عطاءات العلمكتب ابن القيمكتب ابن القيم- شاملة - txt

جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام_2

جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام _2

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
  الكتاب: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام – صلى الله عليه وسلم -[آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (3)]المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 – 751)
المحقق: زائد بن أحمد النشيري
راجعه: حاتم بن عارف الشريف – أحمد جاح عثمان
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الخامسة، 1440 هـ – 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الصفحات: 575
قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

“الصحيح” (1)، لكن الترجيح لمن قال: “من أول سورة الكهف” لأن في “صحيح مسلم” (2) من حديث النَّوَّاس بن سَمْعان في قصة الدجال:
326 – “فَإذَا رأيْتُمُوه فَاقْرَأوا عَلَيْه فَوَاتِحَ سُوْرَة الكَهْفِ” ولم يُخْتلف في ذلك، وهذا يدل على أنَ مَنْ روى العشر من أوِّل السورة حفظ الحديث، ومن روى من آخرها لم يحفظه.
الخامس: أنَّ المقصود إنما هو المَعْنَى، والتَّعبير عنه بعبارة مؤدية له، فإذا عبَّر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود، فلا يجمع بين العبارات المتعددة.
السادس: أن أحد اللفظين بَدَلٌ عن الآخر، فلا يُستحَب الجمع بين البَدَلِ والمُبْدَلِ معًا، كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها أبدال، والله أعلم.
__________
(1) في (ب، ج) (وكلاهما صحيح).
(2) في (52) الفتن وأشراط الساعة (2937).

(1/379)


الباب الثالث (1) في مواطن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – التي يتأكَّدُ طلبها إمَّا وجوبًا وإمَّا استحبابًا مُؤَكَّدًا
الموطن الأول: وهو أهمها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد
وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، واختلفوا في وجوبه فيها.
فقالت طائفة: ليس بواجب فيها، ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، منهم الطحاوي (2)، والقاضي عياض (3)، والخطابي (4)، فإنه قال: “ليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي، ولا أعلم له قُدْوة”، وكذلك ابن المنذر (5) ذكر أن الشافعي تَفَرَّدَ بذلك، واختار (6) عدم الوجوب.
واحتج أرباب هذا القول بأنْ قالوا -واللفظ لعياض-: “والدليل على أن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – ليست من فروض الصلاة
__________
(1) في جميع النسخ (الرابع) وظاهر كلام المؤلف ومقتضاه (الثالث).
(2) انظر: شرح مشكل الآثار (6/ 22 – 24)، وأحكام القرآن (1/ 181).
(3) انظر: الشفا (2/ 62 – 63)، والاستذكار لابن عبد البر (1/ 486).
(4) انظر: معالم السنن (1/ 227).
(5) انظر: الأوسط (3/ 213 – 214).
(6) في (ب) (وأجاز).

(1/380)


عمل السلف الصالح قبل الشافعي، وإجماعهم عليه، وقد شَنَّع الناس عليه المسألة جدًا، وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه الذي اختاره الشافعي، وهو الذي علمه النبي – صلى الله عليه وسلم – إياه، ليس فيه الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، وكذلك كل من روى التشهد عن النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ كأبي هريرة، وابن عباس، وجابر، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم؛ لم يذكروا فيه الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -. وقد قال ابن عباس (1)؛ وجابر (2):
327 – كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. ونحوه عن أبي سعيد (3).
328 – وقال ابن عمر: “كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر، كما تعلِّمُون الصبيان في الكُتَّاب” (4).
__________
(1) أخرجه مسلم في (4) الصلاة (403).
(2) أخرجه ابن ماجه (902)، والنسائي (1175 و 1281)، والبيهقي (2/ 142) وغيرهم.
والحديث غير محفوظ، أخطأ فيه أيمن بن نابل، فجعله من مسند جابر والصواب، من مسند ابن عباس، كما تقدم عند مسلم.
نص عليه البخاري والنسائي والترمذي وغيرهم. انظر: الترمذي تحت رقم (902)، ونصب الراية (1/ 421).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة (2991) بمعناه، وسنده صحيح.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (2990)، والطحاوي في شرح المشكل (3803) =

(1/381)


329 – وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أيضًا على المنبر (1) “. يعني وليس في شيء من ذلك أمرهم فيه بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن عبد البر في “التمهيد” (2). “ومن حجة من قال بأن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – ليست فرضًا (3) في الصلاة:
330 – حديث الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، أخذ علقمة بيدي فقال: إن عبد الله أخذ بيدي (وقال إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخذ بيدي) (4) كما أخذت بيدك، فعلمني التشهد، فذكر الحديث إلى قوله: “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله”، قال: “فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد (5) “.
__________
= وسنده ضعيف، فيه زيد بن الحواري العَمِّي، ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (10/ 56 – 60).
(1) أخرجه مالك في الموطأ رقم (240)، وعبد الرزاق (2/ 202) رقم (3067 و 3068) وغيرهما. وسنده صحيح.
وروي مرفوعًا وهو خطأ، لا يصح. انظر: نصب الراية (1/ 422)، وعلل الدارقطني (2/ 82) رقم (125).
(2) (16/ 191 – 192) ووقع في (ظ، ت، ج) (التشهّد) بدلًا من (التمهيد) وهو خطأ.
(3) كذا في النسخ، وفي التمهيد (بواجبة).
(4) سقط من (ظ) ما بين القوسين، وسقط من (ج) (أخذ بيدي) فقط.
(5) أخرجه أبو داوود (970)، وأحمد (1/ 422 و 450)، والدارقطني (1/ 253) =

(1/382)


قالوا: ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم يَرَ الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في التشهد واجبة، ولا سُنَّة مسنونة، وأن من تشهد فقد تمت صلاته، إن شاء قام وإن شاء قعد.
قالوا: لأن ذلك لو كان واجبًا، أو سنة في التشهد، لَبيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك وذكره”.
331 – قالوا: وأيضًا فقد روى أبو داود، والترمذي، والطحاوي من حديث عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا رفع رأسه من آخر السجود، فقد مضت صلاته إذا هو أحدث” (1)، واللفظ لحديث الطحاوي، وعندكم لا تمضي صلاته حتى يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
قالوا: وقد روى عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه: “إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته” (2).
__________
= وغيرهم.
وظاهر إسناده الصحة، وقوله (فإذا قلت ذلك … ) مدرج من قول ابن مسعود وسيأتي الكلام عليه.
(1) أخرجه أبو داوود (617)، والترمذي (408)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 274 – 275) وغيرهم.
وهو حديث منكر، تفرد به عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وهو ضعيف، بل عامة حديثه لا يتابع عليه. انظر: تهذيب الكمال (17/ 102 – 110).
(2) أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 273)، والبيهقي في الكبرى (2/ 173) من طريق أبي عوانة عن الحكم عن عاصم به فذكره.
وهو حديث منكر. قاله أبو حاتم الرازي، وقال الإمام أحمد لا يصح =

(1/383)


(ومن حجتهم أيضًا: حديث الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود في التشهد قال: “ثُمَّ لِيتخَيَّر مَا أحَبَّ مِنَ الكَلاَم” (1) يعني ولم يذكر الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -) (2).
332 – ومن حجتهم أيضًا: حديث فَضَالَة بن عُبَيْد (3): أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمع رجلًا يدعو في صلاته، ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “عجل هذا”، ثم دعاه، فقال له أو (4) لغيره: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على محمد وآل (5) محمد، ثم يدعو بما شاء”.
قالوا: ففي حديث (6) فضالة هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر هذا المصلي – الذي ترك الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – بالإعادة، لأنها لو كانت فرضًا لأمره بإعادة الصلاة، كما أمر الذي لم يتم ركوعه ولا سجوده بالإعادة.
__________
= وسيأتي ص 404.
قلت: والصحيح عن علي خلافه. انظر: مصنف عبد الرزاق (2/ 356) رقم (3686). انظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 113).
(1) أخرجه البخاري في (82) الاستئذان (5876)، ومسلم في (4) الصلاة (402).
(2) سقط من (ش) من قوله (ومن حجتهم) إلى (صلى الله عليه وسلم).
(3) تقدم تخريجه رقم (44).
(4) في (ب، ش) (ولغيره).
(5) سقط من (ب، ظ، ت، ج) قوله (وآل محمد).
(6) في (ظ) (ففي هذا حديث فضالة).

(1/384)


واحتج هؤلاء أيضًا بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يعلمها المسيء في صلاته (1)، ولو كانت من فروض الصلاة التي لا تصحُّ الصلاة إلا بها لعلَّمه إيَّاها كما علَّمه القراءة والركوع والسجود والطمأنينة في الصلاة.
واحتجوا أيضًا بأن الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله، أو بإجماع (2) مِمَّن تقوم الحُجَّة بإجماعهم.
فهذا أجَلُّ (3) ما احتجَّ به النفاة وعمدتهم.
ونازعهم آخرون في ذلك نقلًا واستدلالًا، وقالوا:
أما نسبتكم الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة إلى الشُّذوذ ومخالفة الإجماع، فليس بصحيح، فقد قال بقوله جماعة من الصحابة ومن بعدهم.
333 – فمنهم عبد الله بن مسعود (4)، فإنه كان يراها واجبة في الصلاة، ويقول: “لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي – صلى الله عليه وسلم -“.
__________
(1) أخرجه البخاري في (16) صفة الصلاة (724)، ومسلم في (4) الصلاة (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) في (ب، ش) (وبإجماع).
(3) في (ش، ظ) (جُلُّ)، وهو محتمل.
(4) الذي في التمهيد المطبوع لأبي مسعود، فلعل المؤلف ظنه ابن مسعود، أو رآه في نسخة (ابن مسعود)، والصواب (أبو مسعود)، بدليل ما ذكره ابن عبد البر من الآثار عن أبي مسعود، ولم يذكر لابن مسعود شيئًا. والله أعلم.

(1/385)


ذكره ابن عبد البر (1) عنه في “التمهيد” وحكاه غيره أيضًا (2).
334 – ومنهم أبو مسعود البدري (3)، روى عثمان بن أبي شيبة وغيره: عن شريك، عن جابر الجعفي، عن أبى جعفر محمد بن علي، عن أبي مسعود قال: ما أرى أن (4) صلاة لي تمت حتى أصلي على محمدٍ وعلى آل محمد”.
335 – ومنهم عبد الله بن عمر، ذكره الحسن بن شبيب المعمري: حدثنا علي بن ميمون، حدثنا خالد بن حيان (5)، عن جعفر بن برقان (6)، عن عقبة بن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: “لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فإن
__________
(1) (16/ 194)، والأثر لم أقف عليه. انظر الفتح (11/ 164).
(2) كالماوردي في الحاوي الكبير (2/ 137).
(3) أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 539)، والطبري في التهذيب (359 – القسم المفقود)، والدارقطني في السنن (1/ 355 – 356).
وسنده ضعيف، فإن مداره على جابر الجعفي، وهو ضعيف، وقد اتُّهم، وهو أيضًا قد اختلف عليه فيه، وفيه انقطاع بين أبي جعفر وأبي مسعود، وصوب الدارقطني أنه من قول أبي جعفر محمد بن علي. انظر: الشفا للقاضي عياض (2/ 64).
(4) في (ش) (أصلاة).
(5) في (ب، ش) (حبان) وفي (ظ، ت) (حسان) والتصويب من تهذيب الكمال (5/ 13).
(6) كذا في النسخ، ولعلَّه سقط بينهما (راشد وهو الأزرق) وهو مجهول. انظر: التاريخ الكبير (3/ 297)، والجرح والتعديل (3/ 486).

(1/386)


نسيت شيئًا من ذلك، فاسجد سجدتين بعد السلام” (1).
336 – وقال (2): حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك، عن أبي جعفر، قال: قال أبو مسعود البدري: ما أرى أن صلاة لي تمت لا أصلي فيها على محمد – صلى الله عليه وسلم -.
ومن التابعين: أبو جعفر محمد بن علي (3)، والشعبي (4)، ومقاتل بن حيان (5).
ومن أرباب المذاهب المتبوعين إسحاق بن راهويه، قال: “إن تركها عمدًا لم تصح صلاته، وإن تركها سهوًّا رجوت أن تجزئه”.
قلت: عن إسحاق في ذلك روايتان، ذكرهما عنه حرب في “مسائله” قال: “باب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد التشهد”. قال: “سألت إسحاق قلت: الرجل إذا تشهد فلم يصل على النبي – صلى الله عليه وسلم -؟
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة رقم (8714) وسنده ضعيف، فيه راشد الأزرق، الذي يُحتمل أنه سقط من السند، وهو مجهول، وفيه عقبة بن نافع، وهو مجهول أيضًا.
قال البخاري في تاريخه (6/ 434): “عقبة بن نافع سمع ابن عمر رضي الله عنهما، روى جعفر بن برقان عن راشد. منقطع”. وانظر: الجرح والتعديل (6/ 317)، والفتح لابن حجر (11/ 164)، فقد جوّده.
(2) تقدم قريبًا وهو لا يثبت.
(3) تقدم قريبًا، وهو لا يثبت عنه، فيه جابر الجعفي.
(4) ذكره البيهقي في معرفة السنن والآثار (3/ 70).
(5) عند البيهقي في الخلافيات بسند قوي كما في الفتح (11/ 164).

(1/387)


قال: أما أنا فأقول: إن صلاته جائزة. وقال الشافعي: لا تجوز صلاته، ثم قال: أنا أذهب إلى حديث الحسن بن الحرّ، عن القاسم بن مخيمرة، فذكر حديث ابن مسعود (1) رضي الله عنه، قال حرب: سمعت (2) أبا يعقوب -يعني إسحاق- يقول: “إذا فرغ من التشهد- إمامًا كان أو مأمومًا – صلى على النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يجزئه غير ذلك، لقول أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -:
337 – قد عرفنا السلام عليك -يعني في التشهد والسلام فيها- فكيف الصلاة، فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، وفَسَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – كيف هي؟ فأدنى ما ذكر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصلاة عليه يكفيه، فليقله بعد التشهد، والتشهد والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجلسة الأخيرة عملان هما عدلان، لا يجوز لأحد أن يترك واحدًا منهما عَمْدًا، وإن كان ناسيًا رجونا أن تجزئه، مع أن بعض علماء الحجاز قال: لا يجزئه ترك الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – وإن تركه أعاد الصلاة”. تَمَّ كلامه.
وأما الإمام أحمد (3)، فاختلفت الرواية عنه، ففي “مسائل المَرُّوْذِي (4) “. قيل لأبي عبد الله: إن ابن راهويه يقول: “لو أن رجلًا ترك الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في التشهد بطلت صلاته؟. قال: “ما
__________
(1) سيأتي الكلام ص 395 – 397.
(2) سقط من (ش).
(3) انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف (3/ 544).
(4) في (ب) (المروروذى).

(1/388)


اجترئ أن أقول هذا”. وقال مرة: “هذا شذوذ”.
وفي مسائل أبي زرعة الدمشقي (1)، قال أحمد: “كُنْتُ أتهيَّب ذلك، ثم تَبيَّنْتُ، فإذا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – واجبة”. وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب.
وأما قولكم: الدليل (2) على عدم وجوبها عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه.
فجوابه: أن استدلالكم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع: إنها ليست بواجبة. فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرًا قَرْنًا بعد قَرْنٍ، وعصرًا بعد عصر على الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في آخر التشهد، وإمامهم ومأمومهم ومنفردهم، ومفترضهم ومتنفلهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصلاة؟ لقال: نعم. وحتى لو سَلَّم من غير صلاةٍ على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلم المأمومون (3) منه ذلك، لأنكروا ذلك (4) عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم، فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: عمل السلف الصالح قبل الشافعي ينفي الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم ما كان أحد منهم قط
__________
(1) انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف (3/ 548).
(2) في (ب) (إن الدليل).
(3) في (ب) (المأمون منه) وهو خطأ.
(4) من (ح) فقط.

(1/389)


يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاته؟! وهذا من أبطل الباطل.
وأما إن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع (1): إنها ليست بفرض. فهذا مع أنه لا يسمى عملًا لم يعلمه (2) أهل الإجماع، وإنما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وغايته أنه قول كثير من أهل العلم، وقد نازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب كما تقدم، فهذا ابن مسعود، وابن عمر، وأبو مسعود، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وجعفر بن محمد، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد في آخر قوليه، يوجبون الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – في التشهد، فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح، وهؤلاء من أفاضلهم رضي الله عنهم؟ ولكن هذا شأن من لم يتتبع مذاهب العلماء، ويعلم مواقع الإجماع والنزاع.
وأما قوله: “قد شَنَّع الناس المسألة على الشافعي جدًا”، فَيَا سُبْحان الله! أيُّ شناعة عليه في هذه المسألة؟ وهل هي إلا من محاسن مذهبه؟ ثم (3) لا يستحي المشنِّع عليه مثلَ هذه المسألة من المسائل التي شُنْعَتُها ظاهرة جدًا، يعرفها من عرفها من المسائل التي تخالف النصوص، أو تخالف الإجماع السابق؛ أو القياس، أو المصلحة الراجحة؟ ولو تُتُبِّعَتْ لبلغت مِئِين، وليس تَتَبُّع المسائل
__________
(1) في (ح) فقط ( .. الإجماع أيضًا:).
(2) في (ب) (يعمله).
(3) في (ظ (لم).

(1/390)


المستبشعة (1) من عادة أهل العلم فَيُقتدى بهم في ذِكرِها وعَدِّها، والمُنْصِفُ خَصْمُ نفسه. فأي كتاب خالف الشافعي في هذه المسألة؟ أم أي سنة؟ أم أي إجماع؟ ولأجل أن قال قولًا اقتضته الأدلة وقامت على صِحَّتِه، وهو من تمام الصلاة بلا خلاف؛ إِمَّا تَمَام واجباتها، أو تمام مستحباتها، فهو رضي الله عنه رأى أنه من تمام واجباتها بالأدلة التي سنذكرها بعد ذلك، فلا إجماعًا خَرَقَه، ولا نصًّا خالفه، فمن أيّ (2) وجه يشنع عليه؟ وهل الشناعة إلا بمن شنَّع عليه أليَق، وبه ألْحَق؟.
وأما قوله: “وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي اختاره الشافعي، وهو الذي علمه النبي – صلى الله عليه وسلم – إيَّاه (3) .. ” إلى آخره.
فهكذا رأيته في النسخة “الذي اختاره الشافعي”، والشافعي إنما اختار تشهد ابن عباس، أما تشهد ابن مسعود رضي الله عنه، فأبو حنيفة وأحمد اختاراه، ومالك اختار تشهد عمر.
وبالجملة فجواب ذلك من وجوه:
أحدها: أنا نقول بموجب هذا الدليل، فإن مقتضاه وجوب التشهد، ولا ينفي وجوب غيره، فإنه لم يقل أحد (4): إن
__________
(1) في (ب) (المستشبعة)، وفي (المستشبعة)، وفي (ح) (المستشبعة).
(2) وقع في (ب) فقط (فلأيِّ وجه … ).
(3) سقط من (ظ، ت، ج) (إيّاه).
(4) في (ب، ش) (فإن لم يقل إن هذا .. ).

(1/391)


هذا التشهد هو جميع الواجب من الذِّكْر في هذه القَعْدة، فإيجاب الصَّلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – بدليل آخر لا يكون معارضًا بترك تعليمه في أحاديث التشهد.
الثاني: أنكم تُوجبون السَّلام من الصَّلاة، ولم يعلِّمهم النبي – صلى الله عليه وسلم – إيَّاه في أحاديث التشهد.
338 – فإن قلتم: إنما وجب السلام بقوله – صلى الله عليه وسلم – (1): “تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم”. قيل لكم: ونحن أوجبنا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – بالأدلة المقتضية لها، فإن كان تعليم التشهد وحده مانعًا من إيجاب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – كان مانعًا من إيجاب السلام؛ وإن لم يمنعه لم يمنع وجوب الصلاة.
الثالث: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كما علمهم التشهد علمهم الصلاة عليه، فكيف يكون تعليم التشهد دالًا على وجوبه، وتعليمه الصلاة لا يدل على وجوبها؟ فإن قلتم: التشهد الذي علمهم إياه هو تشهد الصلاة، ولهذا قال فيه:
339 – “فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله” (2)، وأما
__________
(1) أخرجه الترمذي (3)، وأبو داوود (61)، وابن ماجه (275) وغيرهم. تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه لين. انظر: تهذيب الكمال (16/ 78)، والحديث * صححه الترمذي كما يدل عليه كلامه. والضياء في المختارة (718) * وعدّه ابن عدي من منكرات ابن عقيل (4/ 129).
(2) تقدم قبل رقم 332 وسيأتي برقم (352)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(1/392)


تعليم الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – فمطلق.
قلنا: والصلاة التي علمهم إياها عليه – صلى الله عليه وسلم – هي في الصلاة أيضًا لوجهين:
أحدهما: حديث محمد بن إبراهيم التيمي (1)، وقوله: كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟. وقد تقدم في الباب الأول.
الثاني: أن الصَّلاة التي سألوا النَّبي – صلى الله عليه وسلم – أنْ يُعلمهم إياها نظير السَّلام الذي علموه، لأنهم (2) قالوا:
340 – “هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ ” (3)، ومن المعلوم أن السلام الذي علموه هو قولهم في الصلاة: “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته”، فوجب أن تكون الصلاة المقرونة به (4) هي في الصلاة. وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام تقرير ذلك.
الرابع: أنَّه لو قُدِّرَ أنَّ أحاديث التَّشهد تنفي وجوب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ لكانت أدلة وجوبها مُقَدَّمة على تلك، لأنَّ نفيها
__________
(1) تقدم تحت رقم (1) – وهو معلول أخطأ فيه ابن إسحاق.
(2) سقط من (ب، ش) من قوله (لأنهم) إلى (الذي علموه).
(3) تقدم برقم (1) وراجع تفصيل الكلام على زيادة ابن إسحاق.
(4) سقط من (ح).

(1/393)


مُبْق (1) على استصحاب (2) البراءة الأصلية، ووجوبها ناقل عنها، والناقل مقدم على المُبْقِي، فكيف (3) ولا تعارض، فإنَّ غاية ما ذكرتم من تعليم التشهد أدلة ساكتة عن وجوب غيره، وما سكت عن وجوب شيء لا يكون معارضًا لما نطق بوجوبه، فضلًا عن أن يُقَدَّم عليه.
الخامس: أنَّ تعليمهم التشهد كان مُتَقَدِّمًا، بل لعَلَّه من (4) حين فرضت الصلاة.
وأما تعليمهم الصلاة عليه فإنه كان بعد نزول قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 56]، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في الأحزاب بعد نكاحه زينب بنت جحش، وبعد تخييره أزواجه، فهي بعد فرض التشهد، فلو قدر أن فرض التشهد كان نافيًا لوجوب الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – لكان منسوخًا بأدلة الوجوب، فإنها متأخرة.
والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن (5) هذا يقتضي تقديم أدلة الوجوب لتأخرها، والذي قبله يقتضي تقديمها لرفعها البراءة الأصلية، من غير نظر إلى تقدم (6) ولا تأخر، والذي يدل على تأخر
__________
(1) في (ب) (منتفي)، وفي (ش) (متبقى)، وفي (ج) (ينفي).
(2) في (ب) (الاستحباب) وهو خطأ.
(3) في (ب) (وكيف).
(4) سقط من (ب).
(5) ليس في (ب، ش) من قوله (أن هذا … ) إلى (والذي قبله).
(6) في (ب) (ما تقدم).

(1/394)


الأمر بالصلاة عن التشهد قولهم:
341 – “هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ ” ومعلوم أن السلام عليه مقرون بذكر التشهد. لم يشرع في الصلاة وحده بدون ذكر التشهد، والله أعلم.
وأما قوله: “ومن حُجَّة من لم يرها فرضًا في الصلاة حديث (1) الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، فذكر حديث ابن مسعود، وفيه:
342 – “فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد”، ولم يذكر الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -. فجوابه من وجوه:
أحدها: – أن هذه الزِّيادة مُدْرَجة في الحديث، ليست من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم -، بَيَّن ذلك الأئمة الحفاظ. قال الدارقطني في كتاب “العلل” (2): “رواه الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، عن علقمة، عن عبد الله؟ حدث به عنه محمد بن عجلان، وحسين الجعفي، وزهير بن معاوية، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. فأما ابن عجلان، وحسين الجعفي فاتفقا على لفظه، وأما زهير فزاد عليهما في آخره كلامًا أدرجه بعض الرواة عن زهير في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو قوله: (إذا قضيت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت
__________
(1) في (ب) (الحديث).
(2) (5/ 127 – 128) رقم (766).

(1/395)


صلاتك إن شئت أن تقوم فقم).
ورواه شبابة بن سوار، عن زهير، ففصل بين لفظ النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقال فيه عن زهير: قال ابن مسعود هذا الكلام.
وكذلك رواه ابن (1) ثوبان، عن الحسن بن الحر وبَيَّنه، وفَصَل كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – من كلام ابن مسعود، وهو الصواب”.
وقال في كتاب “السنن” (2) وقد ذكر حديث زهير، عن الحسن بن الحر هذا، وذكر الزيادة، ثم قال: “أدرجه بعضهم عن زهير في الحديث، ووصله بكلام النبي – صلى الله عليه وسلم -، وفَصَلَه شَبَابَة عن زهير، وجعله من كلام عبد الله رضي الله عنه، وقوله أشْبه (3) بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي، وابن عجلان، ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره (4) في آخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك” – ثم ذكر رواية شبابة وفصله كلام عبد الله من حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: “شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث، جعله من قول عبد الله بن مسعود، وهو أصح من رواية من أدرج
__________
(1) في (ب) (ثوبان) وهو خطأ، وفي (ت) (أبو ثوبان) وهو خطأ.
(2) (1/ 353).
(3) في (ب، ش) (وهو الصواب) والمثبت من (ظ، ج، ت) والسنن.
(4) في (ب، ش) (على ترك .. ) -بياض- في آخر الحديث).

(1/396)


آخره (1) في كلام النبي – صلى الله عليه وسلم -. وقد تابعه غسَّان بن الربيع وغيره، فرواه عن ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود لم يرفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -“.
وذكر أبو بكر الخطيب هذا الحديث في كتاب “الفصل للوصل” (2) له. وقال: “قول من فصل كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – من كلام ابن مسعود، وبَيَّن أن الصواب أن هذه الزيادة مدرجة”.
فإن قيل: فأنتم قد رويتم عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – واجبة في الصلاة، وهذا الذي ساعدناكم على أنه من قول ابن مسعود رضي الله عنه يبطل ما رويتم عنه. فإن كان الحديث من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو نص في عدم وجوبها، وإن كان من كلام ابن مسعود رضى الله عنه فهو مبطل لما رويتموه عنه.
فهذا سؤال قوي، وقد أجيب عنه بأجوبة:
أحدها: قال القاضي أبو الطيب: قوله: “فإذا قلت هذا فقد
__________
(1) سقط من جميع النسخ (آخره)، واستدركته من سنن الدارقطني (1/ 353).
(2) (1/ 103 – 115).
قلت: ومع تصويب وقفه على ابن مسعود، إلا أنه شاذ عنه، غير معروف عن ابن مسعود، ولا عن أصحابه عنه.
والمحفوظ عن ابن مسعود: قوله (مفتاح، وفي رواية: حدُّ الصلاة التكبير، وانقضاؤها التسليم) أخرجه الطبري في التهذيب (الجزء المفقود) (428 – 432)، وابن أبي شيبة (1/ 208)، والبيهقي (2/ 15، 173 – 174)، وسنده صحيح، وصححه البيهقي.

(1/397)


قضيت صلاتك”، معناه أنها قاربت التمام، والدليل على ذلك أنا أجمعنا على أن الصلاة لم تتم (1).
وهذا جواب ضعيف، لأنه قال: “فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد”، وعند من يُوجبُ الصلاة (2) على النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يُخَيِّرُ بين القيام والقعود حتى يأتي بِهَا.
الجواب الثاني: أن هذا حديث خرج على معنى في التشهد، وذلك أنهم كانوا يقولون في الصلاة: السلام على الله، فقيل لهم: إن الله هو السلام، ولكن قولوا كذا، فعلمهم التشهد، ومعنى قوله: “إذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك”، يعني إذا ضُمَّ إليها ما يجبُ فيها من ركوع وسجود وقراءة وتسليم وسائر أحكامها، ألا ترى أنه لم يذكر التسليم من الصلاة، وهو من فرائضها، لأنه قد وقفهم على ذلك، فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم.
343 – قالوا: ومثل حديث ابن مسعود هذا قوله – صلى الله عليه وسلم – في الصدقة (3): “إنَّها تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُردُّ (4) عَلَى فُقَرَائِهِم” (5). أي
__________
(1) انظر نحوه في الحاوي الكبير للماوردي (2/ 136).
(2) أخرجه البخاري في (30) الزكاة (1331)، ومسلم في (1) الإيمان (19) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) في (ب، ش) (فتفرق).
(4) سقط من (ب).
(5) أخرجه البخاري في (16) صفة الصلاة رقم (724)، ومسلم في (4) الصلاة، رقم (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/398)


ومن ضُمَّ إليهم، وسُمِّي معهم في القرآن، وهم الثمانية الأصناف.
344 – قالوا: ومثل ذلك قوله في حديث المسيء في صلاته (1): “ارْجع فَصَلِّ فإنِّكَ لَمْ تُصَلِّ” ثم أمره بفعل ما رآه لم يأت به، أو لمَ يُقمْه من صلاته فقال: “إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاة” فذكر الحديث، وسكت له (2) عن التشهد والتسليم.
وقد قام الدليل من غير هذا الحديث على وجوب التشهد، ووجوب التسليم عليه – صلى الله عليه وسلم – بما علمهم من ذلك، كما يعلمهم السورة من القرآن، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم، وقام الدليل أيضًا في التسليم بأنه إنما يُتَحَلَّلُ من الصلاة به، لا بغيره من غير هذا الحديث (3)، فكذلك (4) الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – مأخوذة (5) من غير ذلك الحديث.
قالوا: وكما جاز لمن جعل التشهد فرضًا، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا، وردَّ على من خالفه، وقال: إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته وإن لم يتشهد، وعلى من قال: إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة (6) فقد تمت صلاته، بأن ابن
__________
(1) ليس في (ح، ج).
(2) في (ح) (المسألة).
(3) ليس في (ب، ش) من قوله (على وجوب) إلى (الحديث).
(4) في (ظ) (فكذا)، وليس في (ج) من قوله (فكذلك … ذلك الحديث).
(5) في (ب، ش) (مأخوذ).
(6) في (ظ، ج) (الأخيرة).

(1/399)


مسعود رضي الله عنه إنَّما علَّق التَّمام في حديثه بالتشهد = جاز لمن أوجب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يحتج بالأحاديث الموجبة لها، وتكون حجته منها على من نفى وجوبها كالحجة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه على من نفى وجوب التشهد، أو وجوب (1) القعدة معه.
قالوا: واستدلالنا أقوى من استدلالكم، فإنه استدلال بكتاب الله وسُنَّة رسوله، وعمل الأُمَّة قَرْنًا بعد قرن، فإن لم يكن ذلك أقوى من الاستدلال على وجوب التشهد، لم يكن دونه، وإن كان من الفقهاء من ينازعنا في هذه المسألة، فهو كمن ينازعكم من الفقهاء في وجوب التشهد، والحجة في الدليل أين كان، ومع من كان.
الجواب الثالث: أنه لا يمكن أحدًا ممن ينازعنا (2) أن يحتج علينا بهذا الأثر، لا مرفوعًا ولا موقوفًا، فإنه (3) يقال لمن احتج به: لا يخلو إما أن يكون قوله: “إذا قلت هذا فقد تمت صلاتك” مقتصرًا عليه، أو مضافًا إلى سائر واجباتها، والأول محال وباطل، والثاني حق، ولكنه لا ينفي وجوب شيء مما (4) تنازع فيه الفقهاء من واجبات الصلاة، فضلًا عن نفيه (5) وجوب الصلاة على النبي
__________
(1) في (ح، ت، ج) (ووجوب).
(2) في (ظ، ب، ش، ج) (من منازعينا) وفي (ح) (من ينازعها) وهو خطأ.
(3) سقط من (ح).
(4) ليس في (ش).
(5) في (ب) (نفسه).

(1/400)


– صلى الله عليه وسلم -، ولهذا كان التسليم من تمام الصلاة وواجباتها عند مالك، وكذا الجلوس للتشهد، ولم (1) يذكره، وكذا إن كان عليه سهو واجب فإنه لا تتم الصلاة إلا به، ولم يذكره.
يُوَضِّحُه (2) الجواب الرابع: أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن التشهد ليس بفرض، بل إذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته، تشهد أو لم يتشهد، والحديث دليل على أن الصلاة لا تتم إلا بالتشهد. فإن كان استدلالكم بأنه علق التمام بالتشهد فلا تجب الصلاة بعده صحيحًا، فهو حجة عليكم في قولكم بعدم وجوب التشهد؛ لأنه علق به التمام، وبطل قولكم بنفي فرضية (3) التشهد، وإن لم (4) يكن الاستدلال به صحيحًا بطل معارضة (5) أدلة الوجوب به، وبطل قولكم بنفي الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فبطل قولكم على التقديرين.
فإن قلتم (6): نحن نجيب عن هذا بأن قوله: “فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك”، المراد به تمام الاستحباب، وتمام الواجب قد انقضى بالجلوس.
__________
(1) في (ظ، ت، ش، ب، ج) (لم).
(2) سقط من (ظ، ت، ج) كلمة (يوضحه).
(3) في (ح) (فريضة).
(4) سقط من (ظ) (لم يكن).
(5) سقط من (ب، ش).
(6) في (ظ) (قلت).

(1/401)


قيل لكم: هذا فاسد على قول من نفى وجوب (1) الصلاة، وعلى قول من أوجبها، لأن من نفى وجوبها لا ينازع في أن تمام الاستحباب موقوف عليها، وأن الصلاة لا تَتِمُّ التمام المستحب إلا بها، ومن أوجبها يقول: لا تَتِمُّ التمام الواجب إلا بها، فعلى التقديرين لا يمكنكم الاستدلال بالحديث أصلًا.
قوله: روى أبو داود، والترمذي حديث عبد الله بن عمرو (2)، وفيه.
345 – “إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته” جوابه من وجوه:
أحدها: أن الحديث معلول. وبيان تعليله من وجوه:.
أحدها: أن الترمذي قال: “ليس (3) إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده”.
الثاني: أنه من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه غير واحد من الأئمة.
الثالث: أنه من رواية بكر بن سوادة، عن عبد الله بن عمرو،
__________
(1) سقط من (ح).
(2) تقدم تخريجه برقم (331).
(3) في (ظ) (إن إسناده ليس بالقوي).

(1/402)


ولم يلقه (1)، فهو منقطع.
الرابع: أنه مضطرب الإسناد، كما ذكره الترمذي.
346 – الخامس (2): أنه مضطرب المتن، فمرة يقول: “إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته”، ولفظ أبي داود، والترمذي غير هذا، وهو:
347 – “إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته”، وهذا غير لفظ الطحاوي.
348 – ورواه الطحاوي أيضًا بلفظ آخر فقال: “إذا قضى الإمام الصلاة فقعد فأحدث هو، أو أحد ممن ائتمَّ (3) بالصلاة معه قبل أن يسلم الإمام فقد تَمَّت صلاته، فلا يعود فيها”، فهذا معناه غير معنى الأول. قال الطحاوي: وقد روي بلفظ آخر:
349 – “إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته”.
وكلها مدارها على الإفريقي، ويوشك أن يكون هذا من سوء حفظه، والله أعلم.
__________
(1) لأن بكرًا توفي سنة 128 هـ، بينما عبد الله بن عمرو توفي سنة 63 هـ، فبين وفاتيهما 65 سنة، وهذا يدل على عدم اللقي. انظر: تهذيب الكمال (4/ 216)، والتقريب رقم (3499).
(2) سقط من (ب) من قوله (أنه مضطرب الإسناد … -إلى- الخامس).
(3) في (ب، ت، ش، ج) (أتم) وفي (ظ) (أتم للصلاة).

(1/403)


350 – قوله: وقال علي رضي الله عنه: “إذا جلس مقدار التشهد فقد (1) تمت صلاته”.
جوابه: أن علي بن سعيد قال في “مسائله”: “سألت أحمد بن حنبل عمن ترك التشهد فقال: يعيد. قلت: فحديث عليِّ رضي الله عنه: “من قعد مقدار التشهد” (2). فقال: لا يصح. وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بخلاف حديث علي، وعبد الله بن عمرو”.
351 – قوله (3): “وروى الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قصة التشهد، وقال: “ثم ليختر من الكلام ما أحب” (4). ولم يذكر الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -“.
فجوابه: أن غاية هذا أن يكون ساكتًا عن وجوب الصلاة، فلا يكون معارضًا لأحاديث الوجوب، كما تقدم تقريره.
352 – قوله (5): “وحديث فضالة بن عبيد (6) يدل على نفي الوجوب”، جوابه: أن حديث فضالة حجة لنا في المسألة، لأن
__________
(1) من (ظ) فقط، وانظر ص 383.
(2) تقدم بعد رقم (331).
(3) في (ظ) (وقد روى)، والحديث تقدم ص 373، وفي (ج) (ويروي الأعمش).
(4) في (ح) (ما شاء) وجاء في حاشيته (لعله: ما أحب)، وكذا صححت في حاشية (ت) (ما أحب).
(5) سقط من (ش).
(6) تقدم تخريجه برقم (44 و 332).

(1/404)


النبي – صلى الله عليه وسلم – أمره بالصلاة عليه في التشهد، وأمره للوجوب، فهو نظير أمره بالتشهد، وإذا كان الأمر متناولًا لهما، فالتفريق بين المأمورين تَحَكُّم.
فإن قلتم: فالتشهد عندنا ليس بواجب؟
قلنا: الحديث حجة لنا عليكم (1) في المسألتين، والواجب اتباع الدليل.
قوله: “النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر هذا المصلي بإعادة الصلاة، ولو كانت الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فرضًا لأمره بإعادتها، كما أمر المسيء في صلاته”. جوابه من وجوه:
أحدها: أنَّ هذا كان غير عالم بوجوبها، فتركها (2) معتقدًا أنها غير واجبة، فلم يأمره النبي – صلى الله عليه وسلم – بالإعادة، وأمره في المستقبل أن يقولها، فأَمْرُهُ بقولها في المستقبل دليل على وجوبها، وترك أمره بالإعادة دليل على أنه يُعْذَرُ الجاهل بعدم الوجوب. وهذا كما لم يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – المسيء في صلاته (3) بإعادة ما مضى من الصلوات، وقد أخبره أنه لا يحسن غير تلك الصلاة (عذرًا له بالجهل.
__________
(1) ليس في (ب).
(2) من (ظ)، (ت)، (ج).
(3) في (ظ) (المسيء صلاته) وفي (ح) (المسيء في الصلاة).

(1/405)


فإن قيل: فلِمَ أمره أن يُعيْدَ تلك الصلاة) (1) ولم يعذره فيها (2) بالجهل؟ قلنا: لأن الوقتَ باقٍ، وقد عَلِمَ أركان الصلاة، فوجب عليه أن يأتي بها.
فإن قيل: فهلا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك (3) الصلاة كما أمر المسيء؟.
قلنا: أمره – صلى الله عليه وسلم – بالصلاة عليه فيها مُحْكَم (4) ظاهر في الوجوب، ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي – صلى الله عليه وسلم – بادر إلى الإعادة من غير أن يأمره النبي – صلى الله عليه وسلم – بها (5)، ويحتمل أن تكون الصلاة كانت (6) نفلًا لا تجب عليه إعادتها، ويحتمل غير ذلك، فلا يترك الظاهر من الأمر وهو دليل مُحْكَم لهذا المشتبه (7) المحتمل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
فحديث فضالة إِمَّا مشترك الدلالة على السَّواء، فلا حُجَّة لكم فيه، وإمَّا راجح الدلالة من جانبنا كما ذكرناه، فلا حجة لكم فيه
__________
(1) سقط من (ش) من قوله (عذرًا له … ) -إلى- (تلك الصلاة).
(2) ليس في (ح).
(3) في (ب) (ترك) وهو خطأ.
(4) في (ظ، ج) (تحكم).
(5) ليس في (ح).
(6) من (ظ) قوله (كانت).
(7) ليس في (ب).

(1/406)


أيضًا، فعلى (1) التقديرين سقط احتجاجكم به.
قوله: لم يعلمها النبي – صلى الله عليه وسلم – المسيء في صلاته، ولو كانت فرضًا لعلمها إياه، جوابه من وجوه:
أحدها: أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستندًا لهم في نفي (2) كل ما ينفون وجوبه، وحمَّلُوه فوق طاقته، وبالغوا في نفي ما اختلف في وجوبه به (3). فمن نفى وجوب الفاتحة احتجَّ به، ومن نفى وجوب التشهد احتجَّ به، ومن نفى وجوب التسليم (4) احتج به، ومن نفى وجوب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – احتج به، ومن نفى وجوب (5) أذكار الركوع، والسجود، وركني الاعتدال احتج به، ومن نفى وجوب تكبيرات الانتقال (6) احتج به. وكل هذا تساهل واسْتِرْسَال في الاستدلال، وإلا فعند التحقيق لا ينفي وجوب شيء من ذلك، بل غايته أن يكون قد سكت عن وجوبه ونفيه، فإيجابه بالأدلة الموجبة له لا (7) يكون معارضًا به.
فإن قيل: سكوته عن الأمر بغير ما أمره به يدلُّ على أنه ليس
__________
(1) في (ظ، ت، ش، ج) (بَعْد).
(2) سقط من (ش).
(3) ليس في (ب، ت، ش) (به).
(4) في (ب، ش) (ومن نفى وجوب التسليم احتج به). تتقدم أو تتأخر.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ح) (الانتقالات).
(7) في (ب، ج) (الموجبة لا يكون).

(1/407)


بواجب؛ لأنه في مقام البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز اتفاقًا (1). قيل (2): هذا لا يمكن أحدًا أن يستدل به على (3) هذا الوجه، فإنه يلزمه أن يقول: لا يَجبُ التشهد، ولا الجلوس له، ولا السَّلام، ولا النِّيَّة، ولا قراءة الفاتحة، ولا كل شيء لم يذكره في الحديث. وطَرْدُ هذا: أنه لا يجبُ عليه استقبال القبلة، ولا الصَّلاة في الوقت، لأنه لم يأمره بهما، وهذا لا يقولُهُ أحد.
فإن قلتم: إنَّما علمه ما أساء فيه، وهو لم يسيء في ذلك. قيل لكم: فاقنعوا بهذا الجواب من منازعكم (4) في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء هذا.
الثاني: أن (5) ما أُمِر به النبي – صلى الله عليه وسلم – من أجزاء الصلاة دليل ظاهر في الوجوب، وترك أمره للمسيء به يحتمل أمورًا:
منها: أنه لم يسئ فيه.
ومنها: أنه وجب بعد ذلك.
ومنها: أنه علَّمه مُعْظَم الأركان وأهمها، وأحال بقية تعليمه على مشاهدته – صلى الله عليه وسلم – في صلاته (6)، أو على تعليم بعض الصحابة له،
__________
(1) في (ب، ش) (غير جائز أيضًا) وسقط من (ح) (اتفاقًا).
(2) وقع في (ش، ت) (فإن قيل).
(3) (ح، ج) وسقط (هذا) من باقي النسخ، ووقع في (ب) (عن الوجه).
(4) في (ح، ظ، ت، ج) (منازعيكم).
(5) ليس في (ح).
(6) في (ش) تكررت هذه الجملة من قوله (ومنها أنه وجب … -إلى- في =

(1/408)


فإنه – صلى الله عليه وسلم – كان يأمرهم بتعليم بعضهم بعضًا، فكان من المستقر عندهم إذنه (1) لهم في تعليم الجاهل وإرشاد الضال، وأي محذور في أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – علمه البعض، وعلمه أصحابه البعض الآخر، وإذا احتمل (2) هذا لم يكن هذا المشتبه المُجْمَل معارضًا لأدلة وجوب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا غيرها من واجبات الصلاة، فضلًا عن أن يُقَدَّم عليها، فالواجب تقديم الصَّرِيْح المُحْكَم على المشتبه المُجْمَل. والله أعلم.
قوله: “الفرائض (3) إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله أو بإجماع”.
قلنا: اسمعوا أدلتنا الآن على (4) الوجوب، فلنا (5) عليه أدلة:
الدليل الأول: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]، ووجه الدلالة أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأمره المطلق على الوجوب ما لم يَقُمْ دليل على خلافه.
__________
= صلاته).
(1) في (ب، ح، ش) (أنه لهم) وهو خطأ، وسقط (لهم) من (ج).
(2) في (ب) (جْهِل) وفي (ش) (أُجمِل).
(3) في (ش) (الفائض) وهو خطأ.
(4) في (ظ) (عليه).
(5) في (ب) (قلنا) وهو خطأ.

(1/409)


وقد ثبت أن أصحابه رضي الله عنهم سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها، فقال:
353 – “قولوا: اللهم صل على محمد .. ” (1) الحديث. وقد ثبت أن السلام الذي عُلِّمُوْهُ هو السلام عليه في الصلاة، وهو سلام التشهد (2)، فمخرج الأمرين والتعليمين والمحلين واحد.
يُوضِّحه: أنه علمهم التشهد آمرًا لهم به، وفيه ذكر التسليم عليه – صلى الله عليه وسلم -، فسألوه عن الصلاة عليه (3) فعلمهم إياها، ثم شَبَّهَهَا بما عُلِّمُوْهُ من التسليم عليه، وهذا يدل على أن (4) الصلاة والتسليم المذكورين في الحديث هما الصلاة والتسليم عليه في الصلاة.
يوضحه: أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة، لا فيها، لكان (5) قال مُسْلم منهم إذا سَلَّم عليه يقول له: “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته”. وكان المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيدون (6) في السلام عليه بهذه الكيفية، بل كان الداخل
__________
(1) تقدم برقم (1 و 2 و 4 و 6).
(2) تقدم برقم (1 و 2 و 6) ووقع في (ج) (والمجلس واحد).
(3) سقط من (ظ، ت) (عليه فعلمهم إياها)، وسقط من (ج) (فسألوه .. التسليم عليه).
(4) في (ظ) (للصلاة).
(5) في (ظ (لكل).
(6) في (ش) (يتعبَّدون).

(1/410)


منهم يقول: “السلام عليكم”، وربما قال: “السلام على رسول الله”، وربما قال: “السلام عليك يا رسول الله” ونحو ذلك، وهم لم يزالوا يُسَلِّمون عليه من أوَّلِ الإسلام بتحيَّة الإسلام، وإنما الذي عُلِّمُوهُ قدرًا زائدًا عليها، هو السَّلام عليه (1) في الصلاة.
354 – يوضحه: حديث ابن إسحاق: “كيف نصلي إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا”، وقد صحَّحَ هذه اللفظة جماعة من الحفاظ: منهم ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، وقد تقدم في أول الكتاب (2)، وما أُعِلَّت به، والجواب عن ذلك.
وإذا تقرر أن الصلاة المسؤول عن كيفيتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة، وقد خرج ذلك مخرج البيان المأمور به منها في القرآن؛ ثبت أنها على الوجوب، وينضاف إلى ذلك أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بها، ولعل هذا وجه ما أشار إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى بقوله: “كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت فإذا هي واجبة”. وقد تقدم حكاية كلامه.
وعلى هذا الاستدلال أسئلة (3):
أحدها: أن قوله – صلى الله عليه وسلم -: “والسَّلام كَمَا عَلِمْتُم” يحتمل أمرين:
__________
(1) في (ب) (عليكم) وهو خطأ.
(2) تقدم برقم (1) ص 7 – 10.
(3) في (ش، ب) (الاسؤلة) وفي (ظ) (أسؤلة).

(1/411)


أحدهما: أن يراد به السلام عليه في الصلاة.
والثاني: أن يراد به السلام من الصلاة نفسها. قاله (1) ابن عبد البر (2).
الثاني: أن غاية ما ذكرتم إنما يدلُّ دِلالة اقتران الصلاة بالسلام، والسلامُ واجب في التشهد، فكذا الصلاة، ودِلالة الاقتران ضعيفة.
الثالث: أنا لا نُسلِّم وجوبَ السَّلام، ولا الصلاة، وهذا الاستدلال منكم إنما يتمُّ بعد تسليم وجوب السلام عليه – صلى الله عليه وسلم -.
والجواب عن هذه الأسئلة (3):
أما الأول: ففاسد جدًا؛ فإنَّ في نفس الحديث ما يبطله، وهو أنهم قالوا:
355 – “هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ ” لفظ البخاري (4) في حديث أبي سعيد رضي الله عنه. وأيضًا فإنهم إنما سألوا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن كيفية الصلاة والسلام المأمور بهما في الآية، لا عن كيفية السلام من الصلاة.
__________
(1) في (ب) قال، وهو خطأ.
(2) انظر: التمهيد (16/ 186) فقد قال (وقيل: … فذكر هذا الكلام).
(3) في (ش، ظ، ب، ج) (الأسؤلة).
(4) تقدم برقم (6).

(1/412)


وأما السؤال الثاني: فسؤال مَنْ لم يفهم وجه تقرير الدلالة، فإنا لم نحتج بدلالة الاقتران، وإنما استدللنا بالأمر بهما (1) في (2) القرآن، وَبَيَّنَّا أن الصلاة التي سألوا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يعلمهم إياها؛ إنَّما هي الصلاة التي (3) في الصلاة.
وأما السؤال الثالث (4): ففي غاية الفساد، فإنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم (5) فيها مبطلًا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم؛ فإنَّ الأدلة هي التي تُبْطلُ ما خالفها من الأقوال، ويُعْتَرَضُ بها على من خالف موجبها، فَتُقَدَّم على كلِّ قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهدين تُعَارَض بها الأدلة وتُبْطِلُ مقتضاها (6) وتُقدَّم عليها. ثم إن الحديث حجة عليكم في المسألتين، فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -، فيجب المصير إليه.
الدليل الثاني: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول ذلك في التشهد،
__________
(1) في (ب، ش، ح) (بها) وهو خطأ.
(2) سقط من (ب، ش) (في القران).
(3) سقط من (ش) (من قوله (التي سألوا … ) – إلى- (الصلاة التي).
(4) سقط من (ج) (الثالث).
(5) في (ح) (منازعيكم).
(6) في (ب) (مقتاها) وفي (ش) (معناها).

(1/413)


وأمرنا أن نصلي كصلاته (1)، وهذا يدل على وجوب فعل (2) ما فعل في الصلاة إلا ما خصَّه الدليل، فهاتان مقدمتان:
356 – أما المقدمة الأولى: فبيانها ما روى الشافعي في “مسنده” (3): عن إبراهيم بن محمد، حدثني سعيد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يقول في الصلاة: “اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد”. وهذا وإن كان فيه إبراهيم بن (4) أبي يحيى، فقد وثقه جماعة، منهم الشافعي رحمه الله، وابن الأصبهاني، وابن عدي، وابن عقدة، وضعفه آخرون (5).
357 – أما المقدمة الثانية: فبيانها ما روى البخاري في “صحيحه” (6): عن مالك بن الحويرث، قال: أتينا النبي – صلى الله عليه وسلم – ونحن شَبَبَة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا،
__________
(1) لقوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) من حديث مالك بن الحويرث. وسيأتي تخريجه.
(2) سقط من (ب).
(3) رقم (279) وسنده ضعيف جدًا.
(4) في (ب) (إبراهيم بن إسحاق) وهو خطأ، وإنما يكنى بأبي إسحاق.
(5) انظر: تهذيب الكمال (2/ 184 – 191).
(6) في (14) الأذان (605) واللفظ له، ومسلم في (5) المساجد ومواضع الصلاة (674).

(1/414)


وسألنا عمن تركنا في أهلنا؟ فأخبرناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: “ارْجعُوا إلى أهْلِيْكُم فعلِّمُوهم، ومُرُوهم، وصَلُّوا كَمَا رَأيتُمُوني أُصَلَّي، وإذا حضرتِ الصَّلاة فلْيؤذِّن لكم (1) أحدكم وليؤمكم أكبركم”.
وعلى هذا الاستدلال من الأسئلة (2) والاعتراضات ما هو مذكور في غير هذا الموضع.
358 – الدليل الثالث: حديث فضالة بن عبيد (3)، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له أو لغيره: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، والصلاة، ثم ليصل على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم ليدع بعد بما شاء” وقد تقدم، رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وأهل السنن. وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
واعترض عليه بوجوه:
أحدها: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر هذا المصلي بالإعادة، وقد تقدم جوابه.
الثاني: أن هذا الدعاء كان بعد انقضاء الصلاة، لا فيها، بدليل
359 – ما روى الترمذي في “جامعه” (4): من حديث
__________
(1) سقط من (ح) (لكم).
(2) في (ب، ظ، ش، ج) (الأسؤلة).
(3) تقدم برقم (44).
(4) رقم (3477) وقال: هذا حديث حسن”.

(1/415)


رِشْدِين (1) في هذا: بينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “عجلت (2) أيها المصلي، إذا صَلَّيْتَ فقعدتَ، فاحْمَدِ الله بما هو أهله، وصلِّ عليِّ، ثم ادْعُهْ”.
وجواب هذا من وجوه:
أحدها: أن رشدين ضعفه أبو زرعة، وغيره، فلا يكون حجة مع استقلاله، فكيف إذا خالف الثقات (3) الأثبات، لأن كل من روى هذا الحديثما قال فيه: “سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلًا يدعو في صلاته”.
الثاني: أن رشدين لم يقل في حديثه: إن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة، ولا يدلُّ لفظه على ذلك، بل قال: “فصلى فقال: اللهم اغفر لي”. وهذا لا يدل على أنه قال بعد فراغه من الصلاة. ونفْسُ الحديث دليل على ذلك، فإنه قال: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله”، ومعلوم أنه لم يُرِدْ بذلك الفراغ من الصلاة؛ بل الدخول فيها. ولا سيما فإنَّ عامَّة أدعية النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما
__________
= من طريق رشدين بن سعد عن أبي هاني حميد بن هانيء الخولاني عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي عن فضالة فذكره.
(1) وقع في (ب) (رشيدين) وهو خطأ، ومثله ما بعده. انظر: تهذيب الكمال (9/ 193 – 196).
(2) إضافة من سنن الترمذي، وليست في جميع النسخ.
(3) كعبد الله بن وهب، وحيوة بن شريح.
عند أبي داوود (1481)، وابن خزيمة رقم (709) وغيرهما.

(1/416)


كانت في الصلاة، لا بعدها، لحديث (1) أبي هريرة، وعلي، وأبي موسى، وعائشة، وابن عباس، وحذيفة، وعمار (2)، وغيرهم (3)، ولم يَنْقُلْ (4) أحد منهم أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يدعو به في صلاته في حديث صحيح.
ولما سأله الصِّدِّيق (5) دعاءً يدعو به في صلاته لم يقل: ادع به خارج الصلاة، ولم يقل لهذا الداعي: ادع به بعد سلامك من الصلاة، لا سِيَّما (6) والمصلي مناجٍ ربَّه، مُقْبل عليه، فدعاؤه ربه تعالى في هذه الحال أنْسَب من دعائه له بعد انصرافه عنه وفراغه من مناجاته.
الثالث: أن قوله – صلى الله عليه وسلم -: “فاحمد الله بما هو أهله”، إنما أراد به التشهد في القعود، ولهذا قال: “إذا صليت فقعدت”، يعني في تشهدك، فأمَرَه بحمد الله والثَّناء عليه، والصلاة على رسوله – صلى الله عليه وسلم -.
الاعتراض الثالث: أن الموضع (7) الذي أمره أن يصلي فيه، ويدعو بعد تحميد الله غير مُعَيَّن (8)، فلِمَ قلتم: إنه بعد التشهد.
وجواب هذا: أنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على
__________
(1) في (ب، ش) (كحديث).
(2) سقط من (ب) ما بين القوسين.
(3) انظر هذه الأحاديث في الوابل الصيب للمؤلف ص 232 – 235.
(4) وقع في (ظ) (يَقُلْ).
(5) تقدم ص 373.
(6) في (ظ، ب) (ولا سيما).
(7) زيادة يقتضيها السياق.
(8) في (ب) (غير معلوم).

(1/417)


الله، ثُمَّ الصَّلاة على رسوله – صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ الدُّعاء، إلا في التشهد آخر الصَّلاة، فإن ذلك لا يشرع في القيام، ولا الركوع، ولا السُّجود اتِّفَاقًا، فَعُلِم أنَّه إنَّما أراد به آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد.
الاعتراض الرابع: أنه أَمَرَهُ فيه (1) بالدُّعاء عَقِبَ الصَّلاة عليه، والدعاء ليس بواجب، فكذا الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -.
وجواب هذا: أنه لا يستحيل أن يأمر بشَيْئَيْن، فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما، فيبقى الآخر على أصل الوجوب.
الثاني: أن هذا المذكور من الحمد والثناء هو واجب قبل الدعاء، فإنه هو التشهد، وقد أُمِرَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – به، وأخبر الصحابة أنه فرض عليهم، ولم يكن (2) اقتران الأمر بالدعاء به (3) مسقطًا لوجوبه، فكذا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
الثالث: أن قولكم: “الدعاء لا يجب”، باطل، فإن من الدعاء ما هو واجب، وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب، والهداية والعفو، وغيرها، وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:
__________
(1) سقط من (ب)، وفي (ج) (أنه أمر فيه).
(2) في (ب) (ولم يقترن الأمر)، وفي (ت) (ولم يكن الاقتران الأمر بالدعاء به مسقطًا)، وفي (ج) (افتراض).
(3) في (ب) (بالدعاء ومسقطًا).

(1/418)


360 – : “من لم يسأل الله يغضب عليه” (1).
والغضب لا يكون إلا على ترك واجب، أو فعل محرم.
الاعتراض الخامس: أنه لو كانت الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فرضًا في الصلاة لم يؤخر بيانها إلى هذا الوقت، حتى يرى رجلًا لا يفعلها فيأمره بها، ولكان العلم بوجوبها مستفادًا قبل هذا الحديث.
وجواب هذا: أنا لم نقل: إنها ما (2) وجبت على الأُمَّة إلا بهذا الحديث، بل هذا المصلي كان (3) قد تركها، فأمره النبي – صلى الله عليه وسلم – بما هو مُسْتَقِرٌّ معلوم من شرعه. وهذا كحديث المسيء في صلاته، فإن وجوب الركوع والسجود والطمأنينة على الأُمَّة لم يكن مستفادًا من حديثه وتأخيرِ بيان النبي – صلى الله عليه وسلم – لذلك إلى حين صلاة هذا الأعرابي، وإنما أمره أن يصلي الصلاة التي شرعها لأُمَّتِهِ قبل هذا.
__________
(1) أخرجه الترمذي (3373)، وابن ماجه (3827)، وأحمد (2/ 442 و 477) وغيرهم.
من طريق أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة فذكره مرفوعًا. وسنده منكر، تفرد به أبو صالح الخوزي، وهو لم يرو عنه غير أبي المليح، وقد قال فيه يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال ابن حجر: لين الحديث. وقد جعل ابن عدي هذا الحديث من مفاريده. انظر: تهذيب الكمال (33/ 418)، والكامل في الضعفاء (7/ 294 – 295).
(2) سقط من (ح).
(3) ليس في (ب).

(1/419)


الاعتراض السادس: أن أبا داود والترمذي قالا في هذا الحديث، حديث فضالة: “فقال له، أو لغيره”. بحرف “أو”، ولو كان هذا واجبًا على كل مُكَلَّف لم يكن ذلك له أو لغيره.
وهذا اعتراض فاسد من وجوه:
أحدها: أن الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة، وابن حبان “فقال له ولغيره” بالواو، وكذا رواه أحمد، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم (1).
الثاني: أن “أو” هنا ليست للتَّخْيير، بل للتَّقْسِيم، والمعنى أن أي مُصلٍّ صلى فليقل ذلك، هذا أو (2) غيره، كما قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)} [الدهر: 24]، ليس المراد التخيير، بل المعنى أن أيهما كان فلا تطعه إما هذا وإما هذا.
الثالث: أن الحديث صريح في العموم بقوله: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله” فذكره.
الرابع: أن في رواية النسائي، وابن خزيمة: “ثم علمهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“. فذكره، وهذا عام.
الدليل الرابع: ثلاثة أحاديث كل منها لا تقوم الحُجَّة به عند انفراده، وقد يُقَوِّي بَعْضُها بعضًا عند الاجتماع.
__________
(1) تقدم تخريجه رقم (44).
(2) في (ب، ش) (هذا وغيره)، وفي (ج) (فليقل في ذلك أو غيره).

(1/420)


361 – أحدها: ما رواه الدارقطني (1): من حديث عمرو بن شِمْر، عن جابر -هو الجعفي- عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يا بريدة! إذا (2) صليت في صلاتك فلا تتركن التشهد والصلاة علي، فإنها زكاة الصلاة، وسلم على جميع أنبياء الله ورسله، وسلم على عباد الله الصالحين”.
362 – الثاني: ما رواه الدارقطني (3) أيضًا: من طريق عمرو ابن شