عطاءات العلمكتب ابن القيمكتب ابن القيم- شاملة - txt

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية_1

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية_1

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
  الكتاب: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية [مشروع آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (9)]المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 – 751)
المحقق: نايف بن أحمد الحمد
راجعه: سليمان بن عبد الله العمير – إبراهيم بن على العبيد
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ – 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم واحد متسلسل)
قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (9)

الطرق الحكمية في السياسة الشرعية

تأليف
الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 هـ – 751 هـ)

تحقيق
نايف بن أحمد الحمد

إشراف
بكر بن عبد الله أبو زيد

دار عطاءات العلم – دار ابن حزم

(المقدمة/1)


رَاجَعَ هَذَا الجُزْءَ
سليمان بن عبْد الله العمير
إبْراهِيْم بن عَلي العُبَيدْ

(المقدمة/3)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فنظرًا لطبيعة عملي قاضيًا شرعيًّا، ولكثرة رجوعي وزملائي القضاة للكتاب القيم “الطرق الحكمية” للعلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى -، ولكون هذا الكتاب لم يحظ بتحقيق مرضٍ لا من ناحية المتن، ولا من ناحية التخريج والتوثيق والدراسة، وإن كان من قام بطبع الكتاب قد حظي بقصب السبق فلهم منا الدعاء بالمغفرة والرحمة، وحيث الأمر ما ذكر فقد قررت تحقيق الكتاب لنيل الشهادة العالمية “الدكتوراه”، وإخراجه بالصورة التي أرادها المؤلف – رحمه الله تعالى -، وخدمة النص حسب الخطة التي سيرد ذكرها لاحقًا – إن شاء الله تعالى -.

(المقدمة/5)


وهذه أسباب اختيار تحقيق الكتاب:
أولًا: هذا الكتاب يُعدّ مرجعًا خصبًا للقضاة في حل المشاكل والمعضلات.
ثانيًا: كثرة الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة – رضي الله عنهم – في هذا السفر.
ثالثًا: أن الكتاب يُظهر جليًّا الدرجة الكبيرة التي وصل إليها علماء الأمة الإِسلامية في مجال القضاء، وطرق التقاضي، ووسائل الإثبات، وكيفية التعامل مع المتهم، حيث فاقوا وسبقوا الأمم المعاصرة بكثير.
رابعًا: أن مؤلف هذا الكتاب من العلماء المجتهدين.
خامسًا: أن هذا الكتاب في الفقه المقارن، وليس مذهبيًّا بحتًا.
سادسًا: اتباعه في الترجيح لما ينصره الدليل.
سابعًا: كثرة مصادر المؤلف في هذا الكتاب.
ثامنًا: أن هذا الكتاب على أهميته لم يخدم حتى الآن خدمة علمية؛ إذ جميع الطبعات لا تخلو من سقط كثير من ناحية المتن، وبعض الطبعات لم يستند محققها على أي مخطوطة، بل اعتمد على طبعات سابقة، ووقع في الأخطاء نفسها.

وستكون دراستي في هذا الكتاب كما يلي:
أولًا: القسم الدراسي: وجعلته فصلين:
الفصل الأول: أهم الكتب المؤلفة في القضاء.

(المقدمة/6)


الفصل الثاني: دراسة كتاب “الطرق الحكمية”، وتشمل سبعة مباحث:
المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته للمؤلف.
المبحث الثاني: موضوعه، وسبب تأليفه.
المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه.
المبحث الرابع: مصادره.
المبحث الخامس: خصائص الكتاب ومزاياه.
المبحث السادس: مختصرات الكتاب.
المبحث السابع: وصف النسخ الخطية، ويتضمن: عدد النسخ المخطوطة، والتعريف بالنسخ، وتاريخ النسخ، ونماذج من المخطوطات.

ثانيًا: القسم التحقيقي:
وقد اتبعت فيه المنهج الآتي:
1 – نسخ الكتاب وفق المخطوطات المتوفرة، بحيث يصبح أقرب ما يكون إلى الأصل الذي وضعه مؤلفه، مع إبراز الفروق بين النسخ في الهامش، وتعليل الاختيار عند الحاجة.
2 – كتابة النص وفق القواعد الإملائية عدا الآيات فوفق الرسم العثماني.
3 – عزو الآيات إلى مواضعها في كتاب الله تعالى.

(المقدمة/7)


4 – تخريج الأحاديث، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك، إلا لأمر يستدعي ذكر غيرهما، أما إذا كان الحديث في غيرهما فإني أشير إلى مكان وجوده، وبيان ما قاله أهل العلم في درجته.
5 – تخريج الآثار.
6 – شرح الكلمات الغريبة والغامضة.
7 – توثيق النصوص التي نقلها المؤلف، وعزوها إلى مصادرها الأصلية ما أمكن ذلك.
8 – ترجمة ما يحتاج إلى ترجمة من الأعلام، (وقد حذفت أكثر التراجم عند طبع الكتاب).
9 – صنعت الفهارس اللفظية للكتاب وهي تسعة، ثم قام الشيخ عبد الرحمن حسن قائد مشكورًا بصنع الفهارس العلمية وهي تسعة، ومراجعة الفهارس اللفظية:
ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر والعرفان والامتنان إلى فضيلة المشرف على هذه الرسالة الأستاذ الدكتور/ إدريس جمعة ضرار، وفضيلة المشرف المتابع الأستاذ الدكتور/ إبراهيم نورين، على ما أحاطاني به من عطف الوالد، وما خصاني به من علمهما الجم، وخلقهما السمح. أسأل الله تعالى أن يجزل مثوبتهما، ويحسن عاقبتهما، ويبارك في جهودهما، وينفع بعلمهما.
وأتوجه كذلك بالشكر لصاحب المعالي فضيلة الشيخ بكر بن

(المقدمة/8)


عبد الله أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء، على ما تفضل به علي بالنصح والمشورة، وعلى تفضله بتزويدي بصورة من النسخة الحجرية المتوجة بتعليقات نفيسة لسماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله تعالى، وكذا بصورة من طبعة الشيخ محمَّد بن عبد الرحمن بن قاسم للكتاب، سائلًا المولى أن يجزيه خير الجزاء، وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية.
كما أتوجه بالشكر البالغ والدعاء الخالص بالتوفيق والسداد للمسئولين في جامعة أم درمان الإسلامية، وكل القائمين عليها، وأخص منها دوحة مجدها وواسطة عِقْدها كلية الشريعة الغراء والدراسات العليا، وأعم بالشكر والامتنان كل من ساعد على إنجاز هذا البحث، خاصة أثناء فترة الطباعة الذين لا أجد لهم مكافأة غير الدعاء الصالح.
وختامًا: أسأل الله تعالى أن يوفقني لحسن القصد وإصابة الحق، ويمنّ عليّ بالقبول وسائر المسلمين. وصلَّى الله على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه
نايف بن أحمد بن علي الحمد
القاضي بالمحكمة العامة بالرياض
الرياض 11545 ص. ب 60185 جوال 0505248649

(المقدمة/9)


الفصل الأول: الكتب المؤلفة في القضاء
إن الأمم لا تبلغ أوج عزها، ولا ترقى إلى عز مجدها إلا حين يعلو العدلُ تاجَها، وتبسطه على القريب والبعيد والقوي والضعيف، وإن العدل ليصل في الإِسلام قمته في الحكم والقضاء والفصل في الخصومات، فالقضاء في الإسلام يرتكز على أصول وقواعد وثوابت ذات عمق في تحصيل مصالح العباد، وحفظ حقوقهم، واستجلاب الأمن والخير والعدل في شتى صور حياتهم، فالعدل مرتبة شريفة، ومنزلة رفيعة، به قامت السماوات والأرض، وقد بعث الله تعالى به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فقاموا به أتم قيام {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء: 105]، فبالعدل “يرفع التهارج، وترد النوائب، ويقمع الظالم، وينصر المظلوم، وتقطع الخصومات، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر .. ” (1). “وبه الدماء تعصم وتسفح، والأبضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها وتسلب .. ” (2).
قال عمير بن سعد – رضي الله عنه -، وكان أميرًا على حمص: “ألا إن الإسلام حائط منيع، وباب وثيق، فحائط الإسلام العدل، وبابه الحق، فلا يزال منيعًا ما اشتد السلطان، وليس شدة السلطان قتلًا بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذ
__________
(1) انظر: تبصرة الحكام (1/ 12) بتصرف يسير.
(2) المرجع السابق (1/ 1).

(المقدمة/10)


بالعدل” (1).
والقضاء عند الأمم رمز سيادتها واستقلالها، والأمة التي لا قضاء فيها لا حق فيها، وتاريخ القضاء في كل أمة هو عنوان مجدها، وتاريخ الإِسلام في القضاء وضاء، وقضاة المسلمين لهم في هذا باع طويل (2)، والناظر إلى أحكام الشريعة في أصول القضاء وفروعه يجد ثروة متنوعة، من التقريرات في النظريات المبنية على الأصول، والقواعد الشرعية، تفيد بنتيجة جازمة محققة بسبق الشريعة وريادتها (3)، وقد اهتم علماء المسلمين سلفًا وخلفًا بدراسة القضاء وآداب القضاة، حتى غدا علمًا مستقلًّا؛ فمنهم من جعل له بابًا مستقلًّا كالإمام مالك، وأصحاب الكتب الستة، وكتب المذاهب الفقهية المختصر منها والمطول، وأفرده بالتأليف جمع من أهل العلم، ومنهم الإمام العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه: “الطرق الحكمية” و”إعلام الموقعين”. وفيما يلي نورد جملة من هذه المؤلفات مرتبة ترتيبًا هجائيًّا:
1 – آداب القضاء، لأبي عبد الله أصبغ بن الفرج المالكي (4) ت 225 هـ.
__________
(1) رواه ابن سعد (4/ 374)، وابن عساكر (46/ 488).
(2) انظر: مجلة العدل (2/ 9) وزارة العدل السعودية.
(3) انظر: مجلة العدل (1/ 14).
(4) انظر: الديباج المذهب (1/ 300).

(المقدمة/11)


2 – آداب القضاء، لمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المالكي (1) ت 282 هـ.
3 – آداب الحكام، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري (2) ت 310 هـ.
4 – الأجوبة الممضاة على أسئلة القضاة، لمحمود بن محمَّد الحمزاوي الحنفي (3) ت 1350 هـ.
5 – أجوبة الحكام فيما يقع للعوام من نوازل الأحكام، لأبي إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع الربعي المالكي (4) ت 733 هـ.
6 – الأحكام، لأبي حفص عمر بن محمَّد البلنسي (5) ت 557 هـ.
7 – الأحكام، للقاضي أبي المطرف عبد الرحمن بن قاسم المالقي المالكي (6) ت 497 هـ.
8 – الأحكام والشروط، لأبي عبد الله محمَّد بن عيسى بن محمَّد
__________
(1) ترتيب المدارك (2/ 62)، الديباج المذهب (2/ 156)، المرقبة العليا (230)، معين الحكام (2/ 613)، مواهب الجليل (6/ 209)، سير أعلام النبلاء (12/ 551)، تنبيه الحكام (186).
(2) انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 274)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 122).
(3) انظر: الأعلام (7/ 185).
(4) انظر: الديباج المذهب (1/ 271).
(5) انظر: الأعلام (7/ 185).
(6) وللكتاب مخطوطة في المكتبة الوطنية بتونس برقم: 768، وقد طبع الكتاب في دار الغرب الإسلامي – 1992 م، بتحقيق: د. الصادق الحلوي.

(المقدمة/12)


المناصف المالكي (1) ت 620 هـ.
9 – أحكام القضاة، لولي الدين العراقي (2).
10 – الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي (3) ت 684 هـ.
11 – أدب الحكام الصغير وأدب الحكام الكبير، للإمام أحمد بن محمَّد الطحاوي الحنفي (4) ت 321 هـ.
12 – أدب الحكام في سلوك الأحكام واشتهر بـ “أدب القضاء”، لأبي روح عيسى بن عثمان بن عيسى الغزي (5) ت 799 هـ.
__________
(1) انظر: معين الحكام (1/ 129).
(2) طبقات الفقهاء (1/ 290).
(3) انظر: الفروق (2/ 106) و (4/ 48)، المعيار المعرب (10/ 40)، الديباج المذهب (1/ 237)، تبصرة الحكام (1/ 74)، مواهب الجليل (3/ 317) و (4/ 91). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة في مكتبة عارف حكمت في المدينة النبوية رقمها: 3 فتاوى. ونسخة في مكتبة الأزهر فقه السادة المالكية رقم: 1766. وقد طبع الكتاب بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله سنة 1387 هـ ثانية سنة 1414 هـ.
(4) انظر: مقدمة تحقيق روضة القضاة (1/ 11)، المدخل إلى فقه المرافعات (205).
(5) الدرر الكامنة (4/ 241)، كشف الظنون (1/ 47)، وسماه الرملي “أدب القاضي” فتاوى الرملي (3/ 163)، الأشباه والنظائر (501). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة في دار الكتب المصرية رقم: 45 فقه شافعي، وأخرى رقم: 907. وقد طبع الكتاب – مكتبة نزار الباز: 1417 هـ.

(المقدمة/13)


وقد اختصره زكريا بن محمَّد الأنصاري الشافعي (1) ت 926 هـ وسماه: “عماد الرضا ببيان أدب القضا”. وشرح هذا المختصر زين الدين محمَّد عبد الرؤوف بن علي المناوي الشافعي (2) ت 1031 هـ وسماه: “فتح الرؤوف القادر لعبده العاجز القاصر”.
13 – أدب القاضي، للقاضي أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الكوفي (3) ت 182 هـ. وقد شرحه بعض العلماء منهم:
أ – أبو جعفر محمَّد بن عبد الله الهندواني (4) ت 362 هـ.
ب – أبو بكر محمَّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (5) ت 483 هـ.
ج – الصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز مازه (6) ت 536 هـ.
14 – أدب القاضي، للإمام محمَّد بن الحسن الشيباني الحنفي (7) ت 189 هـ.
__________
(1) انظر: الكواكب السائرة للغزي (1/ 201)، شرح عماد الرضا (1/ 34)، وسماه حاجي خليفة: آداب القاضي. كشف الظنون (1/ 41).
(2) انظر: مقدمة المناوي للكتاب (1/ 63). وقد طبع الكتاب في الدار السعودية: 1406 هـ، بتحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله بكير.
(3) انظر: كشف الظنون (1/ 46). وله نسخة خطية في المجمع العلمي ببغداد.
(4) انظر: هدية العارفين (2/ 47).
(5) انظر: هدية العارفين (2/ 62).
(6) انظر: هدية العارفين (1/ 783).
(7) أصول السرخسي (2/ 113 و 133)، البحر الرائق (8/ 550)، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (3/ 103 و 219).

(المقدمة/14)


15 – أدب القاضي، للحسن بن زياد اللؤلؤي الحنفي (1) ت 204 هـ.
16 – أدب القاضي، للإمام محمَّد بن إدريس الشافعي (2) ت 204 هـ.
17 – أدب القاضي، لأبي عبيد القاسم بن سلام (3) ت 224 هـ.
18 – أدب القاضي، لأبي عبد الله محمَّد بن سماعة التميمي الحنفي (4) ت 233 هـ.
19 – أدب القاضي، لأبي بكر أحمد بن عمرو الخصاف (5) ت 261 هـ. وقد شرحه جمع من علماء الحنفية منهم:
– أبو جعفر محمَّد بن عبد الله الهندواني (6) ت 362 هـ.
__________
(1) انظر: الفهرست (346)، معين الحكام (27).
(2) انظر: الفهرست (354).
(3) انظر: الفهرست (1130)، كشف الظنون (1/ 47). وذكره الحافظ ابن القيم في الصواعق المرسلة باسم: “كتاب القضاء” (2/ 590)، وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 337).
(4) انظر: طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء (1/ 59)، تاج التراجم (190)، الفهرست (347).
(5) انظر: الفهرست (348)، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (1/ 62)، البحر الرائق (3/ 125)، حاشية ابن عابدين (2/ 203) و (3/ 65)، فتح القدير (3/ 273) و (4/ 288)، لسان الحكام (1/ 246)، تاج التراجم (18).
(6) انظر: كشف الظنون (1/ 46).

(المقدمة/15)


– أبو بكر أحمد بن علي الجصاص (1) ت 370 هـ.
– أبو الحسين أحمد بن محمَّد القدوري (2) ت 428 هـ.
– شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلواني (3) ت 456 هـ.
– علي بن الحسن السغدي (4) ت 461 هـ.
– شمس الأئمة محمَّد بن أحمد السرخسي (5) ت 483 هـ.
– أبو بكر محمَّد الشهير بشيخ الإِسلام خُوَاهَرْ زاده (6) ت 483 هـ.
– الصدر الشهيد عمر بن عبد العزيز بن مازه (7) ت 536 هـ.
– الحسن بن منصور الأوزجندي الشهير بقاضيخان (8) ت 592 هـ.
__________
(1) انظر: كشف الظنون (1/ 46).
(2) انظر: كشف الظنون (1/ 46)، البحر الرائق (8/ 257).
(3) انظر: كشف الظنون (1/ 46)، حاشية ابن عابدين (7/ 279)، مجمع الضمانات (407)، الفتاوى الهندية (3/ 331)، درر الحكام (2/ 408).
(4) انظر: كشف الظنون (1/ 46)، تبيين الحقائق (4/ 240)، البحر الرائق (7/ 122).
(5) انظر: كشف الظنون (1/ 46)، تبيين الحقائق (3/ 64) و (4/ 188)، فتح القدير (7/ 407)، حاشية ابن عابدين (3/ 254)، الفتاوى الهندية (3/ 259).
(6) انظر: كشف الظنون (1/ 46).
(7) انظر: البحر الرائق (4/ 227)، فتح القدير (7/ 226)، لسان الحكام (1/ 230)، حاشية ابن عابدين (7/ 102) “الفكر”. وقد طبع الكتاب بمطبعة الإرشاد – بغداد: 1978 م، بتحقيق: محيي الدين هلال السرحان.
(8) انظر: كشف الظنون (1/ 46)، الأعلام (2/ 224).

(المقدمة/16)


– أبو المعالي محمود بن أحمد بن عبد العزيز (1) ت 616 هـ.
– محمَّد بن أحمد القاسمي الخجندي (2) ت 920 هـ، هذه جملة من الشروح. وقد اختصره أبو محمَّد عبد الله بن الحسين الناصحي (3) ت 447 هـ.
20 – أدب القاضي، للإمام داود بن علي بن خلف الظاهري (4) ت 270 هـ.
21 – أدب القاضي، لأبي خازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي (5) ت 292 هـ.
22 – أدب القاضي، لأبي المهلب هيثم بن سليمان القيسي الحنفي (6) ت 275 هـ.
23 – أدب القاضي، لأبي محمَّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة
__________
(1) انظر: هدية العارفين (2/ 404).
(2) انظر: كشف الظنون (1/ 46).
(3) انظر: تبيين الحقائق (4/ 221)، وفتح القدير (7/ 470)، حاشية ابن عابدين (5/ 357). وقد حقق د. سعيد بن درويش الزهراني النصف الأول منه.
(4) انظر: الفهرست (340)، ولم يذكر في طبعة دار الكتب العلمية (363).
(5) انظر: الفهرست (350)، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (2/ 8)، تاج التراجم (120)، طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء (1/ 297)، كشف الظنون (1/ 46)، الأعلام (3/ 287).
(6) طبع جزء من الكتاب بتحقيق: د. فرحات الدشراوي.

(المقدمة/17)


الدينوري (1) ت 276 هـ.
24 – أدب القاضي، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري (2) ت 310 هـ.
25 – أدب القاضي، لأبي جعفر أحمد بن إسحاق التنوخي الحنفي (3) ت 317 هـ.
26 – أدب القاضي، لأبي سعيد الحسن بن أحمد الاصطخري الشافعي (4) ت 328 هـ.
27 – أدب القاضي، لعلي بن محمَّد النخعي الحنفي (5) ت 324 هـ.
28 – أدب القاضي، لأبي العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص (6) ت 335 هـ.
__________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 297).
(2) انظر: الفهرست (386).
(3) انظر: كشف الظنون (1/ 46)، تاج التراجم (32).
(4) انظر: كشف الظنون (1/ 47)، تاريخ بغداد (7/ 268)، تهذيب الأسماء (2/ 519)، البحر المحيط (8/ 74)، وذكره الذهبي باسم: “أدب القضاء”. سير أعلام النبلاء (15/ 251)، وذكره ابن خلكان باسم: “كتاب الأقضية”. وفيات الأعيان (2/ 74).
(5) انظر: الجواهر المضية (2/ 593).
(6) انظر: بغية الطلب في تاريخ حلب (3/ 1061)، الديباج المذهب في أحكام المذهب (2/ 491)، وذكره الحافظ ابن حجر وابن العماد الحنبلي باسم: “أدب القضاء”. التلخيص الحبير (4/ 333)، شذرات الذهب (4/ 192). وقد طبع الكتاب في مكتبة الصديق – الطائف – بتحقيق: د. حسين بن خلف =

(المقدمة/18)


29 – أدب القاضي، لأبي حامد أحمد بن بشر بن عامر المروزي الشافعي (1) ت 362 هـ.
30 – أدب القاضي، لأبي بكر محمَّد بن علي القفال الشاشي الشافعي (2) ت 365 هـ.
31 – أدب القاضي، لأبي علي الحسن بن داود البستي السمرقندي الحنفي (3) ت 395 هـ.
32 – أدب القاضي، لأبي نصر أحمد بن عمرو بن موسى البخاري الحنفي (4) ت 396 هـ.
33 – أدب القاضي، لأبي الحسين أحمد بن محمَّد القدوري الحنفي (5) ت 428 هـ.
34 – أدب القاضي، لأبي الحسن علي بن محمَّد بن حبيب الماوردي الشافعي (6) ت 450 هـ.
__________
= الجبوري 1409 هـ.
(1) انظر: البصائر والذخائر للتوحيدي (1/ 89). وترجمته في “طبقات الشافعية” لابن السبكي (3/ 12)، و”وفيات الأعيان” (1/ 69).
(2) انظر: كشف الظنون (1/ 47)، طبقات الشافعية للأسنوي (2/ 5) وفيه: “أدب القضاة”. وجاء اسمه في الديباج المذهب في أحكام المذهب (4/ 1199): “أدب القضاء”.
(3) انظر: الجواهر المضية (2/ 54).
(4) انظر: طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء (1/ 88).
(5) انظر: هدية العارفين (1/ 74).
(6) وهو جزء من كتابه الكبير “الحاوي”، وقد طبع مفردًا بمطبعة الإرشاد =

(المقدمة/19)


35 – أدب القاضي، لأبي عاصم محمَّد بن أحمد العبادي الهروي الشافعي (1) ت 458 هـ. وقد شرحه أبو سعد بن أحمد بن أبي يوسف الهروي (2) وسماه: “الإشراف على غوامض الحكومات”.
36 – أدب القاضي، لأبي نصر أحمد بن منصور الإسبيجابي الحنفي (3) ت 480 هـ.
37 – أدب القاضي، لأبي بكر عمر بن بكر الزرنجري الحنفي (4) ت 584 هـ.
38 – أدب القاضي، لأبي محمَّد الحسين بن مسعود بن محمَّد البغوي الشافعي (5) ت 615 هـ.
__________
= ببغداد 1391 هـ، بتحقيق: محيي هلال السرحان.
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 181)، الفتاوى الفقهية الكبرى (4/ 350)، الديباج المذهب في أحكام المذهب (2/ 436)، المنثور في القواعد (1/ 170 و 322)، أسنى المطالب (2/ 138)، كشف الظنون (1/ 47).
(2) انظر: تهذيب الأسماء للنووي (2/ 518)، روضة الطالبين (3/ 463) و (6/ 323)، طبقات الفقهاء (1/ 287)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 447) وسماه “أدب القضاء”، وكذا سماه الحافظ ابن حجر في الفتح (12/ 184)، كشف الظنون (1/ 103). وله نسخة خطية في ايني جامع بتركيا تحت رقم: 359.
(3) انظر: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (2/ 175).
(4) انظر: هدية العارفين (1/ 785)، معجم المؤلفين (7/ 279).
(5) وهو جزء من كتاب “التهذيب”، طبع مفردًا في دار المنار عام 1412 هـ بتحقيق: د. إبراهيم علي صندقجي.

(المقدمة/20)


39 – أدب القاضي، لجلال الدين محمَّد بن أحمد الشافعي المعروف بالمحلي (1) ت 890 هـ.
40 – أدب القضاء، لأبي بكر محمَّد بن عبد الله الصيرفي الشافعي (2) ت 330 هـ.
41 – أدب القضاء، لأبي بكر محمَّد بن أحمد الشافعي المصري المعروف بابن الحداد (3) ت 345 هـ.
42 – أدب القضاء، لأبي الحسن محمَّد بن يحيى بن سراقة العامري الشافعي (4) ت 410 هـ.
43 – أدب القضاء، لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الشافعي (5) ت 429 هـ.
44 – أدب القضاء، لأبي بكر أحمد بن محمَّد بن هارون البغدادي الحنبلي المعروف بالخلال (6) ت 311 هـ.
__________
(1) انظر: إيضاح المكنون (1/ 50)، وسماه في طبقات الفقهاء (1/ 288): “عمدة القضاة”.
(2) انظر: كشف الظنون (2/ 1046)، أبجد العلوم (2/ 340).
(3) انظر: الديباج المذهب في أحكام المذهب (2/ 537)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 80)، الزواجر عن اقتراف الكبائر الكبيرة (74)، كشف الظنون (1/ 47). وذكره الذهبي باسم: “أدب القاضي” وقال: “في أربعين جزءًا”. سير أعلام النبلاء (15/ 447).
(4) انظر: الديباج المذهب في أحكام المذهب (2/ 537).
(5) انظر: طبقات الشافعية لابن هداية الله (95).
(6) انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 530)، تاريخ بغداد (9/ 318) وسماه: =

(المقدمة/21)


45 – أدب القضاء، لأبي علي الحسن بن علي بن يزيد الكرابيسي الشافعي (1) ت 245 هـ.
46 – أدب القضاء، لأبي محمَّد عبد الله بن الحسين الناصحي الحنفي (2) ت 447 هـ.
47 – أدب القضاء، لأبي الحسن علي بن أحمد الدَّبيلي – ويقال: الزَّبيلي – الشافعي (3) من أعيان القرن الخامس. والله أعلم.
48 – أدب القضاء ويسمى: “العمدة”، لأبي المعالي مُجَلِّي بن جُميع القرشي المخزومي الشافعي (4) ت 550 هـ.
49 – أدب القضاء، لأبي عبد الله عبد المنعم بن محمَّد الغرناطي المالكي يعرف بابن الغرس (5) ت 599 هـ.
50 – أدب القضاء، لأبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله الشافعي
__________
= “أدب القضاة”.
(1) انظر: فتح الباري (5/ 337)، تغليق التعليق (3/ 375 و 387)، الإصابة (3/ 584)، الأشباه والنظائر للسيوطي (278)، نيل الأوطار (8/ 305).
(2) انظر: تبيين الحقائق (4/ 293).
(3) انظر: طبقات الأسنوي (1/ 252 و 306)، المنثور في القواعد (1/ 171)، الديباج المذهب في أحكام المذهب (2/ 431)، فتاوى الرملي (3/ 162)، كشف الظنون (1/ 47).
(4) انظر: طبقات الشافعية (2/ 322)، كشف الظنون (1/ 47)، طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 247).
(5) انظر: إيضاح المكنون (1/ 51).

(المقدمة/22)


المعروف بابن أبي الدم الحموي (1) ت 642 هـ، ويسمى “الدرر المنظومات في الأقضية والحكومات”.
51 – أدب القضاء، لأبي العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي (2) ت 710 هـ.
52 – أدب القضاء، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (3) ت 911 هـ.
53 – أدب القضاة، لكامل المنلي الحنفي (4) توفي بعد سنة 1267 هـ.
54 – أدب القضاة، لشرف الدين أحمد بن مسلم القرشي الدمشقي الشافعي (5) ت 793 هـ.
__________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (23/ 126)، الديباج المذهب في أحكام المذهب (2/ 474 و 569). وللكتاب نسخة خطية بدار الكتب المصرية فقه حنفي: 12. وقد طبع الكتاب مرات منها طبعة بتحقيق: د. محمَّد الزحيلي، وثانية بتحقيق: محيي هلال السرحان.
(2) انظر: لسان الحكام (1/ 369)، الفوائد البهية للكنوي (13). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة بدار الكتب المصرية رقم: 463 فقه حنفي، ونسخة في مكتبة ولي الدين في جامع بايزيد باستنبول رقم: 1453. وقد طبع الكتاب بتحقيق: صديقي بن محمَّد ياسين – دار البشائر 1418 هـ.
(3) انظر: كشف الظنون (1/ 47)، هدية العارفين (1/ 535).
(4) انظر: مقدمة تحقيق أدب القضاء للسروجي (84)، المدخل إلى فقه المرافعات (209). والكتاب مطبوع.
(5) انظر: الثغر البسام في ذكر من ولي قضاء الشام (116)، فهرس مخطوطات المجمع العراقي (1/ 52).

(المقدمة/23)


55 – الارتضاء في شروط الحكم والقضاء، لأثير الدين محمَّد بن عمر الخصوصي القاهري الشافعي (1) ت 843 هـ.
56 – الاستغناء في آداب القضاء، لأبي القاسم خلف بن مسلمة ابن عبد الغفور المالكي (2) ت 440 هـ.
57 – الإشارة الناصحة لمن طلب الولاية بالنية الصالحة، لمحمد ابن سعيد السوسي المراكشي المالكي (3) ت 1089 هـ.
58 – الإشراف على غوامض الحكومات، لأبي سعيد محمَّد بن أحمد الهروي الشافعي (4) ت 518 هـ. وقد تقدم أنَّه شرح لكتاب العبادي “أدب القاضي”.
59 – إشراق النيرين في بيان الحكم إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين، لمحمد بن علي الشوكاني (5) ت 1250 هـ.
60 – اعتماد الحكام في مسائل الأحكام، لأبي علي حسن بن زكنون المالكي (6).
__________
(1) انظر: كشف الظنون (1/ 61)، إيضاح المكنون (1/ 56).
(2) انظر: الديباج المذهب (1/ 351) وفيه: “عظيم الفائدة نحو خمسين جزءًا”، المرقبة العليا (22 و 240)، تحرير الكلام على مسائل الالتزام (242)، النوازل للعلمي (1/ 124 و 139)، المعيار المعرب (6/ 10).
(3) انظر: إيضاح المكنون (1/ 85)، معجم المؤلفين (10/ 38).
(4) انظر: طبقات الفقهاء (1/ 287)، فتاوى ابن الصلاح (1/ 315)، طبقات السبكي (5/ 365)، المجموع (1/ 259).
(5) انظر: البدر الطالع (2/ 222)، أبجد العلوم (3/ 210)، إيضاح المكنون (1/ 87). وهو مطبوع ضمن “الفتح الرباني” (9/ 4591).
(6) توجد منه الأجزاء: 7 و 8 و 9 و 10 في مجلد ضخم بالخزانة العامة بالرباط: =

(المقدمة/24)


61 – الإعلام بنوازل الأحكام، لأبي الأصبغ عيسى بن سهل عبد الله الأسدي المالكي (1) ت 486 هـ.
62 – الإعلام بالمحاضر والأحكام، لأبي محمَّد عبد الله بن أحمد ابن دبوس الزناتي (2) ت 511 هـ.
63 – الإعلام في مصطلح الشهود والحكام، لنجم الدين بن إبراهيم بن علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي (3) ت 758 هـ.
64 – إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (4).
65 – كتاب الأقضية، لأبي محمَّد عبد الله بن عروة الهروي (5).
__________
= 413 ق.
(1) انظر: الديباج المذهب (2/ 71)، تحرير الكلام في مسائل الالتزام (76)، المعيار المعرب (2/ 246)، وسماه ابن عبد الرفيع: “الأحكام”. انظر: معين الحكام (2/ 614 و 657)، وسماه ابن فرحون: “الأقضية”. انظر: تبصرة الحكام (1/ 156). وقد طبع الكتاب بتحقيق: رشيد النعيمي – شركة الصفحات الذهبية: 1417 هـ، كما حقق الجزء الأول منه أنس العلاني، أطروحة علمية في الفقه والسياسة بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس. وله نسخة خطية بدار الكتب الوطنية بتونس رقم (18393).
(2) يقع في أربعة أسفار يوجد منه سفران في خزانة القرويين. وانظر: المعيار المعرب (8/ 422).
(3) انظر: تاج التراجم (10)، كشف الظنون (1/ 127)، الأعلام (1/ 51).
(4) ويسمى “معالم الموقعين”. انظر: إغاثة اللهفان (1/ 23)، الفوائد (23)، شذرات الذهب (1/ 259)، الدرر الكامنة (5/ 134)، كشف الظنون (1/ 125). وللكتاب نسختان خطيتان في المكتبة المحمودية بمكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة من رقم 1452 – 1454. وقد طبع الكتاب مرارًا.
(5) انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 294)، تذكرة الحفاظ للذهبي (3/ 786)، =

(المقدمة/25)


ت 311 هـ.
66 – كتاب الأقضية، لأبي القاسم أحمد بن محمَّد بن زياد المعروف بابن شبطون اللخمي المالكي (1) ت 312 هـ.
67 – كتاب الأقضية، لأبي نصر حبيب بن نصر بن سهل التميمي المالكي (2) ت 287 هـ.
68 – كتاب الأقضية، لأبي عبد الله محمَّد بن علي بن عمر المازري المالكي (3) ت 536 هـ.
69 – أقضية رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، لأبي عبد الله محمَّد بن الفرج المالكي المعروف بابن الطلاع (4) ت 497 هـ.
70 – أقضية الرسول – صلى الله عليه وسلم -، لظهير الدين علي بن عبد الرزاق المرغيناني الحنفي (5) ت 506 هـ.
71 – أقضية شريح، لأبي القاسم خلف بن قاسم بن سهل القرطبي
__________
= إيضاح المكنون (2/ 270)، معجم المؤلفين (5/ 83).
(1) انظر: الديباج المذهب (1/ 156).
(2) انظر: الديباج المذهب (1/ 336).
(3) انظر: تبصرة الحكام (1/ 76).
(4) انظر: كشف الظنون (1/ 137)، إيضاح المكنون (2/ 270)، وسماه الذهبي وابن فرحون: أحكام النبي – صلى الله عليه وسلم -. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 200)، الديباج المذهب (2/ 243)، المعيار المعرب (1/ 386). وقد طبع بتحقيق: د. محمَّد ضياء الرحمان الأعظمي.
(5) انظر: كشف الظنون (1/ 137).

(المقدمة/26)


المالكي المعروف بابن الدباغ (1) ت 393 هـ.
72 – بصيرة الحكام، لمحي الدين محمَّد بن إبراهيم بن فرحون (2).
73 – بلوغ السول من أقضية الرسول، لصديق حسن خان (3) ت 1307 هـ.
74 – تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، لبرهان الدين إبراهيم بن علي بن أبي القاسم المالكي المعروف بابن فرحون (4) ت 799 هـ.
وقد رتبه عبد الرحمن بن محمَّد بن الحبيب اللمطي (5) وسماه: “نظم الدر المكنون في ترتيب تبصرة ابن فرحون”.
75 – تبصرة القضاة والإخوان، لحسن العدوي الحمزاوي
__________
(1) انظر: تاريخ دمشق (17/ 15)، بغية الطلب في تاريخ حلب (7/ 3349)، سير أعلام النبلاء (17/ 113).
(2) انظر: إيضاح المكنون (1/ 185).
(3) انظر: أبجد العلوم (3/ 275)، إيضاح المكنون (1/ 196).
(4) انظر: كشف الظنون (1/ 339) وسماه: “التبصرة في أدب القضاء”، شجرة النور (1/ 222)، إيضاح المكنون (1/ 221)، تحرير الكلام (216 و 408)، الأعلام (1/ 52). وقد طبع الكتاب بهامش كتاب: “فتح العلي المالك” بولاق: 1300 هـ، وفي المطبعة الشرفية بالقاهرة سنة 1301 هـ، وأخيرًا بمكتبة الكليات الأزهرية بمراجعة: طه عبد الرؤوف سعد: 1406 هـ.
(5) له نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية بخط عبد السلام بن أحمد بن سبيكة فرغ من كتابتها أول شهر محرم: 1223 هـ.

(المقدمة/27)


المالكي (1) ت 1303 هـ.
76 – تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير، لمحمد أمين بن عمر الحنفي المعروف بابن عابدين (2) ت 1252 هـ.
77 – تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام، لأبي بكر محمَّد ابن محمَّد بن عاصم المالكي القيسي (3) ت 829 هـ أرجوزة. وقد شرحها جمع من علماء المالكية منهم:
أ – ولده يحيى بن محمَّد بن محمَّد القيسي (4).
ب – أبو العباس أحمد بن عبد الله المعروف باليزناسي (5).
ج – محمَّد بن أحمد الفاسي المالكي المعروف بميارة (6) ت 1072 هـ، وسماه: “الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام”
__________
(1) انظر: إيضاح المكنون (1/ 222)، الأعلام (2/ 199).
(2) انظر: إيضاح المكنون (1/ 229)، حاشية ابن عابدين (5/ 143).
(3) انظر: كشف الظنون (1/ 365)، كشف القناع عن تضمين الصناع (84)، النوازل للعلمي (1/ 46). وهي مطبوعة مع شرحها البهجة، وسيأتي ذكرها.
(4) انظر: شرح ميارة الفاسي على تحفة الأحكام (1/ 3)، وكشف القناع (90). وللكتاب نسخة خطية في دار الكتب التونسية تحت رقم: 13733. وانظر: المعيار المعرب: (3/ 25).
(5) انظر: شرح ميارة على التحفة (1/ 3)، وكشف القناع (80 و 515). وللكتاب نسخة خطية في دار الكتب التونسية رقم: 151.
(6) مطبوع، وانظر: كشف القناع عن تضمين الصناع (4/ 95)، النوازل للعلمي (1/ 56).

(المقدمة/28)


المشهور بشرح ميارة على التحفة.
د – أبو عبد الله محمَّد التاودي بن الطالب الفاسي (1) ت 1209 هـ، وسماه: “حلي المعاصم لبنت فكر ابن عاصم”.
هـ – أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي (2) ت 1258 هـ، وسماه: “البهجة في شرح التحفة”.
و- محمَّد بن يوسف القاضي التونسي (3) ت 1339 هـ، وسماه: “إحكام الأحكام على تحفة الحكام”.
78 – تنبيه الحكام، لأبي عبد الله محمَّد بن عيسى بن محمَّد القرطبي المالكي المعروف بابن المناصف (4) ت 620 هـ.
79 – تنبيه الخواص على أن الإمضاء من القضاء في الحدود لا في القصاص، لمحمود بن أحمد الحمزاوي الحنفي (5) ت 1305 هـ.
80 – توقيف الحكام على غوامض الأحكام، لشهاب الدين أحمد
__________
(1) مطبوع بهامش البهجة شرح التحفة، طبعة دار المعرفة – بيروت – الثالثة: 1397 هـ.
(2) مطبوع في دار المعرفة – بيروت – 1397 هـ في مجلدين كبيرين.
(3) مطبوع بتعليق: مأمون محيي الدين الجنان.
(4) انظر: تبصرة الحكام (1/ 88 و 138) و (2/ 313)، الأعلام (6/ 323)، النوازل للعلمي (1/ 276 و 317)، المعيار المعرب (10/ 76). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة في الكتب الصادقية بجامع الزيتونة بتونس رقم: 8241، وثانية في دار الكتب الوطنية بتونس برقم: 8892. وقد طبع الكتاب بتحقيق: عبد الحفيظ منصور – دار التركي للنشر 1988 م.
(5) انظر: إيضاح المكنون (1/ 324)، هدية العارفين (2/ 420).

(المقدمة/29)


ابن العماد الأقفهسي الشافعي (1) ت 808 هـ.
81 – جامع مسائل الأحكام لما نزل بالقضايا من المفتين والحكام، لأبي القاسم محمَّد بن أحمد البُرزلي المغربي المالكي (2) ت 844 هـ.
82 – جواهر الأحكام ومعين القضاة والحكام، لمحمد بن محمود ابن محمَّد (3) “من القرن العاشر”.
83 – جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود، لشمس الدين محمَّد بن أحمد المنهاجي الأسيوطي (4) ولد سنة 810 هـ ولم أجد تاريخ وفاته.
84 – الديباج المذهب في أحكام المذهب، لأبي عبد الله محمَّد ابن حسن بن إسماعيل البنبي الشافعي (5) ت 865 هـ.
85 – دستور القضاة، للقاضي مسعود الرازي (6).
__________
(1) انظر: كشف الظنون (1/ 508)، حواشي الشرواني (5/ 302). وله نسخة خطية في دار الكتب المصرية برقم: 906 فقه شافعي.
(2) انظر: إيضاح المكنون (1/ 358)، معجم المؤلفين (8/ 319).
(3) انظر: كشف الظنون (1/ 612)، معجم المؤلفين (12/ 4).
(4) انظر: كشف الظنون (1/ 614). وقد طبع الكتاب بتحقيق الشيخ محمَّد حامد الفقي.
(5) انظر: مقدمة المؤلف (1/ 5). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة بخط المؤلف بمكتبة السليمانية أسعد أفندي برقم: 686، ونسخة ثانية في دار الكتب المصرية برقم: 1550 فقه شافعي. وقد طبع الكتاب في أربعة مجلدات بتحقيق: محمَّد بن عوض الثمالي.
(6) انظر: كشف الظنون (1/ 754).

(المقدمة/30)


86 – الدعوى والإنكار، لأبي عبد الله محمَّد بن الحسن الرعيني المالكي (1).
87 – رد القول الخائب في القضاء على الغائب، للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي (2) ت 879 هـ.
88 – رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في القضاء (3).
وقد شرحها جمع من أهل العلم منهم:
أ – أبو العباس محمَّد بن يزيد الشهير “بالمبرد” أحد أئمة العربية في القرن الثالث في كتابه: “الكامل في اللغة والأدب” (4).
ب – أبو بكر محمَّد بن أحمد بن سهل السرخسي الحنفي ت 483 هـ، في كتابه: “المبسوط” (5).
ج – حسام الدين عمر بن عبد العزيز بن مازة البخاري الحنفي (6) ت 536 هـ.
د – أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن العربي المالكي ت 543 هـ في “عارضة الأحوذي” (7).
__________
(1) انظر: تحرير الكلام (87).
(2) انظر: كشف الظنون (1/ 837)، هدية العارفين (2/ 830).
(3) سيأتي تخريجها.
(4) الكامل في (1/ 9).
(5) المبسوط (16/ 6).
(6) أدب القاضي للخصاف وشرحه لابن مازه (1/ 213).
(7) عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي (9/ 170).

(المقدمة/31)


هـ – ابن قيم الجوزية في كتابه: “إعلام الموقعين عن رب العالمين” (1) وشرحها شرحًا طويلًا جدًّا.
و- محمَّد بن محمَّد بن أبي بكر الميلي القسطنطيني من علماء القرن التاسع الهجري، وقد شرحها بمصنف أسماه: “الافتتاح من الملك الوهاب في شرح رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب” (2).
ز – أبو القاسم الطبري (3).
89 – رسالة في شرح حديث: “البينة على المدعي واليمين على من أنكر” (4)، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي ت 474 هـ.
90 – رسالة في قضاء الأعمى وجوازه، لأبي سعد عبد الله بن محمَّد بن هبة الله المعروف بابن أبي عصرون الشافعي (5) ت 585 هـ.
91 – روضة الأحكام وزينة الحكام، لأبي نصر شريح بن عبد الكريم بن أحمد الروياني الشافعي (6) ت 505 هـ.
__________
(1) إعلام الموقعين (1/ 125).
(2) طبعت بتحقيق: أحمد سحنون – مطبوعات وزارة الأوقاف والشئون الإِسلامية بالمغرب: 1412 هـ.
(3) انظر: أحكام أهل الذمة (2/ 744).
(4) له نسخة في الخزانة العامة في المغرب الرباط رقم: 1196.
(5) انظر: الوافي بالوفيات (17/ 309)، وفيات الأعيان (3/ 54)، البداية والنهاية (16/ 610)، كشف الظنون (1/ 883)، سير أعلام النبلاء (21/ 127)، طبقات الشافعية للسبكي (7/ 135)، منادمة الأطلال (1/ 133)، الدارس (1/ 305).
(6) انظر: طبقات الفقهاء (1/ 256)، الديباج المذهب في أحكام المذهب (1/ 197 و 253)، كشف الظنون (1/ 923)، إيضاح المكنون (1/ 592). وسماه بعض =

(المقدمة/32)


92 – روضة القضاة في المحاضر والسجلات، لمصطفى بن محمَّد الرومي الحنفي (1) ت 1097 هـ.
93 – روضة القضاة وطريق النجاة (2)، لأبي القاسم علي بن محمَّد بن أحمد الرحبي الرومي السمناني الحنفي ت 493 هـ.
94 – زهر الكمام في إحكام أحكام الحكام، لمحمد بن عبد الله الغزي الأندلسي (3) ت 546 هـ.
95 – سر السراة في أدب القضاة، لأبي الفضل عياض بن موسى
__________
= العلماء: “روضة الحكام”. فتاوى السبكي (2/ 454)، طبقات الفقهاء (1/ 288)، وسماه بعض العلماء: “أدب القضاء”. انظر: المنثور في القواعد (3/ 12)، الأشباه للسيوطي (167). وللكتاب نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية رقم: 337.
(1) انظر: إيضاح المكنون (1/ 596)، معجم المؤلفين (12/ 283). وله نسخة خطية في مكتبة عموجة حسين باشا برقم: 192، وأخرى في مكتبة أسعد أفندي برقم: 805 – 806.
(2) للكتاب نسخ خطية منها نسخة في داماد زاده في استنبول برقم: 7/ 736، وفي الزيتونة بتونس برقم: 17. وقد طبع الكتاب بتحقيق: د. صلاح الدين الناهي – مؤسسة الرسالة: 1404 هـ. وقد ذكر حاجي خليفة أن الكتاب لفخر الدين الزيلعي، وذكر فاتحة الكتاب وهي مطابقة لكتاب السمناني، وأظن نسبته للزيلعي خطأ؛ وذلك لكون الزيلعي من أعيان القرن السابع. وقد ذكر حاجي خليفة أنَّه قد انتهى من تأليفه سنة: 405 هـ، وفيما ذكره نظر؛ فقد جاء في إحدى نسخ الكتاب أن مؤلفه انتهى من تأليفه سنة: 478 هـ، مما يؤكد نسبته للسمناني. انظر: كشف الظنون (1/ 931)، ومحقق الكتاب لم يشر إلى شيء من ذلك.
(3) انظر: كشف الظنون (2/ 960).

(المقدمة/33)


ابن عياض اليحصبي المالكي (1) ت 544 هـ.
96 – السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الحنبلي (2) ت 728 هـ.
97 – السياسة الشرعية، لزين الدين بن إبراهيم بن محمَّد الشهير بابن نجيم الحنفي (3) ت 970 هـ.
98 – السياسة الشرعية، لإبراهيم بن يحيى خليفة المعروف بدده أفندي الحنفي (4) ت 973 هـ.
99 – السياسة والأحكام، لأبي المكارم محمَّد بن مصطفى بن
__________
(1) انظر: الديباج المذهب (2/ 50).
(2) انظر: الإنصاف (18/ 9)، كشاف القناع (3/ 90)، أبجد العلوم (2/ 330)، كشف الظنون (2/ 1011). وللكتاب نسخ خطية كثيرة منها نسخة في دار الكتب الظاهرية رقم: 3246، ونسخة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد برقم: 13822/ 10، ونسخة في دار الكتب المصرية: برقم: 1318. وقد طبع الكتاب ضمن “مجموع فتاوى ابن تيمية” (28/ 244 – 397)، وطبع في دار البيان بدمشق: 1405 هـ، ولم يعتمد محققها على نسخة خطية.
(3) انظر: كشف الظنون (1/ 872). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة في مكتبة الأزهر تحت رقم: 659، ورقمها العام: 45808. ونسخة في مكتبة السليمانية في استنبول برقم: 407، مكتبة عاشر أفندي. وقد طبع الكتاب بتحقيق: د. عبد الله الحديثي – دار المسلم – 1416 هـ.
(4) انظر: كشف الظنون (1/ 872). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة في مكتبة الأزهر، تحت رقم: 489. ونسخة في مكتبة الاسكندرية، برقم: 2084. وقد طبع الكتاب بتحقيق د. فؤاد عبد المنعم – مؤسسة شباب الجامعة – الاسكندرية: 1411 هـ.

(المقدمة/34)


حبيب الملقب بالدده الحنفي (1) ت 1146 هـ.
100 – سيف القضاة على البغاة، لمحيي الدين محمَّد بن سليمان الكافيجي الحنفي (2) ت 879 هـ.
101 – ضياء الحكام فيما لهم وعليهم من الأحكام (3)، لعبد الله بن محمَّد بن فودي ت 1246 هـ.
102 – الطرق الحكمية (4)، لابن قيم الجوزية.
103 – الطريقة الواضحة إلى البينة الراجحة، لمحمود بن محمَّد الحمزاوي الحنفي (5) ت 1305 هـ.
104 – ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي، لصديق حسن خان القنوجي (6) ت 1307 هـ.
105 – العقد المنظم للحكام فيما يجري بين أيديهم من العقود والأحكام، لعبد الله بن علي بن عبد الله الكناني المالكي الشهير بابن سلمون (7) ت 741 هـ.
__________
(1) انظر: سلك الدرر (1/ 66)، إيضاح المكنون (4/ 304).
(2) انظر: كشف الظنون (2/ 1018)، حاشية ابن عابدين (5/ 463) و (7/ 65)، العقود الدرية (2/ 97)، غمز عيون البصائر (2/ 353).
(3) طبع بمكة، طبعه أبو بكر محمَّد الفلاني.
(4) سيأتي الحديث عنه.
(5) انظر: إيضاح المكنون (2/ 86)، الأعلام (7/ 185).
(6) انظر: مقدمة المؤلف (2)، أبجد العلوم (2/ 434) و (3/ 277)، إيضاح المكنون (2/ 90). وقد طبع الكتاب بالمكتبة السلفية – لاهور: 1402 هـ.
(7) انظر إيضاح المكنون (2/ 111)، النوازل (1/ 299)، فتح العلي المالك (2/ 303). وقد طبع الكتاب بهامش تبصرة الحكام – المطبعة الشرفية – القاهرة – =

(المقدمة/35)


106 – عمدة الحكام فيما لا ينفذ من الأحكام، لنجم الدين إبراهيم بن علي الطرسوسي الحنفي (1) ت 758 هـ.
107 – عمدة الحكام ومرجع القضاة في الأحكام، لمحب الدين محمَّد بن أبي بكر الدمشقي الحنفي (2) ت 1016 هـ.
108 – العمدة في أدب القضاء، لمحمد بن يحيى الخبوشاني (3) ت 474 هـ.
109 – الفائق في الأحكام والوثائق، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن راشد القفصي المالكي (4) ت 736 هـ.
110 – الفواكه البدرية في الأقضية الحكمية، لبدر الدين أبي اليسر محمَّد بن محمَّد الشهير بابن الغرس الحنفي (5) ت 932 هـ. ويسمى: “الفوائد الفقهية في أطراف الأقضية الحكمية” (6).
111 – فصول الأحكام لأصول الأحكام (7)، لأبي الفتح عبد الرحيم
__________
= 1301 هـ، وطبعة ثانية بمطبعة محمَّد مصطفى: 1302 هـ.
(1) انظر: كشف الظنون (2/ 1166).
(2) انظر: إيضاح المكنون (2/ 121)، معجم المؤلفين (9/ 109).
(3) انظر: كشف الظنون (2/ 1169)، معجم المؤلفين (12/ 102).
(4) انظر: شجرة النور الزكية (1/ 208).
(5) انظر: كشف الظنون (2/ 1293).
(6) انظر: كشف الظنون (2/ 1300). وقد طبع الكتاب مع شرحه “المجاني الزهرية” للقاضي محمَّد صالح عبد الفتاح.
(7) له نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم: 308.

(المقدمة/36)


ابن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني من علماء القرن السابع.
112 – فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام، لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي القرطبي المالكي (1) ت 474 هـ. ويسمى: “أحكام القضاة” (2).
113 – كتاب “القضاء”، لأبي الحارث سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي (3) ت 235 هـ.
114 – كتاب القضاة، لأبي محمَّد عبد الغني بن سعيد بن بشر
__________
(1) انظر: إيضاح المكنون (2/ 193)، هدية العارفين (1/ 397)، الأعلام (3/ 125). وفي مكتبة شهيد علي بتركيا نسخة خطية باسم: “شرح فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه عمل الفقهاء والحكام”، والمؤلف مجهول، وهي برقم: 2168.
(2) كما في أحد النسخ الخطية، وهي مملوكة لمحمد أحنانا بتطوان بالمغرب، ضمن مجموع. كما للكتاب عدة نسخ خطية منها نسخة بالمكتبة الوطنية بتونس برقم: 1694، وأخرى برقم: 819. وقد نسب الكتاب للقاضي عبد الوهاب كما في نسخة خطية بالخزانة العامة بالرباط برقم: 1024، “ضمن مجموع تبدأ من ص 280″، وأخرى ضمن مجموع برقم: 3219 تبدأ من ص 154. وقد طبع الكتاب باسم: “فصول الأحكام”، تحقيق الباتول بن علي – وزارة الأوقاف المغربية – 1410 هـ.
(3) انظر: الطرق الحكمية (386)، تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة (83). وللكتاب نسخة خطية بالمكتبة الظاهرية، مجموع: 229، تبدأ من ص 113. وأخرى في فيض الله باستنبول، برقم: 506. فهرس المخطوطات الظاهرية للألباني (635). وقد طبع جزء منه بتحقيق: د. عامر حسن صبري – دار البشائر الإِسلامية – بيروت 1421 هـ.

(المقدمة/37)


الأزدي المصري (1) ت 409 هـ.
115 – كتاب القضاء والأرضين والدور (2)، لأبي الوليد محمَّد بن رشد المالكي “الجد” ت 520 هـ.
116 – كتاب القضاة والشهود، لأبي سعيد محمَّد بن علي بن عمرو الأصبهاني الحنبلي المعروف بـ “النقاش” (3) ت 414 هـ، ويسمى: كتاب الشهود (4).
117 – كتاب القضاة والشهود، لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (5) ت 285 هـ.
118 – كتاب القضايا وآداب الأحكام، لأبي النضر بن مسعود العياشي (6) ت 320 هـ.
119 – كتاب القضايا والأحكام، لأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي (7) ت 324 هـ.
__________
(1) انظر طبقات الحنفية (1/ 116).
(2) له نسخة خطية بالخزانة العامة بالرباط، ضمن مجموع تحت رقم: 424 ق.
(3) انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 308)، تذكرة الحفاظ (3/ 1060)، المعجم المؤسس للمعجم المفهرس (2/ 391)، الدر المنثور (5/ 663).
(4) انظر: فتح الباري (5/ 310)، عمدة القاري (13/ 209).
(5) انظر: كشف الظنون (2/ 1450).
(6) انظر: الفهرست (333).
(7) انظر: الفهرست (371)، المعيار المعرب (10/ 94).

(المقدمة/38)


120 – كتاب القضايا والأحكام فيما يتردد بين المتخاصمين عند القضاة والحكام (1).
121 – قلادة التسجيلات والعقود وتصرف القاضي والشهود، لأبي عمران موسى بن عيسى المغيلي المالكي (2)، فرغ من تأليفه سنة 791 هـ.
122 – القول الصائب في جواز القضاء على الغائب، لسراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الشافعي (3) ت 805 هـ.
123 – القول القائم في بيان حكم الحاكم، لقاسم بن قطلوبغا الحنفي (4) ت 879 هـ.
124 – القول الماضي فيما يجب للمفتي والقاضي، لعبد الباقي ابن محمود الألوسي البغدادي الحنفي (5) ت 1298 هـ.
125 – القول المرتضى في أحكام القضاء، لبدر الدين محمَّد بن عبد الرحمن البُرْلسلي المالكي (6) ت 1010 هـ.
__________
(1) بحثت عن اسم مؤلفه فلم أجده، ويظهر أنَّه لأحد علماء المالكية؛ فقد ذكره ابن فرحون في تبصرة الحكام (1/ 216) و (1/ 317).
(2) انظر: كشف الظنون (2/ 1353).
(3) انظر: كشف الظنون (2/ 1364).
(4) انظر: إيضاح المكنون (2/ 251).
(5) انظر: إيضاح المكنون (2/ 251)، معجم المؤلفين (5/ 76)، الأعلام (3/ 272). والكتاب مطبوع.
(6) انظر: إيضاح المكنون (2/ 253)، معجم المؤلفين (10/ 136).

(المقدمة/39)


126 – لامية في علم القضاء، لأبي الحسن بن علي بن قاسم التجيبي المالكي الشهير بالزقاق (1) ت 912 هـ. وقد شرحها محمَّد بن محمَّد الفاسي المالكي الشهير بميارة (2) ت 1072 هـ، وسماه: “فتح العليم الخلاق في شرح لامية الزقاق”. كما شرحها أبو عبد الله محمَّد التاودي بن محمَّد الطالب الفاسي ت 1209 هـ، وهي مطبوعة، وللشيخ على التسولي حاشية عليها (3).
127 – لسان الحكام في معرفة الأحكام، لأبي الوليد إبراهيم بن محمَّد الشهير بابن الشحنة الحنفي (4) ت 882 هـ.
128 – لوازم القضاة والحكام في إصلاح أمور الأنام، لمصطفى ابن محمَّد السيروزي الحنفي (5) ت 1090 هـ.
129 – مجالس القضاة والحكام، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله
__________
(1) مطبوع، وانظر: كشف القناع عن تضمين الصناع (94)، النوازل للعلمي (1/ 210 و 394).
(2) انظر: شرح ميارة على تحفة الحكام (1/ 148) و (2/ 9 و 46) “الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام”، النوازل للعلمي (1/ 210)، النوازل للكيكي (79)، فتح العلي المالك (1/ 388) و (2/ 308).
(3) طبع بالمطبعة الرسمية التونسية – أولى – 1303 هـ.
(4) انظر: كشف الظنون (2/ 1549)، حاشية ابن عابدين (4/ 427)، البحر الرائق (3/ 272) و (6/ 133)، غمز عيون البصائر (3/ 271)، العقود الدرية تنقيح الفتاوى الحامدية (1/ 72)، درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 475). وقد طبع الكتاب – البابي الحلبي – 1393 هـ.
(5) انظر: إيضاح المكنون (2/ 412)، والأعلام (7/ 241).

(المقدمة/40)


المكناسي (1) ت 917 هـ.
130 – المحاضر والسجلات، لأبي الفرج المعافي بن زكريا النهرواني (2) ت 310 هـ.
131 – المحاضر والسجلات، لأبي عبد الله محمَّد بن سماعة التميمي الحنفي (3) ت 233 هـ.
132 – المحاضر والسجلات، لأبي بكر أحمد بن عمر الخصاف الحنفي (4) ت 261 هـ.
133 – المحاضر والسجلات، لأبي خازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي (5) ت 292 هـ.
134 – المحاضر والسجلات، لأبي جعفر أحمد بن محمَّد بن سلامة الطحاوي (6) ت 321 هـ.
135 – المحاضر والسجلات والوثائق والعهود، لقتيبة بن زياد
__________
(1) انظر: كشف القناع (116 و 134)، النوازل للعلمي (1/ 147 و 393)، النوازل للكيكي (97). حققه: سويعد بن سلمي الحربي – رسالة علمية مقدمة للمعهد العالي للقضاء بالرياض.
(2) انظر: الفهرست (387).
(3) انظر: الفهرست (347)، طبقات الحنفية (1/ 59).
(4) انظر: الفهرست (348).
(5) انظر: الفهرست (350)، طبقات الحنفية (1/ 297).
(6) انظر: الفهرست (350).

(المقدمة/41)


الخرساني الحنفي (1).
136 – المحاضر والسجلات، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري (2) ت 310 هـ.
137 – المحاضر والسجلات، لأبي عبد الله محمَّد بن حرب البصري الحنفي (3) ت 261 هـ.
138 – المحاضر والسجلات، لأبي الفضل محمَّد بن عمر بن محمَّد الحنفي ويعرف بابن الجنيدي (4).
139 – المحاضر والسجلات، لأبي بكرة بكار بن قتيبة بن أسد الثقفي الحنفي (5) ت 270 هـ.
140 – المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، لأبي الحسن علي بن عبد الله بن محمَّد المالقي النباهي المالكي (6) ت 793 هـ.
141 – مزيل الملام عن حكام الأنام (7)، لأبي زيد عبد الرحمن بن
__________
(1) انظر: الفهرست (349)، طبقات الحنفية (1/ 413).
(2) انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 274)، طبقات السبكي (3/ 122).
(3) انظر: طبقات الحنفية (1/ 88).
(4) انظر: طبقات الحنفية (1/ 103).
(5) انظر: طبقات الحنفية (169).
(6) انظر: أزهار الرياض (2/ 7)، نيل الابتهاج (206) وسماه: “المرقاة العليا في مسائل القضاء”. وقد طبع الكتاب بتحقيق: د. مريم قاسم طويل – دار الكتب العلمية – 1415 هـ.
(7) له نسخة خطية في مكتبة أسعد أفندي بالمكتبة السليمانية باستنبول تحت رقم: 1899. وقد طبع الكتاب بتحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد – دار الوطن 1417 هـ.

(المقدمة/42)


محمَّد بن محمَّد بن خلدون المالكي ت 808 هـ.
142 – المسائل المرتضاة فيما يعتمده الحكام والقضاة، لإسماعيل بن القاسم الزيدي اليمني (1) ت 1087 هـ. وقد شرحه إسماعيل بن يحيى بن حسن الصعدي الصنعاني (2) ت 1209 هـ. كما شرحه صالح بن داود الآنسي (3) ت 1062 هـ.
143 – مسعفة الحكام على الأحكام المتعلقة بالقضاة والحكام، لمحمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب التمرتاشي الحنفي (4) ت 1004 هـ.
144 – معتمد الخلائق في علم الوثائق، لشهاب الدين أحمد بن إلياس (5).
145 – معتمد الخلائق في علم الوثائق، لعبد الله بن أبي أحمد الشريف الفرغاني المعروف بالعبري (6) ت 743 هـ.
__________
(1) انظر: الأعلام (1/ 322)، وسماه الشوكاني: “المسائل المرتضاة إلى جميع القضاة”. انظر: البدر الطالع (1/ 147).
(2) انظر: البدر الطالع (1/ 158).
(3) انظر: البدر الطالع (2/ 102).
(4) انظر: هدية العارفين (6/ 262)، كشف الظنون (2/ 676)، إيضاح المكنون (1/ 36)، الأعلام (6/ 240)، معجم المؤلفين (10/ 196). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة في دار الكتب الظاهرية، تحت رقم: 5773، ونسخة في دار الكتب المصرية فقه حنفي، رقم: 1415. وقد طبع الكتاب بتحقيق: د. صالح الزيد 1416 هـ، مكتبة المعارف.
(5) انظر: كشف الظنون (2/ 1732).
(6) انظر: كشف الظنون (2/ 1732).

(المقدمة/43)


146 – معين الحكام على القضايا والأحكام، لأبي إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع التونسي المالكي (1) ت 733 هـ. وله مختصر باسم: “مختصر معين الحكام لابن عبد الرفيع” (2).
147 – معين الحكام على غوامض الأحكام، لأبي الروح عيسى ابن عثمان الغزي الشافعي (3) ت 799 هـ.
148 – معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، لأبي الحسن علي بن خليل الطرابلسي الحنفي (4) ت 844 هـ.
149 – معين القضاة، لمحمد بن سليمان (5).
150 – المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام، لأبي
__________
(1) انظر: تبصرة الحكام (1/ 53 و 195)، الديباج المذهب (1/ 270) وفيه: “كتاب كثير الفائدة غزير العلم نحا فيه إلى اختصار المتيطية” ا. هـ. التاج والإكليل (4/ 282)، الفواكه الدواني (2/ 222)، حاشية الدسوقي (2/ 483)، كشف الظنون (2/ 1745). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة بدار الكتب التونسية برقم: 12343، ونسخة ثانية برقم: 823، وثالثة برقم: 17496. وقد طبع الكتاب بتحقيق: د. محمَّد بن قاسم بن عباد – دار الغرب 1989 م.
(2) لم أعرف مؤلفه، وله نسخ خطية بدار الكتب المصرية ضمن مجموع رقم: 20497، كتبت سنة 980 هـ. انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية لفؤاد سيد أمين (1/ 37).
(3) انظر: كشف الظنون (2/ 1745).
(4) انظر: كشف الظنون (2/ 1745)، حاشية ابن عابدين (4/ 15). والكتاب مطبوع بمطبعة البابي الحلبي – 1393 هـ.
(5) انظر: كشف الظنون (2/ 1745) وذكر أنَّه مجلد.

(المقدمة/44)


الوليد هشام بن عبد الله الأزدي المالكي (1) ت 606 هـ.
151 – المقنع في أصول الأحكام فيما لا يستغني عنه الحكام، لسليمان بن محمَّد بن بطال البطليوسي المالكي المعروف بالمتلمس (2) ت 404 هـ.
152 – ملجأ الحكام عند التباس الأحكام، لأبي العز يوسف بن رافع بن تميم الأسدي الشافعي المعروف بابن شداد (3) ت 632 هـ.
153 – ملجأ القضاة عند تعارض البينات، لأبي محمَّد غانم بن محمَّد البغدادي (4) ت 1031 هـ.
__________
(1) انظر: معين الحكام (1/ 423 و 645)، تبصرة الحكام (1/ 76 و 100)، تحرير الكلام (175)، المرقبة العليا (141)، إغاثة اللهفان (2/ 514)، مواهب الجليل (5/ 103)، المعيار المعرب (8/ 423). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة بدار الكتب التونسية برقم: 3462، ونسخة بالخزانة العامة بالرباط برقم: 508، وثالثة بالخزانة الملكية بالرباط: 2692. وقد حقق الكتاب: سليمان أبا الخيل، أطروحة علمية بالمعهد العالي للقضاء بالرياض.
(2) انظر: الديباج المذهب (1/ 376)، المرقبة العليا (22)، إيضاح المكنون (2/ 548)، معجم المؤلفين (4/ 256).
(3) انظر: وفيات الأعيان (7/ 99)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 97)، مرآة الجنان (4/ 82)، الأنس الجليل (2/ 102)، الوافي بالوفيات (29/ 88)، كشف الظنون (2/ 1816)، معجم المؤلفين (13/ 299)، الأعلام (8/ 230). وللكتاب نسخة خطية بدار الكتب المصرية. فهرست دار الكتب المصرية (3/ 278).
(4) انظر: كشف الظنون (2/ 1816)، معجم المؤلفين (8/ 38). وقد حقق الكتاب: خالد عبد العزيز أطروحة علمية بجامعة أم القرى.

(المقدمة/45)


154 – مناط الأحكام ومعين القضاة والحكام، ويعرف: بشروط ابن بهرام. لأبي بكر عبد الله بن محمَّد بن بهرام (1) من علماء القرن التاسع.
155 – منتخب الأحكام، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن عيسى ابن أبي زمنين القرطبي المالكي (2) ت 399 هـ.
156 – منتخب الأحكام، لأبي محمَّد بن الحسن القروي المالكي (3).
157 – منهاج القضاة، لأبي مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان الأندلسي (4) ت 238 هـ.
158 – المنهج الفائق والمنهل الرائق والمغني اللائق بآداب
__________
(1) انظر: كشف الظنون (2/ 1833) وذكر أنَّه انتهى من تأليفه سنة 862 هـ.
وانظر: معجم المؤلفين (6/ 113).
(2) انظر: مفيد الحكام (1/ 282)، حاشية البناني على شرح الزرقاني (7/ 152)، النوازل للعلمي (1/ 50)، معين الحكام (2/ 421 و 470)، الديباج المذهب (2/ 233)، مواهب الجليل (6/ 229)، سير أعلام النبلاء (17/ 188). وللكتاب نسخ خطية منها نسخة بدار الكتب الوطنية بتونس رقم: 4863، ونسخة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 424، وثالثة بالمكتبة الوطنية بالجزائر تحت رقم: 1368. وقد طبع الكتاب بتحقيق: د. عبد الله بن عطية الغامدي – المكتبة المكية 1419 هـ.
(3) انظر: نوازل الكيكي (54).
(4) انظر: العقد المنظم (2/ 201)، شرح التحفة لميارة (1/ 49)، تنبيه الحكام (186)، معين الحكام (2/ 613)، المرقبة العليا (230).

(المقدمة/46)


الموثق وأحكام الوثائق، لأبي العباس أحمد بن يحيى بن عبد الواحد الونشريسي المالكي (1) ت 914 هـ.
159 – المنهج الرائق في الوثائق، ليوسف بن عبد الله بن سعيد الأندلسي المالكي (2) ت 575 هـ.
160 – مهمات القضاة، لحمزة بن عبد الله القرة حصاري الرومي (3) ت 978 هـ.
161 – المهذب الرائق في تدريب الناشئ من القضاة وأهل الوثائق، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله المغيلي المالكي (4) من علماء القرن التاسع.
162 – نظم العمل، لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي المالكي ت 1096 هـ وشرحه لأبي عبد الله محمَّد بن أبي القاسم السجلماسي المالكي (5) من علماء القرن الثاني عشر.
__________
(1) انظر: شرح التحفة لميارة (1/ 223 و 239)، كشف الظنون (2/ 1882)، النوازل للعلمي (1/ 277)، نيل الابتهاج (58). طبع بفاس 1292 هـ. وحققه عبد الرحمن الأطرم أطروحة علمية بالمعهد العالي للقضاء بالرياض. وقد نسبه حاجي خليفة خطأ لأبي العباس بن يحيى التلمساني ت 776 هـ. وانظر: المعيار المعرب (4/ 20 و 183).
(2) انظر: الوافي بالوفيات (29/ 101).
(3) انظر: كشف الظنون (2/ 1916).
(4) النوازل للكيكي (80).
(5) انظر: شجرة النور الزكية (1/ 376). والكتاب مطبوع.

(المقدمة/47)


163 – النوازل، لأبي عيسى بن دينار الغافقي القرطبي (1) ت 212 هـ.
164 – النوازل، لأبي عبد الله أصبغ بن الفرج بن سعيد القرشي المالكي (2) ت 225 هـ.
165 – النوازل، لسحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي (3) ت 240 هـ.
166 – النوازل (4)، لمحمد بن سحنون التنوخي ت 256 هـ.
167 – النوازل، لعبد الرحمن بن موسى بن حدير (5) ت 369 هـ.
168 – النوازل، لأبي محمَّد عبد الله بن إسحاق القيرواني المعروف بابن التبان المالكي (6) ت 371 هـ.
169 – النوازل، لأبي الليث نصر بن محمَّد بن أحمد السمرقندي
__________
(1) انظر: معين الحكام (2/ 817)، المعيار المعرب (6/ 211) و (8/ 16)، البيان والتحصيل (8/ 166).
(2) انظر: معين الحكام (2/ 403 و 620)، البيان والتحصيل (1/ 84) و (2/ 216).
(3) انظر: معين الحكام (2/ 391 و 574)، البيان والتحصيل (1/ 73)، المعيار المعرب (1/ 245) و (2/ 283)، النوازل للعلمي (1/ 209)، الذخيرة في محاسن الجزيرة (2/ 304)، الذخيرة للقرافي (2/ 304).
(4) يوجد للكتاب نسخة خطية بدار الكتب العلمية التونسية ضمن مجموع رقمها: 18668.
(5) انظر: التكملة لكتاب الصلة (2/ 171).
(6) انظر: شجرة النور الزكية (1/ 95).

(المقدمة/48)


الحنفي (1) ت 393 هـ.
170 – النوازل، لأبي الوليد محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن رشد المالكي “الجد” (2) ت 503 هـ.
171 – النوازل، لأبي عبد الله محمَّد بن أحمد التجيبي المعروف بابن الحاج المالكي (3) ت 529 هـ.
172 – النوازل والواقعات، لحسام الدين عمر بن عبد العزيز البخاري الحنفي المعروف بالصدر الشهيد (4) ت 536 هـ.
173 – النوازل، لأحمد بن موسى بن عيسى الكشي الحنفي (5) ت صدر سنة 555 هـ، ويسمى: “مجموع النوازل والحوادث والواقعات”.
174 – النوازل، لأبي عمرو جمال الدين بن عثمان بن أبي بكر
__________
(1) انظر: طبقات الحنفية (1/ 191)، كشف الظنون (2/ 1282). له نسخة خطية بمكتبة أحمد الثالث – اسطنبول، وله شريط مصور بمركز إحياء التراث الإِسلامي – جامعة أم القرى بمكة رقم: 44 فقه حنفي.
(2) انظر: المعيار المعرب (1/ 272)، النوازل للعلمي (1/ 244)، التكملة لكتاب الصلة (3/ 91). وله نسخة خطية بدار الكتب التونسية رقمها: 12397.
(3) انظر: النوازل للعلمي (1/ 65 و 162)، المعيار المعرب (1/ 241 و 245).
(4) انظر: كشف الظنون (2/ 1282) وسماه أيضًا: “واقعات الحسامي”. انظر: كشف الظنون (2/ 1998).
(5) انظر: كشف الظنون (2/ 1606).

(المقدمة/49)


الكردي المالكي المعروف بابن الحاجب (1) ت 646 هـ.
175 – النوازل، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الحنفي المعروف بابن عبد الحق (2) ت 744 هـ.
176 – النوازل، لأبي القاسم أحمد بن محمَّد البرزلي المالكي (3) ت 841 هـ.
177 – النوازل، لعبد الله بن محمَّد بن موسى العبدوسي المالكي (4) ت 849 هـ.
178 – النوازل، ليحيى بن أبي عمران موسى بن عيسى المازوني (5) ت 883 هـ.
179 – النوازل، لأبي الحسن علي بن عيسى بن علي العلمي المالكي (6) من علماء القرن الحادي عشر الهجري.
180 – النوازل، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن الكيكي المالكي (7) ت 1185 هـ، ويسمى: “مواهب ذي الجلال في
__________
(1) انظر: النوازل للعلمي (1/ 173).
(2) انظر: طبقات الحنفية (1/ 42).
(3) انظر: النوازل للعلمي (1/ 45 و 61)، المعيار المعرب (9/ 444)، الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى (5/ 75).
(4) انظر: النوازل للعلمي (1/ 103).
(5) انظر: النوازل للعلمي (1/ 24 و 116)، نفح الطيب (5/ 420).
(6) طبع الكتاب بتحقيق المجلس العلمي بفاس – وزارة الأوقاف المغربية 1403 هـ.
(7) طبع بتحقيق: أحمد توفيق – دار الغرب الإِسلامي 1997 م.

(المقدمة/50)


نوازل البلاد السائبة والجبال”.
181 – النوازل الصغرى، لأبي عبد الله سيدي محمد المهدي (1) ت 1342 هـ، وتسمى: “المنح السامية في النوازل الفقهية”.
182 – النهاية والتمام في الوثائق والأحكام، لأبي الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم المتيطي (2) ت 570 هـ. وتعرف: “بالمتيطية”.
183 – الوثائق، لسحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي (3) ت 240 هـ.
184 – الوثائق المجموعة، لمحمد بن إبراهيم بن عبدوس المالكي (4) ت 260 هـ.
185 – الوثائق، لأبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني الشافعي (5) ت 264 هـ.
186 – الوثائق والشروط، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن
__________
(1) طبع في أربع مجلدات كبيرة بوزارة الأوقاف المغربية 1412 هـ.
(2) انظر: معين الحكام (2/ 585)، نوازل العلمي (1/ 79)، المعيار المعرب (6/ 537)، نوازل الكيكي (108)، الاستقصاء (2/ 209). وللكتاب نسخة خطية بمكتبة الحرم النبوي الشريف برقم: 49 “الوثائق المجموعة”.
(3) انظر: مواهب الجليل (5/ 433).
(4) انظر: البيان والتحصيل (1/ 78)، المعيار المعرب (4/ 25 و 147)، تحرير الكلام (123)، الذخيرة (1/ 173).
(5) انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 493)، طبقات الفقهاء (1/ 109)، طبقات الشافعية للسبكي (2/ 93)، وفيات الأعيان (1/ 217).

(المقدمة/51)


الحكم المالكي (1) ت 268 هـ.
187 – الوثائق والعهود، لأبي بكرة بكار بن قتيبة بن أسد الثقفي الحنفي (2) ت 270 هـ.
188 – الوثائق، لأبي سلمة فضل بن سلمة بن جرير الجهني البجائي المالكي (3) ت 319 هـ.
189 – الوثائق، لأبي عبد الله محمد بن يحيى بن لبابة المالكي المعروف بـ “البرجون” (4) ت 336 هـ.
190 – الوثائق، لأحمد بن سعيد بن الهندي المالكي (5) ت 399 هـ.
191 – الوثائق، لمحمد بن أحمد بن العطار المالكي (6) ت 399 هـ.
__________
(1) انظر: الديباج المذهب (2/ 695).
(2) انظر: طبقات الحنفية (1/ 169).
(3) انظر: الديباج المذهب (2/ 138)، ومواهب الجليل (3/ 430).
(4) انظر: الديباج المذهب (2/ 200)، مواهب الجليل (4/ 21)، شجرة النور (1/ 86).
(5) انظر: البيان والتحصيل (8/ 35) و (10/ 538)، معين الحكام (1/ 207)، المعيار المعرب (3/ 71)، حاشية الدسوقي (4/ 111)، مواهب الجليل (3/ 410).
(6) انظر: البيان والتحصيل (8/ 238)، المعيار المعرب (9/ 204)، المرقبة العليا (236)، مواهب الجليل (4/ 160)، التاج والإكليل (6/ 183)، عقد الجواهر الثمينة (2/ 583).

(المقدمة/52)


192 – الوثائق، لأبي عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين القرطبي المالكي (1) ت 399 هـ.
193 – الوثائق، لأحمد بن محمد بن مغيث الطليطلي المالكي (2) ت 459 هـ.
194 – الوثائق والأحكام، لأبي محمد عبد الله بن فتوح بن موسى الفهري البونتي (3) ت 462 هـ.
195 – الوثائق، لأبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي المالكي (4) ت 474 هـ.
196 – الوثائق، لأبي عبد الله محمد بن الفرج المالكي المعروف بابن الطلاع (5) ت 497 هـ.
__________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 189)، المعيار المعرب (6/ 466)، طبقات المفسرين للداوودي (1/ 94)، طبقات المفسرين للسيوطي (1/ 401)، المجموع (1/ 159).
(2) انظر: الذخيرة (10/ 158)، تفسير القرطبي (3/ 132)، المعيار المعرب (5/ 288)، النكت على المحرر (2/ 455)، “مجموع فتاوى ابن تيمية” (33/ 83). مواهب الجليل (5/ 433)، عون المعبود (6/ 198)، نيل الأوطار (7/ 16). والكتاب مطبوع بتعليق: ضحى الخطيب.
(3) انظر: معجم البلدان (1/ 606).
(4) انظر: معين الحكام (2/ 643)، المعيار المعرب (63/ 388)، مواهب الجليل (3/ 487)، التاج والإكليل (3/ 427)، حاشية الدسوقي (4/ 107).
(5) انظر: المغرب (1/ 165).

(المقدمة/53)


197 – الوثائق، لأبي القاسم أحمد بن محمد بن سيد أبيه الزهري المالكي (1) “كان حيًّا سنة 567”.
198 – الوثائق، لأبي الحسن علي بن يحيى بن القاسم الجزيري (2) ت 585 هـ.
199 – الوثائق، لأبي الروح عيسى بن مسعود بن منصور المنجلاتي المالكي (3) ت 743 هـ.
200 – الوثائق، لأبي علي الحسن بن محمد بن الحسن بن مروان (4) فرغ من تأليفه سنة 607 هـ، ويسمى: “الفائق في علم الوثائق”.
201 – الوثائق، لأبي القاسم سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني المالكي (5) ت 767 هـ.
202 – الوثائق، لأبي إسحاق إبراهيم بن يحيى الغرناطي المالكي (6) ت 867 هـ.
__________
(1) انظر: الديباج المذهب (1/ 222).
(2) انظر: المعيار المعرب (9/ 430)، مواهب الجليل (2/ 132)، التاج والإكليل (2/ 548)، حاشية الدسوقي (2/ 278).
(3) انظر: الديباج المذهب (2/ 73)، الدرر الكامنة (4/ 274).
(4) انظر: كشف الظنون (2/ 1217).
(5) انظر: الديباج المذهب (1/ 397)، مواهب الجليل (3/ 523)، التاج والإكليل (4/ 185)، إيقاظ الهمم (1/ 95)، شجرة النور (1/ 214).
(6) انظر: المعيار المعرب (6/ 568)، مواهب الجليل (4/ 198)، التاج والإكليل (6/ 59).

