخرة ونعيمهما وفوزهما مبنيٌّ على هذه الأركان الثلاثة، وما اجتمعن في عبدٍ بوصف الكمال إلا وقد كملت نعمة الله عليه، وإلا فنصيبه من نعمة الله بحسب نصيبه منها.
والنعمة نعمتان: نعمة مطلقة ونعمة مقيدة.
فالنعمة المطلقة: هي المتصلة بسعادة الأبد، وهي نعمة الإسلام والسنة، وهي النعمة (2) التي أمرنا الله سبحانه أن نسأله في صلواتنا (3)؛ أن يهدينا صراط أهلها ومن خصَّهم (4) بها وجعلهم أهل الرفيق الأعلى، حيث يقول تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء/69].
فهؤلاء الأصناف الأربعة هم أهل هذه النعمة المطلقة، وأصحابها
_________
(1) زادت نسخة (ب): “وهو حسبي وكفى”، وزادت (ع): “رب يسِّر وأعن، يا كريم وبه نستعين، وصلى الله على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين” وهو من زيادات النسَّاخ، وقد طمس أعلى الصفحات الأُول من (ظ).
(2) من (ب، ظ) فقط.
(3) في (ب): “صلاتنا”.
(4) في (ب، ظ): “خصَّه”.
(الكتاب/3)
أيضًا هم المعنيُّون بقوله تعالى: { .. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .. } [المائدة/3] فأضاف الدين إليهم؛ إذ هم المختصُّون بهذا الدين القيِّم دون سائر الأمم.
والدينُ تارةً يُضاف إلى العبد، وتارةً إلى الرب، فيقال: الإسلام دين الله الذي (1) لا يَقْبل من أحدٍ دينًا سواه (2). ولهذا يقال في الدعاء: “اللهم انصر دينك الذي أنزلته من السماء” (3). ونَسَبَ الكمال إلى الدين؛ والتمام إلى النعمة مع إضافتها إليه؛ لأنه هو وَليُّها ومُسْديها إليهم، وهُم مَحَلٌّ محضٌ لِنِعَمه قابلين لها، ولهذا في الدعاء المأثور للمسلمين “واجعلهم مُثْنِين بها عليك قابليها وأتممها عليهم” (4).
_________
(1) ليس في (ب).
(2) ومنه قول عمر بن الخطاب: “إن الله عز وجل يحفظ دينه” أخرجه مسلم في صحيحه (1823) ـ (12) مطولًا في استفهام ابن عمر منه في الاستخلاف.
(3) لم أقف عليه مأثورًا، فلعلَّه من الأدعية الدّارجة في زمن المؤلف.
(4) ورد نحو هذا من حديث ابن مسعود، لكن اختلف عليه في رفعه ووقْفه.
فرواه عنه أبو وائل شقيق بن سلمة واختلف عليه.
فرواه شريك القاضي وابن جُريج عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعًا وأوَّله: “اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها قابليها، وأتمَّها علينا”. … =
= … أخرجه أبو داود (969)، والطبراني في الدعاء (1328)، وابن حبان (996)، والبزار (5/ 153) (1745)، والحاكم (1/ 398) (978)، وغيرهم.
ورواه داود بن يزيد الأودي ـ ضعيف ـ عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعًا.
أخرجه الطبراني في الدعاء (1329)، والبيهقي في الدعوات الكبير (224).
وخالفهما الأعمش فوقفه.
فرواه أبو معاوية وحفص بن غياث عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود موقوفًا بنحوه.
أخرجه ابن أبي شيبة (30138)، والبخاري في الأدب المفرد (630).
وهذا هو الصواب موقوفًا، ورفعه وهم، ويؤيده ما رواه عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن ابن مسعود موقوفًا بنحوه. أخرجه ابن أبي شيبة (30141).
(الكتاب/4)
وأما الدين، فلما كانوا هم القائمين به الفاعلين له بتوفيق ربهم نسبَهُ إليهم، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة/3]، وكان الكمال في جانب الدين، والتمام في جانب النعمة، واللفظتان وإن تقاربتا وتواردتا (1) فبينهما (2) فرق لطيف يظهر عند التأمل؛ فإن الكمال أخصُّ بالصفات والمعاني، ويطلق على الأعيان والذوات ولكن (3) باعتبار صفاتها وخواصّها، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم [ب/ق 1 ب] بنت عمران، وآسية بنت مزاحم،
_________
(1) من (ظ) فقط، وجاء في (ب): “وتوازنتا”، وفي (أ، ت): “وتواختا”.
(2) في (ب): “فبينها”.
(3) في (ب): “وذلك”.
(الكتاب/5)
وخديجة بنت خويلد” (1).
وقال عمر بن عبد العزيز: “إن للإيمان حدودًا وفرائض وسننًا وشرائع، فمن استكملها فقد استكمل الإيمان” (2).
_________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره (3/ 263)، والثعلبي في تفسيره (9/ 353) من طريق آدم بن أبي إياس وأبي أسامة حماد بن أسامة عن شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة بن شراحيل الطيب عن أبي موسى فذكر مثله وزادا: “وفاطمة بنت محمد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام”.
وزيادة (خديجة وفاطمة) شاذة غير محفوظة، وهي وهم على آدم وأبي أسامة.
فأخرجه البخاري في صحيحه (3250) عن آدم، وأبو يعلى في مسنده (13/ 253) (7269) عن مجاهد بن موسى عن أبي أسامة كلاهما عن شعبة به، بدون ذكر (خديجة وفاطمة) رضي الله عنهما، وهذا هو المحفوظ عنهما.
وهكذا رواه: يحيى بن سعيد القطان ومحمد بن جعفر (غُندر) ووكيع بن الجراح وغيرهم كلهم عن شعبة به مثله، ولم يذكروا (خديجة وفاطمة) وهو الصواب.
أخرجه البخاري (3230 و 3558)، ومسلم (2431)، والنسائي (3947) وعبد ابن حميد (564)، وأحمد (19523 و 19668)، والطحاوي في شرح المشكل رقم (150)، واللالكائي برقم (2747 و 2748) والطيالسي في مسنده (506).
تنبيه: ذكر الحافظ في الفتح (6/ 447): أن الطبراني وأبا نعيم في الحلية والثعلبي في تفسيره أخرجوا زيادة (خديجة وفاطمة) من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة. قلت: لعله وهم في ذلك فدخل عليه حديث في حديث، وإلا فالحديث عند الطبراني (23/ 41) وفي الحلية (5/ 98 ـ 99) من طريق عمرو بن مرزوق بدون الزيادة، وأما الثعلبي فقد تقدم ذكره.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 11) معلَّقًا، ووصله ابن أبي شيبة في الإيمان رقم (135).
(الكتاب/6)
وأما التمام، فيكون في الأعيان [ظ/ق 1 أ] والمعاني، ونعمة الله أعيانٌ وأوصافٌ ومعانٍ.
وأما دينه، فهو شرعه المتضمن لأمره ونهيه ومحابِّه، فكانت نِسْبة الكمال إلى الدين والتمام إلى النعمة أحسن، كما كانت إضافة الدين إليهم والنعمة إليه أحسن.
والمقصود أنَّ هذه (1) هي النعمة المطلقة، وهي التي اختصَّتْ بالمؤمنين، وإذا قيل: ليس لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار؛ فهو صحيح.
والنعمة الثانية: النعمة المقيدة، كنعمة الصِّحة والغِنى وعافية الجسد وبسط (2) الجاه وكثرة الولد والزوجة الحسنة وأمثال هذا.
فهذه (3) النعمةُ مشتركةٌ بين البر والفاجر والمؤمن والكافر، وإذا قيل: لله (4) على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق. فلا يصح إطلاق السلب والإيجاب إلا (5) على وجه واحد، وهو أن (6) النعم المقيدة لمَّا كانت استدراجًا للكافر ومآلها إلى العذاب والشقاء فكأنها لم تكن
_________
(1) في (ع، مط): “أن هذه النعمة، هي النعمة … “، والمثبت أولى.
(2) في (ع، مط): “وتبسط”، والمثبت أولى.
(3) في (ت): “وأمثال هذه النعمة”. بدل “وأمثال هذا. فهذه”.
(4) وقع في (ب): “ليس لله” وهو خطأ.
(5) كذا في جميع النسخ، والمعنى مستقيم.
(6) ليس في (ت).
(الكتاب/7)
نعمة، وإنما كانت بليّة، كما سمَّاها الله تعالى في كتابه كذلك (1)، فقال جل وعلا: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا … } الآية [الفجر/15 ـ 17]، أي ليس كل من أكرمته في الدنيا ونعَّمته (2) فيها قد (3) أنعمت عليه، وإنما ذلك ابتلاء مني له واختبار، ولا كل من قدرْتُ عليه رزقه فجعلته (4) بقدر حاجته من غير فضلةٍ أكون قد أهنته، بل أبتلي عبدي بالنعم كما أبتليه بالمصائب.
فإن قيل: فكيف يلتئم هذا المعنى ويتفق مع قوله: {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} فأثبت له الإكرام ثم أنكر عليه قوله: {رَبِّي أَكْرَمَنِ} (5) وقال: {كَلَّا}. أي ليس ذلك (6) إكرامًا مني وإنما هو ابتلاء، فكأنه أثبت الإكرام ونفاه.
قيل: الإكرام المثبت غير الإكرام المنفي، وهما من جنس (7) النعمة المطلقة والمقيدة، فليس هذا الإكرام المقيد بموجِب لِصاحبه أن يكون
_________
(1) سقط من (ب): “الله تعالى في كتابه كذلك”.
(2) في (ع): “أو نعَّمته”.
(3) في (أ، ت): “فقد”.
(4) في (أ، ت): “فجعلت”.
(5) من قوله: “فأكرمه” إلى هنا سقط من (ت).
(6) في (أ، ت): “كذلك”، وهو خطأ.
(7) سقط من (ب).
(الكتاب/8)
من أهل الإكرام المطلق.
وكذلك أيضًا إذا قيل: إن الله أنعم على الكافر نعمة مطلقة ولكنه ردَّ نعمة الله وبدلها، فهو بمنزلة من أُعْطِيَ مالًا يعيش به فرماه في البحر، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} (1) [إبراهيم/28]، وقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى … } الآية [فصلت/17]، فهدايته إياهم نعمة منه عليهم، فبدلوا نعمته وآثروا عليها الضلال.
فهذا فصل النزاع (2) في مسألة: هل لله على الكافر نعمة أم لا؟ وأكثر اختلاف الناس من جهتين إحداهما: اشتراك الألفاظ وإجمالها. والثانية: من جهة الإطلاق والتفصيل.
فصل
وهذه النعمة المطلقة هي التي يُفرَحُ بها في الحقيقة، [ظ/ق 1 ب] والفَرَح بها مما يحبه الله ويرضاه، وهو لا يحب الفَرحِين قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس/ 58].
_________
(1) زادت النسخة (أ): {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}.
(2) سقط من (ت) من قوله: “وآثروا عليها …. ” إلى “النزاع”.
(الكتاب/9)
وقد دارت أقوال السلف (1) على أن فضل الله ورحمته: الإسلام والسنة، وعلى حسب حياة القلب يكون فرحه بهما، وكلما كان أرسخ فيهما كان قلبه (2) أشد فرحًا، حتى إن القلب ليرقص فرحًا ــ إذا باشر روح السنة (3) ــ أحزن ما يكون الناس، وهو ممتلئ أمنًا أخوف ما يكون الناس (4).
فإن السنة حصن الله الحصين، الذي من دخله كان من الآمنين، وبابه (5) الأعظم الذي من دخله كان إليه من الواصلين، تقوم بأهلها وإن قعدت بهم أعمالهم، ويسعى نورها بين أيديهم إذا طفئت لأهل البدع والنفاق أنوارهم (6)، وأهل السنة هم المبيضَّة وجوههم إذا اسودَّت وجوه أهل البدعة، قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ … } الآية [آل عمران/ 106]، قال ابن عباس: تبيضُّ وجوه أهل السنة والائتلاف،
_________
(1) انظر: الدر المنثور للسيوطي (3/ 554).
(2) في (أ): “قلبيًّا”، وفي (ت): “قلبًا” والمثبت أولى.
(3) قوله: “حتى أن القلب … روح السنة”، وقع في (أ، ت): “حتى أن القلب إذا باشر روح السنة ليرقص فرحًا”.
(4) قوله: “وهو ممتلئ أمنًا أخوف ما يكون الناس” سقط من: (ع، مط).
(5) جاء (ظ): “وبابه حصن الله”، ولعله مقحم سهوًا.
(6) قوله: “لأهل البدع والنفاق أنوارهم” من (أ، ت، ظ)، ووقع في (ب): “لأهل وجوه البدعة” وهو خطأ.
(الكتاب/10)
وتسودُّ وجوه أهل البدعة والتفرق (1) (2).
وهي الحياة والنور اللذان (3) بهما سعادة العبد (4) وهداه وفوزه، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام/ 122]. فصاحب السنة حي القلب مستنيره (5)، وصاحب البدعة ميت القلب مظلمه.
وقد ذكر الله سبحانه هذين الأصلين في كتابه في غير موضع، وجعلهما صفة أهل الإيمان، وجعل ضدهما صفة من خرج عن الإيمان،
فإن القلب الحي المستنير هو الذي عقل عن الله، وفهم عنه، وأذعن (6)، وانقاد لتوحيده ومتابعة ما بعث به رسوله – صلى الله عليه وسلم -. والقلب الميت المظلم:
_________
(1) في (ع): “والافتراق”.
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره رقم (1139، 1140 ـ آل عمران)، والخطيب في تاريخه (7/ 390، 391)، واللالكائي رقم (74)، وغيرهم.
وفيه مجاشع بن عمرو وميسرة بن عبد ربه وقد اتهما بالكذب.
تنبيه: ليس في تفسير ابن أبي حاتم: ميسرة بن عبد ربه.
انظر: تكميل النفع لمحمد عمرو عبد اللطيف (ص/54 ـ 58).
(3) وقع في جميع النسخ: “اللذين”، والمثبت هو الصواب؛ لأنه صفة للحياة والنور.
(4) في (ظ): “الأبد”، والمثبت أولى.
(5) من (مط)، وفي (ع): “مستنير”، ووقع في (أ، ب، ظ): “مستنير القلب” بدل “مستنيره”، وجاء في (ت): “فصاحب السنة حيّ، وصاحب البدعة … “.
(6) في (ب): “وأذعن وفهم عنه”، والمثبت أولى.
(الكتاب/11)
الذي لم يعقل عن الله ولا انقاد لما بُعث به رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ولهذا يصف سبحانه هذا الضرب من الناس بأنهم أموات غير أحياء، وبأنهم في الظلمات لا يخرجون منها، ولهذا كانت الظلمة مستولية عليهم من (1) جميع جهاتهم، فقلوبهم مظلمة ترى الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وأعمالهم مظلمة، وأقوالهم مظلمة، وأحوالهم كلها مظلمة (2)، وقبورهم ممتلئة عليهم ظلمة.
وإذا قُسمت (3) الأنوار دون الجسر للعبور عليه بقوا في الظلمات، ومدخلهم في (4) النار مُظلم، وهذه الظلمة هي التي خُلق فيها الخلق أوَّلًا، فمن أراد الله سبحانه وتعالى به السعادة أخرجه منها إلى النور، ومن أراد به الشقاوة تركه فيها، كما روى الإمام أحمد [ظ/ق 2 أ] وابن حبان في “صحيحه” من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “إن الله خلقَ خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من (5) نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول:
_________
(1) في باقي النسخ: “في”.
(2) من قوله: “وأعمالهم مظلمة … كلها مظلمة”: سقط من (ت).
(3) في (ظ): “قُيِّمت”.
(4) في (أ، ت، ظ، ع): “من”.
(5) ليس في (ب).
(الكتاب/12)
جفَّ القلم على علم الله” (1).
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يسأل الله تعالى أن يجعل له نورًا في قلبه، وسمعه وبصره، وشعره وبشره، ولحمه وعظمه (2) ودمه، ومن فوقه ومن تحته، وعن يمينه وعن شماله، وخلفه وأمامه، وأن يجعل ذاته نورًا (3)، فطلب – صلى الله عليه وسلم – النور لذاته ولأبعاضه ولحواسه (4) الظاهرة والباطنة ولجهاته الست.
وقال أُبيُّ بن كعب رضي الله عنه: “المؤمن مدخله نور، ومخرجه نور، وقوله نور، وعمله نور” (5)، وهذا النور بحسب قوته وضعفه يظهر
_________
(1) أخرجه أحمد (11/ 219، 220) (6644، 6854)، والترمذي (2642)، وابن أبي عاصم في السنة رقم (248 ـ 251)، والفريابي في القدر رقم (65 ـ 70)، وابن حبان (6169، 6070)، وابن خزيمة (1334) في دعوة سليمان، والحاكم (1/ 84، 85) مطولًا وغيرهم من طرق عن ربيعة بن يزيد ويحيى بن أبي عمرو السيباني وعروة بن رويم عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكره وقرن معه حديثًا في “شرب الخمر” وحديثًا “في دعوة سليمان لمَّا بنى مسجد بيت المقدس”. وسنده صحيح.
والحديث: حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ولم يتعقَّبه الذهبي.
(2) في (أ، ت، ظ، ع): “وعظامه”.
(3) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (763) ــ (181، 187، 189) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) في (أ، ت، ع): “وحواسه”.
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2603) (14619)، والطبري في تفسيره =
= … (18/ 138) مطولًا، والحاكم في المستدرك (2/ 434) رقم (3510) مطولًا، ولم يذكر الشاهد اختصارًا.
من طريق: حجاج وعبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبيّ بن كعب وفيه: “فهو يتقلب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة”.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قلت: قد تكلم في رواية أبي جعفر عن الربيع بسبب وصله أحاديث لأبي العالية وجعلها عن أبي بن كعب، قال ابن حبان: “الناس يتَّقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر (أي الرازي) عنه؛ لأن في أحاديثه عنه اضطرابًا كثيرًا”. تهذيب الكمال (9/ 62) حاشية.
(الكتاب/13)
لصاحبه يوم القيامة فيسعى بين يديه وبيمينه. فمن الناس من يكون نوره كالشمس، وآخر كالنجم، وآخر كالنخلة السحوق، وآخر دون ذلك حتى إن (1) منهم من يُعطى نورًا على رأس إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ أُخرى، كما كان نور إيمانه ومتابعته في الدنيا كذلك، فهو هذا بعينه يظهر هناك للحس والعيان.
وقال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا … } الآية [الشورى/52].
_________
(1) من: (ظ) فقط.
(الكتاب/14)
فسمَّى وحيه وأمره روحًا؛ لِمَا يحصل (1) به من حياة القلوب والأرواح. وسمَّاه نورًا؛ لما يحصل به من الهدى واستنارة القلوب والفرقان بين الحق والباطل.
وقد اختُلف في الضمير في قوله عز وجل: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا} [الشورى/52]. فقيل: يعود على الكتاب (2). وقيل: على الإيمان.
والصحيح أنه يعود على الروح في قوله: {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}، فأخبر تعالى أنه جعل أمره روحًا ونورًا وهدى، ولهذا ترى صاحب اتباع (3) الأمر والسنة قد كُسي من الروح والنور وما يتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرِمَه غيره، كما قال الحسن: “إن المؤمن رُزق حلاوة ومهابة” (4).
وقال جل وعلا: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ … } الآية [البقرة/ 257].
_________
(1) في (ب): “حصل” وكذلك ما بعده.
(2) قوله: “ولكن جعلناه … “، فقيل: يعود على الكتاب” سقط من: (ت)، وسوف يُعيده المؤلف بأبسط من هذا في (ص/76).
(3) ليس في (أ، ت، ع).
(4) لم أقف عليه.
(الكتاب/15)
فأولياؤهم يعيدونهم إلى ما خُلقوا فيه من ظلمة طبائعهم وجهلهم وأهوائهم، وكلما أشرق لهم نور النبوة والوحي وكادوا أن يدخلوا فيه منعهم أولياؤهم منه وصدُّوهم، فذلك إخراجهم إياهم من النور إلى الظلمات.
وقال جل وعلا: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا … } الآية [الأنعام/122] فأحياه سبحانه [ظ/ق 2 ب] وتعالى بروحه الذي هو وحيه، وهو روح الإيمان والعلم، وجعل له نورًا يمشي به بين أهل الظلمة كما يمشي الرجل بالسراج المضيء في الظلمة، فهو يرى أهل الظلمة في ظلماتهم وهم لا يرونه كالبصير الذي يمشي بين العميان.
فصل
والخارجون عن طاعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ومتابعتهم يتقلَّبون (1) في عشر ظلمات:
ظلمة الطبع، وظلمة الجهل، وظلمة الهوى، وظلمة القول، وظلمة العمل، وظلمة المدخل، وظلمة المخرج، وظلمة القبر، وظلمة القيامة، وظلمة دار القرار، فالظلمة لازمة لهم في دورهم الثلاث.
_________
(1) في (ع): “يتعوَّكون”، وكذلك ما بعده، وقد طُمس عليها في (ظ).
(الكتاب/16)
وأتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يتقلبون في عشرة أنوار، ولهذه الأُمة ونبيها من النور ما ليس لأمة غيرها ولا لنبي غيره، فإن لكلٍّ منهم نورين (1)، ولنبينا – صلى الله عليه وسلم – تحت كل شعرة من رأسه وجسده نور تام، كذلك صفته وصفة أمته في الكتب المتقدمة (2).
وقال جل وعلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد/28].
وفي قوله {تَمْشُونَ بِهِ}: إعلام بأن تصرفهم وتقلبهم الذي ينفعهم إنما هو النور، وأن مشيهم بغير النور غير مُجْدٍ عليهم، ولا نافع لهم بل ضرره أكثر من نفعه.
وفيه: أن أهل النور هم أهل المشي في الناس، ومَنْ سواهم أهل الزمانة والانقطاع، فلا مشي لقلوبهم ولا لأحوالهم (3) ولا لأقوالهم (4)، ولا لأقدامهم إلى الطاعات. وكذلك لا تمشي على الصراط إذا مشت بأهل الأنوار أقدامهم.
_________
(1) ليس في (ب). ووقع في (مط): “فإن لكل نبي منهم نورين”.
(2) انظر: الفروسية المحمدية (ص/87).
(3) من (أ، ت، ع) فقط.
(4) من (ب، ظ) فقط.
(الكتاب/17)
وفي قوله تعالى: {تَمْشُونَ بِهِ}: نكتةٌ بديعة وهي: أنهم يمشون على الصراط بأنوارهم كما مَشَوا (1) بها بين الناس في الدنيا، ومن لا نور له فإنه لا يستطيع أن ينقل قدمًا عن قدم على الصراط، فلا (2) يستطيع المشي أحوج ما يكون إليه.
فصل
والله سبحانه وتعالى سمّى نفسه نورًا، وجعل كتابه نورًا، ورسوله – صلى الله عليه وسلم – نورًا، ودينه نورًا، واحتجب عن خلقه بالنور، وجعل دار أوليائه نورًا يتلألأ (3)، قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور/ 35]، وقد فُسِّر قوله (4): { … نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ … } الآية بكونه: مُنوِّر السماوات والأرض، وهادي أهل السماوات والأرض، فبنوره اهتدى
_________
(1) في (أ، ب، ت): “يمشون”، والمثبت أولى.
(2) في (أ، ع): “ولا”، والمثبت أولى.
(3) من (أ، ت، ظ) والجملة صفة للنور. ووقع في (ب): “تتلألأ”: وهو تصحيف، والصواب المثبت.
(4) من (أ، ت، ع)، وجاء في (ظ): “كونه”، وسقط من (ب): “قوله”.
(الكتاب/18)
أهل السماوات والأرض، وهذا إنما هو فعله، وإلا فالنور الذي هو من أوصافه قائم به، ومنه اشْتُقَّ له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى.
والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين:
إضافة صفةٍ إلى موصوفها، وإضافة مفعولٍ إلى فاعله.
فالأول: كقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ [ظ/ق 3 أ] الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا … } [الزمر/69]، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء، ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الدعاء المشهور: “أعوذ بنور وجهك الكريم أن تضلني، لا إله إلا أنت” (1).
وفي الأثر الآخر: “أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات” (2)
_________
(1) لم أقف عليه بهذا اللفظ.
وجاء من حديث ابن عباس بلفظ: ” … اللهم إني أعوذ بعزَّتك، لا إله إلا أنت أن تضلني … ” أخرجه البخاري (6948)، ومسلم (2717)، واللفظ لمسلم.
(2) أخرجه الطبراني في الدعاء (1036)، وفي المعجم الكبير (المجمع 6/ 35)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (9/ 79) (161، 162)، وابن عدي في الكامل (6/ 102)، وابن منده في الرد على الجهمية رقم (90) وغيرهم عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: فذكر قصة دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – أهل الطائف.
قال الهيثمي: “وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات”اهـ.
ورواه ابن إسحاق في السيرة (1/ 420 ـ سيرة ابن هشام): حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي فذكر نحوه. وهذا مرسل.
(الكتاب/19)
فأخبر – صلى الله عليه وسلم – [ب/ق 4 أ] أن الظلمات أشرقت لنور وجه الله (1) كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره.
وفي “معجم الطبراني” و”السنة” (2) له وكتاب عثمان الدارمي، وغيرها، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه” (3).
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسَّرها بأنه هادي أهل السماوات والأرض، وأما من فسرها بأنه منوّر السماوات والأرض (4) فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود، والحق أنه نور السماوات والأرض بهذه الاعتبارات كلها.
_________
(1) في (ب): “وجهه”.
(2) في (ت، ع): “والمسند”، وقد طمست في (ظ).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 200) (8886)، والدرامي في الرد على بشر المريسي رقم (114)، وابن منده في الرد على الجهمية رقم (90)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (111، 147) وغيرهم من طريق الزبير أبي عبد السلام عن أيوب ابن عبد الله الفهري عن ابن مسعود فذكر مطولًا.
فيه الزبير أبو عبد السلام اتهمه ابن حبان بالكذب.
وقال الدارقطني: “وكان يحدث عن أيوب بن عبد السلام بن مكرز بالمنكرات”.
انظر: لسان الميزان لابن حجر (2/ 248، 249) رقم (1368).
(4) قوله: “وأما من فسَّرها بأنه منوِّر السماوات والأرض” سقط من (ب).
(الكتاب/20)
وفي “صحيح مسلم” (1) وغيره من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخمس، فقال: “إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه” (2).
وفي “صحيح مسلم” عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: هل رأيت ربك؟ قال: “نور أنَّى (3) أراه” (4).
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه يقول: معناه كان ثَمَّ نور، أو حال دون رؤيته نور فأنّى أراه. قال: ويدل عليه أن في بعض ألفاظ الصحيح: “هل رأيت ربك؟ ” فقال: “رأيت نورًا” (5).
وقد أعضل أمر هذا الحديث على كثير من الناس حتى صحَّفه بعضهم، فقال: “نورانيٌّ (6) أراه” على أنها ياء النسب، والكلمة كلمة
_________
(1) في (أ، ت، ظ، ع): “البخاري” وهو خطأ، وكتب ناسخ (ظ) على كلمة “البخاري”: “مسلم”.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (179).
(3) سقط من (ع).
(4) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (178، 291).
(5) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (178 ـ 292).
(6) سقط من (ت): “فقال: نور”.
(الكتاب/21)
واحدة، وهذا خطأ لفظًا ومعنى، وإنما أوجب لهم هذا الإشكال والخطأ أنهم لما اعتقدوا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأى ربه وكان قوله: “أنَّى أراه” كالإنكار للرؤية حاروا في الحديث، وردَّه بعضهم باضطراب لفظه، وكل هذا عدول عن موجب الدليل.
وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب “الرد له” (1) إجماع الصحابة على أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يَرَ ربه ليلة المعراج، وبعضهم استثنى ابن عباس من ذلك، وشيخنا (2) يقول: ليس ذلك بخلافٍ في الحقيقة، فإن ابن عباس لم يقل رآه بعيني رأسه، وعليه اعتمد أحمد في إحدى (3) الروايتين حيث قال: إنه – صلى الله عليه وسلم – رآه، ولم يقل بعيني رأسه (4). ولفظ أحمد كلفظ ابن عباس [ظ/ق 3 ب] رضي الله عنهما. اهـ.
ويدل على صحة ما قاله شيخنا في معنى (5) حديث أبي ذر رضي الله عنه، قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الآخر: “حجابه النور” (6). فهذا النور هو ـ والله
_________
(1) هو نقض الدارمي على بشر المريسي (ص/166، 167)، ط. أضواء السلف.
(2) يعني: ابن تيمية.
(3) في (ب): “أحد”، وفي (ع): “بإحدى” بدل “في إحدى”.
(4) انظر هذه الرواية في: المسند (35/ 312) رقم (21392)، وفي مجموع الفتاوى (3/ 386، 387).
(5) ليس في (ت).
(6) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (179).
(الكتاب/22)
أعلم ـ النور [/ق 4 ب] المذكور في حديث أبي ذر رضي الله عنه “رأيت نورًا” (1).
فصل
وقوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ … } الآية [النور/35].
هذا مَثَلٌ لنوره في قلب عبده المؤمن، كما قال أُبيُّ بن كعب (2) وغيره.
وقد اختلف في مفسِّر (3) الضمير في “نوره”:
فقيل: هو النبي – صلى الله عليه وسلم -، أي مثل نور محمد – صلى الله عليه وسلم -.
وقيل: مفسِّره المؤمن، أي مثل نور المؤمن.
_________
(1) تقدم تخريجه (ص/21).
(2) كذا في جميع النسخ، ونسبه المؤلف لأُبيِّ بن كعب في “الفوائد” و”الوابل الصيِّب” و”مدارج السالكين” و”مفتاح دار السعادة”، ولم أجده منقولًا عن أُبيّ بمثل ما ذكره المؤلف، والمنقول عن أُبيّ بن كعب في عامة كتب التفاسير من السلف والخلف: أن الضمير في قوله “نوره” يعود على المؤمن، انظر البحر المحيط لأبي حيان (6/ 418 – 419)، فلعل المؤلف تبع شيخه: ابن تيمية في هذه النسبة لأُبيّ كما في مجموع الفتاوى (2/ 383)، (7/ 649)، و”الجواب الصحيح”، كما تبعه الحافظ ابن رجب الحنبلي على ذلك في “فتح الباري” و”جامع العلوم والحكم”.
(3) في (ظ) خرم فذهبت هذه الكلمة وما بعدها.
(الكتاب/23)
والصحيح أنه يعود على الله عز وجل، والمعنى: مثل نور الله سبحانه وتعالى في قلب عبده. وأعظم عباده نصيبًا من هذا النور رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فهذا مع ما تضمنه عود الضمير إلى (1) المذكور، وهو وجه الكلام يتضمن التقادير الثلاثة، وهو أتم معنى ولفظًا.
وهذا (2) النور يضاف إلى الله تعالى: إذ هو مُعطيه لعبده وواهبه إياه، ويضاف إلى العبد: إذ هو محله وقابله، فيضاف إلى الفاعل والقابل، ولهذا النور فاعل وقابل ومحل وحامل ومادة، وقد تضمنت الآية ذكر هذه الأمور كلها على وجه التفصيل.
فالفاعل: هو الله تعالى، مفيض الأنوار، الهادي لنوره من يشاء.
والقابل: العبد المؤمن، والمحل: قلبه، والحامل: همته وعزيمته وإرادته، والمادة: قوله وعمله.
وهذا التشبيه العجيب الذي تضمنته الآية فيه من الأسرار والمعاني وإظهار تمام نعمته على عبده المؤمن بما أناله من نوره ما تقر به عيون أهله وتبتهج به قلوبهم.
وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان (3):
إحداهما: طريقة التشبيه المركب، وهي أقرب مأخذًا وأسلم من
_________
(1) سقط من (ظ، مط).
(2) في (أ، ع): “وهو” خطأ.
(3) في (ظ): “طريقان”.
(الكتاب/24)
التكلُّف، وهي أن تُشَبَّه الجملة بِرُمَّتها بنور المؤمن (1)؛ من غير تعرُّض لتفصيل كل جزء من أجزاء المشبه، ومقابلته بجزء من المشبه به، وعلى هذا عامَّة أمثال القرآن.
فتأمل صِفة “مشكاة” وهي: كُوَّة لا تنفذ لتكون أجمع للضوء، قد وضع فيها مصباح، وذلك المصباح داخل زجاجة تشبه الكوكب الدُّرِّي في صفائها وحسنها، ومادته من أصفى الأدهان وأتمِّها وقودًا، من زيت شجرة في وسط القَرَاح (2) [ب/ق 5 أ] لا شرقية ولا غربية بحيث تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار، بل هي في وسط القراح محمية بأطرافه، تصيبها الشمس أعدل إصابة، والآفات إلى الأطراف دونها، فمن شدة إضاءة زيتها وصفائه وحسنه يكاد يضيء من غير أن تمسه نار، فهذا المجموع المركب هو مَثَلُ نور الله تعالى الذي وضعه في قلب عبده المؤمن وخصَّه [ظ/ق 4 أ] به.
والطريقة الثانية: طريقة التشبيه المفصَّل.
فقيل: المشكاة: صدر المؤمن، والزجاجة: قلبه، وشبه قلبه بالزجاجة لرقتها وصفائها وصلابتها، وكذلك قلب المؤمن فإنه قد جمع الأوصاف الثلاثة، فهو يرحم ويحسن ويتحنن ويشفق على الخلق
_________
(1) كذا في جميع النسخ! فليتأمَّل.
(2) القَرَاح: الماء الذي لم يخالطه شيء. اللسان (2/ 561).
(الكتاب/25)
برقته (1).
وبصفائه تتجلى فيه صور الحقائق والعلوم على ما هي عليه، ويباعد الكدر والدرن والوسخ بحسب ما فيه من الصفاء (2)، وبصلابته يشتد في أمر الله تعالى، ويتصلب في ذات الله تعالى، ويغلظ على أعداء الله تعالى، ويقوم بالحق لله تعالى، وقد جعل الله تعالى القلوب كالآنية، كما قال بعض السلف: “القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه أرقُّها وأصلبها وأصفاها” (3).
والمصباح: هو نور الإيمان في قلبه. والشجرة المباركة: هي شجرة الوحي المتضمنة للهدى ودين الحق، وهي مادة المصباح التي
_________
(1) في (ت، ع): “فهو يرحم برقته ويحسن ويتحنَّن ويشفق على الخلق”.
(2) في (ع): “الصفات” وهو خطأ.
(3) أخرجه الإمام أحمد في الزهد رقم (2273) عن خالد بن معدان وسنده صحيح، ووصله محمد بن القاسم الأسدي فجعله من مسند أبي أمامة.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على الزهد (827).
ورفعه باطل، والأسدي اتهم بالكذب، والصواب المقطوع كما تقدم.
وورد من مسند أبي عتبة الخولاني مرفوعًا بنحوه.
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين رقم (817) وغيره.
والحديث جوَّده العراقي، وحسنه الهيثمي، ورفعه خطأ، والصواب وقفه.
انظر: تهذيب الكمال للمزي (34/ 151)، والسلسلة الصحيحة رقم (1691).
(الكتاب/26)
يَتَّقِد (1) منها. والنور على النور: نور الفطرة الصحيحة والإدراك الصحيح، ونور الوحي والكتاب، فينضاف أحد النورين إلى الآخر فيزداد العبد نورًا على نور؛ ولهذا يكاد ينطق بالحق والحكمة قبل أن يسمع فيه بالأثر، ثم يبلغه الأثر بمثل (2) ما وقع في قلبه ونطق به، فيتفق عنده شاهد العقل والشرع والفطرة والوحي، فيريه عقله وفطرته وذوقه أن (3) الذي جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو الحق، لا يتعارض عنده العقل والنقل البتة، بل يتصادقان ويتوافقان، فهذا علامة النور على النور، عكس من تلاطمت في قلبه الشبه [ب/ق 5 ب] الباطلة، والخيالات الفاسدة من الظنون الجهليات، التي يسميها (4) أهلها القواطع العقليات، فهي (5) في صدره كما قال الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور/40].
فانظر كيف انتظمت (6) هذه الآيات طوائف بني آدم كلهم أتمَّ
_________
(1) في “ظ”: “يتوقَّد”.
(2) في (ع، ت): “على”.
(3) من (ظ، ت) فقط.
(4) في (ع): “تسمِّيها”.
(5) في (ت، ع): “فهنَّ”.
(6) وقت في (ظ): “نظمت”، والمثبت أولى.
(الكتاب/27)
انتظام، واشتملت عليه أكمل اشتمال.
فإن الناس قسمان: أهل الهدى والبصائر، الذين عرفوا أن الحق فيما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن الله، وأن كل ما عارضه فشبهات يشتبه (1) على من قل نصيبه من العقل والسمع أمرها، فيظنها شيئًا له حاصل يُنتفع به وهي: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (2) [النور/ 39، 40].
وهؤلاء هم أهل الهدى ودين الحق، أصحاب العلم النافع والعمل الصالح الذين صدّقوا الرسول – صلى الله عليه وسلم – في أخباره ولم يعارضوها بالشبهات، وأطاعوه في أوامره (3)، ولم يضيعوها بالشهوات، فلا هم في علمهم من أهل [ظ/ق 4 ب] الخوض الخراصين الذين هم في غمرة ساهون (4)، ولا هم في عملهم من المستمتعين بخلاقهم الذين حبطت أعمالهم في
_________
(1) في (أ، ظ، ع): “تشتبه”، والمثبت أولى.
(2) إلى قوله: {بَحْرٍ لُجِّيٍّ} انتهت الآية في “ظ، ت”، وإلى قوله: {مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ} انتهت الآية في (ع)، والمثبت من (ب).
(3) في (ع): “أوامره ونواهيه”.
(4) يشير إلى قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات/ 10، 11].
(الكتاب/28)
الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون (1).
أضاء لهم نور الوحي المبين فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات آرائهم يعمهون، وفي ضلالتهم يتهوكون، وفي ريبهم يترددون، مغترين بظاهر السراب، ممحلين مجدبين مما بعث الله تعالى به رسوله (2) من الحكمة وفصل الخطاب، إن عندهم إلا نخالة (3) الأفكار وزبالة الأذهان، التي قد رضوا بها واطمأنوا إليها، وقدّموها على السنة والقرآن، إن في صدورهم إلا كبر (4) ما هم ببالغيه (5) أوجبه لهم اتباع الهوى ونخوة الشيطان، وهم لأجله يجادلون في آيات الله بغير سلطان.
فصل:
القسم الثاني: أهل الجهل والظلم الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به، والظلم باتباع أهوائهم، الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ
_________
(1) يشير إلى قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [التوبة/69].
(2) في (ب، ت): “رسله”.
(3) في (ظ، ت): “نحاته”، وفي (ع): “انتحالة”.
(4) قوله: “إن في صدروهم إلا كبر” جاء في (ظ، ع): “في صدورهم كبر”.
(5) يشير إلى قوله تعالى: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر/56].
(الكتاب/29)
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ [ب/ق 6 أ] الْهُدَى} [النجم/23].
وهؤلاء: قسمان:
أحدهما: الذين يحسبون (1) أنهم على علم وهدى، وهم أهل جهلٍ وضلال، فهؤلاء أهل الجهل المركب الذين يجهلون الحق ويعادونه ويعادون أهله، وينصرون الباطل ويوالونه (2) ويوالون أهله وهم يحسبون أنهم على شيء ألا أنهم هم الكاذبون (3)، فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، فهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي يخون صاحبه أحوج ما هم إليه، ولم يقتصر على مجرد الخيبة والحرمان كما هو حال من أمَّ (4) السراب فلم يجده ماءً، بل انضاف إلى ذلك أنه وجد عنده أحكم الحاكمين وأعدل العادلين سبحانه وتعالى، فحسب له (5) ما عنده من العلم والعمل ووفَّاه إياه
_________
(1) قوله: “أحدهما: الذين يحسبون” سقط من (ت).
(2) ليس في (ظ، ع).
(3) يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة/18].
(4) في (ع): “رام”، وكلاهما بمعنى: قَصَد.
(5) في (ت): “إلى”.
(الكتاب/30)
بمثاقيل الذَّر، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه فجعله هباءً منثورًا (1)؛ إذ لم يكن خالصًا لوجهه، ولا على سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علومًا نافعة كذلك هباءً منثورًا، فصارت أعماله وعلومه حسراتٍ عليه.
والسراب: ما يرى في الفلوات المنبسطة من ضوء الشمس وقت الظهيرة، يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري.
والقِيعةُ (2) والقاع هو: المنبسط من الأرض الذي لا جبل فيه ولا وادٍ.
فشَبَّه علوم من لم يأخذ علومه من (3) الوحي وأعماله بسراب يراه المسافر في شدة الحرِّ، فيؤمُّه فيخيب ظنه [ظ/ق 5 أ] ويجده نارًا تلظَّى، فهكذا علوم أهل الباطل وأعمالهم إذا حُشِرَ الناس واشتد بهم العطش بدت لهم كالسراب فيحسبونه ماءً، فإذا أتوه وجدوا الله عنده فأخذتهم زبانية العذاب فعتلوهم إلى نار الجحيم، فسقوا ماءً حميمًا فقطع أمعاءهم (4)، وذلك الماء الذي سقوه هو تلك العلوم التي لا تنفع،
_________
(1) يشير إلى قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان/23].
(2) في (ب): “البقيعة”.
(3) في (ب، ت): “عن”.
(4) يشير إلى قوله تعالى: { … وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد/15].
(الكتاب/31)
والأعمال التي كانت لغير الله تعالى صيرها الله تعالى حميمًا سقاهم إياه، كما أن طعامهم من ضريع لا يُسمن ولا يُغني من جوع (1)، وهو تلك العلوم والأعمال الباطلة التي كانت في الدنيا كذلك لا تسمن ولا تغني من جوع، وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ [ب/ق 6 ب] أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف/103، 104]، وهم الذين عنى الله بقوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان/23]، وهم الذين عنى بقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة/167].
القسم الثاني من هذا الصنف: أصحاب الظلمات، وهم المنْغمِسون في الجهل بحيث قد أحاط بهم من كل وجهٍ، فهم بمنزلة الأنعام، بل هم أضل سبيلًا، فهؤلاء أعمالهم التي عملوها على غير بصيرة، بل بمجرد التقليد واتباع الآباء من غير نورٍ من (2) الله.
{كَظُلُمَاتٍ}: جمع ظُلمة، وهي ظلمة الجهل، وظلمة الكفر، وظلمة الظلم واتباع الهوى، وظلمة الشك والريب، وظلمة الإعراض
_________
(1) يشير إلى قوله تعالى: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية/6، 7].
(2) سقط من (ب).
(الكتاب/32)
عن الحق الذي بعث الله تعالى به رسله (1) صلوات الله وسلامه عليهم، والنور الذي أنزله معهم ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، فإن المعرض عما بعث الله تعالى به محمدًا – صلى الله عليه وسلم – من الهدى ودين الحق يتقلَّب (2) في خمس ظلمات: قوله ظُلْمة، وعمله ظُلمة، ومدخله ظُلمة، ومخرجه ظُلمة، ومصيره إلى الظُّلمة (3)، فقلبه مظلم، ووجهه مظلم، وكلامه مظلم، وحاله مظلم، وإذا قابلت بصيرته الخفَّاشيَّة ما بعث الله به محمدًا – صلى الله عليه وسلم – من النور جَدَّ في الهرب منه وكاد نوره يخطف بصره فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي أنسب به (4) وأولى، كما قيل:
خفافيش أعشاها النهار بضوئه … ووافقها (5) قطع من الليل مظلم (6)
_________
(1) في “ظ”: “رسوله”.
(2) في (ت): “ينقلب”.
(3) في (ظ): “ظلمة”.
(4) من (ظ، ع)، وفي (ت): “به أنسب”. وفي (ب): “بها أنسب”.
(5) في (ت): “ووافتها”.
(6) في (ت): “مظلمه”. والبيت لم أقف على قائله، ولعل قائله أخذه من قول ابن الرومي في ديوانه (1/ 157):
خفافيش أعشاها نهار بضوئه … ولاءمها قطع من الليل غيهب
وأنشد المؤلف في المدارج وغيره:
خفافيش أعشاها النهار بضوئه … ولاءمها قطع من الليل باديا
(الكتاب/33)
فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونحاتة الأذهان (1)، جال وصال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع. فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة انجحر في أجحرة الحشرات.
وقوله تعالى: {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} اللُّجِّيُّ (2): العميق، منسوب إلى لُجَّة البحر، وهو مُعْظمُه. وقوله: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} تصوير لحال (3) هذا المعرض عن وحْيه، فشَبَّه تلاطم أمواج الشُبه والباطل [ظ/ق 5 ب] في صدره بتلاطم أمواج ذلك البحر، وأنها أمواج بعضها فوق بعض، والضمير الأول في قوله: {يَغْشَاهُ} راجع إلى البحر. والضمير الثاني في قوله: {مِنْ فَوْقِهِ} عائد إلى الموج، ثم (4) إن تلك الأمواج مغشاة بسحاب، [ب/ق 7 أ] فه?هنا ظلمات (5): ظلمة البحر اللُّجِّي، وظلمة الموج الذي فوقه، وظلمة السحاب الذي فوق ذلك كله إذا أخرج مَنْ (6) في هذا البحر يده لم يكد يراها.
واختُلِف في معنى ذلك، فقال كثير من النحاة: هو نفي لمقاربة
_________
(1) في (ظ): “نحاتة الأفكار، وزبالة الأذهان”.
(2) سقط من (ت، ع).
(3) في (ب، ع): “بحال”.
(4) سقط من (ت).
(5) سقط من (ت، ع).
(6) في (ظ): “ممن”.
(الكتاب/34)
رؤيتها، وهو أبلغ من نفي الرؤية، فإنه قد ينتفي وقوع الشيء ولا تنتفي مقاربته، فكأنه قال: لم يقارب رؤيتها بوجه.
قال هؤلاء: وكاد من أفعال المقاربة، لها حكم سائر الأفعال في النفي والإثبات، فإذا قيل: كاد يفعل، فهو إثبات لمقاربة الفعل، فإذا (1) قيل: لم يكد يفعل، فهو نفي لمقاربة الفعل.
وقالت طائفة أخرى: بل هذا دالٌّ على أنه إنما يراها بعد جُهد شديد، وفي ذلك إثبات رؤيتها بعد أعظم العُسر؛ لأجل تلك الظلمات، قالوا: لأن كاد لها شأن (2) ليس لغيرها من الأفعال: فإنها إذا أثبتت نفت، وإذا نفت أثبتت، فإذا قلت: ما كدت أصِلُ إليك، فمعناه: وصلتُ إليك بعد الجهد والشدة. فهذا إثبات للوصول، وإذا قلت: كاد زيد يقوم، فهي نفي لقيامه (3)، كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن/19] ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ … } الآية [القلم/51].
وأنشد بعضهم في ذلك ملغِزًا:
أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة (4) … جرت في لسانَيْ جرهم وثمود
_________
(1) كذا في جميع النسخ، والأولى: “وإذا”.
(2) من (ب، ظ)، ووقع في (ت، ع): “مبانٍ”.
(3) قوله: “فهو نفي لقيامه” في (ظ): “فهو نفي لنفي قيامه”.
(4) في (ع): “كلمة”.
(الكتاب/35)
إذا استعملت في صورة النفي أثبتت … وإن أُثبِتت قامت مقام جحود (1)
وقالت فرقة ثالثة منهم أبو عبد الله بن مالك وغيره: إن استعمالها مثبتة يقتضي نفي خبرها كقولك (2): كاد زيد يقوم. واستعمالها منفية يقتضي نفيه بطريق الأولى، فهي عنده تنفي (3) الخبر سواء كانت منفية أو مثبتة (4)، فلم يكد زيد يقوم، أبلغ عنده في النفي مِنْ: لم يَقُم، واحتجَّ بأنها إذا نفيت وهي من أفعال المقاربة فقد نفت مقاربة الفعل وهو أبلغ من نفيه، وإذا استعملت مثبتة فهي تقتضي مقاربة اسمها لخبرها، وذلك يدل على عدم وقوعه. واعتذر عن مثل قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ … } الآية [البقرة/71] وعن مثل قولهم: وصلت إليك وما كدت أصِل. وسَلمت وما كدت [ب/ق 7 ب] أسلم [ظ/ق 6 أ]؛ بأن هذا وارد على كلامين متباينين، أي: فعلت كذا بعد أن لم أكن مقاربًا له، فالأول: يقتضي وجود الفعل، والثاني: يقتضي أنه لم يكن مقاربًا له (5)؛ بل كان آيسًا منه، فهما كلامان مقصود بهما أمران متغايران.
_________
(1) نسبه ابن هشام في “مغني اللبيب” (ص/868) لأبي العلاء المعرِّي.
(2) في (ت، ع): “كذلك”.
(3) في (ب): “نفي”.
(4) في (ت، ظ، ع): “مثبتة أو منفية”.
(5) سقط من (ب).
(الكتاب/36)
وذهبت فرقة رابعة: إلى الفرق بين ماضيها ومستقبلها، فإذا كانت في الإثبات فهي لمقاربة الفعل؛ سواء كانت بصيغة الماضي أو (1) المستقبل. وإن كانت في ظرف النفي، فإن كانت بصيغة المستقبل كانت لنفي الفعل ومقاربته، نحو قوله: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور/ 40]. وإن كانت بصيغة الماضي فهي تقتضي الإثبات، نحو قوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة/ 71].
فهذه أربعة طرق للنحاة في هذه اللفظة، والصحيح أنها فعل يقتضي المقاربة، ولها حكم سائر الأفعال، ونفي الخبر لم يُستفد من لفظها ووضعها؛ فإنها لم توضع لنفيه، وإنما استفيد من لوازم معناها، فإنها إذا اقتضت مقاربة (2) الفعل لم يكن واقعًا فيكون منفيًا باللزوم، وأما إذا استعملت منفية، فإن كانت في كلام واحدٍ فهي لنفي المقاربة، كما إذا قلت: لا يكاد البطَّال يفلح، ولا يكاد البخيل يسود، ولا يكاد الجبان يفرح، ونحو ذلك. وإن كانت في كلامين اقتضت وقوع الفعل بعد أن لم يكن مقاربًا، كما قال ابن مالك، فهذا التحقيق في أمرها.
والمقصود أن قوله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} إما أنه يدل (3) على أنه
_________
(1) في (ب): “و” بدل “أو”.
(2) في (ع): “مقارنة” وهو خطأ.
(3) في (ظ): “يدخل” وهو خطأ. وكأنَّ في السياق سقطًا.
(الكتاب/37)
لا (1) يقارب رؤيتها لشدة الظلمة وهو الأظهر، فإذا كان لا يقارب رؤيتها فكيف يراها.
قال ذو الرمة:
إذا غَيَّر النأيُ المُحبين لم يكد … رسيسُ الهوى من حُبِّ مَيَّة يبرحُ (2)
أي لم يقارب البراح، وهو الزوال؛ فكيف يزول.
فشبَّه سبحانه أعمالهم أولًا في فوات نفعها وحصول ضررها عليهم بسراب خدَّاع يخدع رائيه من بعيد، فإذا جاءه وجد عنده عكس ما أمّله ورجاه.
وشبهها ثانيًا في ظلمتها وسوادها، لكونها باطلة خالية عن نور الإيمان، بظلمات متراكمة في لُجَجِ البحر المتلاطم الأمواج الذي قد غشيه السحاب من فوقه، فيا له تشبيهًا ما أبدعه، وأشدَّه [ب/ق 8 أ] مطابقة بحال (3) أهل البدع والضلال، وحال مَنْ عَبَدَ الله سبحانه وتعالى على خلاف ما بعث به رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأنزل به كتابه!
_________
(1) في (ع): “لم”.
(2) انظر: ديوان ذي الرمة (ص/414)، بشرح الخطيب التبريزي، وانظر قصته مع ابن شبرمة في تغييره قول: (لم يكد) إلى (لم أجد) (ص/682، 683).
(3) في (ع): “لحال”.
(الكتاب/38)
وهذا التشبيه هو تشبيه لأعمالهم الباطلة بالمطابقة والتصريح، ولعلومهم وعقائدهم الفاسدة باللُّزوم، وكل واحدٍ من السراب والظلمات مَثَل لمجموع علومهم وأعمالهم، فهي سراب لا حاصل لها, [ظ/ق 6 ب] وظلمات لا نور فيها.
وهذا عكس مَثَل أعمال المؤمن وعلومه التي تلقاها من مشكاة النبوة, فإنها مثل الغيث الذي به حياة البلاد والعباد، ومثل النور الذي به انتفاع أهل الدنيا والآخرة.
ولهذا يذكر سبحانه هذين المَثَلين في القرآن في غير موضع لأوليائه وأعدائه، كما ذكرهما في سورة البقرة في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة/17، 18].
شَبَّه سبحانه أعداءه المنافقين بقومٍ أوقدوا نارًا لتضيء لهم وينتفعوا بها، فلما أضاءت لهم النار فأبصروا في ضوئها ما ينفعهم ويضرهم، وأبصروا الطريق بعد أن كانوا حيارى تائهين، فهم كقوم سفرٍ ضلّوا عن الطريق فأوقدوا النار لتضيء لهم الطريق، فلما أضاءت لهم فأبصروا وعرفوا طفئت تلك النار (1)، وبقوا في الظلمات لا يبصرون، قد سُدَّت عليهم أبواب الهدى الثلاث، فإن الهدى يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب:
_________
(1) في (مط): «الأنوار» والمثبت أصوب.
(الكتاب/39)
مما يسمعه بأذنه، ويراه بعينه، ويعقله بقلبه (1). وهؤلاء قد سُدَّت عليهم أبواب الهدى، فلا تسمع قلوبهم شيئًا، ولا تبصره (2)، ولا تعقل ما ينفعها.
وقيل: لمَّا لم ينتفعوا بأسماعهم وأبصارهم وقلوبهم نُزِّلوا بمنزلة مَنْ لا سمع له ولا بصر ولا عقل، والقولان متلازمان.
وقال في صِفتهم: {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}؛ لأنهم قد رأوا في ضوء النار وأبصروا الهدى، فلما طفئت عنهم لم يرجعوا إلى ما رأوا وأبصروا.
وقال سبحانه وتعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ولم يقل: ذهب نورهم، وفيه (3) سرٌّ بديع، وهو انقطاع سر تلك المَعيَّة الخاصَّة التي هي (4) للمؤمنين من الله تعالى، فإن الله تعالى مع (5) المؤمنين، و {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]، و {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ [ب/ق 8 ب] … اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل/128]، فذهاب الله بذلك النور انقطاع لمعيته الخاصة (6) التي خصَّ بها أولياءه، فقطعها بينه وبين المنافقين فلم يبق
_________
(1) قوله: «ويراه بعينه، ويعقله بقلبه» سقط من (ع).
(2) قوله: «ولا تبصره» سقط من (ع).
(3) سقط من (ظ).
(4) سقط من (ظ).
(5) في (ت، ظ): «لمع».
(6) ليس في (ت، ظ، مط).
(الكتاب/40)
عندهم بعد ذهاب نورهم ولا معهم، فليس لهم نصيب من {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة/ 40] ولا من: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء/ 62].
وتأمل قوله تعالى: {أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} كيف جعل ضوءها خارجًا عنه منفصلًا، ولو اتصل ضوؤها به ولابسه لم يذهب؛ ولكنه كان ضوء مجاورةٍ لا ملابسة ومخالطة، فكان الضوء عارضًا والظلمة أصلية، فرجع الضوء إلى معدنه، وبقيت الظلمة في معدنها، فرجع [ظ/ق 7 أ] كل منهما إلى أصله اللائق به، حجةً من الله قائمة، وحكمة بالغة تعرَّف بها إلى أُولي الألباب من عباده.
وتأمل قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}، ولم يقل: بنارهم ليطابق (1) أول الآية؛ فإن النار فيها إشراق وإحراق، فذهب بما فيها من الإشراق وهو النور، وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق، وهو النارية.
وتأمل كيف قال: {بِنُورِهِمْ} ولم يقل: بضوئهم، مع قوله: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ}؛ لأن الضوء هو زيادة في النور، فلو قيل: ذهب الله بضوئهم لأوْهَمَ الذهاب بالزيادة فقط دون الأصل، فلمَّا كان النور أصل الضوء كان الذهاب به ذهابًا بالشيء وزيادته.
_________
(1) في (ت، ع، مط): «ليطابق».
(الكتاب/41)
وأيضًا: فإنه أبلغ في النفي عنهم (1)، وأنهم من أهل الظلمات الذين لا نور لهم.
وأيضا: فإن الله تعالى سَمَّى كتابه نورًا، ورسوله – صلى الله عليه وسلم – نورًا، ودينه نورًا، وهداه نورًا، ومن أسمائه النور، والصلاة نور، فذهابه سبحانه بنورهم ذهاب بهذا كله.
وتأمل مطابقة هذا المَثَل لِمَا تقدَّمه من قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة/ 16] كيف طابق هذه التجارة (2) الخاسرة التي تضمنت حصول الضلالة والرضى بها، وبذل الهدى في مقابلتها، وحصول (3) الظلمات التي هي الضلالة، والرضى بها؛ بدلًا عن النور الذي هو الهدى، فبدَّلوا الهدى والنور، وتعوَّضوا (4) عنه الظُلْمَة والضلالة، فيا لها من (5) تجارة ما أخسرها، وصفقة ما أشد غبنها (6).
_________
(1) في (ت، ظ، ع): «عليهم». ووقع في (ب): «أبلغ في الردِّ عليهم».
(2) إلى هنا انتهى السقط من مصورة النسخة (أ).
(3) في (أ، ت، ع، ظ): «حصول». وفي (ب): «حول» وهو خطأ.
(4) في (ع): «ورضوا».
(5) من (مط).
(6) في (ع): «شُبهتها»، وفي (أ) غير واضحة، فوضع عليها الناسخ في الحاشية هذه العلامة … … …
(الكتاب/42)
وتأمل كيف قال الله: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} فوحَّده، ثم قال: {وَتَرَكَهُمْ [ب/ق 9 أ] فِي ظُلُمَاتٍ} فجمعها، فإن (1) الحق واحد، وهو صراط الله المستقيم الذي لا صراط يوصل إليه سواه، وهو عبادته وحده لا شريك له، بما شرعه على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم -، لا بالأهواء والبدع وطرق الخارجين عما بُعث به (2) رسوله من الهدى ودين الحق؛ بخلاف طرق الباطل؛ فإنها متعددة متشعبة. ولهذا يُفْرد سبحانه وتعالى الحق، ويجمع الباطل، كقوله: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة/ 257].
وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام/153].
فجمع سُبُل الباطل، ووحَّد سبيله (3) الحق، ولا يناقض هذا قوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة/ 16]؛ فإن تلك هي طرق مرضاته [ظ/ق 7 ب] التي يجمعها سبيله الواحد وصراطه المستقيم، فإن طرق مرضاته (4) كلها ترجع إلى صراطٍ واحدٍ وسبيلٍ واحدٍ،
_________
(1) في (ع): «كأن».
(2) في (أ، ت، ع، مط): «بعث الله به».
(3) في (ع، مط): «سبيل».
(4) قوله: «التي يجمعها سبيله الواحد وصراطه المستقيم، فإن طرق مرضاته» سقط من (ع).
(الكتاب/43)
وهي سبيله التي لا سبيل إليه إلا منها. وقد صحَّ (1) عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه خطَّ خطًّا مستقيمًا، وقال: «هذا سبيل الله» ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله فقال: «هذه سُبُلٌ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثم قرأ قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام/153] (2).
_________
(1) في (أ، ب): «وصحّ».
(2) أخرجه أحمد في المسند (7/ 207، 208، 436) (4142، 4437)، وابن أبي عاصم في السنة (17)، والبزار في البحر الزخار (1694، 1718)، وابن حبان في صحيحه رقم (6، 7)، وغيرهم، من طريق عاصم بن أبي النجود والأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود فذكره.
ــ واضطرب فيه أبو بكر بن عياش عن عاصم، فقال مرةً: «زِرّ بن حُبيش»، ومرةً: «عن أبي وائل»، ولعله وهم منه.
ــ ورواه منصور بن المعتمر عن أبي وائل به موقوفًا على ابن مسعود بنحوه.
أخرجه البزار في البحر الزخار (1677).
ــ ورواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه موقوفًا مختصرًا.
أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (85).
وكأنَّ رفعه محفوظ عن ابن مسعود، والحديث صححه ابن حبان والحاكم والمؤلف، ويؤيِّده رواية الربيع بن خثيم عن ابن مسعود مرفوعًا بمعناه، عند البخاري (6054)، وهو عند البزار (1865) بلفظ حديث أبي وائل، وهو خطأ ووهم، ولعلَّه من البزار.
انظر: علل الدارقطني (13/ 272) (3167).
(الكتاب/44)
وقد قيل: إن هذا (1) مَثَلٌ للمنافقين وما يوقدونه من نار الفتنة التي يوقعونها بين أهل الإسلام ويكون بمنزلة قول الله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة/64] ويكون قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} مطابقًا لقوله تعالى: {أَطْفَأَهَا اللَّهُ} ويكون تخييبهم وإبطال ما راموه هو تركهم في ظلمات الحيرة لا يهتدون إلى التخلُّص مما وقعوا فيه ولا يبصرون سبيلًا، بل هم صُمٌ بكمٌ عميٌ (2).
وهذا التقدير وإن كان حقًّا ففي كونه مرادًا بالآية نَظَر، فإن السياق إنما قُصِد لغيره، ويأباهُ قوله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ}، وموقد نار الحرب لا يضيء ما حوله أبدًا. ويأباه قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} وموقد نار الحرب لا نور له. ويأباه قوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ [ب/ق 9 أ] لَا يُبْصِرُونَ}، وهذا يقتضي أنهم انتقلوا من نور المعرفة والبصيرة إلى ظلمة الشك والكفر. قال الحسن رحمه الله: «هو المنافق أبصر ثم عمي، وعرف ثم أنكر» (3)، ولهذا قال: {فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} أي: لا يرجعون (4) إلى النور الذي فارقوه.
_________
(1) يعني قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا … } [البقرة/ 17].
(2) يُشير إلى قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة/18].
(3) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 51) بدون سند.
(4) قوله: «أي: لا يرجعون» سقط من (ب).
(الكتاب/45)
وقال تعالى في حق الكفار: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة/ 17]، فسلب العقل عن الكفار، إذ لم يكونوا من أهل البصيرة والإيمان، وسلب الرجوع عن المنافقين؛ لأنهم آمنوا ثم كفروا فلم يرجعوا إلى الإيمان.
فصل
ثم ضرب لهم مثلًا آخر مائيًّا فقال: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} [البقرة/ 19] فشبَّه نصيبهم مما بعث الله تعالى به رسوله – صلى الله عليه وسلم – من النور والحياة بنصيب (1) المستوقد النار، التي (2) طَفِئتْ عنه أحوج ما كان إليها، وذهب نوره، وبقي في الظلمات حائرًا تائهًا لا يهتدي سبيلًا ولا يعرف طريقًا؛ وبنصيب أصحاب الصَّيِّب: وهو المطر الذي يصوب، أي ينزل من علوٍّ إلى سُفلٍ، فشَبَّه الهُدى الذي هدى به عباده بالصيب؛ لأن القلوب تحيا به حياة [ظ/ق 8 أ] الأرض بالمطر، ونصيبَ المنافقين من هذا الهدى بنصيب من لم يحصل له نصيب من الصيب إلا ظلمات ورعد وبرق، ولا نصيب له فيما وراء ذلك مما هو المقصود بالصيّب (3)
_________
(1) في (ظ): «بصيِّب» وهو خطأ.
(2) في (أ، ت، ظ): «الذي».
(3) في (ظ): «بالنصيب».
(الكتاب/46)
من حياة البلاد والعباد والشجر والدواب. وأن تلك الظلمات التي فيه، وذلك الرعد والبرق مقصود لغيره، وهو وسيلة إلى كمال الانتفاع بذلك الصيب، فالجاهل لفرط جهله يقتصر على الإحساس بما في الصيب من ظلمة ورعد وبرق ولوازم ذلك من بردٍ شديد، وتعطلِ (1) مسافر عن سفره، وصانع عن صنعته؛ ولا بصيرة له تنفذ إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الصيب من الحياة والنفع العام.
وهكذا شأن كل قاصر النظر ضعيف العقل لا يجاوز نظرهُ الأمر المكروه الظاهر إلى ما وراءه من كل (2) محبوب.
وهذه حال أكثر الخلق إلا من صحَّت بصيرته، فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من [ب/ق 9 ب] التعب (3) والمشاق والتعرض لِتَلاف المهجة، والجراحات الشديدة، وملامة اللوام، ومعاداة من يخاف معاداته= لم يقْدِم عليه؛ لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة، والغايات التي إليها تسابق (4) المتسابقون، وفيها تنافس المتنافسون.
_________
(1) في (ظ): «وتعطيل».
(2) سقط من (ظ).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ظ): «يتسابق».
(الكتاب/47)
وكذلك من عزم على سفر الحج إلى البيت الحرام فلم يعلم (1) من سفره ذلك إلا مشقة السفر، ومفارقة الأهل والوطن، ومقاساة الشدائد، وفراق المألوفات، ولا يجاوز نظره وبصيرته آخر ذلك السفر ومآله وعاقبته= فإنه لا يخرج إليه ولا يعزم عليه.
وحال هؤلاء حال ضعيف البصيرة والإيمان، الذي يرى ما في القرآن من الوعد والوعيد والزواجر والنواهي والأوامر الشاقة على النفوس التي تفطمها عن رضاعها من ثدي المألوفات والشهوات
ـ والفطام على الصبي أصعب شيء وأشقه ـ والناس كلهم صبيان العقول إلا مَن بلغ مبالغ الرجال العقلاء الألباء، وأدرك الحق علمًا وعملًا ومعرفة، فهو الذي ينظر إلى ما وراء الصيِّب، وما فيه من الرعد والبرق والصواعق، ويعلم أنه حياة الوجود.
وقال (2) الزمخشري: «لقائل أن يقول: شبَّه دين الإسلام بالصيب؛ لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وما يتعلق به من شَبَهِ الكفار بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق، وما يصيب الكفرة من الأفزاع والبلايا والفتن [ظ/ق 8 ب] من جهة أهل الإسلام بالصواعق، والمعنى: أو كمثل ذوي صيِّب. والمراد: كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة، فلقوا منها ما لقوا».
_________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ظ): «قال».
(الكتاب/48)
قال: «والصحيح الذي عليه علماء البيان (1) لا يتخطَّونه: أنَّ المثَلَين (2) جميعًا من جهة التمثيلات المتركبة دون المفرقة، لا يُتكلف لواحدٍ واحدُ شيءٍ يقدر شبهه به، وهذا (3) القول الفحل، والمذهب الجزل. بيانه: أن العرب تأخذ أشياء فرادى، معزولًا بعضها من بعض، لم يأخذ هذا بحجزةِ ذاك فتشبهها بنظائرها، كما جاء في القرآن، حيث شبَّه كيفية حاصلة من مجموع أشياء [ب/ق 10 أ] قد تضامَّت وتلاصقت حتى عادت شيئًا واحدًا= بأخرى مثلها، كقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا … } [الجمعة/ 5]، الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة وآياتها الباهرة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة، وتساوي الحالتين (4) عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأحمال، ولا يشعر بذلك إلا بما يمر بدفيه (5) من الكدِّ والتعب.
وكقوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ … } الآية [الكهف/45]،
_________
(1) في (ب): «أهل البيان»، وقد انطمست في (ظ).
(2) في (الكشاف): «التمثيلين»، والمثبت من جميع النسخ.
(3) كذا في جميع النسخ، وفي (الكشاف): «وهو».
(4) في (أ، ت): «الحالين».
(5) في (ظ): «بدفتيه»، ووقع في (ت): «فيه» مكان «بدفيه».
(الكتاب/49)
المراد قلة بقاء زهرة الدنيا كقلة بقاء هذا النبات (1)، فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوطٍ بعضها ببعض وتصييرها (2) شيئًا واحدًا فلا.
كذلك لمَّا وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شُبِّهتْ حيرتهم وشدة الأمر عليهم بما يكابد مَن طَفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل، وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق».
قال: «فإن قلت: أي (3) المَثَلَين (4) أبلغ؟ قلت: الثاني، لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته، ولذلك أُخِّر، وهم يتدرجون في مثل هذا من الأهون إلى الأغلظ. اهـ (5).
قلت (6): الناس في الهدى الذي بعث الله تعالى به رسوله – صلى الله عليه وسلم – أربعة أقسام، قد اشتملت عليهم هذه الآيات، من أول السورة إلى هاهنا:
القسم (7) الأول: قبلوه (8) ظاهرًا وباطنًا، وهم نوعان: أحدهما أهل
_________
(1) كذا في جميع النسخ، وفي (الكشاف): «الخضر».
(2) في (ظ): «وتصيّرها»، وفي (الكشاف): «ومصيرة».
(3) في (ب): «فأيُّ».
(4) كذا في جميع النسخ، وفي (الكشاف): «التمثيلين».
(5) إلى هُنا انتهى كلام الزمخشري في «الكشاف» (1/ 79 ـ 81).
(6) وقع في (مط): «قلت: قال شيخنا»، وليست في جميع النسخ.
(7) سقطت من (ب).
(8) في (ظ): «قبلوها».
(الكتاب/50)
الفقه فيه والفهم والتعليم، وهم الأئمة الذين عقلوا عن الله تعالى كتابه وفهموا مراده، وبلغوه إلى الأمة، واستنبطوا أسراره وكنوزه، فهؤلاء مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، فرعى الناس فيه ورعت أنعامهم، وأخذوا من ذلك الكلأ الغذاء [ظ/ق 9 أ] والقوت والدواء وسائر ما يصلح لهم.
النوع الثاني: حفظوه وضبطوه وبلَّغوا ألفاظه إلى الأُمة، فحفظوا عليهم النصوص، وليسوا من أهل الاستنباط والفقه (1) في مراد الشارع [ب/ق 10 ب]، فهم أهل حفظٍ وضبطٍ وأداء لِمَا سمعوه، والأولون أهل فهم وفقه واستنباط وإثارةٍ لدفائنه وكنوزه، وهذا النوع الثاني بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فوردوه وشربوا منه وسقوا منه أنعامهم وزرعوا به.
فصل
القسم الثاني: من ردَّه ظاهرًا وباطنًا، وكفر به ولم (2) يرفع به رأسًا.
وهؤلاء أيضًا نوعان:
أحدهما: عرفه وتيقَّن صحته وأنه حق، ولكن حمله الحسد والكبر
_________
(1) في (أ، ت، ع): «والتَّفقُّه»، والمثبت أولى.
(2) في (أ): «ومن لم».
(الكتاب/51)
وحب الرياسة والمُلْك والتقدم بين قومه على جحده ودفعه بعد البصيرة واليقين.
النوع الثاني: أتباع هؤلاء الذين يقولون: هؤلاء ساداتنا وكبراؤنا، وهم أعلم منا بما يقبلونه وما يردونه، ولنا أسوة بهم، ولا نرغب بأنفسنا عن أنفسهم، ولو كان حقًّا لكانوا هم أهله وأولى بقبوله. وهؤلاء بمنزلة الدواب والأنعام، يُساقون حيث يسوقهم راعيهم، وهم الذين قال الله عز وجل فيهم: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة/166، 167].
وقال تعالى فيهم: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا (1)} [الأحزاب/66 ـ 68].
وقال تعالى فيهم: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ
_________
(1) كذا في (ب، ت، ظ)، وهي قراءة القرَّاء العشرة غير عاصم. وفي (ع): «كبيرًا»، وهي قراءة عاصم. وفي (أ) غير منقوطة، والمثبت أولى.
انظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري (2/ 261).
(الكتاب/52)
(47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر/47، 48].
وقال فيهم: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ} [ص/57 ـ 60].
أي: سننتموه لنا وشرعتموه {قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} فقولهم: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ} أي: داخلوها كما دخلناها، ومقاسون عذابها كما نقاسيه، فأجابهم الأتباع وقالوا: {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ [ب/ق 11 أ] لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا}.
وفي الضمير قولان:
أحدهما: أنه ضمير الكفر والتكذيب ورد قول الرسول (1) – صلى الله عليه وسلم – واستبدال غيره به، والمعنى [ظ/ق 9 ب] أنتم زينتم (2) لنا الكفر، ودعوتمونا إليه وحسنتموه لنا.
وقيل على هذا القول: إنه قول الأمم المتأخرين للمتقدمين،
_________
(1) في (أ، ب، ت): «الرسل».
(2) في (ب): «زينتموه».
(الكتاب/53)
والمعنى على هذا: أنتم شرعتم (1) لنا تكذيب الرسل، ورد ما جاءوا به، والشرك بالله سبحانه وتعالى وبدأتم به، وتقدمتمونا إليه فدخلتم النار قبلنا فبئس القرار، أي: بئس المستقر والمنزل.
والقول الثاني: إن الضمير في قوله: {أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} ضمير العذاب وصلي النار. والقولان متلازمان وهما حق.
وأما القائلون {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} [ص/61]، فيجوز أن يكون (2) الأتباع دعوا على سادتهم وكبرائهم وأئمتهم به، لأنهم الذين حملوهم عليه ودعوهم إليه.
ويجوز أن يكون (3) جميع أهل النار سألوا ربهم أن يزيد من سنّ لهم الشرك وتكذيب الرسل صلى الله عليهم وسلم ضِعفًا (4)، وهم الشياطين.
فصل
القسم الثالث: الذين قبلوا ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وآمنوا به ظاهرًا وجحدوه وكفروا به باطنًا، وهم: المنافقون، الذين ضُرب لهم هذان
_________
(1) في (ب): «شرعتموه».
(2) في (أ، ت): «يكونوا».
(3) في أ، ب، ت): «يكونوا».
(4) في (أ): «عذابًا ضعفًا».
(الكتاب/54)
المثلان بمستوقد النار وبالصيب، وهم أيضًا نوعان:
أحدهما: من أبصر ثم عمي، وعرف (1) ثم جهل وأقرَّ ثم أنكر، وآمن ثم كفر، فهؤلاء رؤوس أهل النفاق وساداتهم وأئمتهم، ومثلهم مثل من استوقد نارًا، ثم حصل بعدها على الظلمة.
والنوع الثاني: ضعفاء البصائر، الذين أعشى بصائرهم ضوء البرق، فكاد أن يخطفها لضعفها وقوته، وأصم آذانهم صوت الرعد، فهم يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق، ولا (2) يقربون من سماع القرآن والإيمان؛ بل يهربون منه، ويكون حالهم حال من يسمع الرعد الشديد، فمن شدة خوفه منه يجعل أصابعه في أذنيه (3).
وهذه حال كثير من خفافيش البصائر، في كثير من نصوص الوحي؛ إذا وردت عليه مخالفةً لما تلقَّاه عن أسلافه وذوي مذهبه، ومن يحسن به الظن، ورآها مخالفة لما عنده عنهم= هرب من النصوص، وكره من يُسمعه إياها، ولو أمكنه لسدَّ أُذنيه عند [ب/ق 11 ب] سماعها، ويقول: دعْنا من هذه. ولو قَدَرَ لعاقَبَ من يتلوها (4) ويحفظها وينشرها ويعلمها، فإذا ظهر له منها ما يوافق ما عنده مشى فيها وانطلق، وإذا جاءت بخلاف
_________
(1) من (ظ)، وسقط من (ب)، وسقط من (أ، ت، ع): «وعرف ثم جهل».
(2) في (ب): «فلا».
(3) في (ب، ظ): «أُذنه».
(4) في (أ، ت): «يقولوها» وهو خطأ.
(الكتاب/55)
ما عنده أظلمت عليه، فقام حائرًا لا يدري أين يذهب، ثم يعزم له التقليد وحسن الظن برؤسائه وسادته على اتباع ما قالوه دونها، ويقول المسكين الحال: هم أخبر بها منِّي وأعرف.
فيالله العجب! أوليس أهلها والذَّابون عنها والمنتصرون لها والمعظِّمون لها والمخالفون [ظ/ق 10 أ] لأجلها آراء الرجال، المقدمون لها على ما خالفها= أعرفَ بها أيضًا منك وممن اتبعته؟ فلِمَ كان من خالفها وعزلها عن اليقين، وزعم أن الهدى والعلم لا يُستفاد منها، وأنها أدلة لفظية لا تفيد شيئًا من اليقين، ولا يجوز أن يحتج بها على مسألة واحدة من مسائل التوحيد والصفات، ويسميها الظواهر النقلية، ويسمي ما خالفها القواطع العقلية، فلِمَ كان هؤلاء أحق بها وأهلها، وكان أنصارها والذابون عنها والحافظون لها هم أعداءها ومحاربيها؟!
ولكن هذه سنة الله في أهل الباطل: أنهم يعادون الحق وأهله، وينسبونهم إلى معاداته ومحاربته، كالرافضة الذين عادوا أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ بل (1) وأهل بيته، ونسبوا أتباعه وأهل سنته إلى معاداته (2)، ومعاداة أهل بيته، {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال/34].
_________
(1) ليس في (أ، ت).
(2) ليس في (ب).
(الكتاب/56)
والمقصود أن هؤلاء المنافقين صنفان: أئمة وسادة يدعون إلى النار، وقد مردوا على النفاق. وأتباع لهم بمنزلة الأنعام والبهائم، فأولئك زنادقة مستبصرون، وهؤلاء زنادقة مقلدون.
فهؤلاء أصناف بني آدم في العلم والإيمان، لا يجاوز هذه السُّنة؛ اللهم إلا من أظهر الكفر وأبطن الإيمان، كحال المستضعف بين الكفار، الذي تبين له الإسلام ولم يمكنه (1) المجاهرة بخلاف قومه، ولم يزل هذا الضرب في الناس على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبعده، وهؤلاء عكس المنافقين من كل وجه.
وعلى هذا فالناس: إما مؤمن ظاهرًا وباطنًا، وإما كافرًا ظاهرًا وباطنًا، أو مؤمن ظاهرًا كافر باطنًا، وإما كافر ظاهرًا مؤمن باطنًا.
والأقسام الأربعة قد اشتمل عليها الوجود، وقد بين القرآن أحكامها: فالأقسام الثلاثة الأُول ظاهرة، وقد اشتملت عليها أول سورة البقرة.
وأما القسم الرابع: ففي (2) قوله تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ} [الفتح/ 25]، فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم
_________
(1) في (أ، ت): «تمكنه»، وهو الأصل.
(2) في (أ، ت): «فهي»، وهو خطأ.
(الكتاب/57)
في قومهم ولا يتمكَّنون (1) من إظهاره، ومن هؤلاء مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، ومن هؤلاء النجاشي الذي صلى عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان ملك النصارى بالحبشة (2)، وكان في الباطن مؤمنًا.
وقد قيل: إنه وأمثاله الذين عناهم الله عز وجل بقوله: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران/ 199].
وقوله: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ [ظ/ق 10 ب] بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران/ 113، 114]، فإن هؤلاء ليس المراد بهم: المتمسكَ باليهودية والنصرانية بعد بعث محمد – صلى الله عليه وسلم – قطعًا، فإن هؤلاء قد شهد لهم بالكفر وأوجب لهم النار، فلا يُثْنى عليهم بهذا الثناء.
وليس المراد به: مَن آمن مِن أهل الكتاب ودخل في جملة المؤمنين وباين قومه، فإن هؤلاء لا يطلق عليهم أنهم من أهل الكتاب؛ إلا باعتبار ما كانوا عليه، وذلك الاعتبار قد زال بالإسلام واستحدثوا اسم المسلمين والمؤمنين، وإنما يطلق الله سبحانه هذا الاسم على من
_________
(1) في (ب): «ينتهكون»، وهو خطأ.
(2) في (أ، ت): «الحبشة»، وهو خطأ.
(الكتاب/58)
هو باقٍ على دين أهل الكتاب، هذا هو المعروف في القرآن، كقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ} [آل عمران/ 70].
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران/ 64].
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ … } الآية [آل عمران/ 65].
{ … وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ … } الآية [البقرة/ 144]، ونظائره.
ولهذا قال جابر بن عبد الله (1)، وعبد الله بن عباس (2)، وأنس بن مالك (3)،
والحسن، وقتادة: إن قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
_________
(1) سيأتي قريبًا.
(2) ذكره الثعلبي في تفسيره (3/ 238)، والواحدي في تفسيره الوسيط (1/ 537)، وفي أسباب النزول (ص/139).
(3) أخرجه النسائي في التفسير (1/ 356) (108)، والبزار (832 ـ كشف الأستار)، والواحدي في الوسيط (1/ 536)، وابن المنذر في تفسيره (2/ 541، 542) (1287)، وغيرهم من طرقٍ عن حميد الطويل عن أنس. فذكره وفيها نظر واختلاف.
ورواه حماد بن سلمة عن ثابت واختلف عليه.
فرواه مؤمل بن إسماعيل عن حماد عن ثابت عن أنس فذكره.
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 846) (4682). … =
= … وخالفه سليمان بن حرب وابن عائشة فروياه عن حماد بن ثابت عن الحسن فذكره مرسلًا.
قلت: هذا هو الصواب، وقال الحافظ ابن حجر: في رواية مؤمل: وفيه لين. العجاب (ص/334)، وأما طريق حميد، فإذا كان دلَّسه عن ثابت؛ فالراجح فيه الإرسال عن الحسن البصري كما تقدم، وإن كان محفوظًا بذكْر أنس فهو ثابت، ولا أظنه يثبت والله أعلم.
(الكتاب/59)
لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ … } الآية [آل عمران/ 199] أنها نزلت في النجاشي [ب/ق 12 ب].
زاد الحسن (1) وقتادة (2): «وأصحابه».
وذكر ابن جرير في «تفسيره»: من حديث أبي بكر الهذلي عن قتادة عن ابن المسيب عن جابر رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «اخرجوا فصلوا على أخٍ لكم»، فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات، فقال: «هذا
_________
(1) أخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في العجاب لابن حجر (ص/334)، وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 846) (4683) من طريق حماد عن ثابت عن الحسن كما تقدم.
ورواه أبو بكر بن عياش عن حميد عن الحسن فذكره.
أخرجه النسائي في تفسيره (109).
وقد رواه أبو بكر بن عياش على الوجهين: من حديث أنس، ومن قول الحسن البصري.
(2) أخرجه الطبري (7/ 498) (8379) ط. شاكر. وسنده صحيح.
(الكتاب/60)
النجاشي أصحمة»، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط. فأنزل الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ … } الآية (1).
والمقصود أن الأقسام الأربعة قد ذكرها الله تعالى في كتابه، وبيَّن أحكامها في الدنيا وأحكامها في (2) الآخرة، وقد تبين أن أحد الأقسام من آمن ظاهرًا وكفر باطنًا، وأنهم نوعان: رؤساؤهم وساداتهم، وأتباعهم ومقلدوهم، وعلى هذا فأصحاب المَثَل الأول النَّاري شرٌّ من أصحاب المثل الثاني المائي؛ كما يدل السياق عليه، وقد يقال ـ وهو أولى ـ إن المثلين لسائر النوع، وإنهم قد جمعوا بين مقتضى المثل الأول من الإنكار بعد الإقرار، والحصول في الظلمات بعد النور، وبين مقتضى المثل الثاني من ضعف البصيرة في القرآن، وسد الآذان عند سماعه والإعراض عنه، فإن المنافقين فيهم هذا وهذا، وقد يكون الغالب على فريق منهم المثل الأول، وعلى فريق المثل الثاني.
_________
(1) أخرجه الطبري (7/ 496) (8376) وفيه أبو بكر الهذلي، أخباري متروك الحديث، قال الطبري: ذلك خبر في إسناده نظر.
(2) قوله: «الدنيا وأحكامها في» سقط من (ظ).
(الكتاب/61)
فصل
وقد اشتمل هذان المثلان على حِكَمٍ عظيمة:
منها: أن المستضيء [ظ/ق 11 أ] بالنار مستضيء بنور من جهة غيره لا من قِبَلِ نفسه، فإذا ذهبت تلك النار بقي في ظلمة، وهكذا المنافق لمَّا أقر بلسانه من غير اعتقادٍ ومحبةٍ بقلبه وتصديق جازم كان ما معه من النور كالمستعار.
ومنها: أن ضياء النار يحتاج في دوامه إلى مادة تحمله، وتلك المادة للضياء بمنزلة غذاء الحيوان؛ فكذلك نور الإيمان يحتاج إلى مادة من العلم النافع والعمل الصالح يقوم (1) به ويدوم بدوامها، فإذا ذهبت مادة الإيمان طفئ، كما تطفأ النار بفراغ مادتها.
ومنها: أن الظلمة نوعان: ظلمة مستمرة لم يتقدمها نور، وظلمة حادثة بعد النور، وهي أشد الظلمتين وأشقُّهما على من كانت حظّه. وظلمة المنافق ظلمة بعد إضاءة، فمُثِّلت حاله بحال المستوقد للنار (2) الذي حصل في الظلمة بعد الضوء، وأما (3) الكافر (4) فهو في الظلمات
_________
(1) كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب «تقوم».
(2) في (أ، ت): «النار».
(3) في (ظ): «فأما».
(4) قوله: «الذي حصل في الظلمة بعد الضوء، وأما الكافر» سقط من (ت).
(الكتاب/62)
لم يخرج منها قط.
ومنها: أن [ب/ق 13 أ] في هذا المثل إيذانًا وتنبيهًا على حالهم في الآخرة، وأنهم يعطون نورًا ظاهرًا كما كان نورهم في الدنيا ظاهرًا، ثم يطفأ ذلك النور أحوج ما يكونون (1) إليه، إذ لم تكن له مادة باقية تحمله ويبقون في الظلمة على الجسر (2) لا يستطيعون العبور، فإنه لا يمكن أحدًا عبوره إلا بنورٍ ثابت يصحبه حتى يقطع الجسر فإن لم يكن لذلك النور مادة من العلم النافع والعمل الصالح وإلا (3) ذهب الله تعالى به أحوج ما كان (4) إليه صاحبه، فطابق مَثَلهم في الدنيا بحالهم (5) التي هم عليها في هذه الدار، وبحالهم يوم القيامة عندما تُقْسم الأنوار دون الجسر، ويثبت نور المؤمنين ويطفأ نور المنافقين.
ومن هاهنا تعلم السِّرَّ في قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة/17]، ولم يقل: أذهب الله نورهم، فإن أردت زيادة بيان وإيضاح فتأمل ما رواه
_________
(1) في (ظ): «يكون» وهو خطأ. وفي (أ، ت): «يكونوا».
(2) في (ب): «ويبقوا على الجسر في الظلمة»، والصواب ما أثبتُّه.
(3) كذا في جميع النسخ! ولا يستقيم المعنى إلا بحذفها، وهو استعمال عامِّي ملحون في زمن المؤلف، وله أمثلة كثيرة في كتب المؤلف وشيخه وغيرهما. انظر طريق الهجرتين (1/ 44 – 45) مع تعليق محققه عليه.
(4) في نسخةٍ على حاشية (ت): «يكون».
(5) في (ب): «بحالتهم».
(الكتاب/63)
مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ــ وقد سُئل عن الورود ــ فقال: نجيء نحن يوم القيامة على تلٍّ (1) فوق الناس قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا تبارك وتعالى بعد ذلك، فيقول من تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون حتى ننظر إليك، فيتجلَّى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورًا، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله تعالى، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفًا لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله [ظ/ق 11 ب]، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيُجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشُّون عليهم الماء (2)، وذكر باقي الحديث.
فتأمَّل قوله: «فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم نورًا المنافق والمؤمن»، ثم تأمَّل قوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ}.
وتأمل حالهم إذا طفئتْ أنوارهم فبقوا في الظلمة، وقد ذهب
_________
(1) قوله: «على تلٍّ» ليس عند مسلم، وفي المسند (14721): «على كومٍ».
(2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (191).
(الكتاب/64)
المؤمنون في نور إيمانهم يتبعون ربهم عزوجل.
وتأمل قوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث الشفاعة: «لِتَتْبع كل أُمة ما كانت تعبد» (1) فيتبع كل (2) مشرك إلهه الذي [ب/ق 13 ب] كان يعبده، والموحد حقيق بأن يتبع إلهه (3) الإله الحق، الذي كل معبود سواه باطل.
وتأمل قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم/42]، وذِكْرَ هذه
الآية في حديث الشفاعة في هذا الموضع، وقوله في الحديث: «فيكشف عن ساقه» (4). وهذه الإضافة تُبيِّن المراد بالساق المذكورة
في الآية.
وتأمل ذكر الانطلاق واتباعه سبحانه بعد هذا وذلك؛ يفتح لك بابًا من أسرار التوحيد وفهم القرآن، ومعاملة الله سبحانه وتعالى لأهل توحيده الذين عبدوه وحدهم ولم يشركوا به شيئاً، هذه المعاملة التي
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (183) من حديث أبي سعيد الخدري.
(2) قوله: «فيتبع كل» سقط من (ب).
(3) من (ظ) فقط.
(4) أخرجه البخاري في صحيحه في (68) التفسير، (394) باب: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم/ 42] (4/ 1871) (4635).
وفي «التوحيد» (100) باب (24) قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/ 22، 23] (6/ 2706) (7001) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لكن ليس في هذا ذكر الآية.
(الكتاب/65)
عامل بمقابلها أهل الشرك، حيث ذهبت كل أمة مع معبودها؛ فانطلق بها واتبعته إلى النار، وانطلق المعبود الحق واتبعه أولياؤه وعابدوه، فسبحان الله رب العالمين الذي قرَّت عيون أهل التوحيد به في الدنيا والآخرة، وفارقوا الناس فيه (1) أحوج ما كانوا إليهم.
ومنها: أن المثل الأول متضمن لحصول الظلمة التي هي: الضلال والحيرة التي ضدّها الهدى، والمثل الثاني متضمن لحصول الخوف الذي ضدّه الأمن، فلا هدى ولا أمن: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام/82]، قال ابن عباس (2) وغيره (3) من السلف: «مثل هؤلاء في نفاقهم، كمثل رجل أوقد نارًا في ليلةٍ مظلمةٍ في مفازة، فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف، فبينما (4) هو كذلك إذ طَفئت (5) ناره فبقي في ظلمة خائفًا متحيرًا، كذلك المنافقون بإهار كلمة الإيمان أمِنُوا على أموالهم وأولادهم،
_________
(1) سقط من (ظ).
(2) أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 321) (387 ـ شاكر)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 50) (158) وغيرهما وسنده حسن. وله طرق أخرى عن ابن عباس عند الطبري (386، 388).
(3) كابن مسعود «وفي ثبوته نظر»، وأبي العالية والضحاك وقتادة. انظر: تفسير الطبري (1/ 322، 323).
(4) في (أ، ت): «فبينا».
(5) في (ظ): «أُطفئت».
(الكتاب/66)
وناكحوا المؤمنين ووارثوهم، وقاسموهم الغنائم، فذلك نورهم فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف».
قال مجاهد: «إضاءة النار لهم إقبالهم على المسلمين (1) والهدى، وذهاب نورهم إقبالهم إلى المشركين والضلالة» (2).
وقد فُسِّرت تلك الإضافة وذهاب النور بأنها في الدنيا. وفُسِّرت بالبرزخ. وفُسِّرت بيوم القيامة. والصواب أنَّ ذلك شأنهم في الدور الثلاثة، فإنهم لمَّا كانوا كذلك في الدنيا جُوزوا [ظ/ق 12 أ] في البرزخ وفي القيامة بمثل حالهم، {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ/26] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت/46]، فإن المعاد يعود على العبد فيه ما كان حاصلًا له في الدنيا، ولهذا يُسمى يوم الجزاء، {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي [ب/ق 14 أ] الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الإسراء/72]، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} الآية [مريم/76].
ومن كان مستوحشًا مع الله بمعصيته إياه في هذه الدار فوحشته معه في البرزخ، ويوم المعاد أعظم وأشد. ومن قَرَّتْ عينه به في الحياة
_________
(1) عند الطبري: «المؤمنين».
(2) أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 323، 324) (393، 394، 395)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 51) (161) وغيرهما. وهو ثابت عنه.
(الكتاب/67)
الدنيا قرت عينه به يوم لقائه (1) عند الموت ويوم البعث. فيموت العبد على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه، ويعود عليه عمله بعينه فينعم به ظاهرًا وباطنًا، أو يعذب به ظاهرًا وباطنًا، فيعود عليه حكم العمل الصالح باطنًا فيورثه من الفرحة والسرور واللذة والبهجة (2) والنعيم وقوة القلب واستبشاره وحياته وانشراحه واغتباطه= ما هو أفضل النعيم وأجلّه وأطيبه وألذه، وهل النعيم إلا طيب النفس وفرحة القلب وسروره وانشراحه واستبشاره. هذا وينشأ له من أعماله ما تشتهيه نفسه وتلذه عينه من سائر المشتهيات التي تشتهيها الأنفس وتلذها الأعين، ويكون تنوع تلك المشتهيات وكمالها وبلوغها مرتبة الحسن والموافقة بحسب كمال عمله ومتابعته فيه وإخلاصه وبلوغه مرتبة الإحسان فيه، وبحسب تنوعه، فمن تنوعت أعماله المرضية لله المحبوبة له في هذه الدار تنوعت الأقسام التي يلتذُّ (3) بها في تلك الدار، وتكثرت له بحسب تكثر (4) أعماله هنا، وكان مزيده بتنوعها والابتهاج بها والالتذاذ بنيلها هناك على حسب مزيده من الأعمال وتنوعه فيها في هذه الدار.
_________
(1) في (أ، ب، ت): «القيامة».
(2) في (مط): زيادة جملة وهي: «وقُرَّة العين».
(3) في (ب): «يلتزم».
(4) في (ظ): «تكثير».
(الكتاب/68)
وقد جعل الله سبحانه لكل عمل من الأعمال المحبوبة له والمسخوطة أثرًا وجزاء ولذة وألمًا يخصه، لا يشبه (1) أثر الآخر وجزاؤه، ولهذا تنوعت لَذَّات أهل الجنة وآلام أهل النار، وتنوع ما فيهما من الطيبات والعقوبات، فليست لذة من ضَرَبَ في كل مرضاةٍ لله (2) بسهم وأخذ (3) منها بنصيب كَلَذَّة من أنمى سهمه ونصيبه في نوعٍ واحدٍ منها، ولا ألمُ من ضرَب في كل مسخوط لله بنصيب وعقوبته كألم من ضرب بسهمٍ واحدٍ من مساخطه.
وقد أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أن كمال ما يُستمتع به من الطيبات في الآخرة بحسب كمال ما قابله من الأعمال في الدنيا، فرأى قنوًا من حشف معلقًا في المسجد للصدقة، فقال: «إن صاحب هذا يأكل الحشف يوم القيامة» (4)، فأخبر أن جزاءه [ظ/ق 12 ب] يكون من جنس
_________
(1) في (أ، ب): «لا يشبهه».
(2) في (ظ): «مرضاةِ اللّهِ للّه»، وفي (أ): «مرضاةِ لله»، وفي (ت): «مرضاةٍ بسهم».
(3) في (أ، ظ): «واحدٍ».
(4) أخرجه أبو داود (1608)، وابن ماجه (1821)، والنسائي (2493)، وأحمد (39/ 398، 426) رقم (23976، 23998)، وابن خزيمة (2467)، وابن حبان (6774)، والحاكم (4/ 472) (8310) وغيرهم من طريق صالح بن أبي عريب عن كثير بن مُرَّة عن عوف بن مالك فذكره مطولًا.
قلت: صالح بن أبي عريب، روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان: «لا يُعرف له حال، ولا يُعرف»، وقال ابن حجر: «مقبول». … =
= … لكن صحَّح حديثه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ولم يتعقَّبه الذهبي. انظر: تهذيب الكمال (13/ 73) مع الحاشية.
(الكتاب/69)
عمله، فيجزى على تلك [ب/ق 14 ب] الصدقة بحشف من جنسها.
وهذا الباب يفتح لك أبوابًا عظيمة من فهم المعاد، وتفاوت الناس في أحواله، وما يجري فيه من الأمور المتنوعة:
فمنها: خِفَّة حمل العبد على ظهره وثقله إذا قام من قبره، فإنه بحسب خِفَّة وزره وثقله، إنْ خفَّ خف، وإن ثقلَ ثقل.
ومنها: استظلاله بظل العرش، أو ضحاؤه للحرِّ (1) والشمس، إن كان له من الأعمال الصالحة الخالصة والإيمان ما يظله في هذه (2) الدار من حرِّ الشرك والمعاصي والظلم استظل هناك في ظل أعماله تحت عرش الرحمن، وإن كان ضاحيًا هنا للمناهي (3) والمخالفات والبدع والفجور ضَحَى هناك للحرِّ الشديد.
ومنها: طول وقوفه في الموقف ومشقَّته عليه وتهوينه؛ إن طال وقوفه في الصلاة ليلًا ونهارًا لله، وتحمَّل لأجله المشاق في مرضاته وطاعته= خفَّ عليه الوقوف ذلك اليوم وسهل عليه، وإن آثر الراحة (4)
_________
(1) في (ب): «الحرّ».
(2) في (ب): «زهرة».
(3) في (مط): «للمعاصي».
(4) قوله: «الوقوف ذلك اليوم، وسهل عليه، وإن آثر الراحة» سقط من (ب).
(الكتاب/70)
هنا والدَّعة والبطالة والنعمة طال عليه الوقوف هناك ذلك اليوم (1)، واشتدت مشقته عليه.
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان/23 ـ 27]، فمن سَبَّح الله ليلاً طويلاً لم يكن ذلك اليوم ثقيلاً عليه، بل كان أخف شيء عليه.
ومنها: أن ثقل ميزانه هناك بحسب تحمل ثقل الحق في هذه الدار؛ لا بحسب مجرد كثرة (2) الأعمال، وإنما يثقل الميزان باتباع الحق والصبر عليه، وبذله إذا سُئل وأخذه (3) إذا بُذل، كما قال الصديق رضي الله عنه في وصيته لعمر: «واعلم أن لله حقًّا بالليل لا يقبله بالنهار، وله حق بالنهار لا يقبله بالليل، واعلم أنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم (4) الحق، وثقل ذلك عليهم في دار الدنيا، وحُقَّ لميزانٍ يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلًا. وإنما خفَّت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في دار الدنيا وخفَّته عليهم، وحُقَّ لميزان يوضع فيه
_________
(1) قوله: «ذلك اليوم» من (ظ) فقط.
(2) سقط من (ظ).
(3) علَّق ناسخ (ب) عليه بقوله: «كذا».
(4) في (أ): «إلا باتباعهم».
(الكتاب/71)
الباطل أن يكون خفيفًا … » (1).
ومنها: أن ورود الناس الحوض وشربهم منه يوم العطش الأكبر [ب/ق 15 أ] بحسب ورودهم سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وشربهم منها، فمن [ظ/ق 13 أ] وردها في هذه الدار وشرب منها وتضلَّع وَرَدَ هناك حوضه وشرب منه وتضلَّع، فَلَهُ – صلى الله عليه وسلم – حوضان عظيمان، حوض في الدنيا وهو: سُنَّته وما جاء به، وحوض في الآخرة، فالشاربون من هذا الحوض في الدنيا هم الشاربون من حوضه يوم القيامة، فشارب ومحروم، ومستقل ومستكثر، والذين يذودونهم (2) هو والملائكة عن حوضه يوم القيامة هم الذين كانوا يذودون أنفسهم وأتباعهم عن سنته ويؤثرون عليها غيرها، فمن ظمِئ من سنته في هذه الدنيا ولم يكن له منها شِرْبٌ فهو في الآخرة أشدُّ ظمأً وأحرُّ كبدًا، وإن الرجل ليلقى الرجل فيقول: يا فلان أشربت؟ فيقول: نعم والله، فيقول: لكني والله ما شربت، واعطشاه!.
_________
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (5/ 134 ـ التفسير) وابن أبي شيبة في مصنفه (20/ 584، 585) رقم (38211)، والربعي في الوصايا (ص/39، 40)، وابن عساكر في تاريخه (3/ 414)، والخلال في السنة (345)، وأبو داود في الزهد (28) وغيرهم، من طريق ابن أبي نجيح وعبد الرحمن بن سابط وزبيد اليامي وأبي المليح عن أبي بكر الصديق فذكره.
وكلها منقطعة، لم يسمعوا من أبي بكر الصديق.
(2) في (ظ): «يذودونهم»، والصواب المثبت.
(الكتاب/72)
فَرِدْ أيها الظمآن والورد ممكن … فإن لم ترد فاعلم بأنك هالكُ
وإن لم يكن رضوان يسقيك شربة … سيسقيكها إذ أنت ظمآن مالكُ (1)
وإن لم ترد في هذه الدار حوضه … ستصرف عنه يوم يلقاك آنُكُ (2)
ومنها: قسمة الأنوار في الظلمة دون الجسر، فإن العبد يُعطى من النور هناك بحسب قوة نور إيمانه ويقينه، وإخلاصه ومتابعته للرسول – صلى الله عليه وسلم – في دار الدنيا.
فمنهم: من يكون نوره كالشمس، ودون ذلك كالقمر، ودونه كأشد كوكب في السماء إضاءةً. ومنهم: من يكون نوره كالسراج في قوَّته وضعفه وما بين ذلك. ومنهم: من يُعطى نورًا على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفأ أُخرى، بحسب ما كان معه من نور الإيمان في دار الدنيا، فهو هذا النور بعينه أبرزه الله لعبده في الآخرة ظاهرًا يُرى عيانًا بالأبصار، ولا يستضيء به غيره، ولا يمشي أحد إلا في نور نفسه، إن كان له (3) نور مشى في نوره، وإن لم يكن له (4) نور أصلًا لم ينفعه نور غيره.
ولمَّا كان المنافق في الدنيا قد حصل له نور ظاهر غير مستمرٍّ ولا متصل بباطنه، ولا له مادة من الإيمان أُعطي في الآخرة [ب/ق 15 ب] نورًا
_________
(1) قوله: «إذ أنت ظمآن مالك» سقط من (ت).
(2) في (ب): «آفك» وهو خطأ، والأبيات من إنشاد المؤلف.
(3) سقط من (ب).
(4) سقط من (ب).
(الكتاب/73)
ظاهرًا لا مادة له، ثم يُطفَى عنه أحوج ما كان إليه.
ومنها: أن مَشْيهم على الصراط في السرعة والبطء بحسب سرعة (1) سيرهم وبطئه على صراط الله المستقيم في الدنيا، فأسرعهم سيرًا هنا أسرعهم هناك، وأبطؤهم هنا أبطؤهم هناك.
وأشدهم ثباتًا على الصراط المستقيم هنا (2) أثبتهم هناك، ومن خطفته (3) كلاليب الشهوات والشبهات [ظ/ق 13 ب] والبدع المضلة هنا خطفته الكلاليب التي كأنها شوك السعدان هناك، ويكون تأثير الكلاليب فيه هناك على حسب تأثير كلاليب الشهوات والشبهات (4) والبدع فيه هاهنا، فناجٍ مسلَّم، ومخدوش مسلَّم، ومخزول (5) ـ أي: مقطَّع بالكلاليب ـ مكردس في النار كما أثرت فيهم تلك الكلاليب في الدنيا، جَزَاءً وِفَاقًا (6) وما ربك بظلام للعبيد (7).
_________
(1) ليس في (ب).
(2) ليس في (ب).
(3) في (ب): «حفظته»، وهو خطأ.
(4) سقط من (ب، ظ).
(5) في (أ): «مخردل».
(6) يُشير إلى قوله تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ/ 26].
(7) يُشير إلى قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت/ 46].
(الكتاب/74)
والمقصود أن الله تبارك وتعالى ضرب لعباده المَثَلين (1) المائي والناري في سورة البقرة وفي سورة الرعد وفي سورة النور لِمَا تضمن المثلان من الحياة والإضاءة، فالمؤمن حي القلب مستنيره، والكافر والمنافق ميت القلب مظلمه، قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام/ 122].
وقال: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر/19 ـ 22] فجعل من اهتدى بهداه واستنار بنوره بصيرًا حيًّا في ظلٍّ يقيه من حرِّ الشبهات، والضلال والبدع والشرك مستنيرًا بنوره، والآخر أعمى ميتًا في حرِّ الكفر والشرك والضلال منغمسًا في الظلمات.
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى/52].
وقد اختُلِف في مُفسِّر الضمير من قوله: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا}:
_________
(1) في (ب): «المسلمين»، وهو خطأ.
(الكتاب/75)
فقيل: هو الإيمان (1) لكونه أقرب المذكورين.
وقيل: هو الكتاب (2) فإنه النور الذي هدى به عباده.
قال شيخنا: والصواب أنه عائد على الروح المذكور في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا} [الشورى/ 52] أي: جعلنا ذلك الروح نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا، فسمَّى وحيه روحًا لِمَا يحصل به من حياة القلوب والأرواح، التي هي الحياة في الحقيقة، ومن عدمها فهو ميت لا حي، والحياة [ب/ق 16 أ] الأبدية السرمدية في دار النعيم هي ثمرة حياة القلب بهذا الروح الذي أُوحي (3) إلى رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فمن لم يَحْيَ به في الدنيا فهو ممن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا، وأعظم الناس حياة في الدور الثلاث: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار الجزاء= أعظمهم نصيبًا من هذه الحياة بهذا الروح.
وسمَّاه روحًا في غير موضع من القرآن، كقوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} [غافر/ 15]، وقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ
_________
(1) قوله: «من قوله: «ولكن جعلناه نورًا»، فقيل: هو الإيمان» سقط من (ت).
(2) قوله: «لكونه أقرب المذكورين. وقيل: هو الكتاب» سقط من (ت).
(3) في (أ، ت): «أوحاه».
(الكتاب/76)
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ (1) أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل/ 2].
وسمَّاه نورًا لما يحصل به من استنارة القلوب وإضاءتها [ظ/ق 14 أ]، وكمال الروح بهاتين الصفتين: بالحياة والنور، ولا سبيل إليهما إلا على أيدي الرسل صلوات الله وسلامه عليهم والاهتداء بما بُعثوا به، وتلقي العلم النافع والعمل الصالح من مِشْكاتهم، وإلا فالروح ميتة مظلمة. فإن (2) كان العبد مشارًا إليه بالزهد والفقه والفضيلة والكلام والبحوث؛ فإن الحياة والاستنارة بالروح الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – وجعله نورًا يهدي به من يشاء من عباده وراء ذلك كله، فليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام؛ ولكن نور يميِّز به صحيح الأقوال من سقيمها، وحقَّها من باطلها، وما هو من مشكاة النبوة مما هو من آراء الرجال، ويميِّز النقد الذي عليه سكة المدينة النبوية الذي لا يقبل الله عز وجل ثمنًا لجنته سواه من النقد الذي عليه سكَّة (3) جنكيز خان ونوابه من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة. وكل من اتخذ لنفسه سكَّة وضربًا ونقدًا يروِّجه بين العالم فهذه الأثمان كلها زيوف، لا يقبل الله سبحانه وتعالى في ثمن جنته شيئًا منها، بل تُردُّ على عاملها أحوج ما يكون إليها، وتكون من الأعمال التي قَدِمَ الله
_________
(1) من قوله: «لينذر يوم التلاق» إلى هُنا سقط من (ب).
(2) في (أ، ت، ظ): «وإن».
(3) في (أ، ت): «الذي سكة»، وسقط من (ب): «سكة».
(الكتاب/77)
تعالى إليها (1) فجعلها هباءً منثورًا (2)، ولصاحبها نصيب وافر من قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف/ 103، 104].
وهذا حال أرباب الأعمال التي كانت لغير الله عز وجل، أو على غير سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وحال أرباب العلوم والأنظار التي لم يتلقوها عن مشكاة النبوة، ولكن تلقوها عن زبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم [ب/ق 16 ب] فأتعبوا (3) قواهم وأفكارهم وأذهانهم في تقرير آراء الرجال أو الانتصار لهم، وفَهْم ما قالوه وبثّه في المجالس والمحاضر، وأعرضوا عما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – صفحًا.
ومن به رمق منهم يعيره أدنى التفات طلبًا للفضيلة. وأما تجريد اتباعه وتحكيمه، واستفراغ (4) قوى النفس في طلبه وفهمه، وعرض آراء الرجال عليه، وردّ ما يخالفه (5) منها، وقبول ما وافقه ولا يلتفت إلى شيء من آرائهم وأقوالهم (6) إلا إذا أشرقت عليها شمس الوحي وشهد
_________
(1) في (ب): «عليها»، والمثبت أولى.
(2) يُشير إلى قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان/ 23].
(3) في (ب، ت): «فأتبعوا»، وهو خطأ.
(4) في (مط): «وتفريغ».
(5) في (أ، ت): «خالفه».
(6) من قوله: «ورد ما يخالفه» إلى هنا سقط من (ب).
(الكتاب/78)
لها بالصحة= فهذا أمر لا تكاد ترى أحدًا منهم يحدث به نفسه، فَضْلًا عن أن يكون آخيته ومطلوبه، وهذا الذي لا ينجي سواه، فوارحمتا لعبدٍ شقِيَ في طلب العلم، واستفرغ فيه قواه، واستنفد فيه أوقاته وآثره على ما الناس فيه، والطريق بينه وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مسدود، وقلبه عن المرسل سبحانه وتعالى وتوحيده والإنابة إليه والتوكل عليه والتنعم بحبِّه والسرور بقربه مطرود ومصدود. قد طاف عمره كله على أبواب المذاهب، فلم يفز إلا بأخسِّ المطالب! (1) ـ إن هي والله إلا فتنة أعْمَت القلوب عن مواقع رشدها، وحيَّرت العقول عن طرق قصدها. تربَّى فيه الصغير، وهرم عليه الكبير، فظنت (2) خفافيش الأبصار أنها الغاية التي تسابق إليها المتسابقون، والنهاية [ظ/ق 14 ب] التي تنافس فيها المتنافسون، وهيهات! أين الظلام من الضياء! وأين الثرى من كواكب (3) الجوزاء! وأين الحرور من الظلال! وأين طريقة أصحاب اليمين من طريقة أهل (4) الشمال! وأين القول الذي لم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم من النقل المصدق عن القائل المعصوم! وأين العِلْم الذي سَنَدُه محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – عن جبرائيل – عليه السلام – عن رب العالمين
_________
(1) في (أ، ت): «المطالب! سبحان الله» وحذفها أولى.
(2) من (مط، ع)، وفي (أ، ب، ت، ظ): «وظنت».
(3) في (أ، ت): «الكواكب»، وهو خطأ.
(4) في (مط، ع): «أصحاب».
(الكتاب/79)
سبحانه وتعالى إلى (1) الخرص الذي سنده شيوخ أهل (2)
الضلال من الجهمية والمعتزلة وفلاسفة المشَّائين! بل أين الآراء التي أعلى درجاتها أن تكون عند الضرورة سائغة الاتِّباع إلى النصوص النبوية الواجب على كل مسلم تحكيمها والتحاكم إليها في موارد النزاع! وأين الآراء التي نَهَى قائلها عن تقليده فيها وحذَّر إلى النصوص التي فُرِض على كل عبدٍ أن يهتدي بها ويتبصَّر!
وأين الأقوال والآراء التي إذا مات أنصارها والقائمون بها فهي من جملة الأموات [ب/ق 17 أ] إلى النصوص التي لا تزول إلا إذا زالت الأرض والسماوات!
لقد استبان ـ والله ـ الصبح لمن له عينان ناظرتان، وتبين الرشد من الغي لمن له أُذنان واعيتان، لكن عَصَفت على القلوب أهوية البدع والشبهات والآراء المختلفات، فأطفأت مصابيحها. وتحكَّمت فيها أيدي الشهوات، فأغلقت أبواب رشدها، وأضاعت مفاتيحها. وران عليها كسبها وتقليدها لآراء الرجال فلم تجد حقائق القرآن والسنة فيها منفذًا. وتمكَّنت فيها أسقام (3) الجهل والتخبيط (4)؛ فلم تنتفع معها بصالح الغذاء. واعجبا! جعلت غذاءها من هذه الآراء التي لا تسمن ولا
_________
(1) في (مط): «من» والمثبت أولى.
(2) من (أ) فقط ..
(3) في (ت): «منها أقسام»، وهو خطأ.
(4) في (مط): «والتخليط».
(الكتاب/80)
تغني من جوع، ولم تقبل الاغتذاء بكلام الله تعالى ونص نبيِّه المرفوع. واعجبا لها! كيف اهتدت في ظُلَم الآراء إلى التمييز بين الخطأ منها (1) والصواب، وعجزت عن الاهتداء بمطالع الأنوار ومشارقها من السنة والكتاب، فأقرَّتْ بالعجز عن تلقي الهدى والعلم من مشكاة السنة والقرآن، ثم تلقته من رأي فلان ورأي فلان!
فسبحان (2) الله! ماذا حُرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس الهدى من مشكاتها من الكنوز والذخائر، وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر! قنعوا بأقوالٍ استنبطتها معاول الآراء فكرًا (3)، وتقطَّعوا أمرهم بينهم لأجلها زُبرًا، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا، فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورًا.
درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، ووقعت أعلامه بين (4) أيديهم فليسوا يرفعونها، وأفلت كواكبه من آفاقهم فليسوا يبصرونها، وكسفت (5) شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وعقدها فليسوا [ظ/ ق 15 أ] يثبتونها.
خلعوا نصوص الوحي عن سلطان الحقيقة، وعزلوها عن ولاية
_________
(1) في (ب): «فيها» والمثبت أولى.
(2) في (أ، ت، ظ): «سبحان».
(3) ليس في (ب).
(4) في (ظ): «من».
(5) في (أ، ع): «وخسفت».
(الكتاب/81)
اليقين، وشنُّوا عليها غارات التحريف بالتأويلات الباطلات (1)؛ فلا يزال يخرج عليها من جيوشهم المخذولة كَمِين بعد كمين. نزلت عليهم نزول الضيف على أقوام لئام، فعاملوها (2) بغير ما يليق بها من الإجلال والإكرام. وتلقوها من بعيد ولكن بالدفع في صدورها والأعجاز، وقالوا: ما لَكَ عندنا من عبور، وإن كان [ب/ ق 17 ب] لا بد فعلى سبيل المجاز! أنزلوا النصوص منزلةَ الخليفة العاجز في هذه الأزمان، له السكة والخطبة وما له حكم نافذ ولا سلطان. حُرِموا والله الوصول بخروجهم عن منهج الوحي وتضييع الأصول، تمسَّكوا بأعجازٍ لا صدور لها فخانتهم أحرص ما كانوا عليها، وتقطعت بهم أسبابها (3) أحوج ما كانوا إليها، حتى إذا بُعثر ما في القبور، وحصِّل ما في الصدور تميز (4) لكل قوم حاصلهم الذي حَصَّلوه، وانكشفت (5) لهم حقيقة ما اعتقدوه، وقَدِموا على ما قدَّموه، { … وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر/ 47]، وسقط في أيديهم عند الحصاد لما (6) عاينوا غلة
_________
(1) في (مط): «الباطلة».
(2) في (أ، ت، ع): «فقابلوها»، والمثبت أولى.
(3) في (مط): «أسبابهم».
(4) في (ب، ت): «وتميز» وزيادة الواو خطأ.
(5) في (أ، ت)، «وانكشف».
(6) في (ت): «ما».
(الكتاب/82)
ما بذروه، فيا شِدة الحسرة عندما يعاين (1) المبطل سعيه وكده هباءً منثورًا، ويا عظم المصيبة عندما تتبين بوارق آماله وأمانيه خُلَّبًا غرورًا!
فما ظن من انطوت سريرته على البدعة والهوى والتعصب للآراء بربه سبحانه وتعالى يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِر (2)؟ وما عذر مَن نبَذ كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وراء ظهره في يوم لا ينفع فيه (3) الظالمين المعاذر (4)؟ أفيظن (5) المُعرِض عن كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن ينجو غدًا بآراء الرجال، أو (6) يتخلَّص من مطالبة الله تعالى له بكثرة البحوث والجدال، أو ضروب الأقيسة وتنوع الأشكال، أو بالشطحات (7) والإشارات وأنواع الخيال؟ هيهات! والله لقد ظن أكذب الظن، ومنَّته نفسه أبين المحال، وإنما ضمِنت النجاة لمن حكَّم هدى الله تعالى على غيره، وتزود التقوى، وأتمَّ بالدليل وسلك الصراط المستقيم، واستمسك من التوحيد واتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والله سميع عليم.
_________
(1) من قوله: «الحصاد لما عاينوا» إلى هنا سقط من (ب).
(2) يُشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق/ 9].
(3) من (ظ) فقط.
(4) يُشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر/52].
(5) في (أ، ت): «فيظن»، وهو خطأ.
(6) من (أ، ت).
(7) في (ع، أ، ت): «بالشبهات».
(الكتاب/83)
فصل
وملاك النجاة والسعادة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتب (1) الله تعالى، وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رُسُلَه (2) عليهم الصلاة والسلام وإليهما رغَّب (3) الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كلهم (4)، من أولهم إلى آخرهم.
أحدهما: التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى، وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل، وتنزيهه عن صفات النقص.
والتوحيد الثاني: عبادته وحده لا شريك له، وتجريد محبته والإخلاص له وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه والرضى به ربًّا وإلاهًا ووليًّا، وأن لا يجعل له عدلًا في شيء [ب/ق 18 أ] من الأشياء.
وقد جمع سبحانه وتعالى هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص وهما: سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} المتضمنة للتوحيد العملي الإرادي، وسورة [ظ/ق 15 ب] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} المتضمنة
_________
(1) في (مط): «كتاب».
(2) في (مط): «رسوله صلى الله عليه وسلم».
(3) في (ت، ع، مط): «دعَتْ».
(4) ليس في (ب).
(الكتاب/84)
للتوحيد الخبري العلمي (1).
فسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيها بيان ما يجب لله تعالى من صفات الكمال، وبيان ما يجب تنزيهه من النقائص والأمثال. وسورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فيها إيجاب عبادته وحده (2)، والتَّبري من عبادة كل ما سواه.
ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر، ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ بهاتين السورتين في سنة الفجر (3) والوتر (4)، اللتين هما فاتحة العمل
_________
(1) كذا في جميع النسخ، وفي (مط): «العلمي الخبري»، وهو أولى.
(2) زاد في (مط): «لا شريك له».
(3) أخرجه مسلم في صحيحه (726) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) أخرجه الترمذي (462) والنسائي (1702) وابن ماجه (1172) وأحمد (4/ 452، 457) (2720، 2725، 2726) من طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الوتر بثلاث مرفوعًا، وقد اختلف في رفعه ووقفه انظر: المصنف (6949، 6950)، والنسائي (1703).
قال الدارقطني في العلل (13/ 26): «ويُقال: إن أبا إسحاق لم يسمعه من سعيد، وإنما أخذه عن مخوّل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير» اهـ.
ونقل الحافظ في التخليص عن العقيلي أنه قال: حديث ابن عباس وأُبيّ بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح. اهـ.
لكن قال العقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 125): « … وحديث ابن عباس صالح الإسناد» اهـ. … =
= … قلت: وقد ورد من حديث أُبي بن كعب وعمران بن حصين وعائشة.
فأما حديث أُبي بن كعب فالصواب فيه أنه من مسند عبد الرحمن بن أبزى، وهو حديث ثابت فيه ألفاظ معلولة.
وأما حديث عمران فهو خطأ ووهم، وكذلك حديث عائشة طرقة معلولة.
قال العقيلي في الضعفاء (2/ 125) بعد أن أعلّ حديث عائشة: «وقد روي عن ابن عباس وأبي بن كعب ـ فذكره ـ وإسنادهما أصلح من هذين، على أن في حديث أُبيّ بن كعب اختلاف، وحديث ابن عباس صالح الإسناد» اهـ.
وقال أيضًا (3/ 12) ـ بعد أن أعلَّ حديث عائشة ـ: «والرواية عن أُبيِّ بن كعب وابن عباس في الوتر أصح من هذه الرواية وأولى» اهـ.
(الكتاب/85)
وخاتمته، ليكون مبدأ النهار توحيدًا وخاتمته توحيدًا.
فالتوحيد العلمي الخبري له ضدَّان: التعطيل والتشبيه والتمثيل. فمن نفى صفات الرب عز وجل وعطلها كذَّب تعطيلُه توحيدَه، ومن شَبَّهه بخلقه ومَثَّلَهُ بهم كذَّب تشبيهُه وتمثيلُه توحيده.
والتوحيد الإرادي العملي له ضدَّان أيضًا (1): الإعراض عن محبته والإنابة إليه والتوكل عليه، أو الإشراك به في ذلك، واتخاذ أولياء وشفعاء من دونه.
وقد جمع سبحانه وتعالى بين التوحيدين (2) في غير موضع من
_________
(1) ليس في (أ، ت).
(2) في (ظ): «التوحيد»، وهو خطأ.
(الكتاب/86)
القرآن: فمنها: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة/21، 22].
ومنها: قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر/ 61 ـ 65].
ومنها: قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ [ب/ق 18 ب] وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [السجدة/4 ـ 6].
(الكتاب/87)
وتأمل ما في هذه الآيات من الرد على طوائف المعطلين والمشركين، فقوله: { … خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ .. } يتضمن: إبطال قول الملاحدة القائلين بقِدَم العالم، وأنه لم يزل، وأن الله سبحانه لم يخلقه بقدرته ومشيئته. ومن أثبت منهم وجود الرب جعله لازمًا لذاته أزلًا (1) وأبدًا غير مخلوق، كما هو [ظ/ق 16 أ] قول ابن سينا والنصير الطوسي وأتباعهما من الملاحدة الجاحدين لِمَا اتَّفقت عليه الرسل عليهم الصلاة والسلام والكتب، وشهدت به العقول والفِطَر.
وقوله تعالى: { … ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ … } يتضمن: إبطال قول المعطلة والجهمية الذين يقولون: ليس على العرش شيء (2) سوى العدم، وإن الله ليس مستويًا على عرشه، ولا ترفع إليه الأيدي، ولا يصعد إليه الكلم الطيب، ولا رفع المسيح عليه الصلاة والسلام إليه، ولا عرج برسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – إليه، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا ينزل من عنده جبريل عليه الصلاة والسلام ولا غيره، ولا ينزل هو كل ليلة إلى السماء (3) الدنيا، ولا يخافه عباده من الملائكة وغيرهم من
_________
(1) في (ب): «أولًا»، وهو خطأ.
(2) من (أ، ت، ظ).
(3) في (أ، ب، ت، ع): «سماء».
(الكتاب/88)
فوقهم، ولا يراه المؤمنون في الدار الآخرة عيانًا بأبصارهم من فوقهم، ولا تجوز الإشارة إليه بالأصابع إلى فوق، كما أشار إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – في أعظم مجامعه في حجة الوداع إليه، وجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الناس ويقول: اللهم اشهد (1).
قال شيخ الإسلام (2): «وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعامة كلام الصحابة والتابعين، وكلام سائر الأئمة؛ مملوء بما هو نصٌّ أو ظاهر (3) في أن الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وأنه فوق العرش، فوق السماوات مستو على عرشه.
مثل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .. } الآية [فاطر/ 10].
وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران/ 55].
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1218) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مطوَّلًا في حجة الوداع.
وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (1654، 6667) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه مطوَّلًا.
(2) كما في مجموع الفتاوى (5/ 12، 13) نحوه.
(3) في الفتاوى: «مملوء بما هو إمَّا نصٌّ، وإما ظاهر».
(الكتاب/89)
وقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء/ 158].
وقوله تعالى: {ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/ 3، 54].
وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ [ب/ق 19 أ] ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة/5].
وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل/50].
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة/29].
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف/54].
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس/3]. فذكر التوحيدين في هذه الآية.
وقوله تعالى: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى
(الكتاب/90)
الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/4، 5].
وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان/58، 59].
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ [ظ/ق 16 ب] السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد/4]، فذكر عموم علمه (1) وعموم قدرته، وعموم إحاطته وعموم رؤيته.
وقوله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (2) [السجدة/4 ـ 6].
وقوله عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ
_________
(1) في (ت): «عمله» وهو خطأ.
(2) هذه الآيات من (ظ) فقط.
(الكتاب/91)
نَذِيرِ} [الملك/16، 17].
وقوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت/ 42].
وقوله عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى/1]، فالله عز وجل هو العلي الأعلى، علا كل شيء من كلِّ وجهٍ (1).
وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية/2].
وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا … } الآية [غافر/36، 37].
قال أبو الحسن الأشعري ــ وقد احتج بهذه الآية على الجهمية ــ: فأكذب (2) فرعون موسى عليه السلام في قوله: إن الله فوق السماوات» (3). وسيأتي إن شاء الله تعالى حكاية كلامه بحروفه (4).
_________
(1) هذه الآية وما بعدها إلى هنا من «ظ» فقط.
(2) في الإبانة (ص/85): «فكذَّب».
(3) في (ظ): « … موسى عليه السلام: إن الله فوق السماء»، ووقع في (ب): «نور» مكان: «فوق».
(4) في (ظ): «وسيأتي كلامه بحروفه».
(الكتاب/92)
وقال (1) الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ/23].
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف/84].
وقال الله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج/14، 15].
وقال: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر/12].
أقوال رسل الله والسفراء بينه وبين خلقه، وأعرف الخلق به، وأعظمهم تنزيهًا له:
وقد اتَّفقت كلهم من أولهم إلى آخرهم على: أنَّ الله فوق سماواته عالٍ على خلقه مستوٍ بذاته على عرشه.
قال الشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي: «وعُلُو الله على خلقه فوق سماواته في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل» اهـ.
قول آدم أبي البشر عليه السلام:
ذكر عكرمة ووهب عن ابن عباس قال: «أهبط الله آدم إلى الأرض،
_________
(1) من هنا يبدأ ما استدركته النسخة الظاهرية (ظ) على جميع النسخ الخطِّية، والمطبوعة.
(الكتاب/93)
وقال له: سأُبوِّئك بيتًا أخصُّه بكرامتي، وأدَّخره لنفسي، ولست أسكنه، وليس ينبغي له أن يسعني ولا يحملني، ولكن على كرسي الكبرياء والجبروت، وهو الذي يستقل بعزتي، وهو الذي وضعت عليه عظمتي وجلالي، وهناك استقر قراري وهو بعْدُ ضعيف عنِّي لولا قوَّتي» (1).
قول داود عليه السلام:
قال أحمد: ثنا سيَّار (2) ثنا جعفر قال: سمعت ثابتًا يقول: كان داود عليه السلام يُطيل الصلاة من الليل [ظ/ق 17 أ] فيركع الركعة، ثم يرفع رأسه فينظر إلى أديم السماء، ثم يقول: «إليك رفعت رأسي يا عامر السماء» (3).
وقال ابن منيع: حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا سيَّار (4) بن حاتم قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: ثنا ثابت قال: كان داود عليه السلام يُطيل الصلاة، ثم يركع، ثم يرفع رأسه، فيقول: «إليك رفعت رأسي يا عامر السماء، نظر العبيد إلى أربابها» (5).
_________
(1) لم أقف عليه عن ابن عباس.
وأخرجه الأزرقي في أخبار مكة (1/ 46، 48) عن وهب بن منبه مطولًا.
(2) في (ظ): «شيبان»، والتصويب من نسخةٍ على حاشية (ظ)، والزهد لأحمد.
(3) أخرجه أحمد في الزهد (453)، ومن طريقه: أبو نعيم في الحلية (2/ 327).
(4) في الأصل (ظ): «شيبان» وهو خطأ.
(5) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على الزهد (453)، وابن الجعد في مسنده =
= … (1432)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (669)، وابن عساكر في تاريخه (17/ 93)، والذهبي في العلو (125).
قال الذهبي: إسناده صالح. وصححه أيضًا الذهبي في العلو (311) والمؤلف كما سيأتي (ص/412) في أقوال الزهاد والصوفية.
(الكتاب/94)
قال أحمد: ثنا أبو عمر الضرير ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدليّ، قال: «ما رفع داود عليه السلام رأسه إلى السماء بعدما أصاب الخطيئة حتى مات» (1).
وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن سلمة ثنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدلي قال: «ما رفع داود عليه السلام رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حياءً من ربه عز وجل» (2).
قول إبراهيم الخليل عليه السلام:
قرأتُ بخطِّ الماوردي: «إن الله أوصى إلى خليله إبراهيم: أنا ذو الغنى عن جميع خلقي، أفيض برحمتي [على] من أشاء، وبيدي الفضل والجود والكرم، ورحمتي وسعت كل شيء علمًا، وأنا خلقت الغَيْرة، وأنا غيور، فاحذر أن أطّلع من فوق عرشي على قلبك فارًّا معرضًا عنِّي
_________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (32554، 35388): عن عفان، والثعلبي في تفسيره (8/ 197) من طريق: موسى بن إسماعيل كلاهما عن حماد بن سلمة به. وسنده صحيح.
(2) أخرجه الرافعي في التدوين في أخبار قزوين (2/ 61، 62).
(الكتاب/95)
مشغولًا بغيري؛ فأمحق اسمك من ديوان أهل محبَّتي. وكُنْ والِهًا بذكري، مشغولًا بجلالي، لا يخفى عليَّ شيء في الأرض ولا في السماء، الخفيّ عندي جهير».
قول يوسف عليه السلام:
قال وهب بن منبه: «قالت امرأة العزيز ليوسف: ادخل معي القَيْطون ـ يعني: السِّتْر ـ فقال: إن القيطون لا يسترني من ربي» (1).
قول موسى عليه السلام:
قال أحمد: ثنا عبد الرحمن عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار قال: قال موسى عليه السلام: «يا رب مَنْ أهلك الذين تظلُّهم في ظل عرشك؟ قال: هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم الذين يتحابُّون بجلالي، الذين إذا ذُكرتُ ذُكروا بي، وإذا ذُكِروا ذُكِرتُ بذكرهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، ويُنيبون إلى ذكري كما ينيب النسور إلى وكورها، ويكلفون بحبِّي كما يكلَف الصَّبيُّ بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استحلَّت كما يغضب النمر إذا حُرِّبَ (2)» (3).
_________
(1) أخرجه الخرائطي في «اعتلال القلوب» (ص/65).
(2) حُرِّب: من التَّحريب، وهو التحريش. انظر اللسان (1/ 304).
(3) أخرجه أحمد في الزهد (ص/119)، رقم (387). وسنده صحيح إلى عطاء.
(الكتاب/96)
قول نبينا محمد سيد الأولين والآخرين – صلى الله عليه وسلم – (1):
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «لمَّا خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي» (2).
وفي لفظٍ آخر: «كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي» (3).
وفي لفظ: «وهو وضْعٌ عنده على العرش» (4).
وفي لفظ: «هو مكتوب عنده فوق العرش» (5).
وهذه الألفاظ كلها في «صحيح البخاري» (6).
_________
(1) إلى هنا انتهى ما استدركته النسخة الظاهرية (ظ) على جميع النسخ: (أ، ب، ت، ع)، والمطبوعة (مط).
(2) أخرجه البخاري (3022)، ومسلم (2751) (14) واللفظ لمسلم.
(3) أخرجه مسلم (2751) (16).
(4) أخرجه البخاري (6969).
(5) أخرجه البخاري (7115).
(6) كذا في (ظ)، وجاء هذا الحديث في (أ، ب، ت، ع، مط) بعد حديث المعراج مباشرة.
(الكتاب/97)
وحديث المعراج (1) [ظ/ق 17 ب] «تجاوز النبي – صلى الله عليه وسلم – السماوات (2) سماءً سماءً، حتى انتهى إلى ربه تعالى فقرَّبه وأدناه، وفرض عليه [ب/ق 19 ب] الصلوات خمسين صلاة، فلم يزل يتردَّد بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى: ينزل من عند ربه تعالى إلى عند موسى فيسأله: كم فرض عليه فيخبره، فيقول: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف (3)» (4).
وفي «صحيح مسلم» عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخمس كلمات فقال «إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» (5).
وفي «مسند الحارث بن أبي أسامة»: من حديث أبي قُرَّة عن مالك
_________
(1) من (ظ) فقط «وحديث المعراج»، وجاء في (أ، ب، ت، ع، مط): «وأما الأحاديث: فمنها قصة المعراج، وهي متواترة، وتجاوز النبي – صلى الله عليه وسلم -»، ووقع في (أ، ت، ع): «فهي» بدل: «وهي».
(2) سقط من (ب).
(3) قوله: «فيسأله التخفيف» سقط من (ب).
(4) أخرجه البخاري (3035، 3674)، ومسلم (164) من حديث مالك بن صعصعة.
(5) أخرجه مسلم (179).
(الكتاب/98)
عن زياد بن سعد ثنا أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إذا كان يوم القيامة جُمِعت الأمم، ودُعِيَ كل أُناسٍ بإمامهم، فجئنا آخر الناس، فيقول قائل الناس: من هذه الأمة، ـ قال: ـ ويشرف إلينا الناس، فيقال: هذه الأُمَّة الأمينة، هذه أُمة محمد – صلى الله عليه وسلم -، وهذا محمد في أُمَّته، فينادي منادٍ: إنكم الآخرون الأوَّلون، قال: فنأتي فنتخطَّى رقاب الناس حتى نكون أقرب الناس إلى الله منزلة، ثم يُدعى الناس، كل أُناسٍ بإمامهم، فتُدعى اليهود، فيقال: من أنتم؟ فيقولون: نحن اليهود، فيقال: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا موسى عليه السلام، فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: كتابنا التوراة، فيقول: ما تعبدون؟ فيقولون: نعبُدُ عُزَيْرًا ونعبد الله، فيقول الملأ حولهم: اسلكوا بهم في جهنم. ثم تُدعى النصارى، فيقول: مَنْ أنتم؟ فيقولون (1): نحن النصارى، فيقول: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا عيسى عليه السلام. فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: كتابنا الإنجيل. فيقول: ما تعبدون؟ فيقولون: نعبد عيسى (2).
فيقول لعيسى: يا عيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
_________
(1) وقع في الأصل (ظ): «فيقول»، والصواب ما أثبتُّه.
(2) وقع في الأصل (ظ): «المسيح». فقال الناسخ في الحاشية: «صوابه: عيسى».
(الكتاب/99)
شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة/ 116 ـ 118].
ثم يُدعى كل أُناسٍ بإمامهم، وما كانوا يعبدون، ثم يصرخ الصارخ أيها الناس: مَنْ كان يعبد إلهًا فليتبعه، تقدمهم آلهتهم فيها الخشب والحجارة [ظ/ق 18 أ]، وفيها الشمس والقمر وفيه الدجال، حتى يبقى المسلمون، فيقف عليهم فيقول: مَنْ أنتم؟ فيقولون: نحن المسلمون. قال: خيرُ اسمٍ، وخير داعية، فيقول: مَن نبيكم؟ فيقولون: محمد. فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: القرآن. فيقول: ما تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله وحده لا شريك له. قال: سينفعكم ذلك إن صدقتم. قالوا: هذا يومنا الذي وُعِدْنا. فيقول: أتعرفون الله إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم. فيقول: وكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعلم أنه لا عِدْل له. قال: فيتجلَّى لهم تبارك وتعالى، فيقولون: أنت ربنا تباركت أسماؤك، ويخرُّون له سُجَّدًا، ثم يمضي النور بأهله» (1).
وذكر البخاري في كتاب التوحيد (2) من «صحيحه» حديث أنس
_________
(1) أخرجه الدارقطني في الرؤية (54)، وأبو إسماعيل الأنصاري في كتاب الفاروق ـ كما في فتح الباري لابن رجب (3/ 212).
وهو حديث غريب عن مالك.
(2) في (37) باب: قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء/164] (6/ 2730 ـ 2732) رقم (7079).
(الكتاب/100)
رضي الله عنه حديث الإسراء وقال فيه: ثم علا به يعني جبرائيل فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه فيما أوحى إليه خمسين صلاة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه، فقال: يا محمد ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إليّ خمسين صلاة كل يوم وليلة (1). قال: إن أُمتك لا تستطيع ذلك (2)، فارجع فليخفِّف عنك ربك وعنهم، فالتفتَ النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل: أن نعم إن شئت. فعلا به إلى الجبَّار تبارك وتعالى فقال ـ وهو مكانه ـ: يا رب خفِّف عنا … وذكر الحديث.
وفي «الصحيحين» (3) من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذَّاب، وعائل مستكبر» (4).
وفي «الصحيحين»: عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار،
_________
(1) سقط من (ب) قوله: «كل يوم وليلة».
(2) سقط من (ب).
(3) هذا الحديث من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.
(4) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (107)، ولم يخرجه البخاري في صحيحه.
(الكتاب/101)
ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم ـ وهو أعلم بهم ـ فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» (1).
ولمَّا حكَّم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة [ب/ق 20 أ] بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذريتهم وتقسم (2) أموالهم، قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لقد حكَمْتَ فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرْقِعَة» (3).
وفي لفظ: «من فوق سبع سماوات» (4).
_________
(1) أخرجه البخاري برقم (530، 6992)، ومسلم رقم (632).
(2) في (ظ): «وتُغْنَم».
(3) أخرجه ابن زنجويه في الأموال (421)، والحربي في غريب الحديث (3/ 1030)، والطبري في تاريخه (2/ 250)، والخطيب في المتفق والمفترق (897)، وابن حجر في الموافقة (2/ 438، 439).
من طرق عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثي فذكره مرسلًا.
قال ابن حجر: «هذا حديث مرسل، رجاله ثقات».
ورواه يحيى بن سعيد الأموي في «المغازي»، ومن طريقه: أخرجه ابن قدامة في «صفة العلو» رقم (29)، والذهبي في العلو (54) عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك فذكره.
قال الذهبي: «هذا مرسل».
(4) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 394)، وعبد بن حميد في المسند رقم (149 ـ المنتخب) والدورقي في مسند سعد بن أبي وقاص رقم (20)، والبزار في … =
= … البحر الزخار رقم (1091) وغيرهم من طريق محمد بن صالح التمار عن سعد ابن إبراهيم عن عامر بن سعد عن سعد بن أبي وقاص فذكره.
وهذا الطريق صححه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر، لكنه طريق معلول، فقد خولف محمد بن صالح التَّمار، خالفه شعبة بن الحجاج سندًا ومتنًا.
فرواه عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري فذكره بلفظ: «لقد حكمت فيهم بحكم الملِك».
أخرجه البخاري في صحيحه (2878، 3593، 3895، 5907)، ومسلم (1768)، وابن سعد في الطبقات (3/ 392، 393) وغيرهم وهذا الصواب، وحديث محمد بن صالح التمار خطأ ووهم، وإليه ذهب البخاري وأبو حاتم الرازي والدارقطني وابن حجر. انظر: التاريخ الكبير (4/ 291)، وعلل ابن أبي حاتم رقم (971)، وعلل الدارقطني (573)، وفتح الباري (7/ 412).
(الكتاب/102)
وأصل القصة في الصحيحين (1) [ظ/ق 18 ب] وهذا السياق لمحمد ابن إسحاق في «المغازي».
وفي «الصحيحين» من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: بعث علي بن أبي طالب إلى النبي بذُهَيبة في أديم مقروض لم تفصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعةٍ: بين عيينة بن بدرٍ، والأقرع بن حابس وزيد الخيل (2). والرابع: إما علقمة، وإما عامر بن الطفيل (3)، قال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم –
_________
(1) من حديث أبي سعيد الخدري كما تقدم آنفًا.
(2) في (ب): «الخير».
(3) من قوله: «والرابع» إلى هنا، سقط من (ب).
(الكتاب/103)
فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء مساءً وصباحًا (1)» (2).
وفي (3) «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحِبُّوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» (4).
وفي لفظٍ «لمسلم»: «إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانًا فأحِبَّه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحِبُّوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أُبغض فلانًا فأبْغِضْه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض» (5).
وفي «صحيح مسلم»: من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله تعالى يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلّهم
_________
(1) في (أ): «صباحًا ومساءً».
(2) أخرجه البخاري (3037)، ومسلم (2637).
(3) هذا الحديث والذي بعده إلى: «يوم لا ظل إلا ظلي» من النسخة الظاهرية فقط.
(4) أخرجه البخاري (3037، 7047).
(5) أخرجه مسلم برقم (2637).
(الكتاب/104)
في ظلِّي، يوم لا ظل إلا ظلِّي» (1).
وفي «صحيح مسلم» عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: لطمتُ جارية لي فأخبرت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعَظَّمَ ذلك عليَّ قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: بلى ائتني بها، قال: فجئت بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء. قال: «فمن أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها (2)؛ فإنها مؤمنة» (3).
وفي «صحيح البخاري» عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت زينب رضي الله عنها تفتخر على أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – وتقول: «زوجكُنَّ أهاليكنَّ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات» (4).
وفي «سنن أبي داود»: من حديث جبير بن مطعم قال: أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعرابي فقال: يا رسول الله نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال (5)، استسقِ لنا ربَّك، فإنا نستشفع بالله عليك، وبك على الله،
_________
(1) أخرجه مسلم رقم (2566).
(2) من صحيح مسلم.
(3) أخرجه مسلم رقم (537).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6984).
(5) هكذا في النسخ، غير (ب) فقد طُمس فيها على الحديث كاملاً. والذي عند أبي داود: «جُهِدت الأنفس، وضاعت العيال، ونُهكت الأموال، وهلكت الأنعام» وكذلك ما بعده فيه اختلاف في المتن عما في سنن أبي داود، فلعل المؤلف كان يختصر الحديث ويرويه بالمعنى.
(الكتاب/105)
فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «سبحان الله»، فما زال يُسبِّح حتى عُرف ذلك في وجوه أصحابه، فقال: «ويحك! أتدري ما الله؟ إنَّ شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يُستشفع به على أحدٍ من خلقه، إنه لفوق سماواته على عرشه، وإنه عليه لهكذا، وإنه ليئطُّ به [ظ/ق 19 أ] أطيط الرَّحْل بالراكب» (1).
وفي «سنن أبي داود»: أيضًا و «مسند الإمام أحمد» من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت في البطحاء في عصابة، وفيهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فمرَّتْ سحابة فنظر إليها فقال: «ما تسمون هذه؟» قالوا: السحاب قال: «والمزن». قالوا: [ب/ق 20 ب] والمزن قال: «والعنان» قالوا: والعنان قال: «هل تدرون بُعْدَ ما بين السماء والأرض؟»
_________
(1) أخرجه أبو داود (4726)، والبخاري في تاريخه (2/ 224) مختصرًا، والدارمي في الرد على الجهمية (71) وفي الرد على بشر المريسي (110)، وابن خزيمة في التوحيد (147)، والطبراني في الكبير (2/ 128، 129) (1547) وغيرهم.
من طريق: وهب بن جرير عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده فذكره.
وقد جوَّد المؤلف إسناده، وحسَّنه في موضع آخر. مختصر الصواعق (3/ 1064 و 1067).
وفيه ابن إسحاق مدلس، ولم يصرح بالتحديث، وجبير بن محمد فيه جهالة.
والحديث تكلم فيه البزار والبيهقي والذهبي وغيرهم.
قال الذهبي في العلو (1/ 4139: «هذا حديث غريب جدًّا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا أم لا، والله فليس كمثله شيء … » اهـ. وفي «العرش» (2/ 34) حسَّن إسناده.
(الكتاب/106)
قالوا: لا ندري قال: «إن بُعْدَ ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك ـ حتى عدَّ سبع سماوات ـ ثم فوق السماء السابعة بحر، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماءٍ إلى سماءٍ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعالٍ، بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماءٍ إلى سماءٍ، ثم على ظهورهم العرش، بين (1) أسفله وأعلاه مثل (2) ما بين سماء إلى سماء، ثم الله عز وجل فوق ذلك» (3).
_________
(1) من سنن أبي داود.
(2) من (ب) فقط.
(3) أخرجه أبو داود (4723)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (3/ 294) (1771)، والدارمي في الرد على المريسي (113) والرد على الجهمية (72)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 284)، وابن أبي الدنيا في كتاب المطر والرعد (2)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (651) وغيرهم.
من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عَميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس فذكره.
والوليد منكر الحديث. قال أبو زرعة: منكر الحديث، يهِم كثيرًا.
قلت: وتابع الوليد جماعة: منهم عمرو بن أبي قيس وإبراهيم بن طهمان وعمرو ابن ثابت وعنبسة بن سعيد، ورواه أبو خالد الدالاني وشريك القاضي عن سماك به، فوقفه شريك وأسقط الأحنف، وأرسله الدالاني عن الأحنف.
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (205)، وابن خزيمة في التوحيد (158) وغيرهما.
والحديث تكلَّم فيه البخاري والترمذي، والحربي والذهبي، وأشار الترمذي … =
= … إلى غرابته فقال: «حسن غريب».
وقال البخاري: في ترجمة عبد الله بن عميرة من تاريخه (5/ 159): «ولا نعلم له سماعًا من الأحنف».
وقال الحربي: لا أعرف عبد الله بن عميرة. الإكمال لابن ماكولا (6/ 279).
وذكر العقيلي وابن عدي: عبد الله بن عميرة من جملة الضعفاء.
وقال الذهبي: فيه جهالة.
وقد صحح الحديث الحاكم والجورقاني وشيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيم. انظر: مجموع الفتاوى (3/ 192)، وتهذيب السنن بحاشية سنن أبي داود (13/ 5، 6)، والأباطيل والمناكير (1/ 77، 78).
قلت: قول مَنْ ضعفه أقوى، لوجود نكارة في المتن، انظر كلام السماري على حاشية النقض على بشر المريسي (ص/266).
(الكتاب/107)
زاد أحمد: وليس يخفى عليه شيءٌ من أعمال بني آدم» (1).
وفي «سنن أبي داود» أيضًا: عن فَضَالة بن عبيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من اشتكى منكم أو اشتكى أخٌ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدَّس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء
_________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/ 292) (1770) وابن أبي شيبة في العرش (10) وأبو يعلى في مسند (12/ 75) (6713)، والذهبي في العلو (95).
وفيه يحيى بن العلاء كذاب يضع الحديث.
قال الذهبي: تفرَّد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة، ويحيى بن العلاء متروك الحديث … اهـ.
(الكتاب/108)
اجعل رحمتك في الأرض، أنت ربُّ الطيبين، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا (1) الوجع، فيبرأ» (2).
وفي «مسند الإمام أحمد» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – بجارية سوداء أعجمية، فقال: يا رسول الله إن عليَّ رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أين الله؟» فأشارت بإصبعها السبابة إلى السماء، فقال لها: «من أنا؟» فأشارت بإصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى السماء، أي: أنت رسول الله. فقال: «أعتقها» (3).
_________
(1) من (أ، ت) فقط.
(2) أخرجه أبو داود (2892)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1037، 1038)، والدارمي في الرد على الجهمية رقم (70)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (648)، والذهبي في العلو (276) وغيرهم.
من طريق زيادة بن محمد الأنصاري عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء فذكره.
والحديث مداره على زيادة الأنصاري وقد أجمعوا على ضعفه.
ولهذا قال الذهبي: وزيادة ليِّن الحديث. وقال في تلخيص المستدرك: قلت: قال البخاري وغيره: منكر الحديث.
وقال ابن عدي: لا أعرف له إلا مقدار حديثين أو ثلاثة … ومقدار ماله لا يُتابع عليه. الكامل (3/ 170).
(3) أخرجه أحمد (13/ 285) (9706)، وأبو داود (3284)، وابن خزيمة في التوحيد رقم (182، 183، 184). … =
= … من طريق: يزيد بن هارون والطيالسي وأسد بن موسى عن المسعودي عن عون عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة فذكره.
قلت: المسعودي كان قد اختلط، ويُخشى من خطئه.
فقد رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، واختلف عليه.
فرواه مالك (في الرواية الراجحة عنه)، ويونس بن يزيد عن الزهري عن عبيد الله مرسلًا.
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 329) (2252)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 57).
وخالفهما: معمر بن راشد، فرواه عن الزهري عن عبد الله عن رجل من الأنصار فذكره موصولًا.
أخرجه أحمد (3/ 451، 452)، وابن خزيمة في التوحيد (185).
ورواية الإرسال أصح، وذهب ابن خزيمة إلى صحة كلا الوجهين، لاختلاف الصحابي، ولزيادة امتحان الجارية: بالسؤال عن البعث بعد الموت في رواية معمر، قلت: لكن زيادة الامتحان للجارية رواها يونس ومالك في قصة الرجل من الأنصار لكن أرسلاه، فهي محفوظة في حديث الزهري مرسلًا، فلعل الوهم من المسعودي والله أعلم.
وأصل الحديث ومعناه ثابت من وجه آخر، كما تقدم (ص/105).
(الكتاب/109)
وفي «جامع الترمذي»: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء» (1).
_________
(1) أخرجه الترمذي (1924)، وأبو داود (4941)، وأحمد (11/ 33) (6494)، والحميدي (591، 592) وغيرهم من طريق: سفيان بن عيينة عن عمرو بن … =
= … دينار عن أبي قابوس عن عبد الله بن عمرو فذكره.
وفيه أبو قابوس لم يوثقه إلا ابن حبان، لكنه مولى عبد الله بن عمرو وصحح حديثه الترمذي والحاكم. قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
(الكتاب/110)
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وذكر (1) هُشيم بن بشر السلمي (2) عن مسروق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنَّ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وإن الله تعالى يباهي بالعبد الملائكة إذا نام في سجوده، يقول للملائكة: انظروا إلى عبدي روحه عندي، وجسده في عبادتي، أُشهدكم أنِّي قد غفرت له» (3).
_________
(1) هذا الحديث واللذان بعده مما انفردت به النسخة الظاهرية (ظ).
(2) هكذا في النسخة (ظ) وفيه انقطاع ظاهر بين هشيم ومسروق، فقد توفي مسروق سنة 63 هـ ووُلد هشيم سنة 104 هـ.
(3) لم أقف عليه من هذا الوجه.
وجاء أوله من قول مسروق عند ابن أبي شيبة في المصنف (36019) وسنده صحيح.
وجاء عن الحسن البصري أنه قال: إذا نام العبد في سجوده باهى الله به الملائكة، يقول: انظروا عبدي، يعبدني وروحه عندي». أخرجه ابن أبي شيبة (36749) وسنده صحيح.
وروي مرفوعًا، ولا يثبت. انظر: الروض البسام (1352) رقم (343).
وقد ثبت أوَّله من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» أخرجه مسلم في صحيحه (482).
(الكتاب/111)
وقال قتيبة بن سعيد ثنا نوح بن قيس قال: حدثني أبو هارون العبدي عن أبي سعيد [ظ/ق 19 ب] الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ليلة أُسريَ بي انطُلِق بي إلى خلقٍ من خلق كثير نساؤه معلقات بثديهنَّ، ومنهن بأرجلهن منكَّساتٍ، ولهنَّ صراخ وخوار، فقلت: يا جبريل مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء اللواتي يزْنينَ، ويقْتلْنَ أولادهن، ويجعلْن لأزواجهنَّ ذرِّية من غيرهم» (1).
وفي «جامع الترمذي»: من حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «بئس العبد عبد تجبَّر واعتدى ونسي الجبَّار الأعلى، بئس العبد عبد تخيَّل واختال ونسيَ الكبير المتعال» (2).
_________
(1) أخرجه الخرائطي في مساوي الأخلاق رقم (459)، والبيهقي في الدلائل (2/ 396).
ورواه جماعة عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري.
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره رقم (1527)، والآجري في الشريعة (1027)، والطبري (15/ 11 ـ 14)، والبيهقي في الدلائل (2/ 390، 396، 405).
والحديث مداره على أبي هارون العبدي وهو: متروك الحديث.
(2) أخرجه الترمذي (2448)، وابن أبي عاصم في الزهد (172)، والطبراني في الكبير (24/ 156، 157) (401)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (204)، والحاكم في المستدرك (4/ 351) (7885)، والبيهقي في شعب الإيمان (7832).
من طريق: هاشم بن سعيد الكوفي ثنا زيد بن عبد الله الخثعمي عن أسماء فذكرته.
قلت: فيه علتان: هاشم بن سعيد هذا: ضعيف الحديث. وزيد الخثعمي: مجهول. … =
= … ولهذا قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي. اهـ.
وقال البيهقي: وإسناده ليس بالقوي.
وقال الحاكم: «هذا حديث ليس في إسناده أحد منسوب إلى نوع من الجرح، وإذا كان هكذا؛ فإنه صحيح ولم يخرجاه».
فتعقَّبه الذهبي بقوله: «إسناده مظلم».
وجاء نحوه من حديث نُعيم بن همار الغطفاني، قال فيه أبو حاتم الرازي: «هذا حديث منكر … » علل ابن أبي حاتم رقم (1838).
(الكتاب/112)
وفي «جامع الترمذي» (1) أيضًا: عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي: «يا حصين: كم تعبد اليوم إلاهًا»؟ قال أبي: سبعة: ستةً في الأرض وواحدًا في السماء. قال: «فأيَّهم تُعِدُّ لرغبتك ورهبتك»؟ قال: الذي في السماء. قال: «يا حصين أما إنك لو أسلمت علَّمتُك كلمتين تنفعانك». قال: فلمَّا أسلم حصين جاء فقال: يا رسول الله، علِّمني الكلمتين [ب/ق 21 أ] اللتين وعدتني، قال: «قل (2) اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شرِّ نفسي» (3).
_________
(1) وقع في (ب): «وفيه» بدل: «وفي جامع الترمذي».
(2) ليس في (ظ).
(3) أخرجه الترمذي (3483)، والبخاري في تاريخه (3/ 1) مختصرًا، والدارمي في الرد على بشر (34)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2355) وغيرهم.
من طريق شبيب بن شيبة عن الحسن عن عمران فذكره.
ـ ورواه جويرية بن بشير عن الحسن عن النبي – صلى الله عليه وسلم -. … =
= … ذكره البخاري في العلل الكبير للترمذي (677)، وأخرجه قوَّام السنة في المحجة رقم (54).
قلت: هذا الصواب مرسل، فإن جويرية: ثقة، وشبيب بن شيبة (ضعيف) وأشار البخاري إلى هذه العلة. وقال الذهبي: شبيب ضعيف. اهـ.
ـ ورواه ربعي بن حراش عن عمران قال جاء حصين ـ فذكر الدعاء فقط.
أخرجه النسائي (993، 994) وغيره.
(الكتاب/113)
وفي «صحيح مسلم»: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها (1)» (2).
وذكر (3) عثمان بن سعيد الدارمي: أن أبا بُردة بن أبي موسى الأشعري أتى عمر بن عبد العزيز فقال: ثنا أبو موسى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «يجمع الله الأمم يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ، فإذا بدا له أن يصدع بين خلقه، مَثَّلَ لكل قوم (4) ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم حتى يقحمونهم
_________
(1) في (أ، ت): «عليها».
(2) أخرجه البخاري (3065، 4897)، ومسلم (1436) (21) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة. واللفظ لمسلم.
(3) هذا الحديث من (ظ) فقط.
(4) في (ظ): «لقوم»، والمثبت من كتاب الدارمي.
(الكتاب/114)
النار، ثم يأتينا ربنا ونحن في مكانٍ (1)، فيقول: مَنْ أنتم؟ فنقول: نحن المؤمنون. فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا. فيقول: من أين تعلمون أنه ربكم؟ فنقول: حدثتنا الرُّسُل ـ أو جاءتنا الرسل ـ فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: نعم، إنه لا عِدْل له، فيتجلَّى لنا ضاحكًا، ثم يقول: أبشروا معشر المسلمين، فإنه ليس منكم أحد إلا قد جعلت مكانه في النار يهوديًّا أو نصرانيًّا». فقال عمر لأبي بُردة: آلله لقد سمعتَ أبا موسى يحدث بهذا الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، لقد سمعت أبي يذكره عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غير مرةٍ ولا مرَّتين ولا ثلاثًا. فقال عمر بن عبد العزيز: ما سمعت في الإسلام حديثًا هو أحبُّ إليَّ منه» (2).
وروى «الشافعي في مسنده» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أتى جبريل بمرآةٍ بيضاء فيها نكتة سوداء [ظ/ق 20 أ] إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ما هذه؟ قال: هذه الجمعة،
_________
(1) عند أحمد في المسند (19654): «مكانٍ رفيع».
(2) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (180)، وأحمد في المسند (32/ 423) (19654)، وعبد بن حميد (539 ـ المنتخب) وغيرهم.
من طريق علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي الدرداء فذكره.
وسنده ضعيف: علي بن زيد بن جدعان فيه ضعف، وعمارة القرشي مجهول، وقال فيه الأزدي: ضعيف جدًّا. انظر: الضعفاء لابن الجوزي (2/ 202) (2425)، ولسان الميزان (6/ 60).
(الكتاب/115)
فُضِّلْتَ بها أنت وأمتك، فالناس لكم تَبَعٌ: اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، وفيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استُجِيب له، وهو عندنا يوم المزيد، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا جبريل وما يوم المزيد؟ قال: إن ربك اتخذ في الجنة واديًا أفيح، فيه كُثُب من مِسْك، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تبارك وتعالى ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النَّبيِّين، وحفَّ تلك المنابر بمنابر من ذهبٍ مُكلَّلة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم على تلك الكُثُب، فيقول الله عز وجل: أنا ربكم، قد صدقتكم وعدي فاسألوني أعطكم. فيقولون: ربنا نسألك رضوانك. فيقول: قد رضيت عنكم، ولكم ما تمنيتم ولدَيَّ مزيد، فهم يحبُّون يوم الجمعة لما يُعطيهم فيه ربهم من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربك (1) سبحانه وتعالى على العرش، وفيه خَلَق آدم، وفيه تقوم الساعة» (2).
ولهذا الحديث عِدَّة طرق جمعها أبو بكر بن أبي داود في جزء.
وفي «سنن ابن ماجه» من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «وبينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور،
_________
(1) في (ظ): «ربكم».
(2) أخرجه الشافعي في مسنده رقم (374)، وسنده ضعيف جدًّا، فيه إبراهيم بن محمد الأسلمي: متروك الحديث. وموسى بن عبيد الرَّبَذي: ضعيف الحديث.
وقد ذكر المؤلف بعض طرق هذا الحديث في حادي الأرواح (2/ 651 ـ 658).
(الكتاب/116)
فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وذلك قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس/58]، قال: فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم» (1).
وفي «الصحيحين» [ب/ق 21 ب] من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من تصدق بعدل تمرة من كسبٍ طيبٍ ـ ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ـ فإن الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحبها كما يُربي أحدكم فُلُوَّهُ حتى تكون مثل الجبل» (2).
وفي «صحيح ابن حبان»: عن أبي عثمان النَّهْدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن ربكم حَيِيٌّ كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صِفرًا» (3).
_________
(1) أخرجه ابن ماجه رقم (184)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (98)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 274، 275)، والآجري في الشريعة (615)، وأبو نعيم في صفة الجنة (91)، والدارقطني في الرؤية (51) وغيرهم.
وسنده ضعيف جدًّا، فيه: الفضل بن عيسى الرقاشي: متروك الحديث.
والحديث تكلَّم فيه: العقيلي وابن عدي وابن الجوزي وابن كثير والبوصيري.
(2) أخرجه البخاري (1344)، ومسلم (1014).
(3) أخرجه ابن حبان (876، 880)، والترمذي (3556)، وأبو داود (1488)، … =
= … وابن ماجه (3865)، والطبراني في الدعاء (2092، 2093)، والبغوي في شرح السنة (5/ 185) (1385)، والمحاملي في أماليه (433) وغيرهم من طريق: جعفر بن ميمون وسليمان التيمي ـ في الرواية المرجوحة عنه ـ ويحيى بن ميمون كلهم عن أبي عثمان النهدي عن سلمان فذكره.
ورواه ثابت البُناني وحميد الطويل وسليمان التيمي ـ في الرواية الصحيحة عنه ـ وسعيد الجريري ويزيد بن أبي صالح.
كلهم عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: إني أجدُ في التوراة فذكره.
أخرجه وكيع في الزهد (504)، وعلي بن حجر في حديثه (126)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (156).
قلت: هذا هو الصواب موقوف، وأما الرواية المرفوعة فخطأ ووهم، وأما رواية جعفر بن ميمون فهي خطأ لأن جعفر بن محمد هو الأنماطي، في حفظه لين وضعف، لا يقوى على مخالفة الثقات، وأما رواية سليمان التيمي فرفعه عنه محمد بن الزبرقان وهو صدوق، وخالفه يزيد بن هارون ومعاذ بن معاذ الحافظ فوقفاه على سلمان وهو الصواب عنه.
وأما رواية أبي المعلَّى بن ميمون فرواه عنه محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، فهو وإن كان ثقة إلا أنه أخطأ في أحاديث، وقال عنه أبو داود: تغيَّر تغيُّرًا شديدًا، فيخشى من خطئه.
وأيًّا ما كان فرواية الجماعة الثقات موقوفًا أثبت وأصح. والله أعلم.
وقد جاء نحوه عن غير واحد من الصحابة ولا يثبت فيه شيء.
انظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء لياسر المصري (3/ 881 ـ 885) رقم (392)، وحاشية تخريج كتاب العلو للبراك (1/ 521 ـ 523).
(الكتاب/117)
وروى ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن زُهْرة بن
(الكتاب/118)
مَعْبد عن ابن عمِّه (1) أخبره أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من توضأ فأحسن وضوءه ثم رفع نظره إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له [ظ/ق 20 ب] وأن محمدًا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء» (2).
وفي حديث الشفاعة الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فأدخل على ربي تبارك وتعالى وهو على عرشه» (3) وذكر الحديث.
_________
(1) وقع في جميع النسخ الخطِّية والمطبوعة: «عمر» وهو تصحيف، لتشابه رسم «عمِّه» بـ «عمر».
(2) أخرجه اللالكائي في أصول الاعتقاد رقم (497) من طريق ابن وهب به.
ـ ورواه عبد الله بن يزيد المقرئ عنه واختُلِف عليه.
فرواه الإمام أحمد ومحمد بن المثنَّى عن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب به.
أخرجه أحمد (28/ 502) (17363)، والبزار (242) لكن زاد «عن عمر».
ـ ورواه أحمد والدارمي والحسين بن عيسى عن المقرئ عن حيوة بن شريح عن زهرة بن معبد عن ابن عمه عن عقبة بن عامر عن عمر فذكره.
أخرجه أحمد (1/ 274) (121)، وأبو داود (170)، والدارمي (716).
وفي الحديث اختلاف كثير ساقه الدارقطني في علله السؤال رقم (149).
لكن هذا الطريق ضعيف الإسناد، لجهالة حال ابن عم زُهْرة بن معبد.
(3) أخرجه ابن قدامة في صفة العلو رقم (41) ومن طريقه: الذهبي في العلو رقم (57).
من طريق: زائدة بن أبي الرُّقاد عن زياد النميري عن أنس فذكره. … =
= … وسنده ضعيف جدًّا، قال أبو حاتم الرازي: ـ عن حال زائدة ـ يحدث عن زياد النميري عن أنس: أحاديث مرفوعة منكرة، ولا ندري منه أو من زياد، ولا أعلم روى عن غير زياد فكنَّا نعتبر بحديثه.
ولهذا ضعفه الذهبي بقوله: «زائدة ضعيف».
(الكتاب/119)
وفي بعض ألفاظ البخاري في «صحيحه»: «فأستأذن على ربي في داره فيُؤذن لي عليه» (1).
قال عبد الحق في «الجمع بين الصحيحين»: هكذا قال: «في داره» في المواضع الثلاث (2). اهـ. يريد: مواضع الشفاعات الثلاث التي يسجد فيها ثم يرفع رأسه.
وروى يحيى بن سعيد الأموي في «مغازيه»: من طريق محمد بن إسحاق قال: خرج عبدٌ أسود لبعض أهل خيبر حتى (3) جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من هذا؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: الذي في السماء؟ قالوا: نعم. قال: أنت رسول الله؟
_________
(1) أخرجه البخاري (7002) معلَّقًا عند جميع رواة الصحيح إلا في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري، فقال فيها: «حدثنا حجاج».
وقد وصله الإسماعيلي: من طريق إسحاق بن إبراهيم، وأبو نعيم: من طريق محمد بن أسلم الطوسي قالا حدثنا حجاج بن منهال» فذكره بطوله، وساقوا الحديث كله … » فتح الباري (13/ 429).
(2) انظر الجمع بين الصحيحين (1/ 165).
(3) سقط من (ظ).
(الكتاب/120)
قال: نعم. قال: الذي في السماء؟ قال: نعم. فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشهادة، فتشهَّد فقاتل حتى استشهد» (1).
وروى عدي بن عميرة الكندي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حدّث عن ربه عز وجل فقال: «وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي ما من أهل قرية ولا بيت ولا رجل ببادية كانوا على ما كرهت من معصيتي، فتحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي؛ إلا تحوَّلْتُ لهم عمَّا يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي».
رواه ابن أبي شيبة في «كتاب العرش» (2)،
وأبو أحمد العسال في «كتاب المعرفة».
وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد مسلم قال: قال رسول الله
_________
(1) أخرجه الحافظ موفق الدين ابن قدامة المقدسي في «إثبات صفة العلو» (ص/77، 78)، رقم (6)، وهذا لا يثبت، لم يذكر ابن إسحاق سنده إلى صاحب القصة، فالإسناد معضل.
(2) (ص/61)، رقم (19)، ومن طريقه أخرجه ابن بطة في الإبانة (3/ 176) الرد على الجهمية ـ المختصر ـ رقم (134).
قال الذهبي في العلو (1/ 529) (114): «وإسناده ضعيف» اهـ.
وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 523): «هذا غريب، وفي إسناده مَن لا أعرفه، وسنده ضعيف لجهالة رواته» اهـ.
(الكتاب/121)
صلى الله عليه وآله وسلم: «إن لله ملائكة سيَّارة (1) يتبعون مجالس [ب/ق 22 أ] الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذِكْر جلسوا معهم، فإذا تفرقوا صعدوا إلى ربهم» (2).
_________
(1) كذا في النسخ، وفي مصادر التخريج عدا اللطائف: «سيارة فُضُلاً».
(2) أخرجه الطيالسي في مسند (4/ 179، 180) رقم (2556) ومن طريقه: البيهقي في الدعوات الكبير رقم (7)، وابن النقور في فوائده رقم (53)، وأبو موسى المديني في اللطائف من دقائق المعارف رقم (446).
من طريق: الطيالسي عن وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة فذكره مطولًا.
وفيه: « … فإذا قاموا عرجوا إلى ربهم … ».
وهذه الرواية صححها المؤلف، وقال أبو موسى المديني: «هذا حديث جليل حسن صحيح، … ».
قلت: قد خولف الطيالسي في هذه اللفظة: «إلى ربهم».
خالفه: بهز بن أسد وعفان بن مسلم وسهل بن بكار، فرووه عن وهيب عن سهيل به مطولًا، وفيه: «فإذا تفرَّقوا عرجوا وصعدوا ـ وقال عفان: أو صعدوا ـ إلى السماء» هذا لفظ بهز وعفان، ولم يسق الطبراني لفظ سهل بن بكار.
أخرجه مسلم في صحيحه (2689)، وأحمد (14/ 527، 528) (8972)، والطبراني في الدعاء (1897) وغيرهم.
قلت: لفظ بهز وعفان أصح وأثبت، ويؤيده رواية روح بن القاسم عن سهيل عن أبيه به.
وفيه: «فإذا تفرَّقوا صعدوا وعرجوا إلى السماء».
أخرجه الحافظ القاسم بن الفضل الثقفي في الأربعين (ص/197، 198). … =
= … وقد اختلف على سهيل في هذه اللفظة:
فرواه حماد بن سلمة عن سهيل به وفيه: «حفَّ بعضهم بعضًا بأجنحتهم إلى السماء».
أخرجه أحمد (14/ 325) (8705) مختصرًا، والحاكم في المستدرك (1/ 672) (1821) مطولًا.
وخالفهم: زهير بن محمد في هذه اللفظة.
فرواه زهير عن سهيل به، وفيه: «علا بعضهم على بعض حتى يبلغوا العرش».
أخرجه أحمد (14/ 325) (8704).
قلت: أخشى أن يكون هذا الاضطراب في هذه اللفظة من سهيل بن أبي صالح نفسه، فقد خالفه الأعمش في هذه اللفظة، فرواه عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره مطولًا، وفيه: «فيجيئون فيحفُّون بهم إلى السماء الدنيا» هكذا رواه عن الأعمش: أبو معاوية وجرير بن عبد الحميد وعبد الواحد بن زياد والفضيل بن عياض، وشعبة لكنه أوقفه.
أخرجه البخاري (6045)، وأحمد 012/ 389، 390) (7424)، والإسماعيلي ـ الفتح (11/ 211)، وأبو القاسم المطرز في فوائده (44 ـ 46).
قلت: رواية الأعمش أصوب وأصح من رواية سهيل؛ لأن الأعمش أثبت في أبي صالح من سهيل في أبيه، والأعمش لم يختلف عليه أصحابه الثقات في لفظه، بينما سهيل اختلف عليه في لفظه، والله أعلم.
(الكتاب/122)
وأصل الحديث في «صحيح مسلم» ولفظه: «فإذا تفرقوا صعدوا إلى السماء فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين (1) جئتم؟ … »
_________
(1) سقط من (ب).
(الكتاب/123)
الحديث (1).
وذكر الدارقطني في «كتاب نزول الرب عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا» من حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: ألا عبدٌ من عبادي يدعوني فأستجيب له؟ ألا ظالم لنفسه يدعوني فأفكَّه؟ فيكون كذلك إلى مطلع الصبح، ويعلو على كرسيه» (2).
وعن جابر بن سليم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن رجلًا ممن كان قبلكم لبس بُرْدَين فتبخْتر فيهما، فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته، فأمر الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها».
رواه الدارمي (3):
عن سهل بن بكار أحد شيوخ البخاري.
_________
(1) أخرجه مسلم (2689).
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 309) (6079)، والآجري في الشريعة (3/ 1143) (717)، وأبو يعلى بن الفراء في إبطال التأويلات رقم (254).
من طريق فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت.
فيه إسحاق بن يحيى بن الوليد: مجهول الحال، وهو لم يُدرك عبادة بن الصامت.
قال الذهبي في العلو (1/ 532): «إسحاق ضعيف، لم يُدرك جدَّ أبيه».
(3) في النقض على بشري المريسي (ص/151، 152)، رقم (75)، والطبراني في =
= … الكبير (7/ 72) (6384)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 548) (1532)، وقِوَام السنة في المحجة رقم (71) وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (36).
من طريق عبد السلام أبي الخليل عن عبيدة الهجيمي عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي جري جابر بن سليم فذكره مطولًا.
قلت: عَبِيدة الهجيمي: مجهول. وعبد السلام بن عجلان: قال فيه ابن حبان: يُخطئ ويخالف.
ولهذا قال الذهبي في العلو (1/ 394): «إسناده ليِّن، وعبد السلام هو: ابن عجلان، وللحديث طرق وقد روى الحديث عن أبي جري غير واحد، لم يذكر أحد منهم: قصة الرجل الذي كان قبلنا.
انظر: حاشية تحقيق العلو للذهبي (1/ 395 ـ 397).
(الكتاب/124)
وله شاهد في «صحيح البخاري» [ظ/ق 21 أ] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اقبلوا البشرى يا بني تميم»، قالوا: بشَّرتنا فأعطنا، قال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذْ لم يقبلها بنو تميم»، قالوا: لقد بشرتنا (2) فاقض لنا على هذا الأمر كيف كان؟ فقال: «كان الله عز وجل على العرش، وكان قبل كل شيء، وكتب في اللوح المحفوظ كل شيء
_________
(1) أخرجه البخاري في (80) اللباس، (4) باب من جرَّ ثوبه من الخيلاء (5/ 2182) (5452)، ومسلم في اللباس والزينة رقم (2088).
(2) كذا في جميع النسخ، وهذا اللفظ الذي ساقه المؤلف فيه إجمال، وسيأتي تفصيل ذلك.
(الكتاب/125)
يكون» (1). حديث صحيح أصله في «صحيح البخاري».
_________
(1) أخرجه الطبري في تاريخه (1/ 31، 32)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 571، 572) رقم (207) من طريق: أبي كريب عن أبي معاوية محمد بن خازم، حدثنا الأعمش، عن جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين فذكره.
وقد خولف أبو كريب في لفظة «كان الله على العرش، وكان قبل كل شيء».
خالفه: الإمام أحمد بن حنبل ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن عبد الله المخرَّمي = كلهم عن أبي معاوية عن الأعمش به وفيه: «كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء».
أخرجه الإمام أحمد في المسند (33/ 107، 108) (19876)، والفريابي في القدر (82)، والبيهقي في الأسماء والصفات (489).
وهكذا رواه: حفص بن غياث وأبو إسحاق الفزاري وأبو عوانة وأبو حمزة السكري ومحمد بن عبيد وأبو بكر بن عياش وشيبان النحوي، وغيرهم كلهم عن الأعمش عن جامع به.
أخرجه البخاري (3019، 6982)، والفريابي في القدر (83)، وابن حبان (6140، 6142)، وابن منده في التوحيد (9، 10، 636)، والبيهقي في الاعتقاد (ص/93)، وفي القضاء والقدر (8)، وفي الأسماء والصفات (489، 800) وغيرهم.
ـ قال شيبان وأبو حمزة: « … ولم يكن شيء قبله».
ـ وقال حفص والفزاري ومحمد بن عبيد وأبو بكر بن عياش وأبو عبيدة بن معن: « … ولم يكن شيء غيره».
ـ وقال أبو عوانة: « … كان الله لا شريك له».
ـ ورواه سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وأبو عثمان والمسعودي كلهم عن جامع به. =
= … قال المسعودي: «كان الله ولا شيء غيره».
وقال أبو عثمان: «كان الله ولم يكن شيء».
أخرجه الفريابي في القدر (81)، والطبري في تاريخه (1/ 31) وتفسيره (12/ 4).
وذكره الثوري مختصرًا عند البخاري (4125) وغيره.
وأما ابن عيينة فلم يسق ابن منده في التوحيد (8) لفظه.
(الكتاب/126)
وروى الخلَّال في «كتاب السنة» ــ بإسناد صحيح على شرط البخاري ــ عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «لما فرغ الله (1) من خلقه استوى على عرشه» (2).
_________
(1) سقط من (ب).
(2) أخرجه القاضي أبو يعلى الفرَّاء في إبطال التأويلات لأخبار الصفات برقم (82) عن أبي محمد الخلال: وقال الخلال: هذا حديث إسناده كلهم ثقات، وهم مع ثقتهم شرط الصحيحين مسلم والبخاري.
والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 13) (18)، وابن أبي عاصم في السنة (580)، والبيهقي في الأسماء والصفات (761).
من طريق محمد بن فُليح عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة بن النعمان فذكر وزاد فيه «واستلقى، ووضع إحدى رجليه على الأُخرى، وقال: إنها لا تصلح لبشر».
قلت: هذا حديث باطل الإسناد منكر المتن، فيه فليح بن سليمان فيه ضعف، وسعيد بن الحارث أو الحارث بن سعيد: مجهول الحال، وعبيد بن حنين فيه جهالة أيضًا، لم يوثقه إلا يعقوب بن سفيان، وأيضًا يُخشى من أنه لم يسمع من قتادة بن النعمان. … =
= … ولهذا قال البيهقي: «هذا حديث منكر، ولم أكتبه إلا من هذا الوجه … ».
راجع تفصيله في السلسلة الضعيفة للألباني (2/ 177، 178) رقم (755).
(الكتاب/127)
وفي قصة وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي رضي الله عنه: «إذا أنا مِتُّ فغسِّلني أنت، وابن عباس يصب الماء، وجبرائيل ثالثكما، وكَفِّنِّي في ثلاثة أثواب جُدُدٍ، وضعوني في المسجد، فإن أول من يصلّي عليَّ الربُّ عز وجل من فوق عرشه» (1).
وقد رُوي في حديث خطبة علي رضي الله عنه لفاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما استأذنها قالت: يا أبتِ كأنك إنما ادَّخرتني لفقير قريش، فقال: والذي بعثني بالحق ما تكلمت بهذا حتى أَذِن اللهُ فيه من السماء، فقالت: رضيتُ بما رضي الله لي» (2).
_________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 74 ـ 79) مطولًا، ومن طريقه: ابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (34).
من طريق: عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر وابن عباس فذكره.
قال الذهبي في العلو (1/ 445): «وهذا حديث موضوع، وأُراه من افتراء عبد المنعم، وإنما رويته لهتك حاله».
(2) أخرجه الذهبي في العلو (1/ 343) رقم (41) من طريق جعفر بن هارون الفرَّاء عن محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره.
قال الذهبي: «هذا حديث منكر، لعل محمد بن كثير افتراه فإنه متَّهم، فإن الأوزاعي =
= … ما نطق قط، ولم أرو هذا ونحوه إلا للتزييف والكشف، والفرَّاء: ليس بثقة» اهـ.
تنبيه: سكوت المؤلف عن بيان وهاء الحديثين مما يستغرب عن مثله، خاصة وقد وقف على كتاب العلو للذهبي، فلعله التقطه من مصدر آخر مجردًا عن العزو أو الإسناد، أو لم يطّلع على كتاب الذهبي في الجمع الأخير الذي تكلم فيه على الأحاديث، والله أعلم.
(الكتاب/128)
وفي «مسند الإمام أحمد» من حديث [ب/ق 22 ب] ابن عباس رضي الله عنهما قصة الشفاعة الحديث بطوله مرفوعًا، وفيه: «فآتي ربي عز وجل فأجده على كرسيه أو سريره جالسًا (1) … » (2).
_________
(1) كذا في جميع النسخ الخطية (أ، ب، ت، ظ، ع) والمطبوعة (مط)، وليست هي في مصادر التخريج والذي في المسند: «فآتى ربي عز وجل على كرسيه ـ أو سريره ـ شكَّ حماد ـ فأخرُّ له ساجدًا» فلعل المؤلف نقلها عن نسخةٍ خطيةٍ مصحَّفة، أو توهّم نظره فانتقل ذهنه من «ساجدًا» إلى «جالسًا»، والله أعلم.
(2) أخرجه أحمد في مسنده (4/ 330 ـ 332) (2546) مطولًا وأبو يعلى في مسنده (4/ 215، 216) (2328)، ومحمد بن أبي شيبة في العرش (46)، والدارمي في الرد على الجهمية رقم (184) وغيرهم.
من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن ابن عباس فذكر مطولًا.
والحديث مداره على: علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف الحديث، وجاء فيه بلفظة غريبة منكرة وهي قول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في الاعتذار عن الشفاعة: «إني اتُّخِذْت إلهًا من دون الله»، والذي في الصحيح أنه لم يذكر ذنبًا، ولا يُعدُّ ذلك ذنبًا.
(الكتاب/129)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يأتوني فأمشي بين أيديهم حتى آتي باب الجنة، وللجنة مصراعان من ذهبٍ، مسيرة ما بينهما خمسمائة عام. ــ قال مَعبد: فكأني أنظر إلى أصابع أنس حين فتحها يقول: مسيرة ما بينهما خمسمائة عام ــ فأستفتح فيؤذن لي، فأدخل على ربي فأجده قاعدًا على كرسي العِزَّة فأخرّ له ساجدًا» (1).
_________
(1) ذكره الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص/118) عن أبي عاصم خشيش بن أصرم بدون سند.
ولم أقف على مَن أخرجه بهذا اللفظ.
ويظهر لي أن هذا اللفظ غريب جدًّا، ولا أُراه يثبت، لأن خشيش بن أصرم خرَّجه من طريق معبد عن أنس فذكره، ومعبد هذا يحتمل:
معبد بن هلال العنزي البصري، ويحتمل: معبد بن سيرين، ويحتمل: معبد بن خالد بن أنس بن مالك، والأول هو الأقرب؛ لأنه راوي حديث الشفاعة الطويل.
وقد رواه جماعة عن حماد بن زيد عن معبد بن هلال عن أنس فذكر الحديث الطويل في الشفاعة وفيه: «فأنطلق أستأذن على ربي، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن».
أخرجه البخاري (7072)، ومسلم (193) (326).
ولم يذكر ما ذكره خشيش بن أصرم: من القعود على الكرسي، ولا المسافة ما بين مصراعي باب الجنة.
ـ ورواه الحسن وقتادة وثابت البناني والنضر بن أنس وعمرو بن أبي عمرو، كلهم عن أنس بن مالك في حديث الشفاعة الطويل، ولم يذكروا ما ذكره خشيش بن أصرم. … =
= … أخرجه البخاري (7072) و (4206، 6975)، ومسلم (193) (322 ـ 325)، وأحمد (3/ 144، 178، 247).
وأيضًا أكثر ما ورد في المسافة ما بين مصراعي باب الجنة (70) عامًا، وهو مع ذلك حديث متكلَّم في ثبوته، انظر: حادي الأرواح (1/ 126، 127).
وهذا يدل على نكارة ذلك الحديث، والله تعالى أعلم.
(الكتاب/130)
رواه خشيش بن أصرم النسائي في «كتاب السنة» له.
وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا، وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل إلى سماء الدنيا جلس على كرسيه، ثم يقول: من ذا الذي يقرض غير عديم ولا ظلوم؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من ذا الذي يتوب فأتوب عليه؟ فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه».
رواه أبو عبد الله بن منده (1)، وروي عن سعيد مرسلًا (2) وموصولًا.
_________
(1) في الرد على الجهمية رقم (56).
من طريق: محفوظ بن أبي توبة عن عبد الرزاق به.
قلت: محفوظ متكلَّم فيه، قال العقيلي في الضعفاء (4/ 267): «كان معهم باليمن إلا أنه لم يكتب كل ذلك، كان يسمع مع إبراهيم أخي أبان، ولم يكن ينسخ، وضعَّف (يعني: الإمام أحمد) أمره جدًّا».
(2) قال ابن منده: وله أصل عند سعيد بن المسيب مرسل. اهـ. الرد على الجهمية (ص/80، 81).
(الكتاب/131)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: «مرسل سعيد عندنا حسن» (1).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا جمع الله الخلائق حاسبهم، فيميِّز بين أهل الجنة والنار، وهو في جنته على عرشه» (2).
قال محمد بن عثمان الحافظ (3): «هذا حديث صحيح».
وعن جابر بن سُليم قال: سمعت رسول – صلى الله عليه وسلم – [ظ/ق 21 ب] يقول: «إن رجلًا ممن كان قبلكم لبس بُردين فتبخْتر فيهما، فنظر الله إليه من فوق عرشه فمَقَته فأمر الأرض فأخذته … » حديث صحيح (4).
وروى عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا يزيد بن عوانة عن محمد بن ذكوان عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا جلوسًا ذات يومٍ بفناء رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، إذ مرَّت بنا امرأة مِنْ بناتِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال رجل من القوم: هذه ابنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (5). فقال أبو سفيان: ما
_________
(1) أخرجه الخطيب في الكفاية (ص/404) بلفظ: «إرسال ابن المسيب عندنا حسن».
وانظر: معرفة السنن والآثار (9/ 213)، وتهذيب الكمال (11/ 74) للمزي.
(2) ذكره الذهبي في «العرش» (2/ 98) (69) وقال: هذا حديث محفوظ عن نوح بن قيس عن يزيد الرقاشي … » ا. هـ. قلت: يزيد الرقاشي ضعيف.
(3) لم أجده في كتب الذهبي المطبوعة، ولعل المؤلف نقله حفظًا.
(4) تقدم في (ص/124).
(5) سقط من (ظ) قوله: «فقال رجل من القوم: هذه ابنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -».
(الكتاب/132)
مثل محمد في بني هاشم إلا كمثل ريحانة في وسط الزِّبْل (1)، فسمعته تلك المرأة فأبلغته رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فخرج [ب/ق 23 أ] رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ـ أحسبه قال: مغضبًا ـ فصعد على منبره وقال: «ما بال أقوالٍ تبلغني عن أقوام؛ إن الله خلق سماواتٍ سبعًا، فاختار العليا فسكنها، وأسكن سماواته مَنْ شاء مِن خلقه، وخلق أرَضِين سبعًا، فاختار العليا فأسكنها مَنْ شاء مِن خلقه، واختار خلقه فاختار بني آدم، ثم اختار بني آدم فاختار العرب، ثم اختار العرب فاختار مُضَر، ثم اختار مُضَر فاختار قريشًا، ثم اختار قريشًا فاختار بني هاشم، ثم اختار بني هاشم فاختارني من بني هاشم، فلم أزل خيارًا من خيار، ألا (2) مَن أحب قريشًا فبحبِّي أحبهم، ومن أبغض قريشًا (3) فببغضي أبغضهم» (4).
_________
(1) هو السرجين وما أشبهه. اللسان (11/ 300).
(2) سقط من (ظ).
(3) في (أ، ظ) والعلو للذهبي رقم (26): «العرب».
(4) أخرجه ابن أبي الدنيا في الإشراف في منازل الأشراف رقم (343)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 388)، والحاكم في المستدرك (4/ 97) رقم (6997)، وابن عدي في الكامل (2/ 248، 249)، (6/ 200)، وابن قدامة في إثبات العلو رقم (29) وغيرهم من طريق محمد بن ذكوان عن عمرو بن دينار به.
ـ قال أبو حاتم الرازي: «هذا حديث منكر» اهـ. علل ابن أبي حاتم رقم (2617).
ـ وقال الذهبي في العلو (1/ 302): «تابعه: حماد بن واقد وغيره عن محمد بن ذكوان ـ أحد الضعفاء ـ وبعضهم يقول فيه: «عبد الله بن دينار» بدل: «عمرو بن دينار»، وهو حديث منكر، رواه جماعة في كتب السنة … » اهـ.
(الكتاب/133)
وقال يعقوب بن سفيان في «مسنده» (1): ثنا ابن المصفَّى ثنا سويد ابن عبد العزيز ثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جدِّه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل جمعة ـ وذكر ما يُعطَون ـ قال: ثم يقول الله تعالى: اكشفوا الحُجُبَ، فيكشفوا (2) حجابًا، ثم حجابًا، حتى يتجلَّى لهم عن وجهه تبارك وتعالى، فكأنَّهم لم يروا نعمةً قبل ذلك، وهو قول الله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق/35] (3).
وقال عثمان الدرامي: «ثنا أبو موسى ثنا أبو عوانة ثنا الأجلح ثنا الضحاك بن مزاحم قال: إن الله يأمر السماء يوم القيامة فتنشق بمن فيها، فيحيطون بالأرض ومن فيها، ثم يأمر السماء الثانية ـ حتى ذكر سبع سماوات ـ فيكونون سبعة صفوف، قد أحاطوا بالناس، ثم ينزل الملك الأعلى جلَّ جلاله في بهائه وجماله ومعه ما شاء من
_________
(1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (852)، من هذا الطريق.
وهو حديث موضوع، آفته: عمرو بن خالد القرشي، قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: «كذَّاب، يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة، يكذب» اهـ.
انظر: تهذيب الكمال للمزي (21/ 605).
(2) كذا في (ظ)!، ولعلها «فيكشفون».
(3) هذا الحديث وخمسة أحاديث بعده إلى قوله: « … فينظرون إليه» من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.
(الكتاب/134)
الملائكة … » (1).
وقال عثمان بن سعيد: ثنا هشام بن خالد الدمشقي ـ وكان ثقةً ـ ثنا محمد بن شعيب بن شابور أنا عمر بن عبد الله مولى غُفْرة عن أنس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: جاءني جبريل [ظ/ق 22 أ] وفي كفِّهِ مرآة فيها نكتة سوداء، فقلت: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة، أَرسَل بها إليك ربك، لتكون هدىً لك ولأُمتك من بعدك، فقلت: وما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خير، أنتم الآخِرون السابقون يوم القيامة، وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله خيرًا هو له قسم إلا آتاه، ولا خيرًا ليس له بقسم إلا ذخر له أفضل منه، ولا يستعيذ بالله من شرِّ ما هو مكتوب عليه إلا دفع عنه أكثر منه. قلت: ما هذه النكتة السوداء؟ قال: هذه الساعة يوم تقوم القيامة، وهو سيد الأيام، ونحن نسمِّيه عندنا يوم المزيد، قلت: ولِمَ تسمونه يوم المزيد يا جبريل؟ قال: لأن ربك اتَّخذ في الجنة واديًا أفيح من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الجبَّار عن عرشه إلى كرسيِّه إلى ذلك الوادي، وقد حُفَّ الكرسي بمنابر من نور، يجلس عليها الصديقون
_________
(1) أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (ص/74، 75) رقم (143).
وأخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال رقم (158)، والطبري في تفسيره (24/ 61، 62)، (27/ 137)، (30/ 186) من طريق أبي أسامة عن الأجلح به.
وهو ثابت عن الضحاك. ويؤيده ما رواه جويبر عن الضحاك بنحوه.
عند ابن أبي الدنيا في الأهوال (160).
(الكتاب/135)
والشهداء يوم القيامة، ثم يجيء أهل الغرف حتى يحفُّوا بالكُثب، ثم يبدو لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى فيقول: أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، وأحللت لكم دار كرامتي، فسلوني.
فيقولون بأجمعهم: نسألك الرضى عنَّا، فيُشْهدهم على الرضى، ثم يقول لهم: سلوني! فيسألونه حتى تنتهي نُهْمة كل عبدٍ منهم، ثم يقول لهم: سلوني! فيسألونه حتى تنتهي نهمة كل عبدٍ منهم، ثم يقول لهم: سلوني! فيقولون: حسبنا ربنا رضينا، فيرجع الجبَّار جلَّ جلاله إلى عرشه، فيفتح لهم بقدر إشراقهم من يوم الجمعة ما لا عينٌ رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم، وهي غُرفة من لؤلؤةٍ بيضاء، وياقوتةٍ حمراء، وزمردةٍ خضراء، ليس فيها فصْم ولا وصْم، مطردة فيها أنهارها، متدلية فيها ثمارها، فيها أزواجها وخدمها ومساكنها، فليسوا إلى يومٍ أحوج منهم إلى يوم الجمعة؛ ليزدادوا فضلًا من ربهم ورضوانًا» (1).
رواه عن أنس جماعة منهم: عثمان بن عمير أبي اليقظان.
ومن طريقه رواه الشافعي في «مسنده»، وعبد الله بن الإمام أحمد
_________
(1) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/76، 77) رقم (144)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (92)، والدارقطني في الرؤية رقم (65).
وسنده ضعيف، عمر مولى غُفْرة في حفظه لين، وهو أيضًا لم يسمع من أنس بن مالك. انظر: المراسيل لابن أبي حاتم رقم (496).
(الكتاب/136)
في «السنة» (1).
ومنهم: أبو صالح (2)، والزبير بن عدي (3)، وعلي
ابن الحكم البُناني (4)،
وعبد الملك بن عمير (5)، ويزيد
_________
(1) رقم (460)، وعند الشافعي رقم (374)، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (88)، والآجري في الشريعة (612)، وابن مندة في الرد على الجهمية (92)، والدراقطني في الرؤية (59، 60، 62) وغيرهم.
وهذا الطريق: مداره على عثمان بن أبي حميد ـ وهو ابن عمير أبو اليقظان ـ ضعَّفه بعضهم، وقال فيه بعضهم: منكر الحديث. وقال فيه آخرون: متروك الحديث.
وهو أيضًا: لم يسمع من أنس.
(2) أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة رقم (395)، وفيه عصمة بن محمد متَّهم بالكذب، وقال بعضهم: متروك الحديث.
(3) لم أقف عليه.
(4) أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/ 228، 229) (4228).
عن شيبان بن فرُّوخ عن الصعق بن حزن عن علي بن الحكم البناني عن أنس فذكر نحوه مطولًا.
وقد خولف شيبان: فرواه محمد بن الفضل السدوسي عن الصعق عن علي بن الحكم البناني عن عثمان بن عمير عن أنس فذكره.
أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 293).
قلت: هذا الصواب، ورواية شيبان خطأ ووهم كما قال أبو زرعة الرازي.
ويؤيِّده: ما رواه سعيد بن زيد عن علي بن الحكم عن عثمان عن عمير عن أنس.
ذكره أبو زرعة الرازي كما في العلل لابن أبي حاتم رقم (571).
(5) لم أقف عليه.
(الكتاب/137)
الرقاشي (1)، وعبد الله بن بريدة (2) كلهم عن أنس.
وصححه جماعة من الحفاظ.
وزاد الشافعي في «مسنده» في آخره: «وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش».
وساقه عثمان بن أبي شيبة (3) من طرق، وقال في بعضها: «ثم يتجلى
_________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5561)، وأبو يعلى في مسنده (7/ 130) (4089)، وتمام في فوائده (109)، الروض البسام مختصرًا.
وفيه يزيد الرقاشي ضعيف.
(2) في الظاهرية (ظ) غير واضحة، وصوَّبتها من «روضة المحبين» للمؤلف (ص/434).
وهذا الطريق: أخرجه الطبراني في الأحاديث الطوال رقم (35)، وابن النحاس في الرؤية رقم (12)، وابن منده في التوحيد رقم 0398) وغيرهم.
من طريق القاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم عن صالح بن حيَّان عن عبد الله ابن بريدة عن أنس فذكره.
وهو حديث منكر، تفرَّد به صالح بن حيان، وهو ضعيف.
قال الذهبي: «صالح ضعيف، تفرَّد به عنه القاضي أبو يوسف» اهـ. العلو (1/ 351) (43).
(3) كذا في النسخة الظاهرية (ظ) ولعلَّه يُريد «محمد بن عثمان بن أبي شيبة» في كتابه «العرش وما روي فيه»، لكن لم يسقه إلا من طريق واحد برقم (88) بمثله إلا جملة «ثم يرتفع على كرسيِّه … إلى غرفهم» فليست عنده في كتاب العرش، وإنما أخرجها بهذه الزيادة: الدارقطني في الرؤية رقم (63)، والخطيب في … =
= … الموضح (2/ 266، 267) وغيرهما من طريق: ليث بن أبي سُليم عن عثمان بن أبي حميد عن أنس بطوله.
وقد تقدم الكلام فيه.
(الكتاب/138)
[ظ/ق 22 ب] لهم ربهم تبارك وتعالى فيقول: أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي، وهذا محلُّ كرامتي» ــ إلى أن قال: ــ «ثم يرتفع على كرسيِّه، ويرتفع معه النبيُّون والصديقون والشهداء، ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم».
وذكر محمد بن الزبرقان عن مقاتل بن حيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة، كما يحتاجون إليهم في الدنيا، وذلك أنهم يزورون ربهم في كل جمعة فيقول لهم: تمنَّوا، فيقولون: وما نتمنَّى وقد أدخلتنا الجنة، وأعطيتنا ما أعطيتنا، فيقال لهم: تمنّوا فيلتفتون إلى العلماء … » (1) وذكر الحديث في قصة الجمعة.
ورواه ابن مندة من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة عن
_________
(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 50)، وابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب (1/ 242) وغيرهما من طريق: مجاشع بن عمرو عن محمد بن الزبرقان به فذكره.
وفيه مجاشع بن عمرو، قال فيه يحيى بن معين: «قد رأيته، أحد الكذَّابين».
ولهذا قال الذهبي: «وهذا موضوع … ». انظر: لسان الميزان (6/ 462).
(الكتاب/139)
النبي – صلى الله عليه وسلم – [وذكر] قصَّة الجمعة بطولها، وفيها: « … يقول: سلوني، فيقولون: أرنا وجهك ربَّ العالمين ننظر إليك؟ فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحُجُب، ويتجلَّى لهم، فينظرون إليه» (1).
وروى الإمام أحمد في «مسنده»: من حديث ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار رضي الله عنه عن أبي هريرة (2) رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان وربٍّ غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك … حتى يُنْتهى بها إلى السماء التي فيها الله تعالى. وإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة
_________
(1) أخرجه ابن بطَّة في الإبانة (3/ 32 ـ 36) (26) «المختار»، والبزار في مسنده (البحر الزخار) رقم (2881)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (338).
من طريق القاسم بن مطيَّب عن الأعمش به فذكره.
قلت: تفرُّد القاسم بن مطيَّب به عن الأعمش دليل على وهائه ونكارته.
والقاسم هذا وإن وثَّقه الدارقطني، فقد قال فيه ابن حبان: «يخطئ عمَّن يروي على قلَّة روايته فاستحق الترك، لمَّا كثُر ذلك منه».
ولهذا قال علي بن المديني: «هذا حديث غريب».
انظر: المجروحين (2/ 213)، والميزان (5/ 461).
(2) سقط من (ب).
(الكتاب/140)
كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة (1) وأبشري بحميمٍ وغساق وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يُعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء. فترسل من السماء، ثم تصير إلى القبر … » (2).
وروى الإمام أحمد أيضًا في «مسنده» من حديث البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولمَّا يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجلسنا حوله، كأنَّ على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به الأرض، فرفع رأسه فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو
_________
(1) سقط من (ظ).
(2) أخرجه أحمد في المسند (14/ 377، 378) (8769)، وابن ماجه (4262، 4268)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 276، 277)، والطبري في تفسيره (8/ 177) وغيرهم.
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: «هذا حديث متفق على عدالة ناقليه … ». مجموع الفتاوى (5/ 445).
وقال: المصنِّف ابن القيم في الروح: «وهو حديث صحيح … ».
وقال البوصيري: «هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات».
لكن قال الحافظ ابن كثير: «هذا حديث غريب». تفسير القرآن العظيم (2/ 143).
(الكتاب/141)
ثلاثًا، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان [ب/ق 23 ب] في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه [ظ/ق 23 أ]، كأنَّ وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مَدَّ البَصَر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فِي السقاء (1)، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طَرْفة عينٍ حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك (2) الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مِسك وُجِدتْ على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا إلى سماء الدنيا، فيستفتحون له فيشيِّعه من كل سماء مقرَّبوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة، فيقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في عِلِّيين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أُعيدهم، ومنها أُخرجهم تارةً أُخرى، قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث
_________
(1) في (ب): «الوعاء».
(2) سقط من (ت).
(الكتاب/142)
فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له (1):
وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أنْ صَدَق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويُفْسَح له في قبره مَدَّ بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، فهذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يبشر بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقِمِ الساعة، ربِّ أقِمِ الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي … » (2)، وذكر الحديث.
وهو حديث صحيح، صحَّحه جماعة من الحفاظ.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي الإمام الحافظ [ب/ق 24 أ] أحد أئمة الإسلام: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ـ وهو ابن سلمة ـ حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن
_________
(1) سقط من (ب) ..
(2) أخرجه أحمد في المسند (30/ 499 ـ 503) رقم (18534 ـ 18536)، وأبو داود (3212، 4753، 4754)، والنسائي (4/ 78)، وابن ماجه (1548، 1549)، والحاكم في المستدرك (1/ 93) (107)، وابن منده في الإيمان (1064) وغيرهم.
من طريق زاذان عن البراء بن عازب فذكره.
والحديث صححه: أبو عوانة وابن منده والحاكم والبيهقي والمؤلف وغيرهم.
(الكتاب/143)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لما أُسْريَ بي مررت برائحة طيبة، فقلت: يا جبرائيل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون [ظ/ق 23 ب] وأولادها، كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت: بسم الله، فقالت ابنته: أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله، فقالت: أُخْبِر بذلك أبي، فقالت: نعم (1)، فأخبرته فدعا بها، فقال: مَنْ ربكِ؟ هل لك ربٌّ غيري؟ قالت: ربي وربك الله الذي في السماء، فأمر بنقرةٍ من نحاس فأُحميت، ثم دعا بها وبولدها فألقاهم فيها»، وساق الحديث بطوله (2).
_________
(1) قوله «فقالت: نعم» سقط من (ب).
(2) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية رقم (73)، وأحمد في مسنده (5/ 30 ـ 32) (2821 ـ 2824)،والبزار في البحر الزخار (5067)، وأبو يعلى رقم (2517)، والطبراني في الكبير (11/ 450) (12279)، وابن حبان (2903، 2904) وغيرهم.
فقال ابن كثير: «إسناده لا بأس به».
قال الذهبي في العلو (1/ 461) رقم (84): «هذا حديث حسن الإسناد».
والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وغيرهم.
وقال البزار: «وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من وجه متَّصل إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد».
قلت: عطاء بن السائب كان قد اختلط، وحماد بن سلمة تفرَّد بالحديث عن عطاء، وهو يخطئ إذا روى عن غير المتثبِّت فيهم، وأيضًا مختلف في حاله في عطاء هل سمع منه قبل الاختلاط أم بعده أم في الحالين؟ وقد قال علي بن المديني: قلت ليحيى (يعني: القطان): وكان أبو عوانة حمل عن عطاء بن … =
= … السائب قبل أن يختلط، فقال: كان لا يفصل هذا من هذا، وكذلك حماد بن سلمة.
وهذا النص يشعر بأن حمادًا سمع منه في الحالين، ويبيِّن أن حاله كحال أبي عوانة، وأنه لا يفصل ما رواه قبل الاختلاط عن ما رواه بعده.
وعليه فلا أقل من التوقُّف عن قبول هذا الرواية؛ إن لم يصح ردُّها، والله أعلم.
(الكتاب/144)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كان ملك الموت يأتي الناس عيانًا (1)، فأتى موسى فلطمه، فذهب بعينه، فعرج إلى ربه عز وجل فقال: يا رب بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه. فقال: ارجع إلى عبدي فقل له: فليضع يده على متن ثور فله بكل شعرة توارت بيده سنة يعيشها، فأتاه فبلَّغه ما أمَرهُ (2) به، فقال: ما بعد ذلك؟ قال الموت: قال: الآن طابت نفسي (3) فشَمَّه شَمَّة قبض روحه فيها، وردَّ الله على ملك الموت بصره» (4).
_________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ظ): «أُمِر».
(3) قوله: «طابت نفسي» من (ظ) فقط.
(4) أخرجه أحمد في المسند (16/ 525، 526) رقم (10904، 10905)، والحاكم في المستدرك (2/ 632) (4107)، والكلاباذي في بحر الفوائد (ص/355) من طريق جماعة عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة فذكر مثله.
وظاهر إسناده الصحة، لكن لفظه: «إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانًا» غريبة، فقد روى الحديث عن أبي هريرة غير واحد لم يذكروا هذه اللفظة.
(الكتاب/145)
هذا حديث صحيح أصله وشاهده في «الصحيحين» (1).
وقال أيضًا: حدثنا أبو هشام (2) الرفاعي حدثنا إسحاق بن سليمان حدثنا أبو جعفر الرازي عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لمَّا أُلقيَ إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحدٌ، وأنا في الأرض واحدٌ أعبدك» (3).
_________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3226) ولم يسق لفظه، ومسلم (2372) (158) بنحوه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة.
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة فذكر نحوه موقوفًا.
أخرجه البخاري (1274، 3226)، ومسلم (2372) ــ (157).
وقد وقع اختلاف في رفعه ووقفه، والوقف أصح. انظر: تحقيق المسند (13/ 84، 85).
(2) في (ب): «هاشم»، وهو خطأ.
(3) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية رقم (75) وفي النقض على بشر المريسي رقم (121)، والبزار في مسنده (2349) كشف الأستار، وأبو نعيم في الحلية (1/ 19)، والخطيب في تاريخه (10/ 344) وغيرهم.
قال البزار: «لا نعلم رواه عن عاصم إلا أبو جعفر، ولا عنه إلا إسحاق، ولم نسمعه إلا من أبي هشام».
قلت: الحديث مداره على أبي هشام الرفاعي محمد بن يزيد بن رفاعة، قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه. وقال ابن نمير: كان أضعفنا طلبًا، … =
= … وأكثرنا غرائب». وقال ابن معين: «وما أرى به بأسًا». ونحوه قال العجلي، ووثقه الدارقطني. وقال ابن حبان: «كان يخطئ ويخالف».
قال الذهبي في العلو (1/ 290): «هذا حديث حسن الإسناد، رواه جماعة عن إسحاق» اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار (2/ 265) رقم (1841): «والإسناد حسن» اهـ.
لكن قال الذهبي في الميزان (6/ 371) في ترجمة أبي هشام ـ وذكر هذا الحديث ضمن ما أُنكر عليه وقال: «غريب جدًّا».
(الكتاب/146)
وفي (1) «الترمذي» من حديث الأوزاعي حدثني حسَّان بن عطية عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة: أسألُ الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة، فقال سعيد: أوَفيها سوق؟! قال: أخبرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون الله تبارك وتعالى، فيُبْرز لهم عرشه، ويتبدَّى لهم في روضةٍ من رياض الجنة، فيوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم ـ وما فيهم دَنِيٌّ ـ على كثبان المسك والكافور، ما يرون أن أهل الكراسي بأفضل منهم مجلسًا» قال أبو هريرة: فقلت: يا رسول الله، وهل نرى ربنا؟ قال: «نعم، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟» قلنا:
_________
(1) هذا الحديث من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.
(الكتاب/147)
لا. قال: «كذلك لا تمارون في رؤية [ظ/ق 24 أ] ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله مُحاضرةً، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان، أتذكر يوم كذا وكذا، عملت كذا وكذا؟ فيذكِّره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يارب أفَلمْ تغفر لي؟ فيقول: بلى، فبِسَعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه، قال: فبينا هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبًا، لم يجدوا مثل ريحه شيئًا قط، ثم يقول: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقًا قد حفَّت به الملائكة، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، فيُحمل إلينا ما اشتهينا، ليس يُباع فيه ولا يُشترى، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضًا، فيُقبِل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه ـ وما فيهم دنيٌّ ـ فَيَرُوعُهُ ما عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثَّل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يحزن فيها، ثم ننصرف إلى منازلنا، فتتلقانا أزواجنا فيقلْنَ: مرحبًا وأهلًا، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أكثر مما رافقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبَّار، ويحقُّنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا» (1).
_________
(1) أخرجه الترمذي رقم (2549)، وابن ماجه رقم (4336)، وابن أبي عاصم في السنة رقم (585)، والعُقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 41)، وابن حبان في صحيحه (16/ 466 ـ 468) رقم (7438) وغيرهم.
من طريق: عبد الحميد بن أبي العشرين عن الأوزاعي فذكره. … =
= … وقد خولف عبد الحميد.
خالفه: الهقل بن زياد والوليد بن مزيد وأبو المغيرة عبد القدوس كلهم عن الأوزاعي قال: أُنبئتُ أن سعيد بن المسيب به فذكره.
أخرجه ابن حبيب في وصف الفردوس رقم (171)، والإمام أحمد كما في مسائل أبي داوود (ص/294)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة (256)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 52، 53).
قلت: هذا هو الصواب، وحديث ابن أبي العشرين خطأ ووهم، وهو صدوق يخطئ، تفرد بالحديث عن الأوزاعي بهذا الإسناد، فالحديث ضعيف الإسناد لجهل الواسطة بين الأوزاعي وسعيد بن المسيب ولذا ضعَّفه الترمذي بقوله: «هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه».
انظر: حادي الأرواح (1/ 177).
(الكتاب/148)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (1) يرفعه: «عجبت من ملكين نزلا يلتمسان عبدًا في مصلاه، كان يصلي فيه فلم يجداه، فعرجا إلى الله فقالا: يا ربنا عبدك فلان كنا نكتب له من العمل فوجدناه قد حبسته في حبالك، فقال: اكتبوا لعبدي عمله الذي كان يعمل» (2). رواه ابن أبي
_________
(1) كذا عند المؤلف، وفي جميع المصادر «ابن مسعود».
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات رقم (75)، والطبراني في الأوسط (2/ 11) (2317)، والبزار في مسنده البحر الزخار «مختصرًا» (5/ 167) (1761)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 266، 267) وغيرهم من طريق: محمد بن أبي حميد عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن ابن مسعود فذكره.
والحديث تفرد به محمد بن أبي حميد، كما قال الطبراني، وأشار إليه البزار،=
= … محمد هذا ضعيف الحديث.
قال الحافظ الهيثمي في المجمع (2/ 304): « … وفيه محمد بن أبي حميد: ضعيف جدًّا» اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: «هذا حديث ضعيف الإسناد» اهـ.
(الكتاب/149)
الدنيا، وله شاهد في «البخاري» (1).
وفي حديث عبد الله بن أُنيس الأنصاري: الذي رَحَل إلى جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه من المدينة إلى مصر حتى سمعه منه، وقال له: بلغني أنك تُحدِّث بحديث في القِصَاص عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم [ب/ق 24 ب] أشهده، وليس أحد أحفظ له منك، فقال: نعم، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إن الله يبعثكم يوم القيامة حفاةً عُراة غُرْلًا بُهْما، ثم يجمعكم (2) ثم ينادي ـ وهو قائم على عرشه ـ» (3)
وذَكَرَ الحديث.
_________
(1) لعله يقصد ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2834) من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر، كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا».
(2) في (ب، ظ): «يجمعهم».
(3) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/112، 113)، رقم (28)، من طريق إسحاق بن بشر عن عثمان بن ساج عن مقاتل بن حيان عن أبي الجارود العبدي عن جابر فذكره.
قال الذهبي في العلو (1/ 560): حديث في المبتدأ لإسحاق بن بشر ـ وهو كذَّاب ـ فذكره، وقال بعد أن ذكر الحديث: «فهذا شبه موضوع».
ـ وله طريق آخر: يرويه عمر بن الصبح عن مقاتل بن حيَّان به فذكره. … =
= … أخرجه الخطيب البغدادي في كتاب الرحلة في طلب الحديث (ص/115)، رقم (33).
وعمر هذا قال ابن حبان فيه: «يضع الحديث على الثقات».
ــ والمشهور في هذه الرحلة: ما رواه عبد الله بن محمد عن عقيل عن جابر فذكره بطوله. وليس فيه موضع الشاهد «وهو قائم على عرشه».
علَّقه البخاري في صحيحه (1/ 41)، في (3) كتاب العلم، (19) باب: الخروج في طلب العلم، ووصله في الأدب المفرد رقم (970) وغيره، وصححه وحسنه جماعة من أهل العلم.
ــ وجاء أيضًا من طريق الحجاج بن دينار عن ابن المنكدر عن جابر به مطولًا وليس فيه موطن الشاهد، عند الطبراني في مسند الشاميين رقم (156).
(الكتاب/150)
احتجَّ به أئمة أهل السنة أحمد بن حنبل وغيره.
وفي «الصحيحين» عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبَّيك ربنا وسعديك [ظ/ق 24 ب] والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أُعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأيُّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا» (1).
وروى «الترمذي» عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «يجمع اللهُ
_________
(1) أخرجه البخاري (6183)، ومسلم (2829).
تنبيه: هذا الحديث والذي بعده إلى « … أهل النار» من (ظ) فقط.
(الكتاب/151)
الناس يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ، ثم يطّلع عليهم رب العالمين تبارك وتعالى، فيقول: ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد، فيُمثَّل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون، فيطلع عليهم رب العالمين، فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك، اللهُ ربنا، وهذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم ثم يتوارى، ثم يطلع فيقول: ألا تتبعون الناس، فيقولون: نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك، اللهُ ربنا، وهذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم» ـ قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: «وهل تضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ـ قال: ثم يتوارى ثم يطلع فيعرفهم نفسه، ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيقوم المسلمون، ويوضع الصراط فيمرون عليه مثل جياد الخيل والرِّكاب، وقولهم عليه: سلِّم سلِّم، ويبقى أهل النار، فيطرح منهم فيها فوج، فيقال: هل امتلأت، فتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق/30]، حتى إذا أُوعِبوا فيها وضع الرحمن تبارك وتعالى فيها قدمه، فأُزْوِيَ (1) بعضها إلى بعض، وقالت: قط قط، فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنةَ، وأهلَ النار النارَ؛ أُتيَ بالموت مُلبَّبًا، فيُوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطَّلعون [خائفين، ثم يقال: يا أهل النار،
_________
(1) في نسخة على حاشية (ظ): «فانزوى».
(الكتاب/152)
فيطلعون] (1) مستبشرين يرجون الشفاعة، فيقال لأهل الجنة والنار: هل تعرفون هذا؟ فيقول هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه، هو الموت الذي وُكِّل بنا، فيضجع فيُذْبح على السور، ثم يُقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت» (2).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. اهـ.
وأصله في «الصحيحين» (3)، لكن هذا السياق أجمع وأخطر.
وفي لفظٍ للترمذي: «فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدًا مات حزنًا لمات أهل النار» (4).
وروى الحارث بن أبي أسامة في «مسنده»: من حديث عبادة بن نُسَي عن عبد الرحمن بن غَنْم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله ليكره في السماء [ظ/ق 25 أ] أن
_________
(1) ما بين المعكوفتين سقط من (ظ)، واستدركته من جامع الترمذي (2557) ..
(2) أخرجه الترمذي رقم (2557)، والنسائي في الكبرى (11569)، وابن خزيمة في التوحيد رقم (123، 251) وغيرهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فذكره.
قلت: لفظة «خائفين» غريبة، لم ترد في الروايات الصحيحة.
راجع: حادي الأرواح للمؤلف (2/ 814).
(3) أخرجه البخاري (4730، 6548)، ومسلم رقم (2849، 2850).
(4) أخرجه الترمذي رقم (2558).
(الكتاب/153)
يُخَطَّأ أبو بكر في الأرض» (1) ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الرؤيا: «أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا» (2)، لوجهين:
أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى يكره تخْطِئة غيره من آحاد الأُمة له لا تخْطئة الرسول – صلى الله عليه وسلم – له في أمرٍ ما، فإن الحق والصواب مع الرسول (3) – صلى الله عليه وسلم – قطعًا بخلاف غيره من الأُمة، فإنه إذا أخطأ الصديق رضي الله عنه لم يتحقق أن الصواب معه، بل ما تنازع الصديق وغيره في أمرٍ ما إلا وكان الصواب مع الصديق رضي الله عنه.
_________
(1) أخرجه الحارث في مسنده ــ رقم (956) ـ كما في بغية الباحث للهيثمي، والقطيعي في زوائده على فضائل الصحابة (1/ 421، 422) (659)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 204)، وابن بطة في الإبانة رقم (142) وغيرهم.
من طريق: أبي الحارث عن بكر بن خنيس عن محمد بن سعيد به فذكره.
قال الذهبي: «أبو الحارث مجهول، وبكر واهٍ، وشيخه المصلوب: تالف، والخبر غير صحيح، وعلى باغض الصديق اللعنة … » اهـ. العلو (1/ 546).
قال الشوكاني: «وهو موضوع، وفي إسناده محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة، وكذلك في إسناده نصر بن حماد الوراق وهو كذاب». الفوائد المجموعة (ص/335).
وله طريق آخر تالف، عند الطبراني في الكبير (2/ 67، 68) (124) وغيره.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (6639)، ومسلم (2269) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(3) قوله «في أمرٍ ما، فإن الحق والصواب مع الرسول – صلى الله عليه وسلم -» سقط من (ت).
(الكتاب/154)
الثاني: أن التخطئة هنا نِسْبتهُ إلى الخِطْءِ الذي هو الإثم، كقوله تعالى: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء/31]، لا من الخطأ الذي هو ضِدُّ التعمُّد (1)، والله أعلم.
وفي «صحيح البخاري» (2): عن أبي هريرة أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنَّه سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم، قالوا: ما قال ربكم؟ قالوا: الحقَّ وهو العلي الكبير … » الحديث (3).
وروى أبو نعيم من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن العبد ليشرف على حاجةٍ من حاجات الدنيا، فيذكره الله من فوق سبع سماوات، فيقول: ملائكتي إن عبدي هذا قد أشرف على حاجة من حاجات الدنيا، فإن فتحتها له فتحت له بابًا من أبواب النار؛ ولكن أزووها عنه، فيصبح العبد عاضًّا على أنامله يقول: مَنْ دهاني من
_________
(1) وقع اضطراب في النسخ في هذه العبارة، فجاء في (أ، ب، ت): «الذي هو الإثم، لقوله تعالى … ». وفي (ظ): «الخطأ الذي هو ضدّ قوله تعالى .. »، ووقع في (ع): «العمد» بدل «التعمُّد». وفي (مط): « … نسبة الخطأ العمد الذي هو الإثم كما قال تعالى … لا من الخطأ الذي هو ضد العلم والتعمد».
(2) (4/ 1804) رقم (4522).
(3) هذا الحديث من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.
(الكتاب/155)
سبقني؟ وما هي إلا رحمة رحمه الله بها» (1).
وفي «مسند الإمام أحمد» من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل، فأُحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم» (2).
_________
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 304، 305)، (7/ 208)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/100، 101)، رقم (19).
من طريق صالح بن بيان عن شعبة به.
قال أبو نعيم: «هذا حديث غريب من حديث شعبة، تفرَّد به صالح» اهـ.
قال الذهبي في العلو (1/ 452): «صالح تالف، والحديث موضوع، ولا يحتمل شعبة هذا».
(2) أخرجه أحمد في المسند (36/ 85، 86) رقم (21753)، والنسائي (2357)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 18)، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة رقم (1356).
من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن ثابت بن قيس عن أبي سعيد المقبري حدثني أسامة بن زيد فذكره.
ــ ورواه زيد بن الحباب عن ثابت عن أبي سعيد حدثني أبو هريرة عن أسامة فذكره.
أخرجه النسائي (2358)، وابن أبي شيبة في المصنف (9858).
وظاهر إسناده حسن؛ لكن الحديث تفرَّدَ به ثابت بن قيس ـ وهو صدوق يخطئ ـ عن أبي سعيد المقبري فإن كان حفظه فهو ثابت، وقد يُرجح ثبوته لوروده من وجه آخر عن أسامة، والله أعلم.
(الكتاب/156)
وفي (1) «الثقفيات»: من حديث جابر بن سليم (2) رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلًا ممن كان قبلكم لبس بُرْدَين، فتبختر فيهما، فنظر الله [ب/ق 25 أ] إليه من فوق عرشه فمقته، فأمر الأرض فأخذته، فهو يتجلجل في الأرض (3)، فاحذروا وقائع الله» (4)، وأصله في الصحيحين (5).
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبدة بن سليمان عن أبي حيَّان عن حبيب بن أبي ثابت أن حسان بن ثابت رضي الله عنه أنشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
شهِدتُ بإذن الله أنّ محمدًا … رسول الذي فوق السماوات من علُ
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما … له عمل في ربِّه (6) مُتقبَّلُ
_________
(1) سقط هذا الحديث من (أ، ت، ع).
(2) في (ظ): «سليمان»، وهو خطأ.
(3) قوله: «في الأرض»، سقط من (ب).
(4) تقدم هذا الحديث (124، 132).
(5) في (ب، مط): «الصحيح».
(6) كذا في جميع النسخ، وفي المصنف لابن أبي شيبة وديوان حسان وغيره: «دينه».
(الكتاب/157)
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم … يقول بذات الله فيهم (1) ويعدل (2)
وفي (3) «الصحيحين» من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون (4): لبَّيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؛ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم
_________
(1) كذا في جميع النسخ والمصنف، وفي ديوان حسان:
وأن أخا الأحقاف إذ يعذلونه … يجاهد في ذات الإله ويعدل
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (13/ 286، 287) رقم (26540)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 61) رقم (2653)، وزاد (أبو يعلى) فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وأنا».
وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (23).
قلت: حبيب بن أبي ثابت لقي ابن عباس، وسمع من عائشة، ولم يسمع من غيرهما من الصحابة. قاله علي بن المديني كما في جامع التحصيل (ص/158)، رقم 117، وعليه لم يسمع من حسان بن ثابت.
ولهذا قال الذهبي والهيثمي: هذا مرسل. انظر: العلو (1/ 424)، ومجمع الزوائد (1/ 24).
(3) هذا الحديث والذي بعده من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.
(4) في الأصل (ظ): «فنقول».
(الكتاب/158)
أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأيُّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدًا» (1).
وقال هشام: ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا عبد الرحمن بن سليمان ثنا سعيد بن عبد الله الجرشي القاضي أنه سمع أبا إسحاق الهمداني يُحدث عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يرفعه، قال: «إن الله إذا أسكن أهل الجنةِ الجنةَ، وأهل النارِ النارَ، بعث إلى أهل الجنة الروح الأمين، فيقول: يا أهل الجنة: إن ربكم يقرئكم السلام، ويأمركم أن تزوروه إلى فناء الجنة ــ وهو أبطح الجنة ــ تربته المسك، وحصباؤه الدُّر والياقوت، وشجرهُ الذهب الرطب، وورقه الزُّمرُّد، فيخرج أهل الجنة مستبشرين مسرورين فثمَّ يجمعهم، وثمَّ كرامة الله، والنظر إلى وجهه، وهو موعد الله أنجزه لهم، فيأذن الله لهم في السماع والأكل والشرب، ويُكسَون حُلل الكرامة، ثم ينادي منادٍ: يا أولياء الله: هل بقي مما وعدكم ربكم شيء؟ فيقولون: لا، وقد أنْجزنا ما وعدنا، وما بقي شيء إلا النظر إلى وجهه، فيتجلَّى لهم الرب في حجبٍ، فيقول: يا جبريل: ارفع حجابي لعبادي كي ينظروا إلى وجهي. قال: فيرفع الحجاب الأوَّل، فينظرون إلى نورٍ من نور الرَّب فيخرُّون له سُجَّدًا، فيناديهم الرب: يا عبادي ارفعوا رؤوسكم، فإنها ليست بدار عمل، إنما هي دار ثواب، فيرفع الحجاب الثاني، فينظرون أمرًا هو أعظمُ وأجلُّ، فيخرُّون لله حامدين
_________
(1) تقدم (ص/151).
(الكتاب/159)
ساجدين، فيناديهم الرب: ارفعوا رؤوسكم، إنها ليست بدار عمل إنما هي دار ثواب ونعيم مقيم. فيرفع الحجاب الثالث، فعند ذلك ينظرون إلى وجه رب العالمين، فيقولون حين ينظرن إلى وجهه: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. فيقول: كرامتي أمكنتكم من النظر إلى وجهي، وأدخلتكم داري، فيأذن للجنة أن تكلمي، فتقول: طوبى لهم وحُسْن مآب، [وهو] قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1)
[القيامة/ 22، 23] [ظ/ق 26 أ].
وقال شيخ الإسلام الهروي (2): أخبرنا علي بن بشر (3) أخبرنا ابن منده أخبرنا خيثمة بن سليمان حدثنا السَّري بن يحيى حدثنا هناد بن السَّري حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعد (4) البقَّال عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن اليهود أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – فسألوه عن خلق السماوات والأرض فذكر حديثًا طويلًا … قالوا: ثم ماذا يا محمد؟ قال: «ثم استوى على العرش»، قالوا: أصبت يا محمد لو أتممت، ثم استراح، فغضب غضبًا شديدًا فأنزل الله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي
_________
(1) أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة (3/ 237) رقم (397) من طريق: سعيد عن أبي إسحاق به مختصرًا. وسنده ضعيف جدًّا، الحارث متهم بالكذب ..
(2) من (ظ) فقط، والهروي هذا: هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري كما سيأتي.
(3) قوله: «أخبرنا علي بن بشر» سقط من (ظ)، ووقع في (أ، ت، ع): «بشرى» بدل «بشر».
(4) في جميع النسخ: «سعيد» وهو تصحيف.
(الكتاب/160)
سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} (1) [ق/38].
_________
(1) أخرجه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (3/ 21) رقم (819)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (4/ 1362) رقم (878)، والطبري في تفسيره (24/ 94)، والواحدي في أسباب النزول (ص/397)، والحاكم في المستدرك (2/ 592) رقم (3997)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 202، 203) رقم (765).
كلهم من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي سعد البقَّال به فذكره.
وقد خولف أبو بكر بن عياش، خالفه سفيان بن عيينة واختلف عليه في وصله وإرساله.
قلت: الحديث مداره على أبي سعد البقال واسمه: سعيد بن المرزبان، ضعيف الحديث، وقال غير واحد: متروك الحديث، وقال البخاري وأحمد: منكر الحديث. وهذا الاضطراب في الوصل والإرسال منه، ولهذا قال الذهبي متعقِّبًا تصحيح الحاكم: «قلت: فيه أبو سعد البقال: قال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 245) ــ عن هذا الحديث المرفوع ــ: «فيه غرابة».
وكأن إرسال الحديث عن عكرمة أشبه.
بدليل ما رواه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عكرمة فذكر معناه مرسلًا وموصولًا.
أخرجهما أبو الشيخ في العظمة رقم (887، 888).
ولعل هذا الاضطراب في الوصل والإرسال راجع إلى أن حماد بن سلمة سمع من عطاء بن السائب في الحالين قبل الاختلاط وبعده.
(الكتاب/161)
فصل
فيما حُفِظ عن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتابعين والأئمة الأربعة (1) وغيرهم من ذلك:
قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه (2):
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال: لما قُبِض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال أبو بكر رضي الله عنه: «أيها الناس إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون، فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء، فإن إلهكم لم يمت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران/ 144] حتى ختم الآية (3).
_________
(1) سقط من (ظ).
(2) وقع في النسخة (ب) اضطراب في ترتيب سياق الكلام الآتي: فجاء أوَّلًا متن حديث ابن أبي شيبة بدون سند، ثم تلاه: إسناد البخاري في تاريخه، ثم دخل عليه جملة «قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه»، ثم أعقبه إسناد ابن أبي شيبة، ثم دخل عليه متن البخاري في تاريخه.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (20/ 560 ـ 562) (38176)، والدارمي في النقض على بشر المريسي (ص/300، 301)، رقم (136)، وفي الرد على الجهمية رقم (78)، والبزار في البحر الزخار (1/ 182، 183) رقم (103) مطولًا، وغيرهم.
قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلم رواه عن نافع عن ابن عمر إلا فضيل بن غزوان».
وقال الذهبي في العلو (1/ 600): «هذا حديث صحيح».
(الكتاب/162)
وقال البخاري في «تاريخه»: قال محمد بن فُضَيل: عن فُضَيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل أبو بكر رضي الله عنه عليه فأكبّ عليه (1) وقبّل جبهته (2) وقال: بأبي أنت وأُمي، طِبتَ حيًّا وميتًا، وقال: «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حيٌّ (3) لا يموت» (4).
وفي «صحيح البخاري» من حديث سهل بن سعد [ب/ق 25 ب] الساعدي رضي الله عنه: «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصْلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه ـ فذكر الحديث ـ وفيه «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى أبي بكر أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره (5) به رسول الله ثم استأخر … » (6) فذكره.
_________
(1) قوله: «فأكبَّ عليه» سقط من: (ب، ع)، واستدركها ناسخ (أ) في الحاشية.
(2) في (ب): «وجهه».
(3) سقط من (ب).
(4) أخرجه البخاري في تاريخه الكبير تعليقًا (1/ 201، 202).
(5) في (ب): «أمَرَ».
(6) أخرجه البخاري (6529)، ومسلم (421).
(الكتاب/163)
ذكر (1) قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن إسماعيل عن قيس قال (2): لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونًا تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر رضي الله عنه: لا أراكم هاهنا إنما الأمر من هاهنا، وأشار بيده إلى السماء» (3).
وذكر أبو نعيم بإسناده عنه: «ويل لديَّان الأرض من ديَّان السماء يوم يلقونه؛ إلا من أمر بالعدل، وقضى بالحق ولم يقض على هوًى، ولا على (4) رغب ولا على رهب، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه» (5).
_________
(1) ليس في (ظ).
(2) سقط من (ب).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (18/ 319) (34536)، (19/ 138) (35584).
ومن طريقه: أبو نعيم في الحلية (1/ 47)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/149)، رقم (56)، والذهبي في العلو (1/ 606) رقم (152).
قال الذهبي: «إسناده كالشمس».
(4) ليس في (ظ)، وكذلك «على» التي بعدها.
(5) أخرجه الإمام أحمد في الزهد رقم (661)، وابن أبي شيبة في المصنف (11/ 594) (23416)، والدرامي في الرد على بشر المريسي رقم (133)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 117)، وسمويه في فوائده ـ ومن طريقه: الذهبي في العلو رقم (155).
وسنده صحيح.
(الكتاب/164)
وقال (1) ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس، قال: «لمَّا قدم عمر الشام [ظ/ق 26 ب] استقبله الناس وهو على بعيره، فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونًا تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: ألا أراكم هاهنا إنما الأمر من هاهنا، وأشار بيده إلى السماء» (2).
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد المدني قال: لقيتْ امرأةٌ عمرَ ابن الخطاب رضي الله عنه ـ يقال لها: خولة بنت ثعلبة ـ رضي الله عنها ـ وهو يسير مع الناس فاستوقفته، فوقف لها (3) ودنا منها وأصغى إليها رأسه حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش على هذه العجوز قال: ويلك تدري من هذه؟ قال: لا (4) قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها، إلا أن تحضرني صلاة فأصليها، ثم أرجع إليها حتى
_________
(1) هذا الحديث سقط من (مط)، وجميع النسخ المطبوعة.
(2) تقدم تخريجه قريبًا.
(3) ليس في (ظ).
(4) قوله: «قال: لا»: سقط من (ب).
(الكتاب/165)
تقضي حاجتها» (1).
وقال خُلَيد بن دعلج عن قتادة قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المسجد ومعه جارود العبدي فإذا بامرأة [ب/ق 26 أ] بارزة على ظهر الطريق فسلم عليها عمر رضي الله عنه فردت عليه السلام وقالت: إيهًا يا عمر، عهدتك وأنت تُسمَّى عُميرًا في سوق عكاظ، تزع الصبيان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سُمِّيت عمر، ولم تذهب الأيام حتى سميت (2) أمير المؤمنين؛ فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال الجارود: قد أكثرت (3) أيتها المرأة على أمير المؤمنين، فقال عمر رضي
_________
(1) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/45)، رقم (79)، وفي الرد على بشر المريسي رقم (62)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 322) رقم (886) وغيرهم.
قال الذهبي: «هذا إسناد صالح، فيه انقطاع، أبو يزيد المدني لم يلحق عمر».
قال ابن كثير: «هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب، وقد روي من غير وجهٍ» ا. هـ. قلت: وله طرق عن عمر في أسانيدها مقال.
انظرها في التاريخ الكبير للبخاري (7/ 245)، والكنى والأسماء للدولابي (2/ 36).
(2) قوله: «عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سُمِّيت» سقط من (ظ).
(3) قوله: «قد أكثرت»، جاء في (ظ): «أكثرت»، وفي (ب): «اجترأت أكثرت»، وفي تاريخ المدينة «فقد اجترأت».
(الكتاب/166)
الله عنه: «دعها، أمَا تعرفها هذه خولة بنت حكيم … التي سمع الله قولها من فوق سبع سموات فعمر والله (1) أحق أن يسمع لها» (2).
قال ابن عبد البر (3): «وروينا (4) من وجوهٍ عن عمر بن الخطاب أنه خرج ومعه الناس فمرَّ بعجوزٍ فاستوقفته؛ فوقف لها (5) فجعل يحدثها وتحدثه، فقال له (6) رجل: يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز، قال: ويلك تدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات. وذكر الحديث.
قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى في «كتاب الاستيعاب» (7): «رُوِّينا من وجوهٍ صحاح: أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مشى إلى أمَةٍ له
_________
(1) ليس في (ظ).
(2) أخرجه ابن شبه في تاريخ المدينة (2/ 394 ـ 395، 773، 774).
قال الحافظ ابن حجر: خليد ضعيف سيئ الحفظ.
وفيه الانقطاع بين قتادة وعمر بن الخطاب، وفي متنه ألفاظ غريبة.
(3) في الاستيعاب (ص/894)، رقم (3284).
(4) في (أ، ت، ع): «وحُدِّثنا».
(5) سقط من (ب).
(6) سقط من (ع).
(7) (ص/397، 398).
(الكتاب/167)
فنالها، فرأته امرأته فلامته فجَحَدها، فقالت: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن، فإن الجنب لا يقرأ، فقال:
شهدت بأن وعد الله حق … وأن النار مثوى الكافرينا [ظ/ق 27 أ]وأن العرش فوق الماءِ طافٍ … وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد … ملائكة الإله مسومينا
فقالت: آمنت بالله، وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن (1)» (2).
_________
(1) في (ع): «من القرآن».
(2) رويت هذه القصة من وجوهٍ مرسلة، بألفاظٍ متنوعة:
1 ـ رواه ابن وهب عن عبد الرحمن بن سلمان عن ابن الهاد: أن امرأة ابن رواحة رأته على جارية له … نحوه.
أخرجه ابن عساكر في تاريخه (28/ 114).
2 ـ ورواه أسامة بن زيد الليثي عن نافع فذكره .. مرسلًا.
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (26547) لكن ذكر بيتين من أبيات حسان بن ثابت المتقدم (ص/ 162).
3 ـ ورواه محمد بن عباد عن عبد العزيز بن أخي الماجشون قال: بلغنا فذكر القصة مرسلة.
أخرجه ابن عساكر في تاريخه (28/ 112)، والذهبي في السير (1/ 238).
4 ـ ورواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب أنه حدَّثه أن عبد الله بن رواحة … فذكر نحوه.
أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية رقم (82).
وسنده ضعيف لجهالة حال قدامة هذا، وللانقطاع بين قدامة وعبد الله بن رواحة.
ولهذا قال الذهبي: «فهو منقطع».
5 ـ ورواه زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة قال: كان عبد الله بن رواحة فذكر معناه، وفيه ألفاظ مرفوعة.
أخرجه ابن أبي الدنيا في الإشراف رقم (211)، وابن عساكر (28/ 116) وغيرهما.
وهو حديث مرسل ضعيف الإسناد منكر المتن.
قلت: كلها مراسيل، وألفاظها مختلفة، وفيها نكارة ظاهرة وهي: عدم تمييز المرأة الصحابية العربية بين الشعر والقرآن الكريم!
(الكتاب/168)
قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ـ يعني: ـ ابن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي مسيرة (1) خمسمائة عام، وبين الكرسي [ب/ق 26 ب] إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله جل وعلا فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم
_________
(1) سقط من (ب).
(الكتاب/169)
عليه» (1).
وروى الأعمش عن خيثمة عنه: «إن العبد لَيهمُّ بالأمر من التجارة أو الإمارة (2)، حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات، فيقول للملك: «اصرفه عنه، قال: فيصرفه» (3).
وقال (4) عبد الله بن مسعود: «ليس عند ربكم ليل ولا نهار، ونور السماوات من نور وجهه، وإنَّ مقدار كل يومٍ من أيَّامكم عند الله اثنتا
_________
(1) أخرجه الدارمي في النقض على بشر المريسي رقم (137، 98، 111)، وفي الرد على الجهمية رقم (81)، والطبراني في الكبير (9/ 228) رقم (8987)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (279) وغيرهم.
من طرق عن حماد بن سلمة عن عاصم به.
قال الذهبي: «إسناده صحيح»، العلو (1/ 617) رقم (157).
وله طرق في بعضها اختلاف راجع حاشية النقض على بشر (ص/223، 224)، وحاشية العلو (1/ 420).
(2) في (أ، ب، ت، ع): «الإشارة».
(3) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (80)، واللالكائي رقم (1219).
من طريق أبي شهاب الحنَّاط عن الأعمش به.
قال الذهبي: «أخرجه اللالكائي بإسناد قوي» العلو (1/ 624).
وقال عنه المؤلف كما سيأتي «بإسناد صحيح».
قلت: لكن خيثمة بن عبد الرحمن لم يسمع من ابن مسعود قاله الإمام أحمد وأبو حاتم الرازي. وعليه، فالإسناد منقطع.
(4) هذا الحديث والذي بعده من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.
(الكتاب/170)
عشرة ساعة، فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار ـ أو اليوم ـ فينظر فيها ثلاث ساعات، فيطلع منها على بعض ما يكره، فيغضبه ذلك، فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش، ويجدونه يثقل عليهم، فيسبحه الذين يحملون العرش وسرادقات العرش (1) والملائكة المقرَّبون وسائر الملائكة، وينفخ جبريل في القَرْنِ فلا يبقى شيء إلا سمعه إلا الثقلين: الإنس والجن، فيسبحونه ثلاث ساعات حتى يمتلئ الرحمن رحمةً، فتلك ستُّ ساعات، ثم يؤتى بما في الأرحام، فينظر فيها ثلاث ساعات، فيصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، فتلك تسع ساعات، ثم ينظر في أرزاق الخلق كلهم ثلاث ساعات، فيبسط الرزق لمن يشاء ويقْدِر، إنه بكل شيء عليم، ثم قرأ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن/ 29] ثم قال عبد الله: هذا مِن شأنكم وشأن ربكم تبارك وتعالى» (2).
رواه عثمان بن سعيد الدارمي (3): حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد، هو: ابن سلمة عن الزبير أبي (4) عبد السلام عن أيوب بن عبدالله
_________
(1) قال ناسخ (ظ) في الحاشية: «لعله العظمة».
(2) تقدم تخريجه (ص/20).
(3) في النقض على بشر المريسي (ص/266، 267)، رقم (114)، وتقدم الكلام عليه (ص/20).
(4) في (ظ): «عن» وهو خطأ.
(الكتاب/171)
الفهري عن ابن مسعود.
ورواه الحسين بن إدريس عن خالد بن الهيَّاج عن أبيه عن عبَّاد بن كثير عن جعفر بن الحارث عن معدان عن ابن مسعود: «إن ربكم ليس عنده نهار ولا ليل، وإن السماوات [ظ/ق 27 ب] مملوءات نورًا من نور الكرسي، وإن يومًا عند ربك اثنتا عشرة ساعة، فترفع منها أعمال الخلائق في ثلاث ساعات، فيرى فيها ما يكره، فيغضبه ذلك، وإنَّ أول مَنْ يعلم بغضبه حملة العرش، يرونه يثقُل عليهم فيسبحون له، وتسبِّح سُرادقات العرش في ثلاث ساعات من النهار، فتلك تسع ساعات، ثم يُرفَعُ إليه أرحام كل دابَّةٍ فيخلق فيها ما يشاء، ويجعل المُدَّة لمن يشاء؛ في ثلاث ساعات من النهار، فتلك اثنتا عشرة ساعة، ثم تلا ابن مسعود هذه الآية: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن/ 29]، هذا من شأن ربنا تبارك وتعالى» (1).
_________
(1) هذا حديث باطل؛ لأن هذه السلسلة: الحسين بن إدريس عن خالد بن الهيَّاج عن أبيه ـ خرج عنها أحاديث كثيرة باطلة، واختُلف فيمن يتحمَّل تبعة هذه البواطيل، فقيل: هيَّاج بن بسطام، قال الإمام أحمد: متروك الحديث. وقال أبو داود: تركوا حديثه، ليس بشيء. وقال ابن حبان: «يروي الموضوعات عن الثقات، ويخالف الأثبات فيما يرويه عن الثقات، فهو ساقط الاحتجاج به» المجروحين (3/ 96) وعنده «المعضلات» بدل «الموضوعات» التي نقلها المزي في التهذيب (30/ 359)، ووثقه الذهلي وغيره. وقال يحيى بن أحمد الهروي: «كل ما أُنكر على الهيَّاج، فهو من جهة ابنه خالد، فإن الهيَّاج نفسه ثقة»، وبمعناه قال الحاكم.
(الكتاب/172)
قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في «كتاب السنة» من حديث سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فإن بين السماوات السبع إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك» (1).
وفي «مسند الحسن بن سفيان» و «كتاب عثمان بن سعيد الدارمي» من حديث عبد الله بن أبي مُلَيكة أنه حدثه ذكوان قال: «استأذن ابن عباس رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها ـ وهي تموت ـ فقال لها: «كنت أحب نساء النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحب إلا طيبًا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله
_________
(1) أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (ص/59)، رقم (16) من طريق خالد بن عبد الله الطحان عن عطاء به.
وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة رقم (2، 22)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب رقم (668)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (618، 887) وغيرهم.
من طريق علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد عن ابن عباس فذكره.
واللفظ لعلي بن عاصم، وقال خالد الطحان: «ألف نور» بدل «سبعة آلاف نور».
قلت: عطاء كان قد اختلط، وسماع خالد الطحان منه بآخرة، وعلي بن عاصم: ضعيف الحديث.
والأثر حسَّن إسناده الذهبي في «العرش» (2/ 171) (111)، وأثبته ابن حجر فقال في الفتح (13/ 262): «موقوف، وسنده جيد».
(الكتاب/173)
يذكر فيه إلا وهي تُتْلى (1) فيه آناء الليل وآناء النهار» (2).
وذكر الطبري (3) في «شرح السنة»: من حديث سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قال: قيل لابن عباس: إن ناسًا يكذبون بالقدر، قال: يكذبون بالكتاب، لئن أخذت بشعر أحدهم لأنضونَّه (4)، إن الله كان
_________
(1) في (ب): «تُبكى»، والمثبت من باقي النسخ ومصادر التخريج.
(2) أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي (ص/301)، رقم (138)، وأحمد في المسند (2496، 3262)، وابن أبي الدنيا في المحتضرين رقم (217)، والطبراني في معجمه الكبير (10/ 390) (10783)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 56) (321) وغيرهم.
من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي مُليكة عن ذكوان به (وبعضهم لم يذكر: ذكوان).
ورواه عمر بن سعيد ومحمد بن عثمان عن ابن أبي مُليكة قال: استأذن ابن عباس … فذكر نحوه.
أخرجه البخاري في صحيحه (4476)، وذكره أبو نعيم في الحلية (2/ 45)، وابن سعد في الطبقات (10/ 73)، وعند ابن سعد والبخاري من طريق عمر بن سعيد «ونزل عذرك من السماء».
(3) هو اللالكائي. وشرح السنة هو: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة. وانظر الأثر برقم (660، 1223).
(4) أي: لأقطعنَّه. وفي بعض المصادر: «لأنصونّه» بالصاد المهملة، أي: لآخذنَّه بشعر ناصيته.
(الكتاب/174)
على عرشه قبل أن يخلق شيئًا، فخلق الخلق (1) فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فُرِغ منه (2)» (3).
وقال إسحق بن راهوية: أخبرنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ … } الآية [الأعراف/17]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يستطع أن يقول: من فوقهم، علم أن الله من (4) فوقهم» (5).
_________
(1) كذا في جميع النسخ الخطيَّة، والموضع الأول (66) عند اللالكائي من طريق يعلى بن عبيد؛ لكن في الموضع الآخر: «القلم» وفي المصادر الأخرى: «فكان أول ما خلق القلم» بدل «فخلق الخلق»، هكذا رواه: وكيع والفزاري ومحمد بن كثير وغيرهم وهو الصواب. والله أعلم.
(2) قوله: «فإنما يجري الناس على أمرٍ قد فُرِغ منه» ليس في (ظ).
(3) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية رقم (44)، والفريابي في القدر رقم (77، 78)، والطبري في تفسيره (29/ 10)، والبيهقي في القضاء والقدر (489).
من طرق عن سفيان الثوري به.
وله طرق، وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) ليس في (ظ).
(5) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (2/ 568) (3011) كما في المطالب العالية.
ومن طريقه أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 397) رقم (661)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (63).
وسنده ضعيف جدًّا، فيه إبراهيم بن الحكم بن أبان: قال ابن معين: ليس بشيء، =
= … ليس بثقة. وقال البخاري: سكتوا عنه.
ولهذا قال الذهبي: حديث إبراهيم بن الحكم بن أبان ـ أحد الضعفاء ـ فذكره. العلو (1/ 825).
ـ ورواه حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان به، بلفظ «ولم يقل: من فوقهم، لأن الرحمة تنزل من فوقهم».
أخرجه الطبري في تفسيره (8/ 137) وسنده ضعيف، حفص بن عمر مجمع على ضعفه.
(الكتاب/175)
قول عائشة رضي الله عنها:
قال الدارمي: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية بن أسماء قال: سمعت نافعًا يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: «وايم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته ـ تعني عثمان (1) ـ ولكن علم الله من (2) فوق عرشه أني لم أحب قتله» (3).
قول زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها:
ثبت في «الصحيحين» [ب/ق 27 أ] من حديث أنس رضي الله عنه
_________
(1) قوله: «تعني: عثمان»، ليس في (ب).
(2) من (ظ) فقط.
(3) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/47)، رقم (83) وسنده صحيح.
ورواه عروة عن عائشة مطولاً وفيه «والله لو أحببت قتله لقُتلتُ» وليس فيه موطن الشاهد أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد رقم (148)، ومعمر في جامعه (11/ 447) (20967)، والطبراني في مسند الشاميين رقم (3102).
(الكتاب/176)
قال: كانت زينب تفخر على أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – وتقول: «زوجكنَّ أهاليكنَّ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات» (1).
وروى العسَّال بإسناد عنها أنها (2) كانت تقول: زوجنيك الرحمن من (3) فوق عرشه، كان جبريل السفير بذلك، وأنا ابنة عمتك» (4).
قول أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه (5):
قال: لمَّا لعن الله إبليس وأخرجه من سماواته وأخزاه قال: «رب أخزيتني ولعنتني وطردتني من سماواتك وجوارك، وعزتك [ظ/ق 28 أ] لأغوين خلقك ما دامت الأرواح في أجسادها (6)، فأجابه الرب تبارك وتعالى فقال (7): «وعزتي (8) وجلالي وارتفاعي على عرشي لو أن
_________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في (100) التوحيد، (22) باب: «وكان عرشه على الماء» رقم (6984)، ولم يخرجه مسلم في صحيحه، وقد تقدم في (ص/69) هذا الحديث وقد عزاه المؤلف للبخاري.
(2) في (أ، ب، ت، ع): «وفي لفظٍ لغيرهما كانت تقول: …. رواه العسال».
(3) من (أ، ب، ت، ع).
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 27) (6777) وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/97)، رقم (17). من طريق: داود بن أبي هند عن الشعبي فذكره.
وهذا مرسل.
(5) وقع في (ظ) قول أبي أمامة قبل قول عائشة رضي الله عنهما.
(6) في (أ، ت، ظ، ع): «أجسادهم».
(7) ليس في (ب).
(8) في (أ، ت): «بعزتي».
(الكتاب/177)
عبدي أذنب حتى ملأ السماء والأرض خطايا (1)، ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد، فندم على ذنوبه لغفرتها، وبدَّلت سيئآته كلها حسنات» (2).
وقد رُوِىَ هذا المتن مرفوعًا، ولفظه: «وعزتي وجلالي وارتفاعي لو أن عبدي … فذكره» (3).
ورواه ابن لهيعة عن درَّاج عن (4) أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن الشيطان قال: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني: لا أزال أغفر ما استغفروني» (5).
_________
(1) في (ب، ظ، ع): «خطاياه».
(2) لم أقف عليه من قول أبي أُمامة رضي الله عنه.
والمشهور أنه عن أبي قلابة: أخرجه معمر في جامعه (11/ 275) (20533)، وابن المبارك في الزهد (1045) وغيرهما، وأبو قلابة تابعي.
(3) لم أقف عليه مرفوعًا.
وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 453) وعزاه للترمذي. ولم أجده في مطبوعة الترمذي.
(4) قوله: «درَّاج عن» من (ظ) فقط.
(5) أخرجه أحمد (17/ 337) رقم (11237)، وعبد بن حميد في مسنده (930) المنتخب، وأبو يعلى في المسند (2/ 530) (1399)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (265)، والبغوي في شرح السنة (2/ 418) (1293) وغيرهم.=
= … من طرق عن ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري فذكره.
لكن اضطرب ابن لهيعة في لفظة: «وارتفاع مكاني»، فذكرها عنه: أبو الأسود وقتيبة بن سعيد. ولم يذكرها عنه: حسن بن موسى الأشيب ويحيى بن إسحاق.
ــ ورواه عمرو بن الحارث عن درَّاج عن أبي الهيثم به فذكره ولم يذكر «وارتفاع مكاني».
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 290) (7672).
وهذا يدل على أن هذه اللفظة غير محفوظة، وهي من أوهام و تخاليط عبد الله بن لهيعة.
ــ ورواه الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطَّلب عن أبي سعيد الخدري فذكره، ولم يذكر «وارتفاع مكاني».
أخرجه أحمد (17/ 344) (11244)، ((113367)، والطبراني في الأوسط (6/ 284) (8788)، وفي الدعاء (3/ 1600) رقم (1779)، وأبو يعلى في مسنده (1273)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 13) وغيرهم.
ورجاله ثقات، لكن لا يُعلم سماع عمرو من أبي سعيد الخدري، وكان عمرو صاحب مراسيل، وهو من صغار التابعين سمع من أنس بن مالك، ولم يسمع من أبي موسى الأشعري.
(الكتاب/178)
قول الصحابة كلهم رضي الله عنهم أجمعين (1):
قال يحيى بن سعيد الأموي في «مغازيه»: حدثنا البكَّائيُّ عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن سنان عن سعيد بن الأجيرد (2) الكندي عن
_________
(1) من (ظ) فقط.
(2) في (أ، ب، ظ): «الأجرد».
(الكتاب/179)
العرس بن قيس الكندي (1) عن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: خرجت مهاجرًا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ـ فذكر قصة طويلة ـ وقال فيها: «فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم، ويزعمون أن إلههم في السماء فأسلمتُ وتبعته» (2).
ذكر أقوال التابعين رحمهم الله تعالى (3):
قال مسروق رحمه الله:
قال علي بن الأقمر (4): كان مسروق إذا حدَّث عن عائشة رضي الله عنها، قال: «حدثتني الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، حبيبة حبيب الله – صلى الله عليه وسلم -، المُبرَّأة من فوق سبع سماوات» (5).
_________
(1) من قوله: «حدثني يزيد بن سنان» إلى هنا سقط من (ت).
(2) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/78، 79) رقم (7) من طريق: الأموي به مطولاً.
قال الذهبي: «هذا حديث غريب». العلو (1/ 325).
(3) في (ظ): «رضي الله عنهم».
(4) في (ظ): «الأرقم».
(5) أخرجه الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/ 248، 249)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/160)، رقم (68).
من طريق: أبي مسعود الجرار عن علي بن الأقمر به فذكر مثله.
قلت: أبو مسعود الجرار هو عبد الأعلى بن أبي المساور، متروك الحديث.
إلا أنه لم يتفرد به بل تابعه: محمد بن جحادة عن علي بن الأقمر به بلفظ: … =
= … حدثتني البريئة المبرَّأة من فوق سبع سماوات، بنت الصديق، حبيبة حبيب الله».
أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 118) (5411).
ـ ورواه: الأعمش وعمرو بن مرة وحبيب بن أبي ثابت عن أبي الضحى عن مسروق فذكره ولم يذكر «من فوق سبع سماوات».
أخرجه ابن سعد في الطبقات (10/ 66)، والإمام أحمد في العلل (رواية عبد الله) (2/ 411) رقم (2840)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 391) (1092)، والطبراني في الكبير (23/ 181) (289) وغيرهم.
وسنده صحيح.
ــ ورواه شعيب بن الحباب عن عامر الشعبي قال: كان مسروق .. فذكره، ولم يقل «من فوق سبع سماوات».
أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 181) رقم (290)، وابن سمعون في أماليه (67)، وابن سعد (10/ 64)، وسنده صحيح.
(الكتاب/180)
قول [ظ/ق 28 ب] عكرمة رحمه الله تعالى:
قال سلمة بن شبيب: حدثنا إبراهيم بن الحكم، قال: حدثني أبي عن عكرمة رحمه الله تعالى، قال: بينما رجل مستلق على مُثُلِه (1) في الجنة، فقال في نفسه ـ لم يحرك شفتيه (2) [ب/ق 27 ب]ـ لو أن الله يأذن لي لزرعت في الجنة، فلم يعلم إلا والملائكة على أبواب جنته قابضين على أكفهم، فيقولون: سلام عليك. فاستوى قاعدًا، فقالوا له: يقول لك ربك تمنَّيت شيئًا في نفسك قد علمته، وقد بعث معنا هذا البذر، يقول
_________
(1) جمع مِثال، وهو الفراش. انظر: النهاية (4/ 295).
(2) سقط من (ظ)، وكتب الناسخ على «يحرك»: كذا!
(الكتاب/181)
لك (1): ابذر. فألقى يمينًا وشمالًا وبين يديه وخلفه، فخرج أمثال الجبال على ما كان تمنى وزاد، فقال له الرب (2) من فوق عرشه: كل يا ابن آدم، فإن ابن آدم لا يشبع» (3).
قول قتادة رحمه الله تعالى:
قال الدارمي: أخبرنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو هلال حدثنا قتادة قال: قالت بنو إسرائيل: «يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض، فكيف لنا أن نعرف رضاك وغضبك؟ قال: «إذا رضيت عنكم (4) استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم» (5).
_________
(1) من (مط) فقط.
(2) في (ب): «أيوب)، وهو خطأ.
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 334) مطولًا، وابن قدامة في إثبات صفة العلو رقم (69).
وفيه: إبراهيم بن الحاسم العدني: ضعيف جدًّا.
ولهذا قال الذهبي: «إسناده ليس بذاك». العلو (1/ 895).
(4) في (أ، ت): «عليكم».
(5) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/49)، رقم (87).
قال الذهبي: «هذا ثابت عن قتادة».
(الكتاب/182)
قول سليمان التيمي رحمه الله تعالى:
قال ابن أبي خيثمة في «تاريخه»: حدثنا هارون بن معروف قال (1): حدثنا ضمرة عن صدقة التيمي عن سليمان التيمي قال: لو سُئِلت أين الله؟ لقلت: في السماء» (2).
قول كعب الأحبار رحمه الله تعالى:
قال الليث بن سعد: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال: أتى رجل كعبًا وهو في نَفَرٍ، فقال: يا أبا إسحاق حدثني عن الجبَّار؟ فأعْظَم القوم قوله، فقال كعب: دعوا الرجل، فإن كان جاهلًا تعلَّم، وإن كان عالمًا ازداد علمًا، ثم قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين السماء الدنيا والأرض، وكثفهن مثل
_________
(1) من (أ، ظ).
(2) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص/24، 25)، رقم (64) تعليقًا: عن ضمرة به مطولاً.
وأخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (671)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/165)، رقم (75).
من طريق ابن أبي خيثمة عن هارون بن معروف به فذكره.
وسنده صحيح.
(الكتاب/183)
ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه فوقه» (1).
وقال نُعيم بن حماد: أخبرنا أبو صفوان الأموي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب قال: قال الله في التوراة: «أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أُدبّر أمور (2) عبادي، لا يخفى عليّ شيء من أمر عبادي في سمائي ولا في أرضي، وإليَّ مرجع كل (3) خلقي، فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي،
_________
(1) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/49)، رقم (88)، وأبو الشيخ في العظمة (2/ 610 ـ 612) رقم (234).
(الدارمي ويعقوب بن سفيان) كلاهما عن أبي صالح عن الليث به بمثله، وزادا عليه جملة في الأطيط.
وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 492، 493) (2608): حدثنا أبي (يعني: أبا حاتم الرازي) عن أبي صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عمر مولى غُفرة أن كعبًا ذكر العلو: فقال فذكر مثله مطولاً، ولم يذكر جملة: الأطيط.
قال الذهبي: « … والإسناد نظيف، وأبو صالح ليَّنوه، وما هو بمتَّهم؛ بل سيئ الحفظ» العلو (1/ 865).
قلت: وعمر مولى غُفرة ضعيف.
والأثر صحَّح إسناده المؤلف كما سيأتي.
(2) سقط من (ب).
(3) من (أ، ت).
(الكتاب/184)
أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعاقب من شئت بعقابي» (1).
قول مقاتل رحمه الله تعالى:
ذكر البيهقي في «الأسماء [ظ/ق 29 أ] والصفات»: عن بكير (2) بن معروف عن مقاتل [قال:] بلغنا [ب/ق 28 أ]ـ والله أعلم ـ في قوله عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ … } الآية [الحديد/3]، الأول: قبل كل شيء، والآخر: بعد كل شيء، والظاهر: فوق كل شيء، والباطن: أقرب من كل شيء، وإنما يعني: القرب بعلمه وقدرته، وهو فوق عرشه، وهو بكل شيء عليم» (3).
وبهذا الإسناد عنه: في قوله تعالى: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة/ 7] يقول: بعلمه (4)، وذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فيعلم نجواهم،
_________
(1) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/ 625، 626) رقم (244)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (6/ 7) من طريق نُعيم بن حماد به.
والأثر صحَّح إسناده ابن ناصر الدين والذهبي في «العرش» (2/ 188) والمؤلف كما سيأتي.
(2) في (ب، ظ): «بكر» وهو خطأ.
(3) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 342) رقم (910)، وفي سنده خالد ابن يزيد بن صالح اليشكري قال فيه أبو حاتم الرازي: مجهول. الجرح والتعديل (1147).
(4) في (أ، ب، ظ): «علمه».
(الكتاب/185)
ويسمع كلامهم، ثم ينبئهم يوم القيامة بكل شيء، وهو فوق عرشه وعلمه معهم» (1).
قول الضحاك رحمه الله تعالى:
روى بكير (2) بن معروف عن مقاتل بن حيان عنه {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ … } الآية. قال: «هو الله عز وجل على العرش وعلمه معهم» (3).
قول التابعين جملة:
روى البيهقي بإسنادٍ صحيح إلى الأوزاعي قال: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به (4) من صفاته (5).
_________
(1) أخرجه البيهقي (910) وفيه العلة السابقة.
(2) في (ت): «بكر» وهو خطأ.
(3) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (592)، وأبو داود في المسائل (ص/263)، والطبري في تفسيره (28/ 12)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 139)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (909) وغيرهم.
قال الذهبي: «أخرجه أبو أحمد العسَّال، وأبو عبد الله ابن بطة، وأبو عمر بن عبد البر بأسانيد جيدة، ومقاتل ثقة إمام» العلو (1/ 918) رقم (326).
(4) في (أ): «به السُّنة» ووضع الناسخ عليها علامة (م) إشارة إلى التقديم والتأخير.
(5) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 304) رقم (865)، والجورقاني في=
= … الأباطيل والمناكير (1/ 80) رقم (73).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي: «إسناده صحيح» انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 270).
وقال ابن حجر: «وأخرج البيهقي بسند جيد» فذكره.
انظر: درء التعارض (6/ 262)، وتذكرة الحفاظ (1/ 181، 182)، وفتح الباري (13/ 406).
(الكتاب/186)
قال شيخ الإسلام: «وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور جَهْم، المنكر لكون الله عز وجل فوق عرشه، والنافي لصفاته، ليعرف الناس أن مذهب السلف كان بخلاف قوله» (1).
وقال أبو عمر بن عبد البر في «التمهيد»: « … علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل؛ قالوا في تأويل قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ … } [المجادلة/7]: هو على العرش وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يُحْتجُّ به (2)» (3).
قول الحسن البصري رحمه الله تعالى:
روى أبو بكر الهُذَلي عن الحسن رحمه الله تعالى قال: «ليس شيء عند ربك من الخلق أقرب إليه من إسرافيل، وبينه وبين ربه سبعة حُجُبٍ، كل حجاب مسيرة خمسمائة عام، وإسرافيل دون هؤلاء، ورأسه
_________
(1) انظر: الفتوى الحموية ـ كما في مجموع الفتاوى (5/ 39).
(2) في (أ، ت، ع): «بقوله».
(3) انظر: التمهيد (7/ 138، 139).
(الكتاب/187)
تحت العرش ورجلاه في تخوم السابعة» (1).
قول مالك بن دينار رحمه الله تعالى:
ذكر أبو العباس السراج: حدثنا عبد الله بن أبي زياد وهارون قالا حدثنا سيَّار قال: حدثنا جعفر، قال: سمعت مالك بن دينار يقول: «إن الصدّيقين إذا قُرئ عليهم القرآن طَرِبتْ قلوبهم إلى الآخرة»، ثم يقول: «خذوا»، فيقرأون (2) ويقول: «اسمعوا إلى قول الصادق من فوق عرشه (3)،
وكان مالك بن دينار وغيره من السلف يذكرون [ب/ق 28 ب] هذا الأثر: «ابن آدم خيري إليك نازل، وشرّك صاعد إليَّ، وأتحبَّب (4) إليك بالنعم، وتتبغَّض
_________
(1) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/161، 162)، رقم (70).
من طريق: إسحاق بن بشر عن أبي بكر الهذلي عن الحسن فذكره.
وإسحاق بن بشر: متهم بالكذب، وقد خولف في إسناده، ـ فرواه مسلم بن خالد الزنجي عن أبي بكر الهذلي قال: فذكره مطوَّلًا.
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 686، 687) رقم (278).
قلت: وهذا أشبه بالصواب، قال الذهبي: «أبو بكر واهٍ» العلو (2/ 870) رقم (291).
قلت: هذا لا يضرُّه لأنه من قوله؛ لكنه مما لا يُعلم بالرأي.
(2) في الحلية وإثبات صفة العلو: «فيقرأ».
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 358)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/162)، رقم (71) من طريق أبي العباس السراج به.
قلت: فيه سيَّار بن حاتم العنزي فيه لين فيما يسنده، فلعله يقبل فيما سوى ذلك ما لم ينكر. وراجع (ص 413).
(4) في (ظ): «فأتحبَّب».
(الكتاب/188)
إليَّ بالمعاصي، ولا يزال ملك كريم قد عرج (1) إليَّ منك بعملٍ قبيح» (2).
قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله [ظ/ق 29 ب] شيخ مالك ابن أنس رحمه الله تعالى:
قال يحيى بن آدم عن أبيه عن ابن عيينة قال: سُئِل ربيعة عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله تعالى الرسالة، وعلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – البلاغ، وعلينا التصديق» (3).
_________
(1) كذا في النسخ!، وصوابه: «يعرج» بدل «قد عرج».
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في «الشكر» رقم (43) عن مالك بن دينار. وأبو نعيم في الحلية (4/ 31) عن وهب بن منبِّه قالا: قرأت في بعض الكتب … فذكره بنحوه.
(3) أخرجه اللالكائي في شرح الأصول رقم (665) وعنه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (1/ 164) رقم (74)، والخلال في السنة كما في درء التعارض (6/ 264).
من طريق أحمد بن محمد بن يحيى القطان عن يحيى بن آدم عن ابن عيينة فذكره. وسنده صحيح.
ورواه محمد بن بشير عن سفيان بن عيينة قال: كنت عند ربيعة فسأله رجل … فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»، أخرجه الذهبي في العلو (2/ 911) رقم (322).
(الكتاب/189)
قول عبد الله بن الكوَّاء رحمه الله تعالى (1):
ذكر الحافظ أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله تعالى في «تاريخه» عن هشام بن سعد قال: قَدِم عبد الله بن الكوَّاء على معاوية، فقال له: أخبرني عن أهل البصرة؟ قال: «يقاتلون معًا ويدبرون شتَّى. قال: فأخبرني عن أهل الكوفة؟ قال: أنظَرُ الناس في صغيرةٍ، وأوقعه (2) في كبيرة. قال: فأخبرني عن أهل المدينة؟ قال: أحرص الناس على الفتنة، وأعجزهم عنها. قال: فأخبرني عن أهل مصر؟ قال: لُقْمة آكل، قال: فأخبرني عن أهل الجزيرة؟ قال: كناسة بين مدينتين. قال: فأخبرني عن أهل الموصل؟ قال: قلادة وليدة، فيها من كل شيءٍ خرزة. قال: فأخبرني عن أهل الشام؟ قال: جند أمير المؤمنين لا أقول فيهم شيئًا، قال: لتقولن. قال أطوع الناس لمخلوق وأعصاهُ (3) لخالق، ولا يحسبون للسماء ساكنًا» (4).
_________
(1) هو اليشكري، كان من رؤوس الخوارج، ثم رجع عن مذهب الخوارج، وعاود صُحبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. لسان الميزان (549).
(2) في (ظ): «وأوقفهم»، والمثبت أولى.
(3) في (ت، ع): «وأعصاهم» والمثبت أولى.
(4) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (1/ 359)، (27/ 102).
من طريق: زكريا بن يحيى المنقري عن الأصمعي عن هشام بن سعد عن شيخ حدَّثه. قال: قدم. فذكره، وفيه إبهام الشيخ الذي حدَّث هشام بن سعد.
(الكتاب/190)
أقوال تابعي التابعين جملة (1) رحمهم الله تعالى:
ذكر قول عبد الله بن المبارك رحمه الله:
روى الدارمي والحاكم والبيهقي وغيرهم بأصح إسنادٍ إلى علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماوات، على العرش استوى (2)، بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية» (3).
وفي لفظ آخر: «قلت: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما قالت الجهمية» (4).
قال الدارمي: حدثنا الحسن بن الصباح البزار حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك، قال: قيل له: كيف نعرف ربنا؟
_________
(1) ليس في (ظ).
(2) سقط من (ظ).
(3) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة رقم (22)، (598)، والبخاري في خلق أفعال العباد (ص/15) تعليقًا، والدارمي في الرد على الجهمية رقم (162)، وفي النقض على بشر المريسي رقم (33). وسنده صحيح.
والأثر صححه: شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي وابن القيم.
(4) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 335) رقم (902).
وزاد: «قلت: بحدٍّ؟ قال: إي والله بحدٍّ». وسنده صحيح أيضًا.
(الكتاب/191)
قال: «بأنه فوق السماء السابعة على [ب/ق 29 أ] العرش (1) بائن من خلقه» (2).
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: «ومما يحقق قول ابن المبارك قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للجارية: «أين الله»؟ يمتحن بذلك إيمانها، فلما قالت: في السماء قال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، والآثار في ذلك عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كثيرة، والحجج متظاهرة والحمد لله على ذلك (3). ثم ساقها الدارمي رحمه الله تعالى.
وذكر ابن خزيمة عن ابن المبارك أنه قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن قد خفت من كثرة ما [ظ/ق 30 أ] أدعو على الجهمية، فقال: لا تخف، فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء (4).
وصح عن ابن المبارك أنه قال: إنا لنستطيع (5) أن نحكي كلام
_________
(1) سقط من (ب).
(2) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/39، 40)، رقم (67).
وسنده صحيح.
(3) انظر: الرد على الجهمية (ص/40)، رقم (68)، وحديث الجارية تقدم (ص/105).
(4) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة رقم (24)، وابن بطة في الإبانة (الرد على الجهمية) (2/ 95)، رقم (328)، وفيه رجل مبهم.
(5) في (ب): «لا نستطيع»، وهو خطأ.
(الكتاب/192)
اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية (1).
قول الأوزاعي رحمه الله تعالى:
قال أبو عبد الله الحاكم: أخبرني محمد بن علي الجوهري ببغداد، حدثنا إبراهيم بن الهيثم، حدثنا محمد بن كثير المصيصي قال: سمعت الأوزاعي يقول: كُنا والتابعون متوافرون نقول: «إن الله تعالى جلَّ ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة» (2).
وهذا الأثر يدخل في حكاية مذهبه ومذهب التابعين، فلذلك ذكرناه في الموضعين.
قول حماد بن زيد رحمه الله تعالى:
قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد يقول:
_________
(1) أخرجه أبو داود في مسائل أحمد (ص/269)، وعبد الله بن أحمد في السنة رقم (23)، وابن بطة في الإبانة ـ الرد على الجهمية ـ (2/ 97) رقم (334)، واللفظ لأبي داود، وجاء عند عبد الله في السنة: «نستجيز» بدل «لنستطيع»، وليس في الإبانة «لنستطيع».
وسنده صحيح.
(2) تقدم قريبًا (ص/186).
(الكتاب/193)
«الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء» (1).
قال شيخ الإسلام: «وهذا الذي كانت (2) الجهمية يحاولونه قد صرَّح به المتأخرون منهم، وكان ظهور السنة وكثرة الأئمة في عصر أولئك يَحُول بينهم وبين التصريح به، فلمَّا بَعُدَ العهد وخفِيت السُّنة وانقرضت (3) الأئمة صرحت الجهمية النفاة بما كان سلفهم يحاولونه، ولا يتمكنون من إظهاره» (4).
قول سفيان الثوري رضي الله عنه:
قال معدان: سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد/4] قال: علمه. ذكره أبو عمر (5).
_________
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة رقم (41)، وابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما في العلو للذهبي (2/ 970) (352)، وابن بطة في الإبانة ـ الرد على الجهمية ـ (2/ 95)، رقم (329).
وسنده صحيح، والأثر صححه شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: مجموع الفتاوى (5/ 183، 184).
(2) في (ت): «كان».
(3) في (أ، ت): «وانقرض».
(4) لم أقف عليه في كتبه المطبوعة.
(5) في التمهيد (7/ 147)، وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (597)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 341) (908)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (672) وغيرهم.
(الكتاب/194)
قول وهب بن جرير رحمه الله تعالى:
قال الأثرم: حدثنا أبو عبد الله الأوسي (1) قال: سمعت وهب بن جرير يقول: إنما يريد الجهمية [/ق 29 ب] أنه ليس في السماء شيء (2).
قال: وقلت لسليمان بن حرب: أي شيء كان حماد بن زيد يقول في الجهمية؟ فقال: كان يقول: إنما يريدون أنه ليس في السماء شيء (3).
ذكر أقوال الأئمة الأربعة رضي الله عنهم (4):
قول الإمام أبي حنيفة قدس الله روحه (5):
قال البيهقي: حدثنا أبو بكر بن الحارث الفقيه حدثنا أبو محمد بن
_________
(1) كذا في جميع النسخ، وكتب عليه ناسخ (ب): «كذا»، ووقع في النسخة الظاهرية لكتاب إثبات صفة العلو لابن قدامة: «الأنيسي»، وفي بعض النسخ المتأخرة: «القيسي» ولم أقف على ترجمة أبي عبد الله الأوسي.
(2) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/171)، رقم (84) من طريق أبي بكر الأثرم به مثله.
وأخرجه الذهبي في العلو (2/ 1039) رقم (396) من طريق محمد بن حماد عن وهب بن جرير بلفظ: «إياكم ورأي جهم، فإنهم يحاولون أنه ليس في السماء شيء، وما هو إلا من وحي إبليس، ما هو إلا الكفر».
(3) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/172)، رقم (85) وسنده صحيح.
(4) ليس في (ظ): «رضي الله عنهم».
(5) في (أ، ب، ت): «رضي الله عنه».
(الكتاب/195)
حيَّان أخبرنا أحمد بن جعفر بن نصر حدثنا يحيى بن يعلى قال: سمعت نعيم بن حماد (1) يقول: سمعت نوح بن أبي مريم أبا عصمة يقول: كنا عند أبي حنيفة أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من ترْمِذ كانت تجالس جهمًا فدخلت الكوفة، فقيل لها: إن هاهنا رجلًا قد نظر في المعقول يقال له: أبو حنيفة فأتيه (2)، فأتتهُ فقالت: أنت [ظ/ق 30 ب] الذي تُعلِّم الناس المسائل، وقد تركت دينك؟ أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابًا: إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض. فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} قال: هو كما تكتب للرجل: إنِّي معك، وأنت عنه غائب.
قال البيهقي: فقد (3) أصاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيما نفى عن الله تعالى وتقدَّس من الكون في الأرض، وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع في قوله: إن الله عز وجل في السماء (4).
_________
(1) قوله: «قال سمعت نُعيم بن حماد»: سقط من (ظ).
(2) سقط من (ظ).
(3) كذا في جميع النسخ، وعند البيهقي في الأسماء والصفات «لقد».
(4) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 337، 338) رقم (905).
وفيه نوح بن أبي مريم: متروك الحديث.
ولهذا قال البيهقي: «ومراده من تلك ـ والله أعلم ـ إن صحَّت الحكاية عنه ما ذكرنا … ».
(الكتاب/196)
قال شيخ الإسلام (1): وفي كتاب «الفقه الأكبر» المشهور عند أصحاب أبي حنيفة الذي رووه بالإسناد عن أبي مُطيع البلخي الحكم ابن عبد الله قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر فقال: لا تكفِّرنَّ (2) أحدًا بذنب، ولا تنف أحدًا من الإيمان به، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعْلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تتبرأ من أحدٍ من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولا توالي أحدًا دون أحدٍ، وأن تردَّ أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما إلى الله تعالى.
قال أبو حنيفة رحمه الله: الفقه الأكبر (3) في الدين خيرٌ من الفقه في العلم، ولأن يتفقَّه الرجل كيف يعبد ربه عز وجل خير من أن يجمع العلم الكثير.
قال أبو مطيع قلت: فأخبرني عن أفضل الفقه؟ قال: تعلُّم (4) الرجل الإيمان، والشرائع [ب/ق 30 أ] والسنن، والحدود، واختلاف الأئمة
ــ وذكر مسائل في الإيمان ثم ذكر مسائل في القدر ثم قال: ــ فقلت له: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك أُناس
_________
(1) يعني: ابن تيمية.
(2) في (أ، ت، ظ): «لا نكفِّر».
(3) سقط من (أ، ب).
(4) في (ظ): «يعلم»، وفي (ب، ت): «يتعلَّم».
(الكتاب/197)
فيخرج من (1) الجماعة هل ترى ذلك؟ قال: لا. قلت: ولِمَ وقد أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ قال: هو (2) كذلك لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون، من سفك الدماء واستحلال الحرام ــ وذكر الكلام في قتال الخوارج والبغاة إلى أن قال ــ: قال أبو حنيفة: ومن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر، لأن الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وعرشه فوق سبع سماوات (3) قلت: فإن قال: إنه على العرش ولكنه يقول (4) لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه تعالى في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل.
وفي لفظٍ: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف (5) ربي [ظ/ق 31 أ] في السماء أو في الأرض قال: قد كفر لأن الله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]. وعرشه فوق سبع سماوات قال: فإنه يقول على العرش
_________
(1) في (أ، ت): «عن».
(2) قوله: «قال: هو»، وقع في جميع النسخ «فقال» وكتب ناسخ (ظ) على كلمة «كذلك»: «كذا»!
(3) في (ب): «سماواته».
(4) سقط من (أ، ب).
(5) في (ب): «لا أدري».
(الكتاب/198)
استوى ولكنه لا يدري العرش في الأرض أو في السماء، قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر» (1).
وروى هذا عنه (2) شيخ الإسلام أبو (3) إسماعيل الأنصاري (4) في كتابه «الفاروق» بإسناده.
قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد (5) رحمه الله تعالى: «ففي هذا الكلام المشهور عن أبي حنيفة رحمه الله عند أصحابه: أنه كفَّر الواقف الذي يقول: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فكيف يكون الجاحد النافي الذي يقول: ليس في السماء ولا في الأرض؟
واحتجَّ على كُفْره بقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] قال: وعرشه فوق سبع سماوات، وبيِّنٌ (6) بهذا أن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ
_________
(1) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (5/ 46 ـ 48).
(2) سقط من (ظ).
(3) سقط من (أ، ب، ت، ظ)، وقارن هذه الجملة بالفتاوى (5/ 49).
(4) هو عبد الله بن محمد بن علي الهروي الحنبلي، كان إمام أهل السنة بهراة، ويُسمّى خطيب العجم لتبحُّره في العلوم ونُبْله وفصاحته، وكان شديدًا على الأشعرية، توفي سنة 481 هـ.
انظر: طبقات الحنابلة (2/ 247، 248).
(5) من (ت، ظ).
(6) في (ب): «دلَّ على».
(الكتاب/199)
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} يُبيِّن أن الله فوق السماوات (1) فوق العرش، وأن الإستواء على العرش دلَّ على أن الله تعالى بنفسه (2) فوق العرش. ثم أردف ذلك بكفر من توقف في كون العرش في السماء أو في الأرض. قال: لأنه أنكر أن يكون في السماء [ب/ق 30 ب] وأن (3) الله في أعلى علِّيين، وأنه يُدعى من أعلى لا من أسفل، واحتجَّ بأن الله في أعلى عليين، وأنه يُدعى من أعلى لا من أسفل. وكل من هاتين الحُجَّتين: فطرية عقلية، فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله عز وجل في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى لا من أسفل» (4).
وكذلك أصحابه من بعده كأبي يوسف وهشام بن عبيد الله الرازي، كما روى ابن أبي حاتم وشيخ الإسلام بإسنادهما: أن هشام بن عبيد الله ـ صاحب محمد بن الحسن قاضي الرَّي ـ حبس رجلًا في التجهُّم فتاب، فجيء به إلى هشام ليمتحنه، فقال: الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أتشهد (5) أن الله على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: أشهد أن الله
_________
(1) في (أ): «سبع السماوات».
(2) في (ب، ت، ظ): «نفسه»، وقد سقط من (ب) قوله: «فوق السماوات فوق العرش، وأن الاستواء دلَّ على أن الله تعالى».
(3) في الفتاوى: «لأن».
(4) انظر: مجموع الفتاوى (5/ 48، 49).
(5) في (ظ): «تشهد».
(الكتاب/200)
على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه، فقال: ردُّوه إلى الحبس فإنه لم يتب» (1).
وسيأتي قول الطحاوي عند أقوال أهل الحديث.
قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه:
ذكر أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان (2) بن مالك، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا سُريج (3) ابن النعمان قال: حدثنا عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه مكان (4). قال: وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله تعالى: «استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة،
_________
(1) انظر: مجموع الفتاوى (5/ 49)، وقارن ببيان تلبيس الجهمية (1/ 196)، ودرء التعارض (6/ 195).
(2) في (ب): «بن عمران».
(3) في جميع النسخ «شريح»، وهو خطأ.
(4) سقط من (ب): «لا يخلو منه مكان».
(الكتاب/201)
وأراك رجل سوء» (1).
وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده.
قال يحيى بن إبراهيم الطُّلَيْطِلي (2) في كتاب «سير الفقهاء» ـ وهو كتاب جليل غزير العلم ـ: حدثني [ظ/ق 31 ب] عبد الملك بن حبيب عن عبد الله (3) بن المغيرة عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال:
كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون: الله
هو الدهر. وكانوا يكرهون قول الرجل: رغم أنفي لله (4)، وإنما
_________
(1) انظر: التمهيد (7/ 138).
والأثر أخرجه: عبد الله بن أحمد في السنة رقم (11)، وأبو داود في مسائل أحمد (ص/263)، من طريقه: ابن مندة في التوحيد رقم (893)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (673).
كلهم ذكروا الكلام الأول، ولم يذكروا الكلام الآخر في الاستواء.
(2) هو أبو زكريا المعروف «بابن مُزَين»، من أهل طليطلة وطلب العلم بالأندلس، رحل إلى المشرق فسمع الموطأ من القعنبي ومطرِّف وحبيب، وكان متقن الحفظ، قال محمد بن عمر بن لبابة: أما يحيى بن إبراهيم بن مزين فأفقه من رأيت صدرًا في علم مالك وأصحابه، له تفسير الموطأ، توفي سنة 259 هـ.
انظر: أخبار الفقهاء والمحدِّثين للخشني رقم (495)، وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي رقم (1558).
(3) قوله: «عن عبد الله» سقط من (ظ).
(4) قوله: «أنفي لله» سقط من (ب).
(الكتاب/202)
يرغم (1) أنف الكافر. وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر. وكانوا يكرهون قول الرجل: والله حيث كان، أو إن الله بكل مكان».
قال أصبغ (2): وهو مستوٍ على عرشه، وبكل [ب/ق 31 أ] مكان علمه وإحاطته (3).
وأصبغ من أجَلِّ أصحاب مالك وأفقههم.
ذكر قول أبي عمرو الطلمنكي (4):
_________
(1) في (ظ): «رغم»، والمثبت من باقي النسخ.
(2) هو ابن الفَرَج بن سعيد القرشي الأموي أبو عبد الله المصري، العالم الفقيه الورع، كان ثقة صاحب سنة، قال يحيى بن معين: كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك: يعرفها مسألةً مسألةً، متى قالها مالك، ومَنْ خالفه فيها، توفي سنة 225 هـ.
انظر: تهذيب الكمال للمزي (3/ 304 ـ 307).
(3) ذكره المؤلف في تهذيب سنن أبي داود (13/ 18).
(4) هو أحمد بن محمد بن عبد الله المعافري الأندلسي، كان إمامًا في القرآن وعلومه، وله عناية بالحديث وعلومه ورجاله وكان حافظًا للسنن جامعًا لها، إمامًا فيها، عارفاً بأصول الديانات، وكان سيفًا مجردًا على أهل الأهواء والبدع، قامعًا لهم، شديدًا في ذات الله، له مؤلفات في تفسير القرآن وإعرابه، وفضائل الموطأ ورجاله، ورسالة في أصول الديانات وغير ذلك، توفي سنة 429 هـ.
انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (ص/101، 102)، رقم (56).
(الكتاب/203)
قال في كتابه في الأصول (1): «أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته».
وقال في هذا الكتاب أيضًا: «أجمع أهل السنة على أن الله على العرش على الحقيقة (2) لا على المجاز ـ ثم ساق بسنده (3) عن مالك قوله: «الله في السماء، وعلمه في كل مكان» ثم قال في هذا الكتاب: «وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد/4]، ونحو ذلك من القرآن: أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته، مستوٍ على عرشه كيف شاء» هذا لفظه في كتابه (4).
ذكر قول بخاري المغرب الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر إمام السنة في زمانه رحمه الله تعالى:
قال في كتابه «التمهيد» في شرح الحديث الثامن لابن شهاب: عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله
_________
(1) هو «الوصول إلى معرفة الأصول» كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/ 250، 251)، ونقل عن كتابه ما ذكره المؤلف هنا.
(2) في (ب): «حقيقته».
(3) في (أ، ت): «سنده».
(4) في (ب): «وهذه القصة» بدل «وهذا لفظه» وهي خطأ.
(الكتاب/204)
وسلم قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟».
هذا حديث ثابت من جهة النقل، صحيح الإسناد، لا يختلف أهل الحديث في صحته …
وفيه دليل على أن الله جل وعلا في السماء على العرش من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة، وهو حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله في كل مكان وليس على العرش، والدليل على صحة (1) ما قاله أهل الحق في ذلك، قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5].
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة/4].
وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت/11].
وقوله تعالى: {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء/42].
وقوله تبارك اسمه (2): {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر/10].
وقوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف/ 143].
_________
(1) سقط من (ب).
(2) ليس في (أ، ب، ت، ع).
(الكتاب/205)
وقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك/ 16].
وقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى/1]، وهذا من العلو.
وكذلك قوله: {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة/ 255]، و {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد/9]، و {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر/15]، و {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل/ 50]، والجهمي يقول إنه أسفل.
وقال جل ذكره: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ [ب/ق 31 ب] … ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة/5].
وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (1) [المعارج/4].
وقال لعيسى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ … } [آل عمران/ 55].
وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء/158].
وقال: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [فصلت/38].
وقال: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/2 ـ 4]، والعروج هو الصعود.
وأما قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16]، فمعناه مَنْ على
_________
(1) هذه الآية من (أ، ت، ظ).
(الكتاب/206)
السماء يعني على العرش، وقد تكون في بمعنى: على، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة/2] أي على الأرض، وكذلك قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه/71]، وهذا كله يعضده قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4]. وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب، وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة.
وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله تعالى لا يغالبه أحد (1)، وهو الواحد الصمد.
ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أُريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أُنزل إلينا من ربنا تعالى إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل على الأشهر والأظهر من وجوهه؛ ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادِّعاء المجاز لكل مدَّع ما ثبت شيء من العبادات وجلَّ الله أن يخاطِب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها؛ مما (2) يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة مفهوم، وهو: العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكُّن فيه.
_________
(1) في التمهيد: «لا يغالبه ولا يعلوه أحد».
(2) في (ب): «بما».
(الكتاب/207)
قال أبو عبيدة (1) في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: «علا. قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت» (2).
وقال غيره: استوى: أي استقر، واحتج بقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص/14] أي: انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في شبابه مزيد.
قال ابن عبد البر: والاستواءُ: الاستقرارُ في العلو، وبهذا خاطبنا الله تعالى في كتابه فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف/13].
وقال تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود/44].
وقال تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون/28].
وقال الشاعر: [ب/ق 32 أ]فأوردتهم ماءً بفيفاء قفرةٍ … وقد حَلَّق (3) النجم اليماني فاستوى (4)
_________
(1) هو معمر بن المثنَّى التيمي صاحب كتاب «مجاز القرآن»، توفي سنة 210 هـ.
(2) انظر: مجاز القرآن (2/ 15) بنحوه.
(3) في (ب، ت): «خُلِق».
(4) انظر العين لخليل بن أحمد (ص/506)، ولم ينسبه لأحدٍ، وفيه: «وصبحتهم» بدل «فأوردتهم».
(الكتاب/208)
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولي.
وقد ذكر النضر بن شميل ـ وكان ثقة مأمونًا جليلًا في علم الديانة واللغة ـ قال: حدثني الخليل ـ وحسبك بالخليل ـ قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي (1) ـ وكان من أعلم ما رأيت ـ فإذا هو على سطح، فسلَّمنا فرد علينا السلام، وقال لنا (2): استووا. فبقينا متحيِّرين ولم ندر ما قال. فقال لنا أعرابي إلى جنبه: إنه أمركم أن ترتفعوا فقال الخليل: هو من قول الله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت/ 11] فصعدنا إليه».
قال (3): وأما من نزع (4) منهم بحديث يرويه: عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد [ظ/ق 32 ب] عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال (5): استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان.
فالجواب: أن هذا حديث (6) منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونقَلَته مجهولون وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبدالوهاب
_________
(1) لم أقف على ترجمته.
(2) سقط من: (ب، ظ).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): «نوع» وهو خطأ.
(5) في (أ، ت): «على».
(6) في (أ، ب، ت، ع): «الحديث»، والمثبت أولى.
(الكتاب/209)
ابن مجاهد: فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد: مجهول لا يُعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من الحديث لو عقلوا وأنصفوا، أمَا سمعوا الله سبحانه وتعالى حيث (1) يقول: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر/36،37] فدلَّ على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إلهي في السماء، وفرعون يظنه كاذبًا.
وقال الشاعر:
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره … ومن هو فوق العرش فرد موحد
مليك على عرش السماء مهيمن … لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت (2)، وفيه يقول في وصف الملائكة:
وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه … يعظم ربًّا فوقه ويمجد
قال: فإن احتجوا بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف/84]، وبقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي [ب/ق 32 ب] … السَّمَاوَاتِ
_________
(1) ليس في (ب).
(2) انظر ديوانه (ص/29).
(الكتاب/210)
وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام/3]، وبقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] وزعموا أن الله سبحانه في كل مكان بنفسه وذاته، تبارك اسمه (1) وتعالى جده.
قيل لهم: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته، فوجب حمْل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجمع (2) عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذا قال أهل العلم بالتفسير، وظاهر هذا التنزيل يشهد أنه على العرش، فالاختلاف في ذلك ساقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر، وأما قوله في الآية الأخرى: {وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} فالإجماع والاتفاق قد بيَّن أن المراد بأنه معبود من أهل الأرض. فتدبر هذا فإنه قاطع.
ومن الحجة أيضًا في أنه عز وجل على العرش فوق السماوات السبع: أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم (3) إذا كربهم أمرٌ ونزلت (4) بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء، ونصبوا أيديهم رافعين
_________
(1) سقط من (ب)، ووقع في (ظ): «الله» بدل «اسمه» وكتب عليها الناسخ: «كذا».
(2) في (أ، ب، ت، ع، مط): «المجتمع».
(3) في (ب): «من العجم والعرب».
(4) في (أ، ب): «أو نزلت».
(الكتاب/211)
لها مشيرين بها إلى السماء، يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى. وهذا أشهر وأعرف عند الخاصَّة والعامة من (1) أن يحتاج فيه إلى أكثر من (2) حكايته؛ لأنه اضطرار [ظ/ق 33 أ] لم يوقفهم (3) عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – للأمَة التي أراد مولاها عتقها؛ إن كانت مؤمنة، فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن قال لها: «أين الله؟» فأشارت إلى السماء، ثم قال لها: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» (4)، فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها برفعها رأسها إلى السماء، واستغنى بذلك عما سواه.
قال: وأما احتجاجهم بقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] فلا حُجَّة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حُمِل عنهم التأويل في القرآن، قالوا في تأويل هذه الآية: هو على العرش، وعلمه في كل مكان، [ب/ق 33 أ] وما خالفهم في ذلك أحد يُحْتج بقوله.
وذكر سُنَيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله
_________
(1) في (ب): «في».
(2) سقط من (ب): «أكثر من».
(3) في (ب): «يوقعهم»، وهو تصحيف.
(4) تقدم تخريجه (ص/105).
(الكتاب/212)
تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ … } الآية، قال: هو على عرشه (1)، وعلمه معهم أينما كانوا.
قال: وبلغني عن سفيان الثوري مثله.
قال سُنَيد: وحدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زِرِّ بن حُبَيْشٍ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «الله جل وعلا فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم» (2).
ثم ساق من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زِرٍّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على (3) الماء، والله تبارك وتعالى على العرش ويعلم أعمالكم» (4) اهـ (5).
وذكَرَ هذا الكلام أو قريبًا منه في كتاب «الاستذكار» (6).
_________
(1) في (ب): «العرش».
(2) تقدم (ص/169 – 170)، وسيأتي تصحيح المؤلف إسناده (ص/390).
(3) في (ظ): «فوق».
(4) تقدم الكلام عليه (ص/169 – 170).
(5) انظر: التمهيد (7/ 128 ـ 139) بتصرُّف واختصار من المؤلف.
(6) (2/ 527 ـ 529).
(الكتاب/213)
ذكر قول الإمام مالك الصغير أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني:
قال في خطبة رسالته المشهورة: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات، من ذلك: الإيمان بالقلب، والنطق باللسان: أن الله إله واحد لا إله غيره ولا شبيه (1) له، ولا نظير له، ولا ولد له ولا والد ولا صاحبة له، ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، ولا يبلغ كُنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون. يعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} العليم (2) الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل (3) مكان بعلمه (4). وكذلك ذكر مثل هذا في «نوادره» وغيرها من كتبه.
وذكر في كتابه المفرد (5) في [ظ/ق 33 ب] السنة تقرير العلو (6)
_________
(1) في (ظ): «شبه».
(2) سقط من (ظ)، ووقع في (أ، ت): «العالم».
(3) سقط من (ب).
(4) انظر: الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (ص/ 8).
(5) في (أ، ت، ع): «الفرد».
(6) سقط من (ب) قوله: «وذكر في كتابه المفرد في السنة تقرير العلو».
(الكتاب/214)
واستواء الرب تعالى على العرش بذاته أتمَّ تقرير (1) فقال:
«فصل
فيما أجمعت عليه الأمة من [ب/ق 33 ب] من أمور الديانة (2) من السنن التي خلافها بدعة وضلالة: أنَّ الله سبحانه وتعالى اسمه له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته (3)، وهو سبحانه موصوف بأن له علمًا وقدرة وإرادة ومشيئة، لم يزل بجميع صفاته وأسمائه له الأسماء الحسنى، والصفات العُلى، أحاط علمًا بجميع ما بدأ قبل كونه، فطر الأشياء بإرادته وقوله، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس/82]، وأن كلامه صفة من صفاته، ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد، وأن الله عز وجل كلَّم موسى عليه الصلاة والسلام بذاته، وأسمعه كلامه، لا كلامًا قام في غيره، وأنه يسمع ويرى، ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان، {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر/67] وأن يديه غير نعمته في ذلك، وفي قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص/75].
وأنه يجيء يوم القيامة ـ بعد أن لم يكن جائيًا ـ والملك صفًّا
_________
(1) من هنا يبدأ السقط من النسخ (أ، ت، ع) إلى (ص/224).
(2) في (ظ): «الديانات».
(3) في (ب): «صفاته قائم» ولعلها مقحمة.
(الكتاب/215)
صفًّا (1)؛ لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وأنه يرضى عن الطائعين، ويحب التوابين، ويسخط على من كفر به ويغضب، فلا يقوم شيء لغضبه.
وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه، وأن لله سبحانه كرسيًّا، كما قال عز وجل: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، وكما (2) جاءت به الأحاديث: أن الله سبحانه يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء.
وقال مجاهد: «كانوا يقولون ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقةٍ ملقاةٍ في فلاةٍ من الأرض» (3).
_________
(1) يشير إلى قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22].
(2) في (ب، ظ): «وبما».
(3) أخرجه سعيد بن منصور في السنن، التفسير رقم (425)، والدارمي في النقض على بشر المريسي رقم (101)، من طريق الأعمش عن مجاهد فذكر نحوه.
والأعمش يدلس عن مجاهد، ولعل هذا مما دلسه على مجاهد والواسطة بينهما ليث بن أبي سليم فرواه سفيان الثوري وجرير وقيس ومعتمر بن سليمان كلهم عن ليث عن مجاهد بنحوه.
أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (456)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (45، 59)، وأبو الشيخ في العظمة (218، 249)، لكن قال قيس ومعتمر «العرش» بدل «الكرسي».
ولعل هذا الاضطراب من ليث فإنه ضعيف، والأثر مداره عليه.
(الكتاب/216)
وأن الله سبحانه يراه أولياؤه في المعاد بأبصارهم، لا يُضامون في رؤيته، كما قال عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيِّه – صلى الله عليه وسلم -: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة/22]، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس/26]: «هو النظر إلى وجهه الكريم» (1).
وأنه يكلِّم عباده يوم القيامة ليس بينهم وبينه واسطة ولا ترجمان، وأن الجنة [ب/ق 34 أ] والنار داران قد خُلِقتا، أُعدت الجنة للمتقين المؤمنين، والنار للكافرين الجاحدين، لا تفنيان [ولا تبيدان] (2).
والإيمان بالقدر خيره وشره، وكل ذلك قد قدَّره ربنا سبحانه وتعالى وأحصاهُ عِلْمه، وأن مقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، تفضَّل على من أطاعه فوفَّقه، وحبَّب الإيمان إليه وزينه في قلبه، فيسَّره له، وشرح له صدره ونور به (3) قلبه فهداه، و {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ
_________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (181) من حديث صهيب، وقد وقع فيه اختلاف في رفعه ووقفه، وجاء عن جماعة من الصحابة مرفوعًا ولا يثبت.
انظر: حادي الأرواح للمؤلف (2/ 693)، (2/ 610 ـ 612).
(2) من الجامع للقيرواني و (مط) والتمهيد.
(3) ليس في (ظ).
(الكتاب/217)
مُضِلٍّ} [الزمر/37] وخذل من عصاه وكفر به فأسلمه ويسَّره (1) لذلك فحجبه وأضله، {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف/17]، وكلٌّ ينتهي إلى سابق علمه لا محيص لأحد عنه.
وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد ذلك بالطاعة وينقص ذلك بالمعصية؛ نقصًا عن حقائق الكمال؛ لا محبطًا للإيمان، ولا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنيَّة، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة.
وأنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وإن كان كبيرًا، ولا يحبط الإيمان غير الشرك بالله تعالى، كما قال سبحانه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر/65]، و {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء/ 48].
وأن على العباد حَفَظة يكتبون أعمالهم، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار/10، 11]، وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق/18].
وأن ملك الموت يقبض الأرواح كلها بإذن الله تعالى متى شاء، كما قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة/11]، وأن
_________
(1) في (ب): «وفسَّره» وهو خطأ، لذا كتب عليها الناسخ «كذا».
(الكتاب/218)
الخلق ميِّتون بآجالهم، فأرواح أهل السعادة باقية منعَّمة إلى يوم القيامة، وأرواح أهل الشقاء في سجِّين معذَّبة إلى يوم الدين، وأن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون، وأن عذاب القبر حق، وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويضغطون ويسألون، ويثبت الله منطق من أحبَّ تثبيته.
وأنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أُخرى فإذا هم قيام [ب/ق 34 ب] ينظرون، كما بدأهم يعودون، حفاةً عراة (1) غرلًا، وأن الأجساد التي أطاعت أو عصت هي التي تبعث يوم القيامة لتجازى، والجلود التي كانت في الدنيا (2)، والألسنة والأيدي والأرجل التي تشهد عليهم يوم القيامة على مَن تشهد عليه منهم.
وتنصب الموازين لوزن أعمال العباد، فأفلح من ثقلت موازينه، وخاب وخسر من خفت موازينه، ويؤتون صحائفهم فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حسابًا يسيرًا، ومن أُوتيه بشماله فأولئك يصْلون سعيرًا، وأن الصراط جسر مورود (3) يجوزه العباد بقدر أعمالهم، فناجون متفاوتون في سرعة النجاة عليه من نار جهنم، وقوم أوبقتهم أعمالهم فيها يتساقطون.
_________
(1) في (ظ): «عراةً حفاةً».
(2) هكذا في (ب، ظ)، وفي الجامع: «الدنيا هي التي تشهد».
(3) كذا في النسخ و «الجامع»، وفي نسخة على حاشية (ظ): «ممدود».
(الكتاب/219)
وأنه يخرج من النار من في قلبه شيء من الإيمان.
وأن الشفاعة لأهل الكبائر من المؤمنين، ويخرج من النار بشفاعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوم من أمته بعد أن صاروا حُمَمًا، فيُطْرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبَّة في حَميل السيل.
والإيمان بحوض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ترِده أُمَّته، لا يظمأ من شرب منه، ويذاد عنه مَن غيَّر وبدَّل (1) [ظ/ق 34 ب].
والإيمان بما جاء من خبر الإسراء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – إلى السماوات على ما صحت به الروايات، وأنه – صلى الله عليه وسلم – رأى من آيات ربه الكبرى.
وبما ثبت من خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حَكَمًا عدلًا، وقتله الدجال (2)، وبالآيات التي بين يدي الساعة: من طلوع الشمس من مغربها (3)، وخروج الدابة، وغير ذلك مما صحَّت به الروايات.
ونصدق بما جاءنا عن الله تعالى في كتابه، وما (4) ثبت عن رسول
_________
(1) في (ب): «من بدَّل وغيَّر».
(2) في (ب): «للدجال».
(3) في (ب): «المغرب».
(4) من (ظ).
(الكتاب/220)
الله – صلى الله عليه وسلم – وأخباره، نوجب العمل بمحكمه ونقر بمشكله (1) ومتشابهه، ونكل ما غاب عنا من حقيقة تفسيره إلى الله تعالى، والله يعلم تأويل المتشابه من كتابه، {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران/7]، وقال بعض الناس: الراسخون في العلم يعلمون مشكله. ولكن الأول قول (2) أهل المدينة وعليه يدل الكتاب.
وأن أفضل القرون [ب/ق 35 أ] قرن الصحابة رضي الله عنهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – (3)،
وأن أفضل الأُمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم (4) علي. وقيل: ثم عثمان وعلي، ونكف عن التفضيل بينهما، رُوي ذلك عن مالك، وقال: ما أدركت أحدًا أقتدي به يفضِّل أحدهما على صاحبه (5). فرأى الكف عنهما، ورُويَ عنه القول (6) الأول وعن سفيان وغيره وهو قول أهل الحديث، ثم بقية
_________
(1) في الجامع: «ونقرُّ بنص مشكله».
(2) في (ب، ظ): «أقوال»، والمثبت من الجامع.
(3) أخرجه البخاري في صحيحه (2508)، ومسلم (2535) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
وأخرجه أيضًا البخاري (2509)، ومسلم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(4) قوله: «عثمان ثم» ليس في (ظ، مط)، وضرب عليها في (ب).
(5) أخرجه سحنون في المدونة (4/ 509) عن ابن القاسم قال: سمعت مالكًا فذكره.
(6) سقط من (ظ).
(الكتاب/221)
العشرة، ثم أهل بدر من المهاجرين، ثم من الأنصار، ومن جميع الصحابة على قدر الهجرة والسابقة والفضيلة. وكل من صحبه ولو ساعة أو رآه ولو (1) مرة، فهو بذلك أفضل من التابعين، والكف عن ذكر أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا بخير ما يُذكرون به، وأنهم أحق أن تُنشر محاسنهم، ويُلتمس لهم أفضل المخارج، ونظن بهم أحسن المذاهب.
قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا تؤذوني في أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» (2).
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا» (3)، قال أهل العلم: «لا يُذكرون إلا بأحسن ذكر».
والسمع والطاعة لأئمة المسلمين، وكل من ولي أمر المسلمين عن رضًى أو عن غلبةٍ واشتدت وطأته من برٍّ أو فاجرٍ فلا يخرج عليه (4) جار
_________
(1) من (ظ).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه (3470)، ومسلم في صحيحه (2540) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: «لا تسبوا أصحابي … » بدل «تؤذوني».
(3) جاء هذا الحديث عن جماعة من الصحابة: منهم ابن مسعود وثوبان وعبد الله بن عمر وأبو ذر وأبو هريرة وعبيد بن عبد الغفار ومرسل طاوس.
وكلها منكرة واهية الأسانيد، إلا مرسل طاوس عند عبد الرزاق في أماليه (51) فإنه مرسل صحيح.
(4) في (ب، ظ): «له» وهو خطأ.
(الكتاب/222)
أو عدل، ونغزو معه العدو، ونحج معه البيت، ودفع الصدقات إليهم مجزية إذا طلبوها، ونصلي خلفهم الجمعة والعيدين، قاله غير واحد من العلماء، وقال مالك: «لا نصلي خلف المبتدع منهم إلا أن نخافه فنصلي». واختُلف في الإعادة، ولا بأس بقتال من دافعك من الخوارج واللصوص من المسلمين وأهل الذمة عن [ظ/ق 35 أ] نفسك ومالك.
والتسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدافع بقياس، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه، وما عملوا به عملناه، وما تركوه تركناه، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا عنه، ونتبعهم فيما بينوا، ونقتدي بهم فيما استنبطوه ورأوه في الحوادث، ولا نخرج من جماعتهم فيما اختلفوا [ب/ق 35 ب] فيه أو في تأويله.
وكل ما قدمنا ذِكْره فهو قول أهل السنة، وأئمة الناس (1) في الفقه والحديث على ما بينَّاه، وكله قول مالك، فمنه منصوص من قوله، ومنه معلوم من مذهبه.
قال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: «سَنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وولاة الأمر من بعده سُننًا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله تعالى، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها، من اهتدى
_________
(1) في نسخة على حاشية (ظ): «الدِّين».
(الكتاب/223)
بها مهتدٍ (1)، ومن استنصر بها نُصر، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا» (2).
قال مالك: أعجبني عزم عمر رضي الله عنه في ذلك (3).
فرضي الله عنه، ما كان أصلبه في السُّنَّة، وأقومه بها (4).
وقال في مختصر المدونة: «وأنه تعالى فوق عرشه بذاته فوق
_________
(1) كذا في (ب، ظ)، وفي الجامع: «هُدِي» وهو الأولى.
(2) أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقِّه (1/ 435، 436) (455)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (134).
من طريق: رشدين بن سعد عن عُقيل عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز فذكره.
ورشدين فيه ضعف.
ورواه مالك عن عمر بن عبد العزيز فذكر نحوه.
أخرجه عبد الله في السنة (766)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1067) (5969)، وأبو نُعيم في الحلية (6/ 324) وغيرهم.
وفي سنده انقطاع، مالك لم يدرك عمر بن عبد العزيز.
(3) انظر: الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ لابن أبي زيد القيرواني (ص/107 ـ 117).
وإلى هنا انتهى السقط من (أ، ع، ت).
(4) وجاء في (ع، ت): «أتمَّ تقرير، فمن أراده فليقرأ كتابه، فرضي الله عنه ما كان أصلبه في السنة وأقومه بها». وتأخرت في (ب) جملة «فرضي الله عنه … » إلى بعد كلامه في مختصر المدونة.
(الكتاب/224)
سبع (1) سماواته دون أرضه».
قول الإمام أبي بكر محمد بن موهب المالكي (2) شارح رسالة ابن أبي زيد من المشهورين بالفقه (3) والسنة رحمه الله تعالى:
قال في شرحه للرسالة: «ومعنى فوق وعلا واحد عند جميع العرب وفي كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – تصديق ذلك، وهو (4) قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان/59].
وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5].
وقال تعالى في وصف خوف الملائكة: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل/50].
وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ} [فاطر/10]، ونحو ذلك كثير.
_________
(1) من (ظ) فقط.
(2) تأخَّر في (ظ) قول أبي بكر محمد بن موهب المالكي كاملًا إلى (ص/238) قبل قول ابن أبي زمنين.
(3) في (ب): «في الفقه».
(4) من (ت) فقط.
(الكتاب/225)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأعجمية: «أين الله» فأشارت إلى السماء (1).
ووصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه عُرج به من الأرض إلى السماء ثم من السماء إلى سماء (2) إلى سدرة المنتهى، ثم إلى ما فوقها حتى لقد قال: «لقد سمعت صريف الأقلام» (3).
ولما فرضت الصلوات جعل كلما هبط من مكانه تلقَّاه موسى عليه السلام في بعض السماوات وأمره بسؤال التخفيف عن أمته، فيرجع صاعدًا مرتفعًا إلى الله سبحانه وتعالى يسأله حتى انتهت إلى خمس صلوات (4) وسنذكر تمام كلامه (5) إن شاء الله تعالى عن قرب.
قول الإمام أبي القاسم خلف بن عبد الله (6) المقري الأندلسي
_________
(1) تقدم تخريجه (ص/ 105).
(2) سقط من «ب»: «ثم من السماء إلى سماء».
(3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (342)، ومسلم (163) من حديث ابن عباس وأبي حبَّة الأنصاري.
(4) أخرجه البخاري (342)، ومسلم (163).
(5) في (ظ): «تمامه» بدل «تمام كلامه».
(6) في (أ، ت، مط): «عبد الله بن خلف»، وفي (ع): «عبد الله بن أبي خلف»، ولم أقف على ترجمته، ومن خلال ورود اسمه في كتاب «التكملة لكتاب الصلة» لابن الأبَّار، فهو خلف بن عبدالله بن سعيد بن عباس بن مدبر الأزدي المقرئ … =
= … سمع الحديث من علي بن عمر الزهري في سنة 458 هـ، وسمع منه محمد بن أحمد بن خلف التجيبي المعروف بابن حاج. فهو من طبقة تلاميذ الباجي وابن عبدالبر.
انظر: «تكملة كتاب الصلة» لابن الأبَّار (1/ 67) و (3/ 102 و 176).
(الكتاب/226)
المالكي (1) رحمه الله:
قال في الجزء الأول من كتاب «الاهتداء لأهل الحق والاقتداء» من [ب/ق 36 أ] تصنيفه (2) في شرح «الملخَّص» للشيخ أبي الحسن القابسي رحمه الله تعالى: عن (3) مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟» (4).
في هذا الحديث دليل على أنه تعالى في السماء على العرش من (5) فوق سبع سماوات من غير مماسَّة ولا تكييف، كما قال أهل العلم.
_________
(1) من (ظ) فقط.
(2) ليس في (ظ) «من تصنيفه».
(3) ليس في (ب، ت).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه (1094)، ومسلم في صحيحه (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) من (ظ)، وليست في باقي النسخ.
(الكتاب/227)
ودليل قولهم أيضًا من القرآن: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة/4] وقوله تعالى: {إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء/42] وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة/5] وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4] وقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران/ 55]، وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)} [المعارج/2 ـ 3] والعروج هو الصعود.
وقال مالك بن أنس: الله عز وجل في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه (1) مكان (2).
يريد ــ والله أعلم ــ بقوله [ظ/ق 35 ب] في السماء: على السماء، كما قال تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه/71] وكما قال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16] أي من على السماء يعني على العرش وكما قال تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة/2] أي على الأرض.
_________
(1) في (ظ): «منه» بدل «من علمه».
(2) تقدم تخريج قول مالك (ص/199، 202).
(الكتاب/228)
وقيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] كيف استوى؟ قال مالك رحمه الله تعالى لقائله: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء (1).
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] أي: علا، قال: وتقول العرب: استويت (2) فوق الدابة وفوق البيت.
وكل ما قدمت دليل واضح في إبطال قول من قال بالمجاز في الاستواء، وأن استوى بمعنى استولى، لأن الاستيلاء في اللغة: المغالبة، وإنه لا يغالبه أحد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أُريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أُنزل إلينا من ربنا سبحانه وتعالى إلا على [ب/ق 36 ب] ذلك، وإنما يُوجَّه كلام الله تعالى إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع ذلك ما يوجب له التسليم، ولو ساغ ادِّعاء المجاز لكل مدَّعٍ ما ثبت شيء (3) من العبادات (4)، وجلّ الله تعالى أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب من معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة وهو: العلو
_________
(1) تقدم تخريج قول مالك (ص/199).
(2) في (أ، ت، ع): «استوى».
(3) ليس في (ظ).
(4) كتب عليها ناسخ (ظ): «كذا».
(الكتاب/229)
والارتفاع والتمكُّن في الشيء.
ومن الحجة أيضًا في أنه الله سبحانه وتعالى على العرش فوق السماوات السبع: أن الموحِّدين أجمعين إذا كربهم أمر رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون الله ربهم.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم للأمَة التي أراد مولاها أن يعتقها: «أين الله؟» فأشارت إلى السماء. ثم قال لها: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله. قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» (1). فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها برفع رأسها إلى السماء. ودل على ما قدمناه أنه على العرش، والعرش فوق السماوات السبع.
ودليل قولنا أيضًا: قول أُمية بن أبي الصلت في وصف الملائكة:
وساجدهم (2) لا يرفع الدهر رأسه … يعظم ربًّا فوقه ويمجد
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره … ومن هو فوق العرش فرد موحد
_________
(1) تقدم تخريجه (ص/105).
(2) في (أ): «وساجد».
(الكتاب/230)
مليك على عرش السماء مهيمن … لعزته تعنو الوجوه وتسجد (1)
وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} [غافر/ 36] فدل على أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يقول: إن إلهي (2) في السماء. وفرعون يظنه كاذبًا.
فإن احتج أحد (3) علينا فيما قدمناه، وقال: لو كان كذلك لأشبه المخلوقات؛ لأن (4) ما أحاطت به الأمكنة واحتوته، فهو مخلوق= فشيء لا يلزم ولا معنى له، لأنه تعالى ليس كمثله شيء من خلقه، ولا يُقاس بشيء من بريته، ولا (5) يُدرَك [ظ/ق 36 أ] بقياس، ولا يقاس بالناس، كان قبل الأمكنة، ويكون (6) بعدها، لا إله إلا هو، خالق كل شيء لا شريك له، وقد اتفق المسلمون وكل ذي لبٍّ أنه لا يعقل كائن إلا في مكان ما، وما ليس في مكانٍ فهو عدم، وقد صح في العقول وثبت بالدلائل أنه كان في الأزل لا في مكان، وليس بمعدوم، فكيف
_________
(1) انظر: ديوان أمية بن أبي الصلت (ص/29).
(2) في (أ، ت): «إن الإله».
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): «لأنه» وهو خطأ.
(5) في (ب): «لا» بدون الواو.
(6) في (أ، ب، ت، ع، ظ): «ثم يكون».
(الكتاب/231)
يقاس [ب/ق 37 أ] على شيء من خلقه؟ أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه؟ تعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
فإن قال قائل: إذا وصفنا ربنا تعالى بأنه كان في الأزل لا في مكان، ثم خلق الأماكن فصار في مكان، وفي ذلك إقرار منَّا فيه بالتغيير والانتقال؛ إذ زال عن صفته في الأزل، وصار في مكان دون مكان.
قيل له: وكذلك زعمت أنت (1) أنه كان لا في مكان، ثم صار في كل مكان، فنقل صفته من الكون لا في مكان إلى صفة هي الكون في كل مكان، فقد تغيَّر عندك معبود وانتقل من لا مكان إلى كل مكان.
فإن قال: إنه كان في الأزل في كل مكان ـ كما هو الآن ـ فقد أوجب الأماكن والأشياء (2) معه في أزليته، وهذا فاسد.
فإن قال: فهل (3) يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان.
قيل (4) له: أما الانتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك
_________
(1) سقط من (ب): «زعمت أنت».
(2) في (أ، ت): «الأشياء والأماكن».
(3) في (أ، ت): «هل».
(4) في (ت): «فقل».
(الكتاب/232)
عليه، لأن (1) كونه في الأزل لا يوجب مكانًا، وكذلك نقلته لا توجب مكانًا، وليس في ذلك كالخلق، لأن كون ما كوَّنه يوجب مكانًا (2) من الخلق ونقلته توجب مكانًا ويصير منتقلًا من مكانٍ إلى مكان، والله تعالى ليس كذلك، ولكنا نقول: استوى من لا مكان إلى مكان، ولا نقول: انتقل، وإن كان المعنى في ذلك واحدًا، كما نقول: له عرش، ولا نقول: له سرير، ونقول: هو الحكيم، ولا نقول: هو العاقل، ونقول: خليل إبراهيم، ولا نقول: صديق إبراهيم، وإن كان المعنى في ذلك واحدًا، لأنا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمَّى (3) به نفسه على ما تقدم، ولا ندفع ما وصف به نفسه؛ لأنه دفْعٌ للقرآن، وقد قال الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22]، وليس مجيئه حركة ولا زوالًا ولا انتقالًا (4)، لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسمًا أو جوهرًا، فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقْلة، ولو اعتبرت ذلك بقولهم: جاءت فلانًا قيامته، وجاءه الموت، وجاءه المرض، وشبْه ذلك [ب/ق 37 ب] مما هو
_________
(1) في (أ، ت): «لأنه».
(2) سقط من (ب).
(3) في (ظ): «وصف».
(4) من التمهيد، وفي جميع النسخ: «ابتدالًا» ولعله تحريف.
(الكتاب/233)
وجود نازل به ولا مجيء (1)، [ظ/ق 36 ب] لبان لك وبالله العصمة والتوفيق.
فإن قال: إنه لا يكون مستويًا (2) على مكان إلا مقرونًا بالكيف.
قيل له: قد يكون الاستواء واجبًا والتكييف مرتفع، وليس رفع التكييف يوجب (3) رفع الاستواء، ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل، لأنه (4) لا يكون كائنًا في مكان (5) إلا مقرونًا بالتكييف.
فإن قال: إنه (6) كان ولا مكان وهو غير مقرون بالتكييف.
قيل له: وكذلك هو مستوٍ على العرش، وهو غير مقرون بالتكييف، وقد (7) عقَلْنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحًا في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك، وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح، وكذلك ليس جهلنا بكيفيته على عرشه يوجب أن ليس على عرشه.
وقد روي عن أبي رَزين العُقَيلي قال: قلت: يا رسول الله: أين كان
_________
(1) في (أ، ت): «لا يجيء»، وفي (ب، ع، ظ): «لا مجيء».
(2) في (أ، ت): «مستوٍ».
(3) من قوله: «الاستواء واجبًا» إلى هنا، سقط من (ت).
(4) من التمهيد، وقد سقط من جميع النسخ.
(5) في (ب): «الأماكن». وفي (ظ): «لا مكان»، وكتب عليها الناسخ «كذا».
(6) في (أ، ب، ع، ظ): «فإنه».
(7) من قوله: «قيل له: وكذلك هو مستو … » إلى هنا؛ سقط من (ظ).
(الكتاب/234)
ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: «كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء» (1).
قال أبو القاسم: العماء ممدود وهو السحاب، والعمى مقصور: الظلمة.
وقد روي الحديث بالمدِّ والقصْر، فمن رواه بالمدِّ فمعناه عنده: كان في عماء (2): سحاب ما تحته هواء؛ ولا (3) فوقه هواء. والهاء راجعة على العماء.
ومن رواه بالقصر فمعناه عنده: كان في عمًى عن خلقه، لأنه من عمِيَ عن شيءٍ؛ فقد أظلم عنه (4).
قال سُنَيد بسنده عن مجاهد قال: «إن (5) بين العرش وبين الملائكة
_________
(1) أخرجه أحمد (26/ 108، 117 ــ 118) رقم (16188، 16200)، والترمذي (3109)، وابن ماجه (182)، والطبراني (19/ 207) رقم (468)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (83، 84) وغيرهم.
من طريق يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين العُقيلي فذكره.
والحديث مداره على: وكيع بن حدس وقد جهَّله غير واحد.
والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي والذهبي. انظر: العلو (1/ 274) رقم (13).
(2) سقط من (ظ).
(3) سقط من (أ، ت).
(4) في (ظ): «عليه».
(5) سقط من (ظ).
(الكتاب/235)
لسبعين (1) حجابًا، حجابٌ من نور وحجابٌ من ظلمة» (2).
وروى أيضًا سُنَيد بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء إلى الأرض (3) مسيرة خمسمائة عام [وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام] (4) وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام [وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام] (5)، والعرش على الماء والله سبحانه وتعالى على العرش ويعلم أعمالكم» (6).
_________
(1) في (ت): «سبعين».
(2) أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 51) رقم (34)، وأبو الشيخ في العظمة (2/ 691) رقم (281)، وابن أبي زمنين في أصول السنة (ص/108)، رقم (43)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (856).
من طريق: هشيم عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن مجاهد.
ورواية أبي بشر عن مجاهد صحيفة لم يسمع منه، وقد خولف في المتن.
ورواه العوام بن حوشب وابن أبي نجيح عن مجاهد قال: بين الملائكة وبين العرش سبعون ألف حجاب من نور» لفظ العوام ولفظ ابن أبي نجيح: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب».
أخرجهما أبو الشيخ في العظمة (276، 280)، والبيهقي (855) وهذا أصح.
تنبيه: وقع عند ابن أبي زمنين «يونس بن عبيد» بدل «أبي بشر»، وهو وهم.
(3) في (ت): «والأرض» بدل «إلى الأرض».
(4) ما بين المعقوفتين من التمهيد.
(5) ما بين المعقوفتين من التمهيد.
(6) تقدم تخريجه (ص/169 – 170).
(الكتاب/236)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضًا: «إنه فوق العرش (1)، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم» (2).
قال أبو القاسم: يريد فوق العرش؛ لأن العرش آخر المخلوقات، ليس فوقه مخلوق، والله تعالى على (3) المخلوقات دون تكييف ولا مماسة، ولا أعلم في هذا الباب حديثًا مرفوعًا؛ إلا حديث عبد الله بن عميرة عن الأحنف عن العباس [ب/ق 38 أ] بن عبد المطلب رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نظر إلى سحابة فقال: «ما تسمون هذه؟» قالوا: السحاب. قال: «والمزن». قالوا: والمزن. قال: «والعنان». قالوا: والعنان (4). قال: «كم ترون بينكم وبين السماء؟» قالوا: لا ندري، قال: «بينكم وبينه إما واحد أو اثنان أو ثلاث وسبعون (5) سنة، والسماء فوقها كذلك بينهما مثل ذلك، حتى عدَّ سبع سموات، ثم فوق السماء [ظ/ق 37 أ] السابعة بحر [بين] (6) أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين أظلافهم
_________
(1) سقط من (ظ) من قوله: «ويعلم أعمالكم» إلى هنا.
(2) تقدم تخريجه (ص/169 – 170).
(3) في (ب، ظ): «أعلى».
(4) في جميع النسخ: «نعم».
(5) في جميع النسخ: «وسبعين» وعلَّق عليها ناسخ (أ) بقوله: «كذا وُجدت».
(6) زيادة يقتضيها السياق، وقد سقطت من (ب، ظ) وكتب ناسخ (ظ) على كلمة «أعلاه»: «كذا»، ووقع في (أ، ت): «ما» بدل «بين».
(الكتاب/237)
وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، على ظهورهم العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تعالى إلى فوق ذلك».
هذا حديث صحيح (1) خرَّجه أبو داود (2).
قول الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي زمنين، المالكي المشهور رحمه الله تعالى:
قال في كتابه الذي صنفه في «أصول السنة» (3): باب الإيمان بالعرش: ومن قول أهل السنة: أن الله عز وجل خلق العرش، واختصَّه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وفي قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد/4].
وذكر حديث أبي رزين العقيلي قال (4): قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء، ما فوقه هواء
_________
(1) من (ظ، ب).
(2) تقدم (ص/106)، ويظهر أنه نقله عن ابن عبدالبر، راجع (ص/204).
(3) (ص/88 – 114).
(4) سقط من (أ، مط).
(الكتاب/238)
وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء» (1).
ثم ذكر الآثار في ذلك إلى أن قال: باب الإيمان بالحُجُب قال: ومن قول أهل السنة: أن الله تعالى بائن من خلقه، محتجب عنهم بالحُجُب، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف/5] إلى أن قال: باب الإيمان بالتَّنزُّل قال: ومن قول أهل السنة: أن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وذكر حديث النزول (2) … ، ثم قال: وهذا الحديث يُبيِّن أن الله تعالى على عرشه في السماء دون الأرض، وهو أيضًا بَيِّنٌ في كتاب الله [ظ/ق 37 ب] تعالى وتقدَّس، وفي غير ما حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال الله عز وجل: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة/5] وساق الآيات في العلو.
وذكر من طريق مالك: «قول النبي – صلى الله عليه وسلم – للجارية: أين الله؟ (3) … ثم قال: والحديث في مثل هذا كثير» اهـ.
قول القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق:
من كبار أهل السنة رحمه الله تعالى صرَّح بأن الله سبحانه استوى
_________
(1) تقدم قريبًا (ص/235).
(2) تقدم تخريجه (ص/227).
(3) تقدم تخريجه (ص/109).
(الكتاب/239)
على عرشه بذاته، نقله شيخ الإسلام عنه في غير موضع من كتبه (1)، ونقله عنه القرطبي في شرح الأسماء الحسنى (2).
ذكر قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي، قدَّس الله روحه (3):
قال الإمام ابن الإمام (4) عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: حدثنا أبو شعيب وأبو ثور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم، مثل سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن الله تعالى على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء (5) الدنيا كيف شاء (6).
قال عبد الرحمن: وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله (7) محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سُئِل عن صفات الله وما
_________
(1) انظر: مجموع الفتاوى (3/ 262).
(2) واسمه: «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (2/ 123).
(3) في (أ، ت): «رضي الله عنه».
(4) ليس في (ظ): «ابن الإمام».
(5) في (أ، ت، ع): «السماء».
(6) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/180، 181)، رقم (92).
(7) سقط من (ت).
(الكتاب/240)
يؤمن به فقال: لله تعالى أسماء وصفات، جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته، لا يسع أحدًا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها (1)؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول بها فيما روى عنه العدل (2). فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل؛ لأن علْم ذلك لا يُدرك بالعقل ولا بالروية والفكر (3). ولا نكفر (4) بالجهل بها أحدًا إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها. ونُثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه، كما نفى التشبيه عن نفسه، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11].
وصح عن الشافعي أنه قال: خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه حق (5)، قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب عباده (6)، ومعلوم أن المقضي في الأرض، والقضاء فعله سبحانه وتعالى المتضمن لمشيئته وقدرته.
_________
(1) في (ب): «ردُّهما».
(2) في إحدى النسخ الخطية لكتاب ابن قدامة: «العدول»، وكلاهما جائز صحيح.
(3) في (ب): «والقلب».
(4) في (ب، ظ): «يكفر».
(5) سقط من (ب).
(6) كذا في جميع النسخ، وفي إثبات صفة العلو (ص/181)، رقم (93): «أصحاب نبيه – صلى الله عليه وسلم -» بدل «عباده».
(الكتاب/241)
وقال في خطبة «رسالته» (1): «الحمد لله الذي هو [ب/ق 39 أ] كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه».
فجعل صفاته سبحانه إنما تتلقى بالسمع.
وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: «الأصل قرآن وسُنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصح الإسناد منه فهو سنة (2)، والإجماع [ظ/ق 38 أ] أكبر من الخبر الفرد (3)، والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره فهو أولاها (4) به».
قال الخطيب في «الكفاية» (5): أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان حدثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب حدثنا أبو حاتم الرازي حدثني يونس بن عبد الأعلى فذكره، به.
ومن (6) كلام الإمام الشافعي أيضًا ـ وقد سُئل عن صفات الله عز وجل، وما ينبغي أن يؤمن به العبد ـ فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء
_________
(1) انظر الرسالة له (ص/8).
(2) في (أ، ت): «منه» وهو خطأ.
(3) في (ب، ت): «المفرد».
(4) في (ب): «أولى»، انظر آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم (ص/231، 232).
(5) (ص/437).
(6) من هنا إلى نهاية قول الشافعي من النسخة الظاهرية (ظ) فقط.
(الكتاب/242)
بها كتابه، وأخبر بها نبيه – صلى الله عليه وسلم – أُمته، لا يَسَع أحدًا من خلق الله تبارك وتعالى قامت عليه الحجة ردُّها وإنكارها؛ فإن القرآن نزل بها، وصحَّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – الخبر بها، فيما روى العدل عن العدل عنه. فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه (1) من جهة الخبر فهو معذور بالجهل، فإن علم الله تعالى لا يُدرك بالعقل ولا بالروية والفكرة ونحو ذلك، فإن الله تبارك وتعالى أخبر أنه سميع وأن له يدين، بقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة/64].
وأن له يمينًا بقوله سبحانه: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر/ 67].
وأن له وجهًا بقوله سبحانه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27].
وأن له قدمًا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «حتى يضع الرب فيها قدمه» (2)، يعني: في جهنَّم.
وأنه سبحانه يضحك من عبده المؤمن بقول النبي – صلى الله عليه وسلم – للذي قُتِل في
_________
(1) في (ظ): «عليه فلا»، والتصويب من طبقات الحنابلة (1/ 284).
(2) أخرجه البخاري (4567، 6284)، ومسلم (2848) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والبخاري أيضًا (4568) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(الكتاب/243)
سبيل الله ـ عز وجل ـ أنه لقي الله وهو يضحك إليه» (1).
وأنه سبحانه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا بخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (2).
وأنه سبحانه ليس بأعور، لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ـ إذْ ذكر الدَّجال ـ فقال: «إنه أعور؛ وإن ربكم ليس بأعور» (3).
وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم، كما يرون القمر ليلة البدر بخبر الصادق – صلى الله عليه وسلم – (4).
وأن له أصابع، بقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل» (5).
_________
(1) جاء بمعناه: عند البخاري (2671)، ومسلم (1890) من حديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر: يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد».
(2) تقدم تخريجه (ص/227).
(3) أخرجه البخاري (3159)، ومسلم رقم (169).
(4) أخرجه البخاري (773)، ومسلم (182) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مطولاً.
(5) أخرجه أحمد (29/ 178) (17630)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 188 ـ 190) رقم (108)، وابن ماجه (199)، والطبراني في الدعاء (1262)، وفي مسند الشاميين (582)، وابن حبان (943) الإحسان، وابن منده في التوحيد (3/ 110، 111) رقم (511، 512)، والبيهقي في الأسماء والصفات (299).
من حديث النواس بن سمعان.
وهو حديث صحيح ثابت: صححه ابن خزيمة وابن حبان وابن مندة والحاكم والبوصيري وغيرهم. … =
= … وأخرجه مسلم في صحيحه (2654) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلبٍ واحدٍ، يصرِّفه كيف يشاء … ».
(الكتاب/244)
فإن هذه المعاني الذي وصف بها نفسه، ووصفه بها رسوله – صلى الله عليه وسلم -؛ لا تُدرك حقيقة ذلك بالفكرة والروية، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، فإن كان الوارد بذلك خبرًا يقوم في الفهم مقام الشهادة والسماع وجبت الدينية (1) به على سامعه بحقيقته والشهادة عليه، كما عاين وسمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ ولكن نثبت هذه الصفات وننفي التشبيه كما نفى ذلك سبحانه عن نفسه تعالى ذِكْره فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11] (2) [ظ/ق 38 ب].
قول صاحبه إمام الشافعية في وقته أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المُزَني: في رسالته في «السنة» التي رواها أبو طاهر السِّلَفي عنه بإسناده، ونحن نسوقها بلفظها كلها: «بسم الله الرحمن الرحيم. عصمنا الله وإياكم بالتقوى ووفقنا الله (3) وإياكم لموافقة الهدى، أما بعد: فإنك
_________
(1) في طبقات الحنابلة: «الدينُونة».
(2) جاء هنا في (ظ) ما يلي: «وجدت هذا في حاشيته». وجاء في الحاشية «نجز ما في الأصل».
(3) من (ظ) فقط.
(الكتاب/245)
سألتني أن أوضح لك من السنة أمرًا تصبر (1) نفسك على التمسك به (2)، وتدرأ به عنك شبه الأقاويل، وزيغ محدثات الضالين، فقد شرحت لك (3) منهاجًا موضحًا (4)، لم آل نفسي (5) وإياك فيه نصحًا، بدأت فيه بحمد الله ذي الرشد والتسديد، الحمد لله أحق ما بُدئ وأولى من شُكِر، وعليه أُثني الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جلَّ عن المِثْل فلا شبه (6) له ولا عديل، السميع البصير العليم الخبير المنيع الرفيع، عالٍ على عرشه، وهو دانٍ بعلمه من خلقه، أحاط علمه بالأمور، ونفذ في خلقه سابق المقدور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالخلق عاملون بسابق علمه، ونافذون لما خلقهم له من خير وشر، لا يملكون لأنفسهم من الطاعة نفعًا، ولا يجدون إلى صرف المعصية عنها دفعًا. خلق الخلق بمشيئته من غير حاجة كانت به، فخلق الملائكة جميعًا لطاعته، وجبلهم على عبادته، فمنهم: ملائكة بقدرته للعرش حاملون، وطائفة منهم حول عرشه [ب/ق 39 ب] يسبحون، وآخرون بحمده يقدسون، واصطفى منهم رسلاً إلى رسله، وبعض مدبرون لأمره. ثم
_________
(1) في (ب): «تبصر».
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): «واضحًا».
(5) في (ب): «بنفسي»، والمثبت أولى.
(6) في (مط): «شبيه».
(الكتاب/246)
خلق آدم بيده وأسكنه جنته، وقبل ذلك للأرض خلقه، ونهاه عن شجرة قد نفذ قضاؤه عليه بأكلها، ثم ابتلاه بما نهاه عنه منها، ثم سلَّط عليه عدوه فأغواه عليها، وجعل أكله [إلى الهبوط] (1) إلى الأرض سببًا، فما وجد إلى ترك أكلها سبيلًا، ولا عنه لها مذهبًا.
ثم خلق للجنة من ذريته أهلاً، فهم بأعمالها (2) بمشيئته عاملون، وبقدره وإرادته منفذون (3). وخلق من ذريته للنار أهلًا، فخلق لهم أعيُنًا لا يبصرون بها، وآذانًا لا يسمعون بها، وقلوبًا لا يفقهون بها، فهم بذلك عن الهدى محجبون، وبأعمال أهل النار بسابق قدره يعملون.
والإيمان قول وعمل، وهما شيئان ونظامان وقرينان، لا يفرق بينهما، لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بإيمان، والمؤمنون في الإيمان متفاضلون (4)، وبصالح الأعمال هم مَزيدون (5)، ولا يخرجون بالذنوب من الإيمان، ولا يكفرون بركوب كبيرة ولا عصيان، ولا يوجب لمحسنهم غير ما أوجب له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يشهد
_________
(1) من (مط): «إلى الهبوط».
(2) في (ب): «بأعمالهم».
(3) كذا في (ظ)، ووقع في (أ، ت، ع): «بقدرته بإرادته ينفذون»، وجاء في (ب): «وبقدره بإرادته ينفذون».
(4) في (ب، ظ): «يتفاضلون».
(5) في (أ، ب، ت، ع): «متزيِّدون».
(الكتاب/247)
على مسيئهم بالنار.
والقرآن كلام الله عز وجل، ومن الله، وليس بمخلوق فيبيد، وقدرة الله ونعْتُه وصفاته كلها غير مخلوقات، دائمات أزلية ليست بمحدثاتٍ [ظ/ق 39 أ] فتبيد، ولا كان ربنا ناقصًا فيزيد. جلَّت صفاته عن شبه المخلوقين، وقصرت عنه فِطَن الواصفين. قريب بالإجابة (1) عند السؤال، بعيد بالتعزُّز (2) لا يُنال، عالٍ على عرشه، بائن عن (3) خلقه، موجود ليس بمعدوم ولا مفقود.
والخلق ميتون بآجالهم عند نفاد أرزاقهم، وانقطاع آثارهم، ثم هم بعد الضغطة في القبور مسؤولون، وبعد البِلَى منشورون، ويوم القيامة إلى ربهم محشورون (4)، وعند العرض عليه محاسبون بحضرة الموازين، ونشر صحف الدواوين (5)، أحصاه الله ونَسُوه، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة؛ لو كان غير الله عز وجل الحاكم بين خلقه، فالله يلي الحكم بينهم بِعدْله (6) بمقدار القائلة في الدنيا، وهو أسرع الحاسبين.
_________
(1) في (أ، ت، ظ): «الإجابة».
(2) في (ب): «بالتعزيز»، وفي (ع): «بالتعذر».
(3) في (أ، ت، ع): «من».
(4) علَّق ناسخ (ظ) عليها في الحاشية «يحشرون».
(5) سقط من (ظ)، ووقع في (ب): «ونشر الصحف».
(6) كتب ناسخ (ب) عليها: «كذا»!
(الكتاب/248)
[ب/ق 40 أ] كما بدأهم له من (1) شقاوة وسعادة يومئذ يعودون، فريق في الجنة، وفريق في السعير. وأهل الجنة يومئذ في الجنة يتنعَّمون (2)، وبصنوف اللذات يتلذذون، وبأفضل الكرامة يُحبَرون، فهم حينئذ إلى ربهم ينظرون، لا يمارون في النظر إليه، ولا يشكُّون، فوجوههم بكرامته ناضرة، وأعينهم بفضله إليه ناظرة، في نعيم مقيم، لا يمسهم فيها نَصَبُ وما هم منها بمخرجين، أُكُلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار. وأهل الجحد عن ربهم يومئذ محجوبون، وفي النار مسجورون (3) {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة/ 80] لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها إلا من شاء الله إخراجه من الموحدين منها.
والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله عز وجل مرضيًّا، واجتناب ما كان مسخطًا، وترك الخروج عند تعدِّيهم وجَورهم، والتوبة إلى الله عز وجل كيما يَعْطِف بهم على رعيتهم.
والإمساك عن تكفير أهل القبلة والبراءة منهم فيما أحدثوا، ما لم
_________
(1) كذا في (ب، ظ): «له مِن»، وسقط من (أ، ت)، ووقع في (ع) «كما بدأ لهم شقاوة وسعادة».
(2) في (ب): «يُنَعَّمون».
(3) في (أ، ت): «مُسْجَرون»، وفي (ب): «يُسجرون»، وفي (ع): «لمسجورون» وكذلك قبلها «لمحجوبون».
(الكتاب/249)
يبتدعوا ضلالة، فمن ابتدع منهم ضلالة كان عن (1) أهل القبلة خارجًا، ومن الدين مارقًا، ويُتَقرَّب إلى الله بالبراءة منه، ونهجره ونتجنَّب عُرَّتهُ (2)، فهي أعدى من عُرَّة الجرب.
ويقال بفضل (3) خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم عمر فهما وزيرا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وضجيعاه، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، ثم الباقين من العشرة الذين أوجب لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الجنة، ويخلص لكل رجل منهم (4) من المحبة بقدر الذي أوجبه له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من التفضيل، ثم لسائر أصحابه من بعدهم رضي الله عنهم أجمعين (5)، ويقال بفضلهم، ويذكرون بمحاسن أفعالهم، ويمسك عن الخوض فيما شجر بينهم، وهم خيار أهل الأرض بعد نبيهم، اختارهم الله عز وجل [ظ/ق 39 ب] وجعلهم (6) أنصارًا لدينه، فهم أئمة الدين، وأعلام المسلمين رضي الله عنهم أجمعين.
_________
(1) في (ع، مط): «على».
(2) من (ت)، وفي (أ، ب، ظ): «غرته»، وهو تصحيف، وفي (ع، مط): «عدته»، وهو تصحيف أيضًا.
(3) في (أ، ب، ت، ظ): «يفضل».
(4) في (ظ): «ويخلص لهم من المحبة» بدل «ويخلص لكل رجل منهم من المحبة».
(5) سقط من (ب، ظ).
(6) في (ظ): «وخلقهم» وهو خطأ.
(الكتاب/250)
ولا نترك حضور الجمعة، وصلاتها مع برِّ هذه الأُمة [ب/ق 40 ب] وفاجرها؛ ما كان من البدعة بريًّا.
والجهاد مع كل إمام عدلٍ أو جائرٍ، والحج وإقصار الصلاة في الأسفار والتخيير فيه بين الصيام والإفطار.
هذه مقالات اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى، وبتوفيق الله اعتصم بها (1) التابعون قدوة ورضًا، وجانبوا التكلُّف فيما كفوا فسُدِّدوا بعون الله ووُفِّقوا، لم يرغبوا عن الاتباع فيقصروا، ولم يجاوزوا فيعتدوا، فنحن بالله واثقون، وعليه متوكلون، وإليه في اتباع آثارهم (2) راغبون.
فهذا شرح السنة، تحرَّيت كشفها وأوضحته، فمن وفقه الله للقيام بما أبنْته (3) مع معونته له بالقيام على أداء فرائضه بالاحتياط في النجاسات، وإسباغ الطهارات على الطاعات، وأداء الصلوات على الاستطاعات، وإيتاء الزكاة على أهل الجِدَات، والحج على أهل الجِدَة والاستطاعات، وصيام شهر رمضان لأهل الصِّحَّات. وخمس صلوات سنَّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: صلاة الوتر في كل ليلة، وركعتا الفجر، وصلاة
_________
(1) في جميع النسخ (به) وهو خطأ.
(2) في (ظ): «آثار رحمته».
(3) في (ع): «أثبتُّه»، وفي (أ، ت، ظ): «أتيتُه».
(الكتاب/251)
الفطر، والنحر، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء.
واجتناب المحارم والاحتراز من النميمة والكذب والغيبة والبغي بغير الحق، وأن يقول على الله ما لم (1) يعلم، كل هذه كبائر محرمات.
والتحري في المكاسب والمطاعم والمحارم والمشارب والملابس واجتناب الشهوات فإنها داعية لركوب المحرمات، فمن رعى حول الحِمَى فإنه (2) يوشك أن يواقع الحمى= فمن يُسِّر لهذا فإنه من الدين على هُدى، ومن الرحمة على رجاء. وفقنا الله وإياك إلى سبيله الأقوم بمنِّه الجزيل الأقدم، وجلاله العلي الأكرم، والسلام عليك (3) ورحمة الله وبركاته، وعلى من قرأ علينا السلام، ولا ينال سلام الله الضالون، والحمد لله رب العالمين» (4).
قول إمام الشافعية في وقته أبي العباس بن سُريج رضي الله عنه (5):
ذكر أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني في «جوابات المسائل» التي سئل عنها بمكة فقال: «الحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا
_________
(1) في (أ): «لا».
(2) ليس في (ظ).
(3) في (ب): «عليكم».
(4) انظر رسالة المزني (ص/73 ـ 80).
وأخرجها الذهبي في العلو (2/ 1142)، رقم (460) تعليقًا، فذكر قطعة منها.
(5) من (أ، ت).
(الكتاب/252)
وباطنًا، وعلى كل حال، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وعلى الأخيار الطيبين من الأصحاب والآل. سألتَ أيَّدك الله تعالى بتوفيقه [ب/ق 41 أ] بيان ما صحَّ لديَّ وتأدَّى حقيقته إليَّ من مذهب السلف وصالحي الخلف في الصفات الواردة في الكتاب المنزل والسنة المنقولة بالطرق الصحيحة، برواية الثقات الأثبات عن النبي – صلى الله عليه وسلم – المرسَل (1) بوجيزٍ من القول واختصارٍ في الجواب، فاستخرت الله سبحانه وتعالى وأجبت عنه بجواب بعض الأئمة الفقهاء، وهو أبو العباس [ظ/ق 40 أ] أحمد بن عمر بن سُريج رحمه الله، وقد سُئل عن مثل هذا السؤال فقال:
«أقول وبالله التوفيق، حرام على العقول (2) أن تمثِّل الله سبحانه وتعالى، وعلى الأوهام أن تحدَّه، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الأفكار أن تحيط، وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به (3) نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم -. وقد صح وتقرر (4) واتَّضح عند جميع أهل الديانة والسنة والجماعة من السلف الماضين والصحابة والتابعين من الأئمة المهديين (5) الراشدين
_________
(1) من (أ، ظ).
(2) في (ب): «المعقول» وهو تحريف.
(3) ليس في (أ، ت، ظ).
(4) ليس في (ظ).
(5) في (أ، ب): «المهتدين».
(الكتاب/253)
المشهورين إلى زماننا هذا= أن جميع الآي الواردة عن الله تعالى في ذاته وصفاته، والأخبار الصادقة الصادرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الله وفي صفاته (1)، التي صححها أهل النقل وقبِلَها النقاد الأثبات= يجب على المرء المسلم المؤمن الموقن (2) الإيمانُ بكل واحدٍ منه كما ورد، وتسليم أمره. إلى الله سبحانه وتعالى كما أمر ذلك مثل قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة/ 210]، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر/22]، وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر/67]، ونظائرها مما (3) نطق به القرآن: كالفوقية والنفْس واليدين والسمع والبصر والكلام والعين والنظر، والإرادة والرضى والغضب والمحبة والكراهة والعناية والقرب والبعد والسخط والاستحياء، والدنو كقاب قوسين أو أدنى وصعود الكلام الطيب إليه (4)
وعروج الملائكة والروح إليه ونزول القرآن منه وندائه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقوله للملائكة وقبضه وبسطه وعلمه ووحدانيته وقدرته
_________
(1) سقط من (ب) قوله: «الصادرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الله وفي صفاته».
(2) في (ظ، مط): «الموفق».
(3) في (ت): «كما».
(4) سقط من (ب) ..
(الكتاب/254)
ومشيئته وصمديته وفردانيته وأوَّليته [/ق 41 ب] وآخريته وظاهريته وباطنيته وحياته وبقائه وأزليته وأبديَّته ونوره وتجلِّيه والوجه وخلق آدم عليه السلام بيده، ونحو قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف/84]، وسماعه من غيره (1) وسماع غيره منه، وغير ذلك من صفاته المتعلقة به (2) المذكورة في كتابه المنزل (3) على نبيه – صلى الله عليه وسلم -، وجميع ما لفظ به المصطفى – صلى الله عليه وسلم – من صفاته: كغرسه جنة الفردوس بيده، وشجرة طوبى بيده، وخطِّ التوراة بيده، والضحك والتعجب، ووضعه القدم على النار فتقول: قط قط، وذكر الأصابع، والنزول كل ليلة إلى سماء الدنيا، وليلة الجمعة، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر (4)، وكغيرته وفرحه بتوبة العبد، واحتجابه بالنور وبرداء الكبرياء، وأنه ليس بأعور، وأنه يعرض عما يكره ولا ينظر إليه [ظ/ق 40 ب]، وأن كلتا يديه يمين واختيار آدم بقبضته اليُمنى، وحديث القبضة، وله كل يوم كذا وكذا نظرة في اللوح المحفوظ، وأنه يوم القيامة يحثو ثلاث حثيات من حثياته (5) فيدخلهم الجنة، ولما خلق آدم عليه
_________
(1) سقط من (ظ): «من غيره».
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): «المنزَّلة».
(4) في ثبوت أحاديث ليلة الجمعة والنصف والقدر نَظَر.
(5) ليس في (ب): «من حثياته»، ووقع في (ظ): «من حثيات الرب».
(الكتاب/255)
الصلاة والسلام مسح ظهره بيمينه فقبض قبضة، فقال: «هذه للجنة ولا أُبالي: أصحاب اليمين، وقبض قبضةً أخرى وقال: هذه للنار ولا أبالي: أصحاب الشمال»، ثم ردَّهم في صلب أبيهم (1)
آدم (2)، وحديث القبضة التي يخرج بها من النار قومًا لم يعملوا خيرًا قط، عادوا حُمَمًا فيُلْقَون في نهر من الجنة يقال له نهر (3) الحياة (4)، وحديث خلق آدم على صورته،
_________
(1) من (ت) فقط ..
(2) جاء نحو هذا المتن عن جماعة من الصحابة: عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وهشام بن حكيم وعبد الرحمن بن قتادة السلمي، وابن عباس وأنس وابن عمر.
وكلها لا تصح، وأما اللفظ الذي ساقه المؤلف ــ وهو حديث أبي موسى الأشعري ــ فضعيف جدًّا، تفرَّد به روح بن المسيب ـ وهو ضعيف ـ عن يزيد الرقاشي وهو ضعيف جدًّا. انظر: القدر للفريابي، رقم (35).
وفي الباب موقوفات على بعض الصحابة: عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما.
وجاء مسح الظهر في حديث أبي هريرة عند الفريابي في القدر (19)، لكن ذكره أبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (153) وصححه الترمذي.
وجاء حديث القبضتين: من حديث أبي عبد الله عند أحمد (29/ 134،135) (17593، 17594) بلفظ: «إن الله قبض بيمينه قبضةً، وقال: هذه لهذه ولا أُبالي، وقبض قبضة أخرى بيده الأخرى، فقال: هذه لهذه ولا أُبالي».
(3) سقط من (ب).
(4) أخرجه البخاري رقم (6192)، ومسلم رقم (184) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(الكتاب/256)
وقوله: «لا تقبِّحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن» (1)،
وإثبات الكلام بالحرف والصوت وباللغات، وبالكلمات وبالسور، وكلامه تعالى لجبريل والملائكة، ولملك الأرحام وللرحم (2)، ولملك الموت ولرضوان ولمالك، ولآدم ولموسى ولمحمد – صلى الله عليه وسلم -، وللشهداء (3) وللمؤمنين عند الحساب وفي الجنة، ونزول القرآن إلى سماء الدنيا، وكون القرآن (4) في المصاحف، وما أذن الله لشيء كأذَنه لنبي يتغنى بالقرآن، وقوله: «لله أشدُّ أذَنًا لقارئ القرآن من صاحب القينة إلى قينته» (5)،
_________
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (468)، والطبراني في الكبير (12/ 430) (13580)، وابن أبي عاصم في السنة (529)، وابن خزيمة في التوحيد (1/ 85) (41)، والبيهقي في الأسماء والصفات (640) وغيرهم.
من طريق: جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر فذكره.
وقد خولف الأعمش: فرواه سفيان الثوري عن حبيب عن عطاء مرسلًا.
أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 86) (42).
وقد أعلَّه ابن خزيمة بثلاث علل: بالمخالفة كما تقدم، وبتدليس الأعمش، وبتدليس حبيب بن أبي ثابت.
لكن صحح الحديث: الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
(2) في (ب): «والرحم».
(3) في (ظ): «والشهداء».
(4) سقط من (أ): «إلى سماء الدنيا، وكون القرآن».
(5) أخرجه أحمد (39/ 378، 379) رقم (23956)، وابن ماجه (1340)، … =
= … والبخاري في تاريخه (7/ 124)، وابن حبان في صحيحه (754 ــ الإحسان).
من طريق: ميسرة مولى فضالة عن فضالة بن عبيد فذكره.
وقد اختلف على إسماعيل بن عبد الله ـ الراوي عن ميسرة ـ في ذكر ميسرة وإسقاطه، فإن كان محفوظًا ذِكْرُ ميسرة، فهو تابعي صحَّح حديثه ابن حبان وذكره في ثقاته (5/ 425)، وحسَّن إسناده البوصيري.
وإن كان المحفوظ إسقاطه ـ كما في أكثر الروايات ـ فالإسناد منقطع كما قال الذهبي. والله أعلم.
(الكتاب/257)
وأن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، وفرغ الله من الرزق والأجل، وحديث ذبح الموت، ومباهاة الله تعالى، وصعود الأقوال والأعمال [ب/ق 42 أ] والأرواح إليه، وحديث معراج الرسول – صلى الله عليه وسلم – ببدنه ونفسه، ونظره إلى الجنة والنار، وبلوغه إلى العرش إلى أن لم يكن بينه وبين الله تعالى إلا حجاب العزة، وعرض الأنبياء عليه، وعرض أعمال الأُمة عليه، وغير هذا مما صحَّ عنه – صلى الله عليه وسلم – من الأخبار المتشابهة الواردة في صفات الله سبحانه، ما بلغنا وما لم يبلغنا مما صح عنه اعتقادنا فيه.
وفي الآي (1) المتشابهة في القرآن أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبِّهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها ولا نفسرها ولا نُكَيِّفها، ولا نترجم عن صفاته بلغةٍ غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب، ولا بحركات الجوارح، بل
_________
(1) في (ب): «الآيات».
(الكتاب/258)
نطلق ما أطلقه الله عز وجل، ونفسِّر الذي فسَّره النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيُّون، من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه (1)، ونمسك عمَّا أمسكوا عنه، ونسلم الخبر لظاهره، والآية لظاهر تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسِّمة والمشبِّهة والكرَّامية والمكيِّفة (2)؛ بل نقبلها بلا تأويل، [ظ/ق 41 أ] ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سُنة، وابتغاء تأويلها بدعة» (3).
آخر كلام أبي العباس بن سريج الذي حكاه أبو القاسم سعد (4) بن علي الزنجاني في أجوبته ثم ذكر باقي المسائل وأجوبتها.
قول الإمام حجة الإسلام أبي أحمد بن الحسين (5) الشافعي المعروف «بابن الحداد» (6) رحمه الله تعالى:
_________
(1) ليس في (ظ).
(2) في (ب، ت، ظ): «والكيفيَّة».
(3) انظر: العلو للذهبي (2/ 1216، 1217) وفيه اختصار.
(4) في (ب، ت): «سعيد» وهو تصحيف.
(5) في (أ): «الحسن».
(6) ينظر من هو. وهناك آخر يُعرف «بابن الحداد» وهو أبو نعيم عبيد الله بن الحسن ابن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد، ولد سنة 463 هـ، وتوفي سنة 517 هـ. انظر: السير (19/ 486).
(الكتاب/259)
قال الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليمًا: أما بعد: فإنك وفقك الله تعالى لقول السداد، وهداك سُبل الرشاد، سألتني عن الاعتقاد الحق، والمنهج الصدق، الذي يجب على العبد المكلف أن يعتقدهُ ويلتزمه (1) ويعتمده.
فأقول والله الموفق للصواب:
الذي يجب على العبد اعتقاده، ويلزمه في ظاهره وباطنه اعتماده: ما دلَّ عليه كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع الصدر الأول، من علماء السلف [ب/ق 42 ب] وأئمتهم، الذين هم أعلام الدين وقدوة من بعدهم من المسلمين. وذلك أن يعتقد العبد ويقرّ ويعترف بقلبه ولسانه: أن الله واحد أحد، فردٌ صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، لا إله سواه، ولا معبود إلا إياه، ولا شريك له، ولا نظير له، ولا وزير له، ولا ظهير له، ولا سميَّ له، ولا صاحبة له، ولا ولد له. قديم أبدي، أوَّل من غير بداية، وآخر من غير نهاية، موصوف بصفات الكمال من الحياة والقدرة، والعلم والإرادة، والسمع والبصر، والبهاء والجمال، والعظمة والجلال، والمن والإفضال، لا يعجزه شيء ولا يشبهه شيء، ولا يعزب عن علمه شيء، يعلم خائنة
_________
(1) في (أ، ت، ظ، ع): «ويلزمه».
(الكتاب/260)
الأعين وما تخفي الصدور، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، منزَّهٌ عن كل نقص وآفة، ومقدَّس عن كل عيب وعاهة، الخالق الرازق، المحيي المميت، الباعث الوارث، الأول الآخر، الظاهر الباطن، الطالب الغالب، المثيب المعاقب، الغفور الشكور.
قدَّر كل شيء وقضاه (1) وأبرمه وأمضاه، من خيرٍ وشرٍّ، ونفع وضُرٍّ، وطاعة وعصيان، وعمد ونسيان، وعطاء وحرمان، لا يجري في ملكه ما لا يريد، عدل في أقضيته، غير ظالم لبريَّته، لا رادَّ لأمره، ولا معقِّب لحكمه رب العالمين، إله الأولين والآخرين، مالك (2) يوم الدين، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11]، نَصِفُه بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان رسوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ الكريم، لا نجاوز ذلك ولا نزيد، بل نقف عنده، وننتهي إليه، ولا ندخل فيه برأي ولا قياس؛ لِبُعْده عن الأشكال والأجناس {ذَلِكَ مِنْ [ظ/ق 41 ب] فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف/ 38].
وأنه سبحانه مستوٍ على عرشه، وفوق جميع خلقه؛ كما أخبر في
_________
(1) في (ب): «فقضاه».
(2) في (ب): «مَلِكِ».
(الكتاب/261)
كتابه، وعلى ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، من غير تشبيه ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تأويل، وكذلك كل ما جاء من الصفات نُمِرُّه كما جاء، من غير مزيد عليه، ونقتدي في ذلك بعلماء السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (1)، ونسكت عما سكتوا عنه، ونتأوَّل ما تأولوا، وهم القدوة في هذا الباب {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر/18].
ونؤمن بالقدر خيره [ب/ق 43 أ] وشره وحلوه ومره أنَّه من (2) الله عز وجل، لا معقِّب لِمَا حكم، ولا ناقض لِمَا أبرم، وأن أعمال العباد حسنها وسيئها خلق الله عز وجل ومقدَّرة (3) منه عليهم، لا خالق لها سواه، ولا مقدِّر لها إلا هو (4)، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم/31]، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء/23]، وأنه عدل في ذلك غير جائر، لا يظلمهم مثقال ذرة، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء/40]، وكذلك الأرزاق
_________
(1) ليس في (ظ، ع).
(2) في (ب): «مع» وهو خطأ، وكتب عليها الناسخ «كذا».
(3) في (أ، ب، ت، ع): «مقدورة».
(4) من نسخة على حاشية (ظ)، وفي (ظ، أ، ب): «إياهُ»، وفي (ت): «إلا إيَّاها» وهو خطأ.
(الكتاب/262)
والآجال مقدَّرة لا تزيد ولا تنقص.
ونؤمن ونقرّ ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه (1)، وأنه خاتم النبيين، وسيد المرسلين، أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
ونؤمن أن كل كتاب أنزله الله تعالى حق، وأن كل رسول أرسله الله تعالى حق، وأن الملائكة حق، وأن جبرائيل حق، وميكائيل حق، وإسرافيل حق، وعزرائيل حق (2)، وحملة العرش والكرام الكاتبين من الملائكة حق، وأن الشياطين والجِنَّ حق، وأن كرامات الأولياء ومعجزات (3) الأنبياء حق، والعين حق، والسحر له حقيقة وتأثير في الأجسام، ومساءلة منكر ونكير حق، وفتنة القبر حق ونعيمه حق، وعذابه حق، والبعث بعد الموت حق (4)، وقيام الساعة والوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة للحساب والقصاص والميزان حق، والصراط حق، والحوض حق (5)، والشفاعة التي خُصَّ بها نبينا (6) يوم القيامة
_________
(1) في (ظ، ت، ع)، ونسخة على حاشية (ب): «من أنبيائه».
(2) سقط من (ظ، ت، مط)، ولم يصح في اسم عزرائيل شيء.
(3) سقط من (أ، ب، ت، ظ): «الأولياء ومعجزات»، وكتب ناسخ (ظ) على كلمة «الأنبياء»: «كذا». وقال في الحاشية: لعله: «الأولياء».
(4) في (أ، ب، ظ): «والبعث حقٌ بعد الموت» والمثبت أولى.
(5) من (ب) فقط.
(6) من (ع) فقط.
(الكتاب/263)
حق، والشفاعة من الملائكة والنبيين والمؤمنين حق، والجنة حق، والنار حق، وأنهما مخلوقتان لا تبيدان ولا تفنيان، وخروج المؤمنين من النار بعد دخولها حق، ولا يخلد فيها من في قلبه مثقال (1) ذرة من إيمان، وأهل الكبائر في مشيئة الله تعالى، لا يُقطع عليهم بالنار، بل (2) يُخاف عليهم، ولا يُقطع للطائعين بالجنة بل نرجو لهم.
وأن الإيمان: قول باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارح، وأنه يزيد وينقص [ب/ق 43 ب].
وأن المؤمنين يرون ربهم عز وجل في الآخرة من غير حجاب، وأن الكفار عن رؤيته عز وجل محجوبون.
وأن القرآن كلام الله رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى [ظ/ق 42 أ] بالله شهيدًا، وأنه غير مخلوق، وأن السور والآيات والحروف المسموعات والكلمات التامات التي عجزت (3) الإنس والجن على أن يأتوا بمثله؛ ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا= ليس
_________
(1) سقط من (أ، ب).
(2) في (ب، ت): «ولكن».
(3) في (مط): «أعجزت».
(الكتاب/264)
بمخلوق كما قال المعتزلي (1)، ولا عبارة كما قال الكُلَّابي، وأنه المتلوّ بالألسنة، المحفوظ في الصدور، المكتوب في المصاحف، المسموع لفظه، المفهوم معناه، لا يتعدَّد بتعدد الصدور والمصاحف والآي (2)، ولا يختلف باختلاف الحناجر والنغمات، أنزله إذ شاء، ويرفعه إذ شاء (3)، وهذا معنى قول السلف: منه بدأ وإليه يعود.
واللَّفظية الذين يقولون: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة؛ مبتدعة جهميَّة عند الإمام أحمد والشافعي.
أخبرنا به الحسين بن أحمد بن إبراهيم الطبري، قال: سمعت أحمد ابن يوسف الشالنجي يقول: سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي القطان يقول: سمعت علي بن الحسين (4) بن الجنيد يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: «من قال لفظي بالقرآن أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي».
وحُكي هذا اللفظ عن أبي زرعة وعلي بن خشرم وغيرهم من أئمة السلف.
_________
(1) في (ب): «المعتزلة» وهو خطأ.
(2) في (مط): «والآيات».
(3) سقط من (ع): «أنزله إذ شاء، ويرفعه إذ شاء»، وفي (ب): «إذا» بدل «إذ» في الموضعين.
(4) من (ظ، ع) «بن الحسين»، وسقط من (ت): «علي القطان يقول: سمعت».
(الكتاب/265)
وأن الآيات التي تظهر (1) عند قرب الساعة من: الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام والدخان (2) والدابة وطلوع الشمس من مغربها وغيرها من الآيات التي وردت بها الأخبار الصحاح= حق.
وأن خير هذه الأُمة القرن الأول، وهم الصحابة رضي الله عنهم، وخيرهم العشرة، الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، وخير هؤلاء العشرة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم.
ونعتقد حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه وسائر أصحابه رضوان الله عليهم، ونذكر محاسنهم وننشر فضائلهم ونمسك ألسنتنا وقلوبنا [ب/ق 44 أ] عن التطلع فيما شجر بينهم، ونستغفر الله لهم، ونتوسل إلى الله ربهم باتباعهم (3).
ونرى الجهاد والجماعة ماضيًا (4) إلى يوم القيامة، والسمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين واجب في طاعة الله تعالى دون معصيته، لا يجوز الخروج عليهم، ولا المفارقة لهم.
_________
(1) سقط من (ظ). وقارن ما تقدم بما عند اللالكائي رقم (599).
(2) سقط من (ع)، ووقع في (ب): «والدَّجال» وهو خطأ.
(3) من (ظ)، وفي (أ، ب، ت، ع): «بهم» بدل «باتباعهم».
(4) في (ب، ظ): «ماضيان».
(الكتاب/266)
ولا نكفر أحدًا من المسلمين بذنب عمله ولو كبر، ولا ندع الصلاة عليهم؛ بل نحكم فيهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونترحم (1) على معاوية، ونكل سريرة يزيد إلى الله تعالى، وقد روي عنه: أنه لما رأى رأس الحسين رضوان الله عليه قال: «لقد قتلك من كانت الرحم بينك وبينه قاطعة»، وتبرأ ممن قتل الحسين رضوان الله عليه وأعان عليه، أو أشار به ظاهرًا أو باطنًا، هذا اعتقادنا ظاهرًا، ونكل سريرته إلى الله تعالى.
والعبارة الجامعة في باب التوحيد أن يُقال: إثبات من غير تشبيه، ونفي من غير تعطيل. قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11]. [ظ/ق 42 ب]والعبارة الجامعة في المتشابه من آيات الصفات أن يقال: آمنت بما قال الله تعالى، على ما أراده، وآمنت بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على ما أراده.
فهذا اعتقادنا الذي نتمسك به وننتهي إليه، ونسأل الله تعالى أن يُحيينا، وأن يميتنا عليه، ويجعله وسيلتنا يوم الوقوف بين يديه، إنه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين. هذا آخر كلامه (2).
_________
(1) في نسخة على حاشية (ب): «ونترضَّى».
(2) سقط من (أ، مط) «هذا آخر كلامه».
(الكتاب/267)
قول الإمام إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي:
صاحب كتاب «الترغيب والترهيب»، و «كتاب الحجة في بيان المحجة ومذهب أهل السنة» ـ وكان إمامًا للشافعية في وقته رحمه الله تعالى، وجمع له أبو موسى المديني مناقب جليلة (1) لجلالته.
قال في «كتاب الحجة»: «باب في بيان استواء الله سبحانه وتعالى على العرش.
قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وقال في آية أُخرى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة/255]، وقال: {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى/4]، وقال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى/1].
وقال أهل السنة: الله فوق السماوات لا يعلوه خلق من خلقه، ومن الدليل على ذلك: أن الخلق يشيرون إلى السماء بأصابعهم، ويدعونه ويرفعون إليه رؤوسهم وأبصارهم، وقال عز وجل: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام/18]. وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [تبارك/16، 17]، والدليل على ذلك الآيات التي فيها ذكر نزول [ب/ق 44 ب] الوحي.
_________
(1) سقط من (ت).
(الكتاب/268)
فصل
في بيان أن العرش فوق السماوات، وأن الله سبحانه وتعالى فوق العرش. ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي في «البخاري»: «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي» (1).
وبسط الاستدلال على ذلك بالسنة ثم قال (2): قال علماء السنّة: إن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه. وقالت المعتزلة: هو بذاته في كل مكان.
قال: وقالت الأشعرية: الاستواء عائد إلى العرش. قال: ولو كان كما قالوا لكانت القراءة برفع العرش، فلما كانت بخفض العرش دل على أنه عائد إلى الله سبحانه وتعالى.
قال: وقال بعضهم: استوى بمعنى استولى، قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق … من غير سيف و (3) دم مهراق (4)
_________
(1) أخرجه البخاري (3022).
(2) سقط من (ت): «ثم قال».
(3) في (ب): «ولا» وهو خطأ.
(4) قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (5/ 146): «لم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه، وقالوا: إنه بيت مصنوع لا يُعرف، … ».
(الكتاب/269)
والاستيلاء لا يوصف به إلا من قدر على الشيء بعد العجز عنه، والله تعالى لم يزل قادرًا على الأشياء ومستوليًا عليها؛ ألا ترى أنه لا يُوصف بِشْر بالاستيلاء على العراق إلا وهو عاجز عنه قبل ذلك.
ثم حكى أبو القاسم عن ذي النون المصري: أنه قيل له: ما أراد الله سبحانه بخلق العرش؟ قال: أراد أن لا يُتَوِّه (1) قلوب العارفين.
قال: ورويَ عن [ظ/ق 43 أ] ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ … } [المجادلة/7]، قال: هو على عرشه (2)، وعلمه في كل مكان.
ثم ساق الاحتجاج بالآثار إلى أن قال وزعم هؤلاء أن معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي: ملكه، وأنه لا اختصاص له بالعرش أكثر مما له بالأمكنة. وهذا إلغاء لتخصيص العرش (3) وتشريفه.
وقال أهل السنة: خلق الله تعالى السماوات وكان عرشه على الماء مخلوقًا قبل خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض على (4) ما ورد به النص، وليس معناه المماسة بل
_________
(1) في (أ، ب، ت، ع): «تَتُوه».
(2) في (ب): «العرش».
(3) في (ب): «لتخصيصه بالعرش».
(4) سقط من (ت): «العرش بعد خلق السماوات والأرض على».
(الكتاب/270)
هو مستوٍ على عرشه بلا كيف كما أخبر عن نفسه.
قال: وزعم هؤلاء أنه لا تجوز الإشارة إلى الله سبحانه بالرؤوس والأصابع إلى فوق، فإن ذلك يوجب التحديد، وقد أجمع المسلمون أن الله سبحانه هو (1) العلي الأعلى، ونطق (2) بذلك القرآن.
وزعم هؤلاء أن ذلك بمعنى: علو (3) الغلبة، لا علو الذات. وعند المسلمين أن لله عز وجل علو الغلبة والعلو من سائر وجوه العلو؛ لأن العلو صفة مدح، فنثبت أن لله تعالى علوَّ الذات، وعلو الصفات، وعلو [ب/ق 45 أ] القهر والغلبة. وفي منعهم الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى من (4) جهة الفوق خلاف منهم لسائر الملل؛ لأن جماهير المسلمين وسائر الملل قد وقع منهم الإجماع على الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى من جهة الفوق في الدعاء والسؤال، واتفاقهم بأجمعهم على ذلك حُجَّة، ولم يستجز أحد الإشارة إليه من جهة الأسفل، ولا من سائر الجهات سوى جهة الفوق.
وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل/50].
وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر/10].
_________
(1) ليس في (ظ).
(2) في (ظ): «ونطلق» وكتب عليها الناس في الحاشية: لعله: «ونطق».
(3) سقط من (ظ) فقط.
(4) في (أ، ب): «إلى».
(الكتاب/271)
وقال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4].
وأخبر تعالى عن فرعون أنه قال: { … يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر/ 36، 37].
فكان فرعون قد فهم عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه يثبت إلهًا فوق السماء، حين (1) رام بصرحه أن يطلع إليه، واتَّهم موسى عليه الصلاة والسلام بالكذب في ذلك، والجهمية لا تعلم أن الله فوقها بوجود ذاته، فهم أعجز فهمًا من فرعون بل وأضل (2).
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل الجارية التي أراد مولاها عتقها: «أين الله»؟ قالت: في السماء. وأشارت برأسها. وقال: «من أنا»؟ فقالت: أنت رسول الله. فقال: «أعتقها فإنها مؤمنة»، فحكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإيمانها حين قالت: إن الله في السماء، وحكم الجهمي بكفر من يقول ذلك.
هذا كله كلام أبي (3) القاسم التيمي (4) رحمه الله تعالى (5).
_________
(1) في (أ، ت، ع، مط).
(2) من (ع، مط): «بل وأضل»، وأثبتُّها إتمامًا للحُجَّة على الجهمية.
(3) سقط من (ب).
(4) سقط من (ت).
(5) انظر: الحجة في بيان المحجة (2/ 81 ـ 115).
(الكتاب/272)
قول الإمام أبي عمرو عثمان بن أبي الحسن بن الحسين الشهرزوري (1) الفقيه المحدث من أئمة أصحاب الشافعي من أقران البيهقي وأبي عثمان الصابوني وطبقتهما:
له كتاب في «أصول [ظ/ق 43 ب] الدين». قال في أوله: «الحمد لله الذي اصطفى الإسلام على الأديان، وزين أهله بزينة الإيمان، وجعل السنة عصمة أهل الهداية، ومجانبتها أمارة أهل الغواية، وأعز أهلها بالاستقامة، ووصل عزَّهم بالقيامة، وصلى الله على محمد وسلم وعلى (2) آله أجمعين وبعد:
فإن الله تعالى لمَّا جعل الإسلام ركن الهدى، والسنة سبب النجاة من الردى، ولم يجعل لمن ابتغى غير الإسلام دينًا هاديًا، ولا من انتحل غير السنة (3) نحلة ناجيًا= جمعت أصول السنة الناجي أهلها، التي لا يسع الجاهل نُكْرها، ولا العالم جهلها، ومن سلك غيرها من المسالك فهو في أودية البدع هالك» ـ إلى أن قال: ـ «ودعاني إلى جمع هذا المختصر [ب/ق 45 ب] في اعتقاد أهل (4) السُّنة على مذهب الشافعي وأصحاب الحديث؛ إذ هم أُمراء العلم وأئمة الإسلام= قول النبي صلى
_________
(1) في (أ، ت، ع، مط): «السهروردي»، ولم أقف على ترجمته.
(2) من (ظ).
(3) في (مط): «الإسلام»، وهو خطأ.
(4) ليس في (أ، ت، ظ).
(الكتاب/273)
الله عليه وآله وسلم: «تكون البدع في آخر الزمان (1)، فإذا كان كذلك فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمدٍ نبيه صلى الله عليه وآله وسلم» (2).
_________
(1) في (مط): «الزمان محنة»، ولعلها زيادة من الناسخ أو الطابع.
(2) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 80).
من طريق: محمد بن عبد الرحمن الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل رفعه «إذا ظهرت البدع، ولعن آخر هذه الأمة أوَّلها، فمن كان عنده علم فلينشره؛ فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمدٍ».
ورواه: محمد بن الهيصم ومحمد بن عبد المجيد المفلوج وهشام بن عمار كلهم عن الوليد بن مسلم به بلفظ «إذا ظهرت البدع، وسُبَّ أصحابي؛ فعلى العالم أن يظهر علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
قال محمد بن الهيصم: قلت للوليد: وما إظهار علمه؟ قال: السنة.
أخرجه الخلال في السنة (787)، وابن رزقويه في جزء من حديثه (ق 2/ 2)، والديملي (1/ 1/66) كما في السلسلة الضعيفة رقم (1506).
قلت: هذا اللفظ أصح، لكن كل من رواه عن الوليد في ثبوت روايته نظر.
لكن أصح الطرق: طريق محمد بن الهيصم عند الخلال وسؤاله الوليد يدل على ضبطه، والله أعلم.
لكن أخشى أن يكون جبير بن نفير لم يسمع من معاذ؛ لأن روايته عن عمر بن الخطاب متكلَّم فيها. قال المزي: وفي سماعه منه نظر. التهذيب (4/ 510)، قلت: وعمر قُتل سنة 23 هـ، ومعاذ سنة 18 هـ أو قبلها، وقد يؤيِّد السماع أن جبيرًا من كبار التابعين، أدرك الجاهلية، وأسلم زمن أبي بكر الصديق، وكان هو ومعاذ بالشام فالله أعلم بالصواب. … =
= … وجاء الحديث عن جابر: إذا لعن آخر هذه الأمة أوَّلها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم ككاتم ما أنزل الله على محمد – صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه ابن ماجه (263)، والبخاري في تاريخه (3/ 197)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 264) وغيرهم.
من طريق: عبد الله بن السري عن محمد بن المنكدر عن جابر فذكره.
قلت: والسري لم يسمعه من ابن المنكدر بينهما عنبسة بن عبد الرحمن القرشي ومحمد بن زاذان وهما متروكان متَّهمان بالكذب كما بين ذلك العقيلي وابن صاعد وغيرهما. انظر: العقيلي (2/ 265)، وتاريخ ابن عساكر (17/ 5، 6)، وعليه فحديث جابر واهي الإسناد.
(الكتاب/274)
ثم ساق الكلام في الصفات إلى أن قال: «فصل: ومن صفاته تبارك وتعالى فوقيته واستواؤه على عرشه بذاته، كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بلا كيف، بدليل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان/59]، وقوله في خمسة مواضع أُخر (1): {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2)، وقوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران/ 55]»، وساق آيات العلو ـ ثم قال: ـ «وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف لم يختلفوا في أن الله سبحانه مستوٍ على
_________
(1) من (ب) فقط.
(2) انظر المواضع الخمسة في: [الأعراف/54]، و [يونس/3]، و [الرعد/2]، و [السجدة/4]، و [الحديد/4].
(الكتاب/275)
عرشه، وعرشه فوق سبع سماوات (1)» ــ ثم ذكر كلام عبد الله بن المبارك ــ: «نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته؛ على عرشه بائن من خلقه» ـ وساق قول ابن خزيمة: «ومن لم يقر بأن الله تعالى على عرشه؛ قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر» = بإسناده من (2) كتاب «معرفة علوم الحديث»، ومن كتاب «تاريخ نيسابور» للحاكم.
ثم قال: وإمامنا في الأصول والفروع أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ــ رحمه الله تعالى ورضي عنه ــ احتجَّ في كتابه «المبسوط» على المخالف في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن الرقبة الكافرة لا يصح التكفير بها= بخبر معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه: وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء عن الكفارة، وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إعتاقه إياها فامتحنها – صلى الله عليه وسلم – (3)؛ ليعرف أنها مؤمنة أم لا، فقال لها: «أين ربك؟» فأشارت إلى السماء، إذ كانت أعجمية، فقال لها: «من أنا؟» فأشارت إليه وإلى السماء: تعني أنك رسول الله الذي في السماء. فقال: «أعتقها، فإنها مؤمنة» (4)، فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامها وإيمانها؛ لمَّا أقرَّت بأن ربها في السماء [ظ/ق 44 أ]،
_________
(1) في (أ، ب): «سماواته».
(2) في (أ): «في».
(3) قوله: «عن إعتاقه إيَّاها فامتحنها – صلى الله عليه وسلم -» من (ظ) فقط.
(4) تقدم تخريجه (ص/105).
(الكتاب/276)
وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية». هذا لفظه (1).
قول إمام الشافعية في وقته: الإمام أبي بكر محمد (2) بن محمود ابن سورة التميمي فقيه نيسابور رحمه الله تعالى:
قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد [ب/ق 46 ب] الحافظ الهمداني قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي علي الحافظ قال: سمعت الشيخ الفقيه أبا بكر محمد بن محمود ابن سورة التميمي النيسابوري يقول: «لا أُصلِّي خلف من ينكر الصفات، ولا خلف من يقول بقول أهل الفساد، ولا خلف من لم يُثْبت القرآن في المصحف، ولا يُثْبت النبوة قبل الماء والطين إلى يوم الدين، ولا يقرُّ بأن الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه.
قال أبو جعفر: وسمعته يقول للشيخ أبي المظفَّر السمعاني بنيسابور: «إن أردت أن يكون لك درجة الإيمان (3) في الدنيا والآخرة
_________
(1) ورد أكثر هذا النص عن أبي عثمان الصابوني في رسالته: اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة (ص/14 ـ 23).
(2) من (أ، ظ، ت)، ووقع في (ع): «ابن محمد» وهو خطأ.
قال الصَّرِيفيني في المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور (ص/64)، رقم (121): «الفقيه أبو بكر التميمي، مشهور من بيت الثروة والمروءة والفضل، كان خِتْن أبي عثمان الصابوني على ابنته أبو سبطيه: الحسن والحسين. توفي سنة 477 هـ».
(3) في (أ، ت، ع): «الأئمة».
(الكتاب/277)
فعليك بمذهب السلف الصالح، وإياك أن تداهن في ثلاث مسائل: مسألة القرآن، ومسألة النبوة، ومسألة استواء الرحمن على العرش= باستدلال النص من القرآن والسنة المأثورة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -».
حكاه الحافظ أبو منصور عبد الله بن محمد بن الوليد (1) في كتاب «إثبات العلو» له.
قلت: ونظير ذكره (2) هذه المسائل الثلاث (3)، ما حكاه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت أحمد بن أميرجة القلانسي خادم شيخ الإسلام الأنصاري يقول: حضرت مع شيخ الإسلام عند (4) الوزير أبي علي الحسن بن علي الطوسي ـ نظام المُلك ـ وكان أصحابه كلَّفوه بالخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ، فلمّا دخل عليه أكرمه وبجَّله، وكان في العسكر أئمة من (5) الفريقين، فاتَّفقوا جميعًا
_________
(1) هو البغدادي الحربي الحنبلي، كان حافظًا مفيدًا، مشهورًا بسرعة القراءة وجودتها، وقال ابن رجب الحنبلي: وله تخاريج كثيرة، وفوائد وأجزاء. توفي سنة 643 هـ.
انظر: صلة التكملة للشريف الحسيني (ص/81، 82)، وسير أعلام النبلاء (23/ 213)، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 233، 234).
(2) من (ت، ظ).
(3) في (أ، ب، ت): «الثلاثة» والمثبت أعلى وأشهر.
(4) في (أ، ت، ظ، ع): «على» وهو خطأ.
(5) سقط من (ب).
(الكتاب/278)
على أن يسألوه عن مسألة بين يدي الوزير يُعنتونه (1) بها؛ فإن أجاب بما كان (2) يجيب بهراة سقط من عين الوزير، وإن لم يجب سقط من عيون (3) أصحابه وأهل مذهبه، فلمَّا دخل واستقر به المجلس انتدب له رجل من الجماعة، فقال: يأذن الشيخ الإمام في أن أسأل مسألة؟ فقال: سل. فقال: لِمَ تلعن أبا الحسن الأشعري؟ فسكت. وأطرق الوزير لِمَا علم من جوابه، فلمَّا كان بعد ساعة قال له الوزير: أجِبْه. فقال: أنا (4) لا ألعن الأشعري، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليوم نبي. ثم قام وانصرف فلم يمكن أحدًا أن يتكلَّم بكلمة من هيبته وصولته وصلابته، فقال الوزير للسائل ومن [ب/ق 47 أ] معه: هذا أردتم؟ كنا نسمع أنه يذكر هذا بهراة، فاجتهدتم (5) حتى سمعناه بآذاننا، وما عسى أن أفعل به، ثم بعث خلفه خِلَعًا وصِلَة فلم يقبلها، وخرج من فوره إلى هراة (6).
وهذا القول في النبوة بناء على أصل الجهمية وأفراخهم: أن الروح
_________
(1) في (ت، ع): «يفتنونه».
(2) من (ظ) فقط.
(3) في (أ، ت): «أعين»، وفي (ع): «عين».
(4) سقط من (أ، ت، ع). وفي ذيل الطبقات «لا أعرف الأشعري».
(5) في (ب، ع): «فاجتهد»، وكتب ناسخ (ب) عليها: «كذا».
(6) انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (1/ 54، 55).
(الكتاب/279)
عَرَضٌ من أعراض البدن كالحياة، وصفات الحي مشروطة بها، فإذا زالت بالموت تبعتها صفاته فزالت بزوالها. ونجا متأخروهم من هذا الإلزام وفروا إلى (1) القول بحياة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم، فجعلوا لهم (2) معادًا يختص بهم قبل المعاد الأكبر، إذ لم يمكنهم التصريح بأنهم لم يذوقوا الموت.
وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة واستيفاء الاحتجاج (3) لهم وبيان ما في ذلك في كتاب «الشافية (4) الكافية في الانتصار للفرقة الناجية» (5).
_________
(1) في (ب، ظ): «من»، ولعله سهو.
(2) في (ب، ظ): «له» وهو خطأ.
(3) في (ظ): «الحُجَج»، وفي (أ، ت، ع): «الحِجَاج».
(4) كذا في جميع النسخ الخطية. ووقع في المطبوعة (مط): «الكافية الشافية … ». وهذا العنوان ـ أعني «الشافية الكافية … » جاء في صفحة العنوان من النسخة الظاهرية من هذا الكتاب «الشافية الكافية» وخاتمتها، وهي نسخة عالية نفيسة منقولة عن نسخة الحافظ ابن رجب بقراءة والده على المؤلف (ابن القيم) قبل وفاته بستة أشهر، وقد ذُكر العنوان المشهور: «الكافية الشافية» في آخر فصل الأمثال في الحاشية من نسخة المؤلف التي قوبلت عليها نسخة الظاهرية.
انظر: الكافية الشافية (1/ 9، 10، 199 ـ 203).
(5) (2/ 307 ـ 484) ط. عالم الفوائد.
(الكتاب/280)
قول أبي الخير (1) العمراني ـ صاحب «البيان» فقيه الشافعية ببلاد اليمن رحمه الله تعالى:
له كتاب لطيف في السنة (2) على مذهب أهل الحديث، صرَّح فيه بمسألة الفوقية والعلو، والاستواء حقيقة، وتكلّم الله عز وجل بهذا القرآن العربي المسموع بالآذان حقيقة، وأن جبرائيل عليه الصلاة والسلام سمعه من الله سبحانه حقيقة، وصرَّح فيه بإثبات الصفات الخبرية، واحتجَّ بذلك ونصره، وصرَّح بمخالفة الجهمية والنفاة.
ذكر أقوال جماعة من أتباع الأئمة الأربعة ممن يُقْتدى بأقوالهم سِوى مَن تقدم:
قول أبي بكر بن موهب (3) المالكي شارح «رسالة ابن أبي زيد»:
_________
(1) كذا في جميع النسخ، وكذا في النونية (البيت:1459)! وأبو الخير هو كنية والد صاحب البيان، واسمه سالم، أما العمراني صاحب البيان فهو: أبو الحسين يحيى ابن أبي الخير سالم العمراني.
(2) هو «الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار»، (2/ 607).
(3) هو محمد بن موهب التجيبي القرطبي المالكي، كان فقيهًا عالمًا من الزهاد الفضلاء، صحب ابن أبي زيد القيرواني واختصَّ به، وحمل عنه تواليفه، غلب عليه الجدل في نصرة أهل السنة. توفي سنة 406 هـ. انظر: جذوة المقتبس للحميدي رقم (146)، والصلة لابن بشكوال (2/ 471) (1079).
(الكتاب/281)
قد تقدم ذكره عند ذكر (1) أصحاب مالك رحمه الله وحكينا بعض كلامه في شرحه، ونحن نسوقه بعبارته قال: «وأما قوله: إنه فوق عرشه المجيد بذاته»: فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب واحد، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تصديق ذلك ـ ثم ساق الآيات في إثبات العلو، وحديث الجارية، إلى أن قال ـ: وقد تأتي «في» في لغة العرب بمعنى: فوق، وعلى ذلك قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك/15] يُريد: عليها وفوقها، وكذلك قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه/71] يريد: عليها.
وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16] الآيات، قال أهل (2) التأويل العالمون بلغة العرب: يُريد فوقها، وهو قول مالك، مما فهم (3) عن جماعة ممن أدرك من [ب/ق 47 ب] التابعين؛ مما فهموه عن الصحابة رضي الله عنهم؛ مما فهموه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الله (4) في السماء، يعني (5): فوقها وعليها، فلذلك (6) قال
_________
(1) سقط من (أ، ع).
(2) سقط من (ب).
(3) في (أ، ب): «فهمه».
(4) من (أ، ت، ظ): «إن الله».
(5) في (أ، ت): «بمعنى».
(6) في (ب): «فكذلك».
(الكتاب/282)
الشيخ أبو محمد: إنه فوق عرشه المجيد بذاته، ثم إنه بين أن علوَّه على عرشه إنما هو بذاته؛ لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف، وهو في كل مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته؛ إذ لا تحويه (1) الأماكن؛ لأنه أعظم منها، وقد كان ولا مكان، ولم يحل بصفاته عما كان؛ إذ لا تجري عليه الأحوال، لكن علوه في استوائه على عرشه، وهو عندنا بخلاف ما كان قبل أن يستوي [ظ/ق 45 أ] على العرش؛ لأنه قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2) و «ثُمَّ» أبدًا لا تكون إلا لاستئناف (3) فعل يكون (4) بينه وبين ما قبله فسحة …
إلى أن قال: وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] فإنما معناه عند أهل السنة: على غير الاستيلاء والقهر والغلبة والملك (5)، الذي ظنَّت المعتزلة ومن قال بقولهم: إنه معنى (6) الاستواء، وبعضهم يقول: إنه على المجاز دون الحقيقة.
_________
(1) في (ب): «يحويها» وهو خطأ.
(2) سقط من (ب، ظ): قوله: [لأنه قال: «ثم استوى على العرش»].
(3) في (أ): «للاستئناف»، وفي (ب): «بالاستئناف».
(4) في (أ، ت، ظ): «يصير».
(5) سقط من (ت).
(6) في (ظ): «بمعنى» وهو خطأ؛ إذ لا يستقيم به المعنى.
(الكتاب/283)
قال: ويبيِّن سوء تأويلهم في استوائه على عرشه على غير ما تأولوه من الاستيلاء وغيره: ما قد علمه أهل العقول أنه لم يزل مستوليًا على جميع مخلوقاته بعد اختراعه لها، وكان العرش وغيره في ذلك سواء، فلا معنى لتأويلهم بإفراد العرش بالاستواء الذي هو في تأويلهم الفاسد استيلاء وملك وقهر وغلبة.
قال: وكذلك بَيّن أيضًا أنه (1) على الحقيقة بقوله عز وجل: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء/122] فلما رأى المُنْصِفون (2) إفراد ذكره بالاستواء على عرشه بعد خلق سمواته وأرضه وتخصيصه بصفة الاستواء علموا أن الاستواء هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بوصفه بالاستواء (3) على عرشه، وأنه على الحقيقة لا على المجاز؛ لأنه الصادق في قِيله، ووقفوا عن تكييف ذلك وتمثيله؛ إذ ليس كمثله شيء من الأشياء» (4).
_________
(1) في (ت): «إن الله».
(2) في (ب): «المصنِّفون» وهو خطأ.
(3) سقط من (ت) قوله: «هنا غير الاستيلاء ونحوه، فأقروا بوصفه بالاستواء».
(4) انظر: نقض التأسيس (1/ 175 ـ 179)، والعلو للذهبي (2/ 1365، 1366).
(الكتاب/284)
وقد تقدم (1) قول القاضي عبد الوهاب إمام المالكية بالعراق:
إن الاستواء استواء الذات (2) على العرش، وأنه قول ابن (3) الطيب الأشعري حكاه عنه عبد الوهاب نصًّا، وأنه قول أبي الحسن (4) الأشعري بنفسه صرَّح به في بعض كتبه، وأنه قول الخطابي وغيره من الفقهاء والمحدثين.
ذكر ذلك كله الإمام أبو بكر الحضرمي (5) في رسالته التي سمَّاها
_________
(1) في (ص/239 – 240).
(2) في (ظ): «الرب».
(3) في (أ، ت، ع، مط): «أبي» وهو خطأ، وابن الطيب هو أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاَّني المتوفى سنة 403 هـ.
وقد صرَّح بالاستواء على العرش في كتابيه: تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل (ص/261، 262)، ط. مكارث، والإبانة كما في العلو للذهبي (2/ 1298)، وانظر: نقض التأسيس (1/ 171).
(4) سقط من (ت): «أبي الحسن».
(5) هو القاضي محمد بن الحسن الحضرمي القيرواني، كان عالمًا بالفقه، إمامًا في أصول الدين، نبيهًا ذا حظٍ وافر من البلاغة والفصاحة، وله مشاركة في الأدب وقرض الشعر، وله تواليف حسان مفيدة. توفي سنة 489 هـ.
انظر: الصلة لابن بشكوال (2/ 572) رقم (1326).
(الكتاب/285)
بـ «الإيماء إلى مسألة الاستواء» (1) فمن أراد الوقوف عليها (2) فليقرأها.
وقد تقدم (3) قول أبي عمر ابن عبد البر:
«وعلماء الصحابة، والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل (4) قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7]: إنه على العرش وعلمه في كل مكان. وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله» (5).
«وأهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن (6) والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز؛ إلا أنهم لا يكيِّفُون شيئًا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مُشَبِّه، وهم عند
_________
(1) ذكر هذه الرسالة ونقل منها: شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس (1/ 168 ـ 170)، والقرطبي في الأسنى (2/ 121 ـ 123).
(2) في (أ، ب، ت): «عليه».
(3) سقط من (ت)، وقد تقدم في (ص/212).
(4) سقط من (ظ): «قالوا في تأويل».
(5) انظر: التمهيد (7/ 139).
(6) في (ع): «الكتاب» وقال الناسخ في الحاشية: في نسخة «القران».
(الكتاب/286)
من أقر بها نافون للمعبود (1)، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهم أئمة الجماعة» (2).
قول شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد المقدسي [ظ/ق 45 ب] الذي اتفقت الطوائف على قبوله وتعظيمه وإمامته؛ خلا جهمي أو معطِّل قال في كتاب «إثبات صفة العلو»:
أما بعد: فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك رسوله خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتواترت الأخبار في ذلك على وجهٍ حصل به اليقين، وجمع الله عز وجل عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزًا في طبائع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون إلى (3) السماء بأعينهم ويرفعون نحوها (4) للدعاء أيديهم، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم سبحانه وينطقون بذلك بألسنتهم، لا يُنكر ذلك إلا مبتدع غالٍ في بدعته أو مفتون بتقليده واتباعه في (5)
_________
(1) في (ت، ع): «المعبود».
(2) انظر: التمهيد (7/ 145).
(3) ليس في (أ، ت، ع).
(4) في (أ، ب، ظ): «عندها»، والمثبت أولى.
(5) في (أ، ت): «على».
(الكتاب/287)
ضلالته» (1).
وقال في عقيدته: «ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا» (2) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم [ب/ق 48 ب]: «لله أفرح بتوبة عبده» (3) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يعجب ربك» (4)، ـ إلى أن قال ـ: فهذا وما أشبهه (5) مما صح سنده وعدلت رواته نؤمن به ولا نرده ولا نجحده، ولا نعتقد فيه تشبيهه بصفات المخلوقين ولا سمات المحدثين، بل نؤمن بلفظه ونترك التعرض لمعناه، قراءته تفسيره (6). ومن ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وقوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك/16]_________
(1) انظر: إثبات صفة العلو (ص/63).
(2) تقدم تخريجه (ص/227).
(3) أخرجه البخاري (5950)، ومسلم (2747) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) سقط من (ظ، ب): «يعجب ربك». والحديث أخرجه البخاري (3587)، ومسلم (2054) من حديث أبي هريرة بلفظ «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة» لفظ مسلم.
وأخرج أبو داود (1203)، وأحمد (17443)، وابن حبان (1660) وغيرهم من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا: «يعجب ربك من راعي غنم … » وسنده صحيح.
(5) في (ظ): «أشبه».
(6) من قوله «بل نؤمن بلفظه» إلى هنا من (ب، ت، ظ، ع)، وهو غير موجود في عقيدة ابن قدامة المطبوعة.
(الكتاب/288)
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ربنا الله (1) الذي في السماء» (2)، وقوله للجارية: «أين الله»؟ قالت: في السماء. قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» (3). رواه مالك بن أنس وغيره من الأئمة.
وروى أبو داود في «سننه» أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا. وذكر الحديث إلى أن قال ـ: «وفوق ذلك العرش والله تعالى فوق ذلك» (4).
نؤمن بذلك ونتلقاه بالقبول من غير ردٍّ ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل (5)، ولا نتعرض له بكيف. ولما سئل مالك بن أنس رحمهُ الله فقيل له: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بالرجل فأُخرج» (6).
_________
(1) من (أ).
(2) تقدم تخريجه (ص/108 – 109).
(3) تقدم تخريجه (ص/109).
(4) تقدم تخريجه في (ص/106 – 107).
(5) في (أ، ع، ت): «تأويل».
(6) تقدم تخريجه (ص/201 – 202).
(الكتاب/289)
قول إمام الشافعية في وقته ــ بل هو الشافعي الثاني ــ أبي حامد الإسفراييني رحمه الله تعالى، كان من كبار أئمة السنة المثبتين للصفات :
قال: مذهبي ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى وجميع علماء الأمصار: أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر، وأن جبرائيل عليه السلام سمعه من الله عز وجل وحمله إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم (1) وسمعه محمد صلى الله عليه وآله وسلم من جبرائيل عليه السلام وسمعه الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن كل حرف منه كالباء والتاء (2) كلام الله عز وجل ليس بمخلوق [ظ/ق 46 أ].
ذكره في كتابه في «أصول الفقه» وذكره عنه شيخ الإسلام ابن تيمية (3) في كتاب «الأجوبة المصرية».
قال شيخنا رحمه الله: وكان الشيخ أبو حامد يصرِّح بمخالفة القاضي أبي بكر بن الطيب في مسألة القرآن (4).
_________
(1) من (ت، ظ، ع): قوله: «وحمله إلى محمد – صلى الله عليه وسلم -».
(2) في (أ، ت، ع): «كالتاء والباء».
(3) ليس في (أ، ت، ظ، ع): «ابن تيمية».
(4) انظر: نقض التأسيس (1/ 181، 182).
(الكتاب/290)
قول إمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام السنة:
قال (1) شيخ الإسلام الأنصاري (2) سمعت يحيى بن عمار يقول: حدثنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: [ب/ق 49 أ] حدثنا جدي إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (3) قال: «نحن نؤمن بخبر الله سبحانه: أن خالقنا مستوٍ على عرشه، لا نبدِّل كلام الله، ولا نقول ــ غير الذي قيل لنا ــ كما قالت الجهمية المعطلة: إنه استولى على عرشه لا استوى، فبدَّلوا قولًا غير الذي قيل لهم، كفعل اليهود: كفروا بخبر الله عز وجل (4).
وقال في كتاب «التوحيد»: باب ذكر استواء خالقنا العلي الأعلى الفعَّال لما يشاء على عرشه، فكان فوقه (5) فوق كل شيء عاليًا. ثم ساق الأدلة على ذلك من القرآن والسنة.
ثم قال: باب الدليل على أن الإقرار بأن الله فوق (6) السماء من الإيمان، ثم ساق حديث الجارية.
_________
(1) في (ب، ظ): «ذَكَرَ».
(2) هو أبو إسماعيل الهروي.
(3) سقط من (ت): «يقول: حدثنا جدِّي إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة».
(4) من (ب، ظ) فقط «كفعل اليهود: كفروا بخبر الله عز وجل».
(5) في (ب): «وكان فوق كل شيء»، والمثبت من (أ، ت، ظ، ع) والتوحيد.
(6) في (أ، ت، ظ): «في».
(الكتاب/291)
ثم قال: باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نزول الرب سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة. ثم قال: نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب تبارك وتعالى، من غير أن نصف الكيفية. ثم ساق الأحاديث.
ثم قال: باب كلام الله تعالى لكليمه موسى عليه الصلاة والسلام. ثم ساق الأدلة على ذلك.
ثم قال: باب صفة تَكَلُّم الله تعالى بالوحي وشِدَّة خوف السماوات منه، وذكر صعقة أهل السماوات وسجودهم.
ثم قال: باب البيان أن الله سبحانه يكلِّم عباده يوم القيامة من غير تَرْجُمان يكون بين الله تعالى وبين عباده. ثم ذكر الأحاديث في ذلك.
ثم قال: باب ذكر بيان الفرق بين كلام الله تعالى الذي به يكون خلقه؛ وبين خلقه الذي يكون بكلامه.
ثم قال: باب ذكر البيان أن الله تعالى ينظر إليه جميع المؤمنين يوم القيامة برُّهم وفاجرهم وإن رَغِمتْ أُنوف الجهمية المعطلة المنكرة لصفات الله سبحانه وتعالى (1).
_________
(1) انظر: التوحيد لابن خزيمة (1/ 231 ـ 406).
(الكتاب/292)
وكتابه في «السنة» كتاب جليل.
قال أبو عبد الله الحاكم في «علوم الحديث» (1) له، وفي كتاب «تاريخ نيسابور» (2): سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت إمام الأئمة أبا بكر بن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سبع سماواته، وأنه بائن من خلقه؛ فهو كافر يستتاب (3)، فإن تاب وإلا ضُرِبت عنقه، وأُلْقِي على مزبلةٍ لئلا يتأذَّى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة.
توفي الإمام ابن خزيمة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ذكره (4) الشيخ [ظ/ق 46 ب] أبو إسحق الشيرازي في «طبقات [ب/ق 49 ب] الفقهاء» (5)، أخذ الفقه عن المزني، قال المُزني: «هو أعلم بالحديث مني»، ولم يكن في وقته مثله في العلم بالحديث والفقه جميعًا.
وقال في كتابه: فمن ينكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهم عند المؤمنين شر من اليهود والنصارى والمجوس، وليسوا بمؤمنين عند جميع المؤمنين.
_________
(1) (ص/84)، ومن طريقه: أخرجه الجورقاني في الأباطيل (1/ 80، 81).
(2) وهو مفقود، ويوجد مختصره بالفارسية، طبع في طهران.
(3) في (أ، ت، ظ): «ويستتاب».
(4) في (ت): «وذكره».
(5) (ص/105، 106).
(الكتاب/293)
قول الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (1) الإمام في الفقه والتفسير والحديث والتاريخ واللغة والنحو والقرآن (2):
قال في كتاب «صريح السنة»: «وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز إلى غير ذلك فقد خاب وخسر (3).
وقال في تفسيره الكبير (4) في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف/54] قال: علا وارتفع (5).
وقال في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت/11]: عن الربيع ابن أنس أنه يعني: ارتفع (6).
وقال في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}
_________
(1) تأخَّر قول الطبري هذا في (أ، ت، ع) إلى ما بعد قول سعد الزنجاني الآتي بعده.
(2) في (أ، ظ): «القراءات».
(3) انظر: صريح السنة (ص/17).
(4) هو «جامع البيان».
(5) انظر: تفسير الطبري (8/ 205)، (16/ 138).
(6) سقطت هذه الآية مع قول الربيع بن أنس من (ب).
وانظر: تفسير الطبري (24/ 98).
(الكتاب/294)
[الإسراء/79]، قال: يجلسه معه على العرش (1).
وقال في قوله عز وجل: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر/ 36، 37] يقول: وإني لأظن موسى كاذبًا فيما يقول ويدَّعي أن له ربًّا في السماء أرسله إلينا (2).
وقال في كتاب «التبصير في معالم الدين» (3) له (4): القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرًا، وذلك نحو إخباره أنه سميع بصير (5).
وأن له يدين بقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة/64].
وأن له وجهًا بقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن/27].
وأن له قدمًا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «حتى (6) يضع
_________
(1) انظر: تفسير الطبري (15/ 145).
(2) انظر: تفسير الطبري (24/ 66).
(3) (ص/133 – 134).
(4) ليس في (أ، ظ، ع).
(5) سقط من (ت) قوله: «خبرًا، وذلك نحو إخباره أنه سميع بصير».
وهو يشير إلى قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11].
(6) سقط من (ب).
(الكتاب/295)
رب العزة فيها قدمه» (1).
وأنه يضحك لقوله: «لقي الله وهو يضحك إليه» (2).
وأنه يهبط إلى سماء الدنيا بخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك (3).
وأن له إصبعًا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن» (4).
فإن هذه المعاني التي وصفت (5) ونظائرها مما (6) وصف الله بها (7) نفسه ورسوله مما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية؛ لا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهائها إليه».
ذكر هذا الكلام عنه القاضي أبو يعلى في كتاب «إبطال التأويل».
قال الخطيب: «كان ابن جرير أحد العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره،
_________
(1) تقدم تخريجه (ص/243).
(2) تقدم تخريجه (ص/244).
(3) تقدم تخريجه (ص/227).
(4) تقدم تخريجه (ص/244).
(5) في (أ، ت): «وضعت».
(6) في (أ، ب، ع، ت): «ما».
(7) في (ت، ع) ونسخة على حاشية (ظ): «به».
(الكتاب/296)
وكان عارفًا [ب/ق 50 أ] بالقرآن، بصيرًا بالمعاني، فقيهًا في أحكام القرآن، عالمًا بالسنن وطرقها صحيحها (1) وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين في الأحكام والحلال والحرام» (2).
قال أبو حامد الإسفراييني: «لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له (3) كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرًا».
وقال ابن خزيمة: «ما أعلم على أديم الأرض أعلم [ظ/ق 47 أ] من محمد بن جرير».
وقال الخطيب: سمعت علي بن عبد الله اللغوي: يحكي أن محمد ابن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة».
قلت: وكان له مذهب مُستقل، له أصحاب عليه (4) منهم: أبو الفرج المعافى بن زكريا (5).
ومن أراد معرفة أقوال الصحابة والتابعين في هذا الباب فليطالع ما قاله
_________
(1) في (ظ، ع، مط): «وصحيحها».
(2) انظر: تاريخ بغداد (2/ 161، 162) وكذلك إحالة ما بعده.
(3) في (ظ): «يَصِلُ إلى» بدل «يحصل له».
(4) كذا في (أ، ب، ت، ظ) ولعل مقصوده: على مذهبه ووقع في (ع، مط): «عِدَّة».
(5) هو النهرواني القاضي، من الفقهاء الأُدباء، كان يُقال له: الجريري، لتمذهبه بقول الطبري له: «الجليس الصالح الكافي والأنيس الصالح الشافي» توفي سنة 390 هـ.
(الكتاب/297)
عنهم في تفسير (1) قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف/143]، وقوله: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} [الشورى/5]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف/54] يتبين له أيّ الفريقين أولى بالله ورسوله: الجهمية المعطلة أو أهل السنة والإثبات، والله المستعان.
قول إمام الشافعية في وقته سعد بن علي الزِّنْجاني (2):
صرَّح بالفوقية بالذات فقال: «وهو فوق عرشه بوجود ذاته» هذا لفظه.
وهو إمام في السنة، له قصيدة فيها (3) معروفة أوّلها:
تمسَّكْ بحبل الله واتبعِ الأثَر (4)
وقال في شرح هذه القصيدة: والصواب عند أهل الحق: أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقًا قبل خلق السماوات والأرض، ثم استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض، على ما ورد به النص ونطق به القرآن.
_________
(1) انظر: تفسير الطبري (1/ 428 ـ 437).
(2) هو شيخ الحرم، أبو القاسم، كان إمامًا كبيرًا عالمًا زاهدًا، جليل القدر، عارفًا بالسنة، توفي سنة 471 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 385).
(3) كتب ناسخ (أ) عليها: «كذا»، والضمير في «فيها» يعود إلى السُّنة.
(4) وتتمَّة البيت: ودع عنك رأيًا لا يلائمه خَبَر. كما في العلو للذهبي (2/ 1349).
(الكتاب/298)
وليس معنى استوائه أنه مَلَكَهُ واستولى عليه، لأنه كان مستوليًا عليه قبل ذلك، وهو أحدَثَه، لأنه مالك جميع الخلائق ومستولٍ عليها.
وليس معنى الاستواء أيضًا أنه ماسَّ (1) العرش أو اعتمد عليه أو طابقه؛ فإن كل ذلك ممتنع في صفته جل ذكره، ولكنه مستوٍ بذاته على عرشه بلا كيف، كما أخبر عن نفسه.
وقد أجمع المسلمون على (2) أن الله هو العلي الأعلى، ونطق بذلك القرآن بقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى/1]، وأن لله علو الغلبة، والعلو الأعلى من سائر وجوه العلو [ب/ق 50 ب]؛ لأن العلو صفة مدح عند كل عاقل، فثبت بذلك أن لله علو الذات وعلو الصفات وعلو القهر والغلبة. وجماهير المسلمين وسائر الملل قد وقع منهم الإجماع على الإشارة إلى الله جل ثناؤه من جهة الفوق في الدعاء والسؤال، فاتفاقهم بأجمعهم على الإشارة إلى الله سبحانه من جهة الفوق= حُجَّة، ولم يستجز أحد الإشارة إليه من جهة الأسفل، ولا من سائر الجهات سوى جهة الفوق، وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل/50] وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر/10]، {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج/4] وأخبر عن فرعون أنه قال: {يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
_________
(1) في (ب): «ما بين» وهو خطأ.
(2) سقط من (ت).
(الكتاب/299)
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر/ 36، 37] وكان فرعون قد فهم [ظ/ق 47 ب] عن موسى أنه يثبت إلهًا فوق السماء حتى رام بِصَرْحه أن يطَّلع إليه، واتهم موسى بالكذب في ذلك، ومخالفنا ليس يعلم أن الله فوقه بوجود ذاته، فهو أعجز فهمًا من فرعون.
وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل الجارية التي أراد مولاها عتقها: «أين الله؟»، قالت: في السماء وأشارت برأسها،
وقال: «من أنا؟»، قالت: أنت رسول الله. فقال: «أعتقها فإنها مؤمنة» (1)، فحكم النبي – صلى الله عليه وسلم – بإيمانها حين قالت: إن الله في السماء.
وقال الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف/54] وقال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة/5] وذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – ما بين كل سماء إلى سماء، وما بين السماء السابعة وبين العرش، ثم قال: «ثُمَّ الله فوق ذلك» (2) (3).
وله أجوبة سُئِل عنها في السنة، فأجاب عنها بأجوبة أئمة السنة، وصدَّرها بجواب إمام وقته أبي العباس بن سريج (4).
_________
(1) تقدم تخريجه (ص/105).
(2) يشير إلى حديث العباس بن عبد المطلب وقد تقدم تخريجه (ص/107).
(3) انظر: العلو للذهبي (2/ 1349).
(4) وقد تقدم (ص/252 – 259).
(الكتاب/300)
قول الإمام أبي القاسم الطبري اللالكائي أحد أئمة (1) أصحاب الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه في السنة (2)، وهو من أجلِّ الكتب:
«سياق ما جاء في قوله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] وأن الله عز وجل على عرشه في السماء، ثم ذكر قول مَنْ هذا قوله من الصحابة والتابعين والأئمة قال: وهو قول عمر، وعبد الله بن مسعود وأحمد بن حنبل وعدَّد (3) جماعة يطول ذكرهم، ثم ساق الآثار في ذلك عن: عمر وعلي [ب/ق 51 أ] وابن مسعود وعائشة وابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وغيرهم (4).
قول الإمام محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي قدس الله روحه:
قال في تفسيره ـ الذي هو شجًى في حلوق الجهمية والمعطلة ـ في سورة الأعراف (5) في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} قال الكلبي ومقاتل: استقر. وقال أبو عبيدة: صعد. قال: وأوَّلت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، قال: وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة
_________
(1) في (ظ): «الأئمة».
(2) في (ب): «في كتاب السنة» والمثبت أولى، والمراد به: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة».
(3) في (أ، ت): «وعدَّ».
(4) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 387 ـ 402).
(5) آية/54.
(الكتاب/301)
الله بلا كيف، يجب على العبد (1) أن يؤمن بذلك ويكل العلم فيه إلى الله تعالى، ثم حكى قول مالك: الاستواء غير مجهول (2).
ومراد السلف بقولهم: بلا كيف، هو نفي التأويل (3)، فإنه التكييف الذي يزعمه أهل التأويل، فإنهم هم الذين يثبتون كيفية تخالف الحقيقة فيقعون (4) في ثلاثة محاذير: نفي الحقيقة، وإثبات التكييف بالتأويل، وتعطيل الرب تعالى عن صفته التي أثبتها لنفسه. وأما أهل الإثبات فليس أحد منهم يُكيِّف ما أثبته الله تعالى لنفسه، ويقول: كيفيته كذا وكذا حتى يكون قول السلف بلا كيف ردًّا عليه وإنما ردوا على أهل التأويل الذي يتضمن التحريف والتعطيل: تحريف اللفظ، وتعطيل معناه.
فصل
في ذكر [ظ/ق 48 أ] قول الإمام أحمد وأصحابه رحمه الله تعالى:
قال الخلال في كتاب «السنة»: حدثنا يوسف بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: قيل لأبي: ربنا تبارك وتعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، لا
_________
(1) في (أ، ع) ونسخة على حاشية (ظ): «الرجل».
(2) انظر: معالم التنزيل (3/ 235، 236).
(3) في (أ): «للتأويل».
(4) في (ت): «فيقولون» وهو خطأ.
(الكتاب/302)
يخلو شيء من علمه (1).
قال الخلال: وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: سألت أبا عبد الله أحمد عمَّن يقول (2): إن الله تعالى ليس على العرش؟ فقال: كلامهم كله يدور على الكفر (3).
وروى أبو القاسم الطبري (4) الشافعي في كتاب «السنة» له بإسناده: عن حنبل قال: قيل لأبي عبد الله: ما معنى قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] وقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد/4]؟ قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حدٍّ ولا صفةٍ (5)، وسع كرسيه السماوات والأرض (6).
_________
(1) انظر هذا النقل من كتاب الخلال في نقض التأسيس لابن تيمية (1/ 208)، وذكره اللالكائي (674) معلقًا، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/167)، رقم (80).
(2) في (أ، ت، ظ): «قال».
(3) انظر هذا النقل في نقض التأسيس (1/ 207، 208).
(4) هو اللالكائي، وكتابه في السنة هو: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة.
وسقط من (ع، مط): «أبو القاسم».
(5) في (ب): «وصف».
(6) سقط من (ع). وانظر: شرح أصول الاعتقاد (3/ 402) رقم (675).
(الكتاب/303)
وقال أبو طالب (1): سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال إن الله معنا، وتلا قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ [ب/ق 51 ب] … إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟ قال: يأخذون بآخر الآية ويَدَعُون أوَّلها، هلا قرأت عليه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} فعلمه (2) معهم، وقال في «ق» (3) [آية/16]: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}» (4).
وقال المرُّوذي: قلت لأبي عبد الله إن رجلًا قال: أقول كما قال الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة/7] أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره، فقال أبو عبد الله: هذا كلام الجهمية. قلت: فكيف نقول: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} (5) قال: علمه في كل مكان وعلمه معهم قال: أول الآية يدل على أنه علمه (6).
_________
(1) في (ت): «الطيب» وهو خطأ.
(2) في (ت، ع): «بالعلم»، وفي (ب): «فالعلم»، وفي (ظ): «فالعلم هو».
(3) من (أ، ظ).
(4) انظر: الإبانة لابن بطة (3/ 159، 160 ــ الرد على الجهمية) رقم (116).
(5) سقط من (ب، ظ) من قوله: «أقول هذا ولا أُجاوزه» إلى هنا.
(6) انظر: الإبانة لابن بطة (3/ 160، 161) رقم (117)، والعلو للذهبي (2/ 1115) رقم (440).
(الكتاب/304)
وقال في موضعٍ آخر: وإن الله عز وجل على عرشه فوق السماء السابعة، يعلم ما تحت الأرض السفلى، وأنه غير مُمَاسٍّ (1) لشيء من خلقه، هو تبارك وتعالى بائن من خلقه، وخلقه بائنون منه (2).
وقال في كتاب «الرد على الجهمية» الذي رواه عنه الخلال من طريق ابنه عبد الله.
قال: «باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله تعالى على العرش. قلنا لهم: ما أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش، وقد قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3) [طه/5]؟ فقالوا: هو تحت الأرض السابعة كما هو على العرش، وفي السماوات والأرض (4) وفي كل مكان، وتلوا (5): {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام/3] قال أحمد: فقلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها من عظمة الرب شيء: أجسامكم وأجوافكم (6) … والحشوش والأماكن القذرة ليست فيها من عظمته تعالى شيء، وقد أخبرنا الله عز وجل: أنه في السماء
_________
(1) في (ب): «ماسٍّ».
(2) لم أقف عليه.
(3) سقط من (ب، ظ) من قوله: «قلنا لهم: ما أنكرتم:» إلى هنا.
(4) في (ب): «وفي الأرض».
(5) في (ب): «وتلا».
(6) في (ب): «أجسامهم وأجوافهم».
(الكتاب/305)
فقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ … } الآية [الملك/16، 17]، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر/10]، وقال: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران/ 55]، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء/158]، {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل/50]».
ذكر هذا الكتاب كله [ظ/ق 48 ب] أبو بكر الخلال في كتاب «السنة» له (1) الذي جمع فيه نصوص أحمد وكلامه. وعلى منواله جمع البيهقي في كتابه الذي سمَّاه «جامع النصوص من كلام الشافعي». وهما كتابان جليلان لا يستغني عنهما عالم.
وخطبة كتاب الإمام (2) أحمد بن حنبل (3): «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترةٍ من الرسل عليهم الصلاة والسلام بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى (4)، ويبصّرون بنور الله تعالى أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائهٍ قد هدوه، فما أحسن آثارهم (5) على الناس
_________
(1) سقط من (ت، ع).
(2) من (أ، ت).
(3) سقط من (أ، ت، ع): «بن حنبل».
(4) سقط من (ب).
(5) في (أ، ت، ع): «أثرهم».
(الكتاب/306)
وما أقبح آثار (1) الناس [ب/ق 52 أ] عليهم، ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين (2) وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، الذين (3) عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله تعالى وفي الله تعالى وفي كتاب الله تعالى بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبِّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين».
ثم (4) قال: «باب بيان ما ضلت فيه الجهمية الزنادقة من متشابه القرآن، ثم تكلَّم على قوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء/56]. قال: «قالت الزنادقة: فما بال جلودهم التي قد (5) عصت قد احترقت وأبدلهم الله جلودًا غيرها، فلا نرى إلا أن الله عز وجل يعذِّب جلودًا بلا ذنب حين يقول: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء/56]، فشكّوا في القرآن وزعموا أنه متناقض.
_________
(1) (أ، ب، ت): «أثر».
(2) في (ب، ظ): «الضالين»، ولعله تصحيف.
(3) سقط من (ظ).
(4) سقط من (ب).
(5) من (أ، ب، ت).
(الكتاب/307)
فقلنا: إن قول الله عز وجل: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} ليس يعني جلودًا أُخرى غير جلودهم، وإنما يعني بتبديلها: تجديدها (1)، لأن جلودهم إذا نضجت جددها الله».
ثم تكلَّم على آياتٍ من مشكل القرآن، ثم قال: «مما (2) أنكرت الجهمية الضُّلّال أن الله عز وجل على العرش، وقد قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان/59]، ثم ساق أدلة القرآن ثم قال: ووجدنا كل شيء أسفل مذمومًا، وقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ … } [النساء/145]، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت/29]».
ثم قال: «ومعنى قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام/3]، يقول: هو إله مَنْ في السماوات، وإله مَنْ في الأرض، وهو على العرش، وقد أحاط علمه بما دون العرش، لا يخلو من علمه مكان، ولا
_________
(1) سقط من (ب): «غير جلودهم، وإنما يعني بتبديلها: تجديدها».
(2) في كتاب الرد على الجهمية: «وإن مما».
(الكتاب/308)
يكون علم الله تعالى في مكان دون مكان [ظ/ق 49 أ]، وذلك قوله: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق/12]».
قال الإمام أحمد: «ومن الاعتبار في ذلك: لو أن رجلًا كان في يده قدح من قوارير وفيه شيء (1)، كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح، فالله سبحانه ـ وله المَثَل الأعلى [ب/ق 52 ب] ـ قد أحاط بجميع ما خلق، وقد علم كيف هو وما هو، من غير أن يكون في شيء مما خلق».
قال: «وخَصْلة أُخرى: لو أن رجلًا بنى دارًا بجميع مرافقها، ثم أغلق بابها كان لا يخفى عليه كم بيتًا في داره، وكم سعة كل بيت، من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار، فالله سبحانه قد أحاط بجميع ما خلق، وقد علم كيف هو وما هو، وله المَثَل الأعلى، وليس هو في شيء مما خلق (2)».
قال الإمام أحمد: «ومما تأولت الجهمية من قول الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7]، فقالوا: إن الله معنا وفينا.
_________
(1) سقط من (ب).
(2) انظر: كتاب الرد على الجهمية (ص/85، 86، 135 ـ 137).
(الكتاب/309)
فقلنا لهم: لِمَ قطعتم الخبر من أوله؟ إن الله تعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة/7]، يعني علمه فيهم أينما كانوا (1): {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة/7] ففتح الخبر بعلمه، وختمه بعلمه».
قال الإمام (2) أحمد: «وإذا (3) أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله سبحانه وتعالى حين زعم أنه في كل مكان، ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجًا عن نفسه؟ فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقوال (4):
إن زعم أن الله تعالى خلق الخلق في نفسه: كفر حين زعم أن الجن والإنس والشياطين وإبليس في نفس الله (5).
وإن قال: خلقهم خارجًا من نفسه ثم دخل فيهم: كفر أيضًا حين
_________
(1) سقط من (أ، ت): «يعني: علمه فيهم أينما كانوا».
(2) من (ب).
(3) في (ب، ع): «وإن» والمثبت من كتاب أحمد، وباقي النسخ.
(4) في (أ، ب، ع): «أقاويل»، وزاد أحمد في كتابه: «لابُدَّ له من واحدٍ منها».
(5) في (أ، ظ، ع): «نفسه».
(الكتاب/310)
زعم أنه دخل في كل مكان وحشٍّ وقذر (1).
وإن قال: خلقهم خارجًا من (2) نفسه ثم لم يدخل فيهم: رجع عن قوله كله أجمع، وهو قول أهل السنة (3)».
قال الإمام (4) أحمد: «باب بيان ما ذكر في القرآن {وَهُوَ مَعَكُمْ} وهذا (5) على وجوه:
قال الله تعالى (6) لموسى وهارون عليهما السلام: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه/46] يقول في الدفع عنكما.
وقال: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة/40]، يعني في الدفع عنا.
وقال تعالى: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة/249] يعني في النصرة لهم على عدوهم.
_________
(1) سقط من (ب): «وإن قال: خلقهم خارجًا … » إلى هنا.
(2) في (ظ، ع): «عن».
(3) انظر: كتاب الرد على الجهمية (ص/138، 139).
(4) من (ب) فقط.
(5) سقط من (أ، ب، ت، ظ)، ووقع في (ع): «وهو».
(6) في (أ، ب، ظ، ع): «قوله» بدل «قول الله تعالى».
(الكتاب/311)
وقوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد/35] يعني في النصرة لكم (1) على عدوكم (2).
وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء/108]، يقول: بعلمه فيهم.
وقوله: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء/62]، يقول: في العون على فرعون [ب/ق 53 أ].
فلما ظهرت الحجة على الجهمي بما ادعى على الله سبحانه أنه مع خلقه قال: هو في كل شيء غير مماس (3) لشيء ولا مباينٌ له (4).
فقلنا له: فإذا كان غير مبائن للبشر أهو مماس لهم؟ قال: لا.
قلنا: فكيف يكون [ظ/ق 49 ب] في كل شيء غير مماس لشيء ولا مباينٌ لشيء (5)؟ فلم يحسن الجواب. فقال: بلا كيف، ليخدع الجهال بهذه الكلمة ويموِّه عليهم.
_________
(1) سقط من (ع).
(2) سقط من (أ، ت): «وقوله تعالى: (وأنتم الأعلون … )» إلى هنا.
(3) في (ب): «ماسٍّ».
(4) سقط من (ظ).
(5) في (ب): «مباين لشيء، ولا مماس لشيء» بدل «مماسٍ لشيء ولا مباينًا لشيء».
(الكتاب/312)
ثم قلنا له: إذا (1) كان يوم القيامة أليس إنما تكون الجنة والنار والعرش والهواء؟ فقال: بلى.
فقلنا: فأين يكون ربنا؟ قال: يكون في كل شيء، كما كان حيث كانت الدنيا.
قلنا: ففي مذهبكم أن ما كان من الله تعالى على العرش فهو على العرش، وما كان من الله تعالى في الجنة فهو في الجنة (2)، وما كان من الله تعالى في النار فهو في النار، وما كان منه في الهواء فهو في الهواء، فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله عز وجل (3)».
قال الإمام (4) أحمد: «وقلنا للجهمية حين زعموا (5) أن الله تعالى في كل مكان، قلنا: أخبرونا عن قول الله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف/143]، أكان في الجبل بزعمكم؟ فلو كان فيه كما تزعمون لم يكن تجلَّى لشيء هو فيه (6)؛ بل كان سبحانه على العرش
_________
(1) في (ب): «إنْ».
(2) قوله: «ما كان من الله تعالى على العرش فهو على العرش، وما كان من الله تعالى في الجنة فهو في الجنة» من (ع) فقط.
(3) انظر: الرد على الجهمية (ص/140 ـ 142).
(4) من (ب).
(5) في جميع النسخ «زعمتم».
(6) كذا في (ب)، ووقع في (أ، ت، ظ): «تجلَّى له» بدل «تجلى لشيء هو فيه»، ووقع في (ع): «يتجلَّى له».
(الكتاب/313)
فتجلى لشيء لم يكن فيه، ورأى الجبل شيئًا لم يكن رآه قط قبل ذلك (1)».
قال الإمام (2) أحمد: «وقلنا للجهمية: الله نور؟ فقالوا: هو نور كله.
فقلنا لهم: قال الله عز وجل: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر/69]، فقد أخبر جَلَّ ثناؤه أن له نورًا.
وقلنا لهم: أخبرونا حين زعمتم أن الله سبحانه في كل مكان وهو نور؛ فلم لا يضيء البيت المظلم بلا سراج؟ وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم (3) يضيء؟ فعند ذلك تبين للناس كذبهم على الله تعالى (4)».
قال الإمام (5) أحمد رحمه الله: «كان جهم وشيعته كذلك دعوا الناس إلى المتشابه من القرآن والحديث، فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرًا كثيرًا (6). وكان فيما بلغنا: أن الجهم ـ عدو الله (7) ـ كان من أهل خراسان، وكان صاحب خصومات وكلام، وكان أكثر كلامه في الله تعالى، فلقي
_________
(1) انظر: الرد على الجهمية (ص/148).
(2) من (ب).
(3) سقط من (ت).
(4) انظر: الرد على الجهمية (ص/148، 149).
(5) ليس في (ظ).
(6) من (ب) فقط.
(7) في (أ، ت، ظ، ع): «عن الجهم عدو الله أنه كان».
(الكتاب/314)
أُناسًا من الكفار يقال لهم: السُّمَنِيَّة (1)، فعرفوا الجهم، فقالوا له: نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك، وكان فيما (2) كلموا جهمًا، قالوا: ألست تزعم أن لك إلهَا؟ قال الجهم [ب/ق 53 ب]: نعم. قالوا له: فهل رأت عينك إلهك؟ قال: لا. قالوا: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا. قالوا: فهل شممت له رائحة؟ قال: لا. قالوا: فهل وجدت له حِسًّا؟ قال: لا. قالوا: فهل وجدت له مَجَسًّا؟ قال: لا. قالوا: فما يدريك أنه إله؟ قال: فتحيَّر الجهم فلم يدر مَنْ يعبد (3) أربعين يومًا، ثم إنه استدرك حُجَّة من جنس حُجج (4) زنادقة النصارى، وذلك أن زنادقة النصارى يزعمون أن الروح الذي (5) في عيسى ابن مريم روح الله ومن ذات الله، فإذا أراد أن يُحْدِث أمرًا دخل في بعض خلقه؛ فتكلم على لسانه، فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء، وهو روح غائب عن الأبصار، فاستدرك الجهم حجة (6)
مثل هذه الحجة، فقال للسُّمَني: ألست تزعم أن فيك روحًا؟ [ظ/ق 50 أ] قال: نعم. قال: فهل رأيت روحك؟ قال: لا. قال: فهل سمعت كلامه؟ قال:
_________
(1) هكذا ضبطها ناسخ (ظ).
(2) في (أ، ت، ع): «مما».
(3) سقط من (أ، ت، ظ، ع): «من يعبد».
(4) في (أ، ت، ظ، ع): «حُجَّة».
(5) في (أ، ت، ظ، ع): «التي».
(6) سقط من (ت) ..
(الكتاب/315)
لا. قال: فهل وجدت له مجسًّا أو حِسًّا؟ قال: لا. قال: فكذلك الله، لا يرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشمّ له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان. ووجد (1) ثلاث آيات في القرآن من المتشابه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى/11]، {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام/3]، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام/103] فبنى أصل كلامه (2) على هؤلاء الآيات، وتأول القرآن على غير تأويله، وكذّب بأحاديث (3) النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزعم أن من وصف الله تعالى بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدّث عن (4) النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كافرًا أو كان من المشبّهة، فأضلَّ بَشَرًا كثيرًا، وتبعه على قوله رجال من أصحاب عمرو بن عبيد وأصحاب فلان، ووضع دين الجهمية.
فإذا سألهم الناس عن قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى/11] ما تفسيره؟ يقولون: ليس كمثله شيء من الأشياء، هو تحت الأرض السابعة، كما هو على العرش، لا يخلو منه مكان، ولا هو في
_________
(1) في (ت): «وجدت» وهو خطأ.
(2) في (ظ): «أصله» بدل «أصل كلامه».
(3) في (ب): «أحاديث».
(4) في (ت): «عنه».
(الكتاب/316)
مكان دون مكان، ولا يتكلم ولا يكلم، ولا ينظر إليه أحد؛ لا (1) في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يوصف، ولا يعرف بصفة، ولا يعْقِل ولا يغفَل (2) ولا له غاية ولا منتهى، ولا يدرك بعقل وهو وجه كله، وهو علم كله، وهو سمع كله، وهو بصر كله، وهو نور كله، وهو قدرة كله، لا يوصف بوصفين [ب/ق 54 أ] مختلفين، وليس بمعلوم ولا معقول، وكل ما خطر بقلبك أنه شيء تعرفه فهو على خلافه.
فقلنا لهم: فمن تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق. قلنا: فالذي يدبر أمر هذا الخلق مجهول لا يعرف بصفةٍ؟ قالوا: نعم. قلنا (3): قد عرف المسلمون أنكم لا تُثْبِتون شيئًا، إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون.
ثم قلنا لهم: هذا الذي يدبر هو الذي كلَّم موسى؟ قالوا: لم يكلم ولا يتكلم، لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة، والجوارح منفية عن الله سبحانه وتعالى. فإذا سمع الجاهل قولهم ظن أنهم من (4) أشد الناس تعظيمًا لله سبحانه، ولم يعلم أن كلامهم إنما يعود إلى ضلالة وكفر
_________
(1) سقط من (أ، ت، ظ).
(2) من (ب، ظ)، ولعلها: «يُعقَل».
(3) سقط من (ت): «مجهول لا يُعرف بصفةٍ؟ قالوا: نعم. قلنا».
(4) من (ت، ع).
(الكتاب/317)
فلعنهم الله (1)».
قال الخلّال: كتبت هذا الكتاب من خطِّ عبد الله، وكتبه عبد الله من خط أبيه.
واحتج القاضي أبو يعلى في كتابه «إبطال التأويل» (2) بما نقله منه عن أحمد.
وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد.
ونقل منه أصحابه قديمًا وحديثًا، ونقل منه البيهقي وعزاه إلى أحمد، وصححه شيخ الإسلام [ظ/ق 50 ب] ابن تيمية عن أحمد، ولم يُسْمَع من أحدٍ من متقدمي أصحابه ولا متأخريهم طعن فيه.
فإن قيل: هذا الكتاب يرويه أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال عن الخلال عن الخضر بن المثنى عن عبد الله بن أحمد عن أبيه. وهؤلاء كلهم أئمة معروفون إلا الخضر بن المثنى (3) فإنه مجهول، فكيف تثبتون هذا الكتاب عن أحمد بروايةِ مجهولٍ (4)؟!
_________
(1) من (ب).
(2) (1/ 233).
(3) هو الكندي، نقل عن عبد الله بن أحمد أشياء، منها «الرد على الجهمية» هذا، انظر: طبقات الحنابلة (2/ 47) رقم (592).
(4) في (ع، مط): «بروايةٍ مجهولةٍ»، والمثبت أولى.
(الكتاب/318)
فالجواب من وجوه:
أحدها: أن الخضر هذا قد عرفه الخلال وروى عنه، كما روى كلام أبي عبد الله عن أصحابه وأصحاب أصحابه، ولا يضر جهالة غيره له.
الثاني: أن الخلال قد قال: كتبته (1) من خطِّ عبد الله بن أحمد، وكتبه عبد الله من خطِّ أبيه، والظاهر أن الخلال إنما رواه عن الخضر لأنه أحب أن يكون متصل السند على طريق أهل النقل، وضم ذلك إلى الوِجادة، والخضر كان صغيرًا حين سمعه من عبد الله، ولم يكن من المعمرين المشهورين بالعلم، ولا (2) هو من الشيوخ.
وقد روى الخلال عنه غير هذا في «جامعه» فقال في كتاب الأدب من «الجامع» فقال: دفع إليَّ الخضر بن المثنى بخط عبد الله بن أحمد أجاز لي أن أرويه (3) عنه، قال الخضر [ب/ق 54 ب] حدثنا مهنا، قال: سألت أحمد بن حنبل: عن الرجل يبزق عن يمينه في الصلاة؟ فقال: يكره أن يبزق الرجل عن يمينه في الصلاة وفي غير الصلاة. فقلت له: لمَ يُكره أن يبزق الرجل عن يمينه في غير الصلاة (4)؟ قال: أليس عن يمينه الملك؟ فقلت: وعن يساره أيضًا مَلَك. فقال: الذي عن يمينه
_________
(1) قال ناسخ (ظ): «لعله: كتبه».
(2) من (ع) فقط.
(3) في (ب): «أروي».
(4) سقط من (ت، ب، ظ): «في الصلاة وفي غير الصلاة» إلى هنا.
(الكتاب/319)
يكتب الحسنات، والذي عن يساره يكتب السيئات» (1).
قال الخلال: «وأخبرنا الخضر بن المثنى الكندي قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: قال أبي: «لا بأس بأكل ذبيحة المرتد، إذا كان ارتداده إلى يهودية أو نصرانية ولم يكن إلى المجوسية» (2).
قلت: والمشهور في مذهبه خلاف هذه الرواية، وأن ذبيحة المرتد حرام، رواها عنه جمهور أصحابه ولم يذكر أكثر أصحابه غيرها.
ومما يدل على صِحَّة هذا الكتاب: ما ذكره القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى، فقال: قرأتُ في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قرأت على أبي: صالح بن أحمد بن حنبل هذا الكتاب، وقال: هذا كتاب عمله أبي في محبسه، ردًّا على من احتج بظاهر القرآن، وترك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يلزم اتباعه (3).
وقال الخلال في كتاب «السنة»: «أخبرني عبيد الله (4) بن حنبل
_________
(1) انظر: الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح الحنبلي (3/ 143 ـ 144).
(2) وقع في (ب، ظ): «وكذلك إلى مجوسية» بدل «ولم يكن إلى مجوسية» وهو خطأ.
(3) انظر: طبقات الحنابلة (2/ 65).
(4) في (ب، ظ): «عبد الله».
(الكتاب/320)
أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال: قال عمِّي ــ يعني أحمد بن حنبل ــ: نحن نؤمن أن الله تعالى على العرش استوى (1) كيف شاء وكما يشاء، بلا حدٍّ ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات [ظ/ق 51 أ] الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة وعلّام الغيوب (2).
قال الخلال: وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تُروى: أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يُرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟ فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد منها شيئًا، ونعلم أن ما جاء به رسول (3) الله صلى الله عليه وآله وسلم حق إذا كانت بأسانيد صحاح (4)، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه؛ بلا حدٍّ ولا غاية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) [الشورى/11].
_________
(1) سقط من (ب، ت).
(2) انظر نحوه في: درء تعارض النقل والعقل (2/ 31، 32).
(3) في (أ، ب، ت): «الرسول».
(4) في (أ، ت، ع): «أسانيد صحاح».
(5) انظر: درء تعارض العقل والنقل (2/ 30، 31).
(الكتاب/321)
وقال حنبل في موضع آخر عن أحمد: ليس كمثله شيء في ذاته (1)، كما وصف نفسه، قد أجمل الله تبارك وتعالى الصفة لنفسه، فحدّ لنفسه صفة ليس يشبهه شيء، وصفاته غير محدودة ولا معلومة [ب/ق 55 أ] إلا بما وصف به نفسه. قال: فهو سميع بصير بلا حدٍّ ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، ولا نتعدَّى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه بما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك، ولا يبلغ صفته الواصفون.
نؤمن بالقرآن كله، محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلامٍ ونزولٍ وخلوةٍ بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه؛ فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يُرى في الآخرة، والتحديد في هذا كله بدعة، والتسليم فيه بغير صفة ولا حدٍّ إلا ما وصف به نفسه. سميع بصير، لم يزل متكلمًا عالمًا غفورًا عالم الغيب والشهادة علّام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تُدفع ولا تُردُّ، وهو على العرش بلا حدٍّ، كما قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان/59]، كيف شاء، المشيئة إليه والاستطاعة إليه (2)، ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء، وهو [كما وصف نفسه] (3)، سميع بصير بلا حدٍّ ولا تقدير، لا نتعدى القرآن والحديث ـ تعالى عما تقول الجهمية، والمشبهة.
_________
(1) في (ع) فقط «في ذاته ولا في صفاته».
(2) في (أ، ب، ت، ظ، ع): «إليه».
(3) من درء التعارض (2/ 31).
(الكتاب/322)
قلت له (1): والمشبهة ما تقول؟ قال: من قال: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي؛ فقد شبَّه الله سبحانه بخلقه.
وكلام أحمد في هذا كثير فإنه امُتِحن بالجهمية، وجميع المتقدمين من أصحابه على مثل منهاجه في ذلك؛ وإن كان بعض المتأخرين منهم دخل (2) في نوع من البدعة التي أنكرها الإمام أحمد، ولكن الرعيل الأول من أصحابه كلهم وجميع أئمة الحديث قولهم قوله.
أقوال أئمة أهل الحديث الذين رفع الله تعالى منارهم (3) في العالمين وجعل لهم لسان صدق في الآخرين
ذكر قول إمامهم وشيخهم (4): الذي روى له (5) كل محدِّث: أبي هريرة رضي الله عنه:
روى الدارمي [ظ/ق 51 ب] عنه في كتاب «النقض» بإسنادٍ جيدٍ قال لما أُلقيَ إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار قال: «اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك» (6).
_________
(1) من (أ، ظ، ع).
(2) في (أ، ت، ع): «يدخل».
(3) في (ب): «منازلهم».
(4) في (أ): «شيخهم وإمامهم».
(5) في (ب): «عنه».
(6) تقدم تخريجه (ص/146).
(الكتاب/323)
ذكر قول إمام الشام (1) في وقته، أحد أئمة الدنيا الأربعة: أبو عمرو الأوزاعي رحمه الله تعالى:
روى البيهقي عنه في «الصفات» أنه قال: «كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله عز وجل فوق عرشه. ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته»، وقد تقدم حكاية ذلك عنه (2).
ذكر (3) قول إمام أهل (4) الدنيا [ب/ق 55 ب] في وقته: عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:
وقد صح عنه صحةً قريبة من التواتر أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: «بأنه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه».
ذكره البيهقي، وقبله الحاكم، وقبله عثمان الدارمي (5) وقد تقدم (6).
_________
(1) في (ب، ع): «الشافعية» وهو خطأ.
(2) في (ص/186).
(3) ليس في (ظ، ع).
(4) من (أ، ظ، ع).
(5) في (ت، ظ، ع): «الدارمي عثمان».
(6) سقط من (ب): «وقد تقدَّم» راجع (ص/191).
(الكتاب/324)
قول حماد بن زيد إمام وقته رحمه الله تعالى:
تقدم عنه قوله في (1) الجهمية: «إنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء شيء. وكان من أشد الناس على الجهمية» (2).
قول يزيد بن هارون رحمه الله تعالى:
قال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب «السنة»: حدثنا عباس (3) حدثنا شاذ (4) بن يحيى قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يَقِرُ (5) في قلوب العامة فهو جهمي (6).
قال شيخ الإسلام: والذي يَقِرُ (7) في قلوب العامة: هو ما فطر الله تعالى عليه الخليقة من توجهها لربها تعالى (8) عند النوازل والشدائد
_________
(1) سقط من (أ، ت، ع).
(2) تقدم تخريجه (ص/193 – 194).
(3) سقط من (أ، ت، ع): «حدثنا عباس».
(4) في (ب، ظ): «شداد» وهو خطأ.
(5) في (ب، ظ، ع): «تقرّر»، قال الذهبي في العلو (2/ 1031): يَقِرُ: مخفَّف.
(6) أخرجه أبو داود في مسائل أحمد (ص/268)، وعبد الله بن أحمد في السنة رقم (54، 1110) وسنده حسن.
(7) في (ب، ظ، ع): «تقرّر».
(8) في (أ، ت، ع): «توجُّه قلوبها عند الشدائد».
(الكتاب/325)
والدعاء والرغبات إليه تعالى= نحو العلو لا تلتفت يمنة ولا يسرة، من غير مُوقفٍ وَقفهم عليه، لكن (1) فطرة الله التي فطر الناس عليها، وما من مولود إلا وهو يولد على هذه الفطرة (2)، حتى يجهمه وينقله إلى التعطيل مَنْ يُقَيَّض له (3).
قول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله:
روى عنه غير واحدٍ بإسنادٍ صحيحٍ أنه قال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن الله كلَّم موسى، وأن يكون على العرش، أرى أن يُستتابوا؛ فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم (4).
قال علي بن المديني: لو حُلِّفت لحلفت بين الركن والمقام أني ما رأيت أعلم (5) من عبد الرحمن بن مهدي (6).
_________
(1) في (أ، ت، ع): «ولكن».
(2) في (أ): «الفِطَر».
(3) قارن بدرء تعارض العقل والنقل (6/ 265، 266).
(4) أخرجه أبو داود في مسائل أحمد (ص/262)، وعبد الله بن أحمد في السنة (44، 48)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (505، 580) وغيرهم.
وصححه ابن تيمية والذهبي والمؤلف.
(5) سقط من (ت).
(6) انظر: مقدمة الجرح والتعديل (1/ 252).
(الكتاب/326)
قول سعيد بن عامر الضُّبَعي إمام أهل البصرة على رأس المائتين رحمه الله تعالى:
روى ابن أبي حاتم عنه في كتاب «السنة» أنه ذُكِر عنده الجهمية فقال: هم شر قولًا من اليهود والنصارى، وقد أجمع أهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء (1).
قول عبَّاد بن العوَّام أحد أئمة الحديث بواسط رحمه الله:
قال: كلَّمت بشرًا المريسي وأصحابه فرأيت آخر كلامهم يقولون: ليس في السماء شيء. أرى والله أن لا يُناكحوا ولا يُوارثوا (2).
قول عبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى:
قال بيان بن أحمد: كنا عند القعنبي [ظ/ق 52 أ] فسمع رجلًا من الجهمية يقول: الرحمن على العرش استولى. فقال القعنبي: من لا
_________
(1) نقله بتمامه شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض (6/ 261)، ونقض التأسيس (1/ 188)، وعزاه لعبد الله بن أحمد في السنة، ولابن أبي حاتم في الرد على الجهمية.
قلت: لم أجده في كتاب السنة لعبد الله المطبوع.
(2) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة رقم (65، 516)، والخلال في السنة (1753، 1756).
(الكتاب/327)
يوقن (1) أن [ب/ق 56 أ] الرحمن على العرش استوى كما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي (2).
قال البخاري محمد بن إسماعيل رحمه الله تعالى في كتاب «خلق أفعال العباد»: عن يزيد بن هارون مثله سواء، وقد تقدم (3).
قول علي بن عاصم شيخ الإمام أحمد رحمهما الله تعالى:
صحَّ عنه أنه قال: ما الذين قالوا: إن لله سبحانه ولدًا أكفر من الذين قالوا: إن الله سبحانه لم يتكلم (4).
وقال: احذروا من المريسي وأصحابه فإن كلامهم الزندقة، وأنا كلمت أستاذهم فلم يُثْبت أن في السماء إلاهًا (5).
حكاه عنه غير واحد ممن صنّف في «السنة».
وقال يحيى بن علي بن عاصم: كنت عند أبي فاستأذن عليه
_________
(1) في (أ، ت، ع): «يؤمن».
(2) أخرجه عبد العزيز القحيطي في تصانيفه كما في العلو للذهبي (2/ 1065) رقم (412).
(3) في (ص/ 325)، وانظر: خلق الأفعال للبخاري (ص/24) رقم (63).
(4) ذكره البخاري في خلق أفعال العباد رقم (22).
(5) ذكره البخاري في خلق أفعال العباد رقم (23).
وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (191) بنحوه.
(الكتاب/328)
المريسي فقلت له: يا أبت (1) مثل هذا يدخل عليك! فقال: وما له؟ فقلت: إنه يقول: إن القرآن مخلوق، ويزعم أن الله معه في الأرض، وكلامًا ذكرته، فما رأيته اشتد عليه مثل ما اشتد عليه قوله: إن القرآن مخلوق وقوله إن الله معه في الأرض (2).
ذكر هذين الأثرين عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب «الرد على الجهمية».
قول وهب بن جرير رحمه الله تعالى:
صحَّ عنه أنه قال: إياكم ورأي جهم؛ فإنهم يحاولون أن ليس في السماء شيء، وما هو إلا من وحي إبليس، وما هو إلا الكفر.
حكاه محمد بن عثمان الحافظ (3) في رسالته في «السنة».
وقال البخاري رحمه الله تعالى في كتاب «خلق الأفعال» (4):
وقال وهب بن جرير: الجهمية الزنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى.
_________
(1) في (أ، ب، ظ): «يا أبه».
(2) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (7/ 63) مطولًا، وابن حبان في الثقات (9/ 258) مختصرًا.
(3) هو الذهبي، ورسالته في السنة هي «العرش» وقد أكثر عنه، ويحتمل أنها «العلو». والأثر أخرجه في العرش (2/ 268) (184) وفي العلو (2/ 1039) (396).
(4) (ص/13) رقم (6)، وقد تقدم في (ص/195).
(الكتاب/329)
قول عاصم بن علي أحد شيوخ النَّبَل، شيخ البخاري وغيره، أحد الأئمة الحفَّاظ الثقات حدَّث عن شعبة، وابن أبي ذئب، والليث رحمهم الله تعالى:
قال الخطيب: وجَّه المعتصم مَنْ يحزر (1) مجلسه في جامع الرصافة، وكان عاصم يجلس على سطح الرحبة، ويجلس الناس في الرحبة وما يليها (2)، فعظم الجمع مرةً (3) جدًّا حتى قال أربع عشرة مرةً: حدثنا الليث بن سعد، والناس لا يسمعون لكثرتهم، فحزر المجلس فكان عشرين ومائة ألف رجل (4).
قال يحيى بن معين فيه: هو سيد المسلمين (5).
قال عاصم: ناظرت جهميًا فتبين من كلامه أنه لا يؤمن أن في السماء ربًّا (6).
قال شيخ الإسلام: كان الجهمية يدورون على هذا [ب/ق 56 ب]،
_________
(1) في (أ، ع): «يحرز».
(2) في (ب): «بينهما».
(3) في (ب): «يومًا».
(4) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (12/ 242).
(5) أخرجه الخطيب في تاريخه (12/ 242).
(6) أخرجه ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما في درء التعارض (6/ 261)، ونقض التأسيس (1/ 189).
(الكتاب/330)
ولم يكونوا يصرحون به لوفور السلف والأئمة وكثرة أهل السنة، فلما بَعُد العهد وانقرض الأئمة صرَّح أتباعهم بما كان أولئك يشيرون إليه ويدورون حوله، قال: وهكذا [ظ/ق 52 ب] ظهرت البدع، كلما طال الأمر وبعد العهد اشتد أمرها وتغلظت. قال: وأول بدعة ظهرت في الإسلام بدعة القدر والإرجاء، ثم بدعة التشيع، إلى أن انتهى الأمر إلى الاتحاد والحلول وأمثالهما.
قول الإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني صاحب الشافعي رحمهما الله تعالى:
له كتاب في «الرد على الجهمية» قال فيه: باب قول الجهمي في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}! زعمت الجهمية أن معنى استوى: استولى، مِن قول العرب: استوى فلان على مصر يريدون استولى عليها، قال: فيقال له: هل يكون خلْقٌ من خلق الله أتت عليه مدة ليس بمستولٍ عليه (1)؟ فإذا قال: لا. قيل له: فمن زعم ذلك فهو كافر. فيقال له: يلزمك أن تقول: إن العرش أتت عليه مدة ليس الله بمستولٍ عليه، وذلك لأنه أخبر سبحانه أنه (2) خلق العرش قبل السماوات والأرض، ثم استوى عليه بعد خلقهن، فيلزمك أن تقول: المدة التي
_________
(1) في (ب): «ليس الله بمستولٍ عليه»، وفي (ظ): «ليس هو مستولٍ».
(2) في (ت): «أنه سبحانه»، وفي (أ): «لأنه سبحانه أخبر أنه خلق» والمثبت أولى.
(الكتاب/331)
كان (1) العرش [فيها] (2) قبل خلق السماوات والأرض ليس الله تعالى بمستولٍ عليه فيها، ثم ذكر كلامًا طويلًا في تقرير العلو والاحتجاج عليه (3).
ذكر قول جرير بن عبد الحميد: شيخ إسحاق بن راهويه وغيره من الأئمة رحمهم الله تعالى:
قال: كلام الجهمية أوله عسل، وآخره سُمٌّ، وإنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء إله.
رواه ابن أبي حاتم في كتاب «الرد على الجهمية» (4).
ذكر قول عبد الله بن الزبير الحُميدي أحد شيوخ النبل شيخ البخاري إمام أهل الحديث والفقه في وقته، وهو أول رجل افتتح به البخاري «صحيحه»:
قال: وما نطق به القرآن والحديث مثل قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة/ 64]، ومثل
_________
(1) في (ت): «كان على»، وهو خطأ.
(2) من درء التعارض، وسقط من جميع النسخ.
(3) انظر: درء تعارض العقل والنقل (6/ 115، 116).
(4) كما في درء تعارض العقل والنقل (6/ 265)، ونقض التأسيس (1/ 199، 200)، والعلو للذهبي (2/ 985) رقم (360).
(الكتاب/332)
قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر/67]، وما أشبه هذا من القرآن والحديث= لا نزيد فيه، ولا نفسِّره، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة، ونقول: {الرَّحْمَنُ [ب/ق 57 أ] عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]، ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي (1).
وليس مقصود السلف بأن من أنكر لفظ القرآن يكون جهميًّا مبتدعًا، فإنه يكون كافرًا زنديقًا، وإنما مقصودهم من أنكر معناه وحقيقته (2).
قول نُعَيم بن حماد الخزاعي أحد شيوخ النَّبَل شيخ البخاري رحمهما الله تعالى:
قال في قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد/4] معناه (3): لا يخفى عليه خافية بعلمه، ألا ترى إلى قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] أراد أن لا تخفى عليه خافية (4).
_________
(1) انظر: أصول السنة للحميدي (2/ 546، 547) المطبوع في آخر مسنده. ومن طريقه أخرجه: ابن منده في التوحيد (3/ 409) رقم (903)، والذهبي في العلو (2/ 1070) رقم (415) وغيرهما.
(2) في (ظ): «أو حقيقته».
(3) في (ب، ظ): «معناها».
(4) ذكره الذهبي في العلو (2/ 1092) رقم (428).
(الكتاب/333)
قال البخاري (1): سمعته يقول: من شبّه الله تعالى بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما [ظ/ق 53 أ] وصف الله تعالى به نفسه (2) ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – تشبيهًا (3).
قول عبد الله بن أبي جعفر الرازي رحمه الله تعالى:
قال صالح بن الضريس: «جعل عبد الله بن أبي جعفر الرزاي (4) يضرب قرابةً له بالنعل على رأسه، يرى رأي جهم، ويقول: لا حتى تقول: الرحمن على العرش استوى، بائن من خلقه».
ذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب «الرد على الجهمية» (5).
_________
(1) كذا في جميع النسخ وهو وهم، فليس هو البخاري محمد بن إسماعيل، إنما هو محمد بن إسماعيل الترمذي أبو إسماعيل السلمي، فلعل المؤلف: رأى محمد بن إسماعيل فسبق إلى ذهنه أنه البخاري صاحب الصحيح، فكتب البخاري.
(2) سقط من (ت): «فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه».
(3) أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى، المختار ـ الرد على الجهمية (3/ 146) (106)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 163)، وابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما عند اللالكائي رقم (936)، والذهبي في العلو (3/ 1093) رقم (429).
قال الذهبي: سمعناه بأصح إسناد ثم ذكره في السير (10/ 610).
(4) ليس في (ب).
(5) كما في نقض التأسيس (1/ 197، 198)، ودرء تعارض العقل والنقل (6/ 265) لابن تيمية، والعلو للذهبي (2/ 1048) رقم (402).
(الكتاب/334)
قول الحافظ أبي معمر القطيعي (1) رحمه الله:
ذكر (2) ابن أبي حاتم عنه أنه قال: آخر كلام الجهمية (3) أنه ليس في السماء إله (4).
قول بشر بن الوليد (5) وأبي يوسف (6) رحمهما الله تعالى:
روى ابن أبي حاتم قال: جاء بشر بن الوليد إلى أبي يوسف فقال له: تنهاني عن الكلام وبشر المريسي وعلي الأحول وفلان يتكلمون. فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون: إن الله في كل مكان. فبعث أبو يوسف وقال: عليَّ بهم، فانتهوا إليه، وقد قام بشر، فجيء بعلي الأحول والشيخ الآخر، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال: لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك، وأمر به إلى الحبس، وضرب علي الأحول وطُوِّف (7) به، وقد استتاب
_________
(1) هو أحمد بن جعفر بن حمدان، مسنِد العراق في عصره، وراوي مسند الإمام أحمد، توفي سنة 368 هـ.
(2) في (أ، ت، ع): «ذكره».
(3) في (مط): «الجهمي».
(4) ذكره الذهبي في العلو (2/ 1105) رقم (435) عن ابن أبي حاتم.
(5) هو الكندي، قاضي بغداد، أخذ العلم عن أبي يوسف، توفي سنة 238 هـ.
(6) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، صاحب أبي حنيفة، صاحب كتاب «الخراج»، توفي سنة 182 هـ.
(7) في (أ، ت): «وطِيف به».
(الكتاب/335)
أبو يوسف بشرَ المريسي لمّا أنكر أن الله يكون فوق عرشه.
وهي قصة مشهورة ذكرها عبد الرحمن بن أبي حاتم (1) وغيره.
وأصحاب أبي حنيفة المتقدمون على هذا.
قال محمد بن الحسن رحمه الله: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن [ب/ق 57 ب] والأحاديث التي جاء (2) بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة (3) الرب عز وجل، من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر شيئًا من ذلك فقد خرج ممَّا كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا؛ ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه وصفه بصفة لا شيء.
وقال محمد رحمه الله تعالى أيضًا في الأحاديث التي جاءت أن الله تعالى يهبط إلى سماء الدنيا ونحو هذا هذه الأحاديث قد رواها الثقات، فنحن نرويها، ونؤمن بها، ولا نفسرها.
_________
(1) في الرد على الجهمية كما في نقض التأسيس لابن تيمية (1/ 194 ـ 196)، والذهبي في العلو (2/ 999) (369).
(2) في (ع، مط): «جاءت».
(3) في (مط): «صفات».
(الكتاب/336)
ذكر ذلك عنه (1) أبو القاسم اللالكائي (2). وهذا تصريح منه بأن من قال بقول جهم فقد فارق جماعة المسلمين.
وقد (3) ذكر الطحاوي في اعتقاد أبي حنيفة وصاحبيه رحمهم الله تعالى ما يوافق هذا، وأنهم أبرأ الناس من التعطيل والتجهم.
فقال في عقيدته المعروفة (4): «وأنه تعالى محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه» (5).
قول سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى:
ذكر الثعلبي عنه (6) في «تفسيره» (7) قال ابن عيينة (8): ثم استوى على العرش: صعد.
_________
(1) ليس في (ب).
(2) في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 432، 433) رقم (740، 741).
(3) سقط من (ب).
(4) بالعقيدة الطحاوية (ص/7).
(5) انظرها مع شرح ابن أبي العز الحنفي ( … 2/ 372 – 394).
(6) من (ظ، ب).
(7) هو «الكشف والبيان»، ولم أجد هذا النقل عن سفيان بن عيينة في جميع المواضع من تفسيره التي ذكر فيها لفظ «الاستواء»، وكذلك لم أجده في مختصره تفسير البغوي «معالم التنزيل»، وإنما ذكر لفظ «صعد» ونسبهُ لأبي عبيدة معمر بن المثنى صاحب كتاب «مجاز القرآن».
(8) في (ظ): «قتيبة».
(الكتاب/337)
قول خالد بن سليمان أبي معاذ البلخي أحد الأئمة (1) رحمه الله تعالى:
روى عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه بإسناده قال: كان جهم على معبر ترمذ [ظ/ق 53 ب]، وكان فصيح اللسان لم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم، فكلمه السُّمَنِية فقالوا: صِف لنا ربك الذي تعبده؟ فدخل البيت لا يخرج. ثم خرج إليه بعد أيام فقال: هو هذا الهواء، مع كل شيء، وفي كل شيء، ولا يخلو منه شيء».
قال أبو معاذ: كذب عدو الله, إن الله في السماء على العرش (2) كما وصف نفسه (3).
وهذا صحيح عنه، وأول من عُرف عنه في هذه الأمة إنكار أن يكون الله فوق سماواته (4) على عرشه هو جهم بن صفوان، وقبله الجعد بن درهم، ولكن الجهم هو الذي دعا إلى هذه المقالة وقررها، وعنه أُخِذَت.
_________
(1) كان من تلامذة أبي حنيفة، وأحد أئمة الرأي ببلخ. توفي سنة 199 هـ.
(2) في (ظ): «عرشه».
(3) ذكره اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 380، 381) رقم (6359) عن ابن أبي حاتم.
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 337) رقم (904) وسنده صحيح.
(4) في (ظ): «سمائه».
(الكتاب/338)
فروى ابن أبي حاتم وعبد الله بن أحمد في كتابيهما في «السنة» عن شجاع ابن أبي نصر ـ أبي نعيم البلخي (1) [ب/ق 58 أ] ـ وكان قد أدرك جهمًا قال: كان لجهم صاحب يكرمه ويقدِّمه على غيره، فإذا هو قد وقع به، فصيح به، ونذر (2) به، وقيل له: لقد كان يكرمك فقال: إنه قد جاء منه ما لا يُحْتَمل، بينما هو يقرأ طه والمصحف في حِجْره فلما أتى على هذه الآية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] قال: لو (3) وجدت السبيل إلى أن أحُكَّها من المصحف لفعلت، فاحتملت هذه. ثم إنه بينما هو يقرأ آية إذ قال: ما أظرف محمدًا حين قالها. ثم بينما هو يقرأ (4) طسم القصص ــ والمصحف في حِجره ــ إذ مرَّ بذكر موسى عليه الصلاة والسلام، فدفع المصحف بيديه ورجليه، وقال: أي شيء هذا؟ ذكره هاهنا، فلم يتم ذكره (5).
فهذا شيخ النافين لعلو الرب على عرشه ومباينته لخلقه.
_________
(1) هو المقرئ، سُئل عنه الإمام أحمد فقال: بخٍ بخٍ، وأين مثل شجاع اليوم؟
(2) كذا في (أ، ت)، وفي (ب، ظ) غير منقوطة، ووقع في (ع): «برز».
(3) في خلق أفعال العباد للبخاري: «قال: أما والله لو وجدت».
(4) سقط من (ت): «آية إذ قال: ما أظرف محمدًا حين قالها، ثم بينما هو يقرأ».
(5) أخرجه ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية كما في العلو (2/ 1015) (379)، والبخاري في خلق أفعال العباد 226، رقم (70)، وعبد الله بن أحمد في السنة رقم (190).
وسنده صحيح.
(الكتاب/339)
وذكر ابن أبي حاتم (1) بإسناده عن الأصمعي قال: قدمت امرأة جهم فقال رجل عندها: الله على عرشه. فقالت: محدود على محدود؟! فقال الأصمعي: هي كافرة بهذه المقالة (2).
فهذه المقالة إماماها (3) هذا الرجل وامرأته، وما أولاه بأن يصلى {نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد/4، 5].
قول إسحاق بن راهويه إمام أهل المشرق نظير أحمد رحمهما الله تعالى:
قال حرب (4) بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد: قلت لإسحاق ابن راهويه: قول الله عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] كيف تقول فيه (5)؟ قال: حيث ما كنت فهو أقرب إليك (6) من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه» (7) ثم قال: وأعلى شيء
_________
(1) في (أ، ت): «حاتم عنه».
(2) ذكره شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (5/ 53)، والذهبي في العلو (2/ 1041) (397).
(3) في (أ، ت): «إمامها» وهو خطأ. وسقطت هذه الكلمة من (ع).
(4) في (ظ، ب): «أحمد» وهو خطأ.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): «إليه».
(7) انظر: مسائل حرب الكرماني (ص/412).
وأخرجه الهروي في ذم الكلام (4/ 337) رقم (1208) من طريق: حرب الكرماني به.
(الكتاب/340)
في ذلك وأثبته قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) [طه/5].
وقال الخلال في كتاب «السنة»: أخبرنا أبو بكر المَرُّوذي حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري حدثنا سليمان بن داود الخفّاف قال: قال إسحاق بن راهويه: قال الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ [ظ/ق 54 أ] عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء أسفل الأرض السابعة، وفي قعور البحار (2)، ورؤوس الجبال وبطون الأودية وفي كل موضع، كما يعلم ما في السماوات السبع، وما دون العرش، أحاط بكل شيء علمًا، ولا (3) تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات البر (4) والبحر إلا قد [ب/ق 58 ب] عرف ذلك كله وأحصاه، لا يعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره.
_________
(1) انظر: مسائل حرب «في الاستواء» (ص/414).
(2) إلى هنا انتهى النقل لهذه الرواية كما في درء التعارض (6/ 260).
وقال في درء التعارض: وفي رواية: «ورؤوس الجبال … إلخ».
(3) في الدرء «فلا».
(4) في درء التعارض (6/ 260): «ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس».
(الكتاب/341)
وقال السراج: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: دخلت
يومًا على عبد الله بن طاهر (1) وعنده منصور بن طلحة (2)، فقال لي منصور: يا أبا يعقوب تقول: إن الله ينزل كل ليلة (3)؟ قلت له: ونؤمن به (4) إذا أنت لا تؤمن أن الله في السماء، لا تحتاج أن تسألني، فقال له عبد الله (5). ألم أنهك عن هذا الشيخ (6)؟!
ذكر (7) قول حافظ الإسلام يحيى بن معين رحمه الله تعالى:
روى ابن بطة عنه في «الإبانة» (8) بإسناده، قال: إذا قال لك الجهمي
_________
(1) وقع في جميع النسخ «طاهر بن عبد الله» والتصويب من السير ومصدر التخريج. وهو الأمير العادل حاكم خراسان وما وراء النهر، وكان أميرًا مطاعًا سائسًا مهيبًا جوادًا ممدحًا، وله يد في النثر والنظم، توفي 230 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 684، 685).
(2) هو رجل من أهل البدع والأهواء.
(3) في (ب): «ليلة إلى سماء الدنيا».
(4) في (ظ): «تؤمن إذا».
(5) في جميع النسخ، وذم الكلام: «طاهر» وهو خطأ، كما سبق.
(6) أخرجه أبو إسماعيل الهروي الأنصاري في «ذم الكلام وأهله» (4/ 325، 326) رقم (1193).
(7) ليس في (ب، ظ).
(8) كما في المختار من الإبانة «الرد على الجهمية» (3/ 206) رقم (161).
وسنده صحيح.
(الكتاب/342)
كيف ينزل؟ فقل: كيف صعد (1)؟».
قول الإمام حافظ أهل (2) المشرق وشيخ الأئمة عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله:
قال فيه أبو الفضل القرَّاب: «ما رأيت مثل عثمان بن سعيد، ولا رأى عثمان مثل نفسه» (3).
أخذ الأدب عن ابن الأعرابي، والفقه عن البويطي، والحديث عن يحيى بن معين وعلي بن المديني، وأثنى عليه أهل العلم، صاحب كتاب «الرد على الجهمية»، و «النقض على بشر المريسي».
وقال في كتابه «النقض على بشر»: وقد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سماواته، ولا (4) ينزل قبل يوم القيامة إلى الأرض. ولم يشكّوا أنه ينزل يوم القيامة ليفصل بين عباده ويحاسبهم ويثيبهم، وتشقق السماء (5) يومئذ لنزوله وتنزل الملائكة تنزيلًا، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، كما قال الله (6) سبحانه
_________
(1) في (ع، مط): «يصعد»، والمثبت أولى كما في مصدر التخريج، وباقي النسخ.
(2) ليس في (ب).
(3) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 622).
(4) في النقض على بشر: «وأنه لا ينزل … » وكذا في (ع).
(5) في (أ، ظ، ع): «السماوات».
(6) يشير إلى قوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان/25]. … =
= … وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة/17].
(الكتاب/343)
ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، فلمّا لم يشك المسلمون أن الله لا ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة لشيء من أمور الدنيا علموا يقينًا أن ما يأتي الناس من العقوبات إنما هو أمره وعذابه بقوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل/26] إنما هو أمره وعذابه» (1).
وقال في موضع آخر من هذا الكتاب (2) وقد ذكر الحلول: «ويحك هذا المذهب أنزه لله تعالى من السوء أم مذهب من يقول: هو بكماله وجماله (3) وعظمته وبهائه فوق عرشه فوق سماواته، وفوق جميع الخلائق (4) في أعلى مكان وأطهر مكان، حيث لا خلق هناك ولا إنس ولا جان فأيّ الحزبين أعلم بالله وبمكانه وأشد تعظيمًا وإجلالًا له؟».
وقال في هذا الكتاب (5): «علمه بهم من (6) فوق العرش محيط، وبصره فيهم نافذ، وهو بكماله فوق عرشه [ب/ق 59 أ] والسماوات، ومسافة ما بينهن بينه وبين خلقه في الأرض فهو كذلك معهم، رابعهم
_________
(1) انظر: النقض على بشر المريسي (ص/154، 155).
(2) النقض (ص/248).
(3) في (أ، ت، ظ): «وجلاله».
(4) في (ب): «خلقه».
(5) (ص/242).
(6) من النقض.
(الكتاب/344)
وخامسهم وسادسهم … وإنما يُعْرَف فضل [ظ/ق 54 ب] الربوبية وعظم القدرة بأن الله من فوق عرشه (1)، ومع بعد المسافة بينه وبين الأرض، يعلم ما في الأرض».
وقال في موضع آخر من الكتاب (2): «والقرآن كلام الله، وصفة من صفاته، خرج منه كما شاء أن يخرج، والله بكلامه وعلمه وقدرته (3) وسلطانه وجميع صفاته غير مخلوقة، وهو بكماله على عرشه».
وقال في موضع آخر (4) وقد ذكر حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل في شأن الروح وقبضها ونعيمها وعذابها، وفيه «فيُصعد بروحه حتى يُنتهى بها إلى سماء الدنيا فيستفتح لها» إلى أن قال: «حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في علِّيين في السماء السابعة، وأعيدوه إلى الأرض … » وذكر الحديث، ثم قال: وفي قوله: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف/40]، دلالة ظاهرة أن الله تعالى فوق السماء؛ لأنه لو لم يكن فوق السماء لما عُرج بالأرواح والأعمال (5) إلى السماء، ولما غُلِّقت
_________
(1) من قوله: «والسماوات ومسافة ما بينهن … » إلى هنا سقط من (ت).
(2) (ص/574).
(3) في (ب): «بقدرته وعلمه وكلامه».
(4) من كتاب الرد على الجهمية (ص/58، 59).
(5) سقط من (ظ).
(الكتاب/345)
أبواب السماء عن قوم وفُتحت لآخرين».
وقال في موضع آخر (1): «وقد بلغنا: أن حملة العرش حين حملوا العرش وفوقه الجبار جلّ جلاله في عزته وبهائه ضعفوا عن حَمْلِه، واستكانوا وجثوا على ركبهم، حتى لُقِّنوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فاستقلّوا به بقدرة الله وإرادته ـ ثم ساق بإسناده عن معاوية بن صالح: أول ما خلق الله حين كان عرشه على الماء حملة العرش، فقالوا: ربنا لم خلقتنا؟ فقال: خلقتكم لحمل عرشي، فقالوا: ربنا ومن يقوى على حمل عرشك، وعليه جلالك وعظمتك ووقارك؟ فقال لهم: إني خلقتكم لذلك، قالوا: ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك؟ قال: فقال: خلقتكم لحمل عرشي، قال: فيقولون ذلك مرارًا، قال: فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله».
وقال في موضع آخر (2): ولكنا نقول: رب عظيم وملك كريم (3) كبير نور السماوات والأرض وإله السماوات والأرض، على عرش مخلوق عظيم (4)، فوق السماء السابعة دون ما سواها [ب/ق 59 ب] من الأماكن، من لم يعرفه بذلك كان كافرًا به وبعرشه».
_________
(1) من النقض (ص/252، 253).
(2) من النقض (ص/241).
(3) سقط من (أ، ت، ظ).
(4) في (ب): «على عرش عظيم، فوق عرش عظيم».
(الكتاب/346)
وقال في موضع آخر (1): «في حديث الحصين: كم تعبد؟ فلم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحصين إذ عرف أن إله العالمين في السماء، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -، فحصين رضي الله عنه قبل إسلامه كان أعلم بالله الجليل من المريسي وأصحابه مع ما ينتحلون من الإسلام، إذ مَيَّز بين الإله الخالق الذي في السماء وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض، قال: وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله سبحانه في السماء وعرفوه بذلك إلا المريسي [ظ/ق 55 أ] وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث».
وقال (2): «في قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للأمة: «أين الله؟» تكذيب لمن يقول: هو في كل مكان، وأن الله لا يوصف بأين؛ بل (3) يستحيل أن يقال: أين هو؟ فالله فوق سماواته بائن من خلقه، فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف الإله (4) الذي يعبده».
وكتاباه من أجلّ الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل
_________
(1) من النقض (ص/62).
(2) في الرد على الجهمية (ص/39) رقم (64 ـ 66).
(3) كذا في جميع النسخ، وفي الرد على الجهمية: «لأن شيئًا لا يخلو منه مكان» بدل «بل».
(4) في (أ، ت): «إلهه».
(الكتاب/347)
طالب سنة مراده الوقوف على ما كان (1) عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه (2). وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدًّا، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما.
قول قتيبة بن سعيد الإمام الحافظ أحد أئمة الإسلام وحفاظ الحديث من شيوخ الأئمة الذين تجملوا بالحديث عنه:
قال أبو العباس السراج: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: هذا قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة: نعرف ربنا سبحانه بأنه في السماء السابعة على عرشه، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3).
وقال موسى بن هارون: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (4) [طه/5].
_________
(1) سقط من (ب): «على ما كان».
(2) في (ب): «أن يقتنيا كتابه».
(3) أخرجه أبو بكر النقاش كما في درء التعارض (6/ 260)، ونقض التأسيس (1/ 209)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (ص/34) رقم (17). وسنده صحيح.
(4) ذكره الذهبي في العلو (2/ 1103) رقم (434).
(الكتاب/348)
قول عبد الوهاب الوراق أحد الأئمة الحفاظ:
أثنى عليه الأئمة وقيل للإمام أحمد رحمه الله: من نسأل بعدك؟ فقال: عبد الوهاب، وهو من شيوخ النَّبَل.
قال عبد الوهاب (1) وقد رُوي حديث ابن عباس رضي الله عنهما [ب/ق 60 أ] «ما بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك» (2)، ومن زعم أن الله هاهنا فهو جهمي خبيث، إن الله فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة» (3).
صحَّ ذلك عنه، حكاه عنه محمد بن عثمان (4) في رسالته في الفوقية، وقال: ثقة حافظ، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي، مات سنة خمسين ومائتين.
قول خارجة بن مصعب رحمه الله تعالى:
قال عبد الله بن أحمد في كتاب «السنة»: حدثني أحمد بن سعيد الدارمي ـ أبو جعفر ـ قال: سمعت أبي يقول: سمعت خارجة بن مصعب
_________
(1) من (أ، ت): «قال عبد الوهاب»، وليس في (ع) «قال».
(2) تقدم تخريجه (ص/173).
(3) أخرجه الحافظ أبو أحمد الحاكم العسَّال في كتاب «المعرفة» كما في نقض التأسيس (1/ 129، 130)، ودرء التعارض (6/ 203، 204).
(4) هو الذهبي في كتاب العرش (2/ 333)، وانظر العلو للعلي الغفَّار (2/ 1177).
(الكتاب/349)
يقول: الجهمية كفار؛ أبلغ نساءهم أنّهن طوالق لا يحللن لهم، لا تعودوا مرضاهم، ولا تشهدوا جنائزهم. ثم تلا: {طه} إلى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) [طه/1 ــ 5].
قول إمامي أهل الحديث: أبي زرعة وأبي حاتم رحمهما الله تعالى:
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء (2) في ذلك، فقالا: أدركنا (3) العلماء في جميع الأمصار حجازًا وعراقًا [ومصرًا] (4) وشامًا ويَمَنًا، فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
والقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق [ظ/ق 55 ب] بجميع جهاته.
والقدر خيره وشره من الله عز وجل.
وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم
_________
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 105، 106) رقم (10)، ومن طريقه: الخلال في السنة (5/ 88، 89) رقم (1691).
وزادا في آخره: «وهل يكون الاستواء إلا بجلوس؟».
(2) في (مط): «أئمة العلم» مكان «العلماء».
(3) سقط من (ب): «في ذلك؟ فقالا: أدركنا».
(4) من كتاب أصل السنة واعتقاد الدين، وقد سقطت من جميع النسخ.
(الكتاب/350)
عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين (1).
وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه، كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – بلا كيف، أحاط بكل شيء علمًا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/ 11].
وأنه سبحانه يُرى في الآخرة، يَراه أهل الجنة بأبصارهم، ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء.
والجنة حق، والنار حق، وهما مخلوقتان، لا تفنيان أبدًا (2).
ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم؛ كفرًا ينقل عن الملة، ومن شكَّ في كُفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر، ومن وقف في القرآن فهو جهمي، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي (3)، أو قال: القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي (4)» (5).
_________
(1) من (ت) فقط.
(2) زاد في أصل السنة: «والجنة ثواب لأوليائه».
(3) سقط من (ت، ع): «ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي».
(4) سقط من (ظ): «فهو جهمي».
(5) انظر: كتاب أصل السنة واعتقاد الدين لابن أبي حاتم (ص/38 ـ 40).
ومن طريقه أخرجه الطبري في صريح السنة رقم (321)، وأبو العلاء الهمداني العطار في فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد وذم الاختلاف (ص/90 ـ 93) رقم (30)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/ 177) رقم (321).
(الكتاب/351)
قال أبو حاتم: والقرآن كلام الله، وعلمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه ليس بمخلوق بجهة من الجهات.
ونقول: إن الله على عرشه بائن من خلقه، ليس كمثله شيء وهو السميع [ب/ق 60 ب] البصير (1).
ثم ذكر عن أبي زرعة رحمه الله تعالى: أنه سُئل عن تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] فغضب، وقال: تفسيرها كما تقرأ، هو على العرش استوى، وعلمه في كل مكان، من قال غير ذلك: فعليه لعنة الله (2).
وهذان الإمامان إماما أهل الرَّيِّ، وهما من نظراء الإمام أحمد والبخاري رحمهما الله تعالى.
قول حرب الكرماني صاحب أحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى، وله مسائل جليلة عنهما:
قال يحيى بن عمار: أخبرنا أبو عصمة قال: حدثنا إسماعيل بن الوليد حدثنا حرب بن إسماعيل قال: والماء فوق السماء السابعة، والعرش على الماء، والله على العرش.
_________
(1) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللالكائي (1/ 180) رقم (323)، وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 286).
(2) أخرجه أبو إسماعيل الهروي في كتابه «الفاروق» كما في مجموع فتاوى ابن تيمية (5/ 50)، والعلو للذهبي (2/ 1153) رقم (465).
(الكتاب/352)
قلت: هذا لفظه في مسائله (1)، وحكاه إجماعًا لأهل السنة من سائر أهل (2) الأمصار.
قول إمام أهل الحديث علي بن المديني (3) شيخ البخاري بل شيخ الإسلام رحمه الله:
قال البخاري: علي بن المديني سيِّد المسلمين.
وقال البخاري: لو قيل لي: ماذا تشتهي؟ لقلت: قلبًا خاليًا، وعلي ابن المديني وأنا أسأله (4).
قيل له: ما قول الجماعة في الاعتقاد؟ قال: يثبتون الكلام والرؤية ويقولون: إن الله تعالى على العرش استوى. فقيل له: ما تقول في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟ فقال: اقرأ أول الآية. يعني: بالعلم؛ لأن أول الآية {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} [المجادلة/7] (5).
_________
(1) (ص/359).
(2) سقط من (ت).
(3) جاء هذا النص كاملًا في (ظ، ب) بعد قول «سُنيد بن داود» الآتي بعد هذا.
(4) من (ظ) فقط: «وقال البخاري … وأنا أسأله».
وانظر نحو مقولة البخاري في تاريخ بغداد (11/ 461).
(5) أخرجه أبو إسماعيل الهروي في «الفاروق» كما في مجموع الفتاوى (5/ 49)، الذهبي في العلو (2/ 1109) (437).
(الكتاب/353)
قال البخاري في كتاب «خلق الأفعال»: وقال ابن المديني: القرآن كلام الله غير مخلوق، من قال إنه مخلوق فهو كافر لا يُصلّى خلفه (1).
قال البخاري: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي ابن المديني (2).
وقال الحسن بن محمد بن الحارث [ظ/ق 56 أ]: سمعت علي بن المديني يقول: أهل الجماعة يؤمنون بالرؤية وبالكلام، وأن الله فوق السماوات على العرش استوى. فسُئِل عن قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7] الآية؟ فقال: اقرأ ما قبله. يعني علم الله تعالى (3).
قول سُنيد بن داود شيخ البخاري رحمهما الله تعالى:
قال أبو حاتم الرازي: حدثنا أبو عمران موسى الطرسوسي قال: قلت لسنيد بن داود: هو على عرشه بائن من خلقه؟ قال: نعم. ألم تسمع قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} (4) [الزمر/75].
_________
(1) انظر: خلق أفعال العباد (ص/18) رقم (32).
(2) انظر: تاريخ بغداد (11/ 461).
(3) أخرجه أبو إسماعيل في الفاروق كما في مجموع الفتاوى (5/ 49) كما تقدم.
(4) ذكره الذهبي في العلو (2/ 1091) (427).
(الكتاب/354)
قول إمام أهل الإسلام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله:
قال في كتاب التوحيد من «صحيحه» (1): باب قول الله عز وجل: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود/7]، {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ … } [التوبة/129]. قال أبو العالية: استوى إلى السماء: ارتفع. فسواهن: خلقهن. وقال مجاهد: استوى: علا على العرش [ب/ق 61 أ]. ثم ساق البخاري (2) حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنها كانت تفخر على نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
وذكر تراجم أبواب هذا الكتاب الذي ترجمه بـ «كتاب التوحيد، والرد على الجهمية» ردًّا على أقوال الجهمية التي خالفوا بها الأمة، فمن تراجم أبواب هذا الكتاب:
باب قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (3) [الإسراء/ 110].
ومن أبوابه أيضًا: باب قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
_________
(1) (6/ 2698)، (100) التوحيد، (12) باب: «وكان عرشه على الماء … » ط: البُغا.
(2) (6/ 4699) رقم (6984).
(3) (6/ 2686) باب رقم (2).
(الكتاب/355)
الْمَتِينُ} (1) [الذاريات/58] وذكر أحاديث.
ثم قال: باب قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن/26] {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان/34] و {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء/166]، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} (2) [فاطر/11]، ثم ساق أحاديث مستدلًا بها على إثبات صفة العلم.
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} (3) [الحشر/23]، ثم ساق حديث ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى هو السلام (4). ثم ساق حديث أبي هريرة رضي الله عنه: يقول الله: أنا الملك (5).
ثم قال: باب قول الله: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت/42] {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات/180] و {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
_________
(1) (62687) باب رقم (3)، ولم يذكر فيه إلا حديث أبي موسى «ما أحد أصبر على أذىً سمعه من الله … » رقم (6943).
(2) (6/ 2687) باب رقم (4)، وذكر حديثين عن ابن عمر وعائشة، برقم (6944، 6945).
(3) (6/ 2688) باب رقم (5).
(4) رقم (6946).
(5) ساقه في باب رقم (6) باب قول الله تعالى: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس/2] (6/ 2688) رقم (6947).
(الكتاب/356)
وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون/8] (1) وذكر أحاديث في ذلك (2).
ثم قال: باب قول الله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} (3) ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض» (4) إلى آخره (5).
ثم قال: باب قول الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (6)، ثم ساق أحاديث منها حديث أبي موسى رضي الله عنه «إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (7).
_________
(1) (6/ 2688) باب رقم (7) وذكر ثلاثة أحاديث معلقة، وحديثين مسندين برقم (6948، 6949).
(2) سقط من (ب): «في ذلك».
(3) (6/ 2689) باب رقم (8).
(4) في (أ، ت) زيادة: «ومن فيهنَّ» وليست هنا في هذا الموضع في البخاري.
(5) رقم (6950).
(6) (6/ 2689) باب رقم (5). وساق فيه حديثًا معلقًا، وثلاثة مسندة.
(7) كذا وقع في جميع النسخ والمطبوعة، وهذا اللفظ لم يخرجه البخاري، والذي خرَّجه في هذا المكان بلفظ « .. فإنكم لا تدعون أصمَّ غائبًا، تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا … » برقم (6952)، وله طرق في البخاري بأرقام (2830، 3968، 6021، 6046، 6236) ليس فيها هذا اللفظ. وإنما أخرج هذا اللفظ مسلم في صحيحه (2704) (46) من طريق: الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي عثمان عن أبي موسى فذكره. فلعله أورده بالمعنى أو من حفظه.
(الكتاب/357)
ثم قال: باب قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} (1) ثم ساق أحاديث في إثبات القدرة.
ثم قال: باب مقلب القلوب وقول الله عز وجل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حلفه: «لا ومقلب القلوب».
ثم قال: باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا (3).
ثم قال: باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها (4). ومقصوده بذلك أنها غير مخلوقة، فإنه لا يُستعاذ بمخلوق ولا يُسْألُ به.
ثم قال: باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي (5) الله تعالى (6).
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (7)، ثم
_________
(1) (6/ 2690) باب رقم (10)، وساق فيه حديثًا واحدًا «حديث جابر في الاستخارة» برقم (6955).
(2) (6/ 2691) باب رقم (11)، وساق فيه حديثًا واحدًا «حديث ابن عمر» برقم (6956).
(3) (6/ 2691) باب رقم (12)، وساق فيه حديثًا واحدًا.
(4) (6/ 2691) باب رقم (13)، وساق فيه تسعة أحاديث.
(5) في (أ، ت): «وأسماء».
(6) (6/ 2693) باب رقم (14)، وساق فيه حديثًا واحدًا.
(7) (6/ 2693) باب رقم (15)، وساق فيه ثلاثة أحاديث (6968 ـ 6970).
(الكتاب/358)
ساق أحاديث.
ثم قال: باب [ظ/ق 56 ب] قول الله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (1)، ثم ذكر حديث جابر رضي الله عنه: أعوذ بوجهك (2).
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (3)، ثم ذكر حديث الدجال: إن ربكم ليس بأعور (4).
ثم قال: باب قول الله عز وجل: [ب/ق 61 ب] {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} (5).
ثم قال: باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (6)، ثم ذكر أحاديث (7) في إثبات اليدين.
ثم قال: باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا شخص أغير
_________
(1) (6/ 2694) باب رقم (16).
(2) رقم (6971).
(3) (6/ 2695) باب رقم (17).
(4) من حديث ابن عمر رقم (6972)، ومن حديث أنس بن مالك رقم (6973).
(5) (6/ 2695) باب رقم (18)، وساق فيه حديثًا واحدًا، وآخر معلقًا.
(6) (6/ 2695) باب رقم (19).
(7) ذكر خمسة أحاديث من رقم (6975 ـ 6979).
(الكتاب/359)
من الله» (1).
ثم قال: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} (2)، فسمَّى نفسه شيئًا.
ثم قال: باب قول الله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (3)، ثم ذكر بعض أحاديث الفوقية، ثم قررها بترجمة أُخرى، فقال: باب: قول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (4)، وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (5)، ثم ساق في ذلك أحاديث في إثبات صفة الفوقية.
ثم قال: باب قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (6)، ثم ذكر الأحاديث الدالة على إثبات الرؤية في الآخرة.
_________
(1) (6/ 2698) باب رقم (20)، وساق فيه حديثًا واحدًا «للمغيرة بن شعبة» رقم (6980).
(2) (6/ 2698) باب رقم (21)، وساق فيه حديثًا واحدًا لسهل بن سعد رقم (6981).
(3) (6/ 2698 ـ 2701) باب رقم (22)، وساق فيه عشرة أحاديث من رقم (6982) إلى (6991)، وواحدًا معلقًا.
(4) كذا في جميع النسخ، وفي البخاري تأتي هذه الآية بعد التي تليها.
(5) (6/ 2701 ـ 2703) باب رقم (23)، وساق فيه خمسة أحاديث من رقم (6992) إلى (6996).
(6) (6/ 2703 ـ 2711) باب رقم (24)، وساق فيه ثلاثة عشر حديثًا من رقم (6997) إلى (7009).
(الكتاب/360)
ثم قال: باب ما جاء في قوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (1)، ثم ذكر أحاديث في إثبات صفة الرحمة.
ثم قال: باب قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} (2)، ثم ساق في هذا الباب حديث الحَبْر الذي فيه: «إن الله يمسك (3) السماوات على إصبع … » الحديث.
ثم قال: باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق، وهو فعل الرب عز وجل وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه (4) هو الخالق المكون غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره و تخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مُكوَّن (5).
وهذه الترجمة من أدل شيء على دقَّة علمه ورسوخه في معرفة الله
_________
(1) (6/ 2711 ـ 2712) باب رقم (25)، وساق فيه ثلاثة أحاديث من رقم (7010) إلى (7012).
(2) (6/ 2712) باب رقم (26).
(3) كذا في جميع النسخ، وفي البخاري (7013): «يضع»، وإنما ورد لفظ «يمسك» في باب قول الله تعالى: «لما خلقت بيديّ».
(4) كذا في جميع النسخ، وزيادة: «وكلامه» ثابتة في رواية أبي ذر الهروي. انظر: صحيح البخاري (9/ 134) دار طوق النجاة، المطبوع عن الطبعة البولاقية.
(5) (6/ 2712) باب رقم (27)، وساق فيه حديثًا واحدًا لابن عباس في قيام الليل، رقم (7014).
(الكتاب/361)
تعالى وأسمائه وصفاته، وهذه الترجمة فصل في مسألة الفعل والمفعول وقيام أفعال الرب عز وجل به، وأنها غير مخلوقة، وأن المخلوق هو المنفصل عنه، الكائن بفعله وأمره وتكوينه، فَفَصَل النزاع بهذه الترجمة أحسن فَصْل وأبينه وأوضحه؛ إذ فَرَّق بين الفعل والمفعول، وما يقوم بالرب سبحانه وما لا يقوم به، وبيَّن أن أفعاله تعالى كصفاته داخلة في مسمَّى اسمه، ليست منفصلة خارجة مكونة؛ بل بها يقع التكوين، فجزاه الله سبحانه عن الإسلام والسنة، بل جزاهما عنه أفضل الجزاء. وهذا الذي ذكره في هذه الترجمة هو قول أهل السنة، وهو المأثور عن سلف الأمة، وصرح به في كتاب «خلق أفعال العباد» (1)، وجعله قول العلماء مطلقًا، ولم يذكر فيه نزاعًا إلا عن الجهمية. وذكره [ب/ق 62 أ] البغوي إجماعًا من أهل السنة.
وصرَّح البخاري في هذه الترجمة بأن [ظ/ق 57 أ] كلام الله تعالى غير مخلوق، وأن أفعاله وصفاته غير مخلوقة.
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} (2)، ثم ساق أحاديث في القدر وإثباته.
ثم قال: باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ
_________
(1) (ص/36 ـ 39، 41، 42) رقم (125).
(2) (6/ 2712) باب رقم (28)، وساق فيه ستة أحاديث من رقم (7015 ـ 7020).
(الكتاب/362)
كُنْ فَيَكُونُ} (1)، ثم ساق أحاديث في إثبات (2) تكلُّم الرب جل جلاله.
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}، وقوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (3).
ومقصوده إثبات صفة الكلام، والفرق بينها وبين صفة الخلق.
ثم قال: باب في المشيئة والإرادة (4)، ثم ساق آيات وأحاديث في إثبات ذلك.
_________
(1) كذا في جميع النسخ، والذي في صحيح البخاري (6/ 2714) ط: البُغا، و (9/ 136) ط. البولاقية، {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} [النحل/40] باب رقم (29).
وساق فيه أربعة أحاديث من رقم (7021 ـ 7024) وليس فيها تكليم الرب، وإنما فيها «أمْرُ الله».
(2) في (أ، ت، ع): «باب».
(3) (6/ 2715) باب رقم (30)، وساق فيه حديث أبي هريرة رقم (7025).
(4) (6/ 2715 ـ 2719) باب رقم (31)، وساق فيه سبعة عشر حديثًا من رقم (7026) إلى (7042).
(الكتاب/363)
ثم قال: باب قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ … } (1) الآية.
قال البخاري رحمه الله: ولم يقولوا (2) ماذا خلق ربكم»، ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فينادي بصوت (3). وحديث عبد الله بن أُنيس (4)، وعلقمة (5): فيناديهم بصوت، يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب، أنا الملك أنا الديان. ومقصوده أن هذا النداء يستحيل أن يكون مخلوقًا، فإن المخلوق لا يقول: أنا الملك أنا الدَّيان، فالمنادي بذلك هو: الله عز وجل القائل: أنا الملك أنا الديان.
ثم قال: باب كلام الرب تعالى مع جبرائيل عليه الصلاة والسلام
_________
(1) (6/ 2719 ـ 2721) باب رقم (32)، وساق فيه أربعة أحاديث مسندة، ومعلقًا مرفوعًا وآخر موقوفًا.
(2) كذا في جميع النسخ، والذي في البخاري الطبعة البولاقية (9/ 141) وغيرها «ولم يقل».
(3) رقم (7045).
(4) (6/ 2720) معلَّقًا بصيغة التمريض «ويُذكر». فلعله صدَّره بصيغة التمريض لأنه اختصره، أو لأن مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل وفي حفظه لين.
وقد تقدم طرق هذا الحديث (ص/150 – 151).
(5) كذا في جميع النسخ، وليست في صحيح البخاري (ط) البُغا، ولا الطبعة البولاقية، فلعل للمؤلف نسخة تختلف عن المطبوعة.
(الكتاب/364)
ونداء الله تعالى الملائكة (1). ثم ذكر حديث: «إذا أحب الله عبدًا نادى جبرائيل» (2).
ثم قال: باب قوله عز وجل: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} (3)، ثم ساق أحاديث في نزول القرآن من السماء، مما يدل على أصلين: فوقية الرب تعالى وتكلمه بالقرآن.
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (4)، ثم ذكر أحاديث في تكلم الرب تعالى.
ثم قال: باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (5)، ثم ساق حديث الشفاعة (6)، وحديث: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه» (7)،
_________
(1) (6/ 2721) باب رقم (33)، وساق فيه ثلاثة أحاديث.
(2) رقم (7047).
(3) (6/ 2721، 2722) باب رقم (34)، وساق فيه حديثين، وأثرًا موقوفًا على ابن عباس.
(4) (6/ 2722 ـ 2726) باب رقم (35)، وساق فيه سبعة عشر حديثًا من رقم (7053) إلى (7070).
(5) (6/ 2726) باب رقم (36)، وساق فيه ستة أحاديث.
(6) رقم (7072).
(7) رقم (7074)، وقد سقط من (ظ) قوله: «من أحد». ومن (ب): «من».
(الكتاب/365)
وحديث «يدنو المؤمن من ربه» (1).
ثم قال: باب قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (2)، ثم ذكر أحاديث في تكليم الله لموسى. ثم قال: باب كلام الرب تعالى مع أهل الجنة (3)، ثم ذكر حديثين في ذلك [ب/ق 63 أ].
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4)، وذكر آيات في ذلك، وذكر حديث ابن مسعود (5): أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك».
وغرضه بهذا التبويب: الرد على القدرية والجبرية، فأضاف الجعل إليهم، فهو كسبهم وفعلهم، ولهذا قال في هذا [ظ/ق 57 ب] الباب نفسه: «وما ذكر في خلق أفعال العباد وأكسابهم؛ لقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}». فأثبت خلق أفعال العباد (6)، وأنها أفعالهم وأكسابهم،
_________
(1) رقم (7076) وفيه «أحدكم» بدل «المؤمن».
(2) (6/ 2730) باب رقم (37)، وساق فيه ثلاثة أحاديث من (7077) إلى (7079).
(3) (6/ 2731) باب رقم (38).
(4) (6/ 2734) باب رقم (40).
(5) رقم (7082).
(6) سقط من (ب) من قوله: «وأكسابهم لقوله … » إلى هنا.
(الكتاب/366)
فتضمنت ترجمته مخالفته للقدرية والجبرية.
ثم قال: باب قول الله عز وجل: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} (1).
وقصده بهذا أن يبين أن الصوت والحركة التي يؤدى بها الكلام كسب العبد وفعله وعمله.
ثم ذكر أبوابًا في إثبات خلق أفعال العباد (2)، ثم ختم الكتاب بإثبات الميزان (3).
قول مسلم بن الحجاج:
يعرف قوله في السُّنة من سياق الأحاديث التي ذكرها ولم يتأولها، ولم يذكر لها تراجم، كما فعل البخاري، ولكن سردها بلا أبواب، ولكن
_________
(1) (6/ 2735) باب رقم (41)، وذكر فيه أثر ابن مسعود في سبب نزول الآية.
(2) من باب (42) قول الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن/29] (6/ 2735)، إلى باب (57): قراءة الفاجر والمنافق، وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم (6/ 2748).
(3) فقال (6/ 2749) (58) باب: قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء/47] وأن أعمال بني آدم وقولهم يُوزن.
ثم ساق حديث أبي هريرة رقم (7124): وفيه: « … ثقيلتان في الميزان … ».
(الكتاب/367)
تعرف التراجم من ذكره للشيء مع نظيره.
فذكر في «كتاب الإيمان» كثيرًا من أحاديث الصفات: كحديث الإتيان يوم القيامة وما فيه من التجلي، وكلام الرب لعباده ورؤيتهم إياه (1)، وذكر حديث الجارية (2)، وأحاديث النزول (3)، وذكر حديث «إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع» (4)، وحديث «يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيديه» (5)، وأحاديث الرؤية (6) وحديث «حتى يضع الجبار فيها قدمه» (7)، وحديث: «المقسطون عند
_________
(1) رقم (182) من حديث أبي سعيد الخدري مطولًا، و (191) من حديث جابر رضي الله عنهما.
(2) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة رقم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.
(3) في كتاب (6) صلاة المسافرين وقصرها رقم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) في كتاب (51) صفة القيامة والجنة والنار، رقم (2786) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(5) في كتاب (51) صفة القيامة والجنة والنار، رقم (2788) (24 ـ 26) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6) كتاب الإيمان رقم (180، 181) من حديث أبي موسى وصهيب، وفي كتاب (5) المساجد ومواضع الصلاة رقم (633).
(7) في كتاب (51) الجنة وصفة نعيمها وأهلها، رقم (2846) (35، 36)، ورقم (2848) (37، 38) من حديث أبي هريرة وأنس رضي الله عنهما.
(الكتاب/368)
الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين» (1) وحديث: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء» (2)، وغيرها من أحاديث الصفات محتجًّا بها وغير مؤوِّلٍ لها، ولو لم يكن معتقدًا لمضمونها لفعل بها ما فعل المتأولون حين ذكروها (3).
قول أبي عيسى الترمذي رحمه الله تعالى:
قال في جامعه (4) لما ذكر حديث أبي هريرة «لو أدلى أحدكم
_________
(1) في كتاب (33) الإمارة، رقم (1827) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(2) في كتاب (12) الزكاة، رقم (1064)، (144) من حديث أبي سعيد الخدري.
(3) في (ظ، ع، مط): «ذكرها»، والمثبت أولى.
(4) كتاب تفسير القرآن، (57) باب: ومن سورة الحديد (ص/725) رقم (3298).
والحديث أخرجه أحمد (14/ 422، 423) (8828)، وابن أبي عاصم في السنة رقم (590) وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 561 ـ 564) رقم (201، 202)، والجورقاني في الأباطيل (1/ 73، 74) رقم (67)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 287، 288) رقم (849).
من طريق شيبان بن عبد الرحمن والحكم بن عبد الملك (ضعيف)، وأبي جعفر الرازي كلهم عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي هريرة فذكره مطولًا.
ـ ورواه سعيد بن أبي عروبة ومعمر عن قتادة مرسلًا (أرسله معمر مطولًا، ووقفه سعيد على قتادة مختصرًا).
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 239)، والطبري في تفسيره (28/ 154).
وهذا أشبه بالصواب. قال ابن كثير: ولعل هذا هو المحفوظ. … =
= … وقد ضعَّف المرفوع جماعة من أهل العلم:
ـ فقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ثم ذكر عن أيوب ويونس وعلي بن زيد أنهم قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة.
ـ وقال الجورقاني: هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة.
ـ وقال الذهبي: … لكن الحسن مدلس، والمتن منكر، لا أعرف وجهه. العلو (1/ 589) رقم (144).
وأعلَّه بالانقطاع: ابن تيمية وابن الجوزي والبيهقي والمؤلف. انظر: الفتاوى (6/ 57).
(الكتاب/369)
بحبل (1) لهبط على الله». قال: معناه لهبط على علم الله، قال: وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه.
وقال في حديث أبي هريرة: «إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه» (2): قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يُشبهه [ب/ق 63 أ] من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى إلى سماء (3) الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ويُؤمَنُ بها ولا يُتوهم، ولا يقال (4)
_________
(1) كذا في جميع النسخ، وفي مطبوعة الترمذي: « … لو أنكم دلَّيتم بحبل … »، فلعل للمؤلف نسخة تختلف عما في المطبوعة، أو أملاه من حفظه بمعناه.
(2) في كتاب الزكاة (28)، باب: ما جاء في فضل الصدقة (ص/161، 162) رقم (662).
(3) كذا في جميع النسخ، وفي مطبوعة الترمذي «كل ليلة إلى السماء».
(4) في (أ، ت): «نقول».
(الكتاب/370)
كيف، هكذا رُويَ عن (1) مالك، وابن عيينة، وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمِرُّوها بلا كيف.
قال: وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة،
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله تعالى في غير موضع من كتابه: اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات وفسروها على غير ما فسَّر أهل العلم، وقالوا: إن الله [ظ/ق 58 أ] لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد هاهنا: القوة.
وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيدي، أو مثل يدي، أو سمع كسمعي (2)، فهذا التشبيه (3). وأما إذا قال كما قال الله، يد وسمع وبصر ولا يقول كيف، ولا يقول (4): مثل سمعٍ ولا كسمعٍ = فهذا لا يكون تشبيهًا عنده (5). قال الله (6) تعالى في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى/11]، هذا كلُّه كلامه، وقد ذكره عنه: شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه
_________
(1) سقط من (ب).
(2) زاد في الترمذي: «أو مثل سمعي».
(3) كذا في جميع النسخ، وفي الترمذي «تشبيه».
(4) سقط من (ب).
(5) ليست في (ب).
(6) كذا في النُّسخ، وفي الترمذي: «وهو كما قال الله».
(الكتاب/371)
الفاروق (1) بإسناده.
وكذلك من تأمل تبويب ابن ماجه في «السنة والرد على الجهمية» في أول كتابه (2)، وتبويب أبي داود (3) فيما ذكر في الجهمية والقدرية وسائر أئمة أهل الحديث= علم مضمون قولهم (4)، وأنهم كلهم على طريقة واحدة وقول واحد؛ ولكن بعضهم بَوَّب وترجم، ولم يزد على الحديث غير التراجم والأبواب. وبعضهم: زاد التقرير وإبطال قول المخالف. وبعضهم سَرَدَ الأحاديث ولم يترجم لها.
وليس فيهم من أبطل حقائقها وحرَّفها عن مواضعها، وسمَّى تحريفها تأويلًا كما فعلته الجهمية؛ بل الذي بين أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما (5) بين عسكر الكفر وعسكر الإسلام. وابن ماجه قال في أول «سننه»: باب ما أنكرت الجهمية (6)، ثم روى
_________
(1) كما في مجموع الفتاوى (5/ 50): حيث قال: «هو على العرش كما وصف في كتابه، وعلمه وقدرته وسلطانه في كل مكان».
(2) السنن، حيث قال في المقدمة، (13) باب: فيما أنكرت الجهمية (ص/35).
(3) في السنن، في (39) كتاب السنة، (16) باب: في القدر (ص/511)، و (18) باب في الجهمية (ص/514)، وباب في الرد على الجهمية (ص/51، 516).
(4) في (ظ): «أقوالهم».
(5) في (ظ): «ما».
(6) باب (13) (ص/35).
(الكتاب/372)
أحاديث الرؤية (1). وحديث: «أين كان ربنا» (2)، وحديث جابر: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور من فوقهم، فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرق عليهم من فوقهم» (3)، وحديث الأوعال الذي فيه: «والعرش فوق ذلك والله فوق العرش» (4)، وحديث: «إن الله ليضحك إلى ثلاثة» (5). وغيرها من الأحاديث.
قول الحافظ أبي بكر [ب/ق 63 ب] الآجُرِّي إمام عصره في الحديث والفقه:
قال في كتابه «الشريعة» باب التحذير من مذهب (6) الحلولية:
الذي يذهب إليه أهل العلم: أن الله على عرشه فوق سماواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط بجميع ما خلق في السماوات العُلى، وبجميع ما خلق في سبع أرضين، تُرفع إليه أعمال العباد.
فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا
_________
(1) من (ص/35)، رقم (177) إلى رقم (180)، و (186، 187).
(2) (ص/35)، رقم (182).
(3) (ص/36)، رقم (193).
(4) (ص/37)، رقم (200).
(5) انظر رقم (188 ـ 192، 194 ـ 202).
(6) في الشريعة: «مذاهب».
(الكتاب/373)
هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة/7]؟ قيل له: علمه معهم، والله عز وجل على عرشه وعلمه محيط بهم. كذا فسَّره أهل العلم، والآية تدل أولها وآخرها على أنه العلم، وهو على عرشه، هذا (1) قول المسلمين (2).
قول الحافظ أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن حيَّان الأصبهاني:
قال في كتاب «العظمة»: ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه، وعِظَم (3) خلقهما، وعلو الرب جل جلاله فوق عرشه (4).
ثم ساق كثيرًا من أحاديث [ظ/ق 58 ب] هذا الباب بإسناده (5).
قول الحافظ زكريا بن يحيى الساجي إمام أهل البصرة:
قال أبو عبد الله بن بطة: حدثنا أبو الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى الساجي قال: قال أبي: القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم: أن الله تعالى على عرشه في سمائه (6)، يقرب
_________
(1) في (ب، ظ): «فهذا».
(2) انظر: الشريعة للآجري (49) باب التحذير من مذاهب الحلولية (3/ 1072 ـ 1076) بتصرُّف يسير.
(3) في (ب، مط): «وعَظَمة»، والمثبت أولى.
(4) (2/ 543) الباب التاسع.
(5) (2/ 543 ـ 653) من رقم (190) إلى رقم (262).
(6) في (ب، ظ): «سماواته»، والمثبت أولى.
(الكتاب/374)
من خلقه كيف شاء. ثم ذكر بقية الاعتقاد (1).
ذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في «طبقات الفقهاء» (2)، وقال: أخذ عن الربيع والمزني، وله كتاب: «اختلاف الفقهاء»، وكتاب «علل الحديث»، وهو شيخ أبي الحسن الأشعري في الفقه والحديث.
ذكر ما حكاه أبو نصر السِّجزي (3) عن أهل الحديث.
قال: وأئمتنا كالثوري، ومالك، وابن عيينة، وحماد بن زيد، والفضيل، وأحمد، وإسحاق= مُتَّفقون على أن الله فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان (4).
_________
(1) نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض التأسيس (1/ 205)، (5/ 61)، والذهبي في العلو (2/ 1203) رقم (482).
(2) (ص/198).
(3) هو عبيد الله بن سعيد بن حاتم الحافظ المجوِّد، نزيل الحرم ومصر، من أكابر أهل الإثبات، صاحب كتاب الإبانة الكبرى في مسألة القرآن. وكتاب الرد على من أنكر الحرف والصوت. توفي سنة: 444 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 654 ـ 657).
(4) نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في «نقض التأسيس» (1/ 167 – 168) و «مجموع الفتاوى» (5/ 190)، والذهبي في «العرش» (2/ 436) و «العلو» (2/ 1321) من كتاب «الإبانة» للسجزي. وهو بنحوه في كتاب «الرد على من أنكر الحرف والصوت» له (ص 125 – 126).
(الكتاب/375)
قول الإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني إمام أهل الحديث والفقه والتصوف في وقته:
قال في رسالته المشهورة في السنة (1): وأن الله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه.
ثم ساق بإسناده (2) عن ابن المبارك أنه قال: نعرف ربنا تبارك وتعالى بأنه فوق سبع سماواته على عرشه بائن من خلقه ولا نقول كما قالت الجهمية إنه هاهنا في الأرض.
ثم قال: حدثنا أبو عبد الله الحافظ عن محمد بن صالح عن ابن خزيمة قال: من لم يقر بأن الله على عرشه استوى (3) فوق سبع سماواته [ت/ق 64 أ] فهو كافر بربه حلال الدم، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذَّى به المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئًا ولا يرثه أحد من المسلمين؛ إذ المسلم لا يرث الكافر ولا الكافر يرث المسلم (4).
قول أبي جعفر الطحاوي إمام الحنفية في وقته في الحديث والفقه
_________
(1) اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة (ص/3، 37)، رقم (19، 22).
(2) (ص/40)، رقم (28).
(3) في (ظ): «قد استوى».
(4) (ص/40، 41)، رقم (29).
(الكتاب/376)
ومعرفة أقوال السلف:
قال في (1) العقيدة التي له وهي معروفة عند الحنفية: ذكر
بيان (2) السنة والجماعة، على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني …
نقول في توحيد الله معتقدين … أن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله … ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه.
وأن القرآن كلام الله ــ منه بدأ بلا كيفية ــ قولًا، ونزل (3) على نبيه وحيًا وصدَّقه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق … فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر ..
والرؤية حق لأهل الجنة بغير [ظ/ق 59 أ] إحاطة ولا كيفية … وكل ما جاء (4) في ذلك من الحديث (5) الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما (6) أراد، لا ندخل في ذلك
_________
(1) في (ب): «في بعض».
(2) في الطحاوية «بيان عقيدة أهل السنة».
(3) في الطحاوية «وأنزل».
(4) سقط من (أ، ت، ع).
(5) سقط من (أ، ت، ع).
(6) في (ب، ظ، ع): «كما» بدل «على ما».
(الكتاب/377)
متأولين بآرائنا … ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر (1) التسليم والاستسلام، فمن رام [علم] (2) ما حظر عنه علمه ولا يقنع بالتسليم فهْمُه؛ حجبه مرامه (3) عن خالص التوحيد … وصحيح الإيمان … ، ومن لم يتوق النفي والتشبيه زلّ ولم يصب التنزيه …
إلى أن قال: والعرش والكرسي حق، كما بيَّن في كتابه، وهو جل جلاله مستغنٍ عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه. وذكر سائر الاعتقاد (4).
قول حماد بن هناد البُوشَنجِي (5)، الحافظ أحد أئمة الحديث في وقته:
ذكر شيخ الإسلام الأنصاري، فقال: قرأت على أحمد بن محمد بن منصور: أخبركم جَدُّكم منصور بن الحسين حدثني أحمد بن الأشرف قال: حدثنا حماد بن هناد البوشنجي قال: هذا ما رأينا عليه أهل الأمصار، وما دلت عليه مذاهبهم فيه، وإيضاح منهاج العلماء وطرق الفقهاء، وصفة السنة وأهلها: أن الله فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وقدرته وسلطانه بكل مكان؟ فقال: نعم (6).
_________
(1) جاء في حاشية (ب): «لعله: ظاهر».
(2) من الطحاوية، وهي ساقطة من جميع النسخ.
(3) في (ب): «من الله» وهو خطأ.
(4) انظر: العقيدة الطحاوية (ص/2 ـ 6).
(5) جاء هذا النص في (أ، ت، ع، مط) قبل «قول أبي عيسى الترمذي» (ص/366).
(6) ذكره الذهبي في العلو (2/ 1213) رقم (485).
(الكتاب/378)
قول أئمة أهل (1) التفسير [ب/ق 64 ب]وهذا باب لا يمكن استيعابه لكثرة ما يوجد من كلام أهل السنة في التفسير، وهو بحر لا ساحل له، وإنما نذكر طرفًا منه يسيرًا، يكون (2) منبهًا على ما وراءه، ومن أراد الوقوف عليه فهذه تفاسير السلف وأهل السنة موجودة، فمن طلبها وجدها.
قول إمامهم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
ذكر البيهقي (3) عنه في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: استقر.
وقد تقدم (4) قوله في تفسير قوله تعالى عن إبليس: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ
_________
(1) من (ظ) فقط.
(2) سقط من (ب).
(3) في الأسماء والصفات (2/ 311) رقم (873).
من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس فذكره وزاد: على العرش.
قال البيهقي: وأبو صالح هذا، والكلبي ومحمد بن مروان كلهم متروك عند أهل العلم بالحديث، لا يحتجُّون بشيء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها، وظهور الكذب منهم في رواياتهم.
(4) في (ص/74).
(الكتاب/379)
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف/17] قال: لم يستطع أن يقول: من فوقهم، علم أن الله من فوقهم.
وتقدم (1) حكاية قوله: أن الله كان على عرشه … وكتب ما هو كائن … وإنما (2) يجري الناس على أمر قد فرغ منه.
رواه (3) سفيان الثوري عن أبي هاشم عن مجاهد عنه.
وذكر البخاري عنه في «صحيحه» (4)
أن سائلًا سأله فقال: إني أجد
_________
(1) في (ص/174 – 175).
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ت)، ووقع في (أ): «روى».
(4) (4/ 1815، 1816) رقم (4537) تعليقًا، ثم وصله بعد أن ذكره.
قال البخاري: حدثنيه يوسف بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكره مطولًا. ولم يذكر لفظة «ثم نزل إلى الأرض».
ـ ورواه: يعقوب بن سفيان الفسوي وأحمد بن رشدين بن المصري ومحمد بن إبراهيم البوشنجي كلهم عن يوسف بن عدي عن عبيد الله به وزادوا «ثم نزل إلى الأرض».
أخرجه الفسوي في المعرفة (1/ 527 ـ 530)، والطبراني في الكبير (10/ 300 ـ 302) (10594)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 245 ـ 247) (809)، والذهبي في العلو (1/ 470، 471) رقم (87) وغيرهم.
ـ ورواه زكريا بن عدي والعلاء بن هلال الرقي كلاهما عن عبيد الله بن عمرو به، فذكرا الزيادة. … =
= … أخرجه ابن مندة في التوحيد رقم (19)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (559).
وقد خولف زيد بن أبي أُنيسة:
فرواه مطرِّف بن طَريف عن المنهال بن عمرو عن سعيد عن ابن عباس. ولم يذكر الزيادة.
أخرجه ابن مندة في التوحيد (20)، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في تفسيرهما كما في الدر، والحاكم (2/ 428) (3489)، وهذا أشبه بالصواب، ولعل المنهال كان يضطرب في هذه اللفظة، أو أن زيد بن أبي أُنيسة لم يضبطه، والله أعلم.
(الكتاب/380)
أشياء تختلف عليَّ، أسمع الله يقول … {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات/27 ـ 30] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال في آية أخرى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى أن قال: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت/9 – 11] فذكر هنا خلق الأرض [ظ/ق 59 ب] قبل السماء … ؟ فقال ابن عباس: أما قوله: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات/27]، فإنه خلق الأرض قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ثم نزل إلى الأرض فدحاها.
وهذه الزيادة وهي قوله: «ثم نزل إلى الأرض» ليست عند البخاري وهي صحيحة.
(الكتاب/381)
قال محمد بن عثمان في رسالته في «العلو» (1): وصحَّ (2) عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قالت امرأة العزيز ليوسف: إني كثيرة الدُّرِّ والياقوت، فأعطيك ذلك حتى تنفق في مرضاة سيدك الذي في السماء.
وعن ذكوان حاجب (3) عائشة أن ابن عباس دخل على عائشة وهي تموت فقال لها: «كنت أحب نساء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب إلا طيبًا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها جبرائيل فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيه الله إلا وهي تتلى آناء الليل وآناء النهار» (4).
وأصل القصة في «صحيح البخاري» (5).
_________
(1) العرش (2/ 174 – 175). وقال في العلو (1/ 840) رقم (274): «حديث جويبر بن سعيد ــ وهو واهٍ ــ عن الضحاك».
وقال في آخره: «إسناده قوي عن جويبر».
والأثر أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/143)، رقم (46).
لكن في إسناده: إسحاق بن بشر، وهو كذاب.
(2) سقط من (مط).
(3) في (ب، ظ): «خادم»، وفي (أ، ع): «صاحب».
(4) تقدم (ص/173 – 174).
(5) رقم (4776).
(الكتاب/382)
وقال ابن جرير في «تفسيره»: حدثني محمد بن سعد [ب/ق 65 أ] حدثني أبي (1) حدثني عمي حدثني أبي [عن أبيه] (2) عن ابن عباس في قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} [الشورى/5]، قال: يعني من ثقل الرحمن وعظمته جل جلاله (3).
وهذا التفسير تلقَّاه عن ابن عباس: الضحاك والسدّي وقتادة.
فقال سعيد عن قتادة: {يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قال: من عظمة الله وجلاله (4).
وقال السدي (5): تشقق بالله (6).
وذكر شيخ الإسلام من رواية الضحاك بن مزاحم عنه قال: إن الله
_________
(1) سقط من (مط): «حدثني أبي».
(2) من الطبري ما بين المعكوفتين، وقد سقط من جميع النسخ.
(3) أخرجه الطبري في تفسيره (52/ 7).
وسنده ضعيف جدًّا.
(4) أخرجه الطبري في تفسيره (25/ 7)، وسنده صحيح.
وأخرجه أيضًا (25/ 7)، وأبو الشيخ في العظمة (194) وغيرهما من طريق: معمر عن قتادة.
(5) في (ب): «الضحاك» وهو خطأ.
(6) أخرجه في تفسيره (25/ 7) وفيه «تشقق».
(الكتاب/383)
خلق العرش أول ما خلق فاستوى عليه (1).
قلت: وهذا في «تفسير الضحاك» (2) وفي «تفسير السدّي» عن أبي مالك وأبي صالح (3) عن ابن عباس: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] قال: قعد (4).
قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
روى أبو الشيخ في كتاب «العظمة» عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله ما الحاقة (5)؟ قال: «يوم ينزل الرب تبارك وتعالى على عرشه (6).
_________
(1) أخرجه الطبري في تاريخه (1/ 32) وسنده ضعيف.
(2) سقط من (ت).
(3) في (أ، ت، ع): «عن أبي صالح وأبي مالك».
(4) لم أقف عليه. والسند ضعيف.
(5) كذا في جميع النسخ، والذي في العظمة مكانه «ما المقام المحمود؟».
(6) أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 594، 595) رقم (225).
من طريق: إبراهيم بن سعد الجوهري عن عبد الرحمن بن المبارك العيشي عن الصعق بن حزن عن علي بن الحكم عن عثمان بن عمير عن أبي وائل عن ابن مسعود فذكره.
ـ وأخرجه الحاكم (2/ 396) (3385) من طريق: يحيى بن محمد بن يحيى عن عبد الرحمن بن المبارك به مطوَّلاً، وفيه «كرسيِّه» بدل «عرشه».
ـ وأخرجه الدارمي في سننه (3/ 1845) (2842)، والطبراني (10/ 99) (10018).=
= … عن محمد بن الفضل عن الصعق بن حزن به، وفيه «كرسيِّه» بدل «عرشه».
ـ ورواه عارم (محمد بن الفضل) عن الصعق عن علي عن عثمان عن أبي وائل مرسلاً، أخرجه البخاري في تاريخه (4/ 73) تعليقًا.
وفيه اختلاف طويل، وهذا الطريق مداره على عثمان بن عمير أبي اليقظان وهو ضعيف اختلط، وكان يدلس.
ولهذا لمَّا صحح الحديث الحاكم تعقَّبه الذهبي بقوله: «لا والله فعثمان ضعفه الدارقطني، والباقون ثقات» اهـ.
انظر: علل الدارقطني (5/ 160 ـ 163).
فالحديث منكر، ولفظة «عرشه» مصحَّفة عن «كرسيه» والله أعلم.
(الكتاب/384)
وقال البخاري في كتاب (1) «خلق أفعال العباد» (2) قال ابن مسعود في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت/11] وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان/59]، قال: العرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه (3).
وقال ابن مسعود: من قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر= تلقاهن ملك فعرج (4) بهن إلى الله، فلا يمر بملأ من
_________
(1) ليس في (ب).
(2) (ص/34)، رقم (103).
(3) تقدم تخريجه (ص/169 – 170).
(4) في (ب، ظ، ع): «يعرج».
(الكتاب/385)
الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء (1) بهن وجه الرحمن (2) [ظ/ق 60 أ].
أخرجه العسّال في كتاب «المعرفة» بإسنادٍ كلهم ثقات.
وقال الدارمي (3): حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ــ هو ابن
_________
(1) كذا في جميع النسخ، وصوَّبه المنذري لأجل رواية الطبراني «يجيء»، وتعقَّبه الحافظ الناجي في عجالة الإملاء (ص/314)، فقال: هذا الذي توهَّمه على الطبراني غير مسلَّم ولا صواب ولا ظاهر .. ولا أعلم أحدًا من المصنفين ذكره إلا بلفظ «يُحيَّى» من التحيَّة، لا «يجيء» من المجيء … ثم ذكر أنها عنده «يحيَّى» في كتاب الاستقامة لخشيش بن أصرم النسائي في ثلاثة مواطن … ».
(2) أخرجه الطبراني (9/ 233) رقم (9144)، والطبري في تفسيره (22/ 120)، ومسدد في مسنده كما في المطالب العالية (14/ 119 ـ 3406)، والدارمي في النقض على بشر المريسي، رقم (230)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (667) وغيرهم.
من طريق: جعفر بن عون وأبي نعيم وعبد الله بن رجاء وغيرهم عن المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه عن ابن مسعود.
وعبد الله بن المخارق قال ابن معين فيه: مشهور. وأبوه المخارق: مختلف في صحبته.
ـ ورواه عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن رجل عن ابن مسعود بنحوه.
أخرجه المروزي في زوائده على الزهد لابن المبارك رقم (1117).
ولعل الرجل المبهم هو المخارق أو غيره.
(3) في النقض على بشر المريسي (ص/266)، رقم (114).
(الكتاب/386)
سلمة ــ عن الزبير أبي عبد السلام عن أيوب بن عبد الله الفهري أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه، وإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة، فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم (1) فينظر فيها ثلاث ساعات، فيطلع فيها على ما يكره فيغضبه ذلك، فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش، يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين يحملون العرش وسرادقات العرش والملائكة المقربون وسائر الملائكة» (2).
وهو في معجم الطبراني (3) أطول من هذا.
وصحَّ عن السدّي عن مُرَّة عن ابن مسعود، وعن أبي مالك، وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرَّة عن ناسٍ من أصحاب رسول الله [ب/ق 65 ب] صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت/11] «إن الله عز وجل كان على عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا قبل الماء … الحديث. وفيه: «فلما فرغ من خلق ما أحب استوى
على العرش» (4).
_________
(1) كذا في جميع النسخ، ومصادر التخريج.
(2) تقدم تخريجه (ص/20).
(3) (9/ 200)، رقم (8886).
(4) أخرجه الطبري في تفسيره (1/ 194) مطوَّلًا، وفي تاريخه (1/ 32، 39، 40)، =
= … وابن خزيمة في التوحيد (595)، والبيهقي في الأسماء والصفات، رقم (807)، وفيه: «ولم يخلق شيئًا [غير ما خلق] قبل الماء».
وهذا سند ضعيف. ذكر ابن حجر من الروايات الضعيفة عن ابن عباس هذه الصيغة، فقال عن السُّدِّي: وهو كوفي صدوق، لكنه جمع التفسير من طرق منها: عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرَّة بن شراحيل عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم، وخلَّط روايات الجميع فلم تتميَّز روايات الثقة من الضعيف، ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك … انظر: العجاب (ص/13).
ولهذا قال الطبري عن هذه الصيغة: «ولست أعلمه صحيحًا؛ إذ كنت بإسناده مرتابًا». التفسير (1/ 354)، ط. شاكر.
(الكتاب/387)
ولا يناقض هذا حديث: «أول ما خلق الله القلم» لوجهين:
أحدهما: أن الأولية راجعة إلى كتابته لا إلى خلقه، فإن الحديث: «أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» (1).
_________
(1) جاء هذا المتن عن: أبي هريرة وعبادة بن الصامت وابن عمر، وفي ثبوتها نظر.
وأصح شيء فيه أثر ابن عباس باللفظ الذي ذكره المؤلف.
أخرجه الفريابي في القدر (76) والطبري في تفسيره (29/ 14) وفي تاريخه (1/ 28، 29، 39)، والآجري في الشريعة رقم (183، 350)، والبيهقي في الأسماء والصفات (804) وغيرهم.
من طرق عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس فذكره.
وهو ثابت صحيح عن ابن عباس، وله طرق، ورُوي مرفوعًا وهو خطأ ووهم.
(الكتاب/388)
والثاني: أن المراد أول ما خلق (1) الله من هذا العالم بعد خلق العرش، فإن العرش مخلوق قبله في أصح قولي السلف، حكاهما الحافظ عبد القادر الرهاوي.
ويدل على سبق خلق العرش قوله في الحديث الثابت: «قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان (2) عرشه على الماء» (3).
وقد أخبر أنه حين خلق القلم قدَّر به المقادير كما في اللفظ الآخر
_________
(1) في (أ، ت): «خلقه» والمثبت أولى.
(2) من (ب).
(3) أخرجه الفريابي في القدر (86)، والترمذي (2156)، ومسلم (2653)، ولم يسق لفظه، وعبد بن حميد في مسنده (343) المنتخب، وأحمد (11/ 144) (6579) وغيرهم.
من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن حيوة ـ وابن لهيعة: عند أحمد وعبد بن حميد ـ عن أبي هانئ عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو فذكره ولم يذكر العرش.
ـ وقال ابن وهب عن أبي هانئ به: «كتب»، وذكر «وكان عرشه على الماء» عند مسلم (2653).
ـ وقال الليث بن سعد ونافع بن يزيد عن أبي هانئ: «فرغ»، ولم يذكر العرش، عند البيهقي في الأسماء والصفات (799). ومسلم (2653) ولم يذكر لفظه.
(الكتاب/389)
«قال: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر (1). فهذا هو التقدير الموقَّت قبل خلق العالم بخمسين ألف سنة، فثبت أن العرش سابق على القلم، والعرش كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض، فأقوال الصحابة لا تناقض ما أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
وذكر سُنيد بن داود بإسناد صحيح عنه رضي الله عنه أنه قال: ما (2) بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام (3)، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي إلى العرش خمسمائة عام (4)، والعرش على الماء [ظ/ق 60 ب] والله تعالى على العرش ويعلم أعمالكم (5).
_________
(1) أخرجه الفريابي في القدر (76)، والطبري في تاريخه (1/ 28، 39)، والآجري في الشريعة (350)، والبيهقي في القدر (9)، والحاكم (2/ 541) (3840).
من طريق: سفيان الثوري وعلي بن مسهر ومحمد بن فضيل وابن نمير وجرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس.
ورواه: شعبة ووكيع وشريك عن الأعمش به ولم يذكروا «اكتب القدر» كما تقدم قريبًا.
(2) ليس في (ب، ظ).
(3) سقط من (ت): «وما بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام».
(4) قوله: «وما بين الكرسي إلى العرش خمسمائة عام» من (ب) فقط.
(5) تقدم تخريجه (ص/169 – 170).
(الكتاب/390)
وقال الإمام أحمد (1): حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: «ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء».
وروى (2) أبو القاسم اللالكائي بإسناد صحيح عن خيثمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات فيقول للملائكة: اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار (3).
وقد سبق نحوه (4) عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا.
وقال حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال: «إن الله ملأ العرش حتى إن له أطيطًا كأطيط الرحل».
_________
(1) في الزهد (ص/233)، رقم (873).
وأخرجه: وكيع في الزهد (499)، وابن أبي شيبة في المصنف (25873)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (657).
ـ وقد اختلف في رفعه ووقفه. قال الذهبي: والوقف أصح، مع أن رواية أبي عبيدة عن والده فيها إرسال. انظر: العلو (1/ 282)، وعلل الدارقطني (5/ 298 ـ 300).
(2) من هنا إلى قوله «مرفوعًا وموقوفًا» من (ب، ظ)، وجاء في (أ، ت، ع، مط) قبل قول سنيد بن داود (ص/39).
(3) تقدم تخريجه (ص/170).
(4) (ص/155)، مرفوعاً، ولم يأتِ ذكر الموقوف.
(الكتاب/391)
رواه حرب (1) عن إسحاق عن آدم بن أبي أياس عن حماد.
قول مجاهد وأبي العالية:
روى البيهقي (2)
[ب/ق 66 ب] من طريق شبل (3) عن ابن أبي نجيح
_________
(1) لم أجده في مسائله المطبوعة في باب العرش، ولا في باب في الاستواء (ص/413، 414).
وقد خولف روح بن عبادة في وقفه:
ـ فرواه عبيد بن آدم العسقلاني عن أبيه: آدم عن حماد بن سلمة عن عطاء عن الشعبي من قوله، ولم يذكر ابن مسعود. بلفظ: «إن الله تبارك وتعالى على العرش، حتى إن له أطيطًا … ».
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 593) رقم (224).
وهكذا رواه: حسن بن موسى الأشيب عن حماد به عن الشعبي قال: «إن الله تعالى قد ملأ العرش حتى إن له أطيطًا كأطيط الرحل الجديد».
أخرجه ابن بطة في الإبانة (3/ 176) الرد على الجهمية (133) من طريق: المروذي عن الإمام أحمد به. وهذا أصح. والله أعلم.
(2) في الأسماء والصفات (2/ 294) رقم (855)، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 690) رقم (280) قال الذهبي: هذا ثابت عن مجاهد إمام التفسير. العلو (2/ 907).
قلت: لكن رواه أبو بشر جعفر بن إياس والعوَّام بن حوشب عن مجاهد قال: بين العرش وبين الملائكة سبعون ألف (وقال أبو بشر: سبعون) حجابًا، حجاب من … » مختصرًا.
(3) في (ب): «سهل» وهو خطأ.
(الكتاب/392)
عن مجاهد في قوله عز وجل: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم/52] قال: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب … فما زال يقرب موسى حتى كان (1) بينه وبينه حجاب [واحد] (2)، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم قال: رب أرني أنظر إليك.
وقال البخاري في «صحيحه» (3) قال أبو العالية: «استوى إلى السماء: ارتفع» (4).
وقال مجاهد: «استوى: علا على العرش» (5).
وقال مجاهد في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ … } [مريم/59] قال: «هم في هذه الأمة، يتراكبون كما تتراكب الحمر والأنعام في الطرق، ولا يستحيون الناس في الأرض، ولا يخافون الله في السماء».
رواه الهيثم بن خلف الدوري في كتاب «تحريم اللواط» (6).
_________
(1) في (مط): «صار».
(2) من البيهقي.
(3) كتاب التوحيد (22) باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود/7]، {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة/29] (6/ 2698).
(4) أخرجه ابن حجر في التغليق (5/ 344) وسنده حسن.
(5) أخرجه الفريابي في تفسيره ـ كما في التغليق (5/ 345) وسنده حسن.
(6) (ص/37)، رقم (105)، وعبد بن حميد في تفسيره، الدرر (4/ 499). … =
= … ـ وروى آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ـ في هذه الآية، قال: هم عند قيام الساعة، وذهاب صالحي أُمة محمد – صلى الله عليه وسلم -، ينزو بعضهم على بعضٍ في الأزقّة زُناة». انظر: تفسير مجاهد رقم (920).
(الكتاب/393)
قول قتادة:
قد تقدم (1) ما رواه عثمان الدارمي عنه في كتاب «النقض» قال: «قالت بنو إسرائيل: يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض؛ فكيف لنا أن نعرف رضاك من غضبك (2)؟ قال: إذا رضيت عليكم استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت عليكم استعملت عليكم شراركم.
وفي «تفسير ابن أبي حاتم» (3) عن قتادة قال: «ثم استوى على العرش في يوم الجمعة».
قول عكرمة:
صحَّ عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: بينما رجل في الجنة فقال في نفسه: لو أن الله يأذن لي لزرعت، فلا يعلم إلا والملائكة على أبوابه فيقولون: سلام عليك، يقول لك ربك: تمنَّيْت شيئًا فقد
_________
(1) (ص/182).
(2) في (ت، أ، ظ، ع): «وغضبك» بدل «من غضبك».
(3) (5/ 1497) رقم) 8576): بلفظ «اليوم السابع». أي: يوم الجمعة.
وسنده صحيح.
(الكتاب/394)
علمته، وقد بعث معنا البذر، فيقول لك: ابذر (1). فيخرج أمثال الجبال، فيقول له الرب من فوق عرشه: كل يا ابن آدم؛ فإن ابن آدم لا يشبع» (2). وله شاهد مرفوع في «صحيح [ظ/ق 61 أ] البخاري» (3).
قول سعيد بن جبير:
روي عنه من طرق قال: قحط الناس في زمن ملك من ملوك بني إسرائيل … فقال الملك: ليرسلن الله علينا السماء أو لنؤذينه، فقال جلساؤه: فكيف تقدر وهو في السماء؟ فقال: أقتل أولياءه، فأرسل الله عليهم السماء (4).
قول الضحاك (5):
قد تقدم عنه (6) في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ
_________
(1) في (ب، ظ، ت): «فيقول: ابذروا».
(2) تقدم تخريجه (ص/181 – 182).
(3) في كتاب التوحيد (38) باب: كلام الرب مع أهل الجنة (6/ 2733) رقم (7081) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 282)، ومن طريقه: ابن قدامة المقدسي في إثبات صفة العلو (ص/144)، رقم (47).
وفيه محمد بن حميد الرازي: ضعيف جدًّا، وقد اتهم بالكذب.
(5) تأخَّر هذا الأثر في (ت) إلى ما بعد قول: محمد بن كعب القرظي.
(6) سقط من (ب).
(الكتاب/395)
رَابِعُهُمْ} قال: هو على عرشه، وعلمه معهم.
ذكره ابن بطة وابن عبد البر (1)، والعسال في كتاب «المعرفة»، ولفظه: «قال: هو فوق عرشه، وعلمه معهم أينما كانوا».
ورواه أحمد (2): عن نوح بن ميمون عن بُكير بن معروف [ب/ق 66 ب] عن مقاتل عنه ولفظه: «هو على العرش، وعلمه معهم أينما كانوا».
ونقل ابن عبد البر إجماع الصحابة والتابعين على ذلك (3).
قول محمد بن كعب القُرَظي:
قال عثمان بن سعيد الدارمي (4): حدثنا عبد الله بن صالح حدثني حرملة بن (5) عمران عن سليمان (6) بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر (7) بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من
_________
(1) الإبانة لابن بطة (3/ 152 – 153) (109)، والتمهيد لابن عبد البر (7/ 139). وقد تقدم (ص 186).
(2) كما في السنة لابنه عبد الله (1/ 304) رقم (592).
(3) انظر: التمهيد (7/ 138، 139).
(4) ليس في (ع)، ووقع في (ب، ظ): «عثمان الدارمي».
(5) في (أ، ت، ع): «عن» وهو خطأ.
(6) في (أ، ت، ع): «سلمان»، وهو خطأ.
(7) سقط من (أ، ت، ع).
(الكتاب/396)
أهل الجنة والنار أقبل الله في ظُلَل من الغمام والملائكة، فسلَّم على أهل الجنة في أول درجة، فيردون عليه السلام ــ قال القرظي: وهذا (1) في القرآن: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس/58] ــ فيقول: سلوني؟ يفعل ذلك بهم في دَرجِهم حتى يستوي على عرشه، ثم (2) تأتيهم التحف من الله تحملها الملائكة إليهم (3)» (4).
قول الحسن البصري:
ذكر الشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي في كتابه «إثبات صفة (5) العلو» عنه بإسناد صحيح قال: سمع يونس عليه السلام تسبيح الحصا والحيتان فجعل يسبح، وكان يقول في دعائه: سيدي، في السماء مسكنك، وفي الأرض قدرتك وعجائبك … إلهي، في الظلمات الثلاث حبستني … فلما كان تمام الأربعين (6) وأصابه الغمّ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
_________
(1) في (أ، ت، ع): «هذا».
(2) سقط من (أ، ت، ع).
(3) سقط من (ع).
(4) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/78، 79)، رقم (146)، والطبري في تفسيره (23/ 21، 22)، وأبو نصر السجزي في الإبانة كما في الدر المنثور (5/ 501).
وسنده لا بأس به.
(5) سقط من (ب، ظ).
(6) عند ابن قدامة: «الأربعين يومًا».
(الكتاب/397)
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (1) [الأنبياء/87].
وقال الحسن: ليس عند ربك شيء أقرب إليه من إسرافيل (2).
وذكر ابن منده: أخبرنا أحمد بن محمد بن عمر (3) الوراق حدثنا إسماعيل بن أبي كثير حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا هشام عن الحسن (4) قال: قال الله عز وجل: «لما خلقت خلقي واستويت على عرشي كتبت: إن رحمتي سبقت غضبي، ولولا ذلك لهلكوا» (5).
_________
(1) انظر: إثبات صفة العلو (ص/142، 143)، رقم (45).
وفيه أبو حذيفة البخاري إسحاق بن بشر، قال الذهبي: كذَّاب. العلو (1/ 554).
(2) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/161، 162)، رقم (70).
من طريق إسحاق بن بشر عن أبي بكر الهذلي عن الحسن فذكره.
قلت: إسحاق بن بشر كذَّاب، وقد خولف هنا كما سبق بيانه (ص/188).
(3) كذا في (أ، ت)، وفي (ع): «عمران».
(4) وقع في (ب، ظ): «وذكر ابن منده: بإسناده عن الحسن».
(5) أخرجه إبراهيم بن الحسين الهمداني في زوائده على تفسير مجاهد رقم (369) عن آدم بن أبي إياس عن المبارك بن فضالة عن الحسن، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن بني إسرائيل قالوا لموسى: سَلْ لنا ربك، هل يصلِّي؟ فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى، أخبرهم أني أصلِّي، وأن صلاتي: أنه سبقت رحمتي غضبي؛ لولا ذلك لهلكوا».
وهذا مرسل، وحديث هشام بن حسان القُرْدوسي عن الحسن ـ الذي ساقه المؤلف ـ أشبه بالصواب.
(الكتاب/398)
قول مسروق:
صح عنه أنه كان إذا حدث عن عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سماوات (1).
قول مقاتل:
قد تقدم (2) قوله في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [الحديد/4] قال: هو على العرش وهو معهم بعلمه (3).
ذكره ابن أبي حاتم في «تفسيره».
قول عبيد بن عمير:
ذكر عبد الله بن أحمد في كتاب «السنة» (4) من رواية حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء، فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل». [ظ/ق 61 ب]_________
(1) تقدم تخريجه (ص/180).
(2) (ص/185 – 186).
(3) سقط من (ب، ظ): «قال: هو على العرش، وهو معهم بعلمه». وسقط من (أ، ت): «بعلمه» والمثبت من (ع، مط).
(4) (1/ 272) رقم (507) قال: أُخبرتُ عن الحجاج به.
وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/68)، رقم (135) وسنده صحيح.
(الكتاب/399)
قول كعب الأحبار:
روى أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب «العظمة» (1) عنه بإسناد صحيح: أنه أتاه رجل فقال: يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار جل جلاله. فأعظم القوم ذلك، فقال كعب: دعوا الرجل، فإنه إن كان جاهلًا [ب/ق 67 أ] تعلم، وإن كان عالمًا ازداد علمًا، ثم قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، ثم جعل ما بين كل سماءين كما بين سماء الدنيا والأرض وجعل كثفها مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه، فما في (2) السماوات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرحل في (3) أول ما يرتحل من ثقل الجبار فوقهن».
وروى (4) أبو نعيم في كتابه «حلية الأولياء» (5) بإسناده عن كعب الأحبار قال: «للذكْر دويٌّ حول العرش كدوي النحل بذكر صاحبه».
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي: حدثنا أبو الربيع ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال: ما
_________
(1) (2/ 610 ـ 612) رقم (234)، وقد تقدم تخريجه (ص/183).
(2) في (أ، ب، ت، ظ): «من».
(3) ليس في (ظ).
(4) هذا الأثر والذي بعده إلى «سبعون ضعفًا» سقط من (أ، ت، ع).
(5) (6/ 4، 5)، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش (ص/72)، رقم (44). وسنده صحيح.
(الكتاب/400)
نظر الله إلى الجنة إلا قال: طِيبي (1) لأهلك، فزادت طيبًا على ما كانت، وما من يوم كان عيدًا في الدنيا إلا يخرجون في مقداره إلى رياض الجنة … تسفي عليهم الريح بالطيب (2) والمسك، فلا يسألون ربهم شيئًا إلا أعطاهم، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا عما (3) كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفًا (4).
وروى (5) الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب قال: «في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أدبِّر أمور (6) عبادي، ولا يخفى عليَّ شيء في السماء ولا في الأرض» (7).
_________
(1) في (ب): «طِبْتي».
(2) من (ظ) فقط.
(3) في (ظ): «على ما».
(4) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/103)، رقم (201)، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، رقم (37) وغيرهما.
وفي سنده يزيد بن أبي زياد في حفظه لين.
(5) في (ب، ظ): «عن».
(6) سقط من (ع)، وجاء في (أ، ب، ت): «أمْر».
(7) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/ 625، 626) رقم (244)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (المختار) (3/ 185، 186) رقم (137) الرد على الجهمية.
والأثر صححه المؤلف والذهبي.
(الكتاب/401)
رواه أبو الشيخ وابن بطة وغيرهما بإسناد صحيح عنه.
وروى (1) أبو نعيم بإسناد صحيح (2) عن كعب قال: قال الله تعالى: «أنا فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي أدبر أمر عبادي، لا يخفى عليّ شيء من أمر عبادي في سمائي ولا أرضي، وإن حجبوا عني فلا يغيب عنهم علمي، وإليّ مرجع كل خلقي فأثيبهم (3) بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعذب من شئت بعقابي» (4).
قول بشر بن عمر شيخ إسحاق عن جماعة ممن لقيهم من المفسرين:
قال إسحاق بن راهويه: أخبرنا بشر بن عمر قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون [ب/ق 67 ب]: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي: ارتفع (5).
_________
(1) هذا الأثر سقط من (أ، ت، ع).
(2) في (ظ): «في كتاب «حلية الأولياء» بإسناده». بدل «وروى أبو نعيم بإسناد صحيح».
(3) في (ظ): «فأنبئهم».
(4) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 7).
(5) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (12/ 57) (2/ 30) المطالب، ومن طريقه: اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 397) رقم (662).
(الكتاب/402)
قول نوف البكالي:
روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص (1) أنه قال: ذكر لنا أن الله قال للملائكة: ادعوا إليَّ عبادي، فقالوا: يا رب فكيف والسماوات السبع دونهم والعرش فوق ذلك، قال: إنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله، فقد استجابوا (2)»، رواه [ظ/ق 62 أ] الدارمي (3) عنه.
قول يحيى بن رافع:
قال أبو الشيخ في «كتاب العظمة» (4):
حدثنا الوليد بن أبان حدثنا أبو حاتم حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن المبارك حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عيسى: أن ملكًا لما استوى الرب على عرشه سجد فلم يرفع رأسه، ولا يرفعه حتى تقوم الساعة، فيقول: لم
_________
(1) في (أ، ت، ع): «عبد الله بن عمر» وهو خطأ.
(2) عند الدارمي «استجابوا لي».
(3) في الرد على الجهمية (ص/48، 49)، رقم (86).
وفي سنده إبهام الرجل من أهل الشام.
(4) (2/ 639) رقم (654)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (224) عن سفيان الثوري به.
ـ ورواه قبيصة عن الثوري به بمثله.
أخرجه أبو الشيخ (3/ 995) رقم (516).
فالإسناد صحيح ثابت.
(الكتاب/403)
أعبدك (1) حق عبادتك … ».
وهذا الإسناد كلهم أئمة ثقات. ورواه أبو أحمد العسال في كتاب «المعرفة».
وأبو عيسى هو يحيى بن رافع من قدماء التابعين، ذكرناه هنا وإن لم يكن مشهورًا بالتفسير.
قول عباس القُمِّي (2): وإن لم يكن من المشهورين (3) بالتفسير:
روى ابن أبي شيبة في كتاب «العرش» (4) بإسناد صحيح عنه قال: «بلغني أن داوُد كان يقول في دعائه: [سبحانك] (5) اللهم أنت ربي تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السماوات والأرض».
_________
(1) في العظمة «فإذا كان يوم القيامة رفع رأسه، فقال: سبحانك ما عبدتك».
(2) كذا في جميع النسخ «وكتاب العرش»، ولعل صوابه: «العمِّي» قال ابن معين: قد روى عوف عن شيخ بصري يُقال له: عباس العمِّي، وليس به بأس.
انظر: التاريخ لابن معين (4/ 323) رقم (4602).
(3) في (أ، ت، ع): «مشهورًا» بدل: «من المشهورين».
(4) (ص/61)، رقم (20).
(5) من كتاب «العرش».
(الكتاب/404)
قول محمد بن إسحاق الإمام في الحديث والتفسير والمغازي:
قال: بعث الله ملكًا من الملائكة إلى بختنصر قال: هل تعلم يا عدو الله كم بين السماء والأرض؟ قال: لا. قال: بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة (1)، وغلظها مثل ذلك» ـ وذكر الحديث إلى أن ذكر حملة العرش قال: «وفوقهم العرش عليه ملك الملوك تبارك وتعالى، أي عدو الله فأنت تطلع إلى ذلك، ثم بعث الله عليه البعوضة فقتلته … ».
رواه أبو الشيخ في كتاب «العظمة» (2) بإسناد جيد إلى ابن إسحاق.
قول الإمام محمد بن جرير الطبري:
قد تقدم (3) من قوله ما فيه كفاية، وقد قال في «تفسيره» (4) في قوله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان/59] أي علا وارتفع.
_________
(1) في (ت): «عام» وكُتب عليها «سنة».
(2) (3/ 1054، 1055) رقم (571).
وفيه محمد بن حميد الرازي: متهم بالكذب.
(3) (ص/294).
(4) (19/ 28).
(الكتاب/405)
قول الحسين بن مسعود البغوي محيي السنة الذي أجمعت الأُمة على تلقي [ب/ق 68 أ] تفسيره بالقبول، وقراءته على رؤوس الأشهاد من غير نكير:
قد أسلفنا (1) قوله عند ذكر أصحاب الشافعي، وإنكاره على من يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] بمعنى استولى، وأن هذا مذهب الجهمية والمعتزلة.
قول أبي عبد الله القرطبي المالكي صاحب التفسير المشهور:
قال في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]: هذه مسألة الاستواء، وللعلماء فيها كلام (2). وذكر قول المتكلمين الذين يقولون: إذا وجب تنزيه الباري عن الحيز فمن ضرورة ذلك تنزيهه عن الجهة، فليس بجهة فوق عندهم .. لما يلزم عن المكان والحيِّز (3) من الحركة والسكون، والتغيير والحدوث، قال: هذا قول المتكلمين، ثم قال: وقد كان السلف الأُول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة (4) بإثباتها لله، كما نطق كتابه،
_________
(1) (ص/301 – 302).
(2) سقط من (ب، ظ) من قوله: «قال في قوله تعالى … » إلى هنا.
(3) عند القرطبي «عن الحيز والمكان».
(4) في (أ، ب، ت، ع): «والعامَّة».
(الكتاب/406)
وأخبرت به رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وإنما [ظ/ق 62 ب] جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته، كما قال مالك: الاستواء معلوم ـ يعني في اللغة ـ والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة.
هذا لفظه في «تفسيره» (1) وهو من فقهاء المالكية وعلمائهم.
أقوال أئمة أهل (2) اللغة والعربية الذين يحتج بقولهم فيها (3):
ذكر قول أبي عُبيدة مَعْمر بن المثنى:
ذكر البغوي عنه في «معالم التنزيل» (4) في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت/11] قال أبو عبيدة: صعد.
وحكاه عنه ابن جرير (5) عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان/59].
_________
(1) الجامع لأحكام القرآن (7/ 219).
(2) من (أ، ت).
(3) في (أ، ت، ع): «فيما» وهو خطأ.
(4) (3/ 235). قلت: في كتاب «مجاز القرآن» لأبي عبيدة (2/ 15): «أي: علا».
(5) لم أقف على هذا النقل عن أبي عبيدة في تفسيره في هذا الموضع (19/ 28)، ولا في جميع المواضع الأُخرى الواردة في الاستواء.
(الكتاب/407)
قول يحيى بن زياد الفراء إمام أهل الكوفة:
قال في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]: أي صعد، قاله ابن عباس. قال: وهو كقولك: الرجل كان قاعدًا فاستوى قائمًا، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا. ذكره البيهقي عنه في «الأسماء والصفات» (1).
قلت: مُراد الفرَّاء اعتدال القائم والقاعد في صعوده عن الأرض.
قول أبي العباس ثعلب:
روى الدارقطني عن إسحاق الكاذي قال: سمعت أبا العباس ثعلبًا يقول: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} علا. واستوى الوجه: اتصل. واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها. واستوى [ب/68 ب] إلى السماء: أقْبَلَ، هذا الذي يُعْرف (2) من كلام العرب (3).
قول أبي عبد الله محمد بن الأعرابي:
قال ابن عرفة (4) في كتاب «الرد على الجهمية»: حدثنا داود بن علي
_________
(1) (2/ 310) وتعقَّبه البيهقي فقال: «وأما ما حكى عن ابن عباس؛ فإنما أخذه عن تفسير الكلبي، والكلبي ضعيف … ».
قلت: قول الفرَّاء هذا في كتابه «معاني القرآن» (1/ 25).
(2) في (أ، ت، ع): «نَعْرف».
(3) أخرجه اللالكائي (3/ 399، 400) رقم (668) عن الدارقطني وِجادة بخطِّه.
(4) هو ـ كما سيأتي ـ إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي الواسطي النحوي، … =
= … المشهور بـ «نفطويه»، كان حسن الاعتقاد، وله مصنفات كثيرة: في التاريخ وغريب القرآن، توفي سنة 323 هـ، وصلَّى عليه البربهاري رئيس الحنبلية.
انظر: تاريخ بغداد (6/ 156 ـ 160).
(الكتاب/408)
قال: كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال له: ما معنى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] فقال: هو على عرشه كما أخبر. فقال: يا أبا عبد الله، إنما معناه: استولى. فقال: اسكت، لا يقال استولى على الشيء إلا ويكون (1) له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل: استولى، كما قال النابغة:
إلَّا لِمثلِكَ أو من أنت سابقُه … سبقَ الجواد إذا استولى على الأمد (2)
وقال محمد بن النضر: سمعت ابن الأعرابي صاحب اللغة يقول: أرادني ابن أبي دؤاد (3) أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها:
_________
(1) في (أ، ت، ظ): «على الشيء أو يكون»، وفي (ع): «على الشيء إلا أن يكون»، وفي (ب): «ويكون»، والصواب ما أثبته.
(2) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 356)، وأبو إسماعيل الهروي (13/ 406 ــ الفتح)، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 399) رقم (666)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 314) معلَّقًا، ومن طريقه: ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص/174)، رقم (89)، والذهبي في العلو (2/ 1132) رقم (454).
وسنده صحيح.
(3) في (أ، ت، ظ): «داؤد» وهو خطأ. … =
= … وابن أبي دؤاد: اسمه أحمد، المعتزلي، الذي قاد فتنة القول «بخلق القرآن»، هلك مصابًا بالفالج سنة 240 هـ.
(الكتاب/409)
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] استوى بمعنى: استولى، فقلت له: والله ما يكون هذا ولا وجدته (1).
قول الخليل بن أحمد شيخ سيبويه:
ذكر أبو عمر بن عبد البر عنه في «التمهيد» (2) قال الخليل بن أحمد: استوى إلى السماء: ارتفع إلى السماء.
قول إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه (3):
له كتاب في «الرد على الجهمية» أنكر فيه أن يكون استوى بمعنى
_________
(1) أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى ـ المختار: الرد على الجهمية (3/ 166، 167) رقم (124) بلاغًا، والخطيب في تاريخه (2/ 355، 356).
وسنده صحيح.
وورد نحوه بلفظ: « … ذكر لنا أن ابن أبي دؤاد سأله: أتعرف في اللغة استوى بمعنى: استولى؟ فقال: لا أعرف».
أخرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (3/ 399) رقم (667)، والخطيب في تاريخه (2/ 356).
(2) (7/ 132) في قصة أبي ربيعة الأعرابي كما سبق ذكرها (ص/209).
(3) في (ع): «بابن طوبة» وهو تحريف.
(الكتاب/410)
استولى، وحكى فيه عن ابن الأعرابي ما قدمنا حكايته عنه. ثم قال: وسمعت (1) داود بن علي يقول: كان المريسي يقول: سبحان ربي الأسفل. وهذا جهلٌ من قائله، وردٌّ لنص كتاب [ظ/ق 63 أ] الله (2)؛ إذ يقول الله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (3) [الملك/16]. ورحمه الله لقد لَيَّن القول في المرّيسي صاحب هذا التسبيح، ولقد كان جديرًا بما هو أليق به من الجهل.
قول الأخفش (4):
قال الأزهري في كتاب «التهذيب» (5) له في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5]: قال الأخفش: استوى أي: علا. تقول: استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي: علوته.
_________
(1) في (ظ): «قال: سمعت».
(2) في (أ، ت، ع): «نص الكتاب».
(3) ذكره الذهبي في العلو (2/ 1239) رقم (496).
(4) هو الأخفش الأوسط: علي بن سليمان، كان مِنْ أفاضل علماء العربية، توفي سنة 3115 هـ.
انظر: نزهة الألباء لابن الأنباري (ص/219).
(5) (2/ 1794) ترتيبه.
(الكتاب/411)
أقوال الزهاد والصوفية أهل الاتباع وسلفهم:
قول ثابت البناني شيخ الزهاد:
قال محمد [ب/ق 69 أ] بن عثمان في «رسالته» (1): صح عنه أنه قال: كان داود يطيل الصلاة ثم يركع ثم يرفع رأسه إلى السماء، ثم يقول: إليك رفعت رأسي نظر العبيد إلى أربابها، يا ساكن السماء (2).
رواه اللالكائي (3) بإسناد صحيح عنه.
ورواه (4) الإمام أحمد أيضًا في كتاب «الزهد» (5).
وهذا الرفع إن كان في الصلاة فهو منسوخ بشرعنا (6)، وإن كان بعد الصلاة فهو جائز، كرفع اليدين في الدعاء إلى الله عز وجل.
قول مالك بن دينار:
قد أسلفنا عنه (7) أنه كان يقول: خذوا، فيقرأ، ثم يقول: اسمعوا إلى
_________
(1) العرش (2/ 198) (133)، وانظر: العلو. (1/ 552) رقم (125).
(2) تقدم تخريجه في قول داود عليه السلام (ص/94).
(3) في شرح أصول الاعتقاد، رقم (669).
(4) سقط من (أ، ت، ع): «ورواه الإمام أحمد أيضًا في كتاب الزهد».
(5) رقم (543)، وهو من زوائد عبد الله بن الإمام أحمد على «الزهد» لأبيه.
(6) في (مط): «في شرعنا».
(7) في أقوال التابعين (ص/188).
(الكتاب/412)
قول الصادق من فوق عرشه.
رواه أبو نعيم في الحلية (1) بإسناد صحيح عنه (2).
وروى ابن أبي الدنيا (3) عنه قال: قرأت في بعض الكتب: إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم خيري ينزل إليك، وشرُّك يصعد إليّ، وأتحبب إليك بالنعم وتتبغض إليّ بالمعاصي، ولا يزال ملك كريم يعرج إليّ منك بعمل قبيح.
قول سليمان التيمي:
قال البخاري في كتاب «خلق أفعال العباد» (4) قال: ـ ضمرة بن ربيعة عن صدقة عن سليمان سمعته يقول: لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء. ولو سئلت أين كان العرش قبل السماء؟ لقلت: على الماء. ولو سئلت: أين كان [عرشه] (5) قبل الماء؟ لقلت: لا أدري.
قول شريح بن عبيد:
روى عنه أبو الشيخ بإسناد صحيح أنه كان يقول: ارتفع إليك
_________
(1) في (ب، ظ): «في الحلية حلية الأولياء».
(2) سقط من (أ، ت، ع). وصحح الذهبي إسناده في «العرش» (2/ 199).
(3) في كتاب: «الشكر» رقم (43)، وقد تقدم في (ص/188 – 189).
(4) (ص/24، 25)، رقم (64) تعليقًا. وقد تقدم تخريجه (ص/183).
(5) من خلق أفعال العباد.
(الكتاب/413)
ثغاء (1) التسبيح، وصعد إليك وقار التقدس، سبحانك ذا الجبروت، بيدك الملك والملكوت، والمفاتيح والمقادير (2).
قول عبيد بن عمير:
روى عبد الله بن أحمد في «كتاب السنة» (3) له من حديث حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أنه قال: ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى سماء (4) الدنيا، فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل.
قول الفضيل بن عياض:
قال الأثرم في كتاب «السنة»: حدثنا [ظ/ق 63 ب] إبراهيم بن الحارث [ب/ق 69 ب] يعني العبادي حدثني الليث بن يحيى قال: سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول: قال أبو بكر صاحب الفضيل: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهَّم في ذات (5) الله كيف وكيف؛ لأن الله وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
_________
(1) في (ع): «ثناء» وهو تصحيف.
(2) أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في «العظمة» (1/ 397) رقم (107).
(3) (2/ 272) رقم (507)، وقد تقدم تخريجه في أقوال المفسرين (ص/399).
(4) سقط من (ب).
(5) من (ظ) فقط.
(الكتاب/414)
يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، فلا صفة أبلغ مما وصف الله به نفسه، وكذا النزول والضحك والمباهاة والاطلاع: كما شاء أن ينزل، وكما شاء أن يباهي، وكما شاء أن يطلع (1)، وكما شاء أن يضحك، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف، وإذا قال لك الجهمي: أنا كفرت برب يزول عن مكانه. فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء (2).
وقد ذكر هذا الكلام الأخير عن الفضيل البخاري في كتاب «خلق الأفعال» (3) فقال: وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي فذكره.
قول يحيى بن معاذ الرازي:
قال: الله تعالى على العرش بائن من الخلق، قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ولا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء ضليل، وهالك مرتاب، يمزج الله بخلقه، ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان (4).
_________
(1) سقط من (ب، ظ، ع): «وكما شاء أن يطَّلع».
(2) أخرجه الأثرم في السنة كما في مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/ 61، 62).
وأخرجه أيضًا بإسناد آخر أبو إسماعيل الهروي في كتاب «الفاروق» كما في الفتاوى (5/ 62).
(3) (ص/42)، رقم (61)، ومن طريقه: الصابوني (ص/65).
(4) أخرجه أبو إسماعيل الأنصاري الهروي، كما في مجموع الفتاوى (5/ 49)، والعلو للذهبي (2/ 1164) رقم (469).
(الكتاب/415)
قول عطاء السُّلَيمي:
ثبت أنه كان لا يرفع رأسه إلى السماء حياءً من الله عز وجل (1)، ومن هذا نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم المصلي عن رفع بصره إلى السماء (2)، تأدُّبًا مع الله عز وجل، وإطراقًا بين يديه وإجلالًا له، كما يقف العبيد بين يدي الملوك، ولا يرفعون رؤوسهم إليهم إجلالًا لهم، فإذا ضُمَّ هذا إلى رفع الأيدي في الرغبات والرهبات، وتوجه القلوب إلى العلو دون اليمنة واليسرة والخلف والأمام= أفاد العلم بأن هذا فطرة الله التي فطر الناس عليها.
قول أبي عبيدة الخوَّاص:
ذكر أبو نعيم (3) وابن الجوزي (4) عنه أنه مكث كذا وكذا سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله.
_________
(1) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 221) بنحوه.
وعطاء هو: العبدي، أدرك أنس بن مالك رضي الله عنه، وكان عابدًا زاهدًا بكَّاءً.
(2) فقال: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم» فاشتد قوله، حتى قال: «لينْتهُنَّ عن ذلك، أو لتخطفنَّ أبصارهم». أخرجه البخاري رقم (717).
(3) لم أقف عليه في ترجمته من حلية الأولياء (8/ 281، 282)، فلعله في كتاب آخر له، وأبو عبيدة: هو عبَّاد بن عباد أبو عتبة اشتهر بأبي عبيدة، من العُبَّاد والزهاد.
(4) في صفوة الصفوة (4/ 132).
(الكتاب/416)
قول بشر الحافي:
صحَّ عنه (1) أنه قال: «إني لأرفع يديَّ إلى الله ثم أردها، وأقول: إنما يفعل هذا من له جاه عنده» (2).
قول ذي النون المصري:
روى أبو الشيخ في كتاب «العظمة» (3) بإسناده عنه قال: أشرقت لنوره [ب/ق 70 أ] السماوات، وأنار بوجهه الظلمات، وحجب جلاله عن العيون، وناجته على عرشه ألْسِنة الصدور.
فإن قيل: فقد نقل القُشَيري (4) عن ذي النون أنه سُئِل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه/5] فقال: أثبت ذاته ونفى مكانه، وهو موجود بذاته، والأشياء موجودة بحكمه (5) كما شاء (6).
_________
(1) انظر صفة الصفوة (2/ 218).
(2) فعلُه ذلك مردود، ومخالفة صريحة للشرع، لأنه يقتضي غلق باب الدعاء فلا طلب مغفرة ولا سؤال حاجَة، ولا تضرع ولا مناجاة …
(3) (1/ 398) تعليقًا بعد رقم (107).
(4) هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الشافعي محدِّث أصولي فقيه، كان صوفيًّا على مذهب الأشعري في الاعتقاد، توفي سنة 465 هـ.
انظر: المنتخب من السياق في تاريخ نيسابور (ص/365، 366)، رقم (1104).
(5) في (ع، مط): «بحكمته»، والمثبت من باقي النسخ، والرسالة.
(6) انظر: الرسالة القشيرية (ص/17).
(ال