(المقدمة/54)


203 – الوثائق العصرية، لأبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الله البجائي المالكي (1) ت 869 هـ.
204 – الوثائق، لأبي زيد أحمد بن زيد الشروطي الحنفي (2).
205 – الوثائق، لقاسم محمد بن قاسم البياني الشافعي (3).
206 – الوثائق، لأحمد بن عرضون الشفشاوني (4) ت 992 هـ، ويسمى: “الكتاب اللائق لمعلم الوثائق”.
207 – وظائف القضاة في أصول المرافعة وترجيح البينات، لحسن بن حسن المعروف بصدقي الرومي (5) “كان حيًّا سنة 1291 هـ”.
وهذه الكتب غيض من فيض في هذا العلم المبارك علم القضاء، الذي اهتم به العلماء قديمًا وحديثًا، ونال من الفقهاء في كل عصر قسطًا كبيرًا وحظًّا وافرًا من العناية والتمحيص والدراسة والتحقيق، فعملوا على إمعان النظر فيه، وبذلوا مجهودًا كبيرًا في جمعه وكتابته، وتحريره وتدوينه، وتصنيفه وترتيبه؛ حتى يسهل تناوله والاستفادة منه والرجوع إليه من الفقهاء والقضاة، فيكون مستندًا لهم ومرجعًا وعونًا في استجلاء حكم ما يرد عليهم ويعرض لهم من الفتاوى
__________
(1) انظر: الضوء اللامع (2/ 136).
(2) انظر: طبقات الحنفية (1/ 68)، كشف الظنون (2/ 1046)، الفهرست (1/ 293).
(3) انظر: الإحكام لابن حزم (5/ 65)، إعلام الموقعين (1/ 57).
(4) انظر: مواهب ذي الجلال في نوازل الجبال (43).
(5) انظر: إيضاح المكنون (2/ 712)، الأعلام (2/ 187).

(المقدمة/55)


والأحكام، ويطرأ عليهم من النوازل، وهذه الجهود الجبارة تدل دلالة قطعية على مدى العلو والعدل الذي بلغه القضاء في الإسلام.

(المقدمة/56)


الفصل الثاني: دراسة كتاب الطرق الحكمية
المبحث الأول: تحقيق اسم الكتاب وتوثيق نسبته لابن القيم
أولًا: تحقيق اسم الكتاب:
قد تتبعت كثيرًا ممن كتب عن ابن القيم ترجمة أو نقل عنه نقلًا من هذا الكتاب، فوجدت أن الكتاب لا يخرج عن ثلاثة أسماء:

أ – الطرق الحكمية:
وهذا الاسم هو ما اشتهر به الكتاب قديمًا وحديثًا؛ فقد جاء بهذا الاسم على غلاف ثلاث مخطوطات، وهي: (أ) المكتوبة عام 811 هـ، و (ب) المكتوبة عام 797 هـ، و (ج) المكتوبة عام 800 هـ، وهي قريبة من عصر المؤلف – رحمه الله -، وقد ذكره تلميذه ابن رجب (1) – رحمه الله تعالى – في مؤلفاته بهذ الاسم، وكذا كثير ممن جاء بعده (2).

ب – المسائل الطرابلسيات:
وهذه التسمية جاءت في مقدمة ناسخ المخطوطة (أ) فقط، حيث قال: “سئل الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام شمس الدين
__________
(1) انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 450)، الفروع (5/ 487)، كشاف القناع (4/ 208)، الإنصاف (6/ 243).
(2) طبقات المفسرين (2/ 93)، شذرات الذهب (8/ 290)، كشف الظنون (2/ 111)، جلاء العينين (45)، منادمة الأطلال (1/ 242).

(المقدمة/57)


محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي – رحمه الله – الشهير بابن قيم الجوزية عن مسائل عاجلة تسمى الطرابلسيات، فمنها ما قاله في جواب المسائل وسألت عن الحاكم … “.
وذكر جمع ممن ترجم لابن القيم أن من مصنفاته: “المسائل الطرابلسية” (1)، وذكره العجلوني باسم: “الأسئلة الطرابلسية” (2).

ج – السياسة الشرعية:
سماه بذلك المرداوي – رحمه الله تعالى – ونقل عنه (3).
وقد ذكره بعض المتأخرين باسم: “الطرق الحكمية في السياسة الشرعية” (4)، وطبع الكتاب بهذا الاسم.

ثانيًا: تحقيق نسبة الكتاب لابن القيم:
كتاب: “الطرق الحكمية” من مؤلفات ابن القيم – رحمه الله – بلا شك، ولا يجد الباحث عناءً في إثبات نسبته إليه؛ لما يأتي:
1 – أن اسم ابن القيم – رحمه الله تعالى – مثبت في النسخ الخطية (أ) و (ب) و (ج) وهي أقدم النسخ للكتاب وقريبة من عصره – رحمه
__________
(1) انظر: طبقات المفسرين (2/ 96) وذكر أنه ثلاثة مجلدات، شذرات الذهب (8/ 291) وذكر أنه مجلدان، منادمة الأطلال (1/ 242)، أبجد العلوم (3/ 142).
(2) انظر: كشف الخفا (1/ 450 و 498 و 529 و 536).
(3) انظر: الإنصاف (10/ 177).
(4) انظر: هدية العارفين (2/ 158).

(المقدمة/58)


الله تعالى -.
2 – أجمع كل من ترجم لابن القيم – رحمه الله تعالى – على أن الكتاب له (1)، ولم أجد من نسبه لغيره أو شكك في صحة نسبته.
3 – أن جمعًا من الفقهاء قد ذكروا هذا الكتاب في مصنفاتهم منسوبًا لابن القيم، واقتبسوا جملًا منه (2).
4 – أنه في مواضع كثيرة من الكتاب ذكر شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – مستشهدًا بأقواله، وذاكرًا لاختياراته على عادته المألوفة في عامة كتبه.
5 – أن القارئ لمسائل الكتاب الكثيرة يجد فيها نفس ابن القيم وأسلوبه، وطريقته المعهودة في البحث والترجيح والاختيار، وسياق الأقوال ومناقشتها وجمع الأدلة ونقدها.
__________
(1) انظر: ذيل طبقات الحنابلة (2/ 450)، طبقات المفسرين (2/ 93)، شذرات الذهب (8/ 290)، جلاء العينين (45)، كشف الظنون (2/ 1111)، منادمة الأطلال (1/ 242).
(2) انظر: الإنصاف (6/ 243) و (11/ 255)، كشاف القناع (4/ 179) و (6/ 438)، مطالب أولي النهى (4/ 165 و 445)، غذاء الألباب (1/ 138)، منار السبيل (1/ 303).

(المقدمة/59)


المبحث الثاني: موضوع الكتاب وسبب تأليفه:
أولًا: موضوع الكتاب:
أما موضوعه فظاهر من عنوانه؛ فهو كتاب في القضاء وطرق الإثبات والسياسة الشرعية التي يجب على الأمراء والحكام والقضاة أن يسلكوها، ويقفوا عندها، ولا يتجاوزوها في كل مكان وزمان، لتحقيق الصلاح للناس، وإبعاد الفساد عنهم، مع بيان آداب القاضي، وما يجب أن يتمتع به من الفراسة في القضاء وسماع البينات، مع فقه النفس، والمعرفة التامة بأحكام الحوادث الكلية وبأقوال الناس (1).
كما تطرق – رحمه الله – لبعض أحكام الحسبة، كمنع الاختلاط وكسر أواني الخمر وآلات الطرب، والاحتكار والتسعير ومحاسبة الإمام لعماله، وبعض الأحكام الفقهية الأخرى المبثوثة في ثنايا الكتاب.

ثانيًا: سبب تأليف الكتاب:
لعل السبب الظاهر هو ما جاء في إحدى مخطوطات الكتاب: أنه جواب على أسئلة عاجلة وردت عليه، تسمى “الطرابلسيات”. وهذا ليس هو الكتاب الوحيد للمؤلف – رحمه الله تعالى – الذي أجاب فيه على سؤال ورد عليه، فله “الداء والدواء” (2) المسمى: “الجواب الكافي”، وكتابه: “المنار المنيف” (3)، وكتابه: “مطالع السعد بكشف
__________
(1) انظر: مرجع العلوم الإسلامية (536).
(2) انظر: الداء والدواء (5).
(3) انظر: المنار المنيف (8).

(المقدمة/60)


مواقع الحمد” (1)، وكتابه: “الكلام على مسألة السماع” (2).
كلها أجوبة على أسئلة وردت عليه – رحمه الله تعالى – فهو يجيب السائل إجابة تكفيه وتغنيه. قال – رحمه الله تعالى -: “ومن الجود بالعلم أن السائل إذا سألك عن مسألة استقصيت له جوابها جوابًا شافيًا، لا يكون جوابك له بقدر ما تدفع به الضرورة، كما كان يكتب بعضهم في جواب مسألة: “نعم” أو “لا” مقتصرًا عليها. ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – في ذلك أمرًا عجيبًا: كان إذا سُئل عن مسألة حكمية، ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قدر، ومأخذ الخلاف وترجيح القول الراجح، وذكر متعلقات المسألة التي ربما تكون أنفع للسائل من مسألته، فيكون فرحه بتلك المتعلقات واللوازم أعظم من فرحه بمسألته. وهذه فتاويه – رحمه الله – فمن أحب الوقوف عليها رأى ذلك، فمن جود الإنسان بالعلم: أنه لا يقتصر على مسألة السائل، بل يذكر له نظائرها، ومتعلقاتها ومآخذها، بحيث يشفيه ويكفيه .. ” (3) ا. هـ.
وقال – رحمه الله تعالى -: “الفائدة الثالثة: يجوز للمفتي أن يجيب السائل بأكثر مما سأل عنه، وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده، ومن عاب على ذلك فلقلة علمه وضيق عطنه وضعف نصحه، وقد ترجم البخاري لذلك في صحيحه فقال: باب من أجاب
__________
(1) انظر: مطالع السعد (29).
(2) انظر: الكلام على مسألة السماع (89).
(3) مدارج السالكين (2/ 293 – 294).

(المقدمة/61)


السائل بأكثر مما سأل عنه، ثم ذكر حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -: ما يلبس المحرم؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعها أسفل من الكعبين” (1) اهـ (2).

المبحث الثالث: منهج ابن القيم
يتميز منهج ابن القيم – رحمه الله تعالى – في جميع كتبه بأمور منها:

أولًا: الاعتماد على الأدلة من الكتاب والسنة:
ابن القيم يبرز الأدلة من الكتاب والسنة، ويستنبط الأحكام منها، ولا يقدم عليهما غيرهما، وقد قرر ذلك في جملة من كتبه، ورد على من خرج عن ذلك بتأويلات فاسدة أو قياس مردود، فقال – رحمه الله تعالى -: “ومن الأدب معه – صلى الله عليه وسلم – ن لا يُستشكل قوله بل تُستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نص بقياس بل تهدر الأقيسة وتلغى لنصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولًا!! نعم، هو مجهول وعن الصواب معزول، ولا يوقف قبول ما جاء به – صلى الله عليه وسلم – على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه – صلى الله عليه وسلم -، وهو عين الجرأة” (3) ا. هـ.
__________
(1) صحيح البخاري (1/ 278) مع فتح الباري.
(2) إعلام الموقعين (4/ 202).
(3) مدارج السالكين (2/ 290).

(المقدمة/62)


وقال – رحمه الله تعالى -:
العلم قال الله قال رسوله … قال الصحابة هم أولو العرفان
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة … بين الرسول وبين رأي فلان
كلا ولا عزل النصوص وإنها … ليست تفيد حقائق الإيمان
إذ لا تفيدكم يقينًا لا ولا … علمًا فقد عزلت عن الإتقان
والعلم عندكم ينال بغيرها … بزبالة الأفكار والأذهان (1)
فمن الذي منا أحق بأمنه … فاختر لنفسك يا أخا العرفان
لا بد أن نلقاه نحن وأنتم … في موقف العرض العظيم الشان
وهناك يسألنا جميعًا ربنا … ولديه قطعًا نحن مختصمان
فنقول قلت كذا وقال نبينا … أيضًا كذا فإمامنا الوحيان
فافعل بنا ما أنت أهل بعد ذا … نحن العبيد وأنت ذو الإحسان
أفتقدرون على جواب مثل ذا … أم تعدلون إلى جواب ثان
ما فيه قال الله قال رسوله … بل فيه قلنا مثل قول فلان
وهو الذي أدت إليه عقولنا … لما وزنا الوحي بالميزان
إن كان ذلكم الجواب مخلصًا … فامضوا عليه يا ذوي العرفان
تالله ما بعد البيان لمنصف … إلا العناد ومركب الخذلان (2)
__________
(1) انظر: النونية (2/ 279) “مع شرح ابن عيسى”.
(2) انظر: النونية (2/ 122).

(المقدمة/63)


وقال – رحمه الله تعالى -: “عادتنا في مسائل الدين كلها، دقها وجلها، أن نقول بوجهها، ولا نضرب بعضها ببعض، ولا نتعصب لطائفة على طائفة، بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق، ونخالفها فيما معها من خلاف الحق، لا نستثني من ذلك طائفة ولا مقالة، ونرجو من الله أن نحيا على ذلك ونموت عليه، ونلقى الله به. ولا قوة إلا بالله” (1) اهـ.
وقال – رحمه الله -: “ونوالي علماء المسلمين ونتخير من أقوالهم ما وافق الكتاب والسنة، ونزنها بهما، ولا نزنهما بقول أحد كائنًا من كان، ولا نتخذ من دون الله ورسوله رجلًا يصيب ويخطئ، فنتبعه في كل ما قال، ونمنع – بل نحرم – متابعة غيره في كل ما خالفه فيه، وبهذا أوصانا أئمة الإسلام، فهذا عهدهم إلينا، فنحن في ذلك على منهاجهم وطريقتهم وهديهم، دون من خالفنا، وبالله التوفيق” (2) ا. هـ.
قال الشوكاني – رحمه الله تعالى -: “كان يتقيد بالأدلة الصحيحة، معجبًا بالعمل بها غير معوِّل على الرأي، صادعًا بالحق لا يحابي فيه أحدًا، ونعمت تلك الجرأة” (3) اهـ.

ثانيًا: تقديم أقوال الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم:
وهذه سمة ظاهرة جدًّا في كتابنا هذا وفي غيره، فقلّ أن تقرأ فصلًا من كتب ابن القيم إلا وتجده يورد ما بلغه من أقوال مَنْ اصطفاهم الله
__________
(1) طريق الهجرتين (647).
(2) الفروسية (343).
(3) البدر الطالع (2/ 143). وانظر: التاج المكلل (427).

(المقدمة/64)


تعالى لصحبة نبيه – صلى الله عليه وسلم – فهم “أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا” (1). وقد أفاض – رحمه الله تعالى – بالاستدلال لهذا الأصل في “إعلام الموقعين” (2)، ووجوب الأخذ به والعمل بموجبه من ستة وأربعين وجهًا.

ثالثًا: السعة والشمول:
إن ابن القيم – رحمه الله تعالى – إذا بحث مسألة استوعب الكلام فيها من جميع جوانبها؛ بسياق الأقوال والآراء، وإبراز أدلتها وبيان وجوه الاستدلال منها، ثم يتبعها بمناقشتها ثم ينتهي به المطاف إلى ترجيح القول الذي يدعمه الدليل (3).
وقد أثنى عليه مترجموه بهذا المسلك، قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: “وهو طويل النفس في مؤلفاته، يتعانى الإيضاح جهده فيسهب جدًّا” (4) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى -: “وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف، وهو طويل النفس فيها يتعانى الإيضاح
__________
(1) رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 305)، والهروي في ذم الكلام (4/ 38) من قول ابن مسعود رضي الله عنه. وانظر: ذم التأويل (32).
(2) (4/ 149).
(3) ابن قيم الجوزية للعلامة بكر أبو زيد (94).
(4) البداية والنهاية (14/ 202) “الطبعة المتوسطة – بيروت” بواسطة كتاب “ابن قيم الجوزية” (97). ولم أجد هذا النص في طبعة هجر، ولا طبعة مكتبة المعارف. ولم أتمكن من الحصول على الطبعة المذكورة.

(المقدمة/65)


جهده فيسهب جدًّا” (1) اهـ.
وقال الشوكاني – رحمه الله تعالى -: “وإذا استوعب الكلام في مبحث وطول ذيوله أتى بما لم يأت به غيره، وساق ما ينشرح له صدور الراغبين في أخذ مذاهبهم عن الدليل” (2) اهـ.
ومع هذا فإن ابن القيم يعتذر من التطويل معللًا بأهمية البحث، فمن ذلك قوله: “وهذا الذي ذكرنا في هذا الفصل قطرة من بحر لا ساحل له، فلا تستطله فإنه كنز من كنوز العلم” (3) اهـ.
وقال في مباحث السلام: “وقد أطلنا ولكن ما أمللنا، فإن قلبًا فيه أدنى حياة يهتز إذا ذكر الله ورسوله” (4) اهـ.
ومع تلك السعة والشمول في بحوثه – رحمه الله تعالى -، إلا أنه كثيرًا ما يقر متواضعًا بتقصيره في إدراك حقيقة كثير من المعاني. قال – رحمه الله تعالى -: “فهذا بعض ما تضمنه هذا المثل العظيم الجليل من الأسرار والحكم، ولعلها قطرة من بحر بحسبا أذهاننا الواقفة، وقلوبنا المخطئة، وعلومنا القاصرة، وأعمالنا التي توجب التوبة والاستغفار، وإلا فلو طهرت منا القلوب، وصفت الأذهان، وزكت النفوس، وخلصت الأعمال، وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله، لشاهدنا
__________
(1) الدرر الكامنة (5/ 139). وانظر: البدر الطالع (2/ 144)، وأبجد العلوم (3/ 140).
(2) البدر الطالع (2/ 145).
(3) بدائع الفوائد (4/ 167).
(4) بدائع الفوائد (2/ 181). وانظر: الصواعق المرسلة (3/ 917).

(المقدمة/66)


من معاني كلام الله، وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم، وتتلاشى عنده معارف الخلق” (1) اهـ.

رابعًا: الترجيح والاختيار:
ابن القيم – رحمه الله تعالى – حنبلي المذهب، ولكنه غير متقيد به، بل ينشد متابعة الدليل وإن خالف مذهبه، لذا فهو يقول: “ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه، أن يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده، وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة أرجح من مذهبه وأصح دليلًا .. فيكون خائنًا لله ورسوله وللسائل وغاشًّا له .. وكثيرًا ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده، فنحكي المذهب الراجح ونرجحه ونقول هو الصواب .. ” (2) اهـ.

خامسًا: الأسلوب الأدبي:
مؤلفات ابن القيم تتصف بعذوبة اللفظ، وحسن الصياغة والوصف، وقوة البيان، وتبسيط المعلومات بأسلوب خال من الجفاف والتعقيد، فعند قراءة أي كتاب له لا تمل القراءة لما ترى في أسلوبه من سهولة وعذوبة وسحر وبيان. قال الشوكاني – رحمه الله تعالى -: “وله من حسن التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق ما لا يقدر عليه
__________
(1) إعلام الموقعين (1/ 228)، الأمثال في القرآن (39)، وانظر: شفاء العليل (470).
(2) إعلام الموقعين (4/ 225).

(المقدمة/67)


غالب المصنفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب” (1) اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: “وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف” (2).

المبحث الرابع: مصادره
إن غزارة المادة في مؤلفات ابن القيم، والقدرة العجيبة على حشد الأدلة، وذكر الخلاف وتحرير الأقوال، نتيجة الاطلاع المدهش، والقراءة المتتابعة لكتب المكتبة الإسلامية على اختلاف فنونها. وقد ذكر المترجمون له أنه يملك مكتبة مليئة بأمهات الكتب، قال ابن رجب – رحمه الله -: “وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره” (3) اهـ.
وقال ابن كثير – رحمه الله -: “واقتنى من الكتب ما لم يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف” (4) اهـ. وقرر ذلك جمع ممن ترجم له (5).
__________
(1) البدر الطالع (2/ 145)، التاج المكلل (428). وانظر: ابن قيم الجوزية حياته وآثاره (115).
(2) الدرر الكامنة (5/ 139). وانظر: البدر الطالع (2/ 144)، أبجد العلوم (3/ 140).
(3) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 449).
(4) البداية والنهاية (18/ 524).
(5) انظر: الدرر الكامنة (5/ 138)، التاج المكلل (428)، أبجد العلوم (3/ =

(المقدمة/68)


وقد استقرأ الشيخ العلامة د. بكر بن عبد الله أبو زيد (1) حفظه الله تعالى موارد ابن القيم في كتبه، فبلغت تلك المصادر والموارد خمسمائة وتسعة وستين كتابًا، وذلك عدا كتب الصحاح والسنن وكتب شيخه ابن تيمية. وقد تتبعت مصادر ابن القيم في كتابه: “الطرق الحكمية”، فوجدته قد رجع لأكثر من مائة مرجع، وهي على النحو التالي:
1 – الأحكام السلطانية، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت 450 هـ.
2 – الأحكام السلطانية، لأبي يعلى محمد بن الحسين الحنبلي ت 458 هـ.
3 – اختلاف العلماء، لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ت 321 هـ.
4 – الأذكياء، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ت 597 هـ.
5 – أقضية علي، لأصبغ بن نباتة.
6 – الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي ت 204 هـ.
7 – البيان والتحصيل، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ت 520 هـ.
__________
= 140)، البدر الطالع (2/ 144).
(1) ابن قيم الجوزية (319).

(المقدمة/69)


8 – التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 هـ.
9 – التاريخ والمعرفة، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي ت 277 هـ.
10 – تاريخ يحيى بن معين ت 233 هـ، رواية عباس الدوري.
11 – التحقيق في أحاديث الخلاف، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ت 597 هـ.
12 – تحريم اللواط، لأبي عمرو عثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي ت 401 هـ.
13 – التعليق على المحرر، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 782 هـ.
14 – التعليق القديم، لأبي، يعلى محمد بن الحسين الحنبلي ت 458 هـ.
15 – التفريع، لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الجلاب المالكي ت 378 هـ.
16 – تفسير الموطأ، ليحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين المالكي ت 259 هـ.
17 – الجامع في الحديث، لأبي محمد عبد الله بن وهب القرشي ت 197 هـ.

(المقدمة/70)


18 – الجامع، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ت 311 هـ.
19 – الحسبة، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ت 728 هـ.
20 – روضة الطالبين، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676 هـ.
21 – رسالة الليث إلى الإمام مالك، لأبي الحارث الليث بن سعد ت 175 هـ.
22 – سنن البيهقي “السنن الكبرى”، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ت 458 هـ.
23 – سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت 279 هـ.
24 – سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني ت 385 هـ.
25 – سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ.
26 – سنن ابن ماجه، لأبي عبد الله محمد بن يزيد الربعي المعروف بابن ماجه ت 273 هـ.
27 – سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ت 303 هـ.

(المقدمة/71)


28 – الشافي، لأبي بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال ت 363 هـ.
29 – شرح أدب القاضي، لأحمد بن عمرو بن مهير الشيباني المعروف بالخصاف ت 261 هـ.
30 – شرح الحارثي، لأبي محمد مسعود بن أحمد الحارثي الحنبلي ت 711 هـ.
31 – صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256 هـ.
32 – صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ت 261 هـ.
33 – طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، للإمام أحمد بن حنبل ت 241 هـ.
34 – عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، لأبي محمد عبد الله بن نجم بن شاس السعدي المالكي ت 616 هـ.
35 – العقوبات، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ت 281 هـ.
36 – العلل، لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت 279 هـ.
37 – العلم، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ت 311 هـ.
38 – الفنون، لأبي الوفاء علي بن عقيل بن محمد الحنبلي

(المقدمة/72)


ت 513 هـ.
39 – القضاء، لأبي عبيد القاسم بن سلام ت 224 هـ.
40 – القضاء، لأبي الحارث سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي ت 235 هـ.
41 – القضاء بالشاهد واليمين، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ت 462 هـ.
42 – كتاب لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ، لم يتبين لي اسم الكتاب، “وقد ذكر ابن القيم أنه غير السنن”.
43 – كتاب محمد، لمحمد بن سحنون المالكي ت 256 هـ.
44 – المجموعة، لعثمان بن عيسى بن كنانة.
45 – المحرر، لأبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية مجد الدين ت 653 هـ.
46 – المحلى، لأبي محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي ت 456 هـ.
47 – مختصر الخرقي، لأبي القاسم عمر بن الحسين الخرقي ت 334 هـ.
48 – مختصر سنن أبي داود، لأبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ت 656 هـ.

(المقدمة/73)


49 – مسائل الإمام أحمد، لإبراهيم بن الحارث بن مصعب.
50 – مسائل الإمام أحمد، لإبراهيم بن هاشم بن الحسين البغوي ت 297 هـ.
51 – مسائل الإمام أحمد، لأبي الحسن أحمد بن الحسن الترمذي ت سنة بضع وأربعين ومائتين.
52 – مسائل الإمام أحمد، لأبي طالب أحمد بن حميد المشكاني ت 244 هـ.
53 – مسائل الإمام أحمد، لأبي جعفر أحمد بن أبي عبدة توفي قبل الإمام أحمد.
54 – مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر أحمد بن محمد المروذي (1) ت 275 هـ.
55 – مسائل الإمام أحمد، لأبي الحارث أحمد بن محمد بن عبد الله الصائغ.
56 – مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي المعروف بالأثرم ت 261 هـ (2).
57 – مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال ت 311 هـ (3).
__________
(1) جمع قسم العبادات “عدا الحج” عبد الرحمن بن علي الطريقي 1420 هـ.
(2) طبع جزء منه بتحقيق: خير الله الشريف 1422 هـ.
(3) طبع أجزاء كثيرة منه.

(المقدمة/74)


58 – مسائل الإمام أحمد، لأبي حامد أحمد بن نصر الخفاف.
59 – مسائل الإمام أحمد، لأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ت 275 هـ (1).
60 – مسائل الإمام أحمد، لأبي يعقوب إسحاق بن منصور الكوسج (2) ت 251 هـ.
61 – مسائل الإمام أحمد، لأبي إسحاق إسماعيل بن سعيد الشالنجي ت 230 هـ.
62 – مسائل الإمام أحمد، لأبي محمد جعفر بن محمد النسائي ت 282 هـ.
63 – مسائل الإمام أحمد، لأبي محمد حرب بن إسماعيل الكرماني الحنظلي (3) ت 280 هـ.
64 – مسائل الإمام أحمد، لأبي علي الحسن بن ثواب التغلبي ت 268 هـ.
65 – مسائل الإمام أحمد، لأبي علي حنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني ت 273 هـ.
__________
(1) طبع بتحقيق: زهير الشاويش “المكتب الإسلامي”.
(2) طبع قسم الطهارة والصلاة بتحقيق: محمد الزاحم، وقسم المعاملات بتحقيق: د. صالح المزيد، وقسم الصيام بتحقيق: عيد الحجيلي، ثم طبع كاملًا.
(3) طبعت قطعة منه. وجمع مسائله: الشيخ عبد الباري الثبيتي، أطروحة علمية مقدمة للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.

(المقدمة/75)


66 – مسائل الإمام أحمد، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (1) ت 275 هـ.
67 – مسائل الإمام أحمد، لأبي بكر سندي الخواتمي البغدادي.
68 – مسائل الإمام أحمد، لأبي الفضل صالح بن أحمد بن حنبل (2) ت 266 هـ.
69 – مسائل الإمام أحمد، لأبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل (3) ت 290 هـ.
70 – مسائل الإمام أحمد، لأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي (4) ت 317 هـ.
71 – مسائل الإمام أحمد، لأبي الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ت 274 هـ.
72 – مسائل الإمام أحمد، لأبي الحسن علي بن سعيد النسوي ت 256 هـ.
73 – مسائل الإمام أحمد، لأبي يحيى الفضل بن عبد الصمد الإصبهاني.
74 – مسائل الإمام أحمد، لأبي جعفر محمد بن الحسن بن
__________
(1) طبع بتحقيق: طارق بن عوض الله 1420 هـ. وقبلها بعناية رشيد رضا.
(2) طبع بتحقيق: د. فضل الرحمن دين محمد 1408 هـ. عن نسخةٍ ناقصة.
(3) طبع بتحقيق: زهير الشاويش 1401 هـ. ثم بتحقيق الشيخ علي المهنا.
(4) طبع في مصر، وفي الرياض.

(المقدمة/76)


هارون الموصلي ت 303 هـ.
75 – مسائل الإمام أحمد، لأبي جعفر محمد بن داود المصيصي.
76 – مسائل الإمام أحمد، لأحمد بن موسى بن مشيش البغدادي.
77 – مسائل الإمام أحمد، لأبي عبد الله مهنا بن يحيى الشامي (1) ت 248 هـ.
78 – مسائل الإمام أحمد، لهارون بن عبد الله بن مروان الحمال ت 243 هـ.
79 – مسائل الإمام أحمد، لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن بختان.
80 – مسائل الإمام أحمد، لأبي يعقوب يوسف بن موسى القطان ت 253 هـ.
81 – المراسيل، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275 هـ.
82 – المستدرك، لأبي عبد الله أحمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم ت 405 هـ.
83 – المسند، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني ت 241 هـ.
84 – المسند، لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي ت 204 هـ.
85 – المسند، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي
__________
(1) جمع مسائله: إسماعيل بن غازي وأشرف الجميلي.

(المقدمة/77)


ت 204 هـ.
86 – المسند، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي ت 277 هـ.
87 – مسند عمر، لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني ت 371 هـ.
88 – المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ت 211 هـ.
89 – المصنف، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ت 235 هـ.
90 – المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360 هـ.
91 – المغني، لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ت 620 هـ.
92 – المنتقى، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي ت 474 هـ.
93 – الناسخ والمنسوخ، لأبي عبيد القاسم بن سلام ت 224 هـ.
94 – نوادر الفقهاء، لمحمد بن الحسن الجوهري.
95 – الهداية، لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني ت 501 هـ.
96 – الواضحة، لأبي مروان عبد الملك بن حبيب السلمي

(المقدمة/78)


ت 238 هـ.
97 – الفتاوى الكبرى، لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ت 728 هـ.
98 – عيون الأخبار، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت 276 هـ.
99 – رد القاضي عبد الوهاب على المزني، لأبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي ت 422 هـ.
100 – أدب القضاء، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت 450 هـ.
101 – المستوعب، لنصير الدين محمد بن عبد الله السامري ت 616 هـ.
102 – مسائل الخلاف، لأبي الحسن علي بن عمر البغدادي المعروف بابن القصار المالكي ت 397 هـ.
103 – المدونة، رواية سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك.
104 – الجامع الصغير، لأبي يعلى محمد بن الحسين الحنبلي ت 458 هـ.
هذا ما تيسر حصره والحمد لله، وهذا غير النقولات التي ذكرها المؤلف عن شيخه – رحمه الله تعالى – وعلماء الحنفية مما لم يتبين لي مراجعها.

(المقدمة/79)


المبحث الخامس: مزايا الكتاب
المطلب الأول: خصائص الكتاب ومزاياه:
1 – كثرة الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة التي حشدها المؤلف – رحمه الله تعالى – فيه.
2 – حرص المؤلف على بيان وجه الاستدلال بالأحاديث النبوية، وإزالة الإشكال والتعارض الظاهر بينها.
3 – حرص المؤلف على ذكر أقوال العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة والظاهرية وغيرهم من المجتهدين، فهو كتاب فقه مقارن وليس خاصًّا بمذهب معين.
4 – لا يكتفي بذكر الأقوال وجمعها فحسب، بل يبين ما فيها من قوة أو ضعف وفق منهج علمي أصيل.
5 – انفرد هذا الكتاب بالتوسع في القضاء بالقرائن والأمارات.
6 – الدقة في نسبة الأقوال لقائلها، مما يدل على سعة علم المؤلف وإلمامه بالمذاهب الإسلامية.
7 – كثرة المصادر والمراجع التي اعتمدها المؤلف – رحمه الله تعالى – حيث بلغت أكثر من مائة مرجع مما أثرى مادة الكتاب العلمية.
8 – الواقعية والبعد عن الأمور النظرية المجردة، ويظهر ذلك جليًّا في كلامه عن شهادة الفاسق.
9 – هذا الكتاب مع كتاب المؤلف الآخر “إعلام الموقعين”، هما

(المقدمة/80)


الكتابان المتداولان من كتب الحنابلة التي أفردت للحديث عن القضاء وطرقه، بينما باقي علماء الحنابلة يذكرونه ضمن كتب الفقه.
10 – صياغة الكتاب بأسلوب رصين وعبارة واضحة وألفاظ فصيحة.
وبالجملة: (الكتاب فريد في موضوعه ومنهجه، يحتاجه القاضي والفقيه ورجل الإدارة، وفيه أمثلة ترغب القارئ بالمتابعة وتضع يده على مسائل فذة في التحقيق القضائي، واقامة العدل وتنفيذ الأحكام) (1).

المبحث السادس: مختصرات الكتاب
لا أعلم للكتاب شرحًا، وقد اختصره وهذبه شيخنا العلامة محمد بن صالح بن عثيمين (2) – رحمه الله – وسماه: “مختارات من الطرق الحكمية”، وقد بدأ بتهذيبه عام 1406 هـ وأضاف إليه زيادات يسيرة، وقد طبع الكتاب عام 1412 هـ.
__________
(1) مرجع العلوم الإسلامية (536).
(2) هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن عثيمين التميمي، ولد في رمضان عام 1347 هـ، وحفظ القرآن مبكرًا وطلب العلم على جمع من علماء بلده وغيرهم، أشهرهم: العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله، جلس للتدريس عام 1371 هـ. وله مؤلفات كثيرة تجاوزت الخمسين مصنفًا، منها: شرح رياض الصالحين، وشرح زاد المستقنع، والفتاوى. وقد قرأت عليه جزءًا من إعلام الموقعين، توفي رحمه الله في 15/ 10/ 1421 هـ.

(المقدمة/81)


المبحث السابع: مخطوطات الكتاب
المخطوطة الأولى: ورمزت لها بحرف “أ”:
جاء اسم الكتاب فيها: “الطرق الحكمية”، وقد نسخت في شهر محرم عام 811 هـ، وصفحاتها: 198، كل صفحة سبعة عشر سطرًا، وقد كتبت بخط نسخ جيد، وناسخها: محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن الحنبلي. وأصل المخطوطة بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد رقمها: 7482، ولها فلم في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم: 9665 سياسة شرعية، وهي نسخة تامة.

المخطوطة الثانية: ورمزت لها بحرف “ب”:
جاء اسم الكتاب فيها: “الطرق الحكمية”، وقد نسخت في شهر شوال عام 797 هـ، وصفحاتها: 293، في كل صفحة: 12 – 14 سطرًا، كتبت بخط نسخ، وناسخها: عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن التدمري، مكتبة عارف حكمت – بالمدينة النبوية رقم: 1442 و 159 ف.

المخطوطة الثالثة: ورمزت لها بحرف “د”:
جاء اسم الكتاب فيها: “الطرق الحكمية”، وقد نسخت في 13 ذي الحجة 800 هـ، كما هو مدون في آخرها، وعدد صفحاتها مائتان وثمان وتسعون صفحة، في كل صفحة: 17 – 18 سطرًا، وقد كتبت بخط نسخ جيد لم أتمكن من معرفة ناسخها، وأصل المخطوطة بمكتبة تشستربتي – إيرلندا رقمها: 5013، ولها فلم في جامعة الإمام محمد

(المقدمة/82)


ابن سعود الإسلامية بالرياض، وفيها سقط كثير بعد ذكر مقدمة المؤلف، سقط قرابة ستين وجهًا وغيره مما سيرد ذكره في موضعه إن شاء الله.

المخطوطة الرابعة: ورمزت لها بحرف “هـ”:
لم يرد اسم الكتاب فيها ولم أتمكن من معرفة تاريخ نسخها، وقد كتبت بخط مغربي جيد، وعدد صفحاتها مائتان وثلاث وخمسون صفحة، في كل صفحة ثلاثة وعشرون سطرًا، وأصل المخطوطة بدار الكتب الوطنية بتونس تحت رقم: 2997 تسلسل 44، ولها فلم بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت رقم: 8583 ف.

المخطوطة الخامسة: ورمزت لها بحرف “و”:
لم يرد اسم الكتاب فيها، فهي جزء من كتاب “الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري”، لأبي الحسن علي بن حسين بن عروة الحنبلي المعروف بابن زكنون ت 837 هـ (1). تقع في المجلد الثالث والثلاثين تبدأ من ص 302 حتى 463 في كل صفحة سبعة وعشرون سطرًا، وكتبت بخط رقعة، نسخها: إبراهيم بن
__________
(1) انظر: شذرات الذهب (9/ 323)، السحب الوابلة (2/ 732). وكتابه: “الكواكب الدراري” يقع في مائة وعشرين مجلدًا لا يزال مخطوطًا، وأجزاؤه مبعثرة في مكتبات كثيرة، منها جزء في المكتبة الظاهرية تحت رقم: 546، وطريقته أنه إذا جاء لحديث الإفك – مثلًا – يأخذ نسخة من شرحه للقاضي عياض فيضعها بتمامها، وإذا مرّ به تصنيف مفرد لابن تيمية أو ابن القيم وضعه بتمامه.

(المقدمة/83)


محمد بن محمود بن بدر الحنبلي، وكان الفراغ من نسخها 17 ربيع الأول 827 هـ. تبدأ من قول المؤلف: “فصل: الطرق التي يحكم بها الحاكم قسمان: إثبات وإلزام”. ولها مكروفلم في مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض برقم: 1982 ف.

النسخة السادسة: ورمزت لها بحرف “ج”:
جاء اسم الكتاب فيها: “الطرق الحكمية في السياسة الشرعية”، وهي أول طبعة – حسب علمي – للكتاب، وهي طبعة حجرية طبعت بمطبعة الآداب والمؤيد بمصر سنة 1317 هـ، وصفحاتها: 307، في كل صفحة عشرون سطرًا، وفيها سقط في مواضع كثيرة، ففي ص 105 سقط تسعة عشر سطرًا، وفي ص 107 سقط تسعة أوجه، وفي ص 121 سقط تسعة عشر وجهًا، وفي ص 174 سقط قرابة وجهين، وسيرد بيانها في محلها من المتن إن شاء الله تعالى. وقد ذكرتها ضمن النسخ المعتمدة في التحقيق لكونها أول طبعة للكتاب ولكونها أقدم من بعض النسخ الخطية التي تركتها بسبب حداثة نسخها.

(المقدمة/84)


نماذج من صور المخطوطات

(المقدمة/85)


الورقة الأولى من نسخة بغداد (أ)

(المقدمة/86)


الورقة الثانية من نسخة بغداد (أ)

(المقدمة/87)


الورقة الأخيرة من نسخة بغداد (أ)

(المقدمة/88)


صفحة العنوان من نسخة عارف حكمت (ب)

(المقدمة/89)


الورقة الأولى من نسخة عارف حكمت (ب)

(المقدمة/90)


الورقة الأخيرة من نسخة عارف حكمت (ب)

(المقدمة/91)


صفحة العنوان من نسخة تشستربتي (د)

(المقدمة/92)


الورقة الأولى من نسخة تشستربتي (د)

(المقدمة/93)


الورقة الأخيرة من نسخة تشستربتي (د)

(المقدمة/94)


الورقة الأولى من نسخة تونس (هـ)

(المقدمة/95)


الورقة الثانية من نسخة تونس (هـ)

(المقدمة/96)


الورقة الأخيرة من نسخة تونس (هـ)

(المقدمة/97)


الورقة الأولى من نسخة الظاهرية (ضمن الكواكب الدراري) (و)

(المقدمة/98)


الورقة الأخيرة من نسخة الظاهرية (ضمن الكواكب الدراري) (و)

(المقدمة/99)


الطُّرق الحكميَّة
في السياسة الشرعية
تأليف
(العلامة شمس الدين أبي عبد الله)
محمد بن قيم الجوزية
(المتوفي سنة 751 هجرية)
(طبع على نفقة شركة طبع الكتب العربية بمصر)
(بمطبعة الآداب والمؤيد بمصر سنة 1317 هجرية)
عنوان الطبعة الأولى للكتاب (ج)

(المقدمة/100)


الصفحة الأولى من الطبعة الأولى للكتاب (ج)

(المقدمة/101)


قال الشيخ الإمام العلامة الحبر البحر الفهامة سيد الحفاظ، وفارس المعاني والألفاظ، ترجمان القرآن، ذو الفنون البديعة الحسان، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية، – رحمه الله تعالى -:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فهدى به من الضلالة، وبصَّر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينًا عميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا (1). أما بعد:
وسألتَ (2) عن الحاكم، أو الوالي يحكم بالفراسة (3)
__________
(1) هذه الخطبة مثبتة في “ب” و”د” و”هـ”. أما “أ” ففيها: “اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. سئل الشيخ الامام العالم العلامة شيخ الإسلام، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي رحمه الله الشهير بابن قيم الجوزية عن مسائل عديدة تسمى الطرابلسيات، وردت عليه من طرابلس الغرب، فمنها ما قاله في جواب المسائل”.
(2) وفي “جـ”: “سألني أخي”.
(3) قال ابن العربي رحمه الله: “وحقيقتها الاستدلال بالخَلقِ على الخُلُقِ، وذلك يكون بجودة القريحة، وحدة الخاطر، وصفاء الفكر” ا. هـ. أحكام القرآن: (3/ 106). وانظر: المستصفى (1/ 55)، وانظر في مسألة الحكم =

(1/3)


والقرائن (1) التي يظهر له بها الحق، والاستدلال بالأمارات، ولا يقف مع مجرد ظواهر البينات والإقرار (2) حتى إنه ربما يتهدد أحد الخصمين (3) إذا ظهر له (4) منه أنه مبطل، وربما ضربه، وربما سأله عن أشياء تدله على صورة (5) الحال، فهل ذلك صواب أم خطأ؟
فهذه مسألة كبيرة عظيمة النفع، جليلة القدر، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقًّا كثيرًا، وأقام باطلًا كبيرًا، وإن توسع فيها (6) وجعل معوّله عليها دون الأوضاع الشرعية، وقع في أنواعٍ من الظلم والفساد.
وقد سئل أبو الوفاء ابن عقيل عن هذه المسألة، فقال: ليس ذلك حكمًا بالفراسة، بل حكم بالأمارات. وإذا تأملتم الشرع وجدتموه يجوّز التعويل على ذلك، وقد ذهب مالك (7) – رحمه الله – إلى التوصل
__________
= بالفراسة: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 107)، تفسير القرطبي (10/ 44)، تبصرة الحكام (2/ 135)، معين الحكام (168)، روح المعاني (14/ 74).
(1) القرائن: جمع قرينة، و”القرينة: كل أمارة ظاهرة تقارن شيئًا خفيًّا فتدل عليه” ا. هـ. المدخل الفقهي العام (2/ 918)، دار الفكر بيروت مصورة طبعة دمشق 1968 م.
(2) وفي “جـ”: “والأحوال”.
(3) وفي “جـ”: “المدعيين”.
(4) “له” ساقطة من “أ”.
(5) وفي “جـ”: “بيان الحال”.
(6) “فيها” ساقطة من “جـ”.
(7) وفي “جـ”: “وقال أصحاب مالك”.

(1/4)


بالإقرار بما يراه الحاكم (1). وذلك مستند إلى قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26]، ولذا (2) حكمنا بعقد الأَزَج (3)، وكثرة الخشب في الحائط، ومعاقد القمط (4) في الخُص (5)، وما يصلح للمرأة (6) والرجل في الدعاوى. وفي مسألة العطار والدباغ إذا اختصما في الجلد، والنجار والخياط إذا تنازعا في
__________
(1) تبصرة الحكام (2/ 147 و 216)، ومنح الجليل (9/ 703)، بدائع الفوائد (3/ 116).
(2) في “أ” و”ب”: “ومتى”.
(3) الأزج: بوزن فرس. ضرب من الأبنية. القاموس المحيط (229)، المطلع على أبواب المقنع (404). وقيل: السقف والبيت يبنى طولًا. المصباح المنير (13)، والتوقيف على مهمات التعاريف (53).
(4) المعاقد: واحدها معقد بكسر القاف على أنه موضع العقدة، وبفتحها على أنه العقد نفسه. المطلع (404). والقمط بكسر القاف ما يشد به الأخصاص. القاموس المطلع (883، 404)، طلبة الطلبة (244). وقيل: بضم القاف بوزن “عُنُق” جمع قماط، وهي الشُّرَط التي يُشدُّ بها الخص ويوثق من ليف أو خوص أو غيرها. النهاية (4/ 108)، طلبة الطلبة (244). والخص: البيت يسقف بخشبة. القاموس (796)، وسمي به لما فيه من الخصاص وهي الفروج والأنقاب. المطلع (404).
(5) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/ 464)، المبسوط (17/ 90)، معين الحكام (129)، الرسالة لابن أبي زيد (248)، فصول الأحكام للباجي (324)، الفروق (4/ 103)، تبصرة الحكام (2/ 123)، تهذيب الفروق (4/ 167)، الشرح الكبير للمقدسي (29/ 133)، الإنصاف (29/ 131)، المبدع (10/ 149)، الإرشاد لابن أبي موسى (514)، قواعد ابن رجب (3/ 109)، بدائع الصنائع (6/ 258)، الفتاوى الهندية (4/ 99).
(6) وفي “جـ”: “وما يخص المرأة”.

(1/5)


المنشار والقدوم، والطباخ والخباز إذا تنازعا في القِدرِ، ونحو ذلك، فهل ذلك إلا الاعتماد على الأمارات؟
وكذلك الحكم بالقافة (1) والنظر في أمر الخنثى، والأمارات الدالة على أحد حاليه. والنظر في أمارات القبلة، واللوْث (2) في القسامة (3). انتهى (4).
والحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات، ودلائل الحال، ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية، كفقهه في كليات (5) الأحكام: أضاع حقوقًا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه ولا يشكون فيه، اعتمادًا منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن (6) أحواله.
__________
(1) وفي “جـ”: بدل “القافة”: “بالتأمل”. القافة جمع قائف، وهو الذي يعرف الآثار. مختار الصحاح (556)، النظم المستعذب (2/ 83). وذكر المناوي أنه الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود. التوقيف (569).
(2) اللوث: بفتح اللام وسكون الواو البينة الضعيفة غير الكاملة. المغني لابن باطيش (1/ 691)، والمصباح المنير (560). وعرفه ابن القيم بقوله: اللوث علامة ظاهرة لصدق المدعي. الطرق الحكمية، وذكر نحوه ابن تيمية في الجواب الصحيح (6/ 467).
(3) القسامة: بفتح القاف اسم للقسم، وشرعًا هي: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم. انظر: الإنصاف (26/ 109)، شرح منتهى الإرادات (3/ 329)، معونة أولي النهى (8/ 333)، كشاف القناع (7/ 67).
(4) في “ب”: “انتهى كلامه”.
(5) في “ب”: “كفقهه في جليات”، وفي “جـ” “كجزئيات وكليات”.
(6) في “جـ”: “وسائر”.

(1/6)


فها هنا نوعان من الفقه، لا بد للحاكم منهما: فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، يميز به (1) بين الصادق والكاذب، والمحق والمبطل (2). ثم يطابق بين هذا وهذا، فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفًا للواقع.
ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها (3) وتضمنها (4) لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح: تبين له (5) أن السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن مَن أحاط علمًا (6) بمقاصدها ووضعها مواضعها (7) وحَسُنَ فهمه فيها: لم يحتج معها إلى (8) سياسة غيرها ألبتة.
فإن السياسة (9) نوعان (10): سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها،
__________
(1) في “ب”: “تميزه”.
(2) في “ب”: “والباطل”.
(3) وفي “جـ”: “كمالاتها”.
(4) في “ب”: “أو بعضها”.
(5) في “جـ”: “عرف”.
(6) وفي “جـ”: “وأن من له معرفة”.
(7) في “د”: “بمواقعها”.
(8) في “ب” و”هـ”: “لم يحتج إلى”.
(9) سيأتي تعريف السياسة (29).
(10) انظر: حاشية ابن عابدين (4/ 16)، البحر الرائق (5/ 118)، تبصرة الحكام (2/ 137)، ومعين الحكام (169)، بدائع الفوائد (3/ 154)، =

(1/7)


وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي (1) من الشريعة، عَلِمَها من عَلِمها، وجهلها من جهلها.
ولا تنس في هذا الموضع قول سليمان نبي الله – صلى الله عليه وسلم – للمرأتين اللتين ادعتا الولد. فحكم به داود – صلى الله عليه وسلم – للكبرى، فقال سليمان: “ائتُونِي بالسِّكّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا”. فسمحت الكبرى بذلك، فقالت الصغرى: لا تَفْعَل يَرْحَمكَ الله، هُوَ ابْنُهَا “فَقَضى بهِ لِلصُّغْرَى” (2)، فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة الظاهرة! فاستدل برضا الكبرى بذلك، وأنها قصدت الاسترواح إلى التأسّي بمساواة الصغرى في فقد ولدها، وبشفقة (3) الصغرى عليه، وامتناعها من الرضا بذلك (4): على أنها هي أمه (5)، وأن الحامل لها على الامتناع هو (6) ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها الله تعالى في قلب الأم، وقويت هذه القرينة عنده، حتى قدمها على إقرارها، فإنه حكم به لها مع (7) قولها “هو
__________
= إعلام الموقعين (4/ 372).
(1) في “أ” و”جـ”: “بعين الشريعة”.
(2) أخرجه البخاري رقم (6769) كتاب الفرائض، باب إذا ادعت المرأة ابنًا، ومسلم (1720) في الأقضية، باب بيان اختلاف المجتهدين، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) وفي “ب” و “هـ”: “وشفقة”.
(4) وفي “جـ”: “هـ”: “بذلك دال”.
(5) في “جـ”: “على أنها أمه”.
(6) وفي “جـ”: “الامتناع من الدعوى ما قام”.
(7) وفي “ب”: “حكم به مع”.

(1/8)


ابنها”
وهذا هو الحق (1)، فإن الإقرار إذا كان لعلة اطلع عليها الحاكم لم يلتفت إليه أبدًا (2). ولذلك ألغينا إقرار المريض مرض (3) الموت بمال لوارثه؛ لانعقاد سبب التهمة، واعتمادًا على قرينة الحال في قصده تخصيصه.
ومن تراجم قضاة السنة والحديث على هذا الحديث ترجمة أبي عبد الرحمن النسائي في “سننه” (4) قال: “التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله: أفعل كذا، ليستبين به الحق”.
ثم ترجم عليه ترجمة أخرى أحسن من هذه، فقال: “الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه، إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به” (5) فهكذا يكون الفهم عن الله ورسوله.
ثم ترجم عليه ترجمة أخرى فقال: “نقض الحاكم ما حكم به غيره ممن هو مثله، أو أجل منه” (6). فهذه ثلاث قواعد.
__________
(1) انظر للمؤلف: بدائع الفوائد (2/ 305) طبعة البيان، وإغاثة اللهفان (2/ 489)، وزاد المعاد (3/ 146)، وعدة الصابرين (270). وانظر: تفسير ابن كثير (5/ 351)، غذاء الألباب (1/ 139)، معالم القربة في طلب الحسبة (220).
(2) قوله “أبدًا” مثبت في “هـ”.
(3) وفي “ب”: “المريض في مرض”.
(4) المجتبى (8/ 236)، والسنن الكبرى (3/ 472).
(5) السنن الكبرى (3/ 473).
(6) المجتبى (8/ 236)، والسنن الكبرى (3/ 473).

(1/9)


ورابعة: وهي ما نحن فيه، وهي الحكم بالقرائن وشواهد الحال.
وخامسة: وهي أنه لم يجعل الولد لهما، كما يقوله أبو حنيفة (1).
فهذه خمس سنن في هذا الحديث.
ومن ذلك: قول الشاهد الذي ذكر الله شهادته، ولم ينكر (2) عليه، بل لم يعبه (3) بل حكاها مقررًا لها، فقال تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)} [يوسف: 25 – 28] فتوصل بقدِّ القميص إلى معرفة (4) الصادق منهما من الكاذب. وهذا لَوث (5) في أحد المتنازعين، يبين به أولاهما بالحق (6).
وقد ذكر الله سبحانه اللوث في دعوى المال في قصة شهادة أهل
__________
(1) انظر: المبسوط (17/ 71)، بدائع الصنائع (6/ 244)، البحر الرائق (4/ 244). وسيأتي كلام المصنف في ذلك في الطريق السادس والعشرين. انظر: زاد المعاد (5/ 423)، وإعلام الموقعين (1/ 355).
(2) في “جـ”: “ينكرها”.
(3) وفي “ب” “هـ”: “ولم”.
(4) وفي “جـ”: “تمييز”.
(5) وفي “ب”: “من اللوث”.
(6) وفي “جـ”: “يبين به وجه الحق”. وانظر: تفسير الطبري (7/ 194)، الأحكام للمالقي (190)، زاد المعاد (3/ 149).

(1/10)


الذمة على المسلمين في الوصية في السفر، وأمر بالحكم بموجبه (1). وحكم النبي – صلى الله عليه وسلم – بموجب اللوث في القسامة، وجوز للمدعين أن يحلفوا خمسين يمينًا، ويستحقون (2) دم القتيل (3). فهذا لوث في الدماء، والذي في سورة المائدة (4) لوث في الأموال، والذي في سورة يوسف (5) لوث في الدعوى في العرض ونحوه (6).
وقد حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة معه رضي الله عنهم برجم المرأة إذا (7) ظهر بها الحبل، ولا زوج لها ولا سيد (8). وذهب إليه مالك (9) وأحمد (10) – في أصح روايتيه (11) –
__________
(1) سيأتي تفصيل ذلك في الطريق السابع عشر.
(2) وفي “ب”: “ويستحقوا”.
(3) في الحديث الذي رواه البخاري رقم (3173)، ومسلم رقم (1669) (11/ 155) من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
(4) المائدة (106 – 107).
(5) يوسف (25 – 26).
(6) إعلام الموقعين (4/ 450)، زاد المعاد (3/ 148).
(7) وفي “جـ”: ” التي”.
(8) رواه البخاري (6830) (12/ 148)، ومسلم رقم (1691) (11/ 204).
(9) الموطأ (2/ 827)، الاستذكار (24/ 64)، الكافي (575)، المعونة (3/ 1389)، تبصرة الحكام (2/ 97 و 124).
(10) التمام للقاضي أبي الحسين (2/ 204)، الكافي (4/ 206)، المحرر (2/ 156)، السياسة الشرعية (111)، الشرح الكبير (26/ 341)، الإنصاف (26/ 342).
(11) وقال المؤلف في إعلام الموقعين (3/ 12): “في ظاهر مذهبه”.

(1/11)


اعتمادًا على القرينة الظاهرة. وحكم عمر (1) وابن مسعود (2) رضي الله عنهما – ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة (3) – بوجوب الحد برائحة الخمر من فيّ الرجل (4)، أو قَيْئِه له، اعتمادًا على القرينة الظاهرة (5).
ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم (6)، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار، فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، ووجود المال معه نص صريح لا يتطرق إليه شبهة، وهل يشك أحد رأى قتيلًا يتشحط في دمه، وآخر قائم على رأسه بالسكين: أنه قتله؟ ولا سيما إذا عرف بعداوته (7)،
__________
(1) رواه مالك (2/ 842)، وابن أبي شيبة (5/ 519) رقم (28619)، ورواه النسائي في الكبرى (3/ 238) رقم (5217)، ورواه البخاري تعليقًا (10/ 65)، وصحح الحافظ ابن حجر إسناد مالك. تغليق التعليق (5/ 26)، وصحح ابن كثير إسناد النسائي. انظر: مسند الفاروق (2/ 513).
(2) رواه عنه البخاري رقم (5001) (8/ 663) مع الفتح، ومسلم (801) (6/ 335).
(3) “من الصحابة” مثبتة في “جـ”.
(4) انظر: المدونة (6/ 261)، مصنف عبد الرزاق (9/ 228)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 519)، الاستذكار (24/ 258)، الكافي لابن عبد البر (578)، المغني (12/ 501)، مجموع فتاوى ابن تيمية (20/ 383) و (28/ 339)، إعلام الموقعين (3/ 12).
(5) وقال في إعلام الموقعين (4/ 453): “هذا هو الصواب”.
(6) انظر: زاد المعاد (3/ 149)، إعلام الموقعين (1/ 146)، تهذيب السنن (6/ 368) مع العون.
(7) تبصرة الحكام (1/ 392)، روضة الطالبين (7/ 237)، الممتع في شرح المقنع (5/ 620)، رسائل ابن نجيم (357).

(1/12)


ولهذا جوز جمهور العلماء لولي القتيل أن يحلف خمسين يمينًا: أن ذلك الرجل قتله، ثم قال مالك (1) وأحمد (2): يقتل به. وقال الشافعي: يقضى عليه بديته (3).
وكذلك إذا رأينا رجلًا مكشوف الرأس – وليس ذلك عادته – وآخر هارب قدامه بيده عمامة، وعلى رأسه عمامة: حكمنا له بالعمامة التي بيد الهارب قطعًا، ولا نحكم بها لصاحب اليد التي قطعنا وجزمنا بأنها يد ظالمة غاصبة بالقرينة الظاهرة التي هي أقوى بكثير من البينة والاعتراف (4).
وهل القضاء بالنكول (5) إلا رجوع إلى مجرد القرينة الظاهرة، التي
__________
(1) الموطأ (879)، الاستذكار (25/ 314)، الكافي (602)، تفسير القرطبي (1/ 457)، تبصرة الحكام (1/ 392)، القوانين (385)، التفريع (2/ 207).
(2) المغني (12/ 204)، المحرر (2/ 151)، الإرشاد (445)، التذكرة (294)، رؤوس المسائل (5/ 547)، المذهب الأحمد (182)، معونة أولي النهى (8/ 341)، الفروع (6/ 48)، كشاف القناع (6/ 76)، والكافي (5/ 284).
(3) مختصر المزني “مع الأم” (9/ 268)، معالم السنن (6/ 316)، روضة الطالبين (7/ 247)، التهذيب (7/ 225)، الحاوي (13/ 14)، الإشراف لابن المنذر (3/ 147) ثم اختار القول بالقود، الأم (6/ 118) مغني المحتاج (4/ 116)، إحكام الأحكام (4/ 280).
(4) إغاثة اللهفان (2/ 70)، إعلام الموقعين (1/ 132)، زاد المعاد (3/ 147)، الفروع (6/ 481).
(5) النكول اصطلاحًا: الامتناع عن اليمين. طلبة الطلبة (82)، شرح حدود ابن عرفة (2/ 611).

(1/13)


علمنا بها (1) ظاهرًا أنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين؟ فلما نَكَلَ عنها كان نكوله قرينة ظاهرة، دالة على صدق المدعي، فقدمت (2) على أصل براءة الذمة.
وكثير من القرائن والأمارات أقوى من النكول، والحس شاهد بذلك، فكيف يسوغ تعطيل شهادتها؟
ومن ذلك: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر الزبير أن يقرر عَمَّ حُيَىّ بن أخطب (3) بالعذاب على إخراج المال الذي غَيَّبه، وادعى نفاده. فقال له: “العَهْدُ قَريبٌ، وَالمَالُ أَكْثر مِنْ ذَلِكَ” (4) فهاتان قرينتان في غاية القوة: كثرة المال، وقصر المدة التي يُنفق كله فيها.
وشرح ذلك: أنه – صلى الله عليه وسلم – لما أجلى بني النضير من المدينة، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم، غير الحلقة والسلاح، وكان لأبي الحُقَيق (5) مال عظيم – بلغ مسك (6) ثور من ذهب وحلي – فلما فتح رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
__________
(1) في “ب”: “علمناها”.
(2) في “ب” و”جـ”: “فتقدمت”.
(3) اسمه “سَعْية” كما في رواية أبي داود (2990) (8/ 238). وفي فتوح البلدان للبلاذري (37): “سيعة بن عمرو”.
(4) سيأتي تخريجه قريبًا.
(5) هكذا في النسخ جميعها “لأبي الحقيق”، والصواب: ابن أبي الحُقَيق. كما سيذكره ابن القيم وكما هو مثبت في كتب السنة التي روت ذلك. وسيأتي ذكرها عند تخريج الحديث.
(6) المسك: الجلد. انظر: المصباح المنير (573)، والقاموس (1230)، جامع =

(1/14)


خيبر وكان بعضها عنوة (1) وبعضها صلحًا ففتح أحد جانبيها صلحًا، وتحصن (2) أهل الجانب الآخر، فحصرهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أربعة عشر يومًا، فسألوه الصلح، وأرسل ابن أبي الحُقَيق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أنزل فأكلمك، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “نعم”، فنزل ابن أبي الحُقَيق فصالح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على حَقْن دماء مَن في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم (3)، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويُخَلُّون بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء (4) والكُراع (5) والحَلْقة (6)، إلا ثوبًا على ظهر إنسان. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “وَبَرِئَت مِنْكُم ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمتُمُونِي شَيْئًا” فصالحوه على ذلك (7).
قال حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلبَ على الزرع والأرض والنخل، فصالحوه على أن يُجلوا منها،
__________
= الأصول (2/ 644).
(1) أي قهرًا. القاموس (1696)، وطلبة الطلبة (153).
(2) وفي “ب”: “وعصى”.
(3) في “ب”: “وترك الذرية”.
(4) الصفراء: الذهب، البيضاء: الفضة. القاموس (445 و 822)، عون المعبود (8/ 239)، جامع الأصول (2/ 644).
(5) الكُراع: الخيل. مختار الصحاح (567)، طلبة الطلبة (148).
(6) الحَلْقة: الدرع. القاموس (1130)، مختار الصحاح (149).
(7) سيأتي تخريجه في الحديث الذي يليه.

(1/15)


ولهم ما حملت ركابُهم (1)، ولرسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصَّفْراءُ والبيضاءُ، واشترط (2) عليهم “ألا يكتموا ولا يُغيِّبوا شيئًا، فإن فعلوا فلا ذِمَّةَ (3) لهم ولا عهد” (4) فَغَيَّبُوا مَسْكًا فيه مال وحُلي لحُييِّ بنِ أَخْطَب كان احتمله معه إلى خيبر، حين أُجليت النضيرُ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لِعَمِّ حُيي بن أخطب: “ما فَعَلَ مَسْكُ حُيي الَّذي جَاءَ بِهِ (5) مِنَ النَّضيرِ؟ ” قال: أذهبته النفقات والحروب، قال: “العَهْدُ قَرِيبٌ، وَالمَالُ أَكْثَرُ من ذَلِكَ” فدفعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الزبير، فمسَّه بعذاب، وقد كان قبل ذلك دخل خَرِبة، فقال: قد رأيت حُيَيًّا يطوف في خربة ها هنا. فذهبوا فطافوا، فوجدوا المَسْكَ في الخربة. فقتل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ابني (6) أبي الحُقَيق – وأحدهما زوج صفية – بالنَّكْثِ (7) الَّذي نَكَثُوا” (8).
__________
(1) الرِّكاب: الإبل التي يسار عليها ولا واحد لها من لفظها. مختار الصحاح (254)، القاموس (117).
(2) وفي “جـ”: ” وشرط”.
(3) الذمة: قال ابن الأثير: “الذمة والذمام بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم”. النهاية (2/ 168).
(4) العهد: الأمان والذمة والحفاظ ورعاية الحرمة. النهاية (3/ 325).
(5) في “ب”: “جاء معه”.
(6) في “ب” و”جـ”: “ابن”.
(7) النكث: نقض العهد. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (3/ 350)، النهاية في غريب الحديث (5/ 114).
(8) رواه أبو داود رقم (2990) (8/ 238) مع عون المعبود. ورواه البيهقي في =

(1/16)


ففي هذه السُنَّة الصحيحة: الاعتماد على شواهد الحال والأمارات الظاهرة، وعقوبة أهل التهم، وجواز الصلح على الشرط، وانتقاض العهد إذا خالفوا ما شرط (1) عليهم.
وفيه من الحكم: إخزاء الله لأعدائه بأيديهم وسعيهم، وإلا فهو سبحانه قادر (2) أن يُطلع رسوله (3) على الكنز فيأخذه عنوة (4)، ولكن كان في أخذه على هذه الحال من الحكم والفوائد، وإخزاء الكفرة بأيديهم ما فيه، والله أعلم.
وفي بعض طرق هذه القصة أن ابن عم كنانة اعترف بالمال حين دفعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الزبير فعذبه.
وفي ذلك دليل على صحة إقرار المكره إذا ظهر معه (5) المال (6)،
__________
= سننه (9/ 232) رقم (18387)، ورواه كذلك في دلائل النبوة (4/ 229)، وابن حبان (5199) (11/ 607). قال الحافظ ابن حجر: “رواه البيهقي بإسناد رجاله ثقات” ا. هـ فتح الباري (7/ 548). وانظر: صحيح سنن أبي داود (2597).
(1) وفي “ب”: “ما اشترط”.
(2) في “جـ”: “قادر على”.
(3) قوله “قادر على أن يطلع رسوله” ساقط من “ب”.
(4) في “ب”: “عفوًا”.
(5) في “جـ”: “إذا طلب منه المال”.
(6) انظر: زاد المعاد (3/ 149)، إعلام الموقعين (1/ 146)، تهذيب السنن (6/ 368) مع العون، والسياسة الشرعية لابن نجيم (28)، والسياسة الشرعية لدده أفندي (93)، المختارات الجلية للسعدي (120)، غمز عيون =

(1/17)


وأنه إذا عوقب على أن يقر بالمال المسروق، فأقر به وظهر عنده: قطعت يده، وهذا هو الصواب بلا ريب، وليس هذا إقامة للحد (1) بالإقرار الذي أُكره عليه، ولكن بوجود المال المسروق معه الذي تُوصِّل إليه بالإقرار.

فصل
ومن ذلك: قول أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه – للظَّعِيْنة (2) التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة فأنكرته. فقال لها: “لتُخْرجنَّ الكتَابَ أو لنُجَرِّدَنَّكِ” فلما رأت الجِدّ أخرجته من عقاصها (3) (4).

وعلى هذا: إذا ادعى الخصم الفلس، وأنه لا شيء معه، فقال المدعي للحاكم: المال معه. وسأل تفتيشه، وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك، ليصل صاحب الحق إلى حقه (5).
__________
= البصائر (1/ 82)، درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 668)، كنز الدقائق مع “البحر” (5/ 56)، الفتاوى الهندية (2/ 173).
(1) وفي “ب”: “الحد”.
(2) الظعينة: الهودج فيه امرأة أم لا. والظعينة أيضًا: المرأة ما دامت في الهودج فإذا لم تكن فيه فليست بظعينة. وهذا هو المراد هنا. مختار الصحاح (404)، القاموس (1566).
(3) العقيصة: الضفيرة. مختار الصحاح (446)، القاموس (804).
(4) رواه البخاري رقم (3007) (6/ 166) ورقم (3983) (7/ 355)، ومسلم رقم (2494) (16/ 287).
(5) انظر: تبصرة الحكام (2/ 205)، منح الجليل (6/ 55)، التاج والإكليل (6/ 615)، الخرشي على خليل (5/ 279)، الإتقان شرح تحفة الحكام (2/ 239)، كشاف القناع (3/ 420)، شرح منتهى الإرادات (2/ 159)، =

(1/18)


وقد كان الأسرى من قريظة يدعون عدم البلوغ، فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزرهم (1) بأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (2)، فيعلمون بذلك البالغ من غيره.
وأنت تعلم في مسألة الهارب وفي يده عمامة وعلى رأسه أخرى، وآخر حاسر الرأس خلفه علمًا ضروريًّا أن العمامة له، وأنه لا نسبة لظهور صدق صاحب اليد إلى هذا العلم بوجه من الوجوه.
فكيف تقدم اليد – التي غايتها أن تفيد ظنًّا ما (3) عند عدم المعارض – على هذا العلم الضروري اليقيني، وينسب ذلك إلى الشريعة؟.

فصل
ومن ذلك: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر الملتقط أن يدفع
__________
= مطالب أولي النهى (3/ 373).
(1) وفي “جـ”: “مآزرهم”.
(2) رواه الطيالسي (181) رقم (1284)، وأحمد (4/ 310)، والدارمي (2464) (2/ 294)، وأبو داود رقم (4381) (12/ 79) مع العون، والترمذي رقم (1584) وقال: “حسن صحيح”، والنسائي (6/ 155) رقم (3429)، وابن ماجه (2541) (4/ 159)، وابن الجارود رقم (1045) (3/ 299)، وابن حبان (4780) (11/ 103)، والحاكم (2/ 123) من حديث عطية القرظي رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال على شرط الصحيح وهو كما قال إلا أنهما لم يخرجا لعطية” ا. هـ. التلخيص الحبير (3/ 95).
(3) “ما” ليست في “ب”.

(1/19)


اللقطة (1) إلى واصفها (2)، وأمره أن يعرف عِفاصها ووِعاءها وَوِكاءها (3) لذلك (4). فجعل وصفه لها قائمًا مقام البينة (5)، بل ربما يكون وصفه لها (6) أظهر وأصدق من البينة (7).
__________
(1) اللقطة بفتح القاف على قول الجمهور. شرح مسلم للنووي (12/ 263). وهي: مال يوجد على الأرض ولا يعرف له مالك. انظر: التعريفات (248)، والتوقيف (625).
(2) البخاري (2438) (5/ 112)، ومسلم (12/ 270)، وأبو عوانة (4/ 178) رقم (6432).
(3) العفاص: بكسر العين الوعاء الذي تكون فيه النفقة. غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 428)، شرح مسلم للنووي (12/ 264)، وفتح الباري (5/ 98)، المغني (8/ 290). والوعاء: بكسر الواو وهو ما يجعل فيه الشيء سواء كان من جلد أو خزف أو خشب أو غير ذلك. الفتح (5/ 95). والوكاء: بكسر الواو الخيط الذي يشد به الوعاء. غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 429)، شرح مسلم للنووي (12/ 264)، الفتح (5/ 95). وانظر: القاموس (1732).
(4) في “و”: “كذلك”. والحديث رواه البخاري (91) (1/ 255) ورقم (2372) ورقم (2427)، ومسلم رقم (1722) (12/ 263) من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه.
(5) انظر: إعلام الموقعين (1/ 139)، وإغاثة اللهفان (2/ 67)، زاد المعاد (3/ 660)، بدائع الفوائد (4/ 76)، جامع العلوم والحكم (2/ 241)، رؤوس المسائل (3/ 1086)، المقنع لابن قدامة (159)، قواعد ابن رجب (2/ 386)، المغني (8/ 309).
(6) قوله “قائمًا مقام البينة بل ربما يكون وصفه لها” لم يذكر في “ب”.
(7) “بل ربما يكون وصفه لها أظهر وأصدق من البينة” ساقطة من “جـ”.

(1/20)


وقد سئل الإمام أحمد عن المستأجر ومالك الدار إذا تنازعا دفينًا في الدار، فكل واحد منهما يدعي أنه له؟ فقال: من وصفه منهما فهو له (1). وهذا من كمال فقهه وفهمه – رضي الله عنه -.
وسئل عن البلد (2) يستولي عليه الكفار، ثم يفتحه المسلمون، فتوجد فيه أبواب (3) مكتوب عليها كتابة المسلمين أنها وقف: أنه يحكم بذلك، لقوة هذه الأمارة وظهورها (4).

فصل

وكذلك: اللقيط (5) إذا تداعاه اثنان، ووصف أحدهما علامة (6) خفية بجسده، حكم له به عند الجمهور (7).
__________
(1) المغني (8/ 321)، قواعد ابن رجب (2/ 387).
(2) في “جـ”: “وقف”.
(3) في “ب”: “فتوجد أبواب”.
(4) كشاف القناع (6/ 437)، مطالب أولي النهى (6/ 635)، حاشية اللبدي على نيل المآرب (475)، تبصرة الحكام (2/ 130).
(5) اللقيط: هو الطفل المنبوذ. المغني (8/ 350)، العمدة لابن قدامة (355).
(6) في “ب” و”جـ”: “وصفه أحدهما بعلامة”.
(7) وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى كما ذكر ابن القيم في الطريق الرابع والعشرين. وانظر: المغني (8/ 379)، المقنع لابن قدامة (160)، معونة أولي النهى (5/ 698)، الفروع (4/ 578)، بدائع الصنائع (6/ 253)، البحر الرائق (5/ 245).

(1/21)


فصل
ومن ذلك: حُكْم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه من بعده – رضي الله عنهم – بالقافة (1)، وجعلها دليلًا من أدلة ثبوت النسب، وليس ها هنا (2) إلا مجرد الأمارات والعلامات.
قال بعض الفقهاء: ومن العجب إنكار لحوق النسب بالقافة التي اعتبرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وعمل بها الصحابة من بعده، وحكم به عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – (3)، وإلحاق النسب (4) في مسألة من تزوج بأقصى المغرب امرأة بأقصى المشرق، وبينهما مسافة سنين، ثم جاءت (5) بعد العقد بأكثر من ستة أشهر بولد (6)، أو تزوجها، ثم قال عقيب العقد: هي طالق ثلاثًا، ثم أتت بولد: أنه (7) يكون ابنه لأنها فراش (8). وأعجب من ذلك: أنها تصير فراشًا بهذا العقد بمجرده. ولو
__________
(1) سيأتي تخريجه، وبيانه.
(2) وفي “جـ”: “وليس هنا”.
(3) سيأتي تخريجه.
(4) في “ب”: “والإلحاق في”.
(5) في “ب”: “كان”.
(6) هذا مذهب الحنفية. انظر: فتح القدير (4/ 348)، البحر الرائق (4/ 262)، الدر المختار (3/ 578)، أدب القضاء للسروجي (272). وانظر من كتب الشيخ: زاد المعاد (5/ 421)، وإعلام الموقعين: 2/ 355.
(7) في “جـ”: “أن”.
(8) وهذا مذهب الحنفية. كنز الدقائق (4/ 262)، وانظر: شرحه البحر الرائق (4/ 262)، فتح القدير (4/ 348)، حاشية ابن عابدين (3/ 573)، البناية =

(1/22)


كانت له سرية يطؤها ليلًا ونهارًا، فأتت بولد لم يلحقه نسبه؛ لأنها ليست فراشًا له، ولا يلحقه حتى يدعيه (1)، فيلحقه بالدعوى لا بالفراش (2)!!.
وقد تقدم استشهاد ابن عقيل باللوث في (3) القسامة (4). وهو من أحسن الاستشهاد فإنه اعتماد على ظاهر الأمارات المغلبة على الظن صدق المدعي. فيجوز له أن يحلف بناءً على ذلك، ويجوز للحاكم – بل يجب عليه – أن يثبت له حق القصاص أو الدية، مع علمه أنه لم ير ولم (5) يشهد، فإذا كان هذا في الدماء المبني أمرها على الحظر والاحتياط، فكيف بغيرها؟
ومن ذلك اللعان (6) فإنا نحكم بقتل المرأة، أو بحبسها إذا نكلت
__________
= (5/ 452).
(1) قوله “لم يلحقه نسبه لأنها ليست فراشًا له ولا يلحقه حتى يدعيه” ساقط من “ب”.
(2) المبسوط (7/ 167) و (17/ 100)، بدائع الصنائع (4/ 125)، تبيين الحقائق (3/ 102)، الهداية مع البناية (5/ 692)، العناية (5/ 36)، فتح القدير (5/ 36)، الأشباه والنظائر (312)، جمل الأحكام (269).
(3) في “ب” و”هـ”: “باللوث والقسامة”.
(4) ص (6).
(5) وفي “جـ”: “أو لم”.
(6) اللعان مصدر لاعن يلاعن. وشرعًا ذكر الفقهاء تعريفات كثيرة منها: أنه شهادات مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن والغضب قائمة مقام حد القذف في حقه ومقام حد الزنا في حقها. الدر المختار (3/ 507)، شرح منتهى الإرادات (3/ 179)، معونة أولي النهى (7/ 737)، المبدع (8/ 73).

(1/23)


عن اللعان (1)، والصحيح: أنا نحدها. وهو مذهب الشافعي (2) – رحمه الله -، وهو الذي دل عليه القرآن في قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] والعذاب ها هنا: هو العذاب المذكور في أول السورة، في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] فأضافه أولًا، وعرفه باللام ثانيًا، وهو عذاب واحد.
والمقصود أن نكول المرأة من أقوى الأمارات على صدق الزوج، فقام لعانه ونكولها مقام الشهود.

فصل
ومن ذلك أن ابني عفراء (3) لما تداعيا قتل أبي جهل، فقال – صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) حبس المرأة إذا نكلت عن اللعان. مذهب الحنفية والحنابلة. انظر: بدائع الصنائع (3/ 238)، مختصر اختلاف العلماء للجصاص (2/ 509)، المبسوط (7/ 40)، المغني (11/ 189)، المحرر (2/ 99)، الكافي (4/ 599)، الفروع (5/ 515)، المبدع (8/ 89).
(2) الأم (5/ 417)، التهذيب (6/ 189)، الحاوي (11/ 7)، التنبيه (190)، مغني المحتاج (3/ 380). وهو مذهب الإمام مالك. انظر: المدونة (3/ 112)، التفريع (2/ 99)، القوانين (247)، الذخيرة (4/ 306)، أحكام القرآن لابن العربي (3/ 356). وهو مذهب الظاهرية. المحلى (10/ 145). وهو اختيار المؤلف كما صححه هنا. وانظر: زاد المعاد (5/ 362)، وتهذيب السنن (6/ 325)، والروح (1/ 200)، عدة الصابرين (271). واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. الفتاوى (20/ 390)، والاختيارات (276)، والجواب الصحيح (6/ 468). وقواه ابن مفلح. الفروع (5/ 515)، والجوزجاني. جامع العلوم والحكم (2/ 235).
(3) عند البخاري (3141) أنهما: معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح.

(1/24)


“هل مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ ” قالا: لا، قال: “فأَرِيَانِي سَيْفَيْكُمَا”. فلما نظر فيهما، قال لأحدهما: “هذا قَتَلَهُ” (1). وقضى له بسلبه. وهذا من أحسن الأحكام، وأحقها بالاتباع (2)، فالدم في النصل شاهد عجيب.

وبالجملة: فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره (3) ومَنْ خَصها بالشاهدين، أو الأربعة، أو الشاهد، لم يوف مسماها حقه. ولم تأت البينة قط في القرآن مرادًا بها الشاهدان، وإنما أتت مرادًا بها الحجة والدليل والبرهان، مفردة ومجموعة. وكذلك قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “البَيِّنَةُ على المُدَّعِي” (4)
__________
(1) رواه البخاري (3141) (6/ 283)، ومسلم (1752) (12/ 304).
(2) في “جـ”: “في الاتباع”.
(3) انظر: إعلام الموقعين (1/ 131)، مفتاح دار السعادة (1/ 458)، معين الحكام (68)، تبصرة الحكام (1/ 240)، جامع العلوم والحكم (2/ 235)، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (6/ 446).
(4) روى هذا الحديث جمع من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمرو: رواه الترمذي (1341) (3/ 18)، والدارقطني (3/ 110) و (4/ 157)، والبيهقي (10/ 433). قال الترمذي: “هذا حديث في إسناده مقال ومحمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه ضعفه ابن المبارك وغيره” ا. هـ. وضعفه الحافظ في التلخيص (4/ 283). وقال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 204) بعد روايته: “وهذا الحديث وإن كان في إسناده لين فإن الآثار المتواترة في حديث هذا الباب تعضده” ا. هـ. ومن حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب: رواه الدارقطني (4/ 218 – 219)، وابن حبان (5996) (13/ 240)، والطبراني كما في الفتح (5/ 334). قال الألباني رحمه الله عن سند الدارقطني: “هذا إسناد جيد في الشواهد” ا. هـ. الإرواء (8/ 266).
ومن حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – رواه الشافعي في الأم (7/ 153)، والبيهقي (10/ 427)، وفي المعرفة (14/ 350)، والبغوي في =

(1/25)


المراد به: أن عليه بيان (1) ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة. ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة (2) الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة: متقاربة في المعنى.
وقد روى ابن ماجه وغيره عن جابر بن عبد الله قال: “أردت السفر إلى خيبر، فأتيت النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقلت له: إني أردت (3) الخروج إلى خيبر، فقال: “إذا أَتَيْتَ وَكِيلي فَخُذْ منه خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا (4)، فإذا
__________
= شرح السنة (10/ 101). قال السيوطي: “أخرجه الشافعي في الأم من حديث ابن عباس بسند صحيح” ا. هـ. تخريج أحاديث العقائد (23) وفيه نظر لأن في إسناده مسلم بن خالد الزنجي والجمهور على تضعيفه، وله طريق آخر حسَّنه النووي في الأربعين (33)، وابن الصلاح في الكليات. انظر: جامع العلوم والحكم (2/ 226)، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 334)، وصححه في البلوغ (293) رقم (1483). وقال ابن الملقن: “رواه البيهقي بإسناد جيد” ا. هـ. شرح عمدة الأحكام (10/ 53).
تنبيه: أخرج البخاري (4549) بسنده عن أبي وائل – في قصة – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال للأشعث بن قيس: “بينتك أو يمينه” الحديث.
(1) “بيان” ساقطة من “ب”.
(2) في “أ” و”ب” و”هـ”: “لدلالة”.
(3) وفي “ب”: “أريد”.
(4) الوَسْق: ستون صاعًا بصاع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والصاع أربعة أمداد. حلية الفقهاء (1/ 102)، طلبة الطلبة (40)، التوقيف على مهمات التعاريف (725). واختار شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أن الصاع النبوي يساوي كيلوين وأربعين جرامًا من البر الجيد. انظر: الشرح الممتع 6/ 76.

(1/26)


طلب منك آية، فَضَعْ يَدَكَ على تَرْقُوتِهِ” (1) فهذا اعتماد في الدفع إلى الطالب على مجرد العلامة، وإقامة لها مقام الشاهد.
فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل (2) الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهدًا لها بالاعتبار، مرتبًا عليها الأحكام.
وقول أبي الوفاء ابن عقيل: “ليس هذا فراسة”، فيقال: ولا محذور في تسميته فراسة، فهي فراسة صادقة (3). وقد مدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه، فقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75]. وهم المتفرسون (4) الآخذون بالسِّيما، وهي العلامة، يقال: تفرست فيك كيت وكيت وتوسمته. وقال تعالى:
__________
(1) التَّرْقُوة: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. فقه اللغة (153)، المصباح المنير (74)، القاموس (1124).
والحديث رواه أبو داود (3615) (10/ 61)، والدارقطني (4/ 154)، والبيهقي (6/ 132) رقم (11432) من طريق أبي داود، وحسنه الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/ 112)، وذكر في بلوغ المرام (186) أن أبا داود رواه وصححه. ولم أجده في سنن ابن ماجه المطبوع، ولم أر من نسبه لابن ماجه سوى بعض الفقهاء كابن فرحون في التبصرة (2/ 120)، وصاحب تهذيب الفروق (4/ 169) نقلًا عن التبصرة.
(2) في “ب”: “دلالات”.
(3) قوله “فيقال ولا محذور في تسميته فراسة فهي فراسة صادقة” ساقط من “جـ”.
(4) انظر: تفسير ابن جرير (7/ 528)، معاني القرآن لابن النحاس (4/ 35)، زاد المسير (4/ 409)، تفسير ابن عطية (3/ 370).

(1/27)


{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [محمد: 30]. وقال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273].
وفي “جامع الترمذي” مرفوعًا: “اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فإنه يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ، ثُم قَرَأ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75] ” (1).
__________
(1) رواه البخاري في التاريخ (7/ 354)، والترمذي في جامعه (5/ 200) رقم (3127)، وابن جرير في تفسيره (7/ 528) رقم (21249)، والخطيب في التاريخ (3/ 408) و (7/ 205)، والطبراني في المعجم الأوسط (8/ 410) رقم (7839)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 282) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الترمذي: “هذا حديث غريب” ا. هـ. كما رواه البيهقي في الزهد الكبير (159) رقم (358)، والطبراني في الكبير (8/ 102) رقم (7497)، وفي الأوسط (4/ 160) رقم (3278)، وفي مسند الشاميين (3/ 183) رقم (2042)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. قال ابن عراق: “حديث أبي أمامة على شرط الحسن” ا. هـ. تنزيه الشريعة (2/ 306)، وقال الهيثمي: “رواه الطبراني وإسناده حسن” ا. هـ. مجمع الزوائد (10/ 271). وقال السيوطي: “حديث أبي أمامة بمفرده على شرط الحسن”. اللآلئ المصنوعة (2/ 330). والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، أما السيوطي فقال: “حسن صحيح”. اللآلئ (2/ 330)، وقال الشوكاني: “وعندي أن الحديث حسن لغيره وأما صحيح فلا” ا. هـ. الفوائد المجموعة (244)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (127)، قال الزبيدي عن طرقه: “وكلها ضعيفة وفي بعضها ما هو متماسك لا يليق مع وجوده الحكم على الحديث بالوضع”. تخريج أحاديث الإحياء (3/ 1336)، ونقله في فيض القدير عن السخاوي. فيض القدير للمناوي (1/ 187).

(1/28)


فصل
وقال ابن عقيل في “الفنون” (1): جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام. فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد (2)، وإن لم يضعه الرسول – صلى الله عليه وسلم -، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك: “إلا ما وافق الشرع” أي لم يخالف ما نطق به الشرع: فصحيح. وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف (3)، فإنه كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي – رضي الله عنه – الزنادقة (4) في الأخاديد فقال:
__________
(1) انظر: بدائع الفوائد (3/ 152)، إعلام الموقعين (4/ 451)، الفروع (6/ 115)، مطالب أولي النهى (6/ 224).
(2) وقيل السياسة: هي القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأموال. البحر الرائق (5/ 118). وعرفها بعضهم: بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسمًا لمادة الفساد. السياسة الشرعية لدده أفندي (73)، ولابن نجيم (17)، حاشية ابن عابدين (4/ 16).
(3) رواه البخاري (8/ 627) رقم (4987) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) الزنادقة: جمع زنديق فارسي معرَّب وهو الذي يُظهر الإسلام ويخفي الكفر. المطلع (378)، الإقناع لطالب الانتفاع (4/ 293)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 358)، حاشية العدوي على خليل (1/ 47).

(1/29)


إني إذا شاهدت أمرًا منكرا (1) … أججت ناري ودعوت قنبرا (2)
ونفي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لنصر بن حجاج. ا. هـ (3).
وهذا موضع مَزَلَّة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة، فعطلوا (4) الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرَّءوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقًا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها (5) مع علمهم وعلم غيرهم قطعًا أنها (6) حق مطابق للواقع، ظنًّا منهم منافاتها لقواعد الشرع.
__________
(1) هكذا في جميع النسخ وسيذكره المؤلف بلفظ آخر ص: (48).
(2) رواه البخاري (6/ 173) رقم (3017) و (12/ 279) رقم (6922) دون النظم، ومع النظم رواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 343)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 475). قال الحافظ ابن حجر: رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه – وذكر القصة وفيها النظم – ثم قال: “هذا سند حسن” ا. هـ. فتح الباري (12/ 282).
(3) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 216)، والخرائطي في “اعتلال القلوب” (2/ 392)، والبلاذري في “الأنساب” قسم الشيخين (211)، وابن شبه في أخبار المدينة (1/ 404)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 322)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 20). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وأخرج ابن سعد والخرائطي بسند صحيح عن عبد الله بن بريدة قال – فذكر القصة ا. هـ. الإصابة (3/ 549).
(4) في “ب”: “فغلظوا”.
(5) في “د”: “وغلطوها”.
(6) في “جـ”: “أنه”.

(1/30)


ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم، والذي أوجب لهم ذلك: نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك، وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا من أوضاع سياستهم شرًّا طويلًا، وفسادًا عريضًا، فتفاقم الأمر، وتعذر استدراكه، وعَزّ على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك، واستنقاذها من تلك المهالك.
وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة، فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، وأنزل به كتبه، فإن الله سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه (1)، ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق، أن مقصوده إقامةُ العدل بين عباده، وقيامُ الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، وليست مخالفة له.
فلا يقال: إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع، بل هي موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعًا
__________
(1) قوله “فإن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه” ساقط من “ب”.

(1/31)


لمصطلحهم (1)، وإنما هي عدل الله ورسوله، ظهر بهذه الأمارات والعلامات. فقد حبس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في تهمة (2)، وعاقب في تهمة (3)، لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم، فمن (4) أطلق كل متهم وحلَّفه وخلى سبيله – مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل – فقوله مخالف للسياسة الشرعية.
وقد منع النبي – صلى الله عليه وسلم – الغال (5) من الغنيمة سهمه، وحرق متاعه هو وخلفاؤه من بعده (6).
__________
(1) في “ب” و”جـ”: “لمصطلحكم”.
(2) رواه عبد الرزاق (8/ 306)، وأحمد (5/ 2)، وأبو داود (10/ 58) رقم (3613) مع العون، وابن الجارود في المنتقى (3/ 256) رقم (1003)، والترمذي (3/ 85) رقم (1417)، والنسائي في الكبرى (4/ 328) رقم (7362)، وفي السنن (8/ 67) رقم (4875) ورقم (4876)، والحاكم (4/ 102)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 88) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. وحديث بهز حسنه الترمذي، وقال الحاكم: “صحيح الإسناد ولم يخرجاه” ووافقه الذهبي، قال ابن القيم: “قال أحمد وعلي بن المديني: هذا إسناد صحيح”. زاد المعاد (5/ 5). وحسنه الألباني في تخريجه للمشكاة (2/ 1116).
(3) انظر: زاد المعاد (5/ 56) وذكره المؤلف. وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بقتل الذي كان يتهم بأم ولده. رواه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه رقم (2771).
(4) وفي “ب”: “ثم”.
(5) الغال: هو الخائن الذي يخفي شيئًا من الغنائم. طلبة الطلبة (145)، النظم المستعذب (2/ 283)، المصباح المنير (452)، غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 45).
(6) رواه أبو داود (7/ 383) رقم (2698) بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه. قال أبو =

(1/32)


ومنع القاتل من السلب (1) لما أساء شافعه على أمير السرية (2) (3)، فعاقب المشفوع له عقوبة للشفيع (4). وعزم على تحريق بيوت تاركي الجمعة (5) والجماعة (6).
وأضعف الغرم على سارق ما لا قطع فيه، وشرع فيه جلدات (7)؛ نكالًا وتأديبًا. وأضعف الغرم على كاتم الضالة عن
__________
= داود: وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد ولم أسمعه منه: “ومنعوه سهمه”. قال ابن القيم: “وعلة هذا الحديث أنه من رواية زهير بن محمد بن عمرو بن شعيب وزهير هذا ضعيف” ا. هـ. تهذيب السنن (7/ 384) مع عون المعبود. ووثقه أحمد وابن معين في أحد قوليه. الجرح والتعديل (3/ 589)، كما وثقه ابن القيم في الطرق. ورواه الحاكم (2/ 131) وقال: “حديث غريب صحيح ولم يخرجاه” وأقره الذهبي. ورجح الحافظ الموقوف في الفتح (6/ 217).
(1) السلب: بفتح اللام وهو ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه. فتح القدير لابن الهمام (5/ 514)، وروض الطالب “مع شرحه أسنى المطالب” (3/ 95).
(2) السرية نحو أربعمائة رجل. طلبة الطلبة (144). وسميت بذلك لأن الغالب عليها أنها تسري ليلًا. حلية الفقهاء (161)، وغريب الحديث لابن قتيبة (1/ 45).
(3) رواه مسلم (12/ 306) رقم (1753) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه وفيه: أنه – صلى الله عليه وسلم – قال لخالد بن الوليد لما أساء شافع القاتل له: “لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد” يعني سلبه. وانظر: كلام النووي في شرحه لمسلم (12/ 309).
(4) في “ب”: “الشفيع”.
(5) رواه مسلم رقم (652) (5/ 160) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(6) رواه البخاري (2/ 148) رقم (644)، ومسلم (5/ 158) رقم (651) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) رواه أبو داود (12/ 56) “مع العون” رقم (4368)، والنسائي في المجتبى (8/ 85) رقم (4959)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحسنه الألباني في “الإرواء” (2413).

(1/33)


صاحبها (1).
وقال في تارك الزكاة: “إنا آخذوها منه وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا” (2). وأمر بكسر دنان (3) الخمر (4).
__________
(1) رواه عبد الرزاق (9/ 302)، وأبو داود (5/ 141) رقم (1702)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 146)، والعقيلي (3/ 260). قال المنذري: “لم يجزم عكرمة بسماعه من أبي هريرة فهو مرسل”. مختصر سنن أبي داود (2/ 273).
(2) رواه أحمد (5/ 2 و 4)، وأبو داود (4/ 452) مع عون المعبود، والنسائي في الكبرى (2/ 8) رقم (2224)، وفي المجتبى (5/ 15)، والدارمي (1/ 486) رقم (1677)، وابن الجارود (2/ 10) رقم (341)، وعبد الرزاق (4/ 18) رقم (6824)، وابن خزيمة (4/ 18)، والحاكم (1/ 398)، والبيهقي (4/ 176) رقم (7328) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. قال الحاكم: “هذا صحيح الإسناد على ما قدمنا ذكره في تصحيح هذه الصحيفة ولم يخرجاه” ا. هـ. قال الإمام أحمد: “هو عندي صالح الإسناد” ا. هـ. انظر: المحرر في الحديث (212)، التلخيص الحبير (2/ 313)، وقال يحيي بن معين: “إسناده صحيح إذا كان من دون بهز ثقة” ا. هـ. وصححه ابن عبد الهادي في المحرر (213).
(3) الدنان جمع الدَّن كهيئة الحُبّ – الجرة – إلا أنه أطول منه وأوسع رأسًا. المصباح المنير (201). قال المباركفوري: “بكسر الدال جمع الدن وهو ظرفها” ا. هـ. تحفة الأحوذي (4/ 429).
(4) رواه الترمذي (2/ 566) رقم (1293)، والدارقطني (4/ 265)، والطبراني في الكبير (5/ 99) رقم (4714) من حديث أنس رضي الله عنه. وقال الترمذي: “روى الثوري هذا الحديث عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عنده وهذا أصح من حديث الليث” ا. هـ. وجاء في مشكاة المصابيح (2/ 1082) رقم (3649): “رواه الترمذي وضعفه” ا. هـ. ولم أجد تضعيف الترمذي في المطبوع ولا في التحفة (3/ 247)، إلا إن كان يريد قوله الذي سبق ذكره: “وهذا أصح من حديث الليث”.

(1/34)


وأمر بكسر القدور التي طبخ فيه اللحم الحرام، ثم نسخ عنهم الكسر، وأمرهم بالغسل (1). وأمر عبد الله بن عمرو بتحريق الثوبين المعصفرين (2)، فسجرهما (3) في التنور (4).
وأمر المرأة التي لعنت ناقتها أن تخلي سبيلها (5).
وأمر بقتل شارب الخمر بعد الثالثة أو الرابعة (6)، ولم ينسخ ذلك، ولم يجعله حدًّا (7) لا بد منه، بل هو بحسب المصلحة إلى رأي
__________
(1) رواه البخاري رقم (5497) (9/ 538) مع الفتح، ومسلم رقم (1802) (13/ 100) مع “شرح النووي” من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(2) الثياب المعصفرة: هي المصبوغة بعصفر. شرح مسلم للنووي (14/ 298)، المطلع (177).
(3) وفي “جـ”: “فسجر بهما”.
(4) رواه مسلم (14/ 298) “مع النووي” من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(5) رواه مسلم رقم (2595) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه. (16/ 384) مع شرح النووي.
(6) رواه من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عبد الرزاق (7/ 380)، وأحمد (4/ 93 و 97)، وأبو داود رقم (4458) (12/ 184)، والنسائي في الكبرى رقم (5297) و (5298) و (5299) (3/ 255)، وابن ماجه (4/ 181) رقم (2573)، والترمذي (3/ 114) رقم (1444)، وأبو يعلى (13/ 349) رقم (7363)، والحاكم (4/ 372) وسكت عنه، وذكر ابن حزم (11/ 366) أنه في نهاية الصحة. وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك (4/ 372)، قال الألباني عن تصحيح الذهبي: “وهو كما قال إن كان يعني صحيحًا لغيره. وإلا فهو حسن للخلاف المعروف في عاصم بن بهدلة”. السلسلة الصحيحة (3/ 348)، وقال رحمه الله: “إسناد أحمد صحيح على شرط الشيخين”. الصحيحة (3/ 348). وللحديث طرق وشواهد متعددة.
(7) “حدًّا” ساقط من “ب”.

(1/35)


الإمام (1)، ولذلك (2) زاد عمر رضي الله عنه في الحد أربعين (3) ونفى فيها (4). وأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بقتل الذي كان يتهم بأم ولده (5)، فلما تبين أنه
__________
(1) وقد قال بعدم النسخ: عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – رواه عنه أحمد (2/ 191 و 211)، وصحح روايته: ابن القيم في زاد المعاد (5/ 47). وبه قال الحسن البصري. انظر: الدراية للحافظ ابن حجر (2/ 248). وابن حزم كما في المحلى (11/ 369). والسيوطي في شرحه للترمذي، نقله عنه السندي في حاشيته على النسائي (8/ 313)، وأبو الطيب آبادي في عون المعبود (12/ 184). وبه يقول العلامة أحمد شاكر رحمه الله. انظر كتابه: كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر. أما ابن تيمية وابن القيم فقد ذهبا إلى أنه قد نسخ الوجوب لا الجواز. انظر: الفتاوى (7/ 483)، الاختيارات (300)، زاد المعاد (5/ 46)، تهذيب السنن (6/ 237)، الإنصاف (26/ 448). وبه يقول الألباني رحمه الله كما في السلسلة الصحيحة (3/ 348). أما الجمهور فالحديث منسوخ عندهم. انظر: الاعتبار للحازمي (300)، وناسخ الحديث لابن شاهين (404)، وشرح السنة للبغوي (10/ 335)، فتح الباري (12/ 80)، العواصم لابن الوزير (3/ 169)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 289)، معالم السنن (6/ 287)، المرقاة شرح المشكاة (7/ 209).
(2) في النسخ عدا “أ”: “كذلك”.
(3) رواه مسلم (11/ 227) رقم (1706) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) رواه عبد الرزاق (9/ 230) رقم (17040)، ومن طريقه النسائي في المجتبى (8/ 319) رقم (5676)، وفي الكبرى (3/ 231) رقم (5186)، والبيهقي (8/ 556) رقم (17545)، والبغوي في الجعديات (1/ 415) رقم (614). قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – عن إسناد النسائي: “هذا إسناد جيد” ا. هـ. مسند الفاروق (2/ 518).
(5) أم ولده هي مارية القبطية – رضي الله عنها – والرجل ابن عم لها. كما رواه البزار في مسنده (2/ 237) رقم (634)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 93)، =

(1/36)


خصي تركه (1).
وأمر بإمساك اليهودي الذي أومأت الجارية (2) برأسها أنه رضخه (3) بين حجرين فأُخذ فأقرَّ فرضخ رأسه (4). وهذا يدل على جواز أخذ المتهم إذا قامت قرينة التهمة. والظاهر: أنه لم تقم عليه بينة، ولا أقر اختيارًا منه للقتل، وإنما هدد أو ضرب فأقر (5).
وكذلك العرنيّون فعل بهم ما فعل بناءً على شاهد الحال ولم يطلب بينة بما فعلوا (6)، ولا وقف الأمر على إقرارهم (7).
__________
= والضياء في المختارة (2/ 353)، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (2/ 511) رقم (493). وحسَّن إسناد البزار الحافظ ابن حجر. مختصر زوائد مسند البزار (1/ 605). واسم الرجل مأبور. انظر: الغوامض والمبهمات (2/ 511)، الإصابة (3/ 315).
(1) رواه مسلم (17/ 123) رقم (2771) مبهمًا اسم الرجل والجارية.
(2) قال الحافظ ابن حجر: “لم أقف على اسمها لكن في بعض طرقه أنها من الأنصار” ا. هـ. فتح الباري (12/ 207).
(3) رضخه: دقه وكسره. النهاية في غريب الحديث (2/ 229)، وحاشية السندي على النسائي (8/ 22)، وتحفة الأحوذي (4/ 542).
(4) رواه البخاري (9/ 345) رقم (5295)، ومسلم (11/ 169) رقم (1672) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5) انظر شرح الحديث في: شرح مسلم للنووي (11/ 169)، والمعلم للمازري (2/ 248)، وفتح الباري (12/ 207).
(6) رواه البخاري رقم (233) (1/ 400)، ومسلم رقم (1671) (11/ 165) من حديث أنس رضي الله عنه.
(7) من قوله “وكذلك العرنيون … ” إلى نهاية الفصل ساقط من “جـ”.

(1/37)


فصل
وسلك أصحابه وخلفاؤه من بعده (1) ما هو معروف لمن طلبه.
فمن ذلك: أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – حرَّق اللوطية (2)، وأذاقهم حر النار في الدنيا قبل الآخرة. وكذلك قال أصحابنا: إذا رأى الإمام تحريق اللوطي فله ذلك (3). فإن خالد بن الوليد – رضي الله عنه – كتب إلى أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – “أنه (4) وجد في بعض ضواحي العرب رجلًا يُنكح كما تنكح المرأة” فاستشار الصديق – رضي الله عنه – أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفيهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -، وكان أشدهم قولًا، فقال: “إن هذا الذنب لم تعص به أمة من
__________
(1) وفي “أ” و”جـ”: “ذلك”.
(2) اللواط هو وطء الذكر في دبره. المطلع (322).
رواه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 405)، وفي معرفة السنن (12/ 314) وقال: “هذا مرسل مروي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي”، ورواه في شعب الإيمان (4/ 357) رقم (5389)، ورواه الآجري في تحريم اللواط رقم (29)، ورواه ابن حزم بسنده في المحلى (11/ 381) من طرق ذكر ص (383) أنها منقطعة. قال الحافظ ابن حجر: “ضعيف جدًّا” ا. هـ. الدراية (2/ 103)، وقال المنذري وابن حجر الهيتمي: “روى ابن أبي الدنيا ومن طريقه البيهقي بإسناد جيد عن محمد المنكدر” فذكره. انظر: الترغيب والترهيب (3/ 229)، والزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 312). وقال ابن القيم: “ثبت عن خالد بن الوليد”. الداء والدواء (262) “طبعة ابن الجوزي”.
(3) انظر: إعلام الموقعين (4/ 457)، الإنصاف (26/ 273)، مطالب أولي النهى (6/ 175).
(4) في “ب” و”هـ”: “أنه قد”.

(1/38)


الأمم إلا واحدة، فصنع الله بهم ما قد (1) علمتم، أرى أن يحرقوا بالنار، فأجمع رأي أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أن يحرقوا بالنار (2). فكتب أبو بكر الصديق إلى خالد – رضي الله عنهما – أن يحرقوا فحرقهم” (3). ثم حرقهم عبد الله بن الزبير في خلافته (4). ثم حرقهم هشام بن عبد الملك (5).
وحرق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حانوت الخمار بما فيه (6). وحرق قرية يباع فيها الخمر (7).
__________
(1) في “أ”: “فصنع الله بهم ما صنع كما قد”.
(2) قوله “فأجمع رأي أصحاب .. ” إلى قوله “بالنار” ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(3) سبق تخريجه قريبًا.
(4) “في خلافته” ساقط من “أ”.
(5) ذكره عنهما: البيهقي في شعب الإيمان (4/ 357)، وابن حزم في المحلى (11/ 381)، والباجي في المنتقى (7/ 141)، وابن المنذر في الإشراف (3/ 26)، والقرطبي في تفسيره (7/ 244)، وابن القيم في روضة المحبين (376)، والهيتمي في الزواجر (2/ 312)، والبوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة (5/ 231)، وابن فرحون في تبصرة الحكام (2/ 292)، والطرابلسي في معين الحكام (195).
(6) رواه عبد الرزاق (6/ 77)، وابن سعد في الطبقات (5/ 42)، وأبو عبيد في الأموال (114)، ومالك كما في البيان والتحصيل (9/ 416)، وابن وهب في الموطأ (42)، والبلاذري في الأنساب “قسم الشيخين” (191)، والدولابي في الكنى (1/ 189) “طبعة الهند”، وصححه الألباني رحمه الله في تحذير الساجد (42).
(7) لم أجد ذلك مسندًا إلى عمر، وإنما رواه أبو عبيد في الأموال (105) عن علي رضي الله عنه. كما رواه ابن بطة. انظر: الآداب الشرعية (1/ 218)،

(1/39)


وحرق قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب في قصره (1) عن الرعية. فذكر الإمام أحمد – رضي الله عنه – في مسائل ابنه صالح (2): أنه دعا محمد بن مسلمة فقال: “اذهب إلى سعد بالكوفة، فحرّق عليه قصره، ولا تحدثن حدثًا حتى تأتيني” فذهب محمد إلى الكوفة، فاشترى من نبطي (3) حزمة حطب (4)، وشرط عليه حملها إلى قصر سعد، فلما وصل إليه ألقى الحزمة فيه، وأضرم فيها النار، فخرج سعد، فقال: “ما هذا؟ ” قال: “عزمة أمير المؤمنين” فتركه حتى احترق. ثم انصرف إلى المدينة، فعرض عليه سعد نفقة، فأبى أن يقبلها، فلما قدم على عمر قال له: “هلّا قبلت نفقته؟ ” فقال: “إنك قلت لا تحدثن حدثًا حتى تأتيني” (5).
وحلق عمر رأس نصر بن حجاج، ونفاه من المدينة لتشبيب النساء به (6). وضرب صَبيغ بن عِسْل التميمي على رأسه، لما سأل عما لا يعنيه (7).
__________
(1) “في قصره” ساقطة من “ب”.
(2) مسائل صالح (2/ 174).
(3) النبط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين وسموا نبطًا لأنهم يستنبطون الماء الذي يستخرجونه من الأرض ومعنى نبطي اللسان الذي اشتبه كلامه بكلام العرب والعجم. النظم المستعذب (2/ 320)، المطلع (372).
(4) في “جـ”: “من حطب”.
(5) رواه أحمد في مسنده (1/ 54)، وعبد الله بن المبارك في الزهد ص (176).
(6) سبق تخريجه.
(7) رواه البزار (1/ 423) رقم (299)، وعبد الرزاق (11/ 426)، والدارمي =

(1/40)


وصادر عماله، فأخذ شطر أموالهم لما اكتسبوها بجاه العمل (1)، واختلط ما يختصون به بذلك، فجعل أموالهم بينهم وبين المسلمين شطرين.
وألزم الصحابة أن يُقلُّوا الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما اشتغلوا به عن القرآن (2)، سياسة منه، إلى غير ذلك من سياسته (3) التي ساس بها الأمة – رضي الله عنه -.
__________
= (1/ 66) رقم (148)، واللالكائي في شرح السنة رقم (1136) رقم (1137)، والآجري في الشريعة رقم (152) و (153)، وابن بطة في الإبانة رقم (329) و (330)، والصابوني في عقيدة السلف رقم (85)، وابن وضاح في البدع (56)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 410). قال ابن كثير: “قصة صبيغ بن عسل مشهورة”. مسند الفاروق (2/ 606)، والتفسير (7/ 391) وقال الحافظ ابن حجر: “أخرجه ابن الأنباري من وجه آخر عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عن عمر بسند صحيح .. ” ا. هـ. الإصابة (2/ 191).
(1) رواه ابن زنجوية في الأموال (2/ 604 و 605 و 606)، وأبو عبيد في الأموال (282)، والبلاذري في الأنساب “قسم الشيخين” (257، 268، 297)، وابن جرير الطبري في تاريخه (2/ 356 – 357). وانظر: الإصابة (3/ 364)، والبداية والنهاية (9/ 575).
(2) روى نحوه عبد الرزاق (11/ 257) رقم (20484)، ومن طريقه الخطيب في تقييد العلم (49)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 274) رقم (343)، وإسناده منقطع: عروة لم يدرك عمر. الأنوار الكاشفة (38). وروى أثرًا آخر عنه: أبو خيثمة في العلم (115) رقم (26)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 275) رقم (345)، والخطيب في التقييد (52).
(3) في “أ”: “السياسة”، وفي “ب”: “سياساته”.

(1/41)


قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: ومن ذلك إلزامه للمطلق ثلاثًا واحدة بالطلاق، وهو يعلم أنها واحدة، ولكن لما أكثر الناس منه رأى عقوبتهم بإلزامهم به، ووافقه على ذلك رعيته من الصحابة، وقد أشار هو إلى ذلك، فقال: “إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة، فلو أنا أمضيناه عليهم؟ ” (1) فأمضاه عليهم ليقلوا منه، فإنهم إذا علموا أن أحدهم إذا أوقع الثلاث جملة واحدة وقعت عليه (2)، وأنه لا سبيل له إلى المرأة: أمسك عن ذلك. فكان الإلزام به عقوبة منه لمصلحة رآها، ولم يكن يخفى عليه أن الثلاث كانت في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر (3) كانت تجعل واحدة، بل مضى على ذلك صدر من خلافته، حتى أكثر الناس من ذلك، وهو اتخاذ لآيات الله هزوًا. كما في “المسند” و”النسائي” وغيرهما من حديث محمود بن لبيد: “أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا، على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: “أَيُلْعَبُ بكِتَابِ اللهِ وأَنا بَيْنَ أَظْهُركُمْ؟ ” فقال رجل: ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟ ” (4) فلما أكثر الناس من ذلك
__________
(1) رواه مسلم (10/ 325) رقم (1472) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -.
(2) “عليه” من “هـ”.
(3) في “أ”: “وعهد أبي بكر”.
(4) رواه النسائي في المجتبى (6/ 142)، وفي السنن الكبرى (3/ 349). قال ابن القيم: “إسناده على شرط مسلم”. زاد المعاد (5/ 241)، وقال ابن كثير: “النسائي بإسناد جيد قوي” ا. هـ. إرشاد الفقيه (2/ 194)، وقال

(1/42)


عاقبهم به. ثم إنه ندم على ذلك قبل موته، كما ذكره الإسماعيلي (1) في “مسند عمر” (2). فقلت لشيخنا: فهلا تبعت عمر في إلزامهم به عقوبة، فإن جمع الثلاث محرم (3) عندك؟ فقال: أكثر الناس اليوم لا يعلمون أن ذلك محرم (4)، ولا سيما (5) والشافعي يراه جائزًا (6)، فكيف يعاقب الجاهل بالتحريم (7).
__________
(1) الحافظ ابن حجر: “أخرجه النسائي ورجاله ثقات لكن محمود بن لبيد ولد هو أحمد بن إبراهيم الجرجاني الشافعي الإمام الحافظ أبو بكر شيخ الشافعية له “مسند عمر” و”المستخرج على الصحيح”. توفي سنة 371 هـ – رحمه الله تعالى -.
انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 292)، وطبقات الشافعية للسبكي (3/ 7).
(2) لم أجده مطبوعًا. وقد ذكر سنده ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 366)، قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في مسند عمر: أخبرنا أبو يعلى حدثنا صالح بن مالك حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ما ندمت على شيء ندامتي على ثلاث أن لا أكون حرمت الطلاق وعلى أن لا أكون أنكحت الموالي وعلى أن لا أكون قتلت النوائح” ا. هـ. وسنده ضعيف؛ لضعف خالد بن يزيد.
(3) في “أ”: “يحرم”.
(4) قوله “عندك فقال أكثر الناس اليوم لا يعلمون أن ذلك محرم” ساقط من “هـ”.
(5) قوله “ولا سيما” ساقط من “أ”.
(6) الأم (5/ 264)، وانظر: التهذيب للبغوي (6/ 43)، الحاوي (10/ 117)، روضة الطالبين (6/ 10)، التنبيه (174)، حلية العلماء (7/ 24)، الإشراف (1/ 141)، شرح مسلم للنووي (10/ 325)، فتح الباري (9/ 275)، شرح السنة (9/ 210).
(7) في “أ”: “في التحريم”.

(1/43)


قال: وأيضًا فإن عمر ألزمهم بذلك، وسد عليهم باب التحليل، وأما هؤلاء: فيلزمونهم بالثلاث، وكثير منهم يفتح لهم باب التحليل، فإنه لا بد للرجل من امرأته، فإذا علم أنها لا ترجع إليه إلا بالتحليل سعى في ذلك. والصحابة لم يكونوا يسوغون ذلك، فحصلت مصلحة الامتناع من الجمع من غير وقوع مفسدة التحليل بينهم (1).
قال: ولو علم عمر أن الناس يتتايعون في التحليل لرأى أن إقرارهم على ما كان عليه الأمر في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وصدر من خلافته أولى. وبسط شيخنا الكلام في ذلك بسطًا طويلًا (2).
قال: ومن ذلك منعه بيع (3) أمهات الأولاد (4)، وإنما كان رأيًا منه رآه للأمة، وإلا فقد بِعْنَ في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومدة خلافة
__________
(1) في “ب”: “فيهم”، وفي “هـ”: “منهم”.
(2) انظر: مجموع الفتاوى (32/ 311) و (33/ 12)، العقود الدرية (324)، الشهادة الزكية (90)، جلاء العينين (268)، زاد المعاد (5/ 241)، الصواعق المرسلة (2/ 619)، إغاثة اللهفان (1/ 314)، إعلام الموقعين (3/ 40).
(3) في “أ”: “من بيع”.
(4) رواه مالك (2/ 776)، وابن أبي شيبة (4/ 415)، وعبد الرزاق (7/ 292) رقم (13225)، وأبو داود في العتق (1/ 488) رقم (3935)، وقال الحافظ عن إسناد عبد الرزاق: “إسناده من أصح الأسانيد” ا. هـ. الدراية (2/ 88)، والتلخيص الحبير (4/ 403).

(1/44)


الصديق (1)، ولهذا عزم علي بن أبي طالب على بيعهن، وقال: “إن عدم البيع كان رأيًا اتفق عليه هو وعمر”، فقال له قاضيه عبيدة السلماني: “يا أمير المؤمنين، رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك” (2)، فقال: “اقضوا كما (3) كنتم تقضون، فإني أكره الخلاف” (4). فلو كان عنده نص من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بتحريم بيعهن لم
__________
(1) رواه من حديث جابر رضي الله عنه عبد الرزاق (7/ 288) رقم (13211)، وأحمد (3/ 321)، والشافعي في السنن (1/ 357) رقم (285)، والنسائي في الكبرى (3/ 199) رقم (5039) و (5040)، وأبو داود (10/ 388) رقم (3935)، وابن ماجه (4/ 142) رقم (2517)، وأبو يعلى (4/ 461) رقم (2229)، وابن حبان (10/ 165) رقم (4323)، والحاكم (2/ 7) وقال: “صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه”. والحديث حسنه المنذري. مختصر سنن أبي داود (5/ 412).
(2) رواه عبد الرزاق (7/ 291) رقم (13224)، وابن أبي شيبة (4/ 414) رقم (21583)، وابن الأعرابي في معجمه (3/ 464) رقم (494)، والبيهقي (10/ 583) رقم (21794)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 386). قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – عن إسناد عبد الرزاق: “وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد” ا. هـ. التلخيص الحبير (4/ 304)، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 88).
(3) في “ب”: “ما”.
(4) روى هذه الجملة: البخاري في صحيحه (7/ 88) رقم (3707)، والمؤلف رحمه الله جمع بين الأثرين، ولم أجد من رواهما معًا بلفظ واحد مع أن شراح الحديث ذكروا أن سبب قول علي رضي الله عنه ذلك هو قول عبيدة السلماني في الأثر السابق. انظر: فتح الباري (7/ 91)، عمدة القاري (13/ 291)، تحفة الطالب (172)، الإفصاح (1/ 270).

(1/45)


يضف ذلك إلى رأيه ورأي عمر، ولم يقل: “إني رأيت أن يُبَعْن”.

فصل
ومن ذلك: اختياره للناس الإفراد بالحج، ليعتمروا في غير أشهر الحج، فلا يزال البيت الحرام مقصودًا (1)، فظن بعض الناس أنه نهى عن المتعة، وأنه أوجب الإفراد. وتنازع في ذلك ابن عباس وابن (2) الزبير (3)، وأكثر الناس على ابن عباس في ذلك، وهو يحتج عليهم بالأحاديث الصحيحة الصريحة. فلما أكثروا عليه في ذلك قال: “يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟! ” (4) وكذلك ابنه عبد الله كانوا إذا
__________
(1) رواه مسلم (8/ 418) رقم (1217)، وأبو عوانة (2/ 343) رقم (3365).
(2) في “أ”: “عبد الله بن الزبير”.
(3) رواه مسلم (8/ 418) رقم (1217)، وأبو عوانة (2/ 345) رقم (3374).
(4) لم أجده بهذا اللفظ، ولكن روى أحمد (1/ 337)، والضياء في المختارة (10/ 331) رقم (357)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 377) رقم (379)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/ 1210) رقم (2381) نحوه ولفظه: “أراهم سيهلكون أقول: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – ويقولون: نهى أبو بكر وعمر”. وحسنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/ 70).
كما رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 377) رقم (380)، بلفظ: “والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله نحدثكم عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتحدثونا عن أبي بكر وعمر”. انظر: جامع بيان العلم لابن عبد البر (2/ 1209) رقم (2377).

(1/46)


احتجوا عليه بأبيه يقول: “إن عمر لم يرد ما تقولون” فإذا أكثروا عليه قال: “أفرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحق أن تتبعوا (1)، أم عمر؟ ” (2).
والمقصود: أن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة، يختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكلٍّ عذرٌ وأجرٌ. ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين.
وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة وأضعافها هي من تأويل القرآن والسنة. ولكن: هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، أم من السياسات الجزئية التابعة للمصالح، فيتقيد بها زمانًا ومكانًا؟
ومن ذلك: جمع عثمان – رضي الله عنه – الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة (3) التي أطلق لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – القراءة بها، لما كان ذلك مصلحة. فلما خاف الصحابة – رضي الله عنهم – على الأمة
__________
(1) في “جـ”: “أن يتبع”.
(2) رواه أحمد (2/ 95)، والترمذي (2/ 175) رقم (824)، وأبو يعلى (9/ 341) رقم (5451) ورقم (5563)، وأبو عوانة (2/ 343) رقم (3366)، والبيهقي (5/ 30) رقم (8876). وصححه النووي في المجموع (7/ 35).
(3) رواه البخاري (8/ 627) رقم (4987) مع الفتح. اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولًا. وجمهور العلماء على أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة. نحو: أقبل وهلم، وعجل وأسرع، وأنظر وأخِّر وأمهل. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/ 140)، البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/ 213)، فضائل القرآن لأبي عبيد (2/ 163)، تفسير ابن جرير (1/ 53)، مجموع الفتاوى (13/ 390).

(1/47)


أن يختلفوا في القرآن، ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم، وأبعد من وقوع الاختلاف: فعلوا ذلك، ومنعوا الناس من القراءة بغيرها (1). وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت، وكان سلوكهم في تلك الطرق يوقعهم في التفرق والتشتت، ويطمع فيهم العدو، فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد، وترك (2) بقية الطرق: جاز ذلك، ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود، وإن كان فيه (3) نهي عن سلوكها لمصلحة الأمة.
ومن ذلك تحريق علي رضي الله عنه (4) الزنادقة الرافضة، وهو يعلم سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قتل الكافر، ولكن لما رأى أمرًا عظيمًا جعل عقوبته من أعظم العقوبات؛ ليزجر الناس عن مثله. ولذلك قال:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرا … أججت ناري ودعوت قنبرا (5)
وقنبر غلامه.
وهذا الذي ذكرناه، جميع الفقهاء يقولون به في الجملة، وإن تنازعوا في كثير من موارده (6). فكلهم يقول بجواز (7) وطء الرجل
__________
(1) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “بغيره”.
(2) وفي “جـ”: “فترك”.
(3) قوله “إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود وإن كان فيه” ساقط من “ب”.
(4) “علي رضي الله عنه” ساقط من “أ”.
(5) سبق تخريجه ص (30).
(6) في “ب”: “نوادره”.
(7) “بجواز” ساقطة من “أ”.

(1/48)


المرأة إذا أهديت إليه ليلة الزفاف، وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال أن (1) هذه فلانة بنت فلان التي عقدت عليها، وإن لم يستنطق النساء أن هذه هي (2) امرأته؛ اعتمادًا على القرينة الظاهرة القوية (3) فنزَّلوا هذه القرينة القوية منزلة الشهادة (4).
ومن ذلك: أن الناس – قديمًا وحديثًا – لم يزالوا يعتمدون على قول الصبيان المرسل معهم الهدايا، وأنها مبعوثة إليهم، فيقبلون أقوالهم، ويأكلون الطعام المرسل به، ويلبسون الثياب، ولو كانت أمة لم يمتنعوا من وطئها، ولم يسألوا إقامة (5) البينة على ذلك؛ اكتفاء بالقرائن (6) الظاهرة (7).
ومن ذلك: أن الضيف يشرب (8) من كوز صاحب البيت، ويتكئ
__________
(1) وفي “جـ”: “بأن”.
(2) “هي” من “أ” و”ب”.
(3) “القوية” مثبتة من “أ”.
(4) انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (65)، قواعد الأحكام (2/ 115)، الفروق (1/ 14)، تبصرة الحكام (2/ 121)، تهذيب الفروق (4/ 167)، معين الحكام (96)، بدائع الفوائد (1/ 7)، المبسوط (10/ 177).
(5) “إقامة” ساقطة من “جـ”.
(6) وفي “جـ”: “بالقرينة”.
(7) انظر: قواعد الأحكام (2/ 113)، الفروق (1/ 14)، روضة القضاة (2/ 715)، تبصرة الحكام (2/ 121 و 373)، معين الحكام (166)، تهذيب الفروق (4/ 167)، بدائع الفوائد (1/ 6)، إعلام الموقعين (4/ 459).
(8) وفي “ب”: “يأكل”.

(1/49)


على وساده، ويقضي حاجته في مرحاضه من غير استئذان باللفظ له، ولا يعد في ذلك متصرفًا في ملكه بغير إذنه (1).
ومن ذلك: أنه يطرق عليه بابه، ويضرب حلقته بغير (2) استئذانه، اعتمادًا على القرينة (3) العرفية (4).

ومن ذلك: أخذ ما يسقط من الإنسان مما لا تتبعه همته، كالسوط والعصا والفلس والتمرة.
ومن ذلك: أخذ ما يبقى في القَراح (5) والحائط من الثمار بعد تخلية أهله له وتسييبه (6).

ومن ذلك: أخذ ما يسقط من الحب عند الحصاد، ويسمى اللقاط (7).
__________
(1) انظر: تبصرة الحكام (2/ 121)، معين الحكام (166)، إعلام الموقعين (4/ 459).
(2) من قوله “استئذان باللفظ” إلى قوله “ويضرب حلقته بغير” ساقط من “ب”.
(3) في “ب”: “القرينة الظاهرة”.
(4) انظر: قواعد الأحكام (2/ 116)، إعلام الموقعين (4/ 459).
(5) القراح بفتح القاف: المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع أقرحة. انظر: مختار الصحاح (528)، القاموس المحيط (300)، المصباح المنير (496).
(6) انظر: تبصرة الحكام (2/ 121)، معين الحكام (166)، إعلام الموقعين (4/ 459).
(7) انظر: الفروع (4/ 419)، تبصرة الحكام (2/ 121)، شرح منتهى الإرادات (2/ 240)، مطالب أولي النهى (4/ 197)، معين الحكام (166)، تفسير =

(1/50)


ومن ذلك: أخذ ما ينبذه الناس رغبة عنه من الطعام والخرق والخزف (1) ونحوه.
ومن ذلك: قول أهل المدينة (2) – وهو الصواب (3) – أنه لا يقبل قول المرأة: إن زوجها لم يكن ينفق عليها ولا (4) يكسوها فيما مضى من الزمان؛ لتكذيب القرائن الظاهرة لها. وقولهم في ذلك هو الحق الذي ندين الله به، ولا نعتقد سواه، والعلم الحاصل بإنفاق الزوج وكسوته في الزمن الماضي؛ اعتمادًا على الأمارات الظاهرة أقوى من الظن الحاصل باستصحاب الأصل (5) وبقاء ذلك في ذمته بأضعاف
__________
= ابن كثير (3/ 342).
(1) انظر: تبصرة الحكام (2/ 121)، معين الحكام (166)، إعلام الموقعين (4/ 459)، المغني (8/ 348)، الشرح الكبير (16/ 200).
(2) المدونة (2/ 259)، تبصرة الحكام (2/ 125)، التفريع (2/ 54)، الكافي (255)، الشرح الكبير (3/ 499)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/ 499)، الذخيرة (4/ 471)، شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 201)، بلغة المسالك (2/ 748)، منح الجليل (4/ 411)، نصيحة المرابط (3/ 268).
(3) انظر: إغاثة اللهفان (2/ 478)، إعلام الموقعين (3/ 351)، مجموع الفتاوى (34/ 77 – 82)، حاشية الروض لابن قاسم (7/ 117)، المختارات الجلية للسعدي (112)، الفواكه العديدة (2/ 74)، الفتاوى الكبرى (3/ 377).
(4) “لا” ساقطة من “جـ”.
(5) الاستصحاب هو: التمسك بدليل عقلي أو شرعي لم يظهر عنه ناقل، وقيل: هو الحكم بثبوت أمر في الحال بناءً على أنه كان ثابتًا في الزمان الأول. واختلف العلماء في أقسامه وحجيته. انظر: أصول السرخسي (2/ 223)، =

(1/51)


مضاعفة.
فكيف يقدم هذا الظن الضعيف على ذلك العلم الذي يكاد بل (1) يبلغ القطع؟ فإن هذه الزوجة لم يكن ينزل عليها رزقها من السماء، كما كان ينزل على مريم بنت عمران (2)، ولم تكن تُشاهد تخرج من منزلها تأتي بطعام وشراب، والزوج يشاهد (3) في كل وقت داخلًا عليها بالطعام والشراب، فكيف يقال: “القول قولها” ويقدم ظن الاستصحاب على هذا العلم اليقيني؟
ومن ذلك: أن صاحب المنزل إذا قدم الطعام إلى الضيف ووضعه بين يديه، جاز له (4) الإقدام على الأكل، وإن لم يأذن له لفظًا؛ اعتبارًا بدلالة الحال الجارية مجرى القطع (5).
ومن ذلك: إذن النبي – صلى الله عليه وسلم – للمار بثمر الغير أن يأكل من ثمره ولا
__________
= المعتمد (2/ 325)، المحصول لابن العربي (130)، نفائس الأصول (9/ 4021)، البرهان (2/ 735)، سلاسل الذهب (425)، العدة في أصول الفقه (4/ 1262)، التمهيد في أصول الفقه (4/ 251)، شرح مختصر الروضة (3/ 147)، شرح الكوكب المنير (4/ 403).
(1) “بل” ساقطة من “ب”، وفي “جـ”: “أن”.
(2) كما في قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
(3) قوله “تخرج من منزلها تأتي بطعام وشراب والزوج يشاهد” ساقطة من “ب”.
(4) “له” ساقطة من “جـ”.
(5) انظر: قواعد الأحكام (2/ 111)، تبصرة الحكام (2/ 122)، معين الحكام (166)، إعلام الموقعين (4/ 459).

(1/52)


يحمل (1)؛ اكتفاء بشاهد الحال، حيث لم يجعل عليه حائطًا ولا ناطورًا (2).
ومن ذلك: جواز قضاء الحاجة في الأقرحة والمزارع التي على الطرقات بحيث لا ينقطع منها المارة. وكذلك الصلاة فيها, ولا يكون ذلك غصبًا لها ولا تصرفًا ممنوعًا (3).

ومن ذلك: الشرب من المصانع الموضوعة على الطرقات، وإن لم يعلم الشارب إذن أربابها في ذلك لفظًا، اعتمادًا على دلالة الحال، ولكن لا يتوضأ منها؛ لأن العرف لا يقتضيه، ودلالة الحال لا تدل عليه، إلا أن يكون هناك شاهد حال يقتضي ذلك فلا بأس بالوضوء حينئذٍ (4).
__________
(1) كما في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: “ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه” رواه النسائي في المجتبى (8/ 85) رقم (4958)، وأحمد (2/ 180)، والترمذي (2/ 563) وقال: “هذا حديث حسن”، وأبو داود (5/ 132) رقم (1694)، وابن ماجه (4/ 196) رقم (2596)، والبغوي في شرح السنة (8/ 318) رقم (2211). والحديث حسنه الترمذي كما سبق، وحسنه كذلك ابن القيم في تهذيب السنن (7/ 282) “مع العون”، والألباني في صحيح ابن ماجه (2/ 88) رقم (2104).
(2) انظر: تبصرة الحكام (2/ 122)، معين الحكام (166)، المغني (13/ 333)، الكافي (2/ 537)، الشرح الكبير والإنصاف (27/ 255)، قواعد ابن رجب (2/ 53)، المبدع (9/ 209)، شرح منتهى الإرادات (3/ 415).
(3) انظر: تبصرة الحكام (2/ 122)، معين الحكام (166).
(4) انظر: تبصرة الحكام (2/ 122)، معين الحكام (166).

(1/53)


ومن ذلك: القضاء بالأجرة للغسَّال والخباز والطباخ والدقاق وصاحب الحمَّام والقيِّم، وإن لم يعقد معه عقد إجارة؛ اكتفاء بشاهد الحال ودلالته (1). ولو استوفى هذه المنافع ولم يعطهم شيئًا لعُدّ (2) ظالمًا غاصبًا، مرتكبًا لما هو من القبائح المنكرة.
ومن ذلك: انعقاد التبايع في سائر الأعصار والأمصار بمجرد المعاطاة، من غير لفظ (3)؛ اكتفاء بالقرائن والأمارات الدالة على التراضي، الذي هو شرط في صحة البيع.
ومن ذلك: جواز شهادة الشاهد على القتل الموجب للقصاص: أنه قتله عمدًا عدوانًا محضًا، وهو لم يقل: “قتله عمدًا” والعمدية صفة قائمة بالقلب، فجاز للشاهد أن يشهد بها، ويراق دم القاتل بشهادته؛ اكتفاء بالقرينة الظاهرة، فدلالة القرينة على التراضي بالبيع من غير لفظ أقوى (4).
__________
(1) انظر: درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (2/ 609)، المغني (8/ 143)، الكافي (3/ 394)، الإقناع (2/ 495)، الممتع في شرح المقنع (3/ 442)، شرح منتهى الإرادات (2/ 246).
(2) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “ولم يعطهم يعد ظالمًا”.
(3) وهو مذهب جماهير أهل العلم عدا الشافعية. انظر: بدائع الصنائع (4/ 547)، الهداية (6/ 252)، حاشية ابن عابدين (4/ 547)، الفروق (3/ 143)، مختصر خليل (187)، تبصرة الحكام (2/ 125)، المغني (6/ 7)، الكافي (3/ 5)، الشرح الكبير (11/ 12)، الفروع (4/ 4)، الإنصاف (11/ 12)، نهاية المحتاج (3/ 375)، حلية العلماء (4/ 13)، بدائع الفوائد (4/ 18)، القواعد النورانية (104).
(4) انظر: تبصرة الحكام (2/ 122).

(1/54)


ومن ذلك: أنهم قالوا: يقبل قول الوصيَّ فيما ينفقه على اليتيم إذا ادعى ما يقتضيه العرف، فإذا ادعى أكثر من ذلك لم يقبل قوله (1).
وهكذا سائر من قلنا “القول (2) قوله” إنما يقبل قوله إذا لم يكذبه شاهد الحال، فإن كذبه لم يقبل قوله، ولهذا يكذب المودع والمستأجر، إذا ادعيا أن الوديعة (3) أو العين المستأجرة هلكت في الحريق، أو تحت الهدم، أو في نهب العيارين (4) ونحوهم، لم يقبل قولهم إلا إذا تحققنا وجود هذه الأسباب (5)، فأما إذا علمنا انتفاءها فإنا
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص (2/ 87)، مجمع الضمانات (329)، فتح القدير (7/ 362)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (275)، تبصرة الحكام (1/ 382)، التاج والإكليل (8/ 578)، حاشية الدسوقي (6/ 538)، التنبيه (103)، فتاوى ابن الصلاح (135)، المقنع (256)، الكافي (3/ 256)، المحرر (1/ 347)، الإقناع (2/ 407)، معونة أولي النهي (4/ 586)، هداية الراغب (362).
(2) في “جـ”: “يقبل”.
(3) الوديعة: أمانة تركت عند الغير قصدًا. التعريفات للجرجاني (325)، والحدود لمصنفك (92)، وأنيس الفقهاء (248).
(4) العيار: هو كثير التطواف والحركة. المصباح المنير (440)، مختار الصحاح (464). وقيل: العيار من الرجال الذي يخلي نفسه وهواها لا يَرْعُها ولا يزجرها. المصباح المنير (440).
(5) انظر: مختصر المزني “مع الأم” (9/ 159)، الوجيز (701)، روضة الطالبين (5/ 307)، المنثور (3/ 389)، المغني (9/ 265)، الكافي (3/ 487)، الإقناع (3/ 12)، معونة أولي النهى (5/ 509)، شرح منتهى الإرادات (2/ 203)، مطالب أولي النهى (4/ 165)، الفوائد الزينية (104).

(1/55)


نجزم بكذبهم، ولا يقبل قولهم. وهذا من أقوى الأدلة على أن القول قول الزوج في النفقة والكسوة لما مضى من الزمان؛ لعلمنا بكذب الزوجة في الإنكار، وكون الأصل معها مثل كون الأصل قبول قول الأمناء، إلا حيث يكذبهم الظاهر.
ومن ذلك: أنهم قالوا في تداعي العيب: هل كان (1) عند البائع أو حدث عند المشتري؟ أن القول قول من يدل الحال على صدقه (2). فإن احتملت (3) الحال صدقهما ففيها قولان، أظهرهما: أن القول قول البائع (4)؛ لأن المشتري يدعي ما يسوّغ فسخ العقد بعد تمامه ولزومه، والبائع ينكره.
ومن ذلك: أن مالكًا وأصحابه منعوا سماع الدعوى التي لا تشبه الصدق، ولم يحلّفوا لها المدعى عليه (5)؛ نظرًا إلى الأمارات والقرائن
__________
(1) في “ب” و”جـ”: “تكوّن”.
(2) انظر: التهذيب (3/ 462)، روضة الطالبين (3/ 144)، الفروع (4/ 113)، شرح منتهى الإرادات (2/ 50)، كشاف القناع (3/ 227)، المحرر (1/ 327)، مطالب أولي النهى (3/ 123)، المعونة (2/ 1054)، التفريع (2/ 173)، الكافي لابن عبد البر (350)، الذخيرة (5/ 82).
(3) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “احتمل”.
(4) انظر: روضة القضاة (1/ 379)، فتح القدير (6/ 378)، البناية (7/ 167)، المعونة (2/ 1054)، التفريع (2/ 173)، الكافي (350)، الذخيرة (5/ 82)، مختصر المزني (9/ 93)، الوجيز (422)، التهذيب (3/ 462)، روضة الطالبين (3/ 144)، الفروع (4/ 113)، قواعد ابن رجب (3/ 154)، المحرر (1/ 327)، تصحيح الفروع (4/ 113).
(5) “عليه” ساقطة من “ب”.

(1/56)


الظاهرة (1).
ومن ذلك: أن أصحابنا وغيرهم من الفقهاء، جوَّزوا للرجل أن يلاعن امرأته، فيشهد عليها بالزنا مؤكدًا (2) لشهادته باليمين، إذا رأى رجلًا يُعْرف بالفجور يدخل إليها ويخرج من عندها؛ نظرًا إلى الأمارات والقرائن الظاهرة (3).
ومن ذلك: أن جمهور الفقهاء يقولون في تداعي الزوجين والصانعين (4) لمتاع البيت والدكان: أن القول قول من يدل الحال على صدقه (5). والصحيح في هذه المسألة: أنه لا عبرة باليد الحسية، بل
__________
(1) انظر: المدونة (5/ 176)، قوانين الأحكام (309)، فصول الأحكام (212)، الفروق (4/ 81)، بداية المجتهد (8/ 672)، بلغة السالك (4/ 212)، منح الجليل (8/ 556)، الخرشي (6/ 100)، تنبيه الحكام (225)، المنتقى (5/ 255)، الذخيرة (11/ 45)، البيان والتحصيل (9/ 288)، الكافي (478)، المعونة (3/ 1582).
(2) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “توكيدًا”.
(3) انظر: المقنع (299)، الشرح الكبير (26/ 369)، الإنصاف (26/ 370)، كشاف القناع (6/ 108)، الممتع في شرح المقنع (5/ 684)، الفروع (6/ 87)، المبدع (9/ 88)، شرح منتهى الإرادات (3/ 354)، معونة أولي النهى (8/ 417)، المغني (11/ 156)، تبصرة الحكام (2/ 125).
(4) “والصانعين” مكانها بياض في “ب”. وانظر في تداعي الصانعين: زاد المعاد (3/ 147)، المغني (14/ 335)، الفروع (6/ 519)، شرح منتهى الإرادات (3/ 560)، كشاف القناع (6/ 386).
(5) لو تداعى الزوجان متاع البيت وكانت لأحدهما بينة فهو له بلا خلاف، وإن لم يكن لواحد منهما بينة فذهب الحنفية إلى أن ما اختص بكل واحد منهما =

(1/57)


وجودها كعدمها. ولو اعتبرناها لاعتبرنا يد (1) الخاطف لعمامة غيره وعلى رأسه عمامة وآخر خلفه (2) حاسر الرأس، ونحن نقطع بأن هذه يد ظالمة (3) عادية، فلا اعتبار لها.

ومن ذلك: أن مالكًا – رحمه الله -، يجعل القول قول المرتهن (4) في قدر الدين، ما لم يزد عن قيمة الرهن (5) (6). وقوله هو الراجح في
__________
= فهو له وما صلح لهما فللرجل في الحياة وفي الموت للباقي منهما. أما المالكية فذهبوا إلى أن ما اختص بكل واحد منهما فهو له وما صلح لهما فهو للزوج. أما الشافعية فذهبوا إلى أن يقسم بينهما جميع ما فيه. أما الحنابلة فذهبوا إلى أن ما يصلح للرجال للرجل وما يصلح للنساء للمرأة وما صلح أن يكون لكل منهما فهو بينهما نصفين. ومذهب الظاهرية كمذهب الشافعي رحم الله تعالى الجميع. انظر تفاصيل ذلك في: المبسوط (5/ 125)، بدائع الصنائع (2/ 308)، المدونة (2/ 266)، قوانين الأحكام (213)، الفروق (3/ 148)، الأم (5/ 139)، حلية العلماء (8/ 213)، التهذيب (8/ 349)، روضة الطالبين (8/ 366)، المحرر (2/ 220)، المغني (14/ 333)، الفتاوى (34/ 81)، زاد المعاد (3/ 147)، بدائع الفوائد (1/ 17) , الفروع (6/ 518)، المبدع (10/ 153)، قواعد ابن رجب (3/ 109)، المحلى (9/ 423).
(1) وفي “ب”: “لاعتبرنا به الخاطف”، وفي “جـ”: “لاعتبرنا به يد الخاطف”.
(2) وفي “جـ”: “حوله”.
(3) في “ب” و”جـ”: “بأن يده ظالمة”.
(4) المرتهن الذي يأخذ الرهن. مختار الصحاح (260).
(5) الرهن في الشرع: حبس الشيء بحق يمكن أخذه منه. التعريفات (150).
وانظر: التوقيف (376)، المطلع (247)، أنيس الفقهاء (289)، الحدود لمصنفك (118)، حدود ابن عرفة (2/ 409).
(6) انظر: الموطأ (732)، المدونة (5/ 323)، الاستذكار (22/ 110)، =

(1/58)


الدليل (1)؛ لأن الله سبحانه جعل الرهن بدلًا من الكتاب والشهود، فكأنه ناطق (2) بقدر الحق، وإلا فلو كان القول قول الراهن لم يكن الرهن وثيقة، ولا جعل بدلًا من الكتاب (3) والشاهد، فدلالة الحال تدل على أنه إنما يرهنه (4) على قيمته أو ما يقاربها، وشاهد الحال يكذب (5) الراهن إذا قال: رهنت عنده هذه الدار على درهم ونحوه، فلا يسمع قوله.
ومن ذلك: أنهم قالوا في الركاز (6): إذا كانت (7) عليه علامة المسلمين فهو لقطة، وإن كانت (8) عليه علامة الكفار فهو ركاز (9).
__________
= المنتقى (5/ 260)، التفريع (2/ 264)، التلقين (419)، القوانين (335)، تبصرة الحكام (2/ 88)، تفسير القرطبي (3/ 388)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 345)، التاج والإكليل (6/ 584)، مواهب الجليل (5/ 30)، الخرشي على خليل (5/ 261).
(1) إغاثة اللهفان (2/ 470)، الاختيارات (133)، الفتاوى الكبرى (4/ 478) , المختارات الجلية (82).
(2) في “جـ”: “الناطق”.
(3) في “أ”: “الكاتب”.
(4) وفي “ب”: “رهنه”.
(5) وفي “ب” و”جـ”: “مكذب”.
(6) الرَّكز لغة: غرز الشيء في الأرض، وشرعًا: المال المدفون في الجاهلية.
انظر: التوقيف (372)، المطلع (134)، حلية الفقهاء (106).
(7) في “أ”: “كان”.
(8) وفي “أ”: “كان”.
(9) انظر: تبصرة الحكام (2/ 122)، تهذيب الفروق (4/ 167)، معين الحكام (166)، قواعد الأحكام (2/ 114)، الأم (2/ 61)، المنتقى (2/ 104)، =

(1/59)


ومن ذلك: أنه إذا استأجر دابة، جاز له ضربها إذا حرنت في السير، وإن لم يستأذن مالكها (1).
ومن ذلك: أنه يجوز له إيداعها في الخان (2)، إذا قدم بلدًا، وأراد المضي في حاجته، وإن لم يستأذن المؤجر في ذلك (3).
ومن ذلك: إذن المستأجر للدار لأصحابه وأضيافه في الدخول والمبيت، وإن لم يتضمنهم عقد الإجارة (4).
ومن ذلك: غسل الثوب الذي استأجره مدة معينة إذا اتسخ، وإن لم يستأذن (5) المؤجر في ذلك (6).
ومن ذلك: لو وَكَّلَ غائبًا في بيع سلعة ملك قبض ثمنها، وإن لم يأذن له في ذلك لفظًا (7).
__________
= المبسوط (2/ 214)، الخرشي (2/ 210)، المغني (4/ 232)، شرح منتهى الإرادات (1/ 426)، كشاف القناع (2/ 228).
(1) انظر: معين الحكام (166)، تبصرة الحكام (2/ 122)، الخرشي (1/ 178)، المغني (8/ 115)، الكافي (3/ 406)، إعلام الموقعين (2/ 451)، كشاف القناع (4/ 38)، الممتع في شرح المقنع (3/ 479).
(2) الخان ما ينزله المسافرون. المصباح المنير (184).
(3) انظر: كشاف القناع (4/ 38)، إعلام الموقعين (2/ 451).
(4) انظر: معين الحكام (166)، إعلام الموقعين (2/ 451)، تبصرة الحكام (2/ 122)، كشاف القناع (3/ 548)، مطالب أولي النهى (3/ 647).
(5) في “ب”: “يأذن”.
(6) انظر: معين الحكام (166)، تبصرة الحكام (2/ 123)، إعلام الموقعين (2/ 451)، كشاف القناع (4/ 38).
(7) انظر: تبصرة الحكام (2/ 123)، إعلام الموقعين (2/ 451)، منح الجليل =

(1/60)


ومن ذلك – وإن نازع فيه من نازع (1) -: لو رأى موتًا بشاة غيره، أو حيوانه المأكول، فبادر بذبحه (2) ليحفظ عليه ماليته كان محسنًا, ولا سبيل على محسن. ومن ضمنه فقد سد باب “الإحسان إلى الغير في حفظ ماله (3).

ومن ذلك: لو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة، فبادر وهدم الحائط ليخرج السيل ولا يهدم الدار كان محسنًا, ولا يضمن الحائط (4).
ومن ذلك: لو وقع الحريق في الدار، فبادر وهدمها على النار، لئلا تسري لم يضمن (5).
__________
= (6/ 374).
(1) في “ب”: “نازع فيه منازع”.
(2) في “ب”: “فذبحه”.
(3) انظر: إعلام الموقعين (2/ 451)، معين الحكام (202)، تحفة المحتاج (7/ 119)، نهاية المحتاج (6/ 126)، الخرشي على خليل (7/ 29)، التاج والإكليل (7/ 561)، مواهب الجليل (5/ 432)، مطالب أولي النهى (4/ 214)، كشاف القناع (4/ 208)، قواعد ابن رجب (2/ 73)، شرح منتهى الإرادات (2/ 375)، الإنصاف (16/ 174).
(4) إعلام الموقعين (2/ 452)، كشاف القناع (4/ 208)، مطالب أولي النهى (4/ 215).
(5) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم (402)، العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية (2/ 155)، غمز عيون البصائر (4/ 214)، مطالب أولي النهى (4/ 215)، كشاف القناع (4/ 208)، إعلام الموقعين (2/ 452).

(1/61)


ومنها: لو رأى العدو يقصد مال غيره الغائب، فبادر وصالحه على بعضه كان محسنًا ولم يضمن (1).
ومن ذلك: لو وجد هديًا مشعرًا (2) منحورًا, وليس عنده أحد، جاز له أن يأكل (3) منه (4).
ومنها: لو استأجر غلامًا، فوقعت الآكِلَةُ (5) في طرف من أطرافه، بحيث لو لم يقطعه سرى إلى نفسه فقطعه، لم يضمنه (6) لمالكه (7).
ومنها: لو اشترى صُبْرَة (8) طعام في دار رجل، أو خشبًا: فله أن يدخل داره من الدواب والرجال من يحوّل ذلك، وإن لم يأذن له المالك (9).
__________
(1) انظر: إعلام الموقعين (2/ 452).
(2) الإشعار في الشرع: طعن سنام الهدي حتى يسيل منه دم فيعلم به أنه هدي. طلبة الطلبة (71)، أنيس الفقهاء (140)، مفردات القرآن (456).
(3) وفي “أ”: “الأكل”.
(4) انظر: معين الحكام (166)، تبصرة الحكام (2/ 123)، إعلام الموقعين (2/ 452).
(5) الآكِلَة: داء في العضو يأتكل منه. القاموس المحيط (123)، لسان العرب (11/ 22).
(6) وفي “أ” و”جـ” و”هـ”: “لم يضمن”.
(7) انظر: مختصر المزني (9/ 256) “مع الأم”، الحاوي الكبير (12/ 174)، إعلام الموقعين (2/ 452).
(8) الصُبْرَة من الطعام وغيره هي: الكومة المجموعة. المطلع (238).
(9) انظر: معين الحكام (166)، تبصرة الحكام (2/ 123)، إعلام الموقعين =

(1/62)


وأضعاف أضعاف هذه المسائل، مما جرى العمل فيه على العرف (1) والعادة (2)، ونزل ذلك منزلة النطق الصريح، اكتفاء بشاهد الحال عن صريح المقال.

والمقصود: أن الشريعة لا ترد حقًّا, ولا تكذب دليلًا، ولا تبطل أمارة صحيحة، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين (3) في خبر الفاسق، ولم يأمر برده جملة (4). فإن الكافر والفاسق قد يقوم على خبره شواهد الصدق، فيجب قبوله والعمل به، وقد استأجر النبي – صلى الله عليه وسلم – في سفر الهجرة دليلًا مُشْرِكًا (5) على دين قومه، فأمنه، ودفع إليه راحلته (6). فلا يجوز لحاكم ولا لوالٍ رد الحق بعد ما تبين، وظهرت
__________
= (2/ 132).
(1) العرف: بضم العين وسكون الراء وهو في الاصطلاح: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطبائع بالقبول. التعريفات (193). وانظر: رسائل ابن عابدين (2/ 112)، الكليات (617).
(2) العَوْد هو: تثنية الأمر عودًا بعد بدء. وفي الاصطلاح: هو ما استمر الناس عليه على حكم العقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى. التعريفات (193)، الكليات (617).
(3) “التبين” ساقط من “جـ”.
(4) في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات: 6].
(5) واسمه عبد الله بن أريقط. كما جاء مصرحًا به في رواية ابن سعد (1/ 177)، والحاكم (3/ 8) وقال: “صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه”.
(6) البخاري رقم (2263) (4/ 517) ورقم (3905) (7/ 271) مع الفتح.

(1/63)


أمارته لقول (1) أحد من الناس.

والمقصود أن “البينة” في الشرع: اسم لما يبين الحق ويظهره (2)، وهي تارة تكون أربعة شهود (3)، وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس (4)، وتارة (5) شاهدين (6)، وشاهدًا وامرأتين، وشاهدًا ويمين المدعي، وشاهدًا (7) واحدًا (8)، وامرأة واحدة (9)، وتكون نكولًا ويمينًا (10)، أو خمسين يمينًا (11)، أو أربعة أيمان (12)، وتكون شاهد الحال في الصور التي ذكرناها وغيرها. فقوله – صلى الله عليه وسلم -: “البينة على
__________
(1) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “بقول”.
(2) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (6/ 466)، إعلام الموقعين (1/ 131)، مفتاح دار السعادة (1/ 458)، جامع العلوم والحكم (2/ 235)، تبصرة الحكام (1/ 240)، معين الحكام (68)، النظم المستعذب (2/ 357)، الفواكه العديدة (2/ 192).
(3) وذلك في حد الزنا وسيأتي تفصيل ذلك في الطريق الثالث عشر من طرق الحكم.
(4) وفي “أ” و”هـ”: “الفلس”. وسيأتي مفصلًا في الطريق الثاني عشر.
(5) وفي “أ” و”ب” و”هـ”: “وتكون”.
(6) كشهادة رجلين في الأموال.
(7) قوله “وامرأتين وشاهدًا ويمين المدعي وشاهدًا” مثبت من “أ”.
(8) إذا عرف الحاكم صدقه في غير الحدود كما فصله المؤلف في الطريق السادس من طرق الحكم.
(9) كشهادة القابلة وحدها على رأي بعض أهل العلم.
(10) وسيأتي مفصلًا في الطريقين الرابع والخامس.
(11) في القسامة وسيأتي تفصيله.
(12) في اللعان.

(1/64)


المُدَّعِي” أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له.

فصل
ولم يزل حذاق الحكام (1) والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدّموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارًا. وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود فرقهم (2) وسألهم: كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه، متى عدل عنه أثم, وجار في الحكم. وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق، وأين كان، ونظر في الحال: هل (3) يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله كالأمين (4) والمدعى عليه وجب عليه أن يستكشف الحال، ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال.
وقلَّ حاكم أو وال اعتنى بذلك، وصار له فيه ملكة، إلا وعرف
__________
(1) أي: مهرة الحكام معجم مقاييس اللغة (253)، المصباح المنير (126).
(2) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/ 491)، المبسوط (16/ 87)، الأشباه والنظائر مع شرح الحموي (2/ 364)، المدونة (6/ 268)، حاشية الدسوقي (6/ 92)، الخرشي (7/ 199)، تبصرة الحكام (219)، الأم (7/ 94)، نهاية المحتاج (8/ 267)، مغني المحتاج (4/ 405)، المغني (14/ 70)، الشرح الكبير (28/ 488)، الفتاوى الكبرى (5/ 563)، الفتاوى (15/ 353)، الإنصاف (28/ 488)، مطالب أولي النهى (6/ 513).
(3) “هل” ساقطة من “أ”.
(4) “كالأمين” ساقط من “جـ” و”هـ”، وبياض في “ب”.

(1/65)


المحق من المبطل، وأوصل الحقوق إلى أهلها.
فهذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، أتته امرأة فشكرت عنده زوجها وقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى يمسي، ثم أدركها الحياء، فقال: “جزاك الله خيرًا فقد أحسنت الثناء”. فلما ولت قال كعب بن سُور: يا أمير المؤمنين، لقد أبلغت إليك في الشكوى، فقال: وما اشتكت؟ قال: زوجَها. قال: عليَّ بهما. فقال لكعب: اقض بينهما، قال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت إلى ما لم أفطن له قال: إن الله تعالى يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يومًا، وقم ثلاث ليال، وبت عندها ليلة، فقال عمر: “هذا أعجب إليَّ (1) من الأول” فبعثه قاضيًا لأهل البصرة (2) فكان يقع له في الحكومة من الفراسة أمور عجيبة. وكذلك شريح في فراسته وفطنته.
قال الشعبي: شهدت شريحًا وجاءته امرأة – تخاصم رجلًا – فأرسلت عينيها وبكت. فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة (3) إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً
__________
(1) “إليَّ” ساقط من “جـ”.
(2) رواه عبد الرزاق (7/ 149)، وابن سعد في الطبقات (7/ 63)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 275). ورواه بنحوه ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 288) وقال: “خبر عجيب مشهور” ا. هـ. الاستيعاب (3/ 286).
(3) “البائسة” ساقط من “ب”.

(1/66)


يبكون (1).
وتقدم إلى إياس بن معاوية أربع نسوة، فقال إياس: أما إحداهن فحامل، والأخرى مرضع، والأخرى ثيب، والأخرى بكر. فنظروا فوجدوا الأمر كما قال. قالوا: وكيف عرفت؟ فقال: أما الحامل: فكانت تكلمني وترفع ثوبها عن بطنها، فعلمت أنها حامل، وأما المرضع: فكانت تضرب ثدييها. فعلمت أنها مرضع، وأما الثيب: فكانت تكلمني وعينها في عيني فعلمت أنها ثيب (2)، وأما البكر: فكانت تكلمني وعينها في الأرض، فعلمت أنها بكر (3).
وقال المدائني (4) عن روح (5): استودع رجل رجلًا من أبناء (6)
__________
(1) كما في قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)} [يوسف: 16]. رواه أبو نعيم في الحلية (4/ 313)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 46). وانظر: صفة الصفوة لابن الجوزي (3/ 40)، تهذيب الكمال (12/ 440)، الأذكياء (63)، عيون الأخبار (1/ 132).
(2) قوله “وأما الثيب” إلى قوله “أنها ثيب” ساقط من “هـ”.
(3) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 13). وانظر: أخبار القضاة (1/ 371)، تهذيب الكمال (3/ 410)، البداية والنهاية (13/ 118)، وفيات الأعيان (1/ 132).
(4) هو علي بن محمَّد بن عبد الله المدائني الأخباري. توفي سنة 224 هـ – رحمه الله تعالى -. تاريخ بغداد (12/ 54)، سير أعلام النبلاء (10/ 400).
(5) أبو الحسن القيسي روح بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة مشهور حافظ من علماء أهل البصرة. توفي سنة 205 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات ابن سعد (7/ 217)، ميزان الاعتدال (3/ 87).
(6) عند ابن عساكر (10/ 28)، والمزي في التهذيب (3/ 426): “أفناء”.

(1/67)


الناس مالًا، ثم رجع فطلبه فجحده، فأتى إياسًا فأخبره. فقال له إياس: انصرف فاكتم أمرك، ولا تعلمه أنك أتيتني، ثم عُد إليَّ بعد يومين. فدعا إياس المُودعَ، فقال: قد حضر مال كثير، وأريد أن أسلمه إليك، أفحصين منزلك؟ قال: نعم. قال: فأَعِدَّ له موضعًا وحمالين. وعاد الرجل إلى إياس، فقال له انطلق إلى صاحبك فاطلب المال. فإن أعطاك فذاك، وإن جحدك فقل له: إني أخبر القاضي (1). فأتى الرجل صاحبه فقال: مالي، وإلا أتيت القاضي، وشكوت إليه، وأخبرته بأمري. فدفع إليه ماله. فرجع الرجل إلى إياس، فقال: قد أعطاني المال. وجاء الأمين إلى إياس لموعده (2)، فزبره (3) وانتهره، وقال: لا تقربني يا خائن (4).
وقال يزيد بن هارون (5) – رحمه الله -: تقلد القضاء بواسط رجل ثقة، فأودع رجل بعض شهوده كيسًا مختومًا، وذكر أن فيه ألف دينار. فلما طالت غيبة الرجل فتق الشاهد الكيس من أسفله وأخذ الدنانير،
__________
(1) وفي “ب” زيادة: “وشكوت إليه وأخبرته”.
(2) وفي “أ” و”ب” و”هـ”: “لوعده”.
(3) الزبر: “الزجر والانتهار”. مختار الصحاح (267).
(4) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 28). وانظر: أخبار القضاة (1/ 371)، الأذكياء (64)، تهذيب الكمال (3/ 426)، المستطرف (1/ 38)، البداية والنهاية (13/ 124).
(5) هو يزيد بن هارون بن زاذي أخو خالد السلمي الواسطي. توفي سنة 206 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (32/ 261)، سير أعلام النبلاء (9/ 358).

(1/68)


وجعل مكانها دراهم، وأعاد الخياطة كما كانت. وجاء صاحبه، فطلب وديعته، فدفع إليه الكيس بختمه لم يتغير، فلما فتحه وشاهد الحال رجع إليه، وقال: إني أودعتك دنانير، والذي (1) دفعت إليَّ دراهم، فقال: هو كيسك بخاتمك فاستَعدى عليه القاضي، فأمر بإحضار المُودَع، فلما صارا بين يديه قال له القاضي: منذ كم أودعك هذا الكيس؟ فقال: منذ خمس عشرة سنة، فأخذ القاضي تلك الدراهم وقرأ سكتها، فإذا فيها ما قد ضرب (2) من سنتين وثلاث، فأمره بدفع (3) الدنانير إليه، وأسقطه ونادى عليه (4).
واستودع رجل لغيره (5) مالًا، فجحده، فرفعه إلى إياس، فسأله فأنكر، فقال للمدعي: أين دفعته (6) إليه؟ فقال: في مكان في البرية، فقال: وما كان هناك، قال: شجرة، قال: اذهب إليها فلعلك دفنت المال عندها ونسيت، فتذْكُر إذا رأيت الشجرة، فمضى، وقال للخصم: اجلس حتى يرجع صاحبك، وإياس يقضي وينظر إليه ساعة بعد ساعة. ثم قال له: يا هذا، أترى صاحبك بلغ مكان الشجرة؟ قال: لا، قال: يا عدو الله، إنك خائن، قال: أقلني، قال: أقالك الله، فأمر
__________
(1) وفي “جـ”: “والتي”.
(2) في “أ”: “ضربت”.
(3) وفي “ب”: “أن يدفع”.
(4) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 29). وانظر: أخبار القضاة (1/ 342)، الأذكياء (65)، تهذيب الكمال (3/ 425).
(5) هكذا “لغيره”، ولعل الصواب “غيره”.
(6) في باقي النسخ عدا “أ”: “دفعت”.

(1/69)


من يحتفظ به حتى جاء الرجل، فقال له إياس: اذهب معه فخذ حقك (1).
وجرى نظير هذه القضية (2) لغيره من القضاة: ادعى عنده رجل أنه سَلَّمَ غريمًا له مالًا وديعة فأنكر، فقال له القاضي: أين سلمته إياه؟ قال: بمسجد ناء عن البلد. قال: اذهب فجئني منه (3) بمصحف أحلفه عليه، فمضى، واعتقل القاضي الغريم (4)، ثم قال له: أتراه بلغ المسجد؟ قال: لا. فألزمه بالمال (5).
وكان القاضي أبو خازم (6) له في ذلك العجب العُجاب، وكانوا ينكرون عليه، ثم يظهر الحق فيما يفعله (7).
قال مُكرِّم بن أحمد (8): كنت في مجلس القاضي أبي خازم فتقدم
__________
(1) في “ب”: “مالك”. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 28). وانظر: أخبار القضاة (1/ 342)، الأذكياء (66)، تهذيب الكمال (3/ 424)، نثر الدر للآبي (4/ 108)، البداية والنهاية (13/ 124).
(2) في “ب”: “القصة”.
(3) “منه” ساقطة من “ب”.
(4) “واعتقل القاضي الغريم” ساقط من “ب”.
(5) انظر: الأذكياء (66).
(6) هو عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني الحنفي القاضي أبو خازم – بالخاء المعجمة – توفي رحمه الله سنة 292 هـ. انظر: تاج التراجم (120)، المنتظم (13/ 38)، سير أعلام النبلاء (13/ 539).
(7) في “ب”: “فعله”.
(8) مكرم بن أحمد هكذا، وعند غيره: مكرّم بن بكر. انظر: تاريخ دمشق (34/ =

(1/70)


رجل شيخ ومعه غلام حَدَثٌ، فادعى الشيخ عليه ألف دينار دينًا (1)، فقال: ما تقول؟ قال: نعم. فقال القاضي للشيخ: ما تشاء؟ قال: حبسه، قال: لا، فقال الشيخ: إن رأى القاضي أن يحبسه فهو أرجى لحصول مالي. فتفرس أبو خازم فيهما ساعة. ثم قال: تلازما حتى أنظر في أمركما في مجلس آخر، فقلت له: لم أخرت حبسه؟ فقال: ويحك، إني أعرف في أكثر الأحوال في وجوه الخصوم وجه المحق من المبطل، وقد صارت لي بذلك دربة (2) لا تكاد تخطئُ، وقد وقع لي أن سماحة هذا بالإقرار عين كذبه (3) ولعله ينكشف لي من أمرهما ما أكون معه على بصيرة، أما رأيت قلة تغاضبهما (4) في المناكرة، وقلة اختلافهما، وسكون طباعهما مع عظم المال؟ وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يُقِرَّ مثل هذا طوعًا عجلًا، منشرح الصدر على هذا المال، قال: فبينما (5) نحن كذلك نتحدث إذ أتى الآذن يستأذن على القاضي لبعض التجار، فأذن له، فلما دخل قال: أصلح
__________
= 84)، وتاريخ بغداد (11/ 66)، وسير أعلام النبلاء (13/ 540). وقد ذكر الخطيب رحمه الله: أن مكرم بن أحمد القاضي قد روى عن أبي خازم. تاريخ بغداد (11/ 63). مكرم بن أحمد بن محمَّد بن مكرم أبو بكر القاضي البزاز وثقه الخطيب. وتوفي سنة 347 هـ. انظر: تاريخ دمشق (13/ 222)، وسير أعلام النبلاء (15/ 517).
(1) “دينًا” ساقطة من “أ”.
(2) وفي “جـ”: “دراية”.
(3) كذا في “جـ”. أما “أ” ففيها: “عن بلية”، وفي “هـ”: “عن ريبة”.
(4) وفي “جـ”: “تعاصيهما”.
(5) “بينما” من “ب”.

(1/71)


الله القاضي، إني بليت بولد لي حدث يتلف كل مال يظفر به من مالي في القيان (1) عند فلان. فإذا منعته احتال بحيل تضطرني إلى التزام الغرم عنه (2). وقد نصب اليوم صاحب القيان يطالب بألف دينار دينًا (3) حالًّا، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقرَّ له فيحبسه (4)، وأقع مع أمه (5) فيما ينكد عيشنا إلى أن أقضي عنه، فلما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له أمره، فتبسم القاضي، وقال (6): كيف رأيت؟ فقلت: هذا من فضل الله على القاضي، فقال: عليَّ بالغلام والشيخ. فأرهب أبو خازم الشيخ، ووعظ الغلام. فأقرَّا، فأخذ الرجل ابنه وانصرفا (7).
وقال أبو السائب (8): كان ببلدنا رجل مستور الحال، فأحب القاضي قبول قوله، فسأل عنه فَزُكّي عنده سرًّا وجهرًا، فراسله في
__________
(1) القيان: جمع (قَيْنَة) وهي الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. مختار الصحاح (560)، المصباح المنير (521).
(2) في “ب”: “المغرم”.
(3) “دينًا” من “أ”.
(4) وفي “جـ” و”هـ”: “فيسجنه”.
(5) “أمه” ساقطة من “ب”.
(6) في “جـ” و”هـ”: “وقال له”.
(7) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 66)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 84). وذكره الذهبي في السير (13/ 540).
(8) هو عتبة بن عبيد الله بن موسى الهمذاني أبو السائب الشافعي. توفي سنة 350 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 47)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 343)، تاريخ بغداد (12/ 316).

(1/72)


حضوره مجلسه في إقامة شهادة (1)، وجلس القاضي وحضر الرجل، فلما أراد إقامة الشهادة لم يقبله القاضي، فسئل عن السبب؟ فقال: انكشف لي أنه مُراء، فلم يسعني قبول قوله، فقيل له: ومن أين علمت ذلك؟ قال: كان يدخل إليَّ في كل يوم فأعدّ خطاه من حيث تقع عيني عليه من الباب إلى مجلسي، فلما دعوته اليوم جاء، فعددت خطاه من ذلك المكان فإذا هي قد زادت ثلاثًا أو نحوها، فعلمت أنه متصنع (2) فلم أقبله (3).
وقال ابن قتيبة: شهد الفرزدق عند بعض القضاة، فقال: قد أجزنا شهادة أبي فراس وزِيْدُونا، فقيل له حين انصرف: إنه والله ما أجاز شهادتك (4).
ولله فراسة إمامِ المتفرسين، وشيخ المتوسمين: عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي لم تكن تخطئُ له فراسة، وكان يحكم بين الأمة بالفراسة المؤيدة بالوحي.
قال الليث بن سعد: أُتِيَ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يومًا بفتى أمرد، وقد وُجد قتيلًا ملقى على وجه الطريق، فسأل عمر عن أمره
__________
(1) وفي “أ”: “الشهادة”.
(2) وفي “أ”: “يتصنع”.
(3) رواه ابن الجوزي بسنده في الأذكياء (68).
(4) عيون الأخبار (1/ 137). ورواه وكيع في أخبار القضاة (1/ 333)، وأبو الفرج الأصفهاني في الأغاني (21/ 402). وذكره ابن الجوزي في الأذكياء (69).

(1/73)


واجتهد، فلم يقف له على خبر، فشق ذلك عليه، فقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان على رأس الحول وُجد صبي مولود ملقى بموضع القتيل، فأتِيَ به عمر، فقال: ظفرت بدم القتيل إن شاء الله تعالى، فدفع الصبي إلى امرأة، وقال: قومي بشأنه، وخذي منا نفقته، وانظري من يأخذه منك (1)، فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها فأعلميني بمكانها. فلما شبّ الصبي جاءت جارية، فقالت للمرأة: إن سيدتي بعثتني إليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده إليك، قالت: نعم، اذهبي به إليها، وأنا معك. فذهبت بالصبي والمرأة معها، حتى دخلت على سيدتها، فلما أخذته فقبلته وضمته إليها (2)، فإذا هي ابنة شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأتت عمر فأخبرته، فاشتمل على سيفه، ثم أقبل إلى منزل المرأة، فوجد أباها متكئًا على باب داره، فقال: يا فلان، ما فعلت ابنتك فلانة؟ قال: جزاها الله خيرًا يا أمير المؤمنين، هي من أعرف الناس بحق الله وحق أبيها (3)، مع حسن صلاتها وصيامها، والقيام بدينها. فقال عمر: قد أحببت أن أدخل إليها، فأزيدها رغبة في الخير، وأحثها عليه، فدخل أبوها، ودخل عمر معه. فأمر عمر (4) من عندها فخرج، وبقي هو والمرأة في البيت، فكشف عمر عن السيف، وقال: اصدقيني (5)، وإلا ضربت عنقك،
__________
(1) “وانظري من يأخذه منك” ساقط من “ب”.
(2) قوله “وأنا معك” إلى قوله “وضمته إليها” ساقط من “ب”.
(3) في “أ”: “هي من أعرف الناس بحق أبيها”.
(4) “عمر” مثبتة من “أ”.
(5) في “أ”: “لتصدقيني”.

(1/74)


وكان لا يكذب. فقالت: على رسْلك، فوالله لأصدقن: إن عجوزًا كانت تدخل عليَّ فأتخذها أُمّا، وكانت تقوم من أمري كما تقوم به الوالدة. وكنت لها بمنزلة البنت، فمضى لذلك حين (1)، ثم إنها قالت: يا بنية، إنه قد عرض لي سفر، ولي ابنة في موضع أتخوَّف عليها فيه أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري، فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد، فهيأته كهيئة الجارية، وأتتني به، لا أشك أنه جارية، فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية، حتى اغتفلني يومًا وأنا نائمة، فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى (2) شِفْرة (3) كانت إلى جنبي فقتلته، ثم أمرت به فألقي حيث رأيت (4)، فاشتملت منه على هذا الصبي، فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه، فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك. قال: صدقت، ثم أوصاها (5)، ودعا لها وخرج. وقال لأبيها: نعم الابنة ابنتك، ثم انصرف (6).
__________
(1) وفي “ب”: “ولم تزل كذلك حينًا”.
(2) “يدي إلى” ساقط من “جـ”.
(3) الشِّفْرة: المدية وهي السكين العريض. المصباح المنير (317)، مختار الصحاح (341).
(4) “رأيت” ساقطة من “أ”.
(5) في “ب” و”جـ”: “أرضاها”.
(6) قال ابن كثير – رحمه الله تعالى -: “هذا أثر غريب، وفيه انقطاع بل معضل، وفيه فوائد كثيرة” ا. هـ. مسند الفاروق (2/ 456). وانظر: محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (1/ 378)، مناقب عمر (85).

(1/75)


وقال نافع عن ابن عمر: بينما عمر جالس إذْ رأى رجلًا (1)، فقال: “لست ذا رأي إن لم يكن هذا الرجل قد كان ينظر في الكهانة (2)، ادعوه لي، فدعوه، فقال: هل كنت تنظر وتقول (3) في الكهانة شيئًا؟ قال: نعم” (4).
وقال مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب قال لرجل (5): “ما اسمك؟ قال: جمرة. قال: ابن مَنْ؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من الحُرقة. قال: أين مسكنك؟ قال: بحَرَّة النار (6). قال: بأيها؟ قال: بذات لظَى. فقال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا” (7). فكان كما قال.
__________
(1) وهو سواد بن قارب، كما جاء مصرحًا به في رواية الحاكم (3/ 608)، وأبي يعلى في معجمه (1/ 263) رقم (329). سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك (3/ 609): “الإسناد منقطع”. وكذا قال ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 569). وقال الحافظ ابن حجر لما ذكر طرقه: “وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا” ا. هـ. الفتح (7/ 217). وانظر: سبل الهدى والرشاد (2/ 207).
(2) الكاهن: هو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 214). وانظر: فتح المجيد (2/ 492)، تيسير العزيز الحميد (409)، لسان العرب (13/ 363).
(3) قوله “وتقول” ساقط من “ب”.
(4) رواه البخاري (7/ 215) رقم (3866)، ولم يذكر فيه اسم الرجل.
(5) وهو جمرة بن شهاب بن ضرام الجهني مخضرم. الإصابة (1/ 263)، شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 382).
(6) قرب المدينة وهي حرة لبني سليم. معجم البلدان (2/ 287).
(7) رواه مالك (2/ 973)، ومن طريق مالك رواه ابن وهب في الجامع (1/ =

(1/76)


ومن فراسته التي تفرد بها عن الأمة أنه قال: “يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] “. وقال: “يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب”. واجتمع على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساؤه في (1) الغَيرة، فقال لهن عمر: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]. فنزلت كذلك” (2).
وشاوره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الأسرى يوم بدر، فأشار بقتلهم، ونزل
__________
= 135) رقم (78)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 400) رقم (1276). وإسناده منقطع، يحيى بن سعيد لم يدرك عمر. انظر: شرح الزرقاني (4/ 382). ورواه عبد الرزاق (11/ 43) رقم (19864) عن معمر عن رجل عن ابن المسيب أن رجلًا أتى .. فذكره. وسمى الحافظ ابن حجر الرجل في رواية عبد الرزاق: الزهري. الإصابة (1/ 263). ونصر ابن القيم – رحمه الله تعالى – سماع سعيد بن المسيب من عمر رضي الله عنه. انظر: تهذيب السنن (9/ 162) و (13/ 357) مع العون، وزاد المعاد (2/ 224)، نصب الراية (3/ 36). ووصله أبو القاسم بن بشران في فوائده من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر لرجل – فذكره -. انظر: الإصابة (1/ 263)، وشرح الزرقاني (4/ 382)، وذكر الحافظ ابن حجر له طرقًا أخرى. الإصابة (1/ 263).
(1) في “أ”: “من”.
(2) رواه البخاري رقم (402) (1/ 106) ورقم (4483) (8/ 18) من حديث أنس رضي الله عنه. ورواه مسلم مختصرًا من حديث ابن عمر (15/ 176) رقم (2399). وقد نظم السيوطي – رحمه الله تعالى – موافقات عمر في قصيدة له سماها: “قطف الثمر في موافقات عمر”، مطبوعة ضمن الحاوي للفتاوى (2/ 113).

(1/77)


القرآن بموافقته (1). وقد أثنى الله سبحانه على فراسة (2) المتوسمين، وأخبر أنهم هم المنتفعون بالآيات (3).
قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: “أفرس الناس ثلاثة: امرأة فرعون فيِ موسى، حيث قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: 9]. وصاحب يوسف (4)، حيث قال لامرأته (5): {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: 21]. وأبو بكر الصديق في عمر – رضي الله عنهما -، حيث جعله الخليفة بعده” (6).
__________
(1) رواه مسلم رقم (1763) (12/ 327). والآية التي نزلت كما في رواية مسلم: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67].
(2) وفي “أ”: “على أهل الفراسة”.
(3) في قوله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75].
(4) عزيز مصر، واسمه قطفير بن رويجب. تفسير الماوردي (3/ 19)، وتفسير الجلالين (195)، زاد المسير (4/ 198).
(5) زليخا، وقيل: راعيل بنت رعاييل. تفسير الماوردي (3/ 19)، تفسير الجلالين (195)، زاد المسير (4/ 198).
(6) رواه ابن سعد في الطبقات (3/ 207)، وابن جرير في التفسير (7/ 173)، وابن أبي حاتم في التفسير (7/ 2118)، وابن الجعد في مسنده (371) رقم (2555)، والحاكم (3/ 90)، والبيهقي في الاعتقاد (207)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 255) بأسانيدهم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال الحاكم: “فرضي الله عن ابن مسعود لقد أحسن في الجمع بينهم بهذا الإسناد الصحيح” ا. هـ. وقال الذهبي: “صحيح”. تلخيص المستدرك (3/ 90).

(1/78)


ودخل رجل على عثمان – رضي الله عنه – فقال له عثمان: يدخل عليَّ أحدكم والزنا في عينيه. فقال: أوحيٌ بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لا, ولكن فراسة صادقة (1).
ومن هذه الفراسة: أنه – رضي الله عنه – لما تفَرس أنه مقتول ولا بد أمسكَ عن القتال والدفع عن نفسه، لئلا يجري بين المسلمين قتال وآخر الأمر يقتل هو، فأحب أن يقتل من غير (2) قتال يقع بين المسلمين (3).
ومن ذلك: فراسة ابن عمر في الحسين لما ودَّعه، وقال: “أستودعك الله من قتيل” (4)، ومعه كتب أهل العراق، فكانت فراسة ابن عمر أصدق من كتبهم.
ومن ذلك: أن رجلين من قريش دفعا إلى امرأة مائة دينار وديعة، وقالا: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه. فلبثا حولًا، فجاء
__________
(1) لم أجده بعد بحث طويل، وقد ذكره بعض الفقهاء. انظر: تبصرة الحكام (2/ 136)، معين الحكام (168)، تفسير الرازي (21/ 441).
(2) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “دون”.
(3) كما رواه أحمد (1/ 67)، وفي فضائل الصحابة (1/ 485) رقم (785)، والضياء في المختارة (1/ 250) رقم (387)، وابن شبه في تاريخ المدينة (2/ 246) رقم (2115) بأسانيدهم عن محمَّد بن عبد الملك عن المغيرة. قال الهيثمي: “رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن محمَّد بن عبد الملك بن مروان لم أجد له سماعًا من المغيرة” ا. هـ. مجمع الزوائد (7/ 233). وانظر: التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان (133)، والإصابة (2/ 459)، البداية والنهاية (10/ 317).
(4) البخاري في التاريخ الكبير (1/ 356)، والبيهقي (7/ 161)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 201 و 202). وانظر: سير أعلام النبلاء (3/ 292).

(1/79)


أحدهما، فقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إِلَيَّ الدنانير. فأبت، وقالت: إنكما قلتما لي لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه، فلست بدافعتها إليك، فثقل عليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه، ثم لبثت حولًا آخر، فجاء الآخر، فقال: ادفعي إليَّ الدنانير. فقالت: إن صاحبك جاءني فزعم أنك قد مِتَّ، فدفعتها إليه. فاختصما (1) إلى عمر – رضي الله عنه – فأراد أن يقضي عليها. فقالت: ادفعنا إلى علي بن أبي طالب (2) – رضي الله عنه – فعرف علي أنهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه؟ قال: بلى، فقال: إن مالك عندها، فاذهب فجئ بصاحبك حتى تدفعه إليكما (3).

فصل
ومن فراسة الحاكم: ما ذكره حماد بن سلمة عن حميد الطويل: أن إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان، استودع أحدهما صاحبه وديعة، فقال صاحب الوديعة: استحلفه بالله مالي عنده وديعة. فقال إياس بن معاوية: بل أستحلفه بالله مالك عنده وديعة (4) ولا غيرها (5).
وهذا من أحسن الفراسة، فإنه إذا (6) قال: “ماله عندي وديعة”
__________
(1) في “أ” و”هـ”: “فاختصموا”.
(2) “بن أبي طالب” من “جـ” و”هـ”.
(3) رواه البيهقي (6/ 473) رقم (12701). وانظر: الأذكياء (24)، تبصرة الحكام (2/ 144)، معين الحكام (172).
(4) قوله “فقال إياس بن معاوية بل استحلفه بالله مالك عنده وديعة” ساقط من “جـ”.
(5) تهذيب الكمال (3/ 421).
(6) في “ب”: “إن”.

(1/80)


احتمل النفي، واحتمل الإقرار، فينصب “ماله” بفعل محذوف مقدر، أي دفع إلى، أو أعطاني ماله، أو يجعل “ما” موصولة، والجار والمجرور صلتها (1) ووديعة خبر عن “ما” فإذا قال: “ولا غيرها” تعين النفي.
وقال حماد بن سلمة: شهدت إياس بن معاوية يقول في رجل ارتهن رهنًا، فقال المرتهن: رهنته بعشرة. وقال الراهن: رهنته بخمسة، فقال: إن كان للراهن بينة أنه دفع إليه الرهن فالقول ما قال الراهن، وإن لم يكن له بينة بدفع الرهن إليه، والرهن بيد المرتهن، فالقول ما قال المرتهن؛ لأنه لو شاء لجحده (2) الرهن (3).
قلت: وهذا قول ثالث في المسألة، وهو من أحسن الأقوال (4)، فإن إقراره بالرهن – وهو في يده ولا بينة للراهن – دليل على صدقه، وأنه محق، ولو كان مبطلًا لجحده الرهن رأسًا.
ومالك (5) وشيخنا (6) رحمهما الله يجعلان القول قول المرتهن، ما لم يزد على قيمة الرهن.
__________
(1) “صلتها” ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(2) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “جحده”.
(3) تهذيب الكمال (3/ 421).
(4) في “جـ”: “انتهى”.
(5) انظر: الموطأ (732)، المدونة (5/ 323)، الاستذكار (22/ 110)، المنتقى (5/ 260)، التفريع (2/ 264)، التلقين (419)، القوانين (335)، تفسير القرطبي (3/ 388)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 345)، تبصرة الحكام (2/ 88).
(6) الفتاوى الكبرى (4/ 478)، الاختيارات (133)، إغاثة اللهفان (2/ 470).

(1/81)


والشافعي (1)، وأبو حنيفة (2)، وأحمد (3) – رحمهم الله – يجعلون القول قول الراهن مطلقًا.
وقال إياس أيضًا: من أقر بشيء، وليس عليه بينة، فالقول ما قال (4).
وهذا أيضًا من أحسن القضاء؛ لأن إقراره علَمٌ على صدقه، فإذا ادعى عليه ألفًا, ولا بينة له، فقال: صدق، إلا أني قضيته إياها، فالقول قوله، وكذلك إذا أقر أنه قبض من مورثه وديعة، ولا بينة له، وادعى ردها إليه.
وقال إبراهيم بن مرزوق البصري: جاء رجلان إلى إياس بن
__________
(1) الأم (3/ 221)، مختصر المزني (9/ 108)، التهذيب (4/ 72)، الوجيز (1/ 168)، حلية العلماء (4/ 465)، الحاوي الكبير (6/ 192)، روضة الطالبين (3/ 349)، مغني المحتاج (2/ 142)، نهاية المحتاج (4/ 297)، فتح الباري (5/ 173).
(2) المبسوط (21/ 86 و 130)، بدائع الصنائع (6/ 174)، نوادر الفقهاء للجوهري (281)، الفتاوى الهندية (5/ 471)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 646)، معين الحكام (103)، روضة القضاة (1/ 423)، مختصر اختلاف العلماء (4/ 307).
(3) مختصر الخرقي (71)، الجامع الصغير (151)، التذكرة (137)، الإرشاد (245)، رؤوس المسائل (2/ 809)، الهداية (1/ 152)، المغني (6/ 525)، الكافي (2/ 162)، الفروع (4/ 227)، بلغة الساغب (211)، شرح منتهى الإرادات (2/ 118)، مطالب أولي النهى (2/ 118)، كشاف القناع (3/ 352).
(4) تهذيب الكمال (3/ 422).

(1/82)


معاوية، يختصمان في قطيفتين: إحداهما حمراء، والأخرى خضراء (1)، فقال أحدهما: دخلت الحوض لأغتسل، ووضعت قطيفتي، ثم (2) جاء هذا، فوضع قطيفته تحت قطيفتي، ثم دخل فاغتسل، فخرج قبلي، وأخذ قطيفتي فمضى بها، ثم خرجت فتبعته، فزعم أنها قطيفته، فقال: ألك بينة؟ قال: لا. قال: ائتوني بمشط، فأتي بمشط (3)، فسرح رأس هذا، ورأس هذا، فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر، ومن رأس الآخر صوف أخضر، فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر، وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر (4).
وقال معتمر بن سليمان، عن زيد (5) أبي العلاء (6): شهدت
__________
(1) في “ب”: “صفراء”.
(2) في “أ” و”ب”: “و”.
(3) “فأتي بمشط” ساقط من “أ”.
(4) رواه وكيع في أخبار القضاة (1/ 388). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 423).
(5) في “ب”: “يزيد”.
(6) لم أجد له ترجمة. ولم يذكره ابن عساكر في سنده، بل ساق إسناده إلى معتمر بن سليمان قال: – فذكر إياسًا ولم يذكر زيدًا أبا العلاء -. انظر: تاريخ دمشق (10/ 29). وقد ذكره المزي في تهذيب الكمال (3/ 424). وفي النسخة “ب”: “يزيد”، فلعله يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري أبو العلاء البصري، وثقه النسائي وابن حبان، وروى له الجماعة. توفي سنة 111 هـ رحمه الله. انظر: تهذيب الكمال (32/ 175)، سير أعلام النبلاء (4/ 493).

(1/83)


إياس بن معاوية اختصم إليه رجلان، فقال أحدهما: إنه باعني جارية رعْناء، فقال إياس: وما عسى أن تكون هذه (1) الرعونة (2)؟ قال: شبه الجنون. فقال إياس: يا جارية، أتذكرين متى ولدت؟ قالت: نعم. قال: فأي رجليك أطول؟ قالت: هذه. فقال إياس: ردها، فإنها مجنونة (3).
وقال أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن مصعب (4): أن معاوية بن قُرَّة شهد عند ابنه إياس بن معاوية – مع رجال عدَّلهم (5) – على رجل بأربعة آلاف درهم، فقال المشهود عليه: يا أبا وائلة، تَثبَّت في أمري، فوالله ما أشهدتهم إلا بألفين. فسأل إياس أباه والشهود: أكان في الصحيفة التي شهدوا عليها فضل؟ قالوا: نعم، كان الكتاب في أولها والطينة (6) في وسطها، وباقي الصحيفة أبيض. قال: أفكان المشهود له يلقاكم أحيانًا، فيذكركم شهادتكم بأربعة آلاف
__________
(1) “هذه” من “جـ”.
(2) الرعونة: الحمق والاسترخاء، وامرأة رعناء بينة الرعونة. مختار الصحاح (248). والأرعن: الأهوج في منطقه الأحمق المسترخي. القاموس (1549).
(3) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 29)، وابن قتيبة في عيون الأخبار (1/ 142). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 424)، البداية والنهاية (13/ 125).
(4) عبد الله بن مصعب السلطي، كما في تهذيب الكمال (3/ 425). ولم أجد له ترجمة.
(5) في أخبار القضاة (1/ 369): “عدَّهم”.
(6) الطينة: ختم الكتاب. القاموس (1566).

(1/84)


درهم (1)؟ قالوا: نعم، كان لا يزال يلقانا، فيقول: اذكروا (2) شهادتكم على فلان بأربعة آلاف درهم، فصرفهم، ودعا المشهود له. فقال: يا عدو الله، تغفلت قومًا صالحين مغفلين، فأشهدتهم على صحيفة جعلت طينتها (3) في وسطها، وتركت فيها بياضًا في أسفلها، فلما ختموا الطينة (4) قطعت الكتاب الذي فيه حقك ألفا درهم، وكتبت في البياض أربعة آلاف فصارت الطينة (5) في آخر الكتاب، ثم كنت تلقاهم فتلقنهم، وتذكرهم أنها أربعة آلاف، فأقر بذلك، وسأله الستر عليه (6). فحكم له بألفين وستر عليه (7).
وقال نعيم بن حماد عن إبراهيم بن مرزوق (8) البصري: كنا عند إياس بن معاوية، قبل أن يُستقضى، وكنا نكتب عنه الفراسة، كما نكتب عن المحدث الحديث، إذ جاء رجل، فجلس على دكان مرتفع بالمِرْبَد (9)، فجعل يترصد الطريق، فبينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلًا، فنظر إلى وجهه، ثم رجع إلى موضعه، فقال إياس:
__________
(1) “درهم” ساقط من “أ”.
(2) في “ب” و”هـ”: “أذكركم”.
(3) في “ب” و”جـ”: “طيها”.
(4) في “أ”: “الطينة”، وفي باقي النسخ: “الطية”.
(5) في باقي النسخ عدا “أ”: “وصارت الطية”.
(6) “عليه” من “أ”.
(7) رواه وكيع في أخبار القضاة (1/ 369). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 425).
(8) في “ب”: “مسروق”.
(9) سوق الإبل في البصرة. معجم البلدان (5/ 115).

(1/85)


قولوا (1) في هذا الرجل، فقالوا: ما (2) نقول؟ رجل طالب حاجة. فقال: هو معلم صبيان (3)، قد أبق (4) له غلام أعور، فقام إليه بعضنا فسأله عن حاجته، فقال: هو (5) غلام لي آبق. قالوا: وما صفته؟ قال: كذا وكذا، وإحدى عينيه ذاهبة، قلنا: وما صنعتك؟ قال: أعلّم الصبيان. فقلنا لإياس: كيف علمت ذلك؟ قال: رأيته جاء، فجعل يطلب (6) موضعًا يجلس فيه، فنظر إلى أرفع شيء يقدر عليه فجلس عليه، فنظرت في قَدْره فإذا ليس قدره قدر الملوك، فنظرت فيمن اعتاد في جلوسه جلوس الملوك، فلم أجدهم إلا المعلمين، فعلمت أنه معلم صبيان، فقلنا: كيف علمت أنه أبق له غلام؟ قال: إني رأيته يترصد الطريق، ينظر في وجوه الناس. قلنا: كيف علمت أنه أعور؟ قال: بينما هو كذلك إذ نزل فاستقبل رجلًا قد ذهبت إحدى عينيه، فعلمت أنه شبهه بغلامه (7).
وقال الحارث بن مرة (8): نظر إياس بن معاوية إلى رجل، فقال:
__________
(1) في “ب”: “ما تقولون”.
(2) “ما” ساقطة من “ب”.
(3) في “ب” و”جـ”: “معلم الصبيان”، وفي “هـ”: “يعلم الصبيان”.
(4) أبق العبد إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كدِّ عمل. المصباح المنير (2)، القاموس المحيط (116).
(5) “هو” ساقط من “أ”.
(6) في “جـ”: “فطلب”.
(7) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 32). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 426)، البداية والنهاية (13/ 126).
(8) الحارث بن مرة بن مجاعة أبو مرة الحنفي اليمامي. انظر: تاريخ بغداد (8/ =

(1/86)


هذا غريب، وهو (1) من أهل واسط، وهو معلم، وهو يطلب عبدًا له آبق. فوجدوا الأمر كما قال (2). فسألوه؟ فقال: رأيته يمشي ويلتفت، فعلمت أنه غريب، ورأيته وعلى ثوبه حمرة تربة واسط فعلمت أنه من أهلها، ورأيته يمر بالصبيان فيسلم عليهم ولا يسلم على الرجال، فعلمتُ أنه معلم، ورأيته إذا مر بذي هيئة لم يلتفت إليه، وإذا مر بذي أسمال تأمله، فعلمت أنه يطلب آبقًا (3).
وقال هلال بن العلاء الرقي عن القاسم بن منصور عن عمر (4) بن بكير (5): مرَّ إياس بن معاوية، فسمع قراءة من عِلَّية، فقال: هذه قراءة امرأة حامل بغلام، فسئل، كيف عرفت ذلك؟ فقال: سمعت صوتًا (6) ونفسها يخالطه (7)، فعلمت أنها حامل وسمعت صوتًا (8) وصحلًا (9)، فعلمت أن الحمل غلام، ومرَّ بعد ذلك بكتَّاب فيه
__________
= 204).
(1) في “جـ”: “وهذا”.
(2) في “ب”: “كما ذكر”.
(3) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 31). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 427).
(4) وفي “جـ”: “عمرو”.
(5) وفي “ب”: “بكر”. عند ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 32): “عمر بن بكير”، وكذا في تهذيب الكمال (3/ 428). وفي الفهرست (172): “عمر بن بكير صاحب الحسن بن سهل كان أخباريًّا راوية نسابة” ا. هـ.
(6) في “ب”: “صوتها”، وفي “جـ”: “بصوتها”.
(7) في “ب”: “مخالطة”.
(8) “صوتًا” ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(9) صحل صوته كفرح بَحّ أو احتد في بحح، والصِّحَل محركة: خشونة في =

(1/87)


صبيان، فنظر إلى صبي منهم، فقال: هذا ابن تلك المرأة فكان كما قال (1).
وقال رجل لإياس بن معاوية (2): علمني القضاء. فقال: إن القضاء لا يعلّم، إنما القضاء فَهْم، ولكن قل: علمني من (3) العلم (4).
وهذا هو سر المسألة، فإن الله – سبحانه وتعالى – يقول: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79] فخص سليمان بفهم القضية، وعمّهما بالعلم (5).
وكذلك كتب عمر إلى قاضيه أبي موسى في كتابه المشهور: “والفَهْمَ الفَهْمَ فِيما أُدْلِيَ إِلَيْكَ” (6).
__________
= الصدر وانشقاق في الصوت من غير أن يستقيم. القاموس المحيط (1321).
(1) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 32)، ووكيع في أخبار القضاء (1/ 362). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 328)، والبداية والنهاية (13/ 125).
(2) “بن معاوية” ساقط من “أ”.
(3) “من” مثبتة من “أ”.
(4) رواه ابن عساكر (10/ 30). وانظر: تهذيب الكمال (3/ 435).
(5) انظر: تهذيب السنن للمؤلف (6/ 341)، وإعلام الموقعين (1/ 403).
(6) رواه الدارقطني (4/ 206)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 70)، والسيوطي في الأشباه والنظائر (5) من طريق عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: “أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة … ” إلخ الكتاب بطوله. وعبيد الله بن أبي حميد متروك الحديث. انظر: الجرح والتعديل (5/ 312) الترجمة رقم (1487)، قال =

(1/88)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= البخاري: “منكر الحديث .. ذاهب عن أبي المليح”. التاريخ الكبير (5/ 396)، ورواه الدارقطني (4/ 207)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 70 و 283)، والبيهقي (10/ 229)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 492)، وابن حزم في الإحكام (2/ 442)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 72) من طريق سعيد بن أبي بردة أنه أخرج كتابًا فقال: “هذا كتاب عمر … “. وسعيد بن أبي بردة لم يدرك عمر. الإحكام لابن حزم (2/ 443)، والإرواء (8/ 241). وله طرق أخرى رواها البيهقي في المعرفة (14/ 240)، وابن عساكر (32/ 72)، وابن شبه في أخبار المدينة (1/ 411)، وابن حزم في الإحكام (2/ 446)، والبلاذري في الأنساب “قسم الشيخين” (302)، وابن عبد البر في الاستذكار (22/ 30). وقد تلقى كثير من العلماء هذه الرسالة بالقبول، قال البيهقي رحمه الله تعالى: “هو كتاب معروف مشهور لا بد للقضاة من معرفته والعمل به” ا. هـ. معرفة السنن (14/ 240)، وقال ابن تيمية رحمه الله: “ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء وبنوا عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه ومن طرقها ما رواه أبو عبيد وابن بطة وغيرهما بالإسناد الثابت عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر … ” ا. هـ. منهاج السنة النبوية (6/ 71)، وقال ابن القيم رحمه الله: “هذا خطاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه” ا. هـ. إعلام الموقعين (1/ 86)، قال ابن كثير رحمه الله: “هذا أثر مشهور وهو من هذا الوجه غريب ويسمى وجادة والصحيح أنه يحتج بها إذا تحقق الخط – إلى قوله – وهو كتاب معروف مشهور لا بد للقضاة من معرفته والعمل به”. انظر: مسند الفاروق (2/ 546 – 548)، وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى -: “واختلاف المخرج فيها مما يقوي أصل الرسالة لا سيما في بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة”. التلخيص الحبير (4/ 358)، وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: “هذه وجادة جيدة في قوة الإسناد الصحيح إن لم

(1/89)


والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم: الفهم في الواقع، والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال، وهذا الذي فات كثيرًا من الحكام، فأضاعوا كثيرًا من الحقوق (1).

فصل
ومن أنواع الفراسة: ما أرشدت إليه السنة النبوية من التخلص من المكروه بأمر سهل جدًّا، من تعريض بقول أو فعل.
فمن ذلك: ما رواه الإِمام أحمد في “مسنده” عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رجل: يا رسول الله، إن لي جارًا يؤذيني. فقال: “انطلق، فأخرج (2) متاعك إلى الطريق”. فانطلق، فأخرج متاعه. فاجتمع الناس إليه (3)، فقالوا: ما شأنك؟ قال: إن لي جارًا (4) يؤذيني. فجعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم أخرجه. فبلغه ذلك، فأتاه فقال: ارجع إلى منزلك، فوالله لا أوذيك أبدًا (5).
__________
= تكن أقوى منه” ا. هـ. حاشيته على المحلى (1/ 60)، وقال الألباني رحمه الله: “وهي وجادة صحيحة من أصح الوجادات وهي حجة” ا. هـ. إرواء الغليل (8/ 241)، أما ابن حزم رحمه الله: فيرى أن الرسالة لا تصح كما في الإحكام (2/ 443) وأنها مكذوبة موضوعة. المحلى (1/ 590).
(1) وفي “أ”: “الحق”.
(2) وفي “ب”: “فألق”.
(3) وفي “أ”: “عليه”.
(4) وفي “أ”: “لي جار”.
(5) رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (124)، وأبو داود رقم (5131) (14/ 62) مع العون، وأبو يعلى في مسنده (11/ 506) رقم (6630)، وابن =

(1/90)


فهذه وأمثالها هي الحيل (1) التي أباحتها الشريعة، وهي تَحيُّل الإنسان بفعل مباح على تخلصه من ظلم غيره وأذاه، لا الاحتيال على إسقاط فرائض الله واستباحة محارمه (2).
وفي “المسند” و”السنن” عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ أَحْدَثَ في صَلاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ، فإِنْ كان في صلاة جماعَةٍ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ وَلْيَنْصَرِف” (3).
__________
= حبان (2/ 278) رقم (520)، والحاكم (4/ 165)، والبيهقي في الشعب (7/ 79) رقم (9547) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال عنه الحاكم: “هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه”. وله شواهد من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه. رواه البخاري في الأدب المفرد رقم (125)، والحاكم (4/ 166)، والبزار (2/ 253) رقم (1810) “الزوائد”، والبيهقي في الشعب (7/ 79) رقم (9548)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 134) رقم (356). قال الحاكم: “صحيح على شرط مسلم” ووافقه الذهبي. وقال الألباني رحمه الله: “حسن صحيح” ا. هـ. صحيح الأدب المفرد (72). أما ما ذكره المؤلف – رحمه الله تعالى – أن الإِمام أحمد رواه في مسنده فلم أجده في المسند ولم أجد أحدًا من المحدثين – حسب اطلاعي – نسبه للمسند، ولكن رأيت بعض الفقهاء نسبه لمسند أحمد كابن فرحون في التبصرة (2/ 143)، والطرابلسي في معين الحكام (172).
(1) جمع: حيلة وهي التي تحول المرء عما يكرهه إلى ما يحبه. التعريفات (127).
(2) فَصَّل ابنُ القيم أحكام الحيل في إعلام الموقعين (3/ 308).
(3) لم أجده بهذا اللفظ عند المحدثين، وقد ذكره بنصه المرتضى في “البحر الزخار” (2/ 287) وقال: “أخرجه أبو داود” ا. هـ. وإنما جاء من حديث =

(1/91)


وفي السنة كثير مِن ذِكْرِ (1) المعاريض (2) التي لا تُبطل حقًّا (3)، ولا تُحق باطلًا كقوله – صلى الله عليه وسلم – للسائل (4): ممن أنتم؟ قالوا: “نحن من ماء” (5). وقوله للذي ذهب بغريمه ليقتله: “إِنْ قَتَلَهُ فهُوَ مِثْلُه” (6).
__________
= عائشة – رضي الله عنها – بلفظ: “إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف” رواه أبو داود رقم (1101) (3/ 463)، وابن ماجه (1222)، والترمذي في العلل (170)، والدارقطني (1/ 158)، وابن خزيمة (2/ 108) رقم (1019)، وابن حبان (6/ 10) رقم (2238)، وابن الجارود (1/ 201) رقم (222)، والحاكم (1/ 184)، والبيهقي (2/ 361) رقم (3378). قال الحاكم: “صحيح على شرطهما”. ووافقه الذهبي.
(1) “ذكر” مثبتة من “ب”.
(2) المعاريض: جمع معراض وهي: التورية بالشيء عن الشيء. مختار الصحاح (425)، المصباح المنير (403). واصطلاحًا: كلام له وجهان يطلق أحدهما ويراد لازمه. فتح الباري (10/ 610). وقيل: أن ينوي بكلامه ما يحتمله اللفظ وهو خلاف الظاهر. الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 79).
(3) فَصَّل ابنُ القيم أحكام المعاريض في إعلام الموقعين (3/ 403).
(4) واسمه: سفيان الضمري. سيرة ابن هشام (2/ 255)، البداية والنهاية (5/ 75).
(5) رواه ابن جرير الطبري في تاريخه (2/ 27). وانظر: سيرة ابن هشام (2/ 255)، المنتظم (3/ 101).
(6) رواه مسلم (11/ 184) رقم (1680) من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه. انظر معناه في: شرح النووي لمسلم (11/ 185)، وزاد المعاد (5/ 8)، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (267)، شرح الأبي لصحيح مسلم (6/ 127).

(1/92)


وكان إذا أراد غزوة ورَّى (1) بغيرها (2).
وكان الصديق – رضي الله عنه – يقول في سفر الهجرة لمن يسأله عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: من هذا بين يديك؟ فيقول: “هاد يدلني على الطريق” (3).
وكذلك الصحابة من بعده.
فروى زيد بن أسلم عن أبيه قال: قَدِمَتْ على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حُلل (4) من اليمن، فقسمها بين الناس، فرأى فيها حلةً رديئةً، فقال: كيف أصنع بهذه؟ إن أحدًا لم يقبلها، فطواها وجعلها تحت مجلسه، وأخرج طرفها، ووضع الحلل بين يديه، فجعل يقسم بين الناس. فدخل الزبير وهو على تلك الحال، فجعل ينظر إلى تلك الحلة، فقال: ما هذه الحلة؟ فقال عمر: دعها عنك، قال: ما شأنها؟ قال: دعها. قال: فأعطنيها. قال: إنك لا ترضاها، قال: بلى، قد
__________
(1) التورية اصطلاحًا: أن يريد المتكلم بكلامه خلاف ظاهره. التعريفات (97).
وانظر: التوقيف (214)، عمدة القاري (12/ 29)، جامع الأصول (2/ 576).
(2) البخاري (6/ 131) رقم (2947) و (2948)، ومسلم (2769) (17/ 106) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
(3) البخاري (7/ 293) رقم (3911) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4) الحلل: جمع حُلة وهي ثياب ذات خطوط ولا تكون إلا من ثوبين، وقال أبو عبيد: الحلل برود اليمن. انظر: النهاية (1/ 432)، هدي الساري مقدمة فتح الباري (113)، شرح السيوطي لسنن النسائي (3/ 96).

(1/93)


رضيتها. فلما توثق منه، واشترط عليه ألا يردها، رمى بها إليه، فلما نظر إليها إذا هي رديئة، قال: لا أريدها، قال عمر: أيهات (1)، قد فرغت منها. فأجازها عليه، ولم يقبلها (2).
قال عبد الله بن سَلَمَة: سمعت عليًّا يقول: “لا أغسل رأسي بغسل حتى آتي البصرة فأحرقها، وأسوق الناس بعصاي إلى مصر” (3)، فأتيت أبا مسعود البدري، فأخبرته، فقال: “إن عليًّا يورد الأمور موارد لا تحسنون تصدرونها، عليٌّ لا يغسل رأسه بغسل، ولا يأتي البصرة، ولا يحرقها, ولا يسوق الناس عنها بعصاه، عليٌّ رجل أصلع إنما على رأسه مثل الطست إنما حوله شعرات” (4).
ومن ذلك تعريض عبد الله بن رواحة لامرأته بإنشاد شعر يوهم أنه يقرأ، ليتخلص من أذاها له حين واقع جاريته (5).
__________
(1) بمعنى: هيهات. وفي “ب”: “إيها”.
(2) الأذكياء (23).
(3) قوله “فأحرقها وأسوق الناس بعصاي إلى مصر” ساقطة من “ب”.
(4) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (1/ 212) و (9/ 467). وانظر: الأذكياء لابن الجوزي (24).
(5) رواه الدارقطني (1/ 120)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 259)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 30) بإسنادهم عن عكرمة عن ابن رواحة. قال ابن عبد الهادي رحمه الله: “رواه الدارقطني هكذا مرسلًا” ا. هـ. تنقيح التحقيق (1/ 139). ورواه موصولًا الدارقطني (1/ 121)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 32)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/ 116) وفي إسنادهم زمعة بن صالح ضعفه أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم. تنقيح التحقيق (139). وله شواهد =

(1/94)


وتعريض محمَّد بن مسلمة لكعب بن الأشرف حين أمّنه بقوله: “إن هذا الرجل قد أخذنا بالصدقة وقد عنَّانا” (1). وتعريض الصحابة لأبي رافع اليهودي (2).

فصل
ومن ذلك: قول عبد الرحمن بن أبي ليلى (3) الفقيه – وقد أقيم على دكان ليلعن علي بن أبي طالب بعد صلاة الجمعة – فقام على الدكان، وقال: إن الأمير (4) أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوه
__________
= رواها ابن أبي شيبة (5/ 275)، وابن عساكر (28/ 113)، والدارمي في الرد على الجهمية (82) ولا تخلو أسانيدهم من مقال.
قال النووي: “إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع” ا. هـ. المجموع (2/ 159). وقد ضعفها ابن عبد الهادي في التنقيح (1/ 139)، والذهبي في العلو (42). وصحح إسنادها ابن عبد البر في التمهيد (1/ 296)، وفي الاستيعاب (2/ 287)، وقد صححه محمَّد بن عثمان الحافظ. ذكره ابن القيم ولم يتعقبه بشيء. اجتماع الجيوش الإِسلامية (308)، وضعفه الألباني في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية (315).
(1) عنّانا: بتشديد النون الأولى من العناء وهو التعب. فتح الباري (7/ 392). البخاري (3031) (6/ 184) و (7/ 390) رقم (4037)، ومسلم (1801) (12/ 403) من حديث جابر رضي الله عنه.
(2) البخاري (3022) (6/ 179) ورقم (4039) (7/ 395).
(3) الإِمام العلامة الحافظ أبو عيسى الأنصاري الكوفي الفقيه من أبناء الأنصار، ولد في خلافة الصديق، واسم والده أبي ليلى: يسار، وقيل: بلال بن أبي أحيحة. توفي – رحمه الله تعالى – سنة 83 هـ. انظر: حلية الأولياء (4/ 350)، وسير أعلام النبلاء (4/ 262)، وطبقات الحفاظ (26).
(4) الأمير هو الحجاج بن يوسف. طبقات ابن سعد (6/ 169). وفي تاريخ =

(1/95)


لعنه الله (1).
ومن ذلك: تعريض الحجاج بن علاط، بل تصريحه لامرأته (2) , بهزيمة الصحابة وقتلهم، حتى أخذ ماله منها (3).

فصل (4)
ومن الفراسة الصادقة: فراسة خزيمة بن ثابت، حين قدم وشهد
__________
= دمشق (56/ 210): أن الأمير محمَّد بن يوسف.
(1) رواه بنحوه عن ابن أبي ليلى ابن سعد في الطبقات (6/ 169)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 195)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (4/ 351). أما ابن عساكر فقد رواه عن حجر المدري تابعي ثقة، والأمير محمَّد بن يوسف. تاريخ دمشق (56/ 210) وهو أقرب للفظ المؤلف.
(2) أم شيبة بنت أبي طلحة. انظر: تاريخ الطبري (2/ 139)، سيرة ابن هشام (3/ 398)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 211)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2145).
(3) كما في الحديث الذي رواه عبد الرزاق (5/ 446)، وأحمد (3/ 183)، وعبد بن حميد (3/ 143) رقم (1286)، والنسائي في الكبرى (5/ 94) رقم (8646)، وأبو يعلى (6/ 194) (3479)، والبيهقي في السنن (9/ 254)، وفي دلائل النبوة (4/ 266)، والضياء في المختارة (5/ 182)، والطبراني في المعجم الكبير (3/ 247) رقم (3196)، والفسوي في “المعرفة والتاريخ” (1/ 507) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه ابن حبان (10/ 390) رقم (4530)، وقال الهيثمي: “رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح” ا. هـ. مجمع الزوائد (6/ 158)، وقال ابن كثير عن إسناد أحمد: “وهذا الإسناد على شرط الشيخين” ا. هـ. البداية والنهاية (6/ 348).
(4) قوله “فصل” ساقطة من “جـ”.

(1/96)


على عقد التبايع بين الأعرابي (1) ورسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن حاضرًا، تصديقًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جميع ما يخبر به (2).
ومنها: فراسة حذيفة بن اليمان، وقد بعثه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عينًا إلى المشركين فجلس بينهم. فقال أبو سفيان: لينظر كل منكم جليسه (3)، فبادر حذيفة وقال لجليسه: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان (4).
__________
(1) واسمه سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي. كما في رواية ابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (1/ 390). وانظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 224)، وعون المعبود (10/ 28).
(2) رواه أحمد (5/ 215 – 216)، وأبو داود (3590) (10/ 25)، والنسائي (7/ 301) رقم (4647)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 116) رقم (2085)، والحاكم (2/ 17)، والبيهقي (10/ 246) من حديث عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه: “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ابتاع فرسًا من أعرابي” الحديث. وقال الحاكم: “هذا صحيح الإسناد ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه وعمارة بن خزيمة سمع هذا الحديث من أبيه أيضًا” ا. هـ. ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد الهادي: “رواه أبو داود ورواه النسائي وهو حديث ثابت صحيح” ا. هـ. تنقيح التحقيق (3/ 545).
(3) في “أ”: “من جليسه”.
(4) رواه أحمد (5/ 392)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 233) (215) من طريق محمد بن كعب القرظي – ومحمد لم يدرك حذيفة -. البداية والنهاية (6/ 64). ورواه أبو عوانة (4/ 320) (6842) من طريق عبد العزيز ابن أخي حذيفة. ورواه الحاكم (3/ 31)، والبزار (7/ 346)، والبيهقي في الدلائل (3/ 450)، وابن أبي شيبة كما في المطالب العالية (4/ 403)، وقال الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه” ووافقه الذهبي، وذكره الحافظ البوصيري والحافظ ابن حجر من طريق ابن أبي شيبة وحسناه. مختصر إتحاف السادة المهرة (7/ 28)، والمطالب =

(1/97)


ومنها: فراسة المغيرة بن شعبة، وقد استعمله عمر على البحرين. فكرهه أهلها فعزله عمر، فخافوا أن يرده عليهم. فقال دهقانهم (1): إن فعلتم ما آمركم به لم يرده علينا. قالوا: مُرْنا بأمرك. قال: تجمعون مائة ألف درهم، حتى أذهب بها إلى عمر، وأقول: إن المغيرة اختان (2) هذا، ودفعه إليَّ، فجمعوا ذلك. فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن المغيرة اختان هذا (3)، فدفعه إليَّ. فدعا عمر المغيرة، فقال: ما يقول هذا (4)؟ قال: كذب، أصلحك الله، إنما كانت مائتي ألف، فقال: ما حملك على ذلك؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للدهقان: ما تقول؟ فقال: لا والله، لأصدقنك، والله ما دفع إليَّ قليلًا ولا كثيرًا. ولكن كرهناه وخشينا أن ترده إلينا، فقال عمر للمغيرة: ما حملك على هذا؟ قال: الخبيث كذب عليَّ فأردت أن أخزيه (5).
وخطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة، وكان الفتى
__________
= العالية (4/ 403). والحديث أصله في صحيح مسلم ولكن بدون ذكر الشاهد. (1788) (12/ 387).
(1) الدَّهقان: بالكسر والضم. القوي على التصرف مع حدّة، والتاجر، وزعيم فلاحي المعجم، ورئيس الإقليم. معرّب. انظر: القاموس المحيط (1546)، لسان العرب (13/ 163)، النهاية (2/ 145).
(2) خانه خيانة ومخانة واختانه فهو خائن: بأن يؤتمن فلا ينصح. القاموس (1541)، مختار الصحاح (193).
(3) “هذا” ساقط من “أ”.
(4) في “جـ”: “ما تقول في هذا”.
(5) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 30 و 31)، والبغوي كما في الإصابة (3/ 432). وانظر: الأذكياء (29)، وسير أعلام النبلاء (3/ 26).

(1/98)


جميلًا، فأرسلت إليهما المرأة: لا بد أن أراكما، وأسمع كلامكما، فاحضرا إن شئتما. فأجلستهما بحيث تراهما، فعلم المغيرة أنها تؤثر عليه الفتى، فأقبل عليه، فقال: لقد أوتيت حسنًا وجمالًا وبيانًا (1). فهل عندك سوى ذلك؟ قال: نعم. فعدد عليه محاسنه، ثم سكت. فقال المغيرة: فكيف حسابك؟ فقال: لا (2) يسقط عليّ منه شيء، وإني لأستدرك منه أقل من الخردلة، فقال له المغيرة: لكني أضع البَدْرَة (3) في زاوية البيت، فينفقها أهل بيتي على ما يريدون، فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها، فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إليَّ من الذي يحصي عليَّ أدنى (4) من الخردلة. فتزوجت المغيرة (5).
ومنها: فراسة عمرو بن العاص لما حاصر غزَّة (6)، فبعث إليه صاحِبُها: أن أرسل إليَّ رجلًا من أصحابك أكلمه. ففكر عمرو بن العاص (7)، وقال: ما لهذا الرجل غيري، فخرج حتى دخل عليه، فكلمه
__________
(1) “وبيانًا” ساقطة من “ب” وفيها: “وشبابًا”.
(2) في “ب”: “ما”.
(3) البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم. القاموس (444)، مختار الصحاح (43). والبدرة: الطبق شُبه بالبدر لاستدارته. النهاية في غريب الحديث (1/ 106).
(4) في “أ”: “أدق”.
(5) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 51). وانظر: الأذكياء (29).
(6) غزة: مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر ولا زالت عامرة. معجم البلدان (4/ 299). وهي اليوم من مدن فلسطين.
(7) “بن العاص” ساقط من “أ”.

(1/99)


كلامًا لم يسمع مثله (1) قط. فقال له: حدثني، هل أحد من أصحابك مثلك؟ فقال: لا تسل، من هواني عندهم بعثوني إليك، وعرَّضوني لما عرضوني، ولا يدرون ما يصنع بي. فأمر له بجائزة (2) وكسوة، وبعث إلى البواب: إذا مرَّ بك فاضرب عنقه، وخذ ما معه. فمر برجل من نصارى غسان فعرفه، فقال: يا عمرو قد أحسنت الدخول، فأحسن الخروج. فرجع، فقال له الملك: ما ردك إلينا؟ قال: نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك يسع (3) بني عمي، فأردت الخروج، فآتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية فيكون معروفك عند عشرة رجال خيرًا من أن يكون عند واحد. قال: صدقت عجّل (4) بهم. وبعث إلى البواب: خلّ سبيله. فخرج عمرو وهو يلتفت، حتى إذا أَمِنَ قال: لا عدت لمثلها (5). فلما كان بعدُ رآه الملك، فقال: أنت هو؟ قال: نعم، على ما كان من غدرك (6).
ومن ذلك: فراسة الحسن بن علي – رضي الله عنهما – لما جيء إليه بابن مُلْجِم قال له: أريد أُسارّك بكلمة. فأبى الحسن، وقال: تريد أن تَعضَّ أذني. فقال ابن ملجم: والله لو أمكنتني منها لأخذتها من
__________
(1) في “ب”: “بمثله”.
(2) وفي “جـ”: “بجارية”.
(3) في “جـ”: “مع بني”.
(4) في “ب”: “فعجل”.
(5) في “ب”: “إلى مثلها”.
(6) روى نحوه ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 155). وانظر: الأذكياء (30)، لطف التدبير (208)، نثر الدر للآبي (4/ 123).

(1/100)


صماخيها (1).
قال أبو الوفاء ابن عقيل: فانظر إلى حسن رأي هذا السيد الذي قد نزل به من (2) المصيبة العاجلة ما يذهل (3) الخلق، وفطنته إلى هذا الحد، وإلى ذلك اللعين كيف لم يشغله حاله عن استزادة (4) الجناية (5).
ومن ذلك: فراسة أخيه الحسين – رضي الله عنهما -: أن رجلًا ادعى عليه مالًا. فقال الحسين: ليحلف على ما ادعاه ويأخذه، فتهيأ الرجل لليمين، وقال: والله الذي لا إله إلا هو. فقال الحسين: قل: والله، والله، والله إن هذا الذي تدعيه عندي، وفي (6) قِبَلي. ففعل الرجل ذلك، وقام فاختلفت رجلاه وسقط ميتًا. فقيل للحسين: لم فعلت ذلك؟ أي عدلت عن قوله: والله الذي لا إله إلا هو إلى قوله: والله والله والله. فقال: كرهت أن يثني على الله، فيحلم عنه (7).
ومن ذلك: فراسة العباس – رضي الله عنه – ما ذكره مجاهد قال: “بينما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أصحابه إذ وجد ريحًا. فقال: “ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ”. فاستحيا الرجل، ثم
__________
(1) في “أ”: “صماخه”، وفي “ب” و”هـ”: “صماخيه”. وانظر: الأذكياء (25).
(2) “من” ساقطة من “أ”.
(3) في “ب”: “ما ذهل”.
(4) في “جـ”: “استرداده”.
(5) قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: “قرأت بخط أبي الوفاء ابن عقيل – فذكر القصة وقول ابن عقيل -“. الأذكياء (25).
(6) “عندي وفي” ساقط من “جـ”.
(7) الأذكياء (25).

(1/101)


قال (1): “ليقم صاحب هذه فليتوضأ، فإن الله لا يستحي من الحق” فقال العباس: ألا نقوم كلنا نتوضأ؟ ” (2) هكذا رواه الفريابي (3) عن الأوزاعي مرسلًا (4)، ووصله عنه (5) محمد بن مصعب (6) القرقساني (7)، فقال: عن مجاهد عن ابن عباس – رضي الله عنهما -.
وقد جرت مثل هذه القصة في مجلس عمر – رضي الله عنه -. قال الشعبي: كان عمر – رضي الله عنه – في بيت، ومعه جرير بن عبد الله البجلي، فوجد عمر ريحًا، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ. فقال جرير: يا أمير المؤمنين، أو يتوضأ القوم جميعًا.
__________
(1) قوله “ليقم صاحب .. ” إلى “ثم قال” ساقط من “ب”.
(2) رواه عبد الرزاق (1/ 140) (531)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 373).
(3) هو محمد بن يوسف بن واقد الضبي أبو عبد الله الفريابي الإمام الحافظ، وثقه النسائي وأبو زرعة وغيرهما. توفي سنة 212 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (27/ 52)، سير أعلام النبلاء (10/ 114). وفي “جـ”: “الفرياني”، وفي “هـ”: “الفرائي”.
(4) المرسل: هو ما سقط من منتهاه ذِكْرُ الصحابي بأن يقول تابعي: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. انظر: مقدمة ابن الصلاح (25)، الموقظة للذهبي (38)، نزهة النظر (109)، اختصار علوم الحديث لابن كثير (153).
(5) وفي “جـ”: “عن”.
(6) هو محمد بن مصعب بن صدقة القرقساني أبو عبد الله. توفي سنة 208 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (26/ 460)، الكاشف (3/ 97)، تاريخ الإسلام (14/ 373)، تاريخ دمشق (55/ 398).
(7) “القرقساني” مثبتة من “أ”.

(1/102)


فقال عمر: يرحمك الله نِعْم السيد كنت في الجاهلية، ونِعْم السيد أنت في الإسلام (1).
ومن أحسن الفراسة: فراسة عبد الملك بن مروان لما بعث الشعبي إلى ملك الروم فحسد المسلمين عليه. فبعث معه ورقة لطيفة إلى عبد الملك. فلما قرأها قال: تدري ما فيها؟ قال: لا. قال: فيها “عجبٌ، كيف ملكت العرب غير هذا؟ ” أفتدري ما أراد؟ قال: لا. قال: حسدني بك، فأراد أن أقتلك. فقال الشعبي: لو رآك يا أمير المؤمنين (2) ما استكبرني. فبلغ ذلك ملك الروم، فقال: والله ما أخطأ ما كان في نفسي (3).
ومن دقيق الفطنة: أنك لا ترد (4) على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ. وذلك خطأ ثان، ولكن تلطف في إعلامه به، حيث لا يشعر به غيره.
ومن دقيق الفراسة: أن المنصور جاءه رجل، فأخبره أنه خرج في
__________
(1) رواه البلاذري في أنساب الأشراف “قسم الشيخين” (219). وانظر: الأذكياء (26)، صفة الصفوة (1/ 741)، الاستيعاب (1/ 235)، تهذيب الكمال (4/ 539)، سير أعلام النبلاء (2/ 535).
(2) “يا أمير المؤمنين” ساقط من “أ”.
(3) رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 594)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 225)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (25/ 386). وانظر: الأذكياء (35)، تهذيب الكمال (14/ 38)، تاريخ الإسلام (7/ 127).
(4) في “ب”: “أنه لا يرد”.

(1/103)


تجارة فكسب مالًا، فدفعه إلى امرأته، ثم طلبه (1) فذكرت أنه سرق من البيت ولم ير نقبًا ولا أمارة، فقال المنصور: منذ كم تزوجتها؟ قال: منذ سنة، قال: بكرًا أو ثيبًا؟ قال: ثيبًا، قال: فلها ولد من غيرك؟ قال: لا (2)، فدعا له المنصور بقارورة طيب كان (3) يتخذ له حادّ الرائحة، غريب النوع، فدفعها إليه، وقال له: تطيب من هذا الطيب، فإنه يذهب غمك. فلما خرج الرجل من عنده قال المنصور لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم فمن شمَّ منكم رائحة هذا الطيب من أحد فليأت به. وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته، فلما شمته بعثت منه (4) إلى رجل كانت تحبه، وقد كانت دفعت إليه المال، فتطيب منه، ومر مجتازًا ببعض أبواب المدينة، فشم الموكل بالباب رائحته عليه (5)، فأتى به المنصور، فسأله: من أين لك هذا الطيب؟ فلجلج (6) في كلامه. فدفعه (7) إلى والي الشرطة، فقال: إن أحضر لك (8) كذا وكذا من المال فخل عنه، وإلا اضربه ألف سوط. فلما جرد للضرب أحضر المال (9) على هيئته، فدعا المنصورُ صاحبَ
__________
(1) “ثم طلبه” ساقطة من “جـ”.
(2) “لا” ساقطة من “ب”.
(3) “كان” ساقطة من “جـ”.
(4) وفي “هـ”: “به”.
(5) وفي “جـ”: “رائحة طيبه”.
(6) أي تردد في كلامه. مختار الصحاح (592)، المصباح المنير (549).
(7) وفي “ب” و”هـ”: “فبعثه”، وفي “جـ”: “فبعث به”.
(8) وفي “أ” و”ب” و”هـ”: “إليك”.
(9) من قوله “فخل عنه” إلى “أحضر المال” ساقط من “ب”.

(1/104)


المال، فقال: أرأيت إن رددت عليك (1) مالك تحكمني في امرأتك؟ قال: نعم. قال: هذا مالك، وقد طلقت المرأة منك (2).

فصل
ومنها أن شريكًا دخل على المهدي، فقال للخادم: هات عودًا للقاضي – يعني البخور – فجاء الخادم بعود يضرب به، فوضعه في حجر شريك، فقال: ما هذا؟ فبادر المهدي، وقال: هذا عود أخذه صاحب العسس البارحة، فأحببت أن يكون كسره على يديك، فدعا له وكسره (3).
ومن ذلك: ما يذكر عن المعتضد بالله، أنه كان جالسًا يشاهد الصناع، فرأى فيهم أسود منكر الخلقة، شديد المرح، يعمل ضعف ما يعمل الصناع، ويصعد مرقاتين مرقاتين، فأنكر أمره، فأحضره وسأله عن أمره؟ فلجلج، فقال لبعض جلسائه ما تقولون (4)؟ أي شيء يقع لكم في أمره؟ قالوا: ومَن هذا حتى تصرف فكرك إليه؟ لعله لا عيال له، وهو خالي القلب، فقال: قد خمَّنتُ في أمره تخمينًا، ما أحسبه باطلًا: إما أن يكون معه دنانير، وقد ظفر بها دفعة (5)، أو يكون لصًّا
__________
(1) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “إليك”.
(2) الأذكياء (37).
(3) الأذكياء (39).
(4) “ما تقولون” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(5) “دفعة” ساقطة من “جـ”.

(1/105)


يتستر بالعمل، فدعا به، واستدعى بالضرّاب فضربه، وحلف له إن لم يصدقْه أن يضرب عنقه، فقال: لي الأمان، قال: نعم، إلا فيما يجب عليك بالشرع. فظن أنه قد أمنه، فقال: كنت أعمل في الآجُر (1)، فاجتاز رجل في وسطه هِمْيان (2)، فجاء إلى مكان فجلس وهو لا يعلم مكاني، فحل الهميان وأخرج منه دنانير فتأملته (3)، وإذا كله دنانير فبادرته (4) وكتفته وشددت (5) فاه، وأخذت الهميان، وحملته على كتفي وطرحته في الأتون (6) وطيَّنته. فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه فطرحتها في دجلة. فأنفذ المعتضد من أحضر الدنانير من منزله، وإذا على الهميان مكتوب: فلان بن فلان، فنادى في البلد باسمه، فجاءت امرأة فقالت: هذا زوجي، ولي منه هذا الطفل، خرج وقت كذا وكذا ومعه ألف دينار: فغاب إلى الآن. فسلم الدنانير إليها (7)، وأمرها أن تعتد، وأمر بضرب عنق الأسود، وحمل (8) جثته إلى ذلك الأتون (9).
__________
(1) الآجر: اللَّبِن إذا طُبخ. المصباح المنير (6)، لسان العرب (4/ 11).
(2) الهِمْيان: كيس تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط. المصباح المنير (641)، القاموس المحيط (1600).
(3) من قوله “فجلس وهو لا يعلم” حتى “فتأملته” ساقط من “ب”.
(4) في “أ”: “فثاورته”، وفي “جـ”: “فساورته”.
(5) وفي “أ”: “وسددت”.
(6) الأتون: الموقد. مختار الصحاح (4)، لسان العرب (13/ 7).
(7) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “إلى امرأته”.
(8) وفي “ب”: “حملت”.
(9) الأذكياء (42)، سير أعلام النبلاء (13/ 465)، تاريخ الإسلام (21/ 64).

(1/106)


وكان للمعتضد من ذلك عجائب، منها: أنه قام ليلة، فإذا غلام قد وثب على ظهر غلام، فاندس بين الغلمان فلم يعرفه، فجاء فجعل يضع يده على فؤاد واحد بعد واحد، فيجده ساكنًا، حتى وضع يده (1) على فؤاد ذلك الغلام، فإذا به يخفق خفقًا (2) شديدًا، فركضه برجله، واستقره، فأقر، فقتله (3).
ومنها: أنه رُفِع إليه أن (4) صيادًا ألقى شبكته في دجلة، فوقع فيها جراب فيه كف مخضوبة بحناء، وأُحضر بين يديه، فهاله ذلك، وأمر الصياد أن يعاود طرح الشبكة هنالك ففعل، فأخرج جرابًا آخر فيه رجْل، فاغتم المعتضد وقال: معي في البلد من يفعل هذا ولا أعرفه؟ ثم أحضر ثقة له وأعطاه (5) الجراب، وقال: طف به على كل من يعمل الجُرُبَ ببغداد، فإن عرفه أحد منهم فاسأله عمن باعه منه، فإذا دلك عليه فاسأل (6) المشتري عن ذلك ونقِّر (7) عن خبره. فغاب الرجل ثلاثة أيام، ثم عاد، فقال: لا زلت أسأل عن خبره حتى انتهى إلى فلان الهاشمي، اشتراه مع عشرة جُرُب، وشكا البائع شره وفساده، ومن جملة ما قال أنه كان يعشق فلانة المغنية وأنه غيبها، فلا يعرف لها
__________
(1) قوله “على فؤاد” إلى قوله “حتى وضع يده” ساقط من “ب”.
(2) وفي “أ”: “خفقانًا”.
(3) الأذكياء (43)، سير أعلام النبلاء (13/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 65).
(4) “أن” ساقطة من “ب”.
(5) وفي “أ”: “وأعطى له”.
(6) وفي “ب”: “قل”.
(7) في “ب”: “وقص”، وفي “جـ”: “ونقب”.

(1/107)


خبر، وادعى أنها هربت، والجيران يقولون: إنه (1) قتلها. فبعث المعتضد من كَبَسَ منزل الهاشمي وأحضره، وأحضر اليد والرجل، وأراه إياهما، فلما رآهما انتقع لونه، وأيقن بالهلاك واعترف. فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية إلى مولاها، وحبس الهاشمي حتى مات في الحبس (2).

فصل
ومن محاسن الفراسة: أن الرشيد رأى في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ قال عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخيزران لموافقة اسم أمه (3).
ونظير هذا: أن بعض الخلفاء سأل ولده – وفي يده مسواك – ما جمع هذا؟ قال: ضدُّ محاسنك (4) يا أمير المؤمنين. وهذا من الفراسة في تحسين اللفظ. وهو باب عظيم النفع، اعتنى به الأكابر والعلماء. وله شواهد كثيرة في السنة وهو من خاصية العقل والفطنة.
__________
(1) “إنه” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(2) وفي “أ”: “حتى مات فيه”. انظر: الأذكياء (43)، سير أعلام النبلاء (13/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 65).
(3) الخيزران جارية المهدي اشتراها فأعتقها، وتزوجها فولدت له الهادي والرشيد، لم تلد امرأة خليفتين سوى ثلاث نسوة هي إحداهن، توفيت سنة 173 هـ. انظر: المنتظم (8/ 346)، تاريخ الإسلام (11/ 109).
في “أ” و”ب”: “امرأته”. انظر الأذكياء (47).
(4) كذا في “هـ”. وسقطت “ضد” من باقي النسخ.

(1/108)


فقد روينا عن عمر رضي الله عنه: أنه خرج يَعُسُّ (1) المدينة بالليل، فرأى نارًا موقدة في خباء، فوقف وقال: “يا أهل الضوء”. وكره أن يقول: يا أهل النار (2).
وسأل رجلًا عن شيء: “هل كان؟ ” قال: لا، أطال الله بقاءك، فقال: “قد عُلِّمتم فلم تتعلموا، هلّا قلت: لا، وأطال الله بقاءك” (3).
وسئل العباس: أنت أكبر أم (4) رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله (5).
وسئل عن ذلك قباث (6) بن أشيم، فقال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكبر مني، وأنا أسن منه (7).
__________
(1) العسُّ: طلب أهل الريبة في الليل. المصباح المنير (409)، القاموس المحيط (719).
(2) انظر: الأذكياء (24)، معجم ما استعجم (3/ 830).
(3) انظر: الأذكياء (24). ونحوه في مجمع الأمثال (2/ 451)، والبيان والتبيين (1/ 261).
(4) في “ب”: “من”.
(5) رواه ابن أبي شيبة (5/ 298) رقم (26247) و (7/ 35) رقم (33910)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 269) رقم (350)، والحاكم (3/ 320)، والفسوي في التاريخ (1/ 504)، وابن عساكر (26/ 280 – 281). قال الهيثمي: “رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح” ا. هـ. مجمع الزوائد (9/ 273).
(6) وفي “جـ” و”هـ”: “غياث”.
(7) رواه الحاكم (3/ 625)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 183) =

(1/109)


وكان لبعض القضاة جليس أعمى، فكان إذا أراد أن ينهض يقول: يا غلام، اذهب مع أبي محمد، ولا يقول: خذ بيده، قال: والله ما أخلَّ بها مرة واحدة (1).
ومن ألطف ما يحكى في ذلك: أن بعض الخلفاء سأل رجلًا عن اسمه؟ فقال: سعد يا أمير المؤمنين، فقال: أيّ السعود أنت؟ قال: سعد السعود لك يا أمير المؤمنين، وسعد الذابح لأعدائك، وسعد بَلَع على سماطك، وسعد الأخبية لسرك (2)، فأعجبه ذلك.
ويشبه هذا: أن مَعْن بن زائدة دخل على المنصور، فقارب في خطوه، فقال له المنصور: كبرت سنك يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين. قال: إنك لجَلْد. قال: على أعدائك. قال: وإن فيك
__________
= (927)، والطبراني في المعجم الكبير (19/ 37) (75)، والبيهقي في الدلائل (1/ 78)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/ 218) (5970)، وخليفة بن خياط في تاريخه (52). وسكت عنه الحاكم، والذهبي في تلخيص المستدرك. ورواه الترمذي (6/ 13) (3619)، والطحاوي في شرح المشكل (15/ 217) (5969)، والبيهقي في الدلائل (1/ 77)، والطبري في التاريخ (1/ 453). والسائل عندهم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقال الترمذي: “حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق” ا. هـ.
(1) “واحدة” ساقطة من “أ”.
(2) هذه الأربعة من منازل القمر. القاموس المحيط (368). وانظر: شرح العمدة لابن تيمية (553) “قسم الصلاة”، مفتاح دار السعادة (3/ 189)، صبح الأعشى (2/ 180).

(1/110)


لبقية. قال: هي لك (1).
وأصل هذا الباب: قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53] فالشيطان ينزغ بينهم (2) إذا كلم بعضهم بعضًا بغير التي هي أحسن، فرب حرب كان وقودها جُثث وهام (3)، أهاجها قبيح الكلام.
وفي “الصحيحين” (4) من حديث سهل بن حنيف، قال: قال رسول الله: “لا يقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ (5) نَفْسِي” وخبثت ولقست وغثت متقاربة المعنى. فكره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لفظ “الخبث” لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ أحسن منه، وإن كان بمعناه، تعليمًا للأدب في المنطق، وإرشادًا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح في الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال (6).
__________
(1) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 236)، ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم (7/ 160). وانظر: الأذكياء (56)، وسير أعلام النبلاء (7/ 97)، تاريخ الإسلام (9/ 623).
(2) “فالشيطان ينزغ بينهم” ساقط من “جـ” و”هـ”.
(3) جمع هامة وهي الرأس. مختار الصحاح (704).
(4) البخاري رقم (6180) (10/ 579)، ومسلم (2251) (15/ 11) من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه. ورواه البخاري (6179)، ومسلم (2250) من حديث عائشة – رضي الله عنها -.
(5) لقست: أي غثت. واللَّقس: الغثيان. النهاية في غريب الحديث (4/ 263). وقيل معناه: ساء خلقها. فتح الباري (10/ 579).
(6) انظر: أعلام الحديث للخطابي (3/ 2209)، شرح السنة (13/ 359)، شرح مسلم للنووي (15/ 11)، تحفة المودود (37)، إعلام الموقعين (3/ =

(1/111)


فصل
ومن عجيب الفراسة ما ذُكر عن أحمد بن طولون: أنه بينما هو في مجلس له يتنزه (1) فيه، إذ رأى سائلًا في ثوب خلق، فوضع دجاجة على رغيف وحلوى وأمر بعض الغلمان فدفعه إليه، فلما وقع في يده لم يهش له ولم يعبأ به، فقال للغلام: جئني به، فلما وقف قدامه استنطقه، فأحسن الجواب، ولم يضطرب من هيبته، فقال: هات الكتب (2) التي معك، واصدقني من بعثك، فقد صح عندي أنك صاحب خبر. وأحضر السياط، فاعترف، فقال بعض جلسائه: هذا والله السحر، قال: ما هو بسحر، ولكن فراسة صادقة، رأيت سوء حاله، فوجهت إليه بطعام يشره إلى أكله الشبعان، فما هش له، ولا مد يده إليه، فأحضرته فتلقاني بقوة جأش، فلما رأيت رثاثة (3) حاله، وقوة جأشه، علمت أنه صاحب خبر، فكان كذلك (4).
ورأى يومًا حمالًا يحمل صنًّا (5) وهو يضطرب تحته، فقال: لو
__________
= 167)، زاد المعاد (2/ 356 و 468)، شرح الأبي لمسلم (7/ 367)، فتح الباري (10/ 581)، عمدة القاري (18/ 252)، مرقاة المفاتيح (8/ 523)، مكمل إكمال الإكمال (7/ 468).
(1) “يتنزه” ساقطة من “أ”.
(2) في “هـ”: “الكتاب”.
(3) في “جـ”: “وثاقه”.
(4) انظر: تاريخ الإسلام (20/ 48)، سير أعلام النبلاء (13/ 95)، النجوم الزاهرة (3/ 13)، الأذكياء (56).
(5) الصَّن: زنبيل كبير يجعل فيه الطعام والخبز. انظر: لسان العرب (13/ =

(1/112)


كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لغاصت عنق الحمال، وأنا أرى عنقه بارزة، وما أرى (1) هذا الأمر (2) إلا من خوف، فأمر بحط الصن، فإذا فيه جارية قد قتلت (3) وقطعت، فقال: اصدقني عن حالها، فقال: أربعة نفر في الدار الفلانية أعطوني هذه الدنانير، وأمروني بحمل هذه المقتولة، فضربه وقتل الأربعة (4).
وكان يتنكر ويطوف ويستمع (5) قراءة الأئمة، فدعا ثقته، وقال: خذ هذه الدنانير، وأعطها إمام مسجد كذا، فإنه فقير مشغول القلب. ففعل، وجلس معه وباسطه، فوجد زوجته قد ضربها الطلق (6)، وليس معه ما يحتاج إليه. فقال: صدق، عرفت شغل قلبه في كثرة غلطه في القراءة (7).
ومن ذلك: أن اللصوص أخذوا في زمن المكتفي بالله مالًا عظيمًا، فألزم المكتفي صاحب الشرطة بإخراج اللصوص، أو غرامة المال، فكان يركب وحده، ويطوف ليلًا ونهارًا، إلى أن اجتاز يومًا في زقاق (8) خال في بعض أطراف البلد، فدخله فوجده منكرًا، ووجده لا ينفذ،
__________
= 249)، النهاية (3/ 57).
(1) “أرى” ساقطة من “أ”.
(2) “الأمر” ساقطة من “أ”.
(3) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “مقتولة”.
(4) الأذكياء (57).
(5) في باقي النسخ عدا “أ”: “ويسمع”.
(6) الطَّلْق: المخاض وهو وجع الولادة. المصباح المنير (377).
(7) الأذكياء (57).
(8) الزُّقاق: السكة. مختار الصحاح (273)، لسان العرب (10/ 143).

(1/113)


فرأى على بعض أبوابه شوكَ سمكٍ كثير، وعظامَ الصلب. فقال لشخص: كم يكون تقدير (1) ثمن هذا السمك الذي هذه عظامه؟ قال: دينار، قال: أهل الزقاق لا تحتمل أحوالهم مشترى (2) مثل هذا؛ لأنه زقاق بين الاختلال إلى جانب الصحراء، لا ينزله من معه شيء يخاف عليه، أو له مال ينفق منه (3) هذه النفقة، وما هي إلا بلية ينبغي أن يكشف عنها (4)، فاستبعد الرجلُ هذا، وقال: هذا فكر بعيد، فقال: اطلبوا لي (5) امرأة من الدرب أكلمها. فدق بابًا غير الذي عليه الشوك واستسقى ماءً، فخرجت عجوز ضعيفة. فما زال يطلب شربة بعد شربة، وهي تسقيه، وهو في خلال ذلك يسأل عن الدرب وأهله، وهي تخبره غير عارفة بعواقب ذلك، إلى أن قال لها: وهذه الدار من يسكنها؟ – وأومأ إلى التى عليها عظام السمك – فقالت: فيها خمسة شباب (6) أعفار (7)، كأنهم تجار، وقد نزلوا منذ شهر لا نراهم نهارًا إلا في كل مدة طويلة، ونرى الواحد منهم يخرج في الحاجة ويعود سريعًا، وهم في طول النهار يجتمعون فيأكلون ويشربون، ويلعبون بالشطرنج
__________
(1) وفي “ب”: “يقوم التقدير”.
(2) في “أ”: “شري”.
(3) “منه” ساقطة من “أ”.
(4) وفي “هـ”: “عن حالها”.
(5) “لي” ساقطة من “أ”.
(6) وفي “جـ” “شبان”.
(7) العِفْر: الرجل الخبيث الداهي. مختار الصحاح (442)، لسان العرب (4/ 586).

(1/114)


والنرد، ولهم صبي يخدمهم، فإذا كان الليل انصرفوا (1) إلى دار لهم بالكَرْخ (2)، ويَدَعون الصبي في الدار يحفظها، فإذا كان سحرًا جاءوا ونحن نيام لا نشعر (3) بهم. فقال للرجل: هذه صفة لصوص أم لا؟ قال: بلى، فأنفذ في الحال، فاستدعى عشرة من الشرط، وأدخلهم إلى أسطحة الجيران، ودق هو الباب، فجاء الصبي ففتح. فدخل الشرط معه (4)، فما فاتهم من القوم أحد فكانوا هم أصحاب الجناية (5) بعينهم (6).
ومن ذلك: أن بعض الولاة سمع في بعض ليالي الشتاء صوتًا بدار يطلب ماءً باردًا (7)، فأمر بكبس الدار، فأخرجوا رجلًا وامرأة، فقيل له: من أين علمت؟ قال: الماء لا يبرد في الشتاء، إنما ذلك علامة بين هذين (8).
وأحضر بعض الولاة (9) شخصين (10) متهمين بسرقة، فأمر أن
__________
(1) وفي “جـ”: “صدروا”.
(2) الكرخ: محلة في وسط بغداد. معجم البلدان (4/ 508).
(3) وفي “أ” و”ب” و”هـ”: “لا نعقل”.
(4) قوله “فجاء الصبي ففتح فدخل الشرط معه” ساقط من “ب”.
(5) في “أ” و”ب” و”هـ”: “الخيانة”.
(6) الأذكياء (58).
(7) قوله “يطلب ماءً باردًا” ساقط من “أ” و”ب” و”هـ”.
(8) الأذكياء (60).
(9) وهو ابن النسوي. الأذكياء (60).
(10) في “أ”: “خصمين”.

(1/115)


يؤتى بكوز من ماء، فأخذه بيده (1) فألقاه عمدًا فانكسر، فارتاع أحدهما، وثبت الآخر فلم يتغير. فقال للذي انزعج: اذهب، وقال للآخر: أحضر العملة. فقيل له: ومن أين عرفت ذلك؟ فقال: اللص قوي القلب لا ينزعج، والبريء يرى أنه لو تحركت (2) في البيت فأرة لأزعجته، ومنعته من السرقة (3).

فصل
ومن الحكم بالفراسة والأمارات: ما رواه محمد بن عبيد الله (4) بن أبي رافع عن أبيه، قال: خاصم غلام من الأنصار أمه إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فجحدته، فسأله البينة، فلم تكن عنده، وجاءت المرأة بنفر، فشهدوا أنها لم تُزوج وأن الغلام كاذب عليها (5)، وقد قذفها. فأمر عمر – رضي الله عنه – بضربه، فلقيه علي – رضي الله عنه -، فسأل عن أمرهم، فأُخْبِر، فدعاهم، ثم قعد في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم -، وسأل المرأة فجحدت، فقال للغلام: اجحدها كما جحدتك، فقال: يا ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، إنها أمي، قال: اجحدها، وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك، قال: قد جحدتها، وأنكرتها.
__________
(1) “بيده” ساقطة من “أ” و”هـ”.
(2) في “جـ”: “نزلت”.
(3) رواه ابن الجوزي بسنده في الأذكياء (60).
(4) في “ب” و”هـ”: “عبد الله”.
(5) “عليها” ساقط من “ب”.

(1/116)


فقال علي لأولياء المرأة: أمري في هذه المرأة جائز؟ قالوا نعم، وفينا أيضًا، فقال علي: أُشْهِد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم، فأتاه بها، فعد أربعمائة وثمانين درهمًا، فدفعها (1) مهرًا لها. وقال للغلام: خذ بيد امرأتك، ولا تأتنا إلا وعليك أثر العرس، فلما ولى، قالت المرأة: يا أبا الحسن، الله الله هو النار، هو (2) والله ابني. قال: كيف ذلك؟ قالت: إن أباه كان زنجيًّا (3)، وإن إخوتي زوجوني منه، فحملت بهذا الغلام. وخرج الرجل غازيًا فقتل، وبعثت بهذا إلى حي بني فلان. فنشأ فيهم، وأنفت أن يكون ابني، فقال علي: أنا أبو الحسن، وألحقه بها (4)، وثبت نسبه (5).
ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب سأل رجلًا: كيف أنت؟ فقال: ممن يحب الفتنة، ويكره الحق، ويشهد على ما لم يره، فأمر به إلى
__________
(1) وفي “ب” و”جـ”: “فقذفها”.
(2) “هو” ساقط من “أ”.
(3) وفي “أ”: “هجينًا”، وفي “هـ”: “مولى”، وهذه الكلمة ساقطة من “ب”.
(4) “بها” ساقطة من “جـ”.
(5) ذكره ابن شهر في المناقب (2/ 367)، وفي سنده محمد بن عبيد الله بن أبي رافع قال عنه ابن معين: “ليس بشيء”. وقال البخاري: “منكر الحديث”. وقال ابن حبان: “منكر الحديث جدًّا يروي عن أبيه ما ليس يشبه حديث أبيه فلما غلب المناكير على روايته استحق الترك”. انظر: تاريخ ابن معين (2/ 529)، والتاريخ (1/ 171)، المجروحين (2/ 249)، تهذيب الكمال (26/ 36).

(1/117)


السجن. فأمر علي برده (1)، وقال: صدق، قال: كيف صدّقته؟ قال: يحب المال والولد، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] ويكره الموت، وهو حق (2)، ويشهد أن محمدًا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولم يره، فأمر عمر – رضي الله عنه – بإطلاقه، قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته (3).
وقال أصبغ بن نباتة: جاء رجل إلى مجلس علي – والناس حوله – فجلس بين يديه، ثم التفت إلى الناس، فقال: يا معشر الناس، إن للداخل حيرة، وللسائل (4) روعة، وهما دليل السهو والغفلة. فاحتملوا زلّتي (5) إن كانت من سهو نزل بي، ولا تحسبوني من شر الدواب عند الله الذين لا يعقلون. فتبسم علي – رضي الله عنه – وأعجب به، فقال: يا أمير المؤمنين، إني وجدت ألفًا وخمسمائة درهم في خربة بالسواد، فما عليَّ؟ وما لي؟ فقال له علي – رضي الله عنه -: إن كنت أصبتها في خربة تؤدي خراجَها قريةٌ أخرى عامرة بقربها فهي لأهل تلك القرية، وإن كنت وجدتها في خربة ليست تؤدي خراجَها قريةٌ أخرى عامرة فلك فيها أربعة أخماس، ولنا خمس (6).
__________
(1) قوله “فأمر به إلى السجن فأمر علي برده” ساقط من “ب”.
(2) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “الحق”.
(3) رواه البلاذري في أنساب الأشراف “قسم الشيخين” (398) مختصرًا من قول ابن عمر رضي الله عنهما.
(4) في “أ”: “وإن للسائل”.
(5) في “أ”: “زلة”، وفي “ب” و”جـ”: “زلته”.
(6) “ولنا خمس” ساقط من “ب”.

(1/118)


قال الرجل: أصبتها في خربة ليس حولها أنيس، ولا عندها عمران، فخذ الخمس، قال: قد جعلته لك (1).
وأتى عمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه – رجلٌ (2) أسود، ومعه امرأة سوداء، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أغرس غرسًا أسود، وهذه سوداء على ما ترى، فقد (3) أتتني بولد أحمر، فقالت المرأة: والله يا أمير المؤمنين ما خنته، وإنه لولده. فبقي عمر لا يدري ما يقول، فسئل عن ذلك علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -، فقال للأسود: إن سألتك عن شيء أتصدقني؟ قال: أجل والله، قال: هل واقعت امرأتك وهي حائض؟ قال: قد كان ذلك، قال علي: الله أكبر، إن النطفة إذا اختلطت بالدم فخلق الله – عز وجل – منها خلقًا كان أحمر، فلا تنكر
__________
(1) في إسناده كما ذكر المؤلف: الأصبغ بن نباتة. والجمهور على عدم الاحتجاج به، قال عنه ابن معين: “ليس بثقة”. التاريخ (2/ 42)، وقال ابن حبان: “هو ممن فتن بحب علي فأتى بالطامات في الروايات فاستحق من أجلها الترك”. المجروحين (1/ 174)، وقال ابن عدي: “عامة ما يرويه عن علي لا يتابعه أحد عليه وهو بين الضعف وله عن علي أخبار وروايات وإذا حدث عن الأصبغ ثقة فهو عندي لا بأس بروايته وإنما أتى الإنكار من جهة من روى عنه لأن الراوي عنه لعله يكون ضعيفًا” ا. هـ. الكامل (2/ 102)، وقال الذهبي: “واه غال في تشيعه” ا. هـ. المغني في الضعفاء (1/ 93)، وقال: “أصبغ بن نباتة عن عمر وعلي وعنه الأجلح وقطر بن خليفة تركوه” ا. هـ. الكاشف (1/ 136)، ووثقه العجلي. معرفة الثقات (1/ 233).
(2) في “جـ”: “برجل”.
(3) وفي “ب” و”هـ”: “وقد”.

(1/119)


ولدك، فأنت جنيت على نفسك (1).
وقال جعفر بن محمد (2): أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار كانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة فألقت (3) صفرتها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي، وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني. فهمّ بعقوبة الشاب فجعل يستغيث، ويقول: يا أمير المؤمنين، تثبت في أمري، فوالله ما أتيت فاحشة ولا هممت (4) بها، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصُبَّ على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت (5).
قلت: ويشبه هذا ما ذكره الخرقي وغيره (6) عن
__________
(1) لم أجده.
(2) جعفر بن محمد بن علي.
(3) في “أ”: “وألقت”.
(4) في “جـ”: “وما هممت”.
(5) لم أجده.
(6) مختصر الخرقي (105)، المغني (10/ 92)، المقنع لابن البناء (3/ 929)، الكافي (4/ 301)، شرح الزركشي (5/ 270)، الشرح الكبير (20/ 497)، الإنصاف (20/ 497)، المحرر (2/ 25)، الهداية (1/ 256)، المبدع (7/ 105)، الفروع (5/ 229).

(1/120)


أحمد (1): أن المرأة إذا ادعت أن زوجها عنين (2)، وأنكر ذلك، وهي ثيب، فإنه يخلى معها في بيت، ويقال له: أخرج ماءك على شيء، فإن (3) ادعت أنه ليس بمني جعل على النار، فإن ذاب فهو مني، وبطل قولها. وهذا مذهب عطاء بن أبي رباح (4).
وهذا حكم بالأمارات الظاهرة، فإن المني إذا جعل على النار ذاب واضمحل، وإن كان بياض بيض تجمع ويبس، فإن قال: أنا أعجز عن إخراج مائي صح قولها.
ويشبه هذا: ما ذكره بعض (5) القضاة (6): أن زوجين ترافعا إليه، وادعى كل منهما: أن الآخر عِذْيَوط (7) يغوط عند الجماع (8)،
__________
(1) نص عليه الإمام أحمد في رواية أبي داود (246).
(2) العنّين: هو الذي لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن أو يصل إلى الثيب دون البكر. التوقيف (529)، أنيس الفقهاء (165)، التعريفات (204). وانظر: طلبة الطلبة (88)، حدود ابن عرفة (1/ 253)، المطلع (319)، الكليات (872).
(3) في “أ”: “فإذا”.
(4) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (246)، المغني (10/ 92)، الشرح الكبير (20/ 497).
(5) في “أ” و”هـ”: “ما ذكر عن بعض”.
(6) وهو أحمد بن نصر من أصحاب سحنون. انظر: مواهب الجليل (3/ 484)، تبصرة الحكام (2/ 196).
(7) “عذيوط” ساقطة من “جـ” و”هـ”.
(8) هذا معناه لغة واصطلاحًا وهو بكسر العين وفتح الياء. انظر: المصباح المنير (399)، لسان العرب (7/ 349)، مواهب الجليل (3/ 484)، تبصرة =

(1/121)


وتناكرا، فأمر أن يطعم أحدهما تينًا (1)، والآخر قثَّاءً (2)، فعلم صاحب العيب بذلك (3).
وقال أصبغ (4) بن نباتة: إن شابًّا شكا إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – نفرًا، فقال: إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر، فعادوا ولم يَعُدْ أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئًا، وكان معه مال كثير، وترافعنا (5) إلى شريح، فاستحلفهم وخلى سبيلهم، فدعا علي بالشُّرط، فوكل بكل رجل (6) منهم رجلين، وأوصاهم ألا يمكنوا بعضهم أن يدنو من بعض، ولا يدعوا (7) أحدًا يكلمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم. فقال: أخبرني عن أبي هذا الفتى: أي يوم خرج معكم؟ وفي أي منزل نزلتم؟ وكيف كان سيركم؟ وبأي علة مات؟ وكيف أصيب بماله؟ وسأله عمن (8) غسله ودفنه؟ ومن تولى الصلاة عليه؟ وأين دفن؟ ونحو ذلك، والكاتب يكتب، ثم كبَّر (9)
__________
= الحكام (2/ 196)، البهجة في شرح التحفة (1/ 312).
(1) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “لفتًا”.
(2) القثاء: الخيار. المصباح المنير (490)، مختار الصحاح (521).
(3) تبصرة الحكام (2/ 196)، مواهب الجليل (3/ 484).
(4) في “أ”: “الأصبغ”.
(5) في ” أ” و”ب” و”هـ”: “فارتفعنا”.
(6) في “ب” و”هـ”: “بكل واحد”.
(7) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “ولا يمكنوا”.
(8) في “ب”: “عن”.
(9) في “أ” و”ب” و”هـ”: “فكبر”.

(1/122)


علي فكبر (1) الحاضرون معه، والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنوا أن صاحبهم قد أقرَّ عليهم. ثم دعا آخر بعد أن غيَّب الأول عن مجلسه، فسأله كما سأل صاحبه، ثم الآخر كذلك، حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد منهم يخبر بضد ما أخبر به صاحبه، ثم أمر برد الأول، فقال: يا عدو الله، قد عرفتُ غدرك (2) وكذبك بما سمعتُ من أصحابك، وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق، ثم أمر به إلى السجن، وكبَّر، وكبر معه الحاضرون، فلما أبصر القوم الحال لم يشكُّوا أن صاحبهم أقرَّ عليهم، فدعا آخر منهم، فهدده، فقال: يا أمير المؤمنين والله لقد كنت كارهًا لما صنعوا، ثم دعا الجميع فأقروا بالقصة، واستدعى الذي في السجن، وقيل له: قد أقرَّ أصحابك ولا ينجيك سوى الصدق، فأقرَّ بمثل (3) ما أقر به القوم، فأغرمهم المال، وأقاد منهم بالقتيل (4).
ورُفِع إلى بعض القضاة رجل ضرب رجلًا على هامته، فادعى المضروب: أنه أزال بصره وشمه، فقال: يُمتحن، بأن يرفع عينيه إلى قرص الشمس، فإن كان صحيحًا (5) لم تثبت عيناه لها، وينحدر منها الدمع، وتحرق خرقة وتقدم إلى أنفه، فإن كان صحيح الشم: بلغت
__________
(1) “فكبر” ساقطة من “ب”.
(2) “غدرك” ساقطة من “ب”. وفي “جـ” “عنادك”.
(3) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “بكل”.
(4) رواه مختصرًا عبد الرزاق (10/ 42)، والبيهقي (10/ 179). وانظر: فيض القدير (1/ 588)، المحلى (11/ 142)، معين الحكام (173).
(5) في “ب”: “فإن فتحها”.

(1/123)


الرائحة خيشومه ودمعت عيناه (1).
ورأيت في “أقضية علي – رضي الله عنه -” (2) نظير هذه القضية، وأن المضروب ادعى (3) أنه أخرس، فأمر أن يخرج لسانه، وينخس بإبرة، فإن خرج الدم أحمر فهو صحيح اللسان، وإن خرج أسود فهو أخرس (4).
وقال أصبغ (5) بن نباتة: قيل لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في فداء أسرى المسلمين من أيدي المشركين، فقال: فنادوا منهم من كانت جراحاته بين يديه، دون من كانت من ورائه؛ فإنه فارّ (6).
قال: وأوصى رجل إلى آخر: أن يتصدق عنه من هذه الألف دينار بما أحب، فتصدق بعشرها، وأمسك الباقي، فخاصموه إلى علي – رضي الله عنه – وقالوا: يأخذ النصف ويعطينا النصف. فقال: أنصفوك، قال: إنه قال لي: أخرج منها ما أحببت، قال: فأخرج عن الرجل تسعمائة، والباقي لك، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأن الرجل أمرك أن (7) تخرج ما أحببت، وقد أحببت التسعمائة، فأخرجها.
__________
(1) شرح النيل وشفاء العليل (13/ 30).
(2) لم أجد الكتاب مطبوعًا ولا مخطوطًا. وهو للأصبغ بن نباتة.
(3) “ادعى” ساقط من “أ”.
(4) انظر: تبصرة الحكام (2/ 145)، معين الحكام (173).
(5) في “أ”: “الأصبغ”.
(6) تبصرة الحكام (2/ 145).
(7) “أن” ساقطة من “أ”.

(1/124)


وقضى في رجلين حُرّين يبيع أحدهما صاحبه على أنه عبد، ثم يهربان من بلد إلى بلد بقطع أيديهما (1)؛ لأنهما سارقان لأنفسهما، ولأموال الناس.
قلت: وهذا من أحسن القضاء، وهو الحق (2)، وهما أولى بالقطع من السارق المعروف، فإن السارق إنما قطع – دون المنتَهِب (3) والمغتصب (4) -؛ لأنه لا يمكن التحرز منه. ولهذا قُطع النَّباش (5)، ولهذا جاءت السنة بقطع جاحد العارية (6).
وقضى علي – رضي الله عنه – أيضًا في امرأة تزوجت، فلما كان ليلة زفافها أدخلت صديقها الحجلة (7) سرًّا، وجاء الزوج فدخل
__________
(1) روى نحوه عبد الرزاق (10/ 194 و 195)، ورواه من طريقه ابن حزم في المحلى (11/ 336). وانظر: فتح الباري (4/ 488)، عمدة القاري (10/ 28). وإسناده منقطع ابن جريج وقتادة لم يدركا عليًّا رضي الله عنه.
(2) وهو مذهب الظاهرية. المحلى (11/ 337)، والجمهور على خلافه. انظر: فتح الباري (4/ 488)، عمدة القاري (10/ 28)، الإشراف لابن المنذر (2/ 294).
(3) المنتهب: اسم فاعل من انتهب الشيء إذا سلبه ولم يختلسه. المطلع (375).
(4) المغتصب: من استولى على حق غيره عدوانًا. التعريفات (538)، المطلع (274).
(5) نبش الميت استخرجه، والنباش من يعتاد ذلك. طلبة الطلبة (141)، مختار الصحاح (643)، المصباح المنير (590).
(6) العاريَّة اصطلاحًا: تمليك المنافع بغير عوض. تبيين الحقائق (5/ 83)، الهداية (5/ 245). والحديث رواه مسلم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7) الحجلة: بيت يزين بالحلل والأثواب للعروس. مختار الصحاح (124)، =

(1/125)


الحجلة، فوثب إليه الصديق (1) فاقتتلا، فقتل الزوج الصديق، فقامت إليه المرأة فقتلته، فقضى بدية الصديق على المرأة، ثم قتلها بالزوج، وإنما قضى بدية الصديق عليها؛ لأنها هي التي عرضته لقتل الزوج له، فكانت هي المتسببة إلى قتله، وكانت أولى بالضمان (2) من الزوج المباشر قتله؛ لأن المباشر قتله (3) قتلًا مأذونًا فيه، دفعًا عن حرمته. فهذا من أحسن القضاء الذي لا يهتدي إليه كثير من الفقهاء، وهو الصواب.
وقضى في رجل فرَّ من رجل يريد قتله، فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله، وبقُرْبه رجل ينظر إليهما، وهو يقدر على تخليصه، فوقف ينظر إليه حتى قتله. قضى أن يُقتل القاتل، ويُحبس الممسك حتى يموت، وتُفقأ عين الناظر الذي وقف ينظر ولم ينكر (4).
فذهب الإمام أحمد وغيره من أهل العلم (5) إلى القول بذلك،
__________
= القاموس (1270).
(1) قوله “فوثب إليه الصديق” ساقطة من “ب”.
(2) في “ب”: “بالنكال”.
(3) “قتله” ساقطة من “ب”.
(4) رواه عبد الرزاق (9/ 427)، والشافعي في الأم (7/ 541)، وابن أبي شيبة (5/ 438)، والدارقطني (3/ 140)، والبيهقي (8/ 91)، وفي المعرفة (12/ 59)، دون قوله “وتفقأ عين الناظر”.
(5) انظر: قواعد ابن رجب (2/ 606)، زاد المعاد (5/ 7)، تنقيح التحقيق (3/ 266)، كشاف القناع (5/ 519)، الممتع في شرح المقنع (5/ 412)، =

(1/126)


إلا في فقْء عين الناظر، ولعل عليًّا – رضي الله عنه – رأى تعزيره بذلك، مصلحة للأمة، وله مساغ في الشرع في مسألة فقء عين الناظر إلى بيت الرجل من خص (1) أو طاقة، كما جاءت بذلك (2) السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها ولا دافع؛ لكونه جنى على صاحب المنزل، ونظر نظرًا محرمًا لا يحل له أن يقدم عليه، فجوَّز له النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يحذفه فيفقأ عينه، وهذا مذهب الشافعي (3)، وأحمد (4).
وفي “الصحيح”، من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “مَن اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَومٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَفَقَأُوا عَيْنَهُ، فَلاَ دِيَةَ (5)، وَلَا
__________
= الشرح الكبير (25/ 63)، الإنصاف (25/ 63)، المغني (11/ 596)، الهداية (2/ 77)، المحرر (2/ 123)، شرح الزركشي (6/ 113)، المبدع (8/ 259)، المنح الشافيات (2/ 600)، الفتح الرباني (209).
(1) الخُص: البيت من القصب. القاموس (796)، المصباح المنير (171)، مختار الصحاح (177). والمراد هنا: الثقب والشق في الباب. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 313)، كشاف القناع (6/ 157).
(2) في “جـ”: “بها”.
(3) مختصر المزني (9/ 283) “مع الأم”، الحاوي (13/ 460)، التهذيب (6/ 380)، روضة الطالبين (7/ 395)، فيض القدير (6/ 92)، تحفة المحتاج (9/ 190)، نهاية المحتاج (8/ 29)، مغني المحتاج (4/ 197).
(4) المحرر (2/ 162)، إعلام الموقعين (2/ 379)، تهذيب السنن (6/ 380)، زاد المعاد (5/ 23)، شرح منتهى الإرادات (3/ 386)، مطالب أولي النهى (6/ 261)، تنقيح التحقيق (3/ 334)، كشاف القناع (6/ 157)، المغني (12/ 539). وهو مذهب الظاهرية. المحلى (10/ 513). ونصره الشوكاني. نيل الأوطار (7/ 35).
(5) الدية شرعًا: المال الواجب بالجناية على الجاني في نفس أو طرف أو =

(1/127)


قَصَاصَ” (1).
وفي “الصحيحين” من حديث الزهري (2)، عن سهل قال: اطلع رجل (3) في حجرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومعه مِدْرى (4) يحك بها رأسه،
__________
= غيرهما. التوقيف (345)، كشاف القناع (6/ 5)، شرح المنتهى (3/ 290)، مطالب أولي النهى (6/ 75).
(1) القصاص: القود. مختار الصحاح (538). واصطلاحًا: أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل. المغرب (2/ 189)، حلية الفقهاء (195)، أنيس الفقهاء (292)، النهاية (4/ 74).
والحديث رواه أحمد (2/ 385)، وإسحاق بن راهويه (1/ 165) رقم (112)، والنسائي (8/ 61) رقم (4860)، وفي الكبرى (4/ 247) رقم (7065)، وابن الجارود (3/ 98) رقم (790)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 395)، والبيهقي (8/ 588)، والدارقطني (3/ 199)، وابن أبي عاصم في الديات (59) رقم (218)، وابن حبان (13/ 351) رقم (6004)، والطبراني في الأوسط (9/ 103) رقم (8217) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه البيهقي في المعرفة (13/ 90) وقال: “وهذا إسناد صحيح”، وصحح إسناده ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 380). أما ما ذكره ابن القيم – رحمه الله – أن الحديث في الصحيح فلعله سبق قلم إذ الحديث ليس في أحد الصحيحين، وقد ذكره ابن القيم في عدد من كتبه ولم ينسبه للصحيح. انظر: إعلام الموقعين (2/ 380)، وتهذيب السنن (6/ 380).
(2) في “جـ”: “الزهراء”.
(3) قيل: إنه الحكم بن أبي العاص. الغوامض والمبهمات (2/ 595). وقيل: اسمه سعد. فتح الباري (12/ 254).
(4) المدرى بكسر الميم وسكون المهملة: عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض. وقيل: مشط له أسنان يسيرة. فتح الباري (10/ =

(1/128)


فقال: “لَوْ أَعْلَمُ أنَّكَ تَنْظُر لَطَعَنْتُ به في عَيْنِكَ، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر” (1).
وفي “صحيح مسلم (2) ” عنه: أن رجلًا اطلع على النبي – صلى الله عليه وسلم – من ستر الحجرة، وفي يد النبي – صلى الله عليه وسلم – مِدْرى، فقال: “لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هذا يُنْظِرني حتَّى آتِيَهُ لَطَعَنْتُ بالمِدْرى في (3) عيْنِهِ، وهلْ جُعِلَ الاستِئذانُ إِلا من أجلِ البَصَرِ (4)؟ ” أي لو أعلم أنه يقف لي حتى آتيه.
وفي “الصحيحين” (5) عن أنس – رضي الله عنه -: “أن رجلًا اطلع في بعض حُجر النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقام إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بمشْقص (6)، فذهب نحو الرجل، يخْتِلُه (7) ليطعنه به، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخْتِلُهُ
__________
= 380)، عمدة القاري (18/ 91)، شرح صحيح مسلم للنووي (14/ 384).
(1) رواه البخاري رقم (6901) (12/ 253) وفي مواضع أخرى منها (6241) (11/ 26) و (5924)، ومسلم (2156) (14/ 384).
(2) في كتاب الآداب باب تحريم النظر في بيت غيره (2156) (14/ 384).
(3) من قوله “مدرى، فقال: لو” إلى قوله “بالمدرى في” ساقط من “ب”.
(4) في “جـ” و”هـ”: “النظر”.
(5) البخاري رقم (6242) (11/ 26) ورقم (6900)، ومسلم رقم (2157) (14/ 385).
(6) المشقص: بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه: نصل السهم إذا كان طويلًا غير عريض. النهاية في غريب الحديث (2/ 490)، غريب الحديث للحربي (1/ 96)، فتح الباري (11/ 27).
(7) يختله: يطلبه من حيث لا يشعر. النهاية (2/ 10)، المجموع المغيث (1/ 549). في “جـ”: “يختلفه”.

(1/129)


ليَطْعَنَهُ”.
وفي “سنن البيهقي” وغيره عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – (1): “أن أعرابيًّا أتى باب النبي – صلى الله عليه وسلم -، فألقم عينه خُصاص (2) الباب، فبصُر به النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عودًا محددًا (3)، فوجأ (4) عين الأعرابي فانقمع (5)، فقال: لو ثبتَّ لفقأت عينك” (6).
وفي “الصحيحين” (7) من حديث الأعرج، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن، فحَذَفْتَهُ بِحَصاة، فَفَقَأتَ عيْنَهُ: ما كان عَلَيْكَ من جُناح”.
وفي “صحيح مسلم” (8)، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي
__________
(1) قوله “بن مالك رضي الله عنه” من “جـ”.
(2) الخصاص جمع خُص وهو الثقب والشق من الباب. غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 313)، كشاف القناع (6/ 157).
(3) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “محتدًّا”.
(4) وجأته بالسكين وجْأ إذا غرزتها فيه. المجموع المغيث (3/ 383). ووجأه ضربه. القاموس (70).
(5) انقمع: أي رد بصره ورجع. النهاية (4/ 109).
(6) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/ 374) رقم (1091)، والنسائي (8/ 60) رقم (4858)، ورواه في الكبرى (4/ 247) رقم (7063)، والبيهقي (8/ 587) رقم (17654)، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 227) رقم (731)، والضياء في المختارة (4/ 365) رقم (1530). وصححه الألباني – رحمه الله تعالى – في صحيح الأدب المفرد (411).
(7) البخاري رقم (6902) (12/ 253)، ومسلم رقم (2158) (14/ 386).
(8) مسلم كتاب الآداب: باب تحريم النظر في بيت غيره (14/ 386) رقم =

(1/130)


– صلى الله عليه وسلم -: “مَن اطَّلعَ في بيت قوْمٍ بغَير إِذْنِهمْ، فقد حلَّ لهم أن يَفْقَأُوا عَيْنَهُ”.
وفي “سنن البيهقي” عن ابن عمر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “لو أنَّ رجلًا اطَّلَعَ في بيت رَجُلٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ما كان عليه فيه شَيْءٌ” (1).
فالحق: الأخذ بموجب هذه السنن الصحيحة الصريحة (2)، والناظر إلى القاتل يقتل المسلم، وهو يستطيع (3) أن يخلصه وينهاه أعظم إثمًا عند الله تعالى، وأحق بفقء العين، والله أعلم.
وقضى أمير المؤمنين علي – رضي الله عنه – في رجل قطع فرج امرأته: أن تؤخذ منه دية الفرج ويجبر على إمساكها، حتى تموت، وإن طلقها أنفق عليها (4).
فلله ما أحسن هذا القضاء، وأقربه من الصواب.
__________
= (2158).
(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 588) رقم (17659)، وفي “معرفة السنن والآثار” (13/ 90).
(2) انظر: مختصر المزني (9/ 283)، الحاوي (13/ 460)، التهذيب (6/ 380)، روضة الطالبين (7/ 395)، فيض القدير (6/ 92)، تحفة المحتاج (9/ 190)، نهاية المحتاج (8/ 29)، مغني المحتاج (4/ 197)، المحرر (2/ 162)، المغني (12/ 539)، تنقيح التحقيق (3/ 334)، إعلام الموقعين (2/ 379)، تهذيب السنن (6/ 380)، زاد المعاد (5/ 23)، شرح منتهى الإرادات (3/ 386)، كشاف القناع (6/ 157)، مطالب أولي النهى (6/ 261)، المحلى (10/ 513)، نيل الأوطار (7/ 35).
(3) في “أ”: “مستطيع”.
(4) لم أجده.

(1/131)


فأما الفرج: ففيه الدية كاملة اتفاقًا (1)، وأما إنفاقه عليها إن طلقها؛ فلأنه أفسدها على الأزواج الذين يقومون بنفقتها ومصالحها فسادًا لا يعود، وأما إجباره على إمساكها: فمعاقبة له بنقيض قصده، فإنه قصد التخلص منها بأمر محرم، وقد كان يمكنه التخلص منها بالطلاق، والخلع (2)، فعدل عن ذلك إلى هذه المثلة (3) القبيحة، فكان جزاؤه أن يلزم بإمساكها إلى الموت.
وقضى في مولود وُلد وله رأسان وصدران في حقو (4) واحد، فقالوا له: أيُوَرَّث ميراث اثنين، أم ميراث واحد؟ فقال: يترك حتى ينام، ثم يصاح به، فإن انتبها جميعًا، كان له ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقي الآخر كان له ميراث اثنين (5).
__________
(1) انظر: الأم (6/ 98)، المحلى (10/ 458)، مجمع الضمانات (168)، منح الجليل (9/ 115)، روضة الطالبين (7/ 147)، المحرر (2/ 138)، المنتقى شرح الموطأ (7/ 84)، المغني (12/ 158)، المبدع (8/ 370)، شرح الزركشي (6/ 169)، تحفة المحتاج (8/ 472)، مغني المحتاج (4/ 67)، الخرشي على خليل (8/ 37)، بلغة السالك (4/ 388)، حاشية الدسوقي (6/ 235).
(2) الخُلع: أن يفارق الزوج امرأته على عوض تبذله له. المطلع (231). وانظر: التعريفات (135)، التوقيف (323)، أنيس الفقهاء (161)، حلية الفقهاء (170)، الحدود لمصنفك (38)، حدود ابن عرفة (1/ 275) مع شرح الرصاع.
(3) في “جـ”: “المسألة”.
(4) الحَقو: موضع شد الإزار. المصباح المنير (145)، القاموس (1646).
(5) تبصرة الحكام (2/ 146)، معين الحكام (173)، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (8) “ميراث من ليس له فرج”.

(1/132)


فإن قيل: كيف (1) تُزوَّج مَن ولدت كذلك؟
قلت: هذه مسألة لم أر لها ذكرًا في كتب الفقهاء، وقد قال أبو جبلة (2): رأيت بفارس امرأة لها رأسان وصدران في حقو واحد متزوجة، تغار هذه على هذه، وهذه على هذه (3).
والقياس: أنها تزوج، كما تزوج النساء، ويتمتع الزوج بكل واحد من الفرجين (4) والوجهين، فإن ذلك زيادة في خلقة المرأة. هذا إذا كان الرأسان على حقو واحد ورجلين.
فإن كانا على حقوين، وأربعة أرجل، فقد روى محمد بن سهل (5)
__________
(1) في “جـ”: “فكيف”.
(2) أظنه: ثابت بن الوليد بن عبد الله بن جُميع أبا جبلة الزهري الكوفي. تاريخ بغداد (7/ 152). وفي “أ”: “جميلة”.
(3) انظر: الكامل (8/ 377)، المنتظم (16/ 95)، العبر للذهبي (3/ 244)، البداية والنهاية (16/ 7)، تاريخ الخلفاء للسيوطي (420)، شذرات الذهب (5/ 248) و (7/ 6)، مواهب الجليل (1/ 94).
(4) ذكر بعض الشافعية أن الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – أُخبر بامرأة لها رأسان فنكحها بمائة دينار ونظر إليها وطلقها. انظر: أسنى المطالب (4/ 90)، تحفة الحبيب (4/ 156)، تحفة المحتاج (7/ 41)، الغرر البهية (5/ 24)، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (7/ 382)، مغني المحتاج (4/ 104).
(5) محمد بن سهل العطار كما في ذيل ميزان الاعتدال (314) من شيوخ أبي بكر الشافعي. قال الدارقطني: “كان ممن يضع الحديث” ا. هـ. ميزان الاعتدال (6/ 180)، الكشف الحثيث (234). وقال الحاكم: “كذاب” وقال الخلال: “كان يضع الحديث”. لسان الميزان (5/ 198).

(1/133)


حدثنا عبد الله بن محمد البلوي (1) حدثني عمارة بن زيد (2)، حدثنا عبد الله (3) بن العلاء (4)، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: أتي عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بإنسان له رأسان، وفمان، وأربع أعين (5)، وأربع أيد، وأربع أرجل، وإحليلان (6)، ودبران. فقالوا: كيف يرث يا أمير المؤمنين؟ فدعا بعلي – رضي الله عنه -، فقال: فيهما قضيتان، إحداهما: ينظر إذا نام، فإن غطَّ غطيطَ واحدٍ (7)، فنفْس واحدة، وإن غط من كل منهما فنفسان، وأما القضية الأخرى، فيطعمان ويسقيان فإن بال منهما (8) جميعًا، فنفس واحدة،
__________
(1) عبد الله بن محمد البلوي. قال الدارقطني: “كان يضع الحديث”. انظر: ميزان الاعتدال (4/ 184)، لسان الميزان (3/ 395)، ذيل ميزان الاعتدال (314)، الكشف الحثيث (156)، المغني في الضعفاء (2/ 598).
(2) عمارة بن زيد. قال الأزدي: “كان يضع الحديث”. ميزان الاعتدال (5/ 212)، لسان الميزان (4/ 320). في “جـ”: “يزيد”.
(3) في “أ” و”هـ”: “عبيد الله”.
(4) هو عبد الله بن العلاء بن زَبْر الرَّبَعي أبو زَبْر الدمشقي، وثقه: ابن معين وابن سعد وغيرهما، روى له الجماعة سوى مسلم. توفي سنة 164 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ الدارمي (153)، طبقات ابن سعد (7/ 324)، تهذيب الكمال (15/ 405).
(5) “وأربع أعين” ساقط من “هـ”.
(6) الإحليل: مخرج البول من ذكر الإنسان. القاموس (1275)، المطلع (148)، طلبة الطلبة (49).
(7) في “أ”: “غطيطة واحدة”، وفي “ب”: “غطيطًا واحدًا”.
(8) في “أ”: “من المبالين”.

(1/134)


وإن بال من كل واحد (1) منهما على حدة، وتغوط من كل واحد على حدة (2)، فنفسان. فلما كان بعد ذلك طلبا النكاح. فقال علي – رضي الله عنه -: لا يكون فرج في فرج وعين تنظر، ثم قال: أما إذ حدثت (3) فيهما الشهوة، فإنهما سيموتان جميعًا سريعًا، فما لبثا أن ماتا، وبينهما ساعة أو نحوها (4).

فصل
ومن ذلك: أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أتي بامرأة زنت، فسألها فأقرت (5)، فأمر برجمها. فقال علي – رضي الله عنه -: لعل لها (6) عذرًا، ثم قال لها: ما حملك على الزنا؟ قالت: كان لي خليط، وفي إبله ماء ولبن، ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن، فظمئت فاستسقيته، فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي. فأبيت عليه ثلاثًا. فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج (7) أعطيته الذي أراد فسقاني، فقال علي – رضي الله عنه -: الله أكبر {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ
__________
(1) “واحد” ساقط من “أ” و”ب” و”هـ”.
(2) قوله “وتغوط من كل واحد على حدة” ساقط من “هـ”.
(3) في “جـ”: “حدث”.
(4) انظر: شرح النيل وشفاء العليل (13/ 28). وإسناد هذا الأثر مسلسل بالكذابين كما سبق في ترجمتهم.
(5) “فأقرت” ساقطة من “هـ”.
(6) في “أ”: “بها”.
(7) في “ب”: “تخرج”.

(1/135)


إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] (1).
وفي “سنن البيهقي” (2)، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي: أُتي عمر بامرأة جهدَها العطش، فمرّت على راع فاستسقت (3)، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت. فشاور الناس في رجمها. فقال علي: هذه مضطرة، أرى أن تخلي سبيلها، ففعل.
قلت: والعمل على هذا، لو اضطرت المرأة إلى طعام أو شراب عند رجل فمنعها إلا بنفسها، وخافت الهلاك، فمكنته من نفسها، فلا حد عليها.
فإن قيل: فهل يجوز لها في هذه الحال (4) أن تُمكِّن من نفسها، أم يجب عليها أن تصبر ولو ماتت؟ (5) قيل (6): هذه حكمها حكم المكرهة
__________
(1) روى نحوه البيهقي (8/ 411) رقم (17050)، وعبد الرزاق (8/ 407) رقم (13654).
(2) في “جـ”: “السنن للبيهقي”. سنن البيهقي (8/ 411) رقم (17050). قيل لابن معين: سمع أبو عبد الرحمن السلمي من عمر؟ قال: لا. المراسيل لابن أبي حاتم (94). قال أبو حاتم: روى عن عمر مرسل. الجرح والتعديل (5) الترجمة (164).
(3) في “ب”: “فاستسقته”.
(4) في “جـ”: “الحالة”.
(5) قواعد الأحكام (1/ 79)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 400)، التقرير والتحبير (2/ 211)، الفتاوى الهندية (5/ 48)، مطالب أولي النهى (6/ 188)، الدر المختار (6/ 145).
(6) في “جـ”: “قلت”.

(1/136)


على الزنا، التي يقال لها: إن مكَّنتِ من نفسك وإلا قتلتك (1). والمكرهة لا حدَّ عليها، ولها أن تفتدي من القتل بذلك، ولو صبرت لكان أفضل لها، ولا يجب عليها (2) أن تُمَكِّن من نفسها، كما لا يجب على المكره على الكفر (3) أن يتلفظ (4) به، وإن صبر حتى قتل (5) لم يكن آثمًا (6).
فالمكرهة على الفاحشة أولى.
فإن قيل: لو وقع مثل ذلك لرجل، وقيل (7) له: إن لم تُمكِّن من نفسك، وإلا قتلناك، أو منع الطعام والشراب، حتى يُمكَّن من نفسه، وخاف الهلاك. فهل يجوز له التمكين؟
__________
(1) في “أ”: “قتلناك”.
(2) “عليها” ساقطة من “أ”.
(3) “على الكفر” ساقط من “هـ”. وقد سقط من “جـ”: “الكفر”.
(4) في “أ”: “أن يلتفظ”.
(5) “قتل” ساقطة من “هـ”.
(6) انظر: تفسير الطبري (7/ 650)، ابن أبي حاتم (7/ 2304)، تفسير عبد الرزاق (2/ 276)، تفسير البغوي (3/ 86)، أحكام القرآن للشافعي (298)، تفسير ابن عطية (3/ 423)، أحكام القرآن لابن العربي (3/ 160)، تفسير ابن كثير (4/ 525)، الأم (6/ 226)، مغني المحتاج (4/ 137)، شرح معاني الآثار (3/ 95)، المبسوط (24/ 43)، بدائع الصنائع (7/ 176)، المغني (12/ 293)، كشاف القناع (6/ 167)، غذاء الألباب (2/ 83)، مطالب أولي النهى (6/ 298)، المنثور في القواعد (1/ 188)، الأشباه والنظائر للسيوطي (135)، روضة الطالبين (7/ 22 و 291).
(7) في “هـ”: “فقيل”.

(1/137)


قيل: لا يجوز له ذلك، ويصبر للموت (1).
والفرق بينه وبين المرأة: أن العار والفساد (2) الذي يلحق المفعول به لا يمكن تلافيه، وهو شر مما يحصل له بالقتل، أو منع الطعام والشراب حتى يموت، فإن هذا فساد في نفسه وعقله وقلبه ودينه وعرضه، ونطفة اللوطي مسمومة تسري في الروح والقلب، فتفسدها فسادًا قلَّ أن يُرجى معه صلاح. ففساد التفريق بين روحه وبدنه بالقتل دون هذه المفسدة (3)، ولهذا يجوز له أو يجب عليه أن يقتل من يراوده عن نفسه إن أمكنه ذلك من غير خوف مفسدة. ولو فعله السيد بعبده بيع عليه، ولم يُمكَّن من استدامة ملكه عليه (4). وقال بعض السلف: يعتق عليه (5). وهو قول قوي (6) مبني على العتق بالمثلة، لا سيما إذا استكرهه على ذلك، فإن هذا جار مجرى المثلة.
__________
(1) انظر: النتف في الفتاوى (2/ 699)، حاشية ابن عابدين (6/ 145)، الأشباه والنظائر للسيوطي (135).
(2) “الفساد” ساقطة من “ب” و”جـ”.
(3) انظر: الجواب الكافي (271)، زاد المعاد (5/ 41)، روضة المحبين (369)، الكبائر للذهبي (81)، بدائع الفوائد (4/ 100)، الاستذكار (24/ 79)، منهاج السنة النبوية (3/ 435)، التفسير الكبير لابن تيمية (5/ 405)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 305)، الممتع شرح زاد المستقنع (1/ 244).
(4) قال الذهبي – رحمه الله تعالى -: “أجمعت الأمة على أن من فعل بمملوكه فهو لوطي مجرم” ا. هـ. الكبائر (82).
(5) وفي “أ”: “وكان بعض السلف يعتقه عليه”.
(6) “قوي” ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”.

(1/138)


وقد سئل الإمام أحمد (1) عن رجل يُتهم بغلامه، فأراد بعض الناس أن يرفعه إلى الإمام، فدبَّر غلامه؟ فقال: يحال بينه وبينه، إذا كان فاجرًا معلنًا (2).
فإن قيل: فهل يباح للغلام أن يهرب؟
قيل: نعم يباح له ذلك. قال أبو عمرو (3) الطرسوسي (4) – في كتاب (5) تحريم اللواط – (6): باب إباحة الهرب للمملوك إذا أريد منه هذا البلاء، ثم ساق بإسناد صحيح إلى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري: “أن عبدًا أتاه، فقال: إني مملوك لهؤلاء، يأمرونني (7) بما لا يصلح أو نحوه؟ قال: اذهب في الأرض”.
وذَكَرَ القاسم بن الريان (8)، قال: سئل عبد الله بن المبارك عن
__________
(1) في “أ”: “بن حنبل”، وفي “جـ”: “رضي الله عنه”.
(2) مسائل الإمام أحمد لأبي داود (372)، الفروع (4/ 42).
(3) في “جـ”: “عمر”.
(4) في “ب”: “الطرشوشي”، وفي “هـ”: “الطرطوشي”، وفي بغية الطلب في تاريخ حلب (1/ 101): “القاضي أبو عمرو عثمان بن عبد الله بن إبراهيم الطرسوسي قاضي مَعرَّة النعمان وكان فاضلًا مسندًا” ا. هـ.
(5) “كتاب” ساقط من “ب”.
(6) لم أجده.
(7) في “ب”: “يأمروني”.
(8) القاسم بن كثير بن صدقة بن الريان اللكي. توفي سنة 220 هـ. المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 1073)، سير أعلام النبلاء (16/ 113)، تهذيب الكمال (23/ 417).

(1/139)


الغلام إذا أرادوا أن يفضحوه؟ قال: يمنع (1)، ويذبّ عن نفسه. قال: أرأيت إن علم أنه لا ينجيه إلا القتل، أيقتل حتى ينجو؟ قال: نعم. انتهى.
قلت (2): ويكون مجاهدًا إن قَتل، وشهيدًا إن قُتل؛ فإنَّ “مَن قُتل دون ماله فهو شهيد” (3)، فكيف مَنْ قُتل دون هذه الفاحشة؟

فصل
ومن ذلك: أن امرأة رُفعت إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قد زنت، فسألها عن ذلك؟ فقالت: نعم يا أمير المؤمنين، وأعادت ذلك وأيدته. فقال علي: إنها لتستهل (4) به استهلال من لا يعلم أنه حرام. فدرأ عنها الحد (5). وهذا من دقيق الفراسة (6).

فصل
ومن قضايا علي – رضي الله عنه -: أنه أُتي برجل وُجد في خَرِبة بيده سكين متلطخ بدم، وبين يديه قتيل يتشحَّط في دمه، فسأله؛ فقال:
__________
(1) في “ب”: “يمتنع”.
(2) “قلت” ساقطة من “جـ”.
(3) رواه البخاري (2480) (5/ 147)، ومسلم رقم (141) (2/ 523) “مع شرح النووي” من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(4) أي ترفع صوتها. المصباح المنير (639)، مختار الصحاح (697).
(5) رواه عبد الرزاق (7/ 403 و 404 و 405)، والشافعي في مسنده (168)، وفي اختلاف الحديث (505)، ومن طريقه البيهقي في السنن (8/ 415)، وفي المعرفة (12/ 326)، وابن حزم في المحلى (11/ 402). والقائل عثمان وليس عليًّا – رضي الله عنهما -.
(6) هذا الفصل ساقط من “ب”.

(1/140)


أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقتلوه. فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرعًا، فقال: يا قوم، لا تعجلوا. ردوه إلى علي (1)، فردوه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ما هذا صاحبه، أنا قتلته. فقال علي للأول: ما حملك على أن قلت: أنك قاتله (2)، ولم تقتله؟ قال: يا أمير المؤمنين، وما أستطيع أن أصنع؟ وقد وقف العَسسُ على الرجل يتشحط في دمه، وأنا واقف، وفي يدي سكين، وفيها أثر الدم، وقد أخذتُ في خربة؟ فخفت ألا يقبل مني، وأن يكون قسامة، فاعترفت بما لم أصنع، واحتسبت نفسي عند الله. فقال علي: بئس ما صنعت. فكيف كان حديثك؟ قال: إني رجل قصَّاب، خرجت إلى حانوتي في الغَلس (3)، فذبحت بقرة وسلختها، فبينما (4) أنا أسلخها والسكين في يدي أخذني البول، فأتيت خربة كانت بقربي فدخلتها، فقضيت حاجتي، وعدت أريد حانوتي، فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره (5)، فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي، فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا عليّ، فأخذوني، فقال الناس: هذا قتل هذا، ما له قاتل سواه. فأيقنت أنك لا تترك قولهم (6) لقولي، فاعترفت بما لم أجْنه، فقال علي للمقرّ
__________
(1) “علي” ساقط من “ب”.
(2) في “ب”: “أنا قتلته”.
(3) الغلس بفتحتين: ظلمة آخر الليل. مختار الصحاح (478)، المصباح المنير (450)، القاموس المحيط (723).
(4) في “أ” و”ب”: “فبينا”.
(5) “أمره” ساقطة من “ب”.
(6) “قولهم” سقطت من “أ”.

(1/141)


الثاني: فأنت كيف كانت قصتك؟ فقال: اعتراني فلس، فقتلت الرجل طمعًا في ماله، ثم سمعت حس العسس، فخرجت من الخربة، واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف، فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس، فأخذوه وأتوك به. فلما أمرتَ بقتله علمت أني أبوء بدمه (1) أيضًا فاعترفت بالحق. فقال علي للحسن – رضي الله عنهما -: ما الحكم في هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا، وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، فخلى عليٌّ – رضي الله عنه – عنهما، وأخرج دية القتيل من بيت المال (2).
وهذا إن وقع صلحًا برضى الأولياء فلا إشكال، وإن كان بغير رضاهم فالمعروف من أقوال الفقهاء: أن القصاص لا يسقط بذلك؛ لأن الجاني قد اعترف بما يوجبه، ولم يوجد ما يسقطه، فيتعين استيفاؤه.
وبعد: فلحكم أمير المؤمنين (3) وجهٌ قوي، وقد وقع نظير هذه القصة في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا أنها ليست في القتل.
قال النسائي: حدثنا محمد بن يحيى (4) بن كثير الحراني، حدثنا
__________
(1) في “أ”: “بذنبه”.
(2) انظر: المغني (12/ 201)، تصحيح الفروع (5/ 644)، حاشية ابن قندس على الفروع (386).
(3) في “ب”: “علي رضي الله عنه”.
(4) في “هـ”: “علي”.

(1/142)


عمرو بن حماد بن طلحة، حدثنا أسباط بن نصر، عن سماك (1)، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: “أن امرأةً وقعَ عليها رجُلٌ في سواد الصُّبحِ – وهي تعْمَدُ إلى المسجد – بمَكْرُوهٍ على نَفْسِها، فاسْتغاثتْ برجُلٍ مرَّ عليها، وفرَّ صاحبُها، ثُمَّ مرَّ عليها ذَوو عَدَدٍ، فاسْتَغاثَتْ بهمْ، فأدركوا الرَّجُلَ الذي كانت اسْتغاثَتْ به (2)، فأخذُوه، وسَبَقَهُمْ الآخَرُ، فجاءوا به يقودُونَهُ إليها، فقال: أنا الذي أَغَثْتُكِ، وقد ذهبَ الآخَرُ. فأَتَوا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَتهُ أنه وَقَعَ عليها، وأخبرَ القوْمُ: أَنَّهم أَدْركُوهُ يشْتَدُّ، فقال: إِنَّما كُنْتُ أُغِيثُها على صاحبها، فأَدْركَني هؤلاء فَأَخَذوني، فقالت: كَذَبَ، هو الذي وَقَعَ عليَّ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: انطَلِقوا به فارْجموهُ. فقام رجل مِنْ الناس (3)، فقال: لا تَرْجموهُ، وارْجموني فأَنا الذي فَعَلْتُ بها الفِعْلَ، فَاعْترَفَ. فَاجْتَمَع ثلاثةٌ عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي وقَعَ عليْها، والذي أَغاثَها، والمرأةُ – فقال: “أمَّا أنتِ فقد غُفِرَ لكِ”. وقال للَّذي أَغَاثَها قولًا حسنًا. فقال عمر – رضي الله عنه -: ارْجُم الذي اعترَفَ بالزِّنا. فأَبى رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: “لَا إِنَّه (4) قَدْ تَابَ” (5).
__________
(1) هو سماك بن حرب بن أوس الذهلي البكري. توفي سنة 123 هـ. انظر: تهذيب الكمال (12/ 115)، سير أعلام النبلاء (5/ 245).
(2) “فأدركوا الرجل الذي كانت استغاثت به” ساقط من “ب”.
(3) “من الناس” ساقطة من “جـ”.
(4) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “لأنه”.
(5) رواه النسائي في الكبرى (4/ 313) رقم (7311)، وابن الجارود في المنتقى (3/ 122) رقم (823)، والطبراني في الكبير (22/ 15) رقم (19)، =

(1/143)


ورواه الإمام أحمد في “مسنده” عن محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه – فذكره – وفيه: فقالوا يَا رَسُولَ اللهِ، ارْجُمْهُ فَقَالَ: “لَقَدْ تَابَ توبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ المَدِيْنةِ لَقَبِلَ (1) اللهُ منهُمْ” (2).
وقال أبو داود: “باب في صاحب الحدِّ يجيء فيقر” (3) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، عن الفِريابي (4)، عن إسرائيل، عن سماك – فذكره بنحوه – وفيه: أَلا تَرْجُمُه؟ (5) قَالَ: “لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلُ المَدِينَةِ لَقُبِلت (6) مِنْهُم”.
وقال الترمذي: “باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على
__________
= والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 494) رقم (17323)، وفي السنن الصغير (3/ 323) رقم (3326).
(1) في “ب” و”هـ”: “لقبلها”.
(2) المسند (6/ 399)، رواه الطبراني في الكبير (22/ 16) رقم (19)، والقيسراني في تذكرة الحفاظ (3/ 917) وقال: “هذا حديث منكر جدًّا على نظافة إسناده” ا. هـ.
(3) سنن أبي داود (616).
(4) هو محمد بن يوسف بن واقد الفريابي أبو عبد الله الضبي، وثقه النسائي وأبو حاتم والدارقطني. توفي سنة 212 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (8/ 120)، تهذيب الكمال (27/ 52)، سير أعلام النبلاء (10/ 114).
(5) لفظ أبي داود: “ارجموه” (616) رقم (4379). واللفظ الذي ذكره ابن القيم رواه أحمد (6/ 399).
(6) في “ب” و”هـ”: “لقبل”.

(1/144)


الزنا” (1) حدثنا علي بن حجر، أخبرنا معتمر (2) بن سليمان الرقي، عن الحجاج بن أرطاة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه قَال: “اسْتُكرهَت امرأةٌ على عهدِ النبي – صلى الله عليه وسلم -، فَدَرأَ عنها رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – الحدّ (3)، وأقامَهُ على الذي أصابَها”. ولم يَذْكُرْ أنه جَعَلَ لها مَهْرًا. قال الترمذي: هذا حديث غريب، ليس إسناده بمتصل، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه، وسمعت محمدًا يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه ولا أدركه، يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهر (4)، والعمل على هذا عند أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وغيرهم: أن ليس على المستكره (5) حد.
ثم ساق حديث علقمة بن وائل عن أبيه من طريق محمد بن يحيى (6) النيسابوري عن الفريابي عن (7) سماك عنه: ولفظه: أَنَّ امْرَأَةً
__________
(1) جامع الترمذي (3/ 122).
(2) هكذا في جميع النسخ، والصواب: “معمر” كما عند الترمذي (3/ 122)، وأحمد (4/ 318). انظر: تهذيب الكمال (28/ 326).
(3) “الحد” ساقط من “أ” و”ب”.
(4) التاريخ الكبير (6/ 106) رقم (1855). كما رواه أحمد (4/ 318)، وابن أبي شيبة (5/ 501)، والطبراني في الكبير (22/ 29) رقم (64)، وابن ماجه رقم (2598)، والبيهقي (8/ 410) وقال: “هذا الإسناد ضعيف من وجهين أحدهما: أن الحجاج لم يسمع من عبد الجبار، والآخر: أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه قاله البخاري وغيره” ا. هـ.
(5) في “جـ”: “المكره”.
(6) في “هـ”: “علي”.
(7) عند الترمذي: “عن إسرائيل قال: حدثنا سماك” ا. هـ. الجامع (3/ 122).

(1/145)


خَرَجَتْ عَلَى عهد رَسُولِ الله – صلى الله عليه وسلم – تُرِيدُ الصَّلاةَ فَتلَقَّاهَا رَجلٌ فَتَجَلَّلهَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، فَصَاحَتْ، فَانْطَلَقَ، وَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاكَ (1) الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذا وَكذَا، وَمَرَّتْ بعصَابَةٍ مِنَ المُهَاجرِينَ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاك (2) الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذَا وَكذَا (3)، فَانْطَلَقُوا فأَخَذُوا الرَّجُلَ الَّذي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا. فَأَتوهَا بِهِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ هُوَ هَذَا، فَأَتَوا بهِ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم -، فلَمَّا أَمَرَ بهِ ليُرْجَمَ قَامَ صَاحِبُها الَّذي وقَعَ عَلَيْها (4): فقال: يا رسول الله أنا صاحبها. فقال لها: “اذهبي فقد غفر الله لك” وقال للرجل قولًا حسنًا، وقال للذي وقع عليها: “ارْجُمُوهُ” وقَالَ: “لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أهلُ المَدِينَة لَقُبِلَ مِنْهُمْ” (5) قال الترمذي: “هذا حديث حسن (6) غريب”. وفي نسخة: “صحيح” (7). وعلقمة بن وائل بن حُجْر سمع من أبيه (8)، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد
__________
(1) في “ب” و”هـ”: “ذلك”.
(2) في “ب”: “ذلك”.
(3) من قوله “ومرت بعصابة” إلى قوله “فعل بي كذا وكذا” ساقط من “هـ”.
(4) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “للرجل الذي”.
(5) أبو داود رقم (4379)، والترمذي (3/ 122) رقم (1454).
(6) “حسن” ساقط من “أ”.
(7) في طبعة دار الغرب (3/ 123): “حسن غريب صحيح”، وكذا في المطبوع مع تحفة الأحوذي (5/ 15)، والمطبوع مع العارضة (6/ 237). وفي تحفة الأشراف (9/ 87) وقال: “حسن غريب”، وفي بعض النسخ: “حسن صحيح غريب” ا. هـ. وفي تذكرة الحفاظ: “صحيح” (3/ 917). وفي مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 215): “حسن صحيح غريب”.
(8) كما نص عليه البخاري في التاريخ (7/ 41). وقد صرح علقمة أن أباه حدثه =

(1/146)


الجبار لم يسمع من أبيه (1).
قلت: هذا الحديث إسناده على شرط مسلم، ولعله تركه لهذا الاضطراب الذي وقع في متنه، والحديث يدور على سماك، وقد اختلفت الرواية هل (2) رجم المعترف، فقال أسباط بن نصر عن سماك: “فأبى أن يرجمه” (3)، ورواية أحمد (4) وأبي داود (5) ظاهرة في ذلك. ورواية الترمذي (6) عن محمد بن يحيى صريحة في أنه رجمه. وهذا الاضطراب: إما من سماك – وهو الظاهر – وإما ممن هو دونه. والأشبه: أنه لم يرجمه، كما رواه أحمد (7) والنسائي (8) وأبو داود (9)،
__________
= عند مسلم حديث رقم (1680)، وجاء في إسناد مسلم: “عن سماك بن حرب أن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه .. “. وانظر: تحفة الأحوذي (5/ 15).
(1) انتهى كلام الترمذي. وانظر: طبقات ابن سعد (6/ 310)، الاستيعاب (3/ 606)، تهذيب الكمال (16/ 394)، تهذيب التهذيب (6/ 96).
(2) في “ب” و”هـ”: “على”.
(3) النسائي في الكبرى (4/ 313) رقم (7311)، وابن الجارود (3/ 122) رقم (823)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 15) رقم (18)، والبيهقي (8/ 494)، وفي السنن الصغير (3/ 323) رقم (3326).
(4) المسند (6/ 399).
(5) السنن (616) رقم (4379). وفي المطبوع: “ارجموه”.
(6) جامع الترمذي (3/ 122) رقم (1454).
(7) المسند (6/ 399).
(8) السنن الكبرى (4/ 313) رقم (7311) كتاب الرجم.
(9) السنن (616) رقم (4379).

(1/147)


ولم يذكروا غير ذلك، ورواته حفظوا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل (1) رجمه فأبى وقال: “لا”. والذي قال: “إنه أمر برجمه” إما أن يكون جرى على المعتاد (2)، وإما أن يكون اشتبه عليه أمره برجم الذي جاءوا به أولًا، فوهم، وقال: إنه أمر برجم المعترف.
وأيضًا؛ فالذين رجمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الزنا مضبوطون معدودون، وقصصهم محفوظة معروفة، وهم ستة نفر (3): الغامدية (4)، وماعز (5)، وصاحبة (6) العسيف (7)، واليهوديين (8)،
__________
(1) “سئل” ساقطة من “هـ”.
(2) في “هـ”: “المعتمد”.
(3) ولم يذكر المؤلف سوى خمسة، والسادسة امرأة من جهينة كما رواه مسلم: كتاب الحدود الحديث رقم (1696) (11/ 216)، وهو ما يظهر من كلام الحافظ في الفتح (12/ 122) أنهما امرأتان. أما إن كانت الجهنية هي الغامدية لكون غامد بطنًا من جهينة كما ذكر العلماء، انظر: شرح مسلم للنووي (11/ 214)، تنوير الحوالك؛ فيكون عدد الذين رجمهم النبي – صلى الله عليه وسلم – خمسة لا ستة والله أعلم.
(4) مسلم رقم (1695) (11/ 211).
(5) البخاري رقم (6824) (12/ 138)، ومسلم رقم (1695) (11/ 211).
(6) البخاري (2695) (5/ 355) وفي مواضع أخرى منها (2724) (6827)، ومسلم (1697) (11/ 217) من حديث أبي هريرة وخالد بن زيد الجهني – رضي الله عنهما -.
(7) العسيف: الأجير. شرح مسلم للنووي (11/ 218)، فتح الباري (12/ 142)، إكمال إكمال المعلم للأبي (6/ 183)، مكمل الإكمال للسنوسي (6/ 183).
(8) في “جـ”: “اليهوديان”. البخاري (6841) (12/ 172) و (6819) (12/ 131)، ومسلم (1699) (11/ 220).

(1/148)


والظاهر: أن راوي الرجم في هذه القصة استبعد أن يكون قد اعترف بالزنا بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يرجمه. وعلم أن من هديه: رجم الزاني. فقال: “وأمر برجمه”.
فإن قيل: فحديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، الظاهر أنه في هذه القصة، وقد ذكر “أنه أقام الحد على الذي أصابها” (1).
قيل: لا يدل لفظ الحديث على أن القصة واحدة، وإن دل فقد قال البخاري: لم يسمعه (2) حجاج من عبد الجبار، ولا سمعه عبد الجبار من أبيه. حكاه البيهقي (3) عنه. على أن في قول البخاري: “إن عبد الجبار ولد بعد موت أبيه بأشهر” (4) نظرًا (5)؛ فإن مسلمًا روى في
__________
(1) انظر: الحاشية رقم (4) ص 145.
(2) في “ب”: “لم يسمع”.
(3) السنن الكبرى (8/ 410).
(4) التاريخ الكبير (6/ 106) رقم (1855)، جامع الترمذي (3/ 122)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 216)، عون المعبود (12/ 44).
(5) وقال المزي معلقًا على كلام البخاري: “وهذا القول ضعيف جدًّا فإنه قد صح عنه أنه قال: “كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي” ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول” ا. هـ. تهذيب الكمال (16/ 395). قال الحافظ ابن حجر: “نص أبو بكر البزار على أن القائل: “كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي” هو علقمة بن وائل لا أخوه عبد الجبار” ا. هـ. تهذيب التهذيب (6/ 96). قال المباركفوري: “قول أبي بكر البزار هذا ضعيف جدًّا فإنه لو كان القائل: “كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي” هو علقمة بن وائل لم يقل فحدثني علقمة بن وائل” ا. هـ. تحفة الأحوذي (5/ 14). وقال الحافظ ابن حجر: “ونقل بعضهم أنه ولد بعد وفاة أبيه ولا يصح ذلك لما يعطيه ظاهر سياق =

(1/149)


“صحيحه” عن عبد الجبار قال: “كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي .. ” (1) الحديث، وليس في ترك رجمه – مع الاعتراف – ما يخالف أصول الشرع، فإنه قد تاب بنص النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومن تاب من حدٍّ قبل القدرة عليه سقط عنه في أصح القولين (2)، وقد أجمع عليه الناس في المحارب (3)، وهو تنبيه على من دونه، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – للصحابة لما فرَّ ماعز من بين أيديهم: “هلَّا تركْتُموهُ يتُوبُ، فيتُوبَ الله علَيهِ؟ ” (4).
__________
= مسلم .. كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي” ا. هـ. التلخيص الحبير (1/ 367)، نيل الأوطار (2/ 311).
(1) لم أجده في صحيح مسلم، وقد نسبه لمسلم الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 367). وانظر: تحفة الأحوذي (1/ 512). وقد أخرجها أبو داود رقم (723) (113)، وابن خزيمة (2/ 55)، وابن حبان (5/ 173) رقم (1862)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 257)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 78) (2619)، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم (2/ 24). وصححه المزي في التهذيب (16/ 395)، والعلائي في “جامع التحصيل” (219)، والذهبي، كما في نيل الأوطار (2/ 311).
(2) وصححه في إعلام الموقعين (3/ 14). وانظر: الأم (7/ 192)، الحاوي الكبير (13/ 370)، التهذيب للبغوي (7/ 404)، المبسوط (9/ 176)، بدائع الصنائع (7/ 96)، العواصم لابن الوزير (9/ 296)، الاختيارات الفقهية (296)، فتاوى ابن تيمية (16/ 32) و (28/ 301)، فتح الباري (12/ 138)، مطالب أولي النهى (6/ 256)، الفروع (6/ 144)، المنتقى (7/ 174)، كشاف القناع (6/ 154)، المحلى (11/ 126)، المغني (12/ 484)، الإنصاف (27/ 31).
(3) المغني (12/ 483).
(4) أحمد (5/ 217)، وأبو داود (622) رقم (4419)، والنسائي في الكبرى =

(1/150)


فإن قيل: فكيف تصنعون بأمره برجم المتهم الذي ظهرت براءته، ولم يقر، ولم تقم عليه بينة، بل بمجرد إقرار المرأة عليه؟
قيل: هذا – لعمر الله – هو الذي يحتاج إلى جواب شافٍ، فإن الرجل لم يقر، بل قال: “أنا الذي أغثتها”.
فيقال – والله أعلم -: إن هذا مثل إقامة الحد باللوث الظاهر القوي، فإنه أدرك وهو يشتد هاربًا بين أيدي القوم، واعترف بأنه كان عند المرأة، وادعى أنه كان مغيثًا (1) لها، وقالت المرأة: هو هذا. وهذا لوث ظاهر.
وقد أقام الصحابة حد الزنا والخمر باللوث الذي هو نظير هذا أو قريب منه، وهو الحمل (2) والرائحة (3).
__________
= (4/ 290) رقم (7205)، وابن أبي شيبة (5/ 532) رقم (28758)، والبيهقي (8/ 382)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 356) رقم (2393)، والحاكم (4/ 363) من حديث نعيم بن هزال عن أبيه هزال بن يزيد رضي الله عنه. وقال الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه” ووافقه الذهبي. وحسن الحافظ ابن حجر إسناد أبي داود. التلخيص الحبير (4/ 107).
(1) “مغيثًا لها” ساقطة من “ب” وفيها: “يغشاها”.
(2) في “ب” و”هـ”: “الحبل” البخاري (6830) (12/ 148)، ومسلم (1691) (11/ 204) عن عمر رضي الله عنه.
(3) رواه مالك (2/ 842)، وابن أبي شيبة (5/ 519)، والنسائي في الكبرى (3/ 238) (5217) عن عمر رضي الله عنه. وصحح الحافظ ابن عبد البر وابن حجر إسناد الإمام مالك. تغليق التعليق (5/ 26)، الاستذكار (24/ 258)، وصحح =

(1/151)


وجوز النبي – صلى الله عليه وسلم – لأولياء القتيل أن يقسموا على عين القاتل – وإن لم يروه (1) – للوث، ويُدفع (2) إليهم.
فلما انكشف الأمر بخلاف ذلك تعين الرجوع إليه، كما لو شهد عليه أربعة: أنه زنا بامرأة، فحكم برجمه، فإذا هي عذراء (3)، أو ظهر كذبهم، فإن الحد يدرأ عنه، ولو حكم به.
فهذا ما ظهر في هذا الحديث الذي هو من مشكلات الأحاديث، والله أعلم (4).
وقرأت في “كتاب (5) أقضية علي” (6) رضي الله عنه – بغير إسناد – أن امرأة رفعت إلى علي، وشُهد عليها: أنها قد بغَتْ، وكان من قصتها (7) أنها يتيمة عند رجل، وكان للرجل امرأة، وكان كثير الغيبة
__________
= ابن كثير إسناد النسائي. مسند الفاروق (2/ 513). وعن ابن مسعود رواه البخاري (8/ 663) (5001)، ومسلم (6/ 335) (801). ورواه ابن أبي شيبة (5/ 519) عن أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنهم أجمعين.
(1) البخاري (6/ 317) رقم (3173)، ومسلم (11/ 155) (1669) من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
(2) وفي “ب”: “ولم يدفع إليهم”.
(3) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “أنه زنا بامرأة لم يحكم برجمه إذا هي عذراء”.
(4) انظر: إعلام الموقعين (3/ 12)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (6/ 216)، عون المعبود (12/ 42).
(5) “كتاب” ساقط من “أ”.
(6) للأصبغ بن نباتة، ولم أجده مطبوعًا ولا مخطوطًا.
(7) في “جـ” و”هـ”: “قضيتها”.

(1/152)


عن أهله. فشبت اليتيمة، فخافت المرأة أن يتزوجها زوجها، فدعت نسوة حتى أمسكنها (1). فأخذت عذرتها بأصبعها، فلما قدم زوجها من غيبته رمتها المرأة بالفاحشة، وأقامت البينة من جاراتها اللواتي ساعدنها على ذلك. فسأل المرأة: ألك شهود؟ قالت: نعم. هؤلاء جاراتي يشهدن بما أقول. فأحضرهن علي، وأحضر السيف، وطرحه بين يديه، وفرق بينهن، فأدخل كل امرأة بيتًا، فدعا امرأة الرجل، فأدارها بكل (2) وجه، فلم تزل على قولها، فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ودعا بإحدى الشهود، وجثا على ركبتيه، وقال: قد (3) قالت المرأة ما قالت، ورجعت إلى الحق، وأعطيتها الأمان، وإن لم تصدقيني لأفعلن، ولأفعلن. فقالت: لا والله، ما فعلت، إلا أنها رأت جمالًا وهيئة (4)، فخافت فساد زوجها، فدعتنا (5) وأمسكناها لها، حتى افتضتها (6) بأصبعها؛ قال علي: الله أكبر، أنا أول من فرق بين الشاهدين. فألزم المرأة حد القذف، وألزم النسوة جميعًا العُقْر (7)، وأمر الرجل أن يطلق المرأة، وزوجه اليتيمة، وساق إليها المهر من
__________
(1) في “أ” و”ب” و”هـ”: “أمسكوها”.
(2) في “ب”: “قبل كل”.
(3) “قد” من “أ”.
(4) في “ب” و”جـ”: “وهيبة”.
(5) في “ب”: “فدعتها”.
(6) فضضت البكارة أزلتها. المصباح المنير (475).
(7) العُقْر: بالضم ما تعطاه المرأة على وطء الشبهة. النهاية في غريب الحديث (3/ 273)، لسان العرب (4/ 595). في “جـ”: “العفو”.

(1/153)


عنده (1).
ثم حدثهم: أن دانيال (2) كان يتيمًا، لا أب له ولا أم، وأن عجوزًا من بني (3) إسرائيل ضمته (4) وكفلته، وأن ملكًا من ملوك (5) بني إسرائيل كان له قاضيان. وكانت امرأة مهيبة جميلة تأتي الملك فتناصحه وتقص عليه، وأن القاضيين عشقاها، فراوداها (6) عن نفسها فأبت، فشهدا عليها عند الملك أنها بغت (7). فدخل الملكَ من ذلك أمرٌ عظيم، فاشتد غمه – وكان فيها معجبًا -، فقال لهما: إن قولكما مقبول، وأجلها ثلاثة أيام، ثم ترجمونها. ونادى في البلد: احضروا رجْمَ فُلانة، فأكثر الناس في ذلك، وقال الملك لثقته: هل عندك من
__________
(1) روى نحوه ابن أبي شيبة (4/ 30) رقم (17463). أما كون علي رضي الله عنه أول من فرق بين الشهود فقد رواه ابن أبي شيبة (4/ 491) رقم (22401) و (7/ 259) رقم (35869)، والبيهقي (10/ 208).
(2) دانيال – عليه الصلاة والسلام – ممن أتاه الله عز وجل الحكمة والنبوة، وكان في أيام بختنصر. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي (179). وانظر: شيئًا من أخباره: العظمة لأبي الشيخ (2/ 603)، والزهد للإمام أحمد (81)، البداية والنهاية (2/ 375)، الشكر لابن أبي الدنيا (68) رقم (173)، معجم البلدان (2/ 441).
(3) في “أ”: “من ملوك بني إسرائيل”.
(4) في “ب”: “يتمته”.
(5) “ملوك” ساقطة من “أ” و”جـ”.
(6) في “أ”: “فأرادها على”.
(7) بغت المرأة: فجرت. هي وصف مختص بالمرأة ولا يقال للرجل. انظر: المصباح المنير (57)، القاموس (1631).

(1/154)


حيلة؟ فقال: ماذا عسى عندي؟ – يعنى وقد شهد عليها القاضيان -، فخرج ذلك الرجل في اليوم الثالث، فإذا هو بغلمان يلعبون، وفيهم دانيال، وهو لا يعرفه، فقال دانيال: يا معشر الصبيان تعالوا حتى أكون أنا الملك، وأنت يا فلان المرأة العابدة، وفلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها، ثم جمع ترابًا وجعل سيفًا من قصب، وقال للصبيان: خذوا بيد هذا القاضي إلى مكان كذا وكذا، ففعلوا، ثم دعا الآخر، فقال له: قل الحق، فإن لم تفعل قتلتك، بأي شيء تشهد؟ – والوزير واقف ينظر ويسمع -، فقال أشهد أنها بغت، قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا. قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان (1). قال: في أي مكان؟ قال: في مكان كذا وكذا، فقال: ردوه إلى مكانه، وهاتوا الآخر. فردوه إلى مكانه (2)، وجاءوا بالآخر فقال: بأي شيء تشهد؟ قال: بَغَتْ. قال: متى؟ قال: يوم كذا وكذا، قال: مع من؟ قال: مع فلان بن فلان، قال: وأين؟ قال: بموضع كذا وكذا، فخالف صاحبه، فقال دانيال: الله أكبر، شهدا عليها والله بالزور، فاحضروا قتلهما. فذهب الثقة إلى الملك مبادرًا، فأخبره الخبر، فبعث إلى القاضيين، ففرق بينهما. وفعل بهما ما فعل دانيال، فاختلفا كما اختلف الغلامان، فنادى الملك في الناس: أن احضروا قتل القاضيين، فقتلهما (3).
__________
(1) “بن فلان” ساقطة من “أ”.
(2) “وهاتوا الآخر فردوه إلى مكانه” ساقطة من “ب”
(3) رواه ابن أبي شيبة مختصرًا (7/ 261) رقم (35887)، والبيهقي (8/ 409). وانظر: التلخيص الحبير (4/ 356)، خلاصة البدر المنير (2/ 434). وذكره =

(1/155)


فصل
وكان علي – رضي الله عنه – لا يحبس في الدين، ويقول: “إنه ظلم”.
قال أبو داود في غير كتاب السنن: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا مروان – يعني ابن معاوية – عن محمد بن إسحاق عن محمد بن علي (1)، قال: قال علي: “حبس الرجل في السجن بعد معرفة ما عليه من الحق ظلم” (2).
وقال ابن أبي شيبة، حدثنا ابن فضيل (3)، عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر (4)، عن علي قال: “حَبْس الرجل في السجن بعد أن يعلم ما عليه من الحق ظلم” (5).
__________
= بطوله ابن بابويه القمي في: “من لا يحضره الفقيه” (3/ 20) رقم (3251).
(1) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب السيد الإمام أبو جعفر، اشتهر بالباقر. توفي سنة 114 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: الطبقات الكبرى (5/ 246)، تهذيب الكمال (26/ 136)، سير أعلام النبلاء (4/ 401)، حلية الأولياء (3/ 180).
(2) لم أجده من رواية أبي داود. وقد رواه أبو عبيد: “حدثنا أحمد بن خالد الوهبي عن محمد بن إسحاق .. “. المحلى (8/ 169). ومحمد بن علي بن الحسين لم يدرك عليًّا رضي الله عنه. سير أعلام النبلاء (4/ 401).
(3) هو محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الضبي. مات سنة 195 هـ رحمه الله. انظر: الجرح والتعديل (8) ترجمة (263)، سير أعلام النبلاء (9/ 173)، تهذيب الكمال (26/ 293).
(4) هو محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر الباقر.
(5) من قوله “ابن أبي شيبة” إلى “من الحق ظلم” ساقط من “ب” و”جـ” و =

(1/156)


وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا يزيد (1)، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر (2)، أن عليًّا كان يقول: “حبس الرجل في السجن بعد أن يعلم ما (3) عليه من الحق ظلم” (4).
وقال أبو نعيم: حدثنا إسماعيل (5) بن إبراهيم قال: سمعت عبد الملك بن عمير يقول: “إن عليًّا كان إذا جاءه الرجل بغريمه، قال: لي عليه كذا. يقول: اقْضِهِ، فيقول: ما عندي ما أقضيه، فيقول غريمه: إنه كاذب، وإنه غيَّب ماله. فيقول: هلُمَّ ببينة على ماله يُقْضَى لك عليه. فيقول: إنه غيّبه، فيقول: استحلفه بالله ما غيّب منه شيئًا. قال: لا أرضى بيمينه. فيقول: فما تريد؟ قال: أريد أن تحبسه لي، فيقول: لا آمنك على ظلمه ولا أحبسه، قال: إذن ألزمه، قال: إن لزمته كنت ظالمًا له، وأنا حائل بينك وبينه” (6).
__________
= “هـ”. والأثر رواه البيهقي (6/ 88). وأبو جعفر الباقر لم يدرك عليًّا رضي الله عنه. سير أعلام النبلاء (4/ 401).
(1) هو يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي أبو القاسم. توفي سنة 276 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: ثقات ابن حبان (9/ 277)، تهذيب الكمال (32/ 234)، سير أعلام النبلاء (13/ 151).
(2) هو محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر الباقر.
(3) في “ب”: “بما”.
(4) سبق تخريجه. وإسناده منقطع أبو جعفر الباقر لم يدرك عليًّا رضي الله عنه.
(5) في “هـ”: “سهل”.
(6) رواه أبو عبيد كذلك، وفي إسناده عبد الملك بن عمير قال الإمام أحمد: “مضطرب الحديث”. تهذيب الكمال (18/ 370)، المحلى (8/ 171).
وروى أبو عبيد ووكيع وابن أبي شيبة نحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/157)


قلت: هذا الحكم عليه جمهور الأمة (1) فيما إذا كان عليه دين (2) عن غير عوض مالي، كالإتلاف والضمان والمهر ونحوه، فإن القول قِوله مع يمينه، ولا يحل حبسه بمجرد قول الغريم: إنه مليء، وإنه غيَّب ماله.
قالوا: وكيف يقبل قول غريمه عليه (3)، ولا أصل هناك يستصحبه ولا عوض؟ هذا الذي ذكره أصحاب الشافعي (4) ومالك (5) وأحمد (6).
وأما أصحاب أبي حنيفة (7): فإنهم قسموا الدين إلى ثلاثة أقسام: قسم عن عوض مالي، كالقرض، وثمن البيع ونحوهما. وقسم لزمه بالتزامه، كالكفالة والمهر وعوض الخلع ونحوه. وقسم لزمه بغير
__________
= مصنف ابن أبي شيبة (4/ 354) رقم (30919)، أخبار القضاة (1/ 112)، المحلى (8/ 171). وانظر: شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (2/ 356).
(1) في “هـ”: “الأئمة”.
(2) في “أ” و”ب”: “كان دينه عن غير”.
(3) “عليه” ساقطة من “ب”.
(4) الأم (3/ 242)، مختصر المزني (9/ 114) “مع الأم”، الوجيز (464)، الحاوي (6/ 332)، التهذيب (4/ 115)، روضة الطالبين (3/ 373)، مغني المحتاج (2/ 155)، تكملة المجموع الثانية (13/ 275).
(5) المدونة (5/ 204)، تبصرة الحكام (2/ 320)، المنتقى (5/ 81)، منتخب الأحكام (1/ 191)، البهجة (2/ 327)، الخرشي (5/ 279).
(6) الهداية (1/ 163)، المحرر (1/ 346)، المغني (6/ 584)، كشاف القناع (3/ 421)، شرح منتهى الإرادات (2/ 159).
(7) المبسوط (20/ 88)، بدائع الصنائع (7/ 174)، فتح القدير (7/ 279)، البناية (8/ 33)، أدب القضاء للسروجي (168)، تبيين الحقائق (4/ 180).

(1/158)


التزامه، وليس في مقابلة عوض، كبدل المتلف وأرش (1) الجناية، ونفقة الأقارب والزوجات، وإعتاق العبد المشترك ونحوه.
ففي القسمين الأولين: يسأل المدعي عن إعسار (2) غريمه، فإن أقر بإعساره لم يحبس له، وان أنكر إعساره وسأل حبسه: حبس؛ لأن الأصل بقاء عوض الدين عنده، والتزامه (3) للقسم (4) الآخر باختياره يدل على قدرته على الوفاء.
وهل تسمع بينته (5) بالإعسار قبل الحبس أو بعده؟ على قولين (6) عندهم. وإذا قيل: لا تسمع (7) إلا بعد الحبس، فقال بعضهم: تكون مدةُ الحبس شهرًا، وقيل: اثنين (8)، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وقيل: ستة، والصحيح: أنه لا حد له، وأنه مفوض إلى رأي
__________
(1) الأرش: هو المال الواجب فيما دون النفس. التوقيف (50)، التعريفات (31)، أنيس الفقهاء (295).
(2) العُسْرُ له معان كثيرة منها الفقر وهو المراد هنا. المصباح المنير (409)، القاموس (564)، طلبة الطلبة (87).
(3) في “أ”: “التزام”.
(4) “للقسم” ساقط من “أ”.
(5) في “جـ”: “بينة”.
(6) فتح القدير (7/ 283)، البناية (8/ 37)، شرح أدب القاضي للصدر الشهيد (2/ 367)، أدب القضاء للسروجي (171)، البحر الرائق (6/ 481)، منحة الخالق (6/ 481)، الفتاوى الهندية (3/ 415).
(7) في “أ”: “لا تسمع بينته”.
(8) في “أ” و”جـ”: “اثنان”.

(1/159)


الحاكم (1).
والذي يدل عليه الكتاب والسنة وقواعد الشرع: أنه لا يحبس في شيء من ذلك، إلا أن يظهر بقرينة أنه قادر مماطل، سواء كان دَيْنُهُ عن عوض أو عن غير عوض، وسواء لزمه باختياره أو بغير اختياره، فإن الحبس عقوبة، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها، وهي من جنس الحدود، فلا يجوز إيقاعها بالشبهة، بل يتثبت الحاكم، ويتأمل حال الخصم، ويسأل عنه، فإن تبين له مَطْلُه وظلمُه ضربه إلى أن يُوفِّي أو يحبسه (2)، وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه (3) ولو أنكر غريمه إعسارَه، فإن عقوبة المعذور شرعًا ظلم، وإن لم يتبين له من حاله شيء أخَّره حتى يتبين له حاله.
وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لغرماء المفلس الذي لم يكن له ما يوفي دينه: “خُذوا ما وَجدْتُمْ، وليس لكُمْ إِلا ذلك” (4).
وهذا صريح في أنهم ليس لهم إذا أخذوا ما وجدوه إلا ذلك، وليس لهم حبسه ولا ملازمته. ولا ريب أن الحبس من جنس الضرب،
__________
(1) المبسوط (20/ 89)، البناية (8/ 37)، أنفع الوسائل (349)، معين الحكام (198). وانظر: المراجع السابقة.
(2) في “أ”: “حبسه”.
(3) “وإن تبين له بالقرائن والأمارات عجزه لم يحل له أن يحبسه” ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(4) رواه مسلم رقم (1556) (10/ 477) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(1/160)


بل قد يكون أشد منه. ولو قال الغريم للحاكم: اضربه إلى أن يُحضر المال، لم يُجِبْه إلى ذلك. فكيف يُجيبه إلى الحبس الذي هو مثله أو أشد. ولم يحبس الرسول – صلى الله عليه وسلم – طول مدته أحدًا في دين قط، ولا أبو بكر بعده ولا عمر ولا عثمان (1) – رضي الله عنهم -، وقد ذكرنا قول علي – رضي الله عنه -.
قال شيخنا – رحمه الله -: وكذلك لم يحبس رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من الخلفاء الراشدين زوْجًا في صداق امرأته (2) أصلًا (3).
وفي رسالة الليث بن سعد (4) إلى مالك التي رواها يعقوب بن سفيان الفسوي (5) الحافظ في “تاريخه” (6) عن أيوب عن (7) يحيى بن
__________
(1) انظر: أقضية الرسول – صلى الله عليه وسلم – لابن فرج (11)، الفروع (4/ 290)، تبصرة الحكام (2/ 216).
(2) في “ب”: “امرأة”.
(3) وذكر أن هذا قول المذاهب الأربعة. الفتاوى (32/ 197). وانظر: رسالة الليث التالية.
(4) “بن سعد” من “أ”.
(5) في “أ” و”ب” و”هـ”: “النسوي”.
(6) قال عنه الذهبي: “جم الفوائد” ا. هـ. سير أعلام النبلاء (13/ 180). وقال ابن القيم: “كتاب جليل غزير العلم جم الفوائد” ا. هـ. إعلام الموقعين (3/ 110). وانظر: كشف الظنون (1/ 280)، الفهرست (280).
(7) هكذا في جميع النسخ “عن أيوب عن”. والمثبت في التاريخ والمعرفة للفسوي (1/ 687): حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ولم يذكر “عن أيوب عن”. وهو ما أثبته كذلك ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 114). ويحيى بن عبد الله من شيوخ أبي يوسف الفسوي وقوله هنا: “عن أيوب عن” =

(1/161)


عبد الله (1) بن بكير (2) المخزومي، قال: هذه رسالة الليث بن سعد إلى مالك فذكرها إلى أن قال: “ومن ذلك: أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء، أنها متى شاءت أن تكلم في مؤخر صداقها تكلمت (3) فيدفع (4) إليها. وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك، وأهل الشام وأهل مصر. ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا من بعده لامرأة بصداقها المؤخر، إلا أن يفرق بينهما موت أو طلاق، فتقوم على حقها” (5).
قلت: مراده بالمؤخر: الذي أخر قبضه عن (6) العقد، فتُرك مسمى، وليس المراد به: المؤجل؛ فإن الأمة مجمعة على أن المرأة لا تطالب به قبل أجله، بل هو كسائر الديون المؤجلة (7)، وإنما المراد: ما يفعله الناس من تقديم بعض المهر إلى المرأة، وإرجاء الباقي، كما
__________
= أظنه سبق قلم، والله أعلم.
(1) في “جـ”: “عبيد الله”.
(2) في “ب”: “بن بكر”، وفي “جـ”: “بن أبي بكر”.
(3) في “جـ”: “فتكلمت”.
(4) في “أ”: ” فدفع” وكذا “ب”. أما “جـ”: “يدفع”.
(5) رواها الفسوي في تاريخه (1/ 687)، ويحيى بن معين في التاريخ (4/ 487). وانظر: سير أعلام النبلاء (8/ 156)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (64)، تاريخ دمشق (32/ 142)، إعلام الموقعين (3/ 114).
(6) في “جـ”: “من”.
(7) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (3/ 464)، المغني (10/ 115)، إعلام الموقعين (3/ 109)، الهداية للمرغيناني (3/ 383) مع “نصب الراية”، فتح القدير (3/ 371)، تحفة المحتاج (244)، الإنصاف (21/ 126).

(1/162)


يفعله الناس اليوم، وقد دخلت الزوجة (1) والزوج (2) والأولياء على تأخيره إلى الفرقة (3)، وعدم المطالبة به ما داما متفقين. ولذلك لا تطالب به إلا عند الشر والخصومة، أو تزوجه بغيرها، والله يعلم والزوج والشهود والمرأة والأولياء أن الزوج والزوجة لم يدخلا إلا على ذلك.
وكثير من الناس يسمي (4) صداقًا تتجمل به المرأة وأهلها، ويَعِدُونه – بل يحلفون له – أنهم لا يطالبون (5) به، فهذا لا تسمع دعوى المرأة به قبل الطلاق، أو الموت، ولا يطالب به الزوج ولا يحبس به أصلًا، وقد نص أحمد على ذلك (6)، وأنها إنما تطالب به عند الفرقة أو الموت، وهذا هو الصواب الذي لا تقوم مصلحة الناس إلا به.
قال شيخنا – رحمه الله -: ومن حين سُلط النساء على المطالبة (7) بالصدقات المؤخرة، وحبس الأزواج عليها، حدث من الشر (8)
__________
(1) في “أ”: “المرأة”.
(2) والزوج” من “أ” و”ب”.
(3) في “ب”: “للفرقة”.
(4) في “ب”: “من يسمى”.
(5) في “أ”: “يطالبونه”.
(6) إبطال التحليل لابن تيمية (6/ 69) “ضمن الفتاوى الكبرى”، إعلام الموقعين (3/ 119)، تصحيح الفروع (5/ 267)، مطالب أولي النهى (5/ 214)، المغني (10/ 115).
(7) في “أ”: “مطالبة”.
(8) في “ب”: “الشرور”.

(1/163)


والفساد ما الله به عليم، وصارت المرأة إذا أحست من زوجها بصيانتها (1) في البيت، ومنعها من البروز والخروج من منزله والذهاب حيث شاءت: تدّعي بصداقها، وتحبس الزوج عليه، وتنطلق حيث شاءت، فيبيت الزوج (2) ويظل يتلوى في الحبس، وتبيت المرأة فيما تبيت فيه (3).
فإن قيل: فالشروط (4) إنما تكتب حالًّا في ذمته تطالبه به متى شاءت.
قيل: لا عبرة بهذا بعد الاطلاع على حقيقة الحال، وأن الزوج لو عرف أن هذا دين حالٌّ تطالبه به بعد يوم أو شهر، وتحبسه عليه (5): لم يقدم على ذلك أبدًا، وإنما دخلوا على أن (6) ذلك مسمى، تتجمل به المرأة، والمهر هو ما ساق إليها، فإن قدر بينهما طلاق أو موت طالبته بذلك. وهذا هو الذي في نظر الناس وعرفهم وعوائدهم، ولا تستقيم أمورهم إلا به (7)، والله المستعان.
__________
(1) في “ب”: “يضايقها”.
(2) “الزوج” ساقطة من “ب”.
(3) مختصر الفتاوى المصرية (777). وانظر: الفتاوى (32/ 197 – 199)، الفروع (4/ 295).
(4) في “جـ”: “فالشرط”.
(5) “عليه” ساقط من “أ”.
(6) “أن” ساقطة من “ب” و”هـ”.
(7) انظر: المغني (10/ 173)، الشرح الكبير (21/ 245)، الإنصاف (21/ 247).

(1/164)


والمقصود: أن الحبس في الدين من جنس الضرب بالسياط والعصي فيه، وذلك عقوبة لا تسوغ إلا عند تحقق السبب الموجب، ولا تسوغ بالشبهة، بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة من ثبوتها بالشبهة (1)، والله أعلم.
وقال الأصبغ بن نباتة: بينا علي – رضي الله عنه – جالسًا في مجلسه، إذ سمع صيحة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجل سرق، ومعه من يشهد عليه، فأمر بإحضارهم فدخلوا، فشهد شاهدان عليه: أنه سرق درعًا، فجعل الرجل يبكي ويناشد عليًّا أن يتثبت في أمره، فخرج علي إلى مجمع (2) الناس بالسوق، فدعا بالشاهدين فناشدهما الله (3) وخوفهما، فأقاما على شهادتهما، فلما رآهما لا يرجعان دعا (4) بالسكين وقال: ليمسك أحدكما يده ويقطع الآخر، فتقدما ليقطعاه، فهاج (5) الناس، واختلط بعضهم ببعض، وقام علي عن الموضع. فأرسل الشاهدان يد الرجل وهربا. فقال علي: من يدلني على الشاهدين الكاذبين؟ فلم يوقف لهما على خبر، فخلى سبيل
__________
(1) في “ب”: “بالبينة”. والشبهة في الاصطلاح: ما يشبه الثابت وليس بثابت. انظر: الهداية للمرغيناني (4/ 139)، وكشف الأسرار شرح أصول البزدوي (1/ 282)، فتح القدير (5/ 262)، غرر الأحكام (2/ 64)، الفتاوى الهندية (2/ 147)، مجمع الأنهر (1/ 592).
(2) في “أ”: “مجتمع”.
(3) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “فأشهدهما الله”.
(4) في “جـ”: “أمر”.
(5) في “أ”: “وماج”.

(1/165)


الرجل (1).
وهذا من أحسن الفراسة، وأصدقها، فإنه ولَّى الشاهدين من ذلك ما توليا، وأمرهما أن يقطعا بأيديهما من قطعا يده بألسنتهما، ومن هنا قالوا: إنه يبدأ الشهود بالرجم إذا شهدوا بالزنا (2).
وجاءت إلى علي – رضي الله عنه – امرأة، فقالت: إن زوجي وقع على جاريتي بغير أمري، فقال للرجل: ما تقول؟ قال: ما وقعت عليها إلا بأمرها، فقال: إن كنت صادقة رجمته، وإن كنت كاذبة جلدتك الحد، وأقيمت الصلاة، وقام ليصلي، ففكرت المرأة في نفسها، فلم تر لها فَرَجًا (3) في أن يرجم زوجها ولا في أن تجلد، فولت ذاهبة، ولم يسأل عنها علي (4).

فصل
ومن المنقول عن كعب بن سور، قاضي عمر بن الخطاب، أنه اختصم إليه امرأتان، كان لكل واحدة (5) منهما ولد، فانقلبت إحدى المرأتين على أحد الصبيين فقتلته، فادعت كل واحدة منهما الباقي، فقال كعب: لست سليمان (6) بن داود، ثم دعا بتراب ناعم ففرشه، ثم
__________
(1) لم أجد من أخرجها. وفي الإسناد الذي ذكره المؤلف الأصبغ بن نباتة وقد سبق بيان حاله ص (119).
(2) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (5/ 539)، مصنف عبد الرزاق (7/ 327)، سنن الدارقطني (3/ 124)، مسند ابن الجعد (46)، سنن البيهقي (8/ 383).
(3) في “ب”: “من”.
(4) رواه مختصرًا البيهقي (8/ 419).
(5) “واحدة” من “هـ”.
(6) وفي “ب”: “بسليمان”.

(1/166)


أمر المرأتين فوطئتا عليه، ثم مشى الصبي عليه. ثم دعا القائف فقال: انظر في هذه الأقدام، فألحقه بأحدهما (1).
قال عمر بن شبّة (2): وأتى صاحبُ عين هَجَر إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي عينًا، فاجعل لي خراج ما تسقي، قال: هو لك، فقال كعب (3): يا أمير المؤمنين، ليس له ذلك، قال: ولم؟ قال: لأنه يفيض ماؤه عن أرضه، فيسيح في أراضي الناس، ولو حبس ماءه في أرضه لغرقت، فلم ينتفع بأرضه ولا بمائه، فمره فليحبس ماءه عن أراضي الناس إن كان صادقًا، فقال له عمر: أتستطيع أن تحبس ماءك؟ قال (4): لا. قال: فكانت هذه لكعب (5).

فصل

ومن ذلك: أنه يجوز للحاكم الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه (6)، في غير الحدود، ولم يوجب الله على الحكام ألا يحكموا إلا
__________
(1) وفي “جـ”: “بإحداهما”. رواه عبد الرزاق (7/ 362)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 280).
(2) وفي “هـ”: “شيبة”، والصواب ما أثبتناه. وهو عمر بن شَبَّةَ بن عبدة أبو زيد النميري البصري العلامة الأخباري الحافظ، له “أخبار المدينة” وغيرها. توفي سنة 262 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ بغداد (11/ 208)، المنتظم (12/ 184)، سير أعلام النبلاء (12/ 369).
(3) ابن سور كما ذكر المؤلف قريبًا.
(4) “قال” ساقطة من “أ” و”ب”.
(5) أخبار القضاة لوكيع (1/ 277)، الأوائل للعسكري (2/ 115).
(6) بوَّب أبو داود في السنن (518): “باب إذا علم الحاكم صدق شهادة الواحد =

(1/167)


بشاهدين أصلًا، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، وهذا لا يدل على أن الحاكم لا يحكم باقل من ذلك، بل قد حكم النبي – صلى الله عليه وسلم – بالشاهد واليمين (1)، وبالشاهد فقط (2).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “قَضَى رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ (3). وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه -: “قَضَى رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – (4) بِالْيَمِينِ مَعَ الشَاهِدِ الْوَاحِدِ” رواه ابن وهب عن سليمان بن بلال (5) عن ربيعة (6) عن سهيل (7) عنه. رواه أبو داود (8).
__________
= يجوز له أن يقضي به”.
(1) وسيذكر المؤلف ذلك مفصلًا في هذا الفصل وفي الطريق السابع.
(2) وسيذكر المؤلف فصلًا مستقلًّا لذلك.
(3) في صحيحه في الأقضية باب القضاء بالشاهد واليمين (1712) (11/ 244).
(4) من قوله “بشاهد ويمين” إلى قوله “- صلى الله عليه وسلم -” ساقط من “أ”.
(5) هو سليمان بن بلال القرشي التيمي أبو محمد المدني الإمام المفتي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم. توفي سنة 172 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (11/ 372)، سير أعلام النبلاء (7/ 425)، تاريخ الدارمي (125).
(6) هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فرُّوخ أبو عثمان القرشي التيمي الإمام المشهور بربيعة الرأي، كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة 136 هـ رحمه الله. انظر: تهذيب الكمال (9/ 123)، سير أعلام النبلاء (6/ 8).
(7) هو سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان أبو يزيد المدني الإمام المحدث الكبير من كبار الحفاظ لكنه مرض مرضة غيّرت من حفظه، وثقه العجلي. توفي في خلافة المنصور – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (12/ 223)، سير أعلام النبلاء (5/ 458).
(8) في القضاء: باب الشاهد واليمين رقم (3611) ص (519)، والترمذي (1343) (3/ 20)، وابن ماجه (2368) (3/ 45)، والشافعي في مسنده (150)، وفي الأم (6/ 355)، وابن الجارود (3/ 261) رقم (1007)، =

(1/168)


وقال جابر بن عبد الله – رضي الله عنه -: “قَضَى رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ” رواه الشافعي عن الثقفي (1) عن جعفر بن محمد (2) عن أبيه عنه (3).
__________
= وأبو يعلى (12/ 36) رقم (6683)، والطحاوي في شرح المعاني (4/ 144)، وابن حبان (11/ 462) رقم (5073)، والدارقطني (4/ 213)، والبيهقي (10/ 283) من طريق ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه أبو حاتم وأبو زرعة. انظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 469)، وتهذيب السنن لابن القيم (5/ 230). وقال الترمذي: “حسن غريب”، وحسنه كذلك ابن عبد البر وابن القيم. انظر: التمهيد (2/ 153)، وتهذيب السنن (5/ 230). كما رواه النسائي في الكبرى رقم (6014) (3/ 491)، وأبو عوانة (4/ 56) رقم (6011)، والبيهقي (10/ 284)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 303)، وابن عدي (8/ 78)، وابن عساكر (31/ 206) و (41/ 513)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 146) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال البيهقي: “هذا إسناد صحيح” ا. هـ. المعرفة (14/ 291).
(1) هو عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي أبو محمد، قال ابن معين: “اختلط بآخره” وقال الذهبي: “لكن ما ضرَّه تغيّره فإنه لم يحدث زمن التغيُّر بشيء”. توفي سنة 194 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: التاريخ لابن معين (2/ 378)، تاريخ الدارمي (54)، سير أعلام النبلاء (9/ 237).
(2) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام الصادق شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي أحد الأعلام، وثقه الشافعي وابن معين وغيرهما. توفي سنة 148 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ ابن معين (2/ 87)، حلية الأولياء (3/ 192)، سير أعلام النبلاء (6/ 255).
(3) رواه الشافعي. الأم (1/ 438)، وأحمد (5/ 305)، والترمذي (3/ 121) رقم (1344)، وفي العلل (202) رقم (358)، وابن ماجه (4/ 45) رقم (2369)، =

(1/169)


وقال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: “قَضَى رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الحَقِّ”. رواه البيهقي (1) من حديث
__________
= وابن الجارود (3/ 261) رقم (1008)، والدارقطني في السنن (4/ 212)، والبيهقي (10/ 285)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 136) من طريق الثقفي عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا، ومن غير طريق الثقفي رواه موصولًا. كذلك أبو عوانة (4/ 57)، والبيهقي (10/ 286)، والطبراني في الأوسط (8/ 171)، رقم (7345). قال الحافظ ابن حجر: “صححه ابن خزيمة وأبو عوانة” ا. هـ. فتح الباري (5/ 333). ورواه مرسلًا: مالك في الموطأ (2/ 721)، والشافعي في الأم (6/ 356)، وابن أبي شيبة (4/ 545 و 6/ 13)، وأبو عوانة (4/ 57)، والبيهقي (10/ 286)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 145)، والدارقطني (4/ 212)، والترمذي (3/ 21) رقم (1345)، وابن عدي (2/ 359). وممن رجح المرسل: البخاري. علل الترمذي (202)، وأبو زرعة وأبو حاتم. علل الحديث لابن أبي حاتم (1402)، والترمذي في الجامع (3/ 21)، وابن حبان في المجروحين (1/ 283)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 132 و 137). قال ابن القيم: “وحديث جابر حسن وله علة وهي الإرسال. قاله أبو حاتم الرازي” ا. هـ تهذيب السنن (5/ 230). أما الدارقطني فرجح المتصل. العلل (3/ 94 – 98). قال عبد الله بن الإمام أحمد: “كان أبي قد ضرب على هذا الحديث قال: ولم يوافق أحد الثقفي على جابر فلم أزل به حتى قرأه عليّ وكتب عليه هو صح” ا. هـ. المسند (3/ 305). وانظر: إتحاف المهرة (3/ 339).
(1) رواه البيهقي (10/ 287)، والدارقطني (4/ 212)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 392)، وابن عدي في الكامل (7/ 488). وفي سنده انقطاع كما ذكره العلماء البيهقي وغيره. انظر: سنن البيهقي (10/ 287)، نصب الراية (4/ 100)، التعليق المغني (4/ 213). فعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يدرك جدّه عليًّا رضي الله عنه.

(1/170)


شبابة (1) حدثنا عبد العزيز بن (2) الماجشون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عنه (3)، وقال سُرَّق (4): “قَضَى رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – بشَاهِدٍ وَيَمينٍ” (5). رواه يعقوب بن سفيان في “مسنده” (6).
قال المنذري: وقد روي القضاء بالشاهد واليمين من رواية عمر بن الخطاب (7) وعلي بن أبي طالب (8)، وابن
__________
(1) “شبابة” ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”. هو شبابة بن سوّار أبو عمرو الفزاري، وثقه ابن معين. توفي سنة 206 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ الدارمي (65)، سير أعلام النبلاء (9/ 513)، تقريب التهذيب (263).
(2) “بن” ساقطة من “أ” و”جـ”.
(3) “عنه” ساقطة من “ب”.
(4) “سُرَّق” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(5) البيهقي (10/ 287)، والدارقطني (4/ 212)، وابن عدي (2/ 359) و (6/ 424). وإسناده منقطع، محمد بن علي بن الحسين لم يدرك جدّ أبيه عليًّا رضي الله عنه. التعليق المغني (4/ 213)، وذكر البيهقي (10/ 287) معناه.
(6) مسند الفسوي لم يطبع. وسيأتي تخريج حديث سُرَّق في طريق الحكم بالشاهد واليمين.
(7) رواه الخلال من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أن عمر كان يقضي باليمين مع الشاهد العدل ويقول قضى بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ا. هـ. النكت والفوائد السنية (2/ 315). وعبد الرحمن ضعفه أحمد وعلي بن المديني وابن معين والنسائي وأبو زرعة وغيرهم. الجرح والتعديل (5/ 233)، وتاريخ الدارمي (153)، العلل للإمام أحمد (1/ 286). وانظر: التحقيق لابن الجوزي (2/ 392)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 230)، تهذيب السنن (5/ 229)، نيل الأوطار (8/ 327).
(8) رواه البيهقي (10/ 287)، والدارقطني (4/ 212)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 392)، وابن عدي في الكامل (7/ 488). وفي سنده انقطاع كما ذكره =

(1/171)


عمر (1)، وعبد الله بن عمرو (2)، وسعد بن
__________
= العلماء البيهقي وغيره. انظر سنن البيهقي (10/ 287)، نصب الراية (4/ 100)، التعليق المغني (4/ 213). فعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يدرك جدّه عليًّا رضي الله عنه.
(1) رواه ابن حبان في المجروحين (1/ 147)، وابن عدي (1/ 287)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 135) وفي إسنادهم أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي، قال ابن حبان: “يأتي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات” ا. هـ. وقال ابن عبد البر: “حديث منكر”، يعني بهذا الإسناد وذلك لكونه قد رواه من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر، قال ابن عدي “هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد باطل” ا. هـ. الكامل (1/ 287). قال الذهبي: “هذا إسناد مركب ولم يأت أبو حذافة بمتن باطل” ا. هـ. سير أعلام النبلاء (21/ 26). ورواه ابن حبان في المجروحين (2/ 114)، والدارقطني في تعليقاته على المجروحين لابن حبان (195) وفي إسنادهما علي بن الحسن السامي. قال ابن حبان: “لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب” ا. هـ. كما رواه الدارقطني في تعليقاته على المجروحين (195)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 113) من طريق عبد المنعم بن بشير وقد اتهمه بالكذب ابن معين وأحمد بن حنبل. لسان الميزان (4/ 92)، وقال الدارقطني بعد روايته من الطريقين المذكورين أعلاه: “ولست أشك أن أحدهما وضعه وسرقه منه الآخر” ا. هـ. التعليقات (195). قال الهيثمي: “رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عبد الله بن عبيد وهو متروك” ا. هـ. مجمع الزوائد (4/ 205).
(2) رواه الدارقطني (4/ 213)، والبيهقي (10/ 290)، والطبراني في الأوسط (2/ 36) رقم (1063)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 150)، وابن عدي (7/ 450) وفي إسنادهم جميعًا محمد بن عبد الله بن عبيد الليثي، قال ابن معين: “ليس حديثه بشيء” وقال النسائي: “متروك”. انظر: التاريخ لابن معين رواية الدوري (2/ 523)، الجوهر النقي (10/ 290)، مجمع الزوائد (4/ 202). كما رواه البيهقي (10/ 290)، وفي المعرفة (14/ 293)، وابن عدي (8/ 110)، =

(1/172)


عبادة (1)، والمغيرة بن
__________
= والطبراني في الأوسط (6/ 191) رقم (5399)، والعقيلي (4/ 216)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 150) من طريق مطرف بن مازن الصنعاني، قال عنه ابن معين: “كذاب”. التاريخ (2/ 570)، الجرح والتعديل (8/ 314). ورواه بإسناد آخر أبو عوانة في المسند الصحيح (4/ 58). وانظر: إتحاف المهرة (9/ 498).
(1) رواه الترمذي (2/ 20)، والدارقطني (4/ 214)، وأبو عوانة (4/ 58) رقم (6025)، والبيهقي في المعرفة (14/ 289)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 149) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أخبرني ابن لسعد بن عبادة قال: وجدنا في كتاب سعد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قضى باليمين مع الشاهد. قال الذهبي رحمه الله: “ابن سعد بن عبادة لا يعرف، روى عنه ربيعة الرأي في شاهد ويمين” ا. هـ. ميزان الاعتدال (7/ 452). وذكر الحافظ أنه بتتبع الروايات ظهر أن اسم ابن سعد: عمرو بن قيس. وقال: “هي فائدة جليلة لكني لم أر في كتب الأنساب لقيس بن سعد بن عبادة ذكر ولد اسمه عمرو ولا لولده ابن اسمه إسماعيل” ا. هـ. تعجيل المنفعة (345). كما رواه الدراوردي عن ربيعة عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: وجدنا .. “. رواه الشافعي في المسند (149)، وفي الأم (6/ 355)، ومن طريقه رواه البيهقي في المعرفة (14/ 289). وتابعه أبو أويس عن سعيد بن عمرو … “. رواه أبو عوانة (4/ 58) رقم (6026)، وعبد بن حميد (1/ 273) رقم (308)، والبخاري في التاريخ (3/ 498)، والطبراني في المعجم الكبير (6/ 16) رقم (5361)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 148)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 248). كما تابعه عمارة بن غزية عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة “أنه وجد كتابًا في كتب آبائه … “. رواه البيهقي في السنن (10/ 288)، وفي المعرفة (14/ 289)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 149). وتابعه عبد العزيز بن عبد المطلب عن سعيد بن عمرو .. “. رواه البخاري في التاريخ (3/ 498)، وأبو عوانة (4/ 58) رقم (6024). وخالفهم سليمان بن بلال فقال: عن ربيعة عن إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه “أنهم وجدوا في كتب أو في =

(1/173)


شعبة (1)، وجماعة من الصحابة – رضي الله عنهم – انتهى (2)، وعمرو بن حزم (3)، والزبيب (4) بن ثعلبة (5)، وقضى بذلك عمر بن الخطاب (6)، وعلي بن أبي
__________
= كتاب سعد بن عبادة .. “. الحديث رواه أحمد (8/ 285)، والبيهقي (10/ 288)، وابن وهب في الموطأ كما ذكر ذلك ابن عبد البر في التمهيد (2/ 148)، والجصاص في أحكام القرآن (1/ 626)، والطبراني في الكبير (6/ 16) رقم (5362).
(1) رواه البيهقي (10/ 288)، وفي المعرفة (14/ 289)، والبخاري في التاريخ (3/ 498)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 149)، وحسنه ابن عبد البر. نصب الراية (4/ 97).
(2) انتهى كلام المنذري. مختصر سنن أبي داود (5/ 230) “مع معالم السنن”.
وانظر: التحقيق لابن الجوزي (2/ 392).
(3) رواه البيهقي (10/ 288)، وفي المعرفة (14/ 289)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 149). وانظر: الأم (6/ 355)، التاريخ الكبير (3/ 498).
(4) الزبيب – مصغر – بن ثعلبة بن عمرو بن سواء العنبري أحد الصحابة الكرام سكن البادية، وقيل: نزل البصرة. انظر: الإصابة (1/ 525)، الاستيعاب (1/ 570).
(5) رواه أبو داود رقم (3612) ص (519)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 413) رقم (1209)، والبيهقي (10/ 288)، والطبراني في الكبير (5/ 268) رقم (5300) في حديث طويل وفيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال للزُّبيب: “تحلف مع شاهدك”. ورواه أبو عوانة (4/ 57)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 351). وانظر: الإصابة (2/ 166) مختصرًا “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل له شاهدًا واحدًا ويمينه” ا. هـ. وابن عدي (5/ 66): “قضى بشاهد ويمين”. قال الخطابي: “إسناده ليس بذاك” ا. هـ. معالم السنن (5/ 229). وحسنه ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 570)، وابن القيم في تهذيب السنن (5/ 230). وانظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 230)، ونيل الأوطار (8/ 326).
(6) رواه الدارقطني (4/ 215)، والبيهقي (10/ 291) وضعفه، وابن عبد البر في =

(1/174)


طالب (1) – رضي الله عنهما، والقاضي العدل شريح (2)، وعمر بن عبد العزيز (3).
قال الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد: أن ذلك عندنا هو السنة المعروفة.
قال أبو عبيد: وذلك من السنن الظاهرة التي هي أكثر من الرواية والحديث (4).
__________
= التمهيد (2/ 153)، وابن التركماني (10/ 291). وقال أبو الطيب: “إسناده منقطع” ا. هـ. التعليق المغني (4/ 215). وانظر: المحلى (9/ 403)، تهذيب السنن (5/ 255)، نصب الراية (4/ 100).
(1) رواه الترمذي (3/ 21)، والدارقطني (4/ 212)، وأحمد (3/ 305)، والقطيعي في زوائده على فضائل الصحابة (2/ 673) رقم (1150)، وابن أبي شيبة (4/ 545)، والبيهقي (10/ 285 و 286)، وفي المعرفة (14/ 292)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 392)، والعقيلي (3/ 76)، وإسناده حسن.
(2) رواه الشافعي في الأم (6/ 356)، وابن أبي شيبة (4/ 545) و (7/ 305)، والنسائي في الكبرى (3/ 490)، ووكيع في أخبار القضاة (2/ 310)، ومسدد كما في مختصر إتحاف السادة المهرة (7/ 142)، والبيهقي (10/ 292)، وفي المعرفة (14/ 293 و 294).
(3) رواه مالك (2/ 722)، والشافعي في الأم (6/ 356)، والنسائي في الكبرى (3/ 490)، وابن أبي شيبة (4/ 545)، ومسدد كما في مختصر إتحاف السادة المهرة (7/ 142)، والبيهقي (10/ 292)، وفي المعرفة (14/ 293 – 294)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 146).
(4) لأبي عبيد كتاب في القضاء سماه ابن القيم: “كتاب القضاء”. الصواعق المرسلة (2/ 590)، وكذا الحافظ ابن حجر. فتح الباري (5/ 337). وذكره =

(1/175)


قال أبو عبيد (1): وهو الذي نختاره، اقتداءً برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، واقتصاصًا لأثره، وليس ذلك مخالفًا لكتاب الله عند من فهمه، ولا بين حكم (2) الله وحكم رسوله اختلاف، وإنما هو غلط في التأويل، حين لم يجدوا ذكر اليمين في الكتاب ظاهرًا، فظنوه خلافًا، وإنما الخلاف: لو كان الله حظر اليمين في ذلك ونهى عنها، والله تعالى لم يمنع من اليمين، إنما أثبتها الكتاب – إلى أن قال -: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وأمسك، ثم فسرت السنة ما وراء ذلك، وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مفسرة للقرآن ومترجمة عنه، على هذا أكثر الأحكام (3): كقوله: “لا وصِيَّة لِوارِثٍ” (4)، والرَّجْمُ على
__________
= بعض العلماء باسم: “أدب القاضي”. انظر: الفهرست (113)، معجم الأدباء (16/ 260)، وفيات الأعيان (2/ 227)، إنباه الرواة (3/ 22)، الأعلام (5/ 176). ولم أجده مطبوعًا ولا مخطوطًا، وابن القيم ينقل عنه كثيرًا في هذا الكتاب وغيره.
(1) في “هـ”: “أبو عبيدة”.
(2) في “أ”: “علم”.
(3) انظر: أحكام القرآن للشافعي (1/ 27)، التمهيد (2/ 155)، إعلام الموقعين (2/ 323)، فتح الباري (5/ 334)، شرح الكوكب المنير (3/ 441)، العدة في أصول الفقه (1/ 112)، أصول السرخسي (2/ 31)، نهاية السول (2/ 526)، الفقيه والمتفقه (1/ 314)، الجواب الصحيح (3/ 17).
(4) رواه عبد الرزاق (4/ 148) (7277)، وأحمد (5/ 267)، وسعيد بن منصور (1/ 125) (427)، والطيالسي (154)، وابن أبي شيبة (6/ 209) (30707)، وأبو داود (417) رقم (2870) و (3565)، والترمذي (3/ 620) (2120) وقال: “حديث حسن”، وابن الجارود (3/ 216) رقم (949)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 104)، وفي شرح مشكل الآثار (9/ 264)، والطبراني في =

(1/176)


المُحْصَنِ (1)، والنَّهْيُ عن نِكاحِ المرأة على عمَّتِها وخالَتِها (2)، والتحْرِيمُ مِن الرَّضاع ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ (3)، وقطع الموارثة بين أهل الإسلام والكفر (4)، وإيجابه على المطلقة ثلاثًا مسيس الزوج الآخر (5)، في شرائع كثيرة لا يوجد لفظها في ظاهر الكتاب، ولكنها سنن شرعها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فعلى الأمة (6) اتباعها كاتباع الكتاب، وكذلك الشاهد واليمين لما قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهما، وإنما في الكتاب: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] علم أن ذلك إذا وجدتا (7)، فإذا عدمتا (8) قامت اليمين مقامهما، كما علم حين مسح
__________
= المعجم الكبير (8/ 135) (7615). قال الحافظ ابن حجر: “هذا حديث حسن” ا. هـ. الدراية (2/ 290)، وقال كذلك: “إسناده قوي” ا. هـ. موافقة الخُبْر الخَبَر (2/ 315). وقد عدّه بعض العلماء من الأحاديث المتواترة. موافقة الخبر (2/ 321)، نيل الأوطار (6/ 50)، إرواء الغليل (6/ 95)، الرسالة للشافعي (139).
(1) رواه مسلم (11/ 201) رقم (1690) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (9/ 64) رقم (5109)، ومسلم (9/ 201) رقم (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (5/ 300) رقم (2645)، ومسلم (10/ 277) رقم (1447) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما -.
(4) البخاري (12/ 51) رقم (6764)، ومسلم (11/ 57) رقم (1614) من حديث أسامة بن زيد – رضي الله عنهما -.
(5) البخاري (5/ 295) رقم (2639)، ومسلم (10/ 253) رقم (1433) من حديث عائشة – رضي الله عنها -.
(6) في “أ”: “الأئمة”.
(7) في “جـ” و”هـ”: “وجدنا”.
(8) في “جـ” و”هـ”: “عدمنا”.

(1/177)


النبي – صلى الله عليه وسلم – على الخفين أن قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] معناه: أن تكون الأقدام بادية (1). وكذلك لما رجم المحصن في الزنا: علم أن قوله: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] للبكرين. وكذلك كل ما ذكرنا من السنن على هذا، فما بال الشاهد واليمين ترد من بينها؟ وإنما هي ثلاث منازل في شهادات الأموال، اثنتان بظاهر الكتاب وواحدة (2) بتفسير السنة له. فالمنزلة الأولى: الرجلان. والثانية: الرجل والمرأتان. والثالثة: الرجل واليمين. فمن أنكر هذه لزمه إنكار كل شيء ذكرناه، لا يجد من ذلك بدًّا حتى يخرج من قول العلماء.
قال أبو عبيد (3): ويقال لمن أنكر الشاهد واليمين، وذكر أنه خلاف القرآن: ما تقول في الخصم يشهد له الرجل والمرأتان، وهو واجد لرجلين يشهدان له؟ فإن قالوا: الشهادة جائزة. قيل: ليس هذا أولى بالخلاف، وقد اشترط القرآن فيه ألا يكون للمرأتين (4) شهادة إلا
__________
(1) انظر: تهذيب السنن للمؤلف (1/ 196) “مع العون”، مجموع الفتاوى (21/ 129)، تفسير ابن كثير (3/ 49)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 70)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 433)، أحكام القرآن للكيا الهراسي (3/ 40)، أضواء البيان (2/ 7)، تفسير ابن جرير (4/ 466)، تفسير البغوي (2/ 16)، الكشاف (1/ 597)، معاني القرآن للأخفش (1/ 255)، تفسير الخازن (2/ 17)، معاني القرآن للنحاس (2/ 272)، تفسير أبي السعود (3/ 11).
(2) وفي “ب” و”هـ”: “والثالث”. قال ابن باز رحمه الله لعله: “والثالثة”.
(3) وفي “ب” و”هـ”: “أبو عبيدة”.
(4) في “ب”: “المرأة”.

(1/178)


مع فَقْد أحد الرجلين، فإنه سبحانه قال: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ولم يقل: واستشهدوا شهيدين من رجالكم أو رجلًا وامرأتين. فيكون فيه الخيار، كما جعله في الفدية كما قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]. ومثل ما جعله في كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة (1). فهذه أحكام الخيار (2). ولم يقل ذلك في آية (3) الدين (4). ولكنه قال فيها كما قال في آية الفرائض: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]، كذلك الآية التي بعدها، فقوله ها هنا: {إِنْ لَمْ يَكُنْ} كقوله في آية الشهادة: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا}، وكذلك قال في آية الطهور: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] و [المائدة: 6] وفي آية الظهار (5): {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] وكذلك في متعة الحج وكفارة اليمين: أن الصوم لا يجزئُ الواجد. فأي الحكمين أولى بالخلاف: هذا أم (6) الشاهد واليمين، الذي ليس فيه (7) من الله اشتراط منع، إنما سكت عنه، ثم فسرته السنة؟
__________
(1) سورة المائدة آية (89).
(2) وصحح العلامة ابن باز رحمه الله العبارة إلى: “فهذه الأحكام بالخيار”.
(3) “آية” ساقطة من “أ”.
(4) سورة البقرة آية (282).
(5) الظهار: أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. مفردات ألفاظ القرآن (541)، طلبة الطلبة (50)، حلية الفقهاء (177)، أنيس الفقهاء (162)، المطلع (345)، غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 36).
(6) “أم” ساقطة من “ب”.
(7) في “أ” و”جـ”: “ليس له فيه”.

(1/179)


قال أبو عبيد (1): وقد وجدنا في حكمهم ما هو أعجب من هذا، وهو قولهم في رضاع اليتيم الذي لا مال له، وله خال وابن عم موسران: إن الخال يجبر على رضاعه؛ لأنه مَحْرم (2)، وإنما اشترط التنزيلُ غيرَه فقال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وقد أجمع المسلمون أن لا ميراث للخال مع ابن العم (3)، ثم لم (4) نجد هذا الحكم في السنة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من سلف العلماء، وقد وجدنا الشاهد واليمين في آثار متواترة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – (5)، وعن غير واحد من الصحابة (6) ومن التابعين (7).
__________
(1) في “هـ”: “عبيدة”.
(2) مجمع الأنهر (1/ 501)، أحكام الصغار (1/ 144)، الدر المختار (3/ 661)، بدائع الصنائع (4/ 33)، العناية شرح الهداية (4/ 422)، فتح القدير (4/ 422)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 420)، الفتاوى الهندية (1/ 566)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 495)، المبسوط (5/ 227).
(3) مجمع الأنهر (1/ 501)، حاشية ابن عابدين (3/ 662)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 495)، المبسوط (5/ 210)، الأم (5/ 150).
(4) في “هـ”: “ثم لو لم”.
(5) الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي (64)، موافقة الخُبْر الخَبَر (2/ 321)، الرسالة للشافعي (139)، نيل الأوطار (6/ 50).
(6) في “أ”: “أصحابه”.
(7) سبق تخريج جملة منها، وسيأتي كذلك أحاديث أخرى في الطريق السابع. وممن روي عنه القضاء بالشاهد واليمين الشعبي. رواه الشافعي في الأم (6/ 356)، والبيهقي (10/ 293)، وفي المعرفة (14/ 294) والفقهاء السبعة. المغني (14/ 130)، سبل السلام (4/ 262) وغيرهم ممن سيرد ذكره في الطريق السابع إن شاء الله تعالى.

(1/180)


وقال الربيع (1): قال الشافعي: قال بعض الناس في اليمين مع الشاهد قولًا أسرف فيه على نفسه، قال: أَرُدُّ حكم من حكم بها؛ لأنه خالف القرآن. فقلت له: الله تعالى (2) أمر بشاهدين أو شاهد وامرأتين؟ قال: نعم، فقلت: أحتمٌ من الله ألا يجوز أقل من شاهدين؟ قال: فإن قلته؟ قلت: فقله. قال: قد قلته. قلت: وتجد في الشاهدين اللذين أمر الله بهما حدًّا؟ قال: نعم، حُران مسلمان بالغان عدلان. قلت: ومن حكم بدون ما قلت خالف حكم الله؟ قال: نعم. قلت له: إن كان كما زعمت، فقد خالفت حكم الله، قال: وأين؟ قلت: أجزت شهادة أهل الذمة، وهم غير الذين شرط الله أن تجوز شهادتهم، وأجزت شهادة القابلة وحدها على الولادة، وهذان وجهان أَعطيتَ بهما من جهة الشهادة، ثم أَعطيتَ بغير شهادة في القسامة وغيرها. قلت: والقضاء باليمين مع الشاهد ليس يخالف حكم الله، بل هو موافق لحكم الله، إذ فَرَضَ الله تعالى طاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فاتبعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعن الله سبحانه قبلت، كما قبلت عن رسوله. قال (3): أفيوجد لهذا نظير في القرآن؟ قلت: نعم (4). أمر الله سبحانه في الوضوء بغسل
__________
(1) هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي الفقيه الكبير أبو محمد، صاحب الإمام الشافعي وناقل علمه. توفي سنة 270 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 587)، طبقات الشافعية للسبكي (2/ 132)، طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 30).
(2) في “أ”: “الله تعالى أعلم”
(3) “قال” ساقطة من “ب”.
(4) “نعم” ساقطة من “جـ”.

(1/181)


القدمين أو مسحهما، فمسحنا على الخفين بالسنة (1). وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145]. فحرمنا نحن وأنت كل ذي ناب من السباع بالسنة (2). وقال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] فحرمنا نحن وأنت الجمع بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها (3)، وذكر الرجم (4) ونصاب السرقة (5). قال: وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المبين عن الله معنى ما أراد خاصًّا وعامًّا (6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: القرآن لم يذكر الشاهدين والرجل والمرأتين في طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، وإنما ذكر هذين النوعين من البينات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه. فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) البخاري (9/ 573) (5530)، ومسلم (13/ 88) (1932) من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه.
(3) سبق تخريجه. وهو متفق عليه. في الأم: “بالسنة”. ولا بد منه ليستقيم المعنى.
(4) سبق تخريجه. وقد رواه مسلم.
(5) البخاري (12/ 99) (6789)، ومسلم (11/ 193) (1684) من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا” اللفظ للبخاري.
(6) انتهى كلام الشافعي. الأم (7/ 143). وانظر: حلية الأولياء (9/ 71)، فتح الباري (5/ 334).

(1/182)


كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، فأمرهم سبحانه بحفظ حقوقهم بالكتاب وأمر من عليه الحق أن يملّ الكاتب، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين، فإن لم يجد فرجل وامرأتان، ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك، ثم رخص لهم في التجارة الحاضرة: ألا يكتبوها. ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر – ولم يجدوا كاتبًا – أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة (1). كل هذا نصيحة لهم، وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم (2)، وما تُحفظ به الحقوق شيء، وما يحكم به الحاكم شيء؛ فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والشاهد (3) والمرأتين، فإن الحاكم يحكم بالنكول واليمين المردودة، ولا ذكر لهما في القرآن، فإن كان الحكم بالشاهد الواحد واليمين مخالفًا لكتاب الله، فالحكم بالنكول (4) والرد أشد مخالفة (5).
__________
(1) في “ب”: “المقبوض”.
(2) “كل هذا نصيحة لهم وتعليم إرشاد لما يحفظون به حقوقهم” ساقط من “ب”.
(3) “الشاهد” ساقطة من “ب” و”هـ”، أما “ب” ففيها: “والرجل”.
(4) “النكول” ساقطة من “ب”.
(5) إعلام الموقعين (1/ 137 و 147). وانظر: الأم (7/ 143)، اختلاف الحديث للشافعي (1/ 285)، التمهيد (2/ 156)، شرح الزرقاني (3/ 492)، تفسير القرطبي (3/ 392).

(1/183)


وأيضًا؛ فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة رسوله الصحيحة (1)، ويحكم بالقافة بالسنة الصحيحة التي لا معارض لها (2)، ويحكم بالقسامة بالسنة الصحيحة (3) الصريحة (4)، ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان (5)، ويحكم – عند من أنكر الحكم بالشاهد واليمين – بوجوه الآجر في الحائط فيجعله للمدعي إذا كانت إلى جهته (6)، ويحكم بمعاقد القمط في الخص فيجعله للمدعي إذا كانت من جهته (7). وهذا كله ليس في القرآن ولا حَكَمَ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا أحد من أصحابه (8)، فكيف ساغ الحكم به، ولم يجعل مخالفًا لكتاب الله؟ ويُردُّ ما حكم به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخلفاؤه الراشدون وغيرهم من الصحابة، ويجعل مخالفًا لكتاب الله؟ بل القول ما قاله أئمة (9) الحديث (10): إن الحكم بالشاهد
__________
(1) سيأتي بيان ذلك مفصلًا في الطريق الخامس والعشرين.
(2) سيأتي بيان ذلك مفصلًا في الطريق السادس والعشرين.
(3) “الصحيحة” ساقطة من “ب”.
(4) البخاري (6/ 317) رقم (3173)، ومسلم (11/ 155) (1669) من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
(5) سبق بيان ذلك.
(6) المبسوط (17/ 90)، معين الحكام (129)، بدائع الصنائع (6/ 258)، الفتاوى الهندية (4/ 99).
(7) “ويحكم بمعاقد القمط في الخص فيجعله للمدعي إذا كانت من جهته” مثبت من “أ”.
(8) في “ب” و”جـ”: “الصحابة”.
(9) في “ب”: “أهل”.
(10) انظر: الأم (7/ 143)، حلية الأولياء (9/ 71)، التمهيد (2/ 138)، الاستذكار =

(1/184)


واليمين: حكم بكتاب الله، فإنه حق، والله سبحانه أمر بالحكم بالحق.
فهاتان قضيتان ثابتتان بالنص؛ أما الأولى: فلأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخلفاءه من بعده حكموا به ولا يحكمون بباطل. وأما الثانية: فلقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، فالحكم بالشاهد واليمين مما أراه الله إياه قطعًا، وقال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] وهذا مما حكم به، فهو عدل مأمور به من الله ولا بد.

فصل
والذين ردوا هذه السنة (1) لهم طرق:

الطريق الأول: أنها خلاف كتاب الله، فلا تقبل. وقد بين الأئمة كالشافعي (2) وأحمد (3) وأبي عبيد (4) وغيرهم – أن كتاب الله لا يخالفها بوجه، وإنها لموافقة (5) لكتاب الله. وأنكر الإمام
__________
= (22/ 48)، شرح السنة (10/ 104)، المنتقى (5/ 208)، تهذيب السنن (5/ 225)، سنن البيهقي (10/ 295)، فتح الباري (5/ 332).
(1) في “ب” و”هـ”: “المسألة”. وصوّب ابن باز رحمه الله: “السنة”.
(2) الأم (7/ 39)، سنن البيهقي (10/ 295)، نصب الراية (5/ 145)، فتح الباري (5/ 334).
(3) انظر: المغني (14/ 131)، الإبانة لابن بطة (1/ 160 و 267).
(4) انظر: ذم الكلام وأهله للهروي (2/ 121).
(5) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “موافقة”.

(1/185)


أحمد (1) والشافعي (2) على من رد أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، لزعمه أنها تخالف ظاهر القرآن، وللإمام أحمد في ذلك كتاب مفرد سماه “كتاب طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم -” (3).
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أنه ليس في سنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصحيحة سنة واحدة تخالف كتاب الله، بل السنن مع كتاب الله تعالى على ثلاث منازل (4):
المنزلة الأولى: سنة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل (5).
المنزلة (6) الثانية: سنة تفسر الكتاب، وتبين مراد الله منه، وتقيد مطلقه.
المنزلة الثالثة: سنة (7) متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب فتبينه
__________
(1) انظر: المغني (14/ 131)، الإبانة (2/ 267)، ذم الكلام وأهله للهروي (2/ 121).
(2) الأم (7/ 39)، سنن البيهقي (10/ 295)، نصب الراية (5/ 145)، فتح الباري (5/ 334).
(3) لم يطبع، وقد ذكره جمع من أهل العلم. انظر: الفهرست (379)، العدة لأبي يعلى (1/ 143 و 227)، شرح الكوكب المنير (3/ 320)، كشف الظنون (5/ 42).
(4) انظر: الكفاية للخطيب (45)، إعلام الموقعين (2/ 323 و 330).
(5) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “الكتب المنزلة”.
(6) “المنزلة” ساقطة من “ب” و”هـ”.
(7) في “هـ”: “سنة منزلة”.

(1/186)


بيانًا مبتدأً.
ولا يجوز رد واحدة (1) من هذه الأقسام الثلاثة، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة، وقد أنكر الإمام (2) أحمد على من قال: “السنة تقضي على الكتاب” (3) فقال: بل السنة تفسر الكتاب وتبينه (4).
والذي نُشهد الله ورسوله به: أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة (5) عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تناقض كتاب الله وتخالفه ألبتة، كيف ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – هو المبين لكتاب الله، وعليه أنزل، وبه هداه الله، وهو مأمور باتباعه، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده، ولو ساغ رد سنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما (6) فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن، وبطلت بالكلية. فما من أحد يحتج عليه بسنة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته
__________
(1) في “أ” و”ب”: “واحد”.
(2) “الإمام” ساقطة من “أ”.
(3) في “ب”: “كتاب الله”. القائل: يحيى بن أبي كثير – رحمه الله تعالى -. رواه عنه الدارمي (1/ 153)، والخطيب في الكفاية (47)، وابن بطة في الإبانة (1/ 253)، وابن شاهين في الكتاب اللطيف شرح مذهب أهل السنة (104) رقم (49)، والهروي في ذم الكلام (2/ 144) رقم (219).
(4) رواه أبو داود في مسائل الإمام أحمد (368)، والخطيب في الكفاية (47)، وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/ 192)، والهروي في ذم الكلام (2/ 146) رقم (221). وانظر: تفسير القرطبي (1/ 39)، البحر المحيط للزركشي (4/ 167)، الموافقات (4/ 19).
(5) “واحدة” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(6) في “أ”: “بما”.

(1/187)


إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية أو إطلاقها، ويقول: هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل.
حتى إن الرافضة – قبحهم الله – سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة، فردوا قوله – صلى الله عليه وسلم -: “لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ” (1)، وقالوا: هذا حديث يخالف كتاب الله، قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (2) [النساء: 11].
وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
وردت الخوارج ما شاء الله من الأحاديث الدالة على الشفاعة (3) وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار (4) بما فهموه
__________
(1) رواه البخاري (6/ 227) رقم (3094) من حديث عمر رضي الله عنه ورقم (3093) من حديث أبي بكر رضي الله عنه، ومسلم (12/ 320) رقم (1759) من حديث أبي بكر رضي الله عنه ورقم (1761) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) انظر: منهاج السنة النبوية (4/ 193).
(3) الشفاعة شرعًا: السؤال للغير بجلب المنفعة له أو دفع المضرة عنه. انظر: شرح لمعة الاعتقاد (72)، شرح العقيدة الواسطية (137). وفي لوامع الأنوار البهية (2/ 204)، ولوائح الأنوار السنية (2/ 246): “سؤال الخير للغير” ا. هـ.
(4) وأحاديث الشفاعة كثيرة عدّها بعض العلماء من الأحاديث المتواترة. انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (1/ 314)، لوامع الأنوار للسفاريني (2/ 208)، الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي (76). وانظر أحاديث =

(1/188)


من ظاهر القرآن (1).
وردت الجهمية أحاديث الرؤية – مع كثرتها وصحتها (2) – بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103].
وردت القدرية (3) أحاديث القدر (4) الثابتة (5) بما فهموه من ظاهر
__________
= الشفاعة في: صحيح البخاري: 11/ 425 “مع فتح الباري”، صحيح مسلم “مع النووي” (3/ 50).
(1) كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 48]، وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)} [غافر: 18]. وأجاب العلماء بأن المراد بالآيتين الكفار. انظر: المراجع المذكورة في الحاشية السابقة، وتفسير البيضاوي (1/ 60)، ولوائح الأنوار السنية (2/ 242)، تفسير الطبري (1/ 306) و (11/ 50)، تفسير ابن كثير (1/ 127) و (7/ 126)، تفسير ابن عطية (1/ 139) و (4/ 552)، الانتصار للعمراني (3/ 703).
(2) انظر: صحيح البخاري (8/ 462) “مع الفتح” و (8/ 98)، صحيح مسلم (3/ 30).
(3) القدرية: هم جاحدوا القدر ونفاته، وأول من تكلم به في زمن الصحابة معبد الجهني بالبصرة. الملل والنحل (1/ 43)، التسعينية (1/ 267)، ميزان الاعتدال (6/ 465)، الإيمان لابن منده (1/ 116).
(4) القدر شرعًا: ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه. شرح العقيدة الواسطية (2/ 188). وانظر: الدين الخالص (3/ 155). وقيل: تعلق علم الله بالكائنات وإرادته لها أزلًا قبل وجودها. شرح الواسطية للشيخ الفوزان (162).
(5) جمع الفريابي – ت 301 هـ رحمه الله – كثيرًا من أحاديث إثبات القدر في كتابه القدر. وللإمام البخاري مصنف أفرده لهذه المسألة وهو “خلق أفعال العباد”.

(1/189)


القرآن (1).
وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن. فإما أن يطرد الباب في ردِّ هذه السنن كلها، وإما أن يطرد الباب في قبولها ولا يُردُّ شيء منها لما (2) يفهم من ظاهر القرآن. أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها (3) – ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود – فتناقض ظاهر، وما من أحد رد سنة (4) بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك (5).
وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما (6) على من رد أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع (7) بظاهر قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145].
وقد أنكر النبي – صلى الله عليه وسلم – على من رد سنته التي لم تذكر في القرآن (8)،
__________
(1) كقوله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)} [الكهف: 49]، وقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} [فصلت: 46]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)} [الطور: 16]. وانظر: إعلام الموقعين (2/ 306).
(2) في “أ”: “بما”.
(3) “ويقبل بعضها” ساقط من “جـ”.
(4) في “ب”: “سنة ظاهرة”.
(5) إعلام الموقعين (2/ 323).
(6) الأم (7/ 143)، حلية الأولياء (9/ 71)، فتح الباري (5/ 334) و (9/ 574)، المغني (13/ 319)، إعلام الموقعين (2/ 345).
(7) سبق تخريجه.
(8) كما في قوله – صلى الله عليه وسلم -: “لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به أو نهيت =

(1/190)


ولم يدع معارضة القرآن لها، فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنته تخالف القرآن وتعارضه؟

فصل

الطريق الثاني: أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه فلا تشرع في جانب المدعي.
قالوا (1): ويدل على ذلك: قوله – صلى الله عليه وسلم -: “البَيِّنَةُ على مَن ادَّعَى (2)، وَاليَمِينُ عَلى مَنْ أَنْكَرَ” (3) فجعل اليمين من جانب المنكر. وهذه الطريقة ضعيفة جدًّا من وجوه.
أحدها: أن أحاديث القضاء بالشاهدين (4) واليمين أصح، وأصرح،
__________
= عنه فيقول: لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه”. رواه أحمد (6/ 8 و 10)، وأبو داود (651) رقم (4605)، والحميدي (1/ 473) رقم (561)، والترمذي (4/ 398) رقم (2663)، وابن ماجه (1/ 50) (13)، والحاكم (1/ 108)، والبيهقي (7/ 120)، وفي دلائل النبوة (1/ 24)، وابن حبان (1/ 190) رقم (13)، والطبراني في الكبير (1/ 295) رقم (934). من حديث أبي رافع رضي الله عنه. قال الترمذي: “حديث حسن”، وقال الحاكم: “صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه” ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر: “حديث أبي رافع .. أخرجه أحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات وقد صححه الحاكم” ا. هـ. موافقة الخُبْرِ الخَبَر (2/ 325)، وللحديث شواهد ذكرها الحافظ ابن حجر.
(1) بدائع الصنائع (6/ 225).
(2) وفي “ب” و”جـ” و”هـ”: “المدعي”.
(3) سبق تخريجه (ص: 25).
(4) هكذا في النسخ الخطية، والصواب: “بالشاهد”.

(1/191)


وأوضح (1)، وأشهر (2)، وهذا الحديث لم يروه أحد من أهل الكتب الستة (3).
الثاني: أنه لو قاومها في الصحة والشهرة لوجب تقديمها (4) عليه لخصوصها وعمومه.
الثالث: أن اليمين إنما كانت في جانب (5) المدعى عليه، حيث لم يترجح المدعي بشيء غير الدعوى، فيكون جانب المدعى عليه أولى باليمين، لقوته بأصل براءة الذمة (6)، فكان هو أقوى المتداعيين باستصحاب الأصل، فكانت اليمين من جهته. فإذا ترجح المدعي بلوث، أو نكول، أو شاهد، كان أولى باليمين، لقوة جانبه بذلك، فاليمين مشروعة في جانب (7) أقوى
__________
(1) “وأصرح وأوضح” ساقطة من “ب”، و”أوضح” ساقطة من “ب” و”هـ”.
(2) سبق تخريجها في فصل الشاهد واليمين (ص: 169).
(3) عند الترمذي (1341) بلفظ: “البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه” وقال: “هذا حديث في إسناده مقال”. وراجع ما ذكرناه مفصلًا في تخريجه ص (25). قال ابن رجب رحمه الله: “وقد استدل الإمام أحمد وأبو عبيد بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “البينة على المدعي واليمين على من أنكر” وهذا يدل على أن اللفظ عندهما صحيح محتج به” ا. هـ. جامع العلوم والحكم (2/ 227).
(4) في “هـ”: “تقدمها”.
(5) في “أ”: “جنبة”، وفي “ب”: “جنب”.
(6) براءة الذمة أي أنها غير مشغولة بحق آخر. وهي قاعدة من قواعد الفقه.
انظر: درر الحكام لعلي حيدر (1/ 22)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (59)، والأشباه والنظائر للسيوطي (39)، شرح المجلة (22).
(7) في “أ” و”ب”: “جنبة”.

(1/192)


المتداعيين (1)، فأيهما قوي جانبه شرعت اليمين في حقه (2) تقوية وتأكيدًا ولهذا لما قوي جانب المدعين باللوث شرعت الأيمان في جانبهم (3) ولما قوي جانب المدعي بنكول المدعى (4) عليه ردت اليمين عليه، كما حكم به الصحابة (5)، وصوَّبه الإمام أحمد (6)، وقال: ما هو ببعيد، يحلف ويأخذ. ولما قوي جانب المدعى عليه بالبراءة الأصلية: كانت اليمين في حقه (7)، وكذلك الأمناء، كالمودعَ (8)،
__________
(1) انظر: تهذيب السنن (6/ 325)، مجموع الفتاوى (34/ 81)، المغني (7/ 330)، الاختيارات (343)، جامع العلوم والحكم (2/ 234)، التعيين في شرح الأربعين للطوفي (286).
(2) هكذا “حقه”، ولعل الصواب “جنبه”.
(3) “لما قوي جانب المدعين باللوث شرعت الأيمان في جانبهم” ساقطة من “ب”.
(4) “بنكول المدعى” ساقطة من “هـ”.
(5) كأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. رواه البيهقي (10/ 310) وقال: “هذا إسناد صحيح إلا أنه منقطع” ا. هـ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 237) رقم (559) قال الهيثمي: “ورجاله رجال الصحيح” ا. هـ. مجمع الزوائد (4/ 185)، ورواه ابن القاص بإسناده في أدب القاضي (1/ 282). وسيأتي بعض الآثار في فصل القضاء بالنكول ورد اليمين.
(6) المغني (14/ 433)، الفروع (6/ 477).
(7) هكذا “حقه”، ولعل الصواب “جنبه”.
(8) نقل الشيرازي وابن هبيرة الإجماع على أن الضمان لا يجب على المودع إلا بالتعدي. المهذب مع المجموع (14/ 177)، الإفصاح (2/ 23). ونقل ابن رشد الاتفاق بقوله: “اتفقوا على أنها أمانة لا مضمونة إلا ما حُكي عن عمر بن الخطاب” ا. هـ. بداية المجتهد (8/ 151) مع الهداية. وانظر: بدائع الصنائع (6/ 210)، المبسوط (11/ 114)، الكافي لابن عبد البر (403)، التفريع (2/ 269)، مختصر خليل (251)، التلقين (2/ 434)، الذخيرة (9/ 145)، الإجماع (61)، مغني المحتاج (3/ 81)، =

(1/193)


والمستأجر (1)، والوكيل (2)، والوصي (3): القول قولهم، ويحلفون؛ لقوة جانبهم بالأيمان (4). فهذه قاعدة الشريعة المستمرة، فإذا أقام
__________
= المحرر (1/ 364)، الفروع (4/ 484)، شرح منتهى الإرادات (2/ 358)، المبدع (5/ 233)، الإقناع لطالب الانتفاع (3/ 5).
(1) انظر: مختصر القدوري (102)، المبسوط (15/ 103)، نوادر الفقهاء (255)، المعونة (2/ 1097 و 1110)، المنتقى (6/ 71)، والتفريع (2/ 189)، الكافي لابن عبد البر (375)، الإشراف لابن المنذر (2/ 124)، الإجماع (60)، حلية العلماء (5/ 446)، المحرر (1/ 358)، الرعاية الصغرى (1/ 400)، التذكرة في الفقه (164)، الإفصاح (2/ 43)، شرح منتهى الإرادات (2/ 261)، المحلى (8/ 201)، روضة الطالبين (4/ 297)، قواعد ابن رجب (1/ 315) “القاعدة الرابعة والأربعون”.
(2) بدائع الصنائع (6/ 34)، مجمع الضمانات (251)، نوادر الفقهاء (278)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (275)، المعونة (2/ 1241)، التفريع (2/ 316)، الكافي لابن عبد البر (395)، المهذب مع تكملة المجموع الثانية (14/ 157)، روضة الطالبين (3/ 554)، مغني المحتاج (2/ 230)، الرعاية الصغرى (1/ 378)، الهداية (1/ 169)، الإرشاد (367)، بلغة الساغب (237)، المبدع (4/ 381)، قواعد ابن رجب (1/ 324)، المقنع (129). مع التنبيه أن مذهب مالك لا يقبل قوله إلا ببينة.
(3) انظر: مجمع الضمانات (399)، روضة القضاة (2/ 707)، النتف في الفتاوى (1/ 529)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (275)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 433)، الذخيرة (7/ 180)، روضة الطالبين (3/ 570)، الهداية (1/ 218)، رؤوس المسائل الخلافية (3/ 1150)، الجامع الصغير في الفقه (215)، حلية العلماء (6/ 149)، المبدع (4/ 347)، قواعد ابن رجب (1/ 326).
(4) “بالأيمان” هكذا في جميع النسخ. وقد ذكر العلامة ابن باز رحمه الله أن الصواب: “بالائتمان” وبه يستقيم المعنى.

(1/194)


المدعي شاهدًا واحدًا قوي جانبه، فترجح على (1) جانب المدعى عليه الذي ليس معه إلا مجرد استصحاب الأصل، وهو دليل ضعيف يرفع بكل دليل يخالفه (2)، ولهذا يرفع بالنكول واليمين المردودة واللوث والقرائن الظاهرة، فرفع بقول الشاهد الواحد، وقويت شهادته بيمين المدعي، فأي قياس أحسن من هذا وأصح (3)؟ مع موافقته (4) للنصوص والآثار التي لا تُدفع.

فصل

وقد ذهب طائفة من قضاة السلف العادلين إلى الحكم بشهادة الشاهد الواحد، إذا علم صدقه من غير يمين، قال أبو عبيد: رُوّينا عن عظيمين من قضاة أهل العراق: شريح، وزرارة بن أبي أوفى – رحمهما الله – أنهما قضيا بشهادة شاهد واحد. ولا ذكر لليمين في حديثهما (5).
حدثنا الهيثم بن جميل عن شريك عن أبي إسحاق (6) قال: أجاز شريح شهادتي وحدي (7).
__________
(1) “على” ساقطة من “هـ”.
(2) في “أ”: “مخالفة”.
(3) وفي “ب”: “وأوضح”.
(4) في “ب”: “موافقة”.
(5) وسيأتي تخريجه قريبًا.
(6) هو عمرو بن عبد الله بن ذي يُحْمِد الهمذاني الكوفي أبو إسحاق السبيعي الحافظ. توفي سنة 127 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: الطبقات الكبرى (6/ 311)، تهذيب الكمال (22/ 102)، سير أعلام النبلاء (5/ 392).
(7) رواه الشافعي في الأم (6/ 357)، وابن أبي شيبة (4/ 539)، ووكيع في =

(1/195)


قال (1) حدثنا القاسم بن جميل (2) عن حماد بن سلمة عن عمران بن حدير (3)، قال: شهد (4) أبو مجلز (5) عند زرارة بن أبي أوفى، قال أبو مجلز: فأجاز شهادتي وحدي، ولم يصب (6).
قلت: لم يصب عند أبي مجلز (7)، وإلا فإذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد جاز له الحكم بشهادته، وإن رأى تقويته باليمين فعل،
__________
= أخبار القضاة (2/ 271 و 275)، والبيهقي (10/ 293)، وفي المعرفة (14/ 295).
(1) “قال” من “هـ”.
(2) في “جـ”: “حميد”. القاسم بن جميل لم أجد له ترجمة، وهو من رجال الطحاوي في شرح المعاني (1/ 422)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 90) و (5/ 19). وفي النسخة “جـ”: “بن حميد”، فإن صحت فهو “ابن عبد الرحمن بن عوف المدني”، ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 331).
(3) في “هـ”: “عمر بن حيدر”، وفي “جـ”: “عمر بن حدير”، والصواب ما أثبتناه. وهو عمران بن حدير السدوسي أبو عبيد البصري. توفي سنة 149 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ 30)، تاريخ الدارمي (138)، تهذيب الكمال (22/ 314)، علل ابن المديني (119)، سير أعلام النبلاء (6/ 263).
(4) “شهد” ساقطة من “أ”.
(5) لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري أبو مجلز. توفي سنة 106 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (9/ 124)، تهذيب الكمال (31/ 176)، تاريخ الإسلام (7/ 14 و 199).
(6) رواه الشافعي في الأم (6/ 357)، وعبد الرزاق (8/ 337)، وابن أبي شيبة (4/ 539)، والبيهقي (10/ 293)، وفي المعرفة (14/ 295).
(7) في “د” و”و”: “لم يصب عندي أبو مجلز”.

(1/196)


وإلا فليس ذلك بشرط، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لما حكم بالشاهد واليمين لم يشترط اليمين، بل قوى بها شهادة الشاهد.
وقال أبو داود في “السنن” (1): باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به. ثم ساق حديث خزيمة بن ثابت: “أَنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أعْرابي (2)، فَأَسْرَعَ النَّبِي – صلى الله عليه وسلم – المَشْيَ، وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِي، فَطفِقَ (3) رِجَال يَعْتَرِضُونَ الأَعْرابي، فَيسَاوِمُونَه بِالفَرَس، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الأَعْرابِي رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم -: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الفَرَسَ وَإِلَّا بعْتُهُ، فَقَامَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِي، فَقَالَ: “أَوَ لَيْسَ قَد ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟ ” قَالَ الأَعْرَابِي: لَا وَاللهِ، مَا بعْتُكَ، فَقَالَ النَّبِي – صلى الله عليه وسلم -: “بَلَى، قَد ابْتَعْتُهُ مِنكَ”. فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا. فَقَالَ خَزَيْمَةُ بْن ثَابِت: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَايَعْته فَأقْبَلَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – عَلَى خُزَيْمَةَ، فَقَالَ: “بِمَ تَشْهَدُ؟ ” قَالَ: بتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ الله، فَجَعَلَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – شَهَادَةَ خُزَيَمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَينِ”. ورواه النسائي (4). وفي هذا الحديث عدة فوائد:
__________
(1) (10/ 25) “مع شرحه عون المعبود”.
(2) واسمه: سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي. الغوامض والمبهمات لابن بشكوال (1/ 390)، مختصر سنن أبي داود للمنذري (5/ 224)، الإصابة (2/ 93).
(3) طفق يفعل كذا أي جعل يفعل. مختار الصحاح (394)، لسان العرب (10/ 225).
(4) سبق تخريجه ص: 97.

(1/197)


منها: جواز شراء الإمام الشيء من رجل من رعيته.
ومنها: مباشرته الشراء بنفسه.
ومنها: جواز الشراء ممن يجهل حاله، ولا يسأل من أين لك هذا؟
ومنها: أن الإشهاد على البيع ليس بلازم.
ومنها: أن الإمام إذا تيقن من (1) غريمه اليمين الكاذبة لم يكن (2) له تعزيره؛ إذ هو غريمه.
ومنها: الاكتفاء بالشاهد الواحد إذا علم صدقه، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما قال (3) لخزيمة: أحتاج معك إلى شاهد آخر، وجعل شهادته بشهادتين؛ لأنها تضمنت شهادته لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالصدق العام فيما يخبر به عن الله، والمؤمنون مثله في هذه الشهادة، وانفرد بشهادته له بعقد التبايع مع الأعرابي، دون الحاضرين؛ لدخول هذا الخبر في جملة الأخبار التي يجب على كل مسلم تصديقه فيها، وتصديقه بها من لوازم الإيمان، وهي الشهادة التي تختص بهذه الدعوى، وقد قبلها منه وحده (4)، والحديث صريح فيما ترجم عليه أبو داود – رحمه الله -.
وليس هذا الحكم بالشاهد الواحد مخصوصًا بخزيمة (5)، دون من
__________
(1) “من” ساقطة من “هـ”.
(2) في “ب”: “يمكن”.
(3) في “أ”: “لم يقل”.
(4) انظر: تهذيب السنن للمؤلف (5/ 223).
(5) وفي إعلام الموقعين (2/ 115) ذكر أن هذا من خصائصه رضي الله عنه.

(1/198)


هو خير منه أو مثله من الصحابة، فلو شهد أبو بكر وحده، أو عمر أو عثمان أو علي أو أُبيُّ بن كعب – رضي الله عنهم – لكان أولى بالحكم بشهادته وحده. والأمر الذي لأجله جعل شهادته بشهادتين (1) موجود في غيره، ولكنه أقام الشهادة وأمسك عنها غيره، وبادر هو إلى وجوب الأداء، إذ ذلك من موجبات تصديقه لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

وقد قبل النبي – صلى الله عليه وسلم – شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان (2)، وتسمية بعض الفقهاء (3) ذلك إخبارًا، لا شهادة: أمر لفظي لا يقدح في الاستدلال، ولفظ الحديث يرد قوله (4).
وأجاز الشاهد الواحد في قصة السلب، ولم يطالب القاتل بشاهد آخر، ولا استحلفه، وهذه القصة صريحة في ذلك.
ففي “الصحيحين” (5) عن أبي قتادة قال: “خَرَجْنا مع رَسُولِ الله
__________
(1) وفي “د”: “بشاهدين”.
(2) رواه أبو داود (2340)، والترمذي (691)، والنسائي (2112)، وابن ماجه (1652)، وابن خزيمة (3/ 208) (1923) (1924)، وابن حبان (8/ 229) (3446)، والحاكم (1/ 424)، من طرق عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا. وصححه ابن جرير في تهذيب الآثار (2/ 756 – مسند ابن عباس)، والحاكم ولم يتعقبه الذهبي، ورجح ابن حبان إرساله.
(3) انظر: المبسوط (10/ 168)، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (2/ 409)، الإنصاف (7/ 339)، كشاف القناع (4/ 304).
(4) في “ب”: “يرد على قوله”.
(5) البخاري (6/ 284) رقم (3142)، ومسلم (12/ 301) رقم (1751).

(1/199)


– صلى الله عليه وسلم – في عام خيبر (1)، فلمَّا التَقَيْنَا كانت للمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قال: فَرَأَيْتُ رجُلًا من المُشْرِكِينَ قد عَلَا رَجُلًا (2) من المسلمين، فَاسْتَدَرْتُ له حتَّى أَتَيْتُهُ مِن وَرائِهِ، فضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ على حبل عاتِقِه (3)، فَأَقْبَلَ عَليَّ، فَضَمَّني ضَمَّةً وَجَدْتُ منها رِيْحَ المَوْتِ، ثُمَّ أَدْركَهُ المَوْتُ، فَأرْسَلَنِي. فَلَحِقْتُ عُمر بن الخطاب، فقُلْتُ: ما بالُ النَّاسِ؟ قال: أَمْرُ اللهِ، ثم إِن النَّاسَ رَجَعوا، وجَلَسَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: “مَنْ قَتَلَ قتيلًا له عليه بَيِّنةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ”، قال: فقُمْتُ، ثم قُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثم قال: الثانية (4) مثلَهُ، فَقُمْتُ، فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: “ما لَكَ يا أَبا قَتَادَة”؟ فَقَصَصْتُ علَيهِ القِصَّةَ، فقال رَجُلٌ (5) من القَوْمِ: صَدَقَ يا رسولَ اللهِ، وسَلَبُ ذلك القَتِيلِ عِنْدي فَأَرْضِهِ عنِّي، فقال أبو بكرٍ الصدِّيق: لاها اللهِ (6) لا يَعْمِدُ إلى أَسَدٍ مِن أُسْدِ اللهِ يُقاتِلُ عن اللهِ ورسولِهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: “صَدَقَ، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ”. قال أبو قتادة: فَأَعْطَانِيهِ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِه مَخْرفًا (7) في بني
__________
(1) هكذا في جميع النسخ، والصواب: “حنين” كما في الصحيحين وكما سيذكره المؤلف في الطريق السادس.
(2) قال الحافظ ابن حجر: “لم أقف على اسمهما” ا. هـ. الفتح (7/ 632).
(3) حبل العاتق: عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب. فتح الباري (7/ 632).
(4) هكذا في جميع النسخ: “الثانية”، والصواب: “الثالثة” كما في الصحيحين.
(5) قال الحافظ: “لم أقف على اسمه” ا. هـ. الفتح (6/ 287).
(6) لاها الله إذا أي لا والله يكون ذا. فتح الباري (7/ 633) “نقلًا عن الخطابي” وقد أطال الحافظ في بيان معناها.
(7) مخرفًا: بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي: بستانًا سمي بذلك لأنه =

(1/200)


سَلَمَةَ، فإنَّه لأَوَّلُ مالٍ تأَثَّلْتُهُ (1) في الإسلامِ”.
وهذا يدل على أن البينة تطلق على الشاهد الواحد، ولم يستحلفه النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهذا أحد الوجوه في هذه المسألة، وهو الصواب (2): أنه يقضى له بالسلب بشهادة واحد، ولا معارض لهذه السنة، ولا مسوغ لتركها، والله أعلم.

وقد قبل النبي – صلى الله عليه وسلم – شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، وقد شهدت على فعل نفسها، ففي “الصحيحين” (3) عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب (4)، فجاءت أمةٌ سوداء (5)، فقالت: قد
__________
= يخرف منه التمر أي: يجتنى. انظر: الفتح (7/ 636)، أعلام الحديث (3/ 1754)، النهاية (2/ 24).
(1) تأثلته أي جعلته أصل مال، وأثْلَةُ كل شيء أصله. أعلام الحديث (3/ 1754)، فتح الباري (7/ 636)، النهاية (1/ 23).
(2) ونقله ابن عطية عن أكثر الفقهاء. تفسير ابن عطية (2/ 499). وانظر: فتح الباري (6/ 287)، شرح العمدة لابن الملقن (10/ 316)، تفسير القرطبي (8/ 8)، زاد المعاد (3/ 492)، إعلام الموقعين (1/ 143)، التمهيد (23/ 246).
(3) البخاري (1/ 222) رقم (88) و (4/ 341) رقم (2052) و (5/ 297) رقم (2640). الحديث ليس في صحيح مسلم. وانظر: إرواء الغليل (7/ 225) ولم يخرج مسلم لعقبة بن الحارث شيء. انظر: تهذيب الكمال (20/ 193)، تاريخ الإسلام (5/ 187)، الإصابة (2/ 481).
(4) واسمها غنية إحدى الصحابيات الكريمات – رضي الله عنها – لم أجد لها ترجمة. انظر: الإصابة (4/ 361 و 482)، وفتح الباري (5/ 317).
(5) قال الحافظ: “لم أقف على اسمها” ا. هـ. فتح الباري (5/ 317).

(1/201)


أرضعتكما، فذكرت ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم -، فاعرض عني، قال: فتنحيت، فذكرت ذلك له، قال: “فَكَيْفَ وقَدْ زَعَمَتْ أن قَدْ أَرْضَعَتْكُما؟ “.
وقد نص أحمد (1) على ذلك في رواية بكر بن محمد (2) عن أبيه، قال: في المرأة تشهد على ما لا يحضره الرجال من إثبات استهلال الصبي، وفي الحمام يدخله النساء، فتكون بينهن جراحات. وقال إسحاق بن منصور (3): قلت لأحمد في شهادة الاستهلال: تجوز شهادة امرأة واحدة في (4) الحيض والعذرة والسقط والحمام وكل ما لا يطلع عليه إلا النساء؟ فقال (5): تجوز شهادة (6) امرأة إذا كانت ثقة (7).
__________
(1) في “ب” و”هـ”: “الإمام أحمد”.
(2) بكر بن محمد بن الحكم النسائي أبو أحمد البغدادي. انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 318)، المنهج الأحمد (1/ 381)، الوافي بالوفيات (10/ 216).
(3) هو إسحاق بن منصور بن بَهْرام الكَوْسَج المروزي أبو يعقوب الإمام الفقيه من رجال الصحيحين. توفي 251 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/ 303)، تهذيب الكمال (2/ 474)، سير أعلام النبلاء (12/ 258).
(4) “في” ساقطة من “أ”.
(5) “فقال” ساقطة من “أ” و”ب” و”هـ”.
(6) “شهادة” ساقطة من “هـ”.
(7) مسائل إسحاق بن منصور (2/ 391). وانظر: المحرر (2/ 327)، المغني (14/ 134)، المقنع لابن البناء (4/ 1297)، الفروع (6/ 593)، شرح الزركشي (7/ 314)، العدة (702)، المبدع (15/ 260)، النكت والفوائد (2/ 328)، الشرح الكبير (30/ 31)، التسهيل (202)، الإنصاف (30/ 31)، شرح منتهى الإرادات (3/ 602).

(1/202)


فصل

ويجوز القضاء بشهادة النساء منفردات في غير (1) الحدود والقصاص عند جماعة من الخلف والسلف.
قال أبو عبيد: حدثنا يزيد (2) عن جرير بن حازم (3) عن الزبير بن خرِّيت (4) عن أبي لبيد (5) “أن سكرانًا طلق امرأته ثلاثًا، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه (6) -، وشهد عليه أربع نسوة، ففرق بينهما عمر” (7).
__________
(1) “غير” ساقطة من “هـ”.
(2) هو يزيد بن هارون بن زاذي السلمي أبو خالد الواسطي. توفي سنة 206 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (32/ 261)، سير أعلام النبلاء (9/ 358).
(3) هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله أبو النضر الأزدي. توفي سنة 170 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (4/ 524)، سير أعلام النبلاء (7/ 98).
(4) هو الزبير بن الخريت البصري وثقه أحمد وابن معين. انظر: تهذيب الكمال (9/ 301)، تهذيب التهذيب (3/ 279)، الجرح والتعديل (3/ 581).
(5) لمازة بن زبَّار الأزدي الجهضمي أبو لبيد البصري وثقه ابن سعد وقال أحمد: “صالح الحديث”. انظر: تهذيب الكمال (24/ 250)، تاريخ الإسلام (24/ 519)، تهذيب التهذيب (8/ 399).
(6) “بن الخطاب رضي الله عنه” من “ب” و”هـ”.
(7) رواه ابن حزم من طريق أبي عبيد (9/ 397) ورجاله ثقات. ونحوه عند ابن أبي شيبة (4/ 78)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 133).

(1/203)


حدثنا ابن أبي زائدة (1) عن يزيد (2) عن حجاج (3) عن عطاء (4): أنه أخذ بشهادة النساء في النكاح (5).
حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن عون (6) عن الشعبي عن شريح: أنه أجاز شهادة النساء في الطلاق (7).
قال أبو عبيد: لا يصح حديث عمر في شهادة النساء في الطلاق (8)، وإنما يرويه (9) أبو لبيد، ولم يدرك عمر (10).
__________
(1) “ابن أبي زائدة” من “ب” و”جـ”. وهو زكريا بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الوادعي أبو يحيى. توفي سنة 149 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: العلل ومعرفة الرجال لأحمد (1/ 140)، تهذيب الكمال (9/ 359)، سير أعلام النبلاء (6/ 202).
(2) “عن يزيد” ساقطة من “ب”. وهو ابن هارون الواسطي.
(3) هو ابن أرطاة.
(4) هو عطاء بن أبي رباح.
(5) وذكره ابن حزم بإسناد أبي عبيد. المحلى (9/ 398). وعطاء يرى جواز شهادة النساء في كل شيء. مصنف عبد الرزاق (8/ 331)، المحلى (9/ 398).
(6) هو عبد الله بن عون بن أرْطبان المزني أبو عون البصري. توفي سنة 151 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (5/ 130)، حلية الأولياء (3/ 37)، تهذيب الكمال (15/ 394)، سير أعلام النبلاء (6/ 364).
(7) في “أ”: “العتق”.
(8) قول أبي عبيد ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(9) في “جـ”: “رواه”.
(10) تهذيب الكمال (24/ 251)، تهذيب التهذيب (8/ 399).

(1/204)


وقد قال بعض الفقهاء (1): تجوز شهادة النساء في الحدود.
فالأقوال ثلاثة، أرجحها: أنه تجوز شهادة النساء منفردات (2) فيما لا يطلع عليه الرجال غالبًا.
قال الأثرم (3): قلت لأبي عبد الله (4): شهادة المرأة الواحدة في الرضاع تجوز؟ قال: نعم.
وقال علي بن سعيد (5): سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن شهادة المرأة الواحدة في الرضاع أتجوز (6)؟ قال: تجوز على حديث عقبة بن الحارث (7).
وقال إبراهيم بن الحارث: قيل لأحمد: شهادة المرأة الواحدة في
__________
(1) في “أ”: “الناس”. كعطاء بن أبي رباح. عبد الرزاق (8/ 331)، وهو مذهب الظاهرية. المحلى (9/ 398).
(2) في “ب” و”هـ”: “متفرقات”.
(3) هو أحمد بن محمد بن هاني الأثرم الطائي الإمام الحافظ. توفي سنة 261 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 162)، سير أعلام النبلاء (12/ 623)، تهذيب التهذيب (1/ 71).
(4) وهو الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.
(5) هو علي بن سعيد بن جرير النسوي أبو الحسن بقي إلى سنة 256 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة (2/ 126)، تاريخ الإسلام (19/ 213)، المنهج الأحمد (1/ 427). في جميع النسخ عدا “هـ”: “علي بن سعيد”، وفي “هـ”: “علي المديني”، والأرجح والله أعلم – علي بن سعيد لأن له مسائل في جزأين عن الإمام أحمد. طبقات الحنابلة (2/ 126).
(6) “أتجوز” ساقطة من “أ” و”ب” و”هـ”.
(7) تقدم تخريجه ص (202).

(1/205)


الرضاع تجوز؟ قال: نعم (1).
وكذلك قال في رواية الحسن (2) بن ثواب (3)، ومحمد بن الحسن (4)، وأبي طالب (5)، وابن منصور (6)، ومهنا (7)، وحرب (8)، واحتج بحديث عقبة بن الحارث (9) هذا، وقال: هو حجة في شهادة
__________
(1) طبقات الحنابلة (1/ 239)، المنهج الأحمد (1/ 370).
(2) “الحسن” ساقطة من “ب”.
(3) الحسن بن ثواب التغلبي المخزومي أبو علي وثقه الدارقطني. توفي سنة 268 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 352)، المقصد الأرشد (1/ 317)، المنهج الأحمد (1/ 234).
(4) محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا أبو جعفر الموصلي. توفي سنة 303 هـ – رحمه الله تعالى -. طبقات الحنابلة (2/ 280)، المنهج الأحمد (1/ 317)، تاريخ بغداد (2/ 188).
(5) أحمد بن حميد أبو طالب المُشكاني صحب الإمام أحمد. توفي سنة 242 – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 81)، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي (610).
(6) مسائل إسحاق بن منصور (2/ 383 – 388) “طبعة دار الهجرة”.
(7) هو مهنا بن يحيى الشامي السلمي أبو عبد الله من كبار أصحاب الإمام أحمد روى عنه من المسائل ما فخر به. توفي سنة 248 هـ. انظر: تاريخ بغداد (13/ 266)، طبقات الحنابلة (2/ 432)، المنتظم (12/ 17)، المنهج الأحمد (1/ 449).
(8) حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني أبو محمد الإمام العلامة الفقيه تلميذ الإمام أحمد له مسائل عن الإمام أحمد وهي من أنفس كتب الحنابلة. توفي سنة 280 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 388)، سير أعلام النبلاء (13/ 244)، شذرات الذهب (3/ 330).
(9) “بن الحارث” ساقط من “أ”. وسبق تخريج الحديث ص (202).

(1/206)


العبد؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أجاز شهادتها وهي أمة (1).
وقال أبو الحارث (2): سألت أحمد عن شهادة القابلة؟ فقال: هو موضع لا يحضره الرجال، ولكن إن كن اثنتين أو ثلاثًا (3) فهو أجود.
وقال في رواية إبراهيم بن هاشم (4) – وقد سئل عن قول القابلة: أيقبل؟ – قال: كلما كثر كان أعجب إلينا: ثلاث، أو أربع.
وقال سندي (5): سألت أحمد عن شهادة امرأتين في الاستهلال؟ فقال: يجوز، إن هذا شيء لا ينظر إليه الرجال (6).
وقال مهنا: سألت أحمد عن شهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي؟ فقال: لا تجوز شهادتها وحدها (7). وقال لي أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها، وإن كانت يهودية أو
__________
(1) سيأتي الحديث عن شهادة العبد مفصلًا في الطريق الرابع عشر. انظر: النكت والفوائد على المحرر (2/ 328).
(2) أحمد بن محمد بن عبد الله أبو الحارث الصائغ، لم أجد تاريخ وفاته. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 177)، المنهج الأحمد (1/ 363).
(3) في “أ” و”ب” و”هـ”: “ثلاثة”.
(4) هو إبراهيم بن هاشم بن الحسين أبو إسحاق البيّع المعروف بالبغوي. توفي سنة 297 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 254)، تاريخ بغداد (6/ 201)، المنهج الأحمد (1/ 309).
(5) سِنْدي أبو بكر الخواتيمي البغدادي، لم أجد تاريخ وفاته. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 455)، المنهج الأحمد (1/ 405).
(6) انظر: كتاب الروايتين والوجهين لأبي يعلى “المسائل الفقهية” (3/ 88).
(7) انظر: كتاب الروايتين والوجهين لأبي يعلى “المسائل الفقهية” (3/ 88).

(1/207)


نصرانية (1). فسألت أحمد فقلت: هو كما قال أبو حنيفة؟ فقال: أنا لا أقول تجوز شهادة واحدة مسلمة، فكيف أقول يهودية؟ (2)
واختلفت الرواية عنه في الاستهلال: هل يكتفى فيه بواحدة أم لا بد من اثنتين؟ وكذلك الولادة (3).
قال أحمد بن القاسم: سئل أحمد عن شهادة المرأة في الولادة وا لاستهلال، هل تجوز امرأة أو امرأتان؟ قال: امرأتان فأكثر، وليست الواحدة مثل الاثنتين (4).
وقد قال عطاء: أربع (5)، ولكن امرأتان تقبل في مثل هذا، إذا كان أمر النساء (6) مما لا يجوز أن يراه الرجال.
وقال أحمد بن أبي عبيدة (7): إن أبا عبد الله قيل له: فالشهادة على
__________
(1) المبسوط (6/ 49)، نوادر الفقهاء (312)، روضة القضاة (1/ 209)، ملتقى الأبحر (2/ 84) “مؤسسة الرسالة”، الاختيار (2/ 140)، مصنف ابن أبي شيبة (4/ 335).
(2) انظر: كتاب الروايتين والوجهين لأبي يعلى “المسائل الفقهية” (3/ 88)، الجامع للخلال “قسم الملل” (1/ 277).
(3) انظر: كتاب الروايتين والوجهين لأبي يعلى “المسائل الفقهية” (3/ 88).
(4) في “أ” و”هـ”: “اثنتين”. انظر: كتاب الروايتين والوجهين لأبي يعلى “المسائل الفقهية” (3/ 88).
(5) رواه عبد الرزاق (7/ 483)، والشافعي في الأم (7/ 88)، وابن أبي شيبة (4/ 335)، وسحنون في المدونة (5/ 158)، والبيهقي (7/ 762)، وفي المعرفة (14/ 260).
(6) في “أ”: “المرأة”.
(7) في جميع النسخ: “عبيدة”. والصواب: “عَبْدة”. وهو أحمد بن أبي عبْدة أبو =

(1/208)


الاستهلال؟ قال: أحب إلي أن تكون امرأتين (1).
وقال حرب (2): سئل أحمد، قيل له: الشهادة على استهلال الصبي؟ قال: لا إلا أن تكون امرأتين.
وكذلك كل شيء لا يطلع عليه الرجال لا تعجبه شهادة امرأة واحدة، حتى تكون امرأتين.
وقال أبو طالب: قلت لأحمد: ما تقول في شهادة القابلة تشهد بالاستهلال؟ فقال: تقبل شهادتها؛ هذا (3) ضرورة. قال: ويقبل قول المرأة الواحدة.
وقال هارون الحمال (4): سمعت أبا عبد الله يذهب إلى أنه تجوز شهادة القابلة وحدها، فقيل له: إذا كانت مرضية؟ فقال: لا يكون إلا هكذا.
__________
= جعفر همذاني، ذكره أبو بكر الخلال فقال: “جليل القدر كان أحمد يكرمه وكان ورعًا نقل عن إمامنا مسائل كثيرة”. توفي قبل وفاة أحمد. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 214)، المنهج الأحمد (1/ 368).
(1) ذكرها ابن أبي يعلى في ترجمته (1/ 215)، والعليمي في المنهج الأحمد (1/ 369).
(2) انظر: كتاب الروايتين والوجهين (3/ 89).
(3) في “هـ”: “هنا”.
(4) هو هارون بن عبد الله بن مروان أبو موسى البزار. توفي – رحمه الله تعالى – سنة 243 هـ. انظر: طبقات الحنابلة (1/ 514)، سير أعلام النبلاء (12/ 115)، تاريخ بغداد (14/ 21)، المنتظم (11/ 310).

(1/209)


وقال إسحاق بن منصور (1): قلت لأحمد: هل تجوز شهادة المرأة؟ قال: شهادة المرأة (2) في الرضاع والولادة فيما لا يطلع عليه الرجال، قال (3): وأجوّز شهادة امرأة واحدة إذا كانت ثقة، فإن كان أكثر فهو أحب إليَّ.
وقال إسماعيل بن سعيد (4): سألت أحمد: هل تقبل شهادة الذمية على الاستهلال؟ قال: لا، وتقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت مسلمة عدلة (5).
__________
(1) مسائل إسحاق بن منصور (2/ 391).
(2) في “أ”: “امرأة”.
(3) “قال” ساقطة من “ب”.
(4) هو إسماعيل بن سعيد الشالنجي أبو إسحاق. توفي سنة 230 هـ – رحمه الله تعالى -. طبقات الحنابلة (1/ 273)، المنتظم (11/ 155)، الأنساب (7/ 259)، تاريخ جرجان (141).
(5) انظر: مذهب الإمام أحمد في قبول شهادة المرأة الواحدة في الولادة والاستهلال والرضاع والعيوب تحت الثياب والبكارة: مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 286)، مسائل أحمد رواية ابن هانئ (2/ 36)، المحرر (2/ 327)، المقنع لابن البناء (4/ 1297)، المغني (14/ 134)، الشرح الكبير (30/ 31)، شرح الزركشي (7/ 314)، قواعد ابن رجب (3/ 15)، المبدع (10/ 260)، التسهيل (202)، الفروع (6/ 593)، النكت والفوائد (2/ 328 و 331)، العدة (702)، الإنصاف (30/ 13)، كشاف القناع (6/ 436)، شرح منتهى الإرادات (3/ 602).

(1/210)


فصل
وفي هذا الباب حديثان وأثر وقياس:
فأحد الحديثين: متفق على صحته، وهو حديث عقبة بن الحارث (1) وقد تقدم (2). والحديث الثاني: رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما من حديث أبي عبد الرحمن المدائني (3) – مجهول – عن الأعمش عن أبي وائل (4) عن حذيفة: “أنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – أَجازَ شَهَادَةَ القَابِلَةِ” (5).
__________
(1) في “أ” و”ب” و”هـ”: “عقبة بن عامر”.
(2) ص (202).
(3) أبو عبد الرحمن المدائني لم أجد له ترجمة سوى قول الدارقطني والبيهقي “مجهول”. سنن الدارقطني (4/ 233)، سنن البيهقي (10/ 254). وانظر: ميزان الاعتدال (7/ 394).
(4) “عن الأعمش عن أبي وائل” ساقطة من “ب”، وفي “جـ” و”هـ”: “عن الأعمش عن حذيفة”. وأبو وائل هو شقيق بن سلمة بن وائل الأسدي الإمام الكبير شيخ الكوفة مخضرم أدرك النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يره. توفي سنة 88 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ خليفة (288)، تهذيب الكمال (12/ 548)، سير أعلام النبلاء (4/ 161)، حلية الأولياء (4/ 101).
(5) رواه الدارقطني (4/ 233)، والبيهقي (10/ 254)، وفي المعرفة (14/ 262)، والخطيب في التاريخ (14/ 403)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 389)، والطبراني في الأوسط (1/ 354) رقم (600). قال الدارقطني: “محمد بن عبد الملك لم يسمعه من الأعمش بينهما رجل مجهول”، وقال البيهقي في المعرفة (14/ 262): “لا يصح”. وذكر ابن عبد الهادي عن شيخه أنه قال: “حديث باطل لا أصل له” ا. هـ. التنقيح (3/ 546). وانظر: =

(1/211)


وأما الأثر: فقال مهنا: سألت أحمد عن حديث علي – رضي الله عنه -: “أنه أجاز شهادة القابلة” (1) عمن هو؟ فقال: هو عن شعبة عن جابر الجعفي عن عبد الله بن نُجَيّ (2) عن علي.
قلت: ورواه الثوري عن جابر (3).
وقال الشافعي: لو ثبت عن علي صرنا إليه، ولكنه لا يثبت عنه (4).
وتناظر الشافعي ومحمد بن الحسن (5) في هذه المسألة بحضرة
__________
= نصب الراية (4/ 80)، التعليق المغني (4/ 233). وقال الهيثمي: “رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفه”. مجمع الزوائد (4/ 204).
(1) رواه عبد الرزاق (7/ 485)، وابن أبي شيبة (4/ 335)، والدارقطني (4/ 233)، والبيهقي (10/ 254) وقال: “هذا لا يصح جابر الجعفي متروك وعبد الله بن نجي فيه نظر” ا. هـ. وضعفه الزيلعي في نصب الراية (4/ 80)، المحلى (9/ 399).
(2) في جميع النسخ عدا “أ”: “يحيى”، وفي “أ”: “نجي”: وهو الصواب. وهو عبد الله بن نُجَي بن سلمة الحضرمي الكوفي، وثقه النسائي وابن حبان، وقال البخاري وابن عدي: “فيه نظر”. انظر: التاريخ الكبير (5/ 214)، الثقات (5/ 30)، تهذيب الكمال (16/ 219)، تهذيب التهذيب (6/ 51).
(3) هو الجعفي. رواه عبد الرزاق (7/ 485)، وابن أبي شيبة (4/ 335).
(4) الأم (6/ 350)، سنن البيهقي (10/ 255)، معرفة السنن (14/ 261).
(5) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني العلامة فقيه العراق أبو عبد الله صاحب أبي حنيفة. توفي سنة 189 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (130)، ترجمة محمد بن الحسن مع صاحبيه للذهبي (79)، سير أعلام النبلاء (9/ 134)، تاج التراجم (187).

(1/212)


الرشيد، فقال الشافعي: بأي شيء قضيت بشهادة القابلة وحدها، حتى ورثت من خليفة ملك الدنيا مالًا عظيمًا؟ قال: بعلي (1) بن أبي طالب. قال الشافعي: فقلت: فعلي إنما روى عنه رجل مجهول، يقال له: عبد الله بن نُجيّ (2)، وروى عن عبد الله: جابرٌ الجعفي، وكان يؤمن بالرجعة (3).
قال البيهقي (4): وقد روى سويد بن عبد العزيز (5)، عن
__________
(1) في “ب”: “علي”.
(2) في جميع النسخ: “يحيى”، وفي “أ”: “نجي”، وهو الصواب. وقد سبقت ترجمته قريبًا.
(3) الرجعة هي الرجوع إلى الدنيا بعد الموت، وقد ذهبت فرق شيعية إلى القول برجوع أئمتهم إلى هذه الحياة، ومنهم من يقر بموتهم ثم رجعتهم، ومنهم من ينكر موتهم، ويقول: بأنهم غابوا وسيرجعون. وأول من قال بالرجعة ابن سبأ. انظر من كتب الشيعة: الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للعاملي، وأوائل المقالات للمفيد (51)، بحار الأنوار (53/ 40)، الغيبة للطوسي (276). والقول بالرجعة مخالف لنص القرآن وباطل بدلالة آيات عديدة قال تعالى {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} [المؤمنون: 99 – 100] فقوله سبحانه: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} صريح في نفي الرجعة مطلقًا. انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية (201)، وأصول مذهب الشيعة (2/ 925)، الشيعة والتشيع (383). مناظرة الشافعي لمحمد بن الحسن رواها بطولها ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 287). وانظر: سنن البيهقي (10/ 254)، المعرفة (14/ 261)، نصب الراية (4/ 80)، تهذيب التهذيب (6/ 52).
(4) السنن الكبرى (10/ 255).
(5) سويد بن عبد العزيز بن نمير السلمي قاضي بعلبك الفقيه المقرئُ، قال ابن =

(1/213)


غيلان (1) بن جامع، عن عطاء بن أبي (2) مروان عن أبيه (3)، عن علي، – وسويد هذا ضعيف -، قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: لو صحت شهادة القابلة عن علي لقلنا به، ولكن في إسناده خلل (4).
قلت: وقد رواه أبو عبيد، حدثنا ابن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي (5)، عن محمد بن الحنفية، عن علي (6).
__________
= معين: “ليس حديثه بشيء”، وقال الدارقطني: “يعتبر به”، وضعفه النسائي وغيره. توفي سنة 194 هـ – رحمه الله تعالى – التاريخ لابن معين (2/ 244)، تهذيب الكمال (12/ 255)، سير أعلام النبلاء (9/ 18).
(1) في “ب”: “علاف”.
(2) “أبي” ساقطة من “جـ” و”هـ”.
(3) أبو مروان الأسلمي والد عطاء مختلف في صحبته، قيل: اسمه سعد، وقيل: مغيث بن عمرو، وقيل: عبد الرحمن بن مصعب. قال العجلي: “مدني تابعي ثقة”. انظر: تهذيب الكمال (34/ 277)، الإصابة (4/ 178)، الكاشف (3/ 376).
(4) سنن البيهقي (10/ 255)، معرفة السنن والآثار (14/ 262).
(5) عبد الأعلى بن عامر الثعلبي الكوفي، روى عن شريح والشعبي ضعفه الأكثرون ووثقه ابن معين. توفي سنة 129 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (16/ 352)، ميزان الاعتدال (4/ 235)، فتح الباري لابن رجب (9/ 257).
(6) أحاديث عبد الأعلى عن ابن الحنفية ضعفها سفيان الثوري، وقال عبد الرحمن بن مهدي: “كل شيء روى عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية إنما هو كتاب أخذه لم يسمعه”. وانظر: الجرح والتعديل (6/ 26)، التاريخ الكبير (6/ 71)، والتاريخ الأوسط للبخاري (2/ 19)، تهذيب الكمال (16/ 354)، تهذيب التهذيب (6/ 86)، ميزان الاعتدال (4/ 235).

(1/214)


ورواه عن (1) الحسن (2) وإبراهيم النخعي (3) وحماد بن أبي سليمان (4)، والحارث العكلي (5) والضحاك (6).
وقد روي عن علي ما يدل على أنه لا يكتفي بشهادة المرأة الواحدة.
قال أبو عبيد: يروى (7) عن علي بن أبي طالب: “أن رجلًا أتاه، فأخبره أن امرأة أتته، فذكرت أنها أرضعته وامرأته، فقال: ما كنت لأفرق بينك وبينها، وأن تنزَّه خير لك، قال: نعم. ثم أتى ابن عباس فسأله؟ فقال له مثل ذلك” (8).
__________
(1) “عن” ساقطة من “هـ”.
(2) الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد الأنصاري البصري الإمام شيخ الإسلام. توفي سنة 110 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: حلية الأولياء (2/ 130)، المنتظم (7/ 136)، طبقات علماء الحديث (1/ 140)، سير أعلام النبلاء (4/ 563)، طبقات الحفاظ (35).
رواه عبد الرزاق (8/ 334)، وابن أبي شيبة (4/ 335).
(3) في “ب”: “الثقفي”. رواه عبد الرزاق (8/ 334)، وابن أبي شيبة (4/ 335).
(4) رواه عبد الرزاق (8/ 334)، وابن أبي شيبة (4/ 335).
(5) المغني (24/ 135)، الشرح الكبير (30/ 33).
(6) الضحاك بن مَخْلد بن الضحاك الشيباني أبو عاصم، وثقه ابن معين وغيره. توفي سنة 224 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (13/ 218)، سير أعلام النبلاء (9/ 480)، ميزان الاعتدال (3/ 445).
(7) في “جـ” و”هـ”: “روي”.
(8) رواه أبو عبيد كما ذكر المؤلف، وذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري =

(1/215)


قال: تحدثون عن ذلك بهذا عن حكام (1) بن صالح عن فائد (2) بن بكر (3) عن علي وابن عباس (4)، حدثني علي بن معبد عن عبد الله (5) بن
__________
= (5/ 318)، تحفة الأحوذي (4/ 462). ورواه سحنون في المدونة (8/ 158).
(1) هكذا: “حكام” في النسخ الخطية. والصواب: “حلام” كما في المدونة (5/ 158). أما حكام بن صالح فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم. وكذلك بالرجوع إلى ترجمة فائد بن بكير نجد ممن روى عنه حلام بن صالح. انظر: التاريخ الكبير (7/ 131)، والثقات (5/ 297). وهو حلام بن صالح العبسي من أهل الكوفة، روى عن أصحاب عمر بن الخطاب وابن مسعود، وثقه ابن حبان. انظر: طبقات ابن سعد (6/ 335)، الثقات (6/ 248).
(2) في جميع النسخ: “قائد”، وفي “ب”: “فائد”، وهو الصواب. وهو فائد بن بكير العبسي، روى عن حذيفة، وروى عنه ابنه بكير وحلام بن صالح، وثقه ابن حبان. انظر: التاريخ الكبير (7/ 131)، الجرح والتعديل (7/ 83)، الثقات (5/ 297). وانظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 191 و 207) حيث روى أثرين من طريق حلام بن صالح عن فائد بن بكير.
(3) هكذا: “بكر”، والصواب: “بكير” كما سبق في ترجمته.
(4) رواه أبو عبيد كما ذكر المؤلف، وذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/ 318)، تحفة الأحوذي (4/ 462). ورواه سحنون في المدونة (5/ 158).
(5) في جميع النسخ: “عبد الله”، والصواب: “عبيد الله” كما في كتب التراجم، ففي ترجمة علي بن معبد ذكر المزي أنه روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي، وكذا في ترجمة عبيد الله بن عمرو الرقي ذكر أنه روى عنه علي بن معبد. وهو عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي أبو وهب الرقي الحافظ الكبير، كان ثقة حجة صاحب حديث لم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره. توفي سنة 180 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (19/ 136)، سير أعلام النبلاء (8/ 310)، تهذيب التهذيب (7/ 37).

(1/216)


عمرو (1)، عن الحارث الغنوي (2): “أن رجلًا من بني عامر تزوج امرأة من قومه، فدخلت عليهما امرأة، فقالت: الحمد لله، والله لقد أرضعتكما، وإنكما لابناي، فانقبض كل واحد منهما عن صاحبه، فخرج الرجل حتى أتى المغيرة بن شعبة، فأخبره بقول المرأة، فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر (3): أن ادع الرجل والمرأة، فإن كان لها بينة على ما ذكرت ففرق بينهما، وإن لم يكن لها بينة فخل بين الرجل وبين امرأته، إلا أن يتنزّها؛ ولو فتحنا هذا الباب للناس (4) لم تشأ امرأة أن تفرق بين اثنين إلا فعلت” (5).
حدثنا عبد الرحمن (6)، عن سفيان (7) قال: سمعت زيد بن
__________
(1) في “ب” و”هـ”: “عمر”.
(2) الحارث الغنوي لم أجد له ترجمة سوى قول الإمام أحمد عنه: “أرجو ألا يكون به بأس”. العلل (1/ 161)، الجرح والتعديل (3/ 95). وثقه ابن حبان. الثقات (8/ 182).
(3) “فكتب عمر” من “أ”.
(4) في “ب”: “بين الناس”.
(5) رواه أبو عبيد كما ذكر المؤلف وذكره ابن حزم في المحلى (9/ 400) والحافظ في الفتح (5/ 318) مختصرًا. وقال ابن حزم (9/ 400): “الحارث الغنوي مجهول” ا. هـ. وقد سبق قريبًا بيان توثيق ابن حبان له، وقول الإمام أحمد عنه: “أرجو أن لا يكون به بأس”.
(6) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري أبو سعيد الإمام الناقد، توفي سنة 198 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات علماء الحديث (1/ 477)، المنتظم (1/ 69)، سير أعلام النبلاء (9/ 192).
(7) هو الثوري. كما هو عند عبد الرزاق (7/ 484).

(1/217)


أسلم (1) يحدث: “أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لم يجز شهادة امرأة في الرضاع” (2).
حدثنا هشيم (3)، أخبرنا (4) ابن أبي ليلى (5) وحجاج (6) عن عكرمة بن خالد (7): “أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أُتي في امرأة شهدت على رجل وامرأته أنها قد أرضعتهما، فقال: لا، حتى يشهد رجلان، أو رجل وامرأتان” (8).
__________
(1) في “ب” و”هـ”: “بديل بن مسلم”، وفي “جـ”: “بديل بن أسلم”، والصواب ما أثبتناه.
(2) رواه عبد الرزاق (7/ 484) و (8/ 332)، والبيهقي (7/ 763)، وأبو عبيد كما ذكر المؤلف. وانظر: المدونة (5/ 158). وقال البيهقي: “هذا مرسل” ا. هـ.
(3) هو هشيم بن بشير بن أبي خازم أبو معاية السلمي الواسطي الإمام شيخ الإسلام. توفي سنة 183 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: طبقات ابن سعد (7/ 226)، الجرح والتعديل (9/ 115)، تهذيب الكمال (30/ 272)، سير أعلام النبلاء (8/ 287).
(4) “أخبرنا” ساقطة من “ب”.
(5) هكذا: “ابن أبي ليلى”، والذي يظهر لي أنه: “أبو ليلى”. وهو عبد الله بن ميسرة، حيث ذكره الحافظ المزي رحمه الله فيمن روى عنهم هشيم ولم يذكر ابن أبي ليلى. وهو عبد الله بن ميسرة أبو ليلى الحارثي الكوفي، ويقال: الواسطي، ضعفه ابن معين وأبو زرعة. انظر: تهذيب الكمال (16/ 196)، وتهذيب التهذيب (6/ 45).
(6) حجاج بن أرطاة.
(7) عكرمة بن خالد بن العاص القرشي المخزومي، وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي. انظر: تهذيب الكمال (20/ 249)، تهذيب التهذيب (7/ 223).
(8) رواه سعيد بن منصور (1/ 245)، والبيهقي (7/ 763).

(1/218)


قال أبو عبيد: وهذا قول أهل العراق (1).
وكان الأوزاعي – رحمه الله – يأخذ بالقول الأول (2)، وأما مالك – رحمه الله – فإنه كان يقبل فيه شهادة امرأتين (3).
قال أبو عبيد (4): أبو حنيفة وأصحابه (5) يقبلون شهادة النساء منفردات (6) فيما لا يطلع عليه الرجال، كالولادة والبكارة وعيوب النساء، ويقبلون فيه شهادة امرأة واحدة.
قالوا: لأنه لا بد من ثبوت هذه الأحكام، ولا يمكن للرجال (7)
__________
(1) المبسوط (16/ 142)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 346)، مختصر القدوري (219)، أدب القضاء للسروجي (355)، المختار للفتوى (131)، روضة الفقهاء (1/ 290)، الغرة المنيفة (188)، ورؤوس المسائل (529).
(2) المحلى (9/ 400)، فتح الباري (5/ 318)، تحفة الأحوذي (4/ 662)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 348)، التهذيب للبغوي (6/ 315).
(3) انظر: المدونة (5/ 158)، المنتقى (5/ 220)، التفريع (2/ 338)، الذخيرة (10/ 248)، الكافي (469)، المعونة (3/ 1552)، تبصرة الحكام (1/ 359).
(4) “قال أبو عبيد” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ” وفيها: “قلت”.
(5) انظر: المبسوط (16/ 142)، الهداية (8/ 130) مع البناية، رؤوس المسائل (529)، مختصر القدوري (519)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 346)، أدب القضاء للسروجي (355)، المختار للفتوى (131)، روضة القضاة (1/ 209)، الغرة المنيفة (188).
(6) في “هـ”: “متفرقات”.
(7) في “أ” و”ب” و”هـ”: “الرجال”.

(1/219)


الاطلاع عليها، وإنما يطلع عليها النساء على الانفراد (1)، فوجب قبول شهادتهن على الانفراد.
قالوا: وتقبل فيه (2) شهادة الواحدة (3)؛ لأن ما قبل فيه قول النساء على الانفراد لم يشترط فيه العدد، كالرواية.
قالوا: وأما استهلال الصبي، فتقبل شهادة المرأة فيه بالنسبة إلى الصلاة على الطفل، ولا تقبل بالنسبة إلى الميراث، وثبوت النسب عند أبي حنيفة، وعند صاحبيه يقبل أيضًا؛ لأن الاستهلال صوت يكون عقيب الولادة، وتلك حالة لا يحضرها الرجال، فدعت الضرورة إلى قبول شهادتهن. وأبو حنيفة بَعض (4) أحكام الشهادة، وأثبت الصلاة (5) عليه بشهادة المرأة الواحدة احتياطا، ولم يثبت الميراث والنسب بشهادتها احتياطًا (6).
قالوا: وأما الرضاع: فلا تقبل فيه شهادة النساء منفردات (7)؛ لأن
__________
(1) في “جـ”: “الإفراد”.
(2) في “أ” و”هـ”: “فيها”.
(3) في “هـ”: “شهادة الرجل الواحد”.
(4) في “ب” و”جـ”: “يقضي”، وفي “هـ”: “تقصّى”.
(5) “الصلاة” ساقطة من “أ”.
(6) انظر: المبسوط (17/ 81)، الهداية والبناية (8/ 133)، بداية المبتدي (1/ 87)، أحكام الصغار (2/ 101 و 136)، أدب القضاء للسروجي (354)، حاشية ابن عابدين (5/ 463) و (7/ 73)، معين الحكام (96).
(7) في “أ”: “متفرقات”. انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/ 348)، المبسوط (17/ 79)، روضة القضاة (3/ 947).

(1/220)


الحرمة متى ثبتت ترتب عليها زوال ملك النكاح، وإبطال الملك لا يثبت إلا بشهادة الرجال.
قالوا: ولأنه مما يمكن اطلاع الرجال عليه.
وقال الشافعي: لا يقبل في ذلك كله أقل من أربع نسوة، أو رجل وامرأتين (1).
قال أبو عبيد: فأما الذين قالوا تقبل شهادة الواحدة في الرضاعة، فإنهم أحلوا الرضاع محل سائر أمور النساء التي لا يطلع عليها (2) الرجال، كالولادة والاستهلال ونحوهما. وأما الذين أخذوا بشهادة الرجلين، أو الرجل والمرأتين فإنهم رأوا أن الرضاعة ليست كالفروج التي لا حظ للرجال في مشاهدتها، وجعلوها من ظاهر أمور النساء، كالشهادة على الوجوه. والذين أجازوها بالمرأتين ذهبوا إلى أن الرضاعة – وإن لم يكن النظر في التحريم كالعورات – فإنها لا تكون إلا بظهور الثدي والنحور، وهذه من محاسن النساء التي قد جعل الله فرضها الستر على (3) الرجال الأجانب، فجعلوا المرأتين في ذلك كالرجلين في سائر الشهادات (4).
__________
(1) انظر: الأم (7/ 88)، معرفة السنن والآثار (14/ 260)، الحاوي (17/ 21)، روضة الطالبين (8/ 277)، اختلاف العلماء للمروزي (287)، التنبيه (271)، التهذيب (6/ 313)، المسائل الفقهية لابن كثير (205)، حلية العلماء (8/ 278).
(2) في “أ” و”ب” و”هـ”: “لا يطلعها”.
(3) في “ب”: “عن”.
(4) “فجعلوا المرأتين في ذلك كالرجلين في سائر الشهادات” ساقط من “ب” و =

(1/221)


قال أبو عبيد: والذي عندنا في هذا: اتباع السنة فيما يجب على الزوج عند ورود ذلك، فإذا شهد به عنده المرأة الواحدة بأنها قد أرضعته وزوجته فقد لزمته الحجة من الله في اجتنابها، ووجب عليه مفارقتها، لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للمستفتي في ذلك: “دَعْهَا عَنْكَ” (1). وليس لأحد أن يفتي بغيره (2)، إلا أنه لم يبلغنا أنه – صلى الله عليه وسلم – حكم بينهما بالتفريق حكمًا، مثل ما سن (3) في المتلاعنين (4)، ولا أمر (5) فيه بالقتل، كالذي تزوج امرأة أبيه (6)، ولكنه غلظ عليه في الفتيا.
__________
= “هـ”.
(1) سبق تخريج الحديث ص: 202، وهذه اللفظة رواها البخاري في الشهادات: باب شهادة المرضعة (5/ 315) رقم (2660). انظر: حاشية السندي على النسائي (6/ 109).
(2) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “غيره”.
(3) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “بيّن”.
(4) كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -: “لاعن النبي – صلى الله عليه وسلم – بين رجل وامرأة من الأنصار وفرق بينهما”. الحديث رواه البخاري رقم (5314) باب التفريق بين المتلاعنين.
(5) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “والأمر”.
(6) رواه أحمد (4/ 290 و 292)، وعبد الرزاق (6/ 271) رقم (10804)، وأبو داود رقم (4457) ص (628)، والترمذي (3/ 35) رقم (1362)، وفي العلل (208) رقم (372)، والنسائي (6/ 109) رقم (3331) و (3332)، وفي الكبرى (4/ 295) رقم (7221) و (7222) و (7223)، وابن ماجه (4/ 204) رقم (2607)، والدارمي (2/ 205) رقم (2239)، وأبو يعلى (3/ 228) رقم (1666) و (1667)، والدارقطني (3/ 96) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. والحديث صححه ابن حبان (9/ =

(1/222)


فنحن ننتهي إلى ما انتهى إليه، فإذا شهدت معهما (1) امرأة أخرى فكانتا اثنتين (2)، فهناك يجب التفريق بينهما في الحكم، وهو عندنا معنى قول عمر: “إنه لم يجز شهادة المرأة الواحدة في الرضاع” (3) وإن كان مرسلًا عنه، فإنه أحب إلينا من الذي فيه ذكر الرجلين، أو الرجل والمرأتين، لما حظر على الرجال من النظر إلى محاسن النساء.
وعلى هذا يوجه حديث علي وابن عباس (4) – رضي الله عنهما – في المرأة الواحدة، إذ لم يوقتا فوق ذلك وقتًا، فأدنى (5) ما يكون بعد الواحدة إلا اثنتان من النساء (6)، والله أعلم.
قال أبو عبيد: حدثنا حجاج (7)، عن ابن جريج (8)، عن أبي
__________
= 423)، والحاكم (2/ 191)، وحسنه الترمذي. وقال ابن القيم: “الحديث له طرق حسان يؤيد بعضه بعضًا” ا. هـ. تهذيب السنن (6/ 226). قيل: اسمه “منظور بن زبَّان الفزاري”. انظر: كتاب الإشارات للنووي (40)، تفسير ابن جرير (3/ 660)، تفسير ابن عطية (2/ 30)، الإصابة (3/ 441).
(1) “معهما” هكذا في جميع النسخ، وصوّب العلامة ابن باز: “معها”.
(2) في “جـ”و “هـ”: “أنفسًا”.
(3) سبق تخريجه ص: 219.
(4) سبق تخريجه عنهما: 217.
(5) في “أ” و”هـ”: “بأدنى”.
(6) “من النساء” ساقطة من “ب”.
(7) هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور أبو محمد الإمام الحافظ ثقة ثبت. توفي سنة 206 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (5/ 451)، سير أعلام النبلاء (9/ 447)، تقريب التهذيب (153).
(8) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج القرشي الأموي أبو الوليد الإمام العلامة =

(1/223)


بكر بن أبي سبرة (1)، عن موسى بن (2) عقبة (3)، أخبره عن القعقاع بن حكيم (4)، عن ابن عمر قال: “لا تجوز شهادة النساء وحدهن، إلا على ما لا يطلع عليه إلا هن من عورات النساء، وما أشبه ذلك من حملهن وحيضهن” (5).

فصل
وقد صرح الأصحاب (6): أنه تقبل شهادة الرجل الواحد من
__________
= الحافظ. توفي سنة 150 هـ وله سبعون سنة – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (18/ 338)، سير أعلام النبلاء (6/ 325)، تقريب التهذيب (363).
(1) هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري، قال البخاري: “ضعيف الحديث”، وقال النسائي: “متروك”. توفي سنة 162 هـ. انظر: تهذيب الكمال (33/ 102)، سير أعلام النبلاء (7/ 102).
(2) في “أ”: “عن”.
(3) هو موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي الإمام الكبير، وثقه ابن سعد وغيره. توفي سنة 141 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (29/ 115)، سير أعلام النبلاء (6/ 114).
(4) هو القعقاع بن حكيم الكناني المدني، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما.
انظر: تهذيب الكمال (23/ 623)، وتهذيب التهذيب (8/ 332).
(5) رواه أبو عبيد كما ذكر المؤلف، كما رواه عبد الرزاق (8/ 333) رقم (15425) من طريق ابن أبي سبرة. وانظر: المحلى (9/ 396).
(6) انظر: المغني (14/ 273)، المحرر (2/ 324)، شرح الزركشي (7/ 396)، المقنع لابن البنا (4/ 1319)، معونة أولي النهى (9/ 424)، غاية المنتهى (3/ 507)، الرعاية الصغرى (2/ 399)، حاشية اللبدي على نيل المآرب (474)، دليل الطالب (286)، النكت والفوائد على المحرر (2/ =

(1/224)


غير (1) يمين عند الحاجة، وهو الذي نقله الخرقي في “مختصره” (2)، فقال: وتقبل شهادة الطبيب العدل في الموضحة (3)، إذا لم يقدر على طبيبين، وكذلك البيطار في داء الدابة.
قال الشيخ في “المغني” (4): إذا اختلفا في الجُرح: هل هو موضحة، أم لا؟ أو في قدره، كالهاشمة (5) والمنقلة (6) والمأمومة (7) والسمحاق (8) أو غيرها، أو اختلفا في داء يختص بمعرفته الأطباء، أو داء الدابة. فظاهر كلام الخرقي: أنه إذا قدر على طبيبين أو بيطارين لا يجتزئُ (9) بواحد
__________
= 324)، هداية الراغب (565)، منار السبيل (2/ 496)، كشف المخدرات (2/ 262)، شرح منتهى الإرادات (3/ 601).
(1) “غير” ساقطة من “هـ”.
(2) (14/ 273) “مع شرحه المغني”.
(3) الموضحة: هي الشجة التي تبدي وضح العظم أي بياضه. المطلع (367)، طلبة الطلبة (298)، مختصر خليل (312).
(4) (14/ 273).
(5) الهاشمة: هي الشجة التي تهشم العظم وتكسره. التعاريف (741)، المطلع (367)، طلبة الطلبة (299)، المقنع (291).
(6) المنقلة – بكسر القاف -: الشجة التي تنقل العظم. أنيس الفقهاء (294)، المقنع (291)، المصباح المنير (623).
(7) المأمومة: هي الشجة التي تصل إلى جلدة الدماغ. المقنع (291)، أنيس الفقهاء (294)، مختصر خليل (312).
(8) السمحاق: هي الشجة التي تقطع الجلد واللحم وتصل إلى السمحاق وهي جلدة تكون بين اللحم وعظم الرأس رقيقة. طلبة الطلبة (298)، أنيس الفقهاء (295)، المقنع (290).
(9) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “لا يجزئُ”.

(1/225)


منهما (1)؛ لأنه مما يطلع عليه الرجال، فلم تقبل فيه شهادة رجل واحد كسائر الحقوق (2)، وإن لم يقدر على (3) اثنين أجزأ واحد، [لأنها حالة ضرورة] (4)، فإنه لا يمكن كل أحد أن يشهد به؛ لأنه مما يختص به أهل الخبرة من أهل الصنعة، فيجعل بمنزلة العيوب تحت الثياب، تقبل فيه المرأة الواحدة، فقبول قول الرجل في هذا (5) أولى (6).
وقال صاحب “المحرر”: ويقبل في معرفة الموضحة وداء الدابة ونحوها طبيب واحد (7) وبيطار واحد، إذا لم يوجد غيره، نص عليه (8).
__________
(1) “منهما” ساقطة من “أ” و”ب” و”هـ”.
(2) “فلم تقبل فيه شهادة رجل واحد كسائر الحقوق” ساقطة من “ب”.
(3) في “ب”: “فإن لم يجد”.
(4) ما بين القوسين غير موجود في المغني (14/ 274).
(5) في “أ”: “في مثل هذا”.
(6) انتهى كلام ابن قدامة مع تصرف يسير من المؤلف – رحمه الله تعالى -.
(7) “واحد” مثبت من “أ”.
(8) المحرر (2/ 324). ونص عليه في رواية إسحاق بن منصور (2/ 400). وانظر: المقنع لابن البناء (4/ 1319)، المغني (14/ 273)، الرعاية الصغرى (2/ 339)، شرح الزركشي (7/ 396)، معونة أولي النهى (9/ 242)، غاية المنتهى (3/ 507)، شرح منتهى الإرادات (3/ 601)، هداية الراغب (565)، دليل الطالب (286)، كشف المخدرات (2/ 262)، منار السبيل (2/ 496).

(1/226)


فصل في القضاء بالنكول ورد اليمين
وقد اختلفت الآثار في ذلك، فروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله: “أن عبد الله بن عمر باع غلامًا له بثمانمائة درهم، وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام داء لم تسمه؟ فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقال: بعتني عبدًا به داء لم تسمه لي (1). فقال عبد الله بن عمر: إني بعته بالبراءة (2). فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – باليمين، أن يحلف له: لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف له، وارتجع العبد، فباعه عبد الله بن عمر بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم” (3) وفي طريقٍ أخرى أنه لما أبى أن يحلف حكم عليه عثمان بالنكول (4).
قال أبو عبيد: وحكم عثمان على ابن عمر في العبد الذي كان باعه بالبراءة، فرده عليه عثمان حين نكل عن اليمين، ثم لم ينكر ذلك ابن عمر من حكمه ورآه له لازمًا. فهل يوجد إمامان أعلم بسنة رسول الله
__________
(1) “فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقال: بعتني عبدًا به داء لم تسمه لي” مثبت من “أ”. وساقط من جميع النسخ.
(2) “فقال عبد الله بن عمر إني بعته بالبراءة” ساقط من “ب”.
(3) رواه مالك في الموطأ (2/ 613)، وابن أبي شيبة (4/ 370) رقم (21093)، وأحمد كما في مسائل صالح (2/ 39)، ومسائل عبد الله (276)، وأبو عبيد كما في المحلى (9/ 373)، وعبد الرزاق (8/ 163)، وابن وهب بسنده كما في المدونة (4/ 351)، والبيهقي (5/ 536) وصححه. وانظر: التلخيص الحبير (3/ 58).
(4) قوله “وفي طريق” إلى “بالنكول” ساقط من “أ”.

(1/227)


– صلى الله عليه وسلم – وبمعنى حديثه منهما – رضي الله عنهما -، فذهب إلى ذلك أبو حنيفة (1) وأحمد (2) في المشهور من مذهبه.
وأما رد اليمين: فقال أبو عبيد: حدثونا (3) عن مسلمة (4) بن علقمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي: “أن المقداد استسلف من عثمان سبعة آلاف درهم. فلما قضاها أتاه بأربعة آلاف، فقال عثمان: إنها سبعة، فقال المقداد: ما كانت إلا أربعة، فلم يزالا حتى ارتفعا إلى عمر، فقال المقداد: يا أمير المؤمنين، ليحلف أنها كما يقول، وليأخذها. فقال عمر: أنصفك، احلف أنها كما تقول وخذها” (5).
__________
(1) انظر: المبسوط (17/ 34)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 383)، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (174)، بدائع الصنائع (6/ 230)، فتح القدير (8/ 172)، رؤوس المسائل للزمخشري (537)، الهداية (5/ 143) , طريقة الخلاف (408)، عقود الجواهر المنيفة (2/ 69).
(2) انظر: مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 39)، ومسائل الإمام أحمد رواية عبد الله (276)، الهداية (2/ 146)، المغني (14/ 233)، الشرح الكبير (30/ 138)، الروض المربع (711)، كشاف القناع (4/ 287)، جامع العلوم والحكم (2/ 234).
(3) في المحلى (9/ 377): “رُوَّينا من طريق أبي عبيد عن عفان بن مسلم عن مسلمة بن علقمة” ا. هـ.
(4) في “ب”: “سلمة”.
(5) رواه البيهقي (10/ 310)، والطبراني في الكبير (20/ 237) رقم (559)، وابن القاص في أدب القاضي (1/ 282)، وأبو عبيد كما ذكره المؤلف وابن حزم في المحلى (9/ 377)، وذكر الحافظان الزيلعي وابن حجر أنه رواه أبو الوليد في المستخرج بإسناد صحيح عن الشعبي وفيه إرسال. ا. هـ. نصب الراية (5/ 158)، والدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 176). وقال =

(1/228)


قال أبو عبيد: فهذا عمر قد حكم برد اليمين، ورأى ذلك المقداد ولم ينكره عثمان، فهؤلاء ثلاثة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عملوا برد اليمين.
حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن قال: كان شريح يقضي برد اليمين (1).
وحدثنا يزيد (2)، عن هشام (3)، عن ابن سيرين، عن شريح: أنه كان إذا قضى على رجل باليمين، فردها على الطالب (4)، فلم يحلف: لم يعطه شيئًا، ولم يستحلف الآخر (5).
وحدثنا عباد بن العوام، عن أشعث (6)، عن الحكم بن عتيبة (7)،
__________
= البيهقي بعد روايته: “هذا إسناد صحيح إلا أنه منقطع” ا. هـ.
(1) قوله “حدثنا هشيم” إلى “برد اليمين” ساقط من “أ”.
(2) يزيد بن هارون، تقدمت ترجمته.
(3) هو هشام بن حسان الأزدي، وثقه العجلي. توفي سنة 148 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (30/ 181)، سير أعلام النبلاء (6/ 355).
(4) في “ب”: “ابن أبي طالب” وهو خطأ ظاهر.
(5) رواه أبو عبيد كما ذكره المؤلف، ونسبه لأبي عبيد ابن حزم في المحلى (9/ 377). وانظر: المغني (14/ 233).
(6) وفي “جـ”: “الأشعث”. وهو أشعث بن سوّار الكندي النجار الكوفي. توفي سنة 136 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (3/ 264)، سير أعلام النبلاء (6/ 275).
(7) في “جـ” و”هـ”: “عنبسة”، والصواب ما أثبتناه. وهو الحكم بن عتيبة أبو محمد الكندي، قال عنه ابن معين “ثقة ثبت”. توفي سنة 115 هـ – رحمه الله =

(1/229)


عن عون بن (1) عبد الله بن عتبة: أن أباه كان إذا قضى على رجل باليمين، فردها على الذي يدعي، فأبى أن يحلف: لم يجعل له شيئًا، وقال: لا أعطيك ما لا تحلف عليه (2).
قال أبو عبيد: على (3) أن رد اليمين له أصل في الكتاب والسنة. فالذي في الكتاب: قول الله تعالى: {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106]، ثم قال: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 107، 108].
وأما السنة: فحكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في القسامة بالأيمان على المدعين، فقال: “تَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ بأَنْ يُقْسِم مِنْكُم خَمْسُونَ: أنَّ يَهُودَ قَتَلتْهُ”. فقالوا: كيف نقسم علىَ شيء لم نحضره؟ قال: “فَيَحْلِف لَكُمْ خَمْسُونَ مِنْ يَهُود مَا قَتَلُوهُ” (4) قال: فردها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على الآخرين، بعد أن حكم بها للأولين. فهذا هو الأصل في رد اليمين.
__________
= تعالى -. انظر: تهذيب الكمال (7/ 114)، الكنى للدولابي (2/ 95)، سير أعلام النبلاء (5/ 208).
(1) في “ب”: “عن”.
(2) رواه أبو عبيد كما ذكر المؤلف وابن حزم في المحلى (9/ 377).
(3) في “ب”: “بل”.
(4) سبق تخريجه.

(1/230)


قلت: وهذا مذهب الشافعي (1)، ومالك (2)، وصوبه الإمام أحمد (3) – رضي الله عنهم -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله ورضي عنه -: وليس المنقول عن الصحابة – رضي الله عنهم – في النكول ورد اليمين بمختلف، بل هذا له موضع، وهذا له موضع، فكل موضع أمكن المدعي معرفته والعلم به فرد المدعى عليه اليمين، فإنه إن حلف استحق، وإن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه.
وهذا كحكومة عثمان والمقداد – رضي الله عنهما -، فإن المقداد قال لعثمان: “احلف أن الذي دفعته إليَّ كان سبعة آلاف وخذها” (4) فإن المدعي هنا يمكنه معرفة ذلك والعلم به، كيف وقد ادعى به؟ فإذا لم يحلف لم يحكم له إلا ببينة أو إقرار.
وأما إذا كان المدعي لا يعلم ذلك، والمدعى عليه هو المنفرد بمعرفته، فإنه إذا نكل عن اليمين حكم عليه بالنكول، ولم ترد على
__________
(1) انظر: الأم (7/ 75)، الحاوي (16/ 316)، الرسالة (483 و 600)، روضة الطالبين (8/ 322)، أدب القاضي للماوردي (2/ 355)، أدب القاضي لابن أبي الدم (221)، المسائل الفقهية لابن كثير (206)، نهاية المحتاج (8/ 347)، مغني المحتاج (4/ 468)، بجيرمي (4/ 350).
(2) انظر: المدونة (5/ 174)، الموطأ (722)، الاستذكار (22/ 57)، الفروق (4/ 93)، الذخيرة (11/ 76)، المعونة (3/ 1549)، التمهيد (23/ 222)، القوانين (311)، تبصرة الحكام (1/ 225).
(3) انظر: المغني (14/ 433)، الفروع (6/ 477).
(4) سبق تخريجه ص: 229.

(1/231)


المدعي، كحكومة عبد الله بن عمر وغريمه في الغلام. فإن عثمان قضى عليه “أن يحلف أنه باع الغلام وما به داء يعلمه” (1) وهذا يمكن أن يعلمه البائع، فإنه إنما استحلفه على نفي العلم: أنه لا يعلم به داء، فلما امتنع من هذه اليمين قضى عليه بنكوله (2).

وعلى هذا: إذا وجد بخط أبيه في دفتره: أن له (3) على فلان كذا وكذا، فادعى به عليه، فنكل، وسأله إحلاف المدعي: أن أباه أعطاني هذا، أو أقرضني إياه، لم ترد عليه اليمين، فإن (4) حلف المدعى عليه، وإلا قضي عليه بالنكول؛ لأن المدعى عليه يعلم ذلك.
وكذلك لو ادعى عليه: أن فلانًا أحالني عليك بمائة، فأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين، وقال للمدعي (5): أنا لا أعلم أن فلانًا أحالك، ولكن احلف وخذ، فها هنا إن لم يحلف لم يحكم له بنكول المدعى عليه.
وهذا الذي اختاره شيخنا – رحمه الله – هو فصل النزاع في النكول ورد اليمين، وبالله التوفيق.
__________
(1) سبق تخريجه ص: 228.
(2) انظر: الفتاوى الكبرى (5/ 562)، الاختيارات (343)، الجواب الصحيح (6/ 465)، الفواكه العديدة (2/ 313).
(3) في “ب” و”هـ”: “أن لي”.
(4) في “جـ” و”د” و”هـ”: “وإن”.
(5) في “هـ”: “وقال المدعى عليه للمدعي”.

(1/232)


فصل في مذاهب أهل المدينة في الدعاوى (1).
وهو من أسدِّ المذاهب وأصحها. وهي عندهم ثلاث مراتب (2):

المرتبة الأولى: دعوى يشهد لها العرف بأنها مشبهة، أي تشبه أن تكون حقًّا.
المرتبة الثانية: ما يشهد العرف بأنها غير مشبهة، إلا أنه لم يقض بكذبها.
المرتبة الثالثة: دعوى يقضي العرف بكذبها.
فأما المرتبة الأولى: فمثل (3) أن يدعي سلعة معينة بيد رجل، أو يدعي غريب وديعة عند غيره، أو يدعي مسافر أنه أودع أحد رفقته، وكالمدعي على صانع منتصب للعمل أنه دفع إليه متاعًا يصنعه، والمدعي على بعض أهل الأسواق المنتصبين للبيع والشراء أنه باع (4) منه أو اشترى، وكالرجل يذكر في مرض موته أن له دينًا قبل رجل، ويوصي أن يتقاضى (5) منه فينكره، وما أشبه هذه المسائل.
فهذه الدعوى تسمع من مدعيها، وله أن يقيم البينة على مطابقتها،
__________
(1) “في الدعاوى” ساقطة من “ب”.
(2) انظر الفروق (4/ 80)، الذخيرة (11/ 45)، القوانين (309)، عقد الجواهر (3/ 1081).
(3) في “أ”: “فهي”.
(4) في “ب” و”جـ” و”د” و”هـ”: “باعه”.
(5) في “ب”: “يتقاضاه”.

(1/233)


أو (1) يستحلف المدعى عليه، ولا يحتاج في (2) استحلافه إلى إثبات خُلطة (3) (4).
وأما المرتبة الثانية: فمثل أن يدعي على رجل دينًا في ذمته، ليس داخلًا في الصور المتقدمة، أو يدعي على رجل معروف بكثرة المال أنه اقترض منه مالًا ينفقه على عياله، أو يدعي على رجل لا معرفة بينه وبينه ألبتة أنه أقرضه أو باعه شيئًا بثمن في ذمته إلى أجل ونحو ذلك.
فهذه الدعوى تسمع، ولمدعيها أن يقيم البينة على مطابقتها.
قالوا: ولا يملك استحلاف المدعى عليه على نفيها إلا بإثبات خلطة بينه وبينه (5).
قال ابن القاسم (6): والخلطة أن يسالفه، أو يبايعه، أو يشتري منه
__________
(1) في “د”: “ويستحلف”.
(2) في “أ” و”ب” و”جـ”: “إلي”.
(3) الخلطة: حالة ترفع بُعْد توجه الدعوى على المدعى عليه. حدود ابن عرفة (2/ 612). وسيأتي تعريف ابن القاسم لها قريبًا.
(4) انظر: المنتقى (5/ 224)، عدة البروق (520)، القوانين (309)، منتخب الأحكام (105)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1081).
(5) انظر: المدونة (5/ 176)، الرسالة (244)، القوانين (309)، بداية المجتهد (8/ 672)، الفروق (4/ 81)، فصول الحكام (212)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1081)، الخرشي (6/ 100)، بلغة السالك (4/ 212)، منح الجليل (8/ 556)، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب (2/ 340).
(6) عبد الرحمن بن القاسم بن خالد أبو عبد الله العُتقي الإمام المشهور، وثقه النسائي. توفي سنة 191 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: سير أعلام النبلاء =

(1/234)


مرارًا (1).
وقال سحنون (2): لا تكون الخلطة إلا بالبيع والشراء بين المتداعيين (3).
قالوا (4): فينظر إلى دعوى المدعي، فإن كانت تشبه أن يدعي بمثلها على المدعى عليه أُحْلِفَ له، وإن كانت مما لا تشبه، وينفيها العرف لم يحلف إلا أن يبين المدعي خلطة (5).
قالوا: فإن لم تكن خلطة، وكان المدعى عليه (6) متهمًا، فقال
__________
= (9/ 120)، الديباج المذهب (1/ 465)، شجرة النور الزكية (1/ 58).
(1) انظر: البيان والتحصيل (9/ 288)، المنتقى (5/ 225)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1081).
(2) سُحْنُون بن سعيد بن حبيب التنوخي أبو سعيد صاحب المدونة. توفي سنة 240 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: رياض النفوس (1/ 345)، الديباج المذهب (2/ 30)، سير أعلام النبلاء (12/ 63)، شجرة النور الزكية (1/ 69).
(3) انظر: البيان والتحصيل (9/ 288)، المنتقى (5/ 225)، الفروق (4/ 81)، الذخيرة (11/ 45)، فصول الأحكام للباجي (213)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1081).
(4) القائل: الأبهري من المالكية. الفروق (4/ 81)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1081).
(5) في “أ” و”جـ” و”هـ”: “لطخًا”. انظر: تنبيه الحكام (255)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (10/ 55)، فتح الباري (5/ 334)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1081).
(6) في “د”: “وكان المدعى عليه خلطة متهمًا”.

(1/235)


سحنون: يستحلف المتهم، وإن لم تكن خلطة، وقال غيره: لا يستحلف (1).
وتثبت الخلطة عندهم بإقرار المدعى عليه بها وبالشاهدين، والشاهد واليمين، والرجل الواحد، والمرأة الواحدة (2).
قالوا (3): وأما المرتبة الثالثة فمثالها: أن يكون رجل حائزًا لدار، متصرفًا فيها السنين الطويلة بالبناء والهدم والإجارة والعمارة، وينسبها إلى نفسه، ويضيفها إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقًّا ولا مانع يمنعه من مطالبته من خوف سلطان، أو ما أشبه ذلك من الضرر المانع من المطالبة بالحقوق، ولا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شركة في ميراث، أو ما أشبه ذلك مما تتسامح به (4) القرابات والصهر بينهم، بل كان عريًّا عن (5) جميع ذلك. ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه، ويزعم أنها له، ويريد أن يقيم بينة بذلك، فدعواه غير مسموعة أصلًا، فضلًا عن بينته، وتبقى الدار بيد حائزها؛ لأن كل
__________
(1) انظر: المنتقى (5/ 225)، الذخيرة (11/ 47).
(2) انظر: عقد الجواهر الثمينة (3/ 1082)، المنتقى (5/ 226)، البيان والتحصيل (9/ 288)، الفروق (4/ 82)، الذخيرة (11/ 47)، القوانين (309)، منتخب الأحكام (1/ 104)، المفيد للأحكام (1/ 192).
(3) انظر: المدونة (5/ 192)، المعونة (3/ 1582)، القوانين (309)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1083).
(4) في “جـ”: “فيه”.
(5) في “جـ”: “من”.

(1/236)


دعوى يكذبها العرف وتنفيها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة، قال الله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (1) [الأعراف: 199]، وقد أوجبت الشريعة الرجوع إليه (2) عند الاختلاف في الدعاوى، كالنقد والحمولة والسير، وفي الأبنية ومعاقد القمط (3)، ووضع الجذوع على الحائط وغير ذلك (4).
قالوا: ومثل ذلك: أن تأتي المرأة بعد سنين متطاولة تدعي على الزوج أنه لم يكسها في شتاء ولا صيف (5)، ولا أنفق عليها شيئًا ألبتة، فهذه الدعوى لا تسمع لتكذيب العرف والعادة لها، ولا سيما إذا كانت فقيرة والزوج موسرًا (6).
ومن ذلك: قول (7) القاضي عبد الوهاب (8) في رده على
__________
(1) هنا سقط من المخطوطة “د” حتى قوله “ورجل أصابته جائحة”.
(2) في “ب”: “إلى العرف”.
(3) سبق بيانه ص (5).
(4) انظر: المعونة (3/ 1583)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1083). ويظهر أن ابن القيم قد استفاد أكثر هذا الفصل منه.
(5) وفي “ب” زيادة: “ولا أنفق عليها شتاءً ولا صيفًا”.
(6) انظر: المدونة (2/ 259)، الذخيرة (4/ 471)، التفريع (2/ 54)، الكافي (255)، تبصرة الحكام (2/ 125)، الشرح الكبير (3/ 499)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/ 499)، شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 201)، بلغة السالك (2/ 748)، منح الجليل (4/ 411)، نصيحة المرابط (3/ 268).
(7) في “أ”: “ومن قول”، وفي “ب” و”هـ”: “ومن ذلك قال”.
(8) عبد الوهاب بن علي بن نصر أبو محمد شيخ المالكية، له كتاب التلقين والمعونة وغيرهما. توفي سنة 422 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ =

(1/237)


المزني (1): مذهب مالك أن المدعى عليه لا يحلف للمدعي (2) بمجرد دعواه، دون أن ينضم إليها علم بمخالطة بينهما أو معاملة (3). قال شيخنا أبو بكر (4): أو تكون الدعوى تليق بالمدعى عليه، لا يتناكرها الناس، ولا ينفيها عرف (5).
قال (6): وهذا مروي عن علي بن أبي طالب (7) (8) – رضي الله
__________
= بغداد (11/ 32)، الديباج المذهب (2/ 62)، سير أعلام النبلاء (17/ 429)، شجرة النور الزكية (1/ 103).
(1) إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري أبو إبراهيم. توفي سنة 264 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 492)، طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 28)، طبقات الشافعية للسبكي (2/ 93).
(2) في “ب”: “أن المدعي لا يحلف المدعى عليه”.
(3) انظر: المدونة (5/ 176)، الكافي (478)، الفروق (4/ 81)، البيان والتحصيل (9/ 289)، جامع العلوم والحكم (2/ 237).
(4) محمد بن عبد الله بن محمد التميمي الأَبْهَري أبو بكر الإمام العلامة. قال الدارقطني: “ثقة مأمون زاهد ورع” ا. هـ. توفي سنة 375 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: الديباج المذهب (2/ 206)، سير أعلام النبلاء (16/ 332)، ترتيب المدارك (4/ 466)، شجرة النور الزكية (1/ 91).
(5) انظر: الذخيرة (11/ 45)، الفروق (4/ 81)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1081).
(6) “قال” ساقطة من “جـ” و”هـ”.
(7) “بن أبي طالب” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(8) أخرجه أبو عبيد بسنده كما في المحلى (9/ 377)، ورواه البيهقي (10/ 311) وفي إسنادهما: “الحسين بن ضميرة عن أبيه”. قال ابن حزم: “أما الرواية عن علي فساقطة لأنها عن الحسن – هكذا والصواب الحسين كما في =

(1/238)


عنه -، وعمر بن عبد العزيز (1)، وعن فقهاء المدينة السبعة (2).
قال: والدليل على صحته: أنه قد ثبت وتقرر أن الإقدام على اليمين يصعب ويثقل على كثير من الناس، سيما على أهل الدين وذوي المراتب والأقدار، وهذا أمر معتاد بين الناس على ممر (3) الأعصار، لا يمكن جحده.
وكذلك روي عن جماعة من الصحابة: أنهم افتدوا أيمانهم، منهم: عثمان (4)، وابن مسعود وغيرهما (5) – رضي الله عنهما -، وإنما فعلوا ذلك لمروءتهم، ولئلا يسبق الظلمة (6) إليهم إذا حلفوا، فمن
__________
= المحلى (9/ 377)، والبيهقي (10/ 311) – بن ضميرة عن أبيه وهو متروك ابن متروك لا يحل الاحتجاج بروايته” ا. هـ. المحلى (9/ 381). وانظر: التاريخ الكبير للبخاري (2/ 388)، التاريخ الصغير له (69)، الضعفاء والمتروكون للدارقطني (195)، ميزان الاعتدال (2/ 293)، تعجيل المنفعة (115).
(1) رواه مالك (2/ 725)، والبيهقي (10/ 429)، وفي المعرفة (14/ 350)، والطحاوي. مختصر اختلاف العلماء (3/ 379).
(2) انظر: المدونة (5/ 9176)، المنتقى (5/ 224)، القوانين (309)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (10/ 54)، عون المعبود (10/ 48)، عقد الجواهر الثمينة (3/ 1082).
(3) في “ب”: “مر”.
(4) رواه البيهقي (10/ 297). وانظر ما جاء عن عثمان رضي الله عنه أول الفصل.
(5) كحذيفة. رواه الخلال بإسناده. المغني (10/ 215)، والبيهقي (10/ 302)، والدارقطني (4/ 242).
(6) في “جـ” و”هـ”: “يبقى للظلمة”.

(1/239)


يعادي الحالف، ويحب الطعن عليه، يجد طريقًا إلى ذلك، لعظم شأن اليمين وعظم خطرها، ولذا جعلت بالمدينة عند المنبر (1)، وأن يكون ما يحلف عليه عنده مما له حرمة، كربع دينار فصاعدًا (2)، فلو مكن كل مدع أن يحلف المدعى عليه بمجرد دعواه لكان ذلك (3) ذريعة إلى امتهان أهل المروءات وذوي الأقدار والأخطار والديانات لمن يريد التشفي منهم؛ لأنه لا يجد أقرب ولا أخف كلفة (4) من أن يقدم الواحد منهم من يعاديه من أهل الدين والفضل إلى مجلس الحاكم ليدعي عليه ما يعلم أنه لا ينهض به، أو لا يعترف (5)، ليتشفى منه بتبذله وإحلافه (6)، وأن يراه الناس بصورة من أقدم على اليمين عند الحاكم (7)، ومن يريد أن يأخذ من أحد (8) من هؤلاء شيئًا على طريق الظلم والعدوان وجد إليه سبيلًا، لعله أن يفتدي يمينه منه، لئلا ينقص
__________
(1) لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “من حلف على منبري آثمًا تبوأ مقعده من النار” رواه مالك (2/ 727)، وأحمد (3/ 344)، وأبو داود (3246)، وابن ماجه (3/ 17) رقم (2325).
(2) لأن اليد تقطع بسرقته لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “تقطع يد السارق في ربع دينار” رواه البخاري (12/ 99) رقم (6790)، ومسلم (1684) (11/ 193).
(3) “ذلك” ساقطة من “أ”.
(4) في “أ”: “كلمة”.
(5) في “ب”: “يعرف”.
(6) “وإحلافه” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ”
(7) “عند الحاكم” ساقطة من “ب”.
(8) “من أحد” ساقطة من “أ” و”ب” و”جـ”.

(1/240)


قدره في أعين الناس، وكلا الأمرين موجود (1) في الناس اليوم (2).
قال: وقد (3) شاهدنا من ذلك كثيرًا، وحضرناه، وأصابنا (4) بعضه، فكان (5) ما ذهب إليه مالك ومن تقدمه (6) من الصحابة (7) والتابعين (8) حراسة لمروءات الناس، وحفظًا لها من الضرر اللاحق بهم، والأذى المتطرق إليهم. فإذا قويت دعوى المدعي بمخالطة أو معاملة ضعفت التهمة، وقوي في النفس أن مقصوده غير ذلك، فأُحلف له، ولهذا لم نعتبر ذلك في الغريبين؛ لأن الغربة لا تكاد تلحق المروءة فيها ما يلحقها في الوطن.
فإن قيل: فيجب ألا يُحضره مجلس الحاكم أيضًا؛ لأن في ذلك امتهانًا له وابتذالًا.
قيل له: حضوره مجلس الحاكم لا عار فيه، ولا نقص يلحق من
__________
(1) في “أ”: “موجودات”.
(2) انظر: فتح الباري (5/ 334)، شرح الزرقاني على الموطأ (3/ 369)، عون المعبود (10/ 48).
(3) “وقد” ساقطة من “ب” و”هـ”.
(4) “وأصابنا” ساقطة من “ب”.
(5) وفي “ب”: “وذلك”.
(6) في “ب”: “تقدم”.
(7) كعثمان وابن مسعود وحذيفة – رضي الله عنهم – وقد سبق قريبًا.
(8) كجبير بن مطعم. رواه البيهقي (10/ 302)، والدارقطني (4/ 242). ومسروق. رواه ابن سعد (6/ 141). وانظر: مجمع الزوائد (4/ 184)، والدراية (2/ 177).

(1/241)


حضوره؛ لأن الناس يحضرونه ابتداءً في حوائج لهم ومهمات، وإنما العار الإقدام على اليمين، لما ذكرناه.
وأيضًا؛ فإنه يُمكَّن المدعي من إحضاره، لعله يقيم عليه البينة، ولا يقطعه عن حقه.
فإن قيل: فاليمين الصادقة لا عار فيها، وقد حلف عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وغيره من السلف، وقال لعثمان بن عفان – رضي الله عنه – لما بلغه أنه افتدى يمينه: “ما منعك أن تحلف إذا كنت صادقًا؟ ” (1).
قيل: مكابرة (2) العادات لا معنى لها، وأقرب ما يبطل به قولهم: ما ذكرناه من افتداء كثير من الصحابة والسلف أيمانهم، وليس ذلك إلا لصرف الظلمة عنهم، وألا تتطرق إليهم تهمة، وما روي عن عمر إنما هو لتقوية نفس عثمان، وأنه إذا حلف صادقًا فهو مصيب في الشرع؛ ليضعف بذلك نفوس من يريد الإعنات، ويطمع في أموال الناس بادعاء المحال؛ ليفتدوا أيمانهم منهم بأموالهم.
وأيضًا: فإن أرادوا أن (3) اليمين الصادقة لا عار فيها عند الله تعالى فصحيح، ولكن ليس كل ما لم يكن عارًا عند الله تعالى لم يكن عارًا في
__________
(1) رواه بنحوه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 237) رقم (559). قال الهيثمي: “رجاله رجال الصحيح” ا. هـ. مجمع الزوائد (4/ 185).
(2) في “جـ” و”هـ”: “نكارة”.
(3) “أن” ساقطة من “أ”.

(1/242)


العادة، وهم يعللون منع إنكاح الابن أمه بأن عليه عارًا في ذلك (1)، ونحن نعلم أن المباح لا عار فيه عند الله تعالى، هذا إذا علم كون اليمين صدقًا، وكلامنا في يمين مطلقة لا يعلم باطنها.
قال: ودليل آخر، وهو أن الأخذ بالعرف واجب، لقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199]. ومعلوم أن من كانت دعواه ينفيها العرف، فإن الظن سبق إليه في دعواه (2) بالبطلان، كبقال يدعي على خليفة أو أمير ما لا يليق بمثله شراؤه، أو تطرق تلك الدعوى عليه (3).
قلت: ومما يشهد لذلك ويقويه قول عبد الله بن مسعود الذي رواه عنه الإمام أحمد وغيره – وهو ثابت (4) عنه -: “إن الله نظر في قلوب العباد، فرأى قلب محمد – صلى الله عليه وسلم – خير قلوب العباد، فاختاره لرسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعده، فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فاختارهم لصحبته، فما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحًا فهو عند الله قبيح” (5).
__________
(1) قوله “وهم يعللون منع إنكاح الابن أُمه بأن عليه عارًا في ذلك” ساقط من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(2) “في دعواه” ساقطة من “جـ”.
(3) انظر: قواعد ابن رجب (3/ 109).
(4) وكذا قال في الفروسية (298).
(5) رواه الإمام أحمد (1/ 379)، وفي فضائل الصحابة (1/ 367)، والطيالسي (33) رقم (246)، والطبراني في الكبير (9/ 113) رقم (8583)، والأوسط (4/ 367) رقم (3627)، والبزار (5/ 212) رقم (1816)، والحاكم (3/ 89)، والبغوي في شرح السنة (1/ 215)، والبيهقي في الاعتقاد (183)، وفي المدخل (1/ 114) (49). وصححه ابن كثير في البداية والنهاية (14/ 386)، =

(1/243)


ولا ريب أن المؤمنين – بل وغيرهم – يرون من القبيح أن تسمع دعوى البقال على الخليفة الأمير أنه باعه بمائة ألف دينار أو نحوها (1) ولم يوفه إياها، أو أنه اقترض منه ألف دينار أو نحوها (2)، أو أنه تزوج ابنته الشوهاء، ودخل بها، ولم يعطها مهرها. أو تدعي امرأة مكثت (3) مع الزوج ستين سنة أو نحوها: أنه لم ينفق عليها يومًا واحدًا، ولا كساها خيطًا، وهو يشاهد داخلًا وخارجًا إليها بأنواع الطعام والفواكه فتسمع دعواها ويحلف لها، ويحبس على ذلك كله. أو تسمع دعوى الذاعر الهارب وبيده عمامة لها ذؤابة، وعلى رأسه عمامة، وخلفه عالم مكشوف الرأس، فيدعي الذاعر أن العمامة له، فتسمع دعواه، ويحكم له بها بحكم اليد. أو يدعي رجل معروف بالفجور وأذى الناس على رجل مشهور بالديانة والصلاح أنه نقب بيته وسرق متاعه، فتسمع دعواه ويستحلف له، فإن نكل قضي عليه. أو يدعي رجل على رجل مشهور بالخير والدين أنه تعرض لزوجته أو ولده أو لقريبه بكلام قبيح أو فعل، فلا تسمع دعواه ويُعزر المدعي بذلك (4). أو يدعي رجل
__________
= والهيتمي في الصواعق المحرقة (23)، والساعاتي في الفتح الرباني (22/ 170)، وحسنه السخاوي في المقاصد (959)، والحافظ ابن حجر في موافقة الخُبْر الخَبَر (2/ 435)، وجود إسناده ابن كثير في تحفة الطالب (455).
(1) “أو نحوها” ساقطة من “أ”.
(2) “ولم يوفه إياها أو أنه اقترض منه ألف دينار ونحوها” ساقطة من “هـ”.
(3) في “أ”: “تلبثت”.
(4) “أو يدعي رجل على رجل مشهور بالخير والدين أنه تعرض لزوجته أو لولده أو لقريبه بكلام قبيح أو فعل فلا تسمع دعواه ويعزر المدعي بذلك” مثبت من “جـ” و”هـ”.

(1/244)


معروف بالشحاذة وسؤال الناس أنه أقرض تاجرًا من أكابر التجار مائة ألف دينار، أو أنه غصبها منه، أو أن ثياب التاجر التي هي عليه ملك الشحاذ شلحه إياها، أو غصبها منه. ونحو ذلك من الدعاوى التي شهد الناس بفطرهم وعقولهم أنها من أعظم الباطل؛ فهذه لا تسمع، ولا يُحلَّف فيها المدعى عليه، ويُعزر المدعي تعزير أمثاله. وهذا الذي تقتضيه الشريعة التي مبناها على الصدق والعدل، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] فالشريعة المنزلة من عند الله لا تصدق كاذبًا، ولا تنصر ظالمًا.

فصل (1)
ورأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله ورضي الله عنه – في ذلك جواب سؤال: هل السياسة بالضرب والحبس للمتهمين في الدعاوى وغيرها من الشرع أم لا؟ وإذا كانت من الشرع فمن يستحق ذلك، ومن لا يستحقه؟ وما قدر الضرب ومدة الحبس؟
فأجاب (2): الدعاوى التي يحكم فيها ولاة الأمور – سواء سموا قضاة، أو ولاة، أو ولاة الأحداث (3)، أو ولاة المظالم (4)، أو غير
__________
(1) “فصل” ساقطة من “أ”.
(2) مجموع الفتاوى (35/ 389 – 407).
(3) ولاة الأحداث: هم الذين يُعلَّمون أحداث الفيء الفروسية والرمي. وقيل: هم الذين ينصبون في الأطراف لتولية القضاء وسعاة الصدقات وعزلهم وتجهيز الجيوش إلى الثغور وحفظ البلاد من الفساد ونحوها عن الأحداث. أسنى المطالب (3/ 92).
(4) والي المظالم: هو الذي يقود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر =

(1/245)


ذلك من الأسماء العرفية الاصطلاحية -، فإن حكم الله تبارك وتعالى شامل لجميع الخلائق، وعلى كل من ولي أمرًا من أمور الناس، أو حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل فيحكم بكتاب الله وسنة رسوله وهذا هو الشرع المنزل من عند الله تعالى، قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]، وقال تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48].

فالدعاوى قسمان: دعوى تهمة، ودعوى غير تهمة.
فدعوى التهمة: أن يُدَّعى فعل محرم على المطلوب، يوجب عقوبته، مثل قتل، أو قطع الطريق، أو سرقة، أو غير ذلك من العدوان الذي يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأحوال.
وغير التهمة: أن يدعي عقدًا من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان، أو غير ذلك.
وكل من القسمين قد يكون حدًّا محضًا، كالشرب والزنا، وقد يكون حقًّا محضًا لآدمي، كالأموال، وقد يكون متضمنًا للأمرين، كالسرقة وقطع الطريق. فهذا القسم إن أقام عليه المدعي (1) حجة
__________
= المتنازعين عن التجاحد بالهيبة. الأحكام السلطانية للماوردي (102)، ولأبي يعلى (73).
(1) في “أ”: “المدعى عليه”، وهو خطأ ظاهر.

(1/246)


شرعية، وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه.
لما روى مسلم في “صحيحه” (1) عن ابن عباس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ اليَمِيْنَ عَلَى المُدَّعَىَ عَلَيْه”، وفي رواية في “الصحيحين” (2) عنه: “قَضَى رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِاليَمِيْنِ عَلىَ المُدَّعَى عَلَيْهِ”.
فهذا الحديث نص أن (3) أحدًا لا يعطى بمجرد دعواه، ونص في أن الدعوى المتضمنة للإعطاء فيها اليمين ابتداءً على المدعى عليه وليس فيها أن الدعاوى الموجبة للعقوبات لا توجب اليمين إلا على المدعى عليه.
بل قد ثبت عنه (4) في “الصحيحين” (5) في قصة القسامة: أنه قال لمدعي الدم: “تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ، فَقَالوا: كَيف نحلف، ولم نشهد، ولم نر؟ قال: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهودُ بَخَمْسِينَ يَمِينًا”.
وثبت في “صحيح مسلم” (6) عن ابن عباس: “أنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – قَضَى
__________
(1) في الأقضية: باب اليمين على المدعى عليه (12/ 243) رقم (1711).
(2) البخاري (5/ 172) رقم (2514)، ومسلم (12/ 243) رقم (1711) مكرر.
(3) في “جـ”: “نص في أن”.
(4) “عنه” من “أ”.
(5) سبق تخريجه. وانظر: تهذيب السنن (6/ 320).
(6) في الأقضية: باب القضاء بالشاهد واليمين (11/ 244) رقم (1712).

(1/247)


بِيَمين وَشَاهِدٍ”. وابن عباس هو الذي روى عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أنه قضى بَاليمين على المدعى عليه” (1)، وهو الذي روى: “أنه قضى باليمين والشاهد” ولا تعارض بين الحديثين، بل هذا في دعوى، وهذا في دعوى.
وأما الحديث المشهور على ألسنة الفقهاء: “البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى (2) وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ” (3) فهذا قد روي، ولكن ليس إسناده في الصحة والشهرة مثل غيره، ولا رواه عامة أصحاب السنن المشهورة، ولا قال بعمومه أحد من علماء الأمة، إلا طائفة من فقهاء الكوفة، مثل أبي حنيفة وغيره (4)، فإنهم يرون اليمين دائمًا في (5) جانب المنكر، حتى في القسامة (6)، يحلفون المدعى عليه، ولا يقضون بالشاهد واليمين (7)، ولا يردون اليمين على المدعي عند النكول (8)، واستدلوا بعموم هذا الحديث.
__________
(1) سبق تخريجه قريبًا.
(2) في “ب”: “البينة على المدعي”.
(3) سبق تخريجه ص: 25.
(4) “وغيره” ساقطة من “جـ”.
(5) في “جـ” و”هـ”: “على”.
(6) انظر: مختصر القدوري (192)، المبسوط (26/ 106)، بدائع الصنائع (7/ 286)، النتف (2/ 679)، لسان الحكام (1/ 397).
(7) من قوله “يرون اليمين” إلى قوله “بالشاهد واليمين” ساقطة من “ب”. انظر: رؤوس المسائل (535)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 342)، عقود الجواهر المنيفة (2/ 69).
(8) مختصر القدوري (214)، بدائع الصنائع (6/ 230)، المبسوط (17/ 34)، =

(1/248)


وأما سائر علماء الأمة – من أهل المدينة ومكة والشام وفقهاء الحديث وغيرهم، مثل ابن جريج (1) ومالك (2) والشافعي (3) والليث (4) وأحمد (5) وإسحاق (6) -: فتارة يحلفون (7) المدعى عليه، كما جاءت بذلك السنة، والأصل عندهم: أن اليمين مشروعة في أقوى الجانبين، وأجابوا عن ذلك الحديث: تارة بالتضعيف (8)، وتارة بأنه عام، وأحاديثهم خاصة (9)، وتارة بأن أحاديثهم أصح وأكثر (10)، فالعمل بها
__________
= مختصر اختلاف العلماء (3/ 383)، شرح أدب القاضي للحسام الشهيد (174)، طريقة الخلاف (418)، عقود الجواهر المنيفة (2/ 69)، فتح القدير (8/ 172)، الهداية (5/ 143).
(1) مجموع الفتاوى (35/ 392).
(2) انظر: المنتقى (5/ 210)، الخرشي على خليل (7/ 242)، فتح العلي المالك (1/ 282).
(3) انظر: الأم (6/ 325)، فتاوى السبكي (1/ 334)، أسنى المطالب (2/ 118)، الغرر البهية (4/ 354)، تحفة المحتاج (10/ 253).
(4) المغني (12/ 202)، الشرح الكبير (26/ 149)، مجموع الفتاوى (35/ 392).
(5) المغني (12/ 202)، المقنع (295)، الشرح الكبير (26/ 149)، الإنصاف (26/ 148)، مطالب أولي النهى (6/ 154)، كشاف القناع (6/ 69).
(6) انظر: مجموع الفتاوى (35/ 392).
(7) في الفتاوى (35/ 392): “فتارة يحلفون المدعي وتارة يحلفون المدعى عليه”.
(8) انظر: المغني (14/ 131).
(9) انظر: المغني (12/ 204)، الشرح الكبير (26/ 151)، الممتع في شرح المقنع (5/ 628).
(10) انظر: المراجع السابقة.

(1/249)


عند التعارض أولى.
وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أنه طلب البينة من المدعي، واليمين من المنكر” في حكومات معينة، ليست من جنس دعاوى التهم، مثل ما خرّجا في “الصحيحين” (1) عن الأشعث بن قيس أنه قال: “كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُل (2) حُكُومَةٌ فِي بِئرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبي – صلى الله عليه وسلم -، فَقَال: “شَاهِدَاكَ أوْ يَمِينُهُ”، فَقَلْتُ: إذا يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِي، فَقَالَ: “مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ (3) يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئ مُسْلِمٍ – هُوَ فِيهَا فَاجِر – لَقِيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضبَان”، وفي رواية فقال: “بَيَّنَتُكَ أنَّها بِئْرُكَ، وَإِلَّا فَيَمِينُهُ” (4).
وعن وائل بن حُجر قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال الذي من حضرموت: يا رسول الله، إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها، ليس له فيها حق، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ ” قال: لا، قال: “فَلَكَ يَمِينُهُ”، فقال: يا رسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما
__________
(1) البخاري (5/ 172) رقم (2516)، ومسلم (2/ 518) رقم (138).
(2) واسمه “ربيعة بن عبدان” كما جاء مصرحًا به عند مسلم في إحدى روايات الحديث رقم (139).
(3) سميت “يمين الصبر” لأن صاحبها يصبر عليها أي يلزم بها ويحبس عليها.
انظر: الدلائل في غريب الحديث (1/ 286)، النهاية في غريب الحديث (3/ 8).
(4) رواه أحمد (5/ 212)، والطبراني في المعجم الكبير (1/ 205) رقم (640) وإسناده حسن.

(1/250)


حلف عليه، وليس يتورع من شيء، فقال: “لَيسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِك”، فلما أدبر الرجل ليحلف، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أَمَا إنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ ليَأْكلَهُ ظلمًا ليَلقيَنَّ الله وَهُوَ عَنْهُ مَعْرِضٌ” رواه مسلم (1).
ففي هذا الحديث: أنه لم يوجب على المطلوب إلا اليمين، مع ذكر المدعي لفجوره، وقال: “ليس لك منه إلا ذلك”، وكذلك في الحديث الأول، كان خصم الأشعث بن قيس يهوديًّا، هكذا جاء في “الصحيحين” (2)، ومع هذا لم يوجب عليه إلا اليمين.
وفي حديث القسامة: “أن الأنصار قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ ” (3).

وهذا القسم لا أعلم فيه نزاعًا أن القول فيه قول المدعى عليه مع يمينه، إذا لم يأت المدعي بحجة شرعية، وهي البينة، لكن البينة التي هي الحجة الشرعية: تارة تكون شاهدين عدلين ذكرين، وتارة تكون رجلًا وامرأتين، وتارة أربعة رجال، وتارة ثلاثة عند طائفة من العلماء (4)، وذلك في دعوى إفلاس من علم له مال متقدم، كما ثبت
__________
(1) رواه مسلم رقم (223) (2/ 521).
(2) سبق تخريجه قريبًا.
(3) البخاري رقم (3173)، ومسلم (1669).
(4) رواية عن الإمام أحمد واختارها جمع من أصحابه. انظر: المحرر (1/ 223)، المغني (14/ 128)، الاختيارات (363)، شرح الزركشي (7/ 303)، شرح منتهى الإرادات (1/ 461)، كشاف القناع (2/ 286). وبه قال بعض الشافعية. انظر: شرح النووي لمسلم (7/ 140)، روضة الطالبين =

(1/251)


في “صحيح مسلم” (1) من حديث قبيصة بن مخارق (2) قال: “لَا تَحِلُّ المَسْأَلَةُ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً (3)، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيْبَهَا، ثَمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أصَابَتْهُ جَائِحَةٌ (4) اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيْب قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ (5)، حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُون: لَقَدْ أَصَابَتْ فَلانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسأَلَةُ حَتَّى يُصيبَ قوامًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سواهُنَّ يَا قَبيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا”.

فهذا الحديث صريح في أنه لا يقبل في (6) بينة الإِعسار أقل من ثلاثة، وهو الصواب الذي يتعين القول به، وهو اختيار بعض أصحابنا (7)، وبعض الشافعية (8).
__________
= (3/ 373)، أدب القضاء لابن أبي الدم (427).
(1) في الزكاة: باب من تحل له المسألة رقم (1044) (7/ 139).
(2) “من حديث قبيصة بن مخارق” ساقطة من “ب” و”جـ” و”هـ”.
(3) الحمالة بالفتح: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة. النهاية في غريب الحديث (1/ 442).
(4) الجائحة: الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة. لسان العرب (2/ 430)، القاموس المحيط (276). واصطلاحًا: هي الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين أحد، مثل الريح والبرد والمطر. مجموع الفتاوى (30/ 278).
(5) الفاقة: الحاجة والفقر. النهاية (3/ 480).
(6) “في” ساقطة من “أ”.
(7) انظر: المحرر (1/ 223)، المغني (14/ 128)، الاختيارات (363).
(8) شرح النووي لمسلم (7/ 140)، روضة الطالبين (3/ 373)، أدب القضاء =

(1/252)


قالوا: ولأنَّ (1) الإعسار من الأمور الخفية التي تقوى فيها التهمة بإخفاء المال، فروعي فيها (2) الزيادة في البينة، وجعلت (3) بين مرتبة أعلى البينات ومرتبة أدنى البينات (4).

وتارة تكون الحجة شاهدًا ويمين الطالب، وتارة تكون امرأة واحدة عند أبي حنيفة (5) وأحمد في المشهور عنه (6)، وامرأتين عند مالك (7) وأحمد في رواية (8)، وأربع نسوة عند الشافعي (9)، وتارة
__________
= لابن أبي الدم (427).
(1) في “ب” و”جـ” و”د” و”هـ”: “وليس”.
(2) في “هـ”: “فيه”.
(3) “وجعلت” ساقطة من جميع النسخ عدا “أ”.
(4) من قوله “فروعي” إلى “أدنى البينات” من كلام ابن القيم وليس من كلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -.
(5) انظر: المبسوط (16/ 142)، مختصر اختلاف العلماء (3/ 245)، المختار للفتوى (131)، أدب القضاء للسروجي (355)، رؤوس المسائل (529)، روضة القضاة (15/ 209)، نوادر الفقهاء (312).
(6) انظر: الشرح الكبير (30/ 31)، الإنصاف (30/ 32)، الهداية (2/ 149)، المغني (14/ 134)، المحرر (2/ 327)، الفروع (6/ 593)، الجامع الصغير (371)، المقنع لابن البنا (4/ 1297)، التسهيل (202)، العدة (702)، رؤوس المسائل الخلافية (6/ 994)، الممتع شرح المقنع (6/ 365).
(7) انظر: المدونة (5/ 158)، الكافي (470)، تبصرة الحكام (1/ 359)، القوانين (319)، منتخب الأحكام (1/ 154)، البيان والتحصيل (10/ 125).
(8) انظر: المراجع في الحاشية قبل السابقة.
(9) انظر: الأم (7/ 88)، الحاوي (17/ 21)، روضة الطالبين (8/ 227)، معرفة السنن (14/ 260)، حلية العلماء (8/ 278)، المسائل الفقهية لابن كثير =

(1/253)


تكون رجلًا واحدًا في داء الدابة، وشهادة الطبيب، إذا لم يوجد اثنان، كما نص عليه أحمد (1)، وتارة تكون لوثًا (2) ولطخًا (3) مع أيمان المدعين، كما في القسامة، وامتازت بكون الأيمان فيها خمسين؛ تغليظًا لشأن الدم، كما امتاز اللعان بكون الأيمان فيه أربعًا.
والقسامة يجب فيها القود عند مالك (4) وأحمد (5) (6)، وتوجب
__________
= (205)، فتح الباري (5/ 315).
(1) انظر: المغني (14/ 273)، المحرر (2/ 324)، شرح الزركشي (7/ 396)، المقنع لابن البنا (4/ 1319)، معونة أولي النهى (9/ 424)، كشف المخدرات (2/ 262)، غاية المنتهى (3/ 507)، الرعاية الصغرى (2/ 399)، دليل الطالب (286)، هداية الراغب (565)، حاشية اللبدي على نيل المآرب (474).
(2) سبق بيانه ص (6).
(3) لطخت فلانًا بأمر قبيح رميته به. لسان العرب (3/ 51).
(4) انظر: الموطأ (879)، المنتقى (7/ 61)، تبصرة الحكام (1/ 392)، التاج والإكليل (8/ 356)، شرح ميارة على التحفة (2/ 288)، شرح الخرشي على مختصر خليل (8/ 11)، الفواكه الدواني (2/ 180)، بلغة السالك (4/ 380)، منح الجليل (9/ 85)، التفريع (2/ 207).
(5) انظر: الفروع (6/ 48)، شرح منتهى الإرادات (3/ 332)، كشاف القناع (6/ 76)، مطالب أولي النهى (6/ 153)، مختصر الخرقي (130)، المقنع لابن البناء (3/ 1097)، شرح الزركشي (6/ 193)، التذكرة في الفقه (294)، الكافي (5/ 284).
(6) قال العلامة ابن باز رحمه الله في تعليقه على “الطرق الحكمية”: “وفي نسخة: وأبي حنيفة” ا. هـ. ولم أطلع على هذه النسخة وقد جاء كذلك في طبعات الكتاب: “وأبي حنيفة”، وهو خطأ فليس هذا مذهبًا لأبي حنيفة، وسيذكر المؤلف مذهبه قريبًا “أهل الرأي”.

(1/254)


الدية فقط عند الشافعي (1)، وأما أهل الرأي (2): فيحلفون فيها المدعى عليه خاصة، ويوجبون عليه الدية مع تحليفه (3).

قلت: وتارة تكون الحجة نكولًا فقط من غير (4) رد اليمين، وتارة تكون يمينًا مردودة، مع نكول المدعى عليه، كما قضى الصحابة بهذا (5) وهذا، وتارة تكون علامات يصفها المدعي، يُعلم بها صدقه، كالعلامات التي يصفها من سقطت منه لقطة لواجدها، فيجب حينئذٍ الدفع إليه بالصفة عند الإمام أحمد (6) وغيره، ويجوز عند الشافعي (7)،
__________
(1) انظر: الأم (6/ 118)، التهذيب (7/ 225)، الحاوي (13/ 14)، مغني المحتاج (4/ 116 – 117)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (4/ 136)، بجيرمي على الخطيب (4/ 136)، تحفة المحتاج (9/ 58)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 168)، أسنى المطالب (4/ 96)، إحكام الإحكام لابن دقيق (4/ 280)، روضة الطالبين (7/ 247). وانظر الحاشية 3 ص: 13.
(2) انظر: مختصر القدوري (192)، مختصر اختلاف العلماء (5/ 177)، كتاب الأصل (4/ 426)، بدائع الصنائع (7/ 286)، العناية (10/ 373)، تكملة البحر الرائق (9/ 189)، البناية (12/ 409)، اللباب في شرح الكتاب (2/ 64).
(3) انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله. مجموع الفتاوى (35/ 389 – 395).
(4) “من غير” ساقطة من “أ”.
(5) تقدم ص (228).
(6) انظر: شرح منتهى الإرادات (2/ 384)، كشاف القناع (4/ 222)، مطالب أولي النهى (4/ 234)، إعلام الموقعين (2/ 366)، قواعد ابن رجب (2/ 386)، المبدع (5/ 284)، مسائل صالح (1/ 293)، جامع العلوم والحكم (2/ 241)، رؤوس المسائل (3/ 1086)، الهداية (1/ 203).
(7) انظر: مختصر المزني (9/ 148)، التنبيه (132)، التهذيب (4/ 554)، روضة الطالبين (4/ 477)، الوجيز (644).

(1/255)


ولا يجب، وتارة تكون شبهًا بينًا يدل على ثبوت النسب، فيجب إلحاق النسب به عند جمهور (1) من السلف والخلف (2)، كما في القافة التي اعتبرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحكم بها الصحابة من بعده (3)، وتارة تكون علامات يختص بها أحد المتداعيين، فيقدم بها (4)، كما نص عليه الإمام أحمد في المكري والمكتري يتداعيان دفينًا في الدار، فيصفه أحدهما، فيكون له مع يمينه (5)، وتارة تكون علامات في بدن اللقيط يصفه به أحد المتداعيين، فيقدم بها، كما نص عليه أحمد (6)، وتارة تكون قرائن ظاهرة يحكم بها للمدعي مع يمينه، كما إذا تنازع الخياط والنجار في آلات صناعتهما، حكم بكل آلة لمن تصلح له عند الجمهور (7)، وكذلك إذا تنازع الزوجان متاع البيت، حكم للرجل بما
__________
(1) في “أ”: “الجمهور”.
(2) انظر: تبصرة الحكام (2/ 114)، تفسير القرطبي (10/ 259)، الفروق (4/ 99) و (3/ 125)، الكافي (484)، الأم (6/ 344)، نهاية المحتاج (8/ 375)، مغني المحتاج (4/ 488)، المغني (8/ 371)، المبدع (8/ 136)، زاد المعاد (5/ 418)، المحلى (9/ 435).
(3) سيأتي ذكر الأحاديث والآثار.
(4) “بها” ساقطة من “ب”.
(5) انظر: المغني (8/ 321)، قواعد ابن رجب (2/ 387).
(6) انظر: قواعد ابن رجب (2/ 387)، إعلام الموقعين (2/ 366)، المغني (8/ 379)، الشرح الكبير (16/ 307)، الفروع (4/ 578)، المقنع (160)، معونة أولي النهى (5/ 698)، الإنصاف (16/ 307).
(7) انظر: المغني (14/ 335)، زاد المعاد (3/ 147)، بدائع الفوئد (1/ 17)، الفروع (6/ 519)، شرح منتهى الإرادات (3/ 560)، كشاف القناع (6/ 386).

(1/256)


يصلح له، وللمرأة بما يصلح لها (1)، ولم ينازع في ذلك إلا الشافعي، فإنه قسم عمامة الرجل وثيابه بينه وبين المرأة، وكذلك قسم خف المرأة وحلقها ومغزلها بينها وبين الرجل (2).
وأما الجمهور – كمالك وأحمد وأبي حنيفة – فإنهم نظروا إلى القرائن الظاهرة والظن الغالب الملتحق بالقطع في اختصاص كل واحد منهما بما يصلح له، ورأوا أن الدعوى تترجح (3) بما هو دون ذلك بكثير، كاليد والبراءة والنكول، واليمين المردودة، والشاهد واليمين، والرجل والمرأتين، فيثير (4) ذلك ظنًّا تترجح به الدعوى، ومعلوم أن الظن الحاصل ها هنا أقوى بمراتب كثيرة من الظن الحاصل بتلك الأشياء، وهذا مما (5) لا يمكن جحده ودفعه.
__________
(1) “لها” ساقطة من “ب”. انظر: المبسوط (5/ 125)، بدائع الصنائع (2/ 308)، الفتاوى الهندية (1/ 329)، معين الحكام (129)، المدونة (2/ 266)، قوانين الأحكام (213)، الفروق (3/ 148)، منتخب الأحكام (1/ 168)، أسهل المدارك (3/ 232)، البهجة (1/ 299)، مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود (249)، الهداية (2/ 141)، التذكرة (366)، الجامع الصغير (379)، المقنع لابن البناء (4/ 1325)، المحرر (2/ 220)، المغني (14/ 333)، مجموع الفتاوى (34/ 81)، زاد المعاد (3/ 147)، بدائع الفوائد (1/ 917)، الفروع (6/ 518)، المبدع (10/ 153)، قواعد ابن رجب (3/ 109).
(2) انظر: الأم (5/ 139)، حلية العلماء (8/ 213)، التهذيب (8/ 349)، روضة الطالبين (8/ 366)، عماد الرضا (2/ 161)، المسائل الفقهية لابن كثير (204)، الديباج المذهب (4/ 1226).
(3) في “أ”: “ترجح”.
(4) في “ب”: “فينشئُ”.
(5) في “أ”: “ما”.

(1/257)


وقد نصب الله سبحانه على الحق الموجود والمشروع علامات وأمارات تدل عليه وتبينه، قال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 15 – 16]، ونصب على القبلة علامات وأدلة، ونصب على الإيمان والنفاق علامات وأدلة (1)، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إِذَا رَأَيْتُم الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسْجدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيْمَانِ” (2)، فجعل اعتياد شهود المسجد من علامات الإيمان وجوز لنا أن نشهد بإيمان صاحبها، مستندين إلى تلك العلامة، والشهادة إنما تكون على القطع، فدل على أن الأمارة تفيد القطع وتسوغ الشهادة.
__________
(1) “ونصب على الإيمان والنفاق علامات وأدلة” ساقطة من “د”.
(2) رواه أحمد (3/ 68 و 76)، والترمذي (3/ 364) رقم (2617)، وابن ماجه (2/ 101) رقم (802)، وعبد بن حميد (2/ 82) رقم (921)، والدارمي رقم (1223)، وابن خزيمة (2/ 379) رقم (1502)، وسعيد بن منصور (5/ 242) رقم (1010)، وابن حبان (5/ 6) رقم (1721)، والحاكم (1/ 212) و (2/ 332)، والبيهقي (3/ 93)، وفي الشعب (3/ 81)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 327) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الترمذي: “هذا حديث غريب حسن”، وقال الحاكم: “هذه ترجمة للمصريين لم يختلفوا في صحتها وصدق رواتها، غير أن شيخي الصحيح لم يخرجاه وقد سقت القول في صحته” ا. هـ. تعقبه الذهبي بقوله: “دراج كثير المناكير” ا. هـ. تلخيص المستدرك (1/ 212)، وصححه الحاكم في (2/ 332) وأقره الذهبي. وبالنظر في أسانيد من رواه نجد أنها جميعًا من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم – سليمان بن عمرو الليثي – قال الإمام أحمد: “أحاديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف” ا. هـ. الكامل (4/ 10).

(1/258)


وقال: “آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثُ – وفي لفظ: علامة المنافق ثلاث -: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَف، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ” (1).
وفي “السنن”: “ثَلَاثٌ مِنْ عَلَامَاتِ الإيْمَانِ: الكَفُّ عَمَّن قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَالْجهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي الله إَلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لا يُبطلهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالإِيْمَانُ بالأَقْدارِ” (2).
وقد نصب الله تعالى الآيات دالة عليه وعلى وحدانيته وأسمائه وصفاته، فكذلك هي دالة على عدله وأحكامه، والآية مستلزمة لمدلولها لا تنفك عنها، فحيث وجد الملزوم (3) وجد لازمه، فإذا وجدت آية الحق ثبت الحق، ولم يتخلف ثبوته عن آيته وأمارته، فالحكم بغيره حينئذٍ (4) يكون حكمًا بالباطل.
وقد اعتبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه من بعده العلامات في الأحكام،
__________
(1) رواه البخاري رقم (33) (1/ 111)، ومسلم رقم (107) (2/ 407) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه سعيد بن منصور (2/ 143) رقم (2367)، وأبو داود رقم (2532)، وأبو يعلى (7/ 287) رقم (1556)، والبيهقي (9/ 262)، وأبو عبيد في الإيمان رقم (27)، والضياء في المختارة (7/ 285) رقم (2741) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وفي إسنادهم جميعًا يزيد بن أبي نشبة، قال المنذري: “فى معنى المجهول” ا. هـ. نصب الراية (3/ 377)، وقال الحافظ ابن حجر: “مجهول”. التقريب (605).
(3) قوله “وجد الملزوم” ساقطة من “ب”.
(4) “حينئذٍ” ساقطة من جميع النسخ عدا “أ”.

(1/259)


وجعلوها مبينة لها، كما اعتبر العلامات في اللقطة، وجعل صفة الواصف لها آية وعلامة على صدقه (1)، وأنها له، وقال لجابر: “خذ من وكيلي وسقًا (2)، فإن التمس منك آية، فضع يدك على ترقوته” (3) فنزل هذه العلامة منزلة البينة التي تشهد أنه أذن له أن يدفع إليه ذلك، كما نزل الصفة للُّقطة منزلة البينة، بل هذا نفسه بينة، إذ البينة ما تبين الحق من قول وفعل ووصف.
وجعل الصحابة – رضي الله عنهم – الحبل علامة وآية على الزنا فحدوا به المرأة وإن لم تقر (4)، ولم يشهد عليها أربعة، بل جعلوا الحبل أصدق من الشهادة، وجعلوا رائحة الخمر وقيئه لها آية وعلامة على شربها، بمنزلة الإقرار والشاهدين (5).
وجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – نحر كفار قريش يوم بدر عشر جزائر أو تسعًا آية وعلامة على كونهم ما بين الألف والتسعمائة (6)، فأخبر عنهم بهذا
__________
(1) “على صدقه” ساقطة من “أ”.
(2) في “هـ”: “ثلاثين وسقًا”.
(3) تقدم تخريجه ص: 27.
(4) رواه البخاري (12/ 148) رقم (6830)، ومسلم رقم (1691) (11/ 204).
(5) تقدم تخريجه من حكم عمر وابن مسعود رضي الله عنهما ص (12).
(6) رواه أحمد (1/ 117)، وابن أبي شيبة (7/ 356) رقم (36668)، وعبد الرزاق (5/ 348)، والبزار (2/ 296) رقم (719) جميعهم عدا عبد الرزاق من حديث علي رضي الله عنه. قال الهيثمي: “رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح غير حارثة بن مضروب وهو ثقة” ا. هـ. مجمع الزوائد (6/ 79).

(1/260)


القدر بعد ذكر هذه العلامة.
وجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – كثرة المال وقصر مدة إنفاقه آية وعلامة على كذب المدعي لذهابه في النفقة والنوائب في قصة (1) حيي بن أخطب، وقد (2) تقدمت (3)، وأجاز العقوبة بناءً على هذه العلامة.
واعتبر العلامة في السيف وظهور أثر الدم به في الحكم بالسلب لأحد المتداعيين، ونزل الأثر منزلة بينة (4).
واعتبر العلامة في ولد الملاعنة، وقال: “أنظروها، فإن جاءت به كذا وكذا فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو للذي رميت به” (5)، فأخبر أنه للذي رميت به لهذه العلامات والصفات، ولم يحكم به له؛ لأنه لم يدعه، ولم يقر به، ولا كانت الملاعنة فراشًا له.
واعتبر إنبات الشعر حول القبل في البلوغ، وجعله آية وعلامة له، فكان يقتل من الأسرى يوم قريظة من وجدت فيه تلك العلامة (6)، ويستبقي من لم تكن فيه، ولهذا جعله طائفة من الفقهاء – كالشافعي (7) – علامة في حق الكفار خاصة.
__________
(1) “قصة” ساقطة من “ب”.
(2) “قد” ساقطة من “أ”.
(3) ص (14).
(4) تقدم تخريجه ص: 24.
(5) رواه مسلم في اللعان رقم (1496) (10/ 382).
(6) تقدم تخريجه. ص: 19.
(7) الأم (4/ 372).

(1/261)


وجعل الحيض علامة على براءة الرحم من الحمل، فجوز وطء الأمة المسبية إذا حاضت حيضة، لوجود علامة خلوها من الحبل، فلما منع من وطء الأمة الحامل، وجوز وطأها إذا حاضت (1)، كان ذلك اعتبارًا لهذه العلامة والأمارة (2).
واعتبر العلامة في الدم الذي تراه المرأة ويشتبه عليها، هل هو حيض، أو استحاضة. واعتبر العلامة فيه بوقته ولونه، وحكم بكونه حيضًا بناءً على ذلك (3).
وهذا في الشريعة أكثر من أن يحصر وتستوفى شواهده.
__________
(1) قوله: “حيضة لوجود” حتى قوله “إذا حاضت” ساقط من “د”.
(2) كما رواه أحمد (3/ 62)، وأبو داود رقم (2157)، والدارمي (2/ 224)، والحاكم (2/ 195)، والبيهقي (7/ 738) من حديث أبي سعيد الخدري رفعه أنه قال في سبايا أوطاس: “لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة”. قال الحاكم: “هذا حديث على شرط مسلم” ووافقه الذهبي. وحسن إسناد أبي داود ابن عبد الهادي. تنقيح التحقيق (1/ 243). وحسنه الحافظ ابن حجر. التلخيص (1/ 304).
(3) كما في حديث فاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لها: “إن دم الحيض أسود يُعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق”. رواه أبو داود رقم (304)، والنسائي (1/ 183) رقم (358)، والدارقطني (1/ 207) وقال: “رواته كلهم ثقات”، وابن حبان (1348)، والحاكم (1/ 174) وسكت عنه، وقال الذهبي: “على شرط مسلم” ا. هـ. وانظر: العلل لابن أبي حاتم (117)، وفتح الباري لابن رجب (2/ 56).

(1/262)


فمن أهدر الأمارات والعلامات في الشرع (1) بالكلية فقد عطل كثيرًا من الأحكام، وضيع كثيرًا من الحقوق (2) والناس في هذا الباب طرفان ووسط.

قال شيخنا – رحمه الله (3) -: وقد وقع فيه من التفريط من بعض ولاة الأمور والعدوان من بعضهم ما أوجب الجهل بالحق، والظلم للخلق، وصار لفظ “الشرع” غير مطابق لمعناه (4) الأصلي، بل لفظ “الشرع” في هذه الأزمنة ثلاثة أقسام:
الشرع المنزل: وهو الكتاب والسنة، واتباع هذا الشرع واجب، ومن خرج عنه وجب قتاله، وتدخل فيه أصول الدين وفروعه، وسياسة الأمراء وولاة المال (5)، وحكم الحاكم، ومشيخة الشيوخ، وولاة (6) الحسبة، وغير ذلك، فكل هؤلاء عليهم أن يحكموا بالشرع المنزل، ولا يخرجوا عنه.
والشرع الثاني: الشرع (7) المتأول، وهو موارد (8) النزاع (9) والاجتهاد
__________
(1) “في الشرع” ساقط من “د”.
(2) في “أ”: “الحق”.
(3) مجموع الفتاوى (35/ 395).
(4) في مجموع الفتاوى (35/ 395): “لمسماه”.
(5) في “د”: “الأمور”.
(6) في “ب” و”د”: “وولاية”.

(7) في “أ”: “والثاني الشرع المتأول”، وفي “ب” و”جـ” و”د” و”هـ”: “والشرع المتأول”.
(8) في “د”: “مراد”.
(9) في “ب”: “الشرع”.

(1/263)


بين الأئمة، فمن أخذ بما يسوغ فيه الاجتهاد أقر عليه، ولم يجب على جميع الناس موافقته إلا بحجة لا مرد لها من كتاب الله وسنة رسوله.

والثالث: الشرع المبدل، مثل ما يثبت بشهادات الزور، ويحكم فيه بالجهل والظلم، أو يؤمر (1) فيه بإقرار باطل لإضاعة حق، مثل تعليم المريض أن يقر لوارث بما ليس له، ليبطل به (2) حق بقية الورثة، والأمر بذلك حرام، والشهادة (3) عليه محرمة، والحاكم إذا عرف باطن الأمر وأنه غير مطابق للحق فحكم به كان جائرًا آثمًا، وإن لم يعرف باطن الأمر لم يأثم، فقد قال سيد الحكام صلوات الله وسلامه عليه في الحديث المتفق عليه: “إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُم أَنْ يَكُوْنَ أُلْحَنَ بِحجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ (4)، فَأَقْضِي بنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ (5)، فمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشيْء مِن حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخْذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ” (6).
فصل

القسم الثاني من الدعاوى: دعاوى التهم: وهي دعوى الجناية
__________
(1) في “ب”: “أمر”.
(2) “به” ساقطة من “أ”، وفي “ب”: “فيه”.
(3) “الشهادة” ساقطة من “ب”.
(4) أي إن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره. النهاية (4/ 241).
(5) “فأقضي بنحو مما أسمع” ساقط من “أ”.
(6) البخاري رقم (2680) (5/ 340)، ومسلم رقم (1713) (12/ 245) من حديث أم سلمة – رضي الله عنها -.

(1/264)


والأفعال المحرمة، كدعوى القتل، وقطع الطريق، والسرقة، والقذف (1)، والعدوان.
فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام (2)؛ فإن المتهم إما أن يكون بريئًا ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجرًا من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله.
فإن كان بريئًا لم تجز عقوبته اتفاقًا (3)، واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين، أصحهما: أنه (4) يعاقب، صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البرآء (5).
قال مالك وأشهب (6) رحمهما الله: لا أدب على المدعي إلا أن
__________
(1) القذف لغة: الرمي. مختار الصحاح (526)، المصباح المنير (494).
وشرعًا: الرمي بالزنا ونحوه. المطلع (371).
(2) انظر: المنتقى (7/ 166)، تبصرة الحكام (2/ 156)، الأحكام السلطانية للماوردي (121)، السياسة الشرعية لابن نجيم (45)، معين الحكام (178).
(3) وممن حكى الإجماع أو الاتفاق: ابن نجيم في السياسة الشرعية (45)، والطرابلسي في معين الحكام (178)، ودده أفندي في السياسة الشرعية (121)، وابن فرحون في تبصرة الحكام (2/ 156).
(4) “أنه” من “أ”.
(5) انظر: كشاف القناع (6/ 128)، الاختيارات (303).
(6) هو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي أبو عمر. توفي سنة 204 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: الديباج المذهب (1/ 307)، شجرة النور الزكية (1/ 59)، سير أعلام النبلاء (9/ 500).

(1/265)


يقصد أذية المدعى عليه وعيبه وشتمه، فيؤدب (1). وقال أصبغ (2): يؤدب، قصد أذيته أو لم يقصد (3).
وهل يحلَّف في (4) هذه الصور؟ فإن كان المدعى حدًّا لله لم يحلف عليه، وإن كان حقًّا لآدمي ففيه قولان مبنيان على سماع الدعوى، فإن سمعت الدعوى أُحلف له، وإلا لم يحلف.
والصحيح: أنه لا تسمع الدعوى (5) في هذه الصورة، ولا يحلف المتهم؛ لئلا يتطرق الأراذل والأشرار إلى الاستهانة بأهل الفضل والأخطار، كما تقدم من أن المسلمين يرون ذلك قبيحًا (6).

فصل

القسم الثاني (7): أن يكون المتهم مجهول الحال، لا يعرف ببر
__________
(1) انظر: المنتقى (7/ 166)، تبصرة الحكام (2/ 156).
(2) أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع المصري أبو عبد الله الشيخ الإمام الكبير. توفي سنة 225 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 656)، الديباج المذهب (1/ 299)، شجرة النور (1/ 66).
(3) انظر: المنتقى (7/ 166)، تبصرة الحكام (2/ 156)، شرح حدود ابن عرفة (2/ 609).
(4) “في” ساقطة من “د”.
(5) قوله “فإن سمعت الدعوى” إلى “لا تسمع الدعوى” ساقط من “د”.
(6) انظر: تبصرة الحكام (2/ 156).
(7) في “ب”: “الثالث”. ولا يزال الكلام لابن تيمية – رحمه الله تعالى -. مجموع الفتاوى (35/ 397).

(1/266)


ولا فجور، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام (1)، والمنصوص عند أكثر الأئمة: أنه يحبسه القاضي والوالي، هكذا نص عليه مالك وأصحابه (2)، وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه (3)، وذكره أصحاب أبي حنيفة (4).
وقال الإمام أحمد: قد حبس النبي – صلى الله عليه وسلم – في تهمة، قال أحمد (5): وذلك حتى يتبين للحاكم أمره.
وقد روى أبو داود في “سننه” (6) وأحمد (7) وغيرهما (8)، من
__________
(1) انظر: المنتقى (7/ 166)، تبصرة الحكام (2/ 161)، الأحكام السلطانية للماوردي (258)، ولأبي يعلى (258)، السياسة الشرعية لابن نجيم (45)، معين الحكام (180)، البيان والتحصيل (10/ 419).
(2) انظر: تبصرة الحكام (2/ 161)، البيان والتحصيل (10/ 419).
(3) انظر: مجموع الفتاوى (35/ 397)، الفروع (6/ 479)، الأحكام السلطانية (258)، الإنصاف (28/ 439).
(4) انظر: معين الحكام (180)، السياسة الشرعية لابن نجيم (55)، السياسة الشرعية لدده أفندي (135).
(5) في رواية حنبل. انظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى (258)، والفروع (6/ 479)، الإنصاف (28/ 439).
(6) في القضاء: باب في الدين هل يحبس به رقم (3630).
(7) المسند (5/ 2).
(8) عبد الرزاق (8/ 306) رقم (15313)، والترمذي رقم (1417) (3/ 85)، والنسائي في الكبرى (7362) (4/ 328)، والطبراني في المعجم الكبير (19/ 414) (998)، والمعجم الأوسط (1/ 134) رقم (154)، وابن المقرئ في معجمه (260) رقم (875)، والحاكم (4/ 102)، وابن الجارود رقم (1003)، والبيهقي (6/ 88). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، =

(1/267)


حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: “أَنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – حَبَسَ فِي تُهْمة” قال علي بن المديني: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح (1).
وفي “جامع الخلال” عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: “أَنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – حبسَ في تُهْمَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً” (2).
والأصول المتفق عليها بين الأئمة توافق ذلك، فإنهم متفقون على أن المدعي إذا طلب (3) المدعى عليه، الذي يسوغ إحضاره وجب على الحاكم إحضاره إلى مجلس الحكم، حتى يفصل بينهما، ويحضره من مسافة العدوى – التي هي عند بعضهم بريد (4) – وهو ما لا يمكن الذهاب إليه والعود في يومه (5)، كما يقوله بعض أصحاب الإمام
__________
= وحسنه الترمذي. وذكر ابن القيم أن الإمام أحمد وابن المديني قالا: “هذا إسناد صحيح” ا. هـ. زاد المعاد (5/ 5)، وصححه ابن تيمية. الصارم المسلول (2/ 434).
(1) انظر: فتح الباري (13/ 355)، تهذيب السنن (4/ 319)، تهذيب التهذيب (1/ 457)، تهذيب الأسماء (1/ 145).
(2) رواه ابن عدي (1/ 395)، والبزار (1/ 549) “مختصرًا”، والخطيب في التاريخ (7/ 53)، والحاكم (4/ 102)، والعقيلي (1/ 52)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 114). وسكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: “إبراهيم – بن خثيم – متروك”. وقال العقيلي: “لا يتابع إبراهيم على هذا” ا. هـ. وإبراهيم ضعفه البخاري جدًّا. كما نقله عنه الترمذي في العلل (223).
(3) “المدعي إذا طلب” ساقط من “د”.
(4) البريد: فرسخان، والفرسخ: ستة أميال. القاموس المحيط (341).
(5) وفي “أ”: “الذاهب العودة في يومه”.

(1/268)


الشافعي (1) وأحمد (2)، وهو رواية عن أحمد (3) – رضي الله عنه – وعند بعضهم يحضره من مسافة القصر، وهي مسيرة يومين قاصدين (4)، كما هي الرواية الأخرى عن أحمد (5).
ثم الحاكم قد يكون مشغولًا عن تعجيل الفصل، وقد تكون عنده حكومات سابقة، فيكون المطلوب محبوسًا معوقًا من حين يطلب إلى أن يفصل بينه وبين خصمه، وهذا حبس بدون التهمة، ففي التهمة أولى، فإن الحبس الشرعي ليس هو السجن (6) في مكان ضيق، وإنما هو تعويق (7) الشخص ومنعه من التصرف بنفسه سواء كان في بيت أو مسجد (8)، أو كان بتوكيل (9) نفس الخصم أو وكيله عليه، وملازمته له، ولهذا سماه النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أسيرًا”، كما روى أبو داود وابن ماجه عن
__________
(1) انظر: تحفة المحتاج (10/ 86)، أسنى المطالب (4/ 325)، فتاوى الرملي (4/ 134)، فتاوى الهيتمي (4/ 322). وبه قال الحنفية. معين الحكام (98).
(2) المذهب عند الحنابلة أنه إن كان في ولايته أحضره بعدت المسافة أو قصرت. انظر: المغني (14/ 41)، معونة أولي النهى (9/ 115)، الممتع (6/ 210)، كشاف القناع (6/ 355)، شرح منتهى الإرادات (3/ 510)، شرح الزركشي (7/ 288).
(3) انظر: الإنصاف (28/ 403)، شرح الزركشي (7/ 288).
(4) “قاصدين” مثبت من “أ”.
(5) انظر: الإنصاف (28/ 403)، شرح الزركشي (7/ 288)، المبدع (10/ 89).
(6) في “ب” و”جـ” و”هـ”: “الحبس”، وهي ساقطة من “د”.
(7) في “ب”: “توثيق”.
(8) انظر: تبصرة الحكام (2/ 309).
(9) في “د” و”هـ”: “بتوكل”.

(1/269)


الهرماس بن حبيب عن أبيه (1) قال: “أَتَيْتُ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – بِغَريمٍ، فَقَالَ: الْزَمْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَخَا بَنِي تَمِيم مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأسِيرِكَ؟ “، وفي رواية ابن ماجه: “ثُمَّ مَرَّ بِي آخِرَ النَّهَارِ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ أَسِيْرُكَ يَا أَخَا بَنِي تَمِيم؟ ” (2)، وكان هذا هو الحبس على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر الصديق – رضي الله عنه -، ولم يكن له محبس معد لحبس الخصوم ولكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ابتاع بمكة دارًا وجعلها سجنًا يحبس (3) فيها، ولهذا تنازع العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم (4): هل يتخذ الإمام حبسًا؟ على قولين:
__________
(1) قال المنذري – رحمه الله تعالى -: “وصوابه عن أبيه عن جده، وسقط عن جده في كتاب الحافظ أبي بكر الخطيب، ولا بد منه، ووقع في كتاب ابن ماجه عن أبيه عن جده على الصواب، وهكذا ذكره البخاري في تاريخه عن أبيه عن جده” ا. هـ. مختصر سنن أبي داود (5/ 237).
(2) رواه أبو داود رقم (3629)، وابن ماجه (2428)، والبيهقي (6/ 87)، والطبراني (22/ 208) رقم (783) (784)، والبخاري في التاريخ (8/ 247)، والمزي في تهذيب الكمال (30/ 162). وسئل أبو حاتم عن هذا الحديث فقال: “لم يرو هذا الحديث غير النضر بن شميل عن الهرماس. الهرماس شيخ أعرابي لا يعرف أبوه ولا جده” ا. هـ. العلل (2/ 474) رقم (1424).
(3) سيأتي تخريجه بعد أسطر.
(4) انظر: المبسوط (20/ 88)، الأقضية لابن فرج (11)، تبصرة الحكام (2/ 310)، نيل الأوطار (7/ 180)، تهذيب الفروق (4/ 136)، مجموع الفتاوى (35/ 398)، فتح الباري (5/ 91)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 276)، تبيين الحقائق (4/ 179)، العناية شرح الهداية (7/ 277)، معين الحكام (196)، فتح القدير لابن الهمام (7/ 277)، تحفة المحتاج (10/ 134)، مغني المحتاج (4/ 390).

(1/270)


فمن قال: لا يتخذ حبسًا، قال: لم يكن لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا لخليفته (1) بعده حبس، ولكن يُعوِّقه بمكان من الأمكنة، أو يقام عليه حافظ – وهو الذي يسمى الترسيم – أو يأمر غريمه بملازمته كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – (2).
ومن قال: له أن يتخذ حبسًا، قال: قد (3) اشترى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من صفوان بن أمية دارًا بأربعة آلاف درهم (4)، وجعلها حبسًا (5).

ولما كان حضور مجلس الحاكم تعويقًا (6) من جنس الحبس تنازع العلماء: هل يحضر (7) الخصم المطلوب بمجرد الدعوى، أم لا يحضر (8) حتى يبين المدعي أن للدعوى أصلًا، على قولين، هما روايتان عن أحمد (9)،
__________
(1) في “أ”: “لخليفتيه”.
(2) انظر: تبصرة الحكام (2/ 310)، العناية (7/ 277)، كنز الدقائق (4/ 179)، معين الحكام (196).
(3) “قد” ساقطة من “أ”.
(4) “درهم” من “د”.
(5) رواه عبد الرزاق (5/ 148)، والبيهقي (6/ 57) موصولًا. ورواه البخاري تعليقًا (5/ 91).
(6) “تعويقًا” ساقطة من “أ” و”هـ”.
(7) في “د”: “يحضره”.
(8) “يحضر” ساقطة من “ب”، وفي “أ”: “يحضره”.
(9) انظر: المغني (14/ 39)، الشرح الكبير (28/ 389)، الإنصاف (28/ 389)، معونة أولي النهى (9/ 113)، الممتع (6/ 207)، شرح منتهى الإرادات =

(1/271)


والأول: قول (1) أبي حنيفة (2) والشافعي (3)، والثاني: قول مالك (4).

فصل (5)
ومنهم من قال: الحبس في التهم إنما هو لوالي (6) الحرب، دون القاضي، وقد ذكر هذا طائفة من أصحاب الشافعي كأبي عبد الله (7) الزبيري (8) والماوردي (9) وغيرهما، وطائفة من أصحاب أحمد من المصنفين في أدب القضاة (10) وغيرهم، واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة، هل هو مقدَّر أو مرجعه إلى اجتهاد الوالي والحاكم؟ على
__________
= (3/ 509).
(1) في “ب”: “عن”.
(2) انظر: معين الحكام (98).
(3) انظر: الأحكام السلطانية للماوردي (114).
(4) انظر: تبصرة الحكام (2/ 311)، تهذيب الفروق (4/ 132)، مواهب الجليل (6/ 145).
(5) لا يزال الكلام لابن تيمية رحمه الله، انظر: مجموع الفتاوى (35/ 399).
وانظر: السياسة الشرعية لابن نجيم (52)، ومعين الحكام (179).
(6) وفي “ب” و”هـ”: “لولي”.
(7) انظر: الأحكام السلطانية للماوردي (286).
(8) هو الزبير بن أحمد بن سليمان الأسدي أبو عبد الله الزبيري العلامة شيخ الشافعية، توفي سنة 317 هـ – رحمه الله تعالى -. انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 57)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 295)، وللأسنوي (1/ 299).
(9) الأحكام السلطانية (286).
(10) الأحكام السلطانية لأبي يعلى (258).

(1/272)


قولين ذكرهما الماوردي (1) وأبو يعلى وغيرهما (2)، فقال الزبيري: هو مقدر بشهر (3)، وقال الماوردي: غير مقدر (4).

فصل (5)

القسم الثالث: أن يكون المتهم معروفًا بالفجور، كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك، فإذا جاز حبس المجهول فحبس هذا أولى.
قال شيخنا ابن تيمية (6): وما علمت أحدًا من أئمة (7) المسلمين يقول: إن المدعى عليه في جميع هذه الدعاوى يحلف ويرسل بلا حبس ولا غيره، فليس هذا – على إطلاقه – مذهبًا لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم من الأئمة (8)، ومن زعم أن هذا – على إطلاقه وعمومه – هو الشرع فقد غلط غلطًا فاحشًا مخالفًا
__________
(1) الأحكام السلطانية (286).
(2) الأحكام السلطانية (258).
(3) انظر: الأحكام السلطانية للماوردي (286)، الحاوي الكبير (13/ 425).
(4) الأحكام السلطانية (286)، الحاوي الكبير (13/ 425). وهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله. تبصرة الحكام (2/ 322).
(5) الكلام لابن تيمية رحمه الله. مجموع الفتاوى (35/ 400). وانظر: (34/ 236).
(6) “ابن تيمية” ساقط من “أ”. مجموع الفتاوى (35/ 400).
(7) في باقي النسخ عدا “أ”: “من الأئمة أئمة”.
(8) انظر: الإنصاف (28/ 439)، تبصرة الحكام (2/ 158)، معين الحكام (178)، الفروع (6/ 479)، السياسة الشرعية لابن نجيم (46)، السياسة الشرعية لدده أفندي (122)، حاشية ابن عابدين (4/ 82).

(1/273)


لنصوص (1) رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولإجماع الأمة.
وبمثل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، وتوهموا أن الشرع لا يقوم بسياسة العالم ومصلحة الأمة، وتعدوا حدود الله، وتولد من جهل الفريقين بحقيقة الشرع خروج (2) عنه إلى أنواع من الظلم والبدع والسياسة (3)، جعلها هؤلاء من الشرع وهؤلاء قسيمة له ومقابلة له، وزعموا أن الشرع ناقص لا يقوم بمصالح الناس، وجعل أولئك ما فهموه من العموميات والإطلاقات (4) هو الشرع، وإن تضمن خلاف ما تشهد (5) به الشواهد والعلامات الصحيحة.
والطائفتان مخطئتان على الشرع أقبح خطأ وأفحشه، وإنما أتوا من تقصيرهم في معرفة الشرع الذي أنزل الله على رسوله، وشرعه بين عباده، كما تقدم بيانه (6)، فإنه أنزل الكتاب بالحق ليقوم الناس بالقسط ولم يسوغ تكذيب صادق ولا إبطال أمارة وعلامة شاهدة بالحق، بل أمر بالتثبت في خبر الفاسق، ولم يأمر برده مطلقًا، حتى تقوم أمارة على صدقه فيقبل، أو كذبه فيرد، فحكمه دائر مع الحق، والحق دائر مع حكمه أين كان، ومع من كان، وبأي دليل صحيح كان، فتوسع كثير
__________
(1) في “ب” و”هـ”: “لنص”.
(2) في مجموع الفتاوى (35/ 400): “خروج الناس عنه” ا. هـ.
(3) انتهى كلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -.
(4) في “هـ”: “والإطلاق”.
(5) في “جـ” و”هـ”: “شهدت”.
(6) ص (264).

(1/274)


من هؤلاء في أمور ظنوها علامات وأمارات أثبتوا بها أحكامًا، وقصر كثير من أولئك عن أدلة وعلامات ظاهرة ظنوها غير صالحة لإثبات الأحكام.

فصل

ويسوغ ضرب هذا النوع من المتهمين، كما أمر النَّبي – صلى الله عليه وسلم – الزبير بتعذيب المتهم الَّذي غيَّب ماله حتَّى أقرَّ به، في قصة ابن أبي الحُقَيْق (1).
قال شيخنا (2): واختلفوا فيه: هل الَّذي يضربه الوالي دون القاضي، أو كلاهما، أو لا يسوغ ضربه؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه يضربه الوالي والقاضي، هذا قول طائفة من أصحاب مالك (3) وأحمد (4) وغيرهم (5)، منهم أشهب بن عبد العزيز قاضي (6) مصر، فإنَّه قال: يمتحن بالحبس والضرب، ويضرب (7) بالسوط
__________
(1) تقدم تخريجه أول الكتاب ص: 14.
(2) انظر: مجموع الفتاوى (35/ 400).
(3) انظر: تبصرة الحكام (2/ 160 – 161) وقال: “الَّذي نقله ابن القيم عن مذهبنا صحيح” ا. هـ.
(4) “وأحمد” لم يذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى.
(5) انظر: السياسة الشرعية لابن نجيم (52)، السياسة الشرعية لدده أفندي (131)، معين الحكام (179).
(6) في “ب”: “وقاضي”.
(7) “ويضرب” ساقطة من “ب”.

(1/275)


مجردًا.
والقول الثاني: أنَّه يضربه الوالي دون القاضي، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، حكاه القاضيان (1).
ووجه هذا: أنَّ الضرب المشروع هو ضرب الحدود والتعزيرات (2) , وذلك إنَّما يكون بعد ثبوت أسبابها وتحققها (3).
والقول الثالث: أنَّه يحبس ولا (4) يضرب، وهذا قول أصبغ وكثيرٍ من الطوائف الثلاثة (5)، بل قول أكثرهم، لكن حبس (6) المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول.
ثمَّ قالت طائفة (7) منهم عمر بن عبد العزيز، ومطرف، وابن الماجشون: إنَّه يحبس حتَّى يموت (8).
__________
(1) انظر: الأحكام السلطانية للماوردي (286)، الأحكام السلطانية لأبي يعلى (259)، وانظر: الفروع (6/ 480).
(2) في جميع النسخ ما عدا “أ”: “والتعزير”.
(3) في “أ”: “أسبابها وتحققهما”.
(4) “يحبس ولا” ساقطة من “جـ”.
(5) انظر: الفروق (4/ 80)، تبصرة الحكام (2/ 313).
(6) في “أ”: “يحبس”.
(7) انظر: السياسة الشرعية لابن نجيم (48)، السياسة الشرعية لدده أفندي (124)، معين الحكام (179).
(8) المراجع السابقة.

(1/276)


ونصَّ عليه الإمام أحمد (1) في المبتدع الَّذي لم ينته عن بدعته: أنَّه يحبس حتَّى يموت (2)، وقال مالك: لا يحبس إلى الموت (3).

فصل
والَّذين جعلوا عقوبته للوالي دون القاضي قالوا: ولاية أمير (4) الحرب معتمدها المنع من الفساد في الأرضِ، وقمع (5) أهل الشرِّ والعدوان، وذلك لا يتم إلَّا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالإجرام، بخلاف ولاية الحكم، فإنَّ مقصودها إيصال الحقوق إلى أربابها وإثباتها (6).
قال شيخنا (7): وهذا القولُ هو في الحقيقة قول بجواز ذلك في الشريعة، لكن كل ولي أمر يفعل ما فوض إليه، فكما أنَّ والي الصدقات يملك من القبض والصرف ما لا يملكه والي الخراج وعكسه، وكذلك والي الحرب ووالي الحكم يفعل كل منهما ما اقتضته ولايته الشرعية، مع رعاية العدلِ والتقيد بالشريعة.
__________
(1) انظر: مجموع الفتاوى (35/ 400).
(2) قوله “ونص عليه الإمام” حتَّى قوله “حتَّى يموت” ساقط من “د”.
(3) انظر: تبصرة الحاكم (4/ 185).
(4) قوله “أمير” ساقطة من “أ”.
(5) في “د”: “ومنع”.
(6) “وإثباتها” ساقطة من جميع النسخ عدا “أ”.
(7) مجموع الفتاوى (35/ 401)، وانظر: تبصرة الحكام (2/ 146).

(1/277)


فصل (1)
وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده وقد جحده، فمتفق عليها بين العلماء، لا نزاع بينهم أن من وجب عليه حق من عين أو دين – وهو قادر على أدائه – وامتنع منه، أنه يعاقب حتى يؤديه، ونصوا على عقوبته بالضرب، ذكر ذلك الفقهاء من الطوائف الأربعة (2)، وقال أصحاب أحمد (3): إذا أسلم وتحته أختان، أو أكثر من أربع، أمر أن يختار إحداهما، أو أربعًا، فإن أبى، حبس، وضرب حتى يختار، قالوا: وهكذا كل من وجب عليه حق هو قادر على أدائه فامتنع منه؛ فإنه يضرب حتى يؤديه.
وفي “السنن” عنه – صلى الله عليه وسلم -: “لَيُّ الوَاجِد يُحِلُّ عِرْضَهُ (4) وَعُقُوبَتَهُ” (5)،
__________
(1) “فصل” ساقطة من “هـ”.
(2) انظر: الفروق (4/ 79)، تبصرة الحكام (2/ 312)، مجموع الفتاوى (35/ 402)، التمهيد (18/ 288)، عمدة القاري (12/ 110)، شرح السيوطي لسنن النسائي (7/ 317)، شرح سنن ابن ماجه (1/ 175)، شرح الزرقاني (3/ 412).
(3) انظر: مجموع الفتاوى (35/ 402)، المغني (10/ 15).
(4) قال وكيع: عرضه: شكايته، وعقوبته: حبسه، مسند أحمد (4/ 222)، وانظر: شرح السيوطي لسنن النسائي (7/ 317).
(5) رواه أحمد (4/ 222)، وأبو داود رقم (3628)، والنسائي (7/ 316) رقم (4689)، وفي الكبرى (4/ 9) رقم (6288) ورقم (6289)، وابن ماجه (4/ 80) رقم (2427)، وابن حبان (5089)، والطحاوي في شرح المشكل (2/ 410)، والطبراني في المعجم الكبير (7/ 318) رقم (7249) (7250)، والحاكم (4/ 102)، والبيهقي (6/ 85) من حديث الشريد رضي اللهُ عنه =

(1/278)


والعقوبة لا تختص بالحبس، بل هي بالضرب أظهر منها في الحبس، وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “مَطْلُ الغَنِيّ ظُلْمٌ” (1)، والظالم يستحق العقوبة شرعًا وقدرًا.

فصل

واتفق العلماء (2) على أن التعزيز مشروع في كل معصية ليس فيها حد، وهي نوعان: ترك واجب، أو فعل محرم، فمن ترك الواجبات مع القدرة عليها، كقضاء الديون، وأداء الأمانات: من الوكالات، والودائع، وأموال اليتامى، والوقوف، والأموال السلطانية، ورد الغصوب، والمظالم، فإنَّه يعاقب حتَّى يؤديها، وكذلك من وجب عليه إحضار نفس لاستيفاء حق واجب عليها، مثل: أن يقطع الطرق، ويلتجئَ إلى من يمنعه ويذب عنه، فهذا يعاقب حتَّى يحضره.
وقد روى مسلم في “صحيحه” عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لَعَن الله من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا” (3).
__________
= وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 76).
(1) رواه البخاري رقم (2287) (4/ 542)، ومسلم رقم (1564) (10/ 486).
(2) انظر: مجموع الفتاوى (35/ 402) تبصرة الحكام (2/ 289)، السياسة الشرعية لدده أفندي (125).
(3) رواه البخاري رقم (1870) (4/ 97)، ومسلم رقم (1370) (9/ 150) من حديث علي رضي اللهُ عنه.

(1/279)


وروى أبو داود في “سننه” عن ابن عمر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ – وَهُوَ يَعْلَمُ – لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُوْنَ حَدٍّ مِنْ حُدُوْدِ اللهِ فَقَدْ ضَادَّ الله في أَمْرِهِ، وَمَنْ قَالَ فِي مُسْلِمٍ مَا (1) لَيْسَ فِيْهِ حُبِسَ فِي رَدْغةِ الخَبَالِ (2) حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا عَليه” (3).
قال: فما (4) وجب إحضاره من النفوس أو الأموال استحق الممتنعُ من إحضاره العقوبة (5)، وأمَّا إذا كان الإحضار (6) إلى من يظلمه، أو إحضار المال إلى من يأخذه بغير حقٍّ، فهذا لا يجب ولا يجوز، فإنَّ
__________
(1) من قوله في الفصل السابق “من عين أو دين وهو قادر” إلى قوله “ومن قال في مسلم ما” ساقط من جميع النسخ عدا النسخة “أ”.
(2) في “ب”: “ردعة الحاكم”.
الردغة – بسكون الدال وفتحها -: طينٌ ووحل كثير، النهاية (2/ 215)، المجموع الغيث (1/ 751)، والخبال في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، وجاء في الحديث أنَّ الخبال عصارة أهل النَّار. النهاية (2/ 8).
(3) “عليه” ساقطة من “أ”.
والحديث رواهُ أحمد (2/ 70)، وأبو داود رقم (3597)، والحاكم (2/ 72)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 135)، وفي الشعب (5/ 304 و 305) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الحافظ ابن حجر في هداية الرواة (3/ 436).
(4) في النسخ عدا “أ”: “فمن”.
(5) وفي الفتاوى (5/ 402) “حتَّى يفعله” ا. هـ.
(6) في “جـ” و”د”: “إحضاره”.

(1/280)


الإعانة على الظلمِ ظلم (1).

فصل

والمعاصي ثلاثة أنواع (2): نوعٌ فيه حدٌّ ولا كفارة فيه، كالزنا والسرقة، وشرب الخمر، والقذف، فهذا يكفي فيه الحدُّ عن الحبس والتعزير.
ونوعٌ فيه كفارة ولا حدَّ فيه، كالجماع في الإحرام ونهار رمضان، ووطء المظاهر منها قبل التكفير، فهذا تغني (3) فيه الكفارة عن الحدِّ، وهل تكفي عن التعزير؟ فيه قولان للفقهاء، وهما لأصحاب أحمد (4) وغيرهم (5).
ونوعٌ لا كفارة فيه ولا حدٌّ، كسرقة ما لا قطع فيه، واليمين (6) الغموس (7) عند أحمد (8) وأبي حنيفة (9)، والنظر إلى الأجنبية، ونحو
__________
(1) انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
(2) انظر: زاد المعاد (2/ 21)، إعلام الموقعين (2/ 92).
(3) في جميع النسخ عدا “أ” “تكفي”.
(4) في “ب”: “وهما للأصحاب”.
(5) انظر: تبصرة الحكام (2/ 290)، نهاية المحتاج (8/ 19 – 20).
(6) “اليمين” ساقطة من “د”.
(7) اليمين الغموس: هي اليمين الكاذبة سميت غموسًا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثمَّ في النَّار، النهاية (3/ 386).
(8) انظر: الكافي (5/ 440)، وكشاف القناع (6/ 124)، المحرر (2/ 163).
(9) انظر: البحر الرَّائق (5/ 71)، فتح القدير (5/ 346).

(1/281)


ذلك، فهذا يسوغُ فيه التعزير وجوبًا عند الأكثرين (1)، وجوازًا عند الشافعي (2).
ثمَّ إن كان الضرب على ترك الواجب، مثل أن يضربه ليؤديه، فهذا لا يتقدر؛ بل يضرب يومًا، فإن فعل الواجب وإلَّا ضرب يومًا آخر بحسب ما يحتمله، ولا يزيد في كل مرَّة على مقدار أعلى التعزير.
وقد اختلف الفقهاء في مقدار التعزير على أقوال (3):
أحدها: أنَّه بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، فيجتهد فيه ولي الأمر.
الثاني – وهو أحسنها -: أنَّه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحدِّ فيها، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنا، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على الشتمِ بدون القذف حد القذف (4)، وهذا قول طائفة من أصحاب الشافعي (5)
__________
(1) انظر: فتح القدير (5/ 346)، البحر الرَّائق (5/ 71)، فصول الأحكام للباجي (28)، الذخيرة (12/ 20)، الفروق (4/ 179)، تبصرة الحكام (2/ 298)، الكافي لابن قدامة (5/ 440)، المحرر (2/ 163)، كشاف القناع (6/ 124).
(2) انظر: الحاوي (13/ 426)، حلية العلماء (8/ 105)، التنبيه (248).
(3) انظر: السياسة الشرعية لابن تيمية (121)، الاختيارات (300)، الحسبة (114)، زاد المعاد (5/ 44)، حاشية ابن عابدين (4/ 65)، الذخيرة (12/ 118)، مجموع الفتاوى (35/ 405)، البيان والتحصيل (16/ 279)، (17/ 46) نهاية المحتاج (8/ 22)، الإنصاف (26/ 447).
(4) “حد القذف” ساقط من “أ”.
(5) انظر: الحاوي (13/ 245)، حلية العلماء (8/ 102)، نهاية المحتاج =

(1/282)


وأحمد (1).
والقول الثالث (2): أنَّه لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود: إمَّا أربعين، وإمَّا ثمانين، وهذا قول كثيرٍ من أصحاب الشافعي (3) وأحمد (4) وأبي حنيفة (5).
والقول الرَّابع (6): أنَّه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد (7) وغيره (8).

وعلى القول الأوَّل: هل يجوزُ أن يبلغ بالتعزير القتل؟ فيه قولان:
أحدهما: يجوزُ، كقتل الجاسوس المسلم، إذا اقتضت المصلحة
__________
= (8/ 22).
(1) انظر: الحسبة (114)، زاد المعاد (5/ 44)، السياسة الشرعية (121)، الاختيارات (300)، المغني (12/ 523)، شرح الزركشي (6/ 403).
(2) في “د”: “الثاني”.
(3) انظر: الحاوي (13/ 425)، حلية العلماء (8/ 102)، نهاية المحتاج (8/ 22).
(4) انظر: المغني (12/ 523)، الحسبة (114)، شرح الزركشي (6/ 403).
(5) “وأبي حنيفة” ساقط من “هـ”.
انظر: حاشية ابن عابدين (4/ 65).
(6) في “د”: “الثالث”.
(7) انظر: المغني (12/ 524)، شرح الزركشي (6/ 405)، الحسبة (114)، المحرر (2/ 164).
(8) كأبي العباس بن سريج من الشافعية وعده بعضهم مذهبًا، الحاوي (13/ 439)، والأذرعي والبلقيني من المتأخرين، مغني المحتاج (4/ 193)، نهاية المحتاج (8/ 22)، التنبيه (248).

(1/283)


قتله، وهذا قول مالك (1)، وبعض أصحاب أحمد (2)، اختاره ابن عقيل.
وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي (3) وأحمد (4) نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة، كالتجهم والرفض، وإنكار القدر، وقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدري؛ لأنه كان داعية إلى بدعته (5). وهذا مذهب مالك – رحمه الله (6). وكذلك قتل من لا يزول فساده إلا
__________
(1) انظر: تفسير القرطبي (18/ 53)، البيان والتحصيل (2/ 536)، تبصرة الحكام (2/ 297)، التاج والإكليل (4/ 553)، منح الجليل (3/ 163).
(2) انظر: الاختيارات (300 و 302)، زاد المعاد (3/ 115)، وصححه في (3/ 423)، الفروع (6/ 113)، السياسة الشرعية (123)، الإنصاف (26/ 463)، مطالب أولي النهى (6/ 224).
(3) انظر: حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج (7/ 403)، ونسبه للشافعية ابن تيمية في السياسة الشرعية (123)، وابن فرحون في تبصرة الحكام (2/ 297)، وانظر رأي إمام الحرمين، غياث الأمم (169).
(4) انظر: الرد على الجهمية للدارمي (183)، ومجموع الفتاوى (28/ 108 و 209 و 499)، الفتاوى الكبرى (4/ 194)، الفروع (6/ 158)، الإنصاف (27/ 102)، الاختيارات (301)، السياسة الشرعية (123)، الحسبة (119).
(5) انظر: درء تعارض العقل والنَّقل (7/ 173)، ميزان الاعتدال (5/ 408)، لسان الميزان (4/ 500)، وقد روى عبد الله بن أحمد في السنة رقم (948)، والفريابي في القدر رقم (284) (285)، والآجري في الشريعة رقم (516) و (517)، واللالكائي رقم (1327) و (1328)، وابن بطة في الإبانة رقم (1850) ورقم (1851) آثارًا تفيد أنَّ الَّذي قتله هشام بن عبد الملك.
(6) رواهُ اللالكائي بإسناده عن مالك رحمه الله (2/ 313)، وانظر: البيان والتحصيل (18/ 488)، تبصرة الحكام (2/ 297).

(1/284)


بالقتل. وصرح به أصحاب أبي حنيفة (1) في قتل اللوطي إذا أكثر من ذلك تعزيرًا، وكذلك قالوا (2): إذا قتل بالمثقل فللإمام أن يقتله تعزيرًا (3)، وإن كان أبو حنيفة لا يوجب الحد في هذا، ولا القصاص في هذا، وصاحباه يخالفانه في المسألتين (4). وهما مع جمهور الأمة (5).
والمنقول عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه – رضي الله عنهم – يوافق القول الأول؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – “أمر بجلد الذي وطئَ جارية امرأته – وقد أحلتها له – مائة” (6)، وأبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – أمرا بجلد من وجد
__________
(1) انظر: فتح القدير (5/ 262)، البحر الرَّائق (5/ 27)، مجمع الأنهر (1/ 596)، تبيين الحقائق (3/ 181)، السياسة الشرعية لابن نجيم (20 و 29)، الفتاوى الهندية (2/ 150)، حاشية ابن عابدين (4/ 29)، درر الأحكام (2/ 66)، السياسة الشرعية لدده أفندي (78).
(2) انظر: المبسوط (26/ 122)، حاشية ابن عابدين (4/ 67 – 68)، تبيين الحقائق (5/ 190)، السياسة الشرعية لابن نجيم (124)، والسياسة الشرعية لدده أفندي (96)، والتقرير والتحبير (1/ 115).
(3) قوله: “وكذلك قالوا إذا قتل بالمثقل فللإمام أن يقتله تعزيرًا” ساقط من “ب” و”د” و”هـ”.
(4) انظر: تبيين الحقائق (5/ 190).
(5) انظر: المغني (11/ 447) شرح الزركشي (6/ 51).
(6) رواهُ أحمد (4/ 275 – 276 و 272)، وأبو داود (4458) (4459)، والترمذي (3/ 120) رقم (1451) و (1452)، وفي العلل (234) رقم (424)، والنسائي (6/ 123) رقم (3360) (3361) (3362)، وفي الكبرى (4/ 296)، وابن ماجه (4/ 165) رقم (2551)، والدارمي (2/ 237) رقم (2329) (2330) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. قال النسائي =

(1/285)


مع امرأة أجنبية في فراش مائة (1). وعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ضرب الذي زور عليه خاتمه فاخذ من بيت المال مائة ثم في اليوم الثاني مائة ثم في اليوم الثالث مائة (2).
وعلى هذا: يحمل قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه (3)، فإن عاد في الثالثة – أو في الرابعة – فاقتلوه” (4)، فأمر بقتله إذا أكثر منه، ولو كان ذلك حدًّا لأمر به في المرة
__________
= أحاديث النعمان هذه مضطربة. تحفة الأشراف (9/ 18)، وقال الترمذي: “حديث النعمان في إسناده اضطرابٌ سمعتُ محمدًا يقولُ لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، إنَّما رواهُ عنه خالد بن عرفطة وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا أيضًا، إنَّما رواهُ عنه خالد بن عرفطة” ا. هـ. الجامع (3/ 121)، وانظر: العلل (334) للترمذي. العلل لابن أبي حاتم (1/ 448)، والحديث رواهُ الحاكم (4/ 365)، وصححه ووافقه الذهبي.
(1) رواهُ عبد الرزاق (7/ 401)، وانظر: تفسير القرطبي (12/ 161)، مجموع الفتاوى (10/ 306).
(2) قوله: “ثُمَّ في اليوم الثاني مائة ثمَّ في اليوم الثالث مائة” ساقط من “أ”.
والأثر قال الحافظ ابن حجر: “لم أجده” ا. هـ. التلخيص الحبير (4/ 151)، وقال: “ذكر أبو الحسن ابن القصار المالكي أنَّ عمر رفع إليه كتاب زوره عليه معن بن زائدة ونقش مثل خاتمه فجلده مائة ثمَّ سجنه ثمَّ جلده مائة أخرى ثمَّ مائة ثالثة، وذلك بمحضر من العلماء ولم ينكر عليه أحد، فكان ذلك إجماعًا. قلتُ: الشأن في ثبوت ذلك فإن ثبت فيحتمل أن يكون فعل ذلك بطريقة الاجتهاد” ا. هـ. الإصابة (3/ 500)، وقال ابن الملقن: “غريب” ا. هـ. خلاصة البدر المنير (2/ 326).
(3) “فإن عاد فاجلدوه” ساقطة من “ب”.
(4) تقدم تخريجه ص: 35.

(1/286)


الأولى (1).

وأما ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده – وقد كتمه وأنكره – فيضرب ليقرَّ به، فهذا لا ريب فيه (2)، فإنه ضرب ليؤدي الواجب الذي يقدر على وفائه، كما في حديث ابن عمر: “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء، سأل زيد بن سعيد (3) – عم حيي بن أخطب – فقال: أين كنز حيي؟ فقال: يا محمد أذهبته النفقات والحروب (4)، فقال للزبير: دونك هذا، فمسه الزبير بشيء من العذاب، فدلَّهم عليه في خربة، وكان حليًّا في مسك ثور” (5).
فهذا أصل في ضرب المتهم (6).
__________
(1) انظر: الاختيارات (300) (7/ 166)، السياسة الشرعية (113)، زاد المعاد (5/ 46)، الإنصاف (26/ 448)، مجموع الفتاوى (7/ 482) و (28/ 347) و (34/ 217)، تهذيب السنن (6/ 237)، إعلام الموقعين (3/ 84).
(2) انظر: فتح القدير (5/ 218)، المنتقى (7/ 166)، تبصرة الحكام (2/ 155 و 330)، روضة الطالبين (4/ 137)، شرح منتهى الإرادات (2/ 275)، الأحكام السلطانية للماوردي (220)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (258)، المحلَّى (8/ 172).
(3) في “أ” و”جـ” و”هـ”: “شعبة”. وعند أبي داود (2990) “سعية”، وكذا ذكره البلاذري في فتوح البلدان (37).
(4) “والحروب” ساقطة من “جـ” و”د” و”هـ”.
(5) تقدم تخريجه أول الكتاب ص: 14.
(6) انظر: مجموع الفتاوى (35/ 404 – 407)، الحسبة (114)، “بيانها ص (366) “.
جاء في المخطوطة “أ” فقط ما يلي: “قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ =

(1/287)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}، وقال محمد بن عمرو بن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبي – صلى الله عليه وسلم – يقول الله عزَّ وجلَّ: “أنا الرحمن وهي الرحم فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته”، وفي لفظ يقول الله سبحانه: “أنا الله الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته”، ويذكر عنه – صلى الله عليه وسلم -: “بلوا أرحامكم ولو بسلام”، وقطيعة الرحم تارة تكون بالفعل وتارة بالقول وتارة بالجفاء والترك والإهمال، وعقوبة قطيعتها سريعة، قال النَّبي – صلى الله عليه وسلم -: “ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم”.
فصل: ومنها التصوير قال الله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}، وقال النَّبي – صلى الله عليه وسلم -: “أشد الناس عذابًا يوم القيام المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم” متفق عليه، وفي الصحيحين أيضًا عنه – صلى الله عليه وسلم -: “من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ”، وفي الصحيحين أيضًا عن عائشة قالت: قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من سفره وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فهتكه وتلون وجهه وقال: “أشد الناس عذابًا عند الله الذين يضاهون بخلق الله” السهوة كالمجلس والصفة في البيت، والقرام الستر الرقيق، وفي السنن بإسناد جيد عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “يخرج عنق من النار فيقول: إني وكلت بكل من دعا مع الله إلهًا آخر وبكل جبار عنيد ومصور”، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال: “الذين يضعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم” متفق عليه. وقال ابن عباس سمعت رسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: “كل مصور في النار يجعل الله له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم” متفق عليه، وفي الصحيحين أيضًا عنه – صلى الله عليه وسلم – “يقول الله – عز وجل -: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا شعيرة فليخلقوا ذرة”، وصح عنه: “ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة”. ولهذا كانت المصنوعات كالطبايخ – هكذا – والملابس والمساكن =

(1/288)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= غير مخلوقة إلا بتوسط الناس، قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)}، وقال تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)}، وكان المخلوقات من المعادن والنبات والدواب غير مقدرة لبني آدم أن يضعوها لكنهم يشبهون على سبيل الغش. وهذا حقيقة الكيمياء أنها ذهب مشبه ويدخل في المنكرات مما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة بل عقوبة الربا صريحًا واحتيالًا وعقود الميسر كبيوع الغرر: كحبل الحبلة والملامسة والمنابذة والنجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وتصرية الدابة اللبون وسائر أنواع التدليس وكذلك سائر الحيل المحرمة على أكل الربا وهي ثلاثة أقسام أحدهما: ما يكون من واحد كما إذا باعه سلعة بنسيئة ثم اشتراها منه بأقل من ثمنها نقدًا حيلة على الربا. ومنها ما تكون ثنائية وهي أن تكون بين اثنين مثل أن يجمع إلى القرض بيعًا أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة ونحو ذلك. وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك”. قال الترمذي: حديث صحيح. وفي سنن أبي داود عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من باع بيعتين في بيعة فله أوكسها أو الربا”. ومنها ما تكون ثلاثية وهي أن يدخلا بينهما محللًا للربا إلى أجل ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلل. وهذه المعاملات منها ما هو حرام بالاتفاق مثل التي يباع فيها المبيع قبل القبض المشروع أو بغير الشرط الشرعي أو يقلب فيها الدين على المعسر فإن المعسر يجب إنظاره ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها، ومتى استحل المرابي قلب الدين للمدين إما أن تقضي وإما أن تزيد في الدين والمدة فهو كافر يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل وأخذ ماله فيئًا لبيت المال، فعلى والي الحسبة إنكار ذلك جميعه والنهي عنه وعقوبة فاعله ولا يتوقف ذلك على دعوى ومدع فيها الحكم في دعاوى التهم التي ليس فيها شهود ولا إقرار كما تختص ولاية القضاء بما فيه كتاب وشهود أو إقرار من الدعاوى التي تتضمن إثبات الحقوق والحكم =

(1/289)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= بإيصالها إلى أربابها والنظر في الأبضاع والأهواء التي ليس فيها ولي معين والنظر في حال نظار الوقوف وأوصياء اليتامى وغير ذلك، وفي بلاد أخرى كبلاد المغرب ليس لوالي الحرب مع القاضي حكم في شيء إنما هو منفذ لما يأمر به متولي القضاء، وأما ولاية الحسبة فخاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، فعلي متولي الحسبة أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره، ويتعاهد الأئمة والمؤذنين فمن فرط منهم فيما يجب عليه من حقوق الأمة وخرج عن المشروع ألزمه به واستعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والقاضي. واعتناء ولاة الأمور بإلزام الرعية بإقامة الصلاة أهم من كل شيء فإنها عماد الدين وأساسه وقاعدته، وكان عمر بن الخطاب يكتب إلى عماله: “إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة”. ويأمر بالجمعة والجماعة وأداء الأمانة والصدق والنصح في الأعمال والأقوال وينهى عن الخيانة وتطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات والبياعات ويتفقد أحوال المكاييل والميزان وأحوال الصناع الذين يصنعون الأطعمة والملابس والآلات فيمنعهم من صناعة المحرم على الإطلاق كآلات الملاهي وثياب الحرير للرجال ويمنع من اتخاذ أنواع المسكرات ويمنع صاحب كل صناعة من الغش في صناعته ويمنع من إفساد نقود الناس وتغييرها ويمنع من جعل النقود متاجر فإنه بذلك يدخل على الناس من الفساد ما لا يعلمه إلا الله بل الواجب أن تكون النقود رؤوس أموال يتجر بها لا يتجر فيها، وإذا حرم السلطان سكة أو نقدًا منع من اختلاطه بما أذن في المعاملة به، ومعظم ولايته وقاعدتها الأنكار على الزغلية وأرباب الغش في المطاعم والمشارب والملابس وغيرها، فإن هؤلاء يفسدون مصالح الأمة والضرر بهم عام لا يمكن الاحتراز منه، فعليه أن لا يهمل أمرهم وأن ينكل بهم وأمثالهم ولا يرفع عنهم عقوبته فإن البلية بهم عظيمة =

(1/290)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والمضرة بهم شاملة ولا سيما هؤلاء الكيماويين الذين يغشون النقود والجواهر والعطر والطيب وغيرها يضاهون بزغلهم وغشهم خلق الله، والله تعالى لم يخلق شيئًا فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه، قال تعالى فيما حكى عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: “لعنَ اللهُ المصورين” فالمصور أحد الملاعين الداخلين تحت لعنة الله ورسوله وهذا يدل على أنَّ التصوير من أكبر الكبائر؛ لأنَّه له جاءَ فيه من الوعيد واللعن وكون فاعله أشد النَّاس عذابًا ما لم يجئ في غيره من الكبائر، وبالله التوفيق.
فصل: ومنها النميمة، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)}، وفي الصحيحين عنه – صلى الله عليه وسلم -: “لا يدخل الجنَّة نمام”، ومر – صلى الله عليه وسلم – بقبرين فأخبر أنَّ أحدهما يعذب بالنميمة والآخر بترك التنزه من البول.
قال كعب: “اتقوا النميمة فإنَّ صاحبها لا يستريح من عذاب القبر”، وفي السنن والمسند عنه – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: “لا تبلغوني عن أصحابي شيئًا فإنِّي أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”، وفي الحديث الثابت: “لا يدخل الجنَّة قتَّات” والقتات: النمام. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أنَّ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين النَّاس”، قال أبو هريرة: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إنَّ أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقًا الموطئون أكنافًا الَّذين يألفون ويؤلفون، وإنَّ أبغضكم إلى الله المشَّاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العنت”، وقالت أسماء بنت يزيد: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ألا أخبركم بشراركم، قالوا: بلى، قال: المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون البراء العنت”، وقال أبو الجوزاء: قلت لابن عباس: أخبرني من هذا الَّذي يذمه بالويل {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] قال: هو المشاء بالنميمة المفرق بين الإخوان والمغري بين الجمع. وقال مجاهد في قوله: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} [المسد: 4]: كانت تمشي بالنميمة.
فصل: ومنها الإجهار والمجاهرة وهو التحدث بالمعصية وفعلها افتخارًا وفرحًا، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “كُل =

(1/291)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= أمتي معافى إلَّا المجاهرون، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثمَّ يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه”.
فصل: ومنها التداعي بدعوى الجاهلية وهي الانتصار بالعصبية والحمية للعصبية كنسب أو قبيلة أو شيخ أو مذهب، ففي الصحيحين عن ابن مسعود أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ليس منَّا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية”، وقال أبو نضرة: حدَّثني من سمع خطبة النَّبي – صلى الله عليه وسلم – في أوسط أيَّام التشريق فقال: “أيها النَّاس ألا إنَّ ربكم واحد وإنَّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيٍّ على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلَّا بالتقوى، أبلغت؟ قال: بلغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“. رواه الإمام أحمد.
فصل: ومنها ترك الجمعة والجماعة، قال تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} وقال: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الآية، فأمر بالجماعة ولم يرخص في تركها في حال الخوف وهي من أشد الأعذار، وقال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)}. قال ابن عباس: وهو قول المؤذِّن: حي على الصلاة حي على الفلاح، وقال النَّبي – صلى الله عليه وسلم – للأعمى الَّذي سأله أن يرخص له أن يصلي في بيته: “أتسمعُ النِّداء؟ قال: نعم، قال: ما أجد لك رخصة”. رواه أحمد وأبو داود، وفي صحيح مسلم أنَّه رخص له فلمَّا ولَّى دعاه فقال: “أتسمع النَّداء، قال: نعم، قال: فأجب”، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: “من سرَّهُ أن يلقى اللهَ غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهنَّ، فإنَّهنَّ من سنن الهدى، وإنَّ الله شرع لنبيه سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنَّة نبيكم، ولو تركتم سنَّة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلَّا منافقٌ معلومُ النِّفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتَّى يُقام =

(1/292)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= في الصف”. وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النَّبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجرِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام ثمَّ آمر رجلًا فيصلي بالنَّاسِ ثمَّ أنطلق معي برجال معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار”، ومنعه من ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة عنه – صلى الله عليه وسلم -: “لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت العشاء وأمرتُ فتياني يحرقون ما في البيوت بالنَّارِ”. وفي السنن والمسند عنه: “من سمع النِّداء ثمَّ لم يمنعه من اتباعه عذرٌ إلَّا لم تقبل منه تلك الصلاة التي صلاها”. وأمر من صلَّى خلف الصف وحده في الجماعة أن يعيد الصلاة وقال: “لا صلاة لفذٍّ خلف الصف”. فكيف لمن كان فذًّا في الجماعة والصف معًا، وفي صحيح مسلم عنه: “لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالنَّاسِ ثمَّ أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم”. وعن أبي هريرة وابن عمر عن النَّبي – صلى الله عليه وسلم -: “لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجمعات أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثمَّ ليكونن من الغافلين” رواه مسلم ا. هـ.
أقول مستعينًا بالله: إنَّه بتأمل هذه الفصول ظهر لي ما يلي:
أوَّلًا: أنَّ جزءًا ممَّا جاء فيها من كلام ابن القيم رحمه الله في هذا الكتاب ص (630) وهو من قوله: “ولهذا كانت المصنوعات كالطبايخ والملابس” إلى قوله: “يضاهون بزغلهم خلق الله”.
ثانيًا: أنَّ باقي الفصول هي كذلك من كلام ابن القيم رحمه الله – والله أعلم – وذلك لظهور نفسه وأسلوبه فيها، ولكنَّها ليست من هذا الكتاب، بل من كتاب آخر، وذلك لكونه تحدث فيها عن التصوير وصلة الرحم والنميمة والتداعي بدعوى الجاهلية، وهي ليست من مواضيع هذا الكتاب إلَّا إذا أدرجت ضمن حديث ابن القيم عن الحسبة؛ لذا ولكون هذه الفصول لم ترد إلَّا في مخطوطة واحدة فقط لذا جعلتها في الهامش. والله أعلم.

(1/293)


فصل في الطرق التي يحكم بها الحاكم
الحكم (1) قسمان: إثبات، وإلزام. فالإثبات: يعتمد الصدق، والإلزام (2): يعتمد العدل، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)} [الأنعام: 115]، وكل من (3) القسمين له طرق متعددة:

أحدها: اليد المجردة التي لا تفتقر إلى يمين.
وذلك في صور:

منها: إذا كان وصيًّا على طفل أو مجنون، وفي يده شيء انتقل إليه عن أبيه، كان مجرد (4) اليد كافيًا في الحكم به له من غير يمين، لا على الطفل ولا على الوصي. أما الطفل فلعدم صحة اليمين منه، وأما الوصي فلأنه ليس المدعى عليه في الحقيقة، ولا تتوجه عليه اليمين.
ومنها: أن يدعي كفنًا على ميت أنه له، ولا بينة، فيقضى بالكفن لمن هو عليه من غير يمين.
ومنها: أن يدعي على صاحب اليد دعوى يكذبه فيها الحس فلا يحلف له صاحب اليد، بل (5) ولا تسمع دعواه، كما إذا ادعى على من
__________
(1) “الحكم” ساقطة من “ب”.
(2) “فالإثبات: يعتمد الصدق، والإلزام” ساقط من “ب”.
(3) وفي “ب” و”جـ”، و”د” و”هـ” و”و”: “وكلا القسمين”.
(4) في “ب”: “بمجرد”.
(5) “بل” ساقطة من “جـ” و”هـ”.

(1/294)


في يده عبد أنه ابنه، وهو أكبر من المدعي. وهذا لأن اليمين إنما تشرع في جانب من ترجح جانبه، مع احتمال كونه مبطلًا، فإذا لم يحتمل ذلك لم تكن في اليمين فائدة.

فصل

الطريق الثاني: الإنكار المجرد.
وله صور:
أحدها: إذا ادعى رجل دينًا على ميت أو أنه أوصى له بشيء وللميت وصي بقضاء دينه، وتنفيذ وصاياه، فأنكر، فإن كان للمدعي بينة حكم بها، وإن لم تكن له بينة، وأراد تحليف الوصي على نفي العلم لم يكن له ذلك (1)؛ لأن مقصود التحليف أن يقضى عليه بالنكول إذا امتنع من اليمين، والوصي لا يقبل إقراره بالدين والوصية، ولو نكل لم يقض عليه، فلا فائدة في تحليفه، ولو كان وارثًا استحلف، وقضي (2) بنكوله.
ومنها: أن يدعي على القاضي أنه ظلمه في الحكم، أو على الشاهد أنه تعمد الكذب أو الغلط (3)، أو ادعى عليه ما يسقط شهادته، لم يحلفا، لارتفاع منصبهما عن التحليف (4).
__________
(1) انظر: الديباج المذهب (1/ 328).
(2) وفي “ب”: “ويقضي”.
(3) هكذا في “أ” و”د”. أمَّا باقي النسخ ففيها: “الخلط”.
(4) انظر: طبقات الشافعية للسبكي (10/ 256).

(1/295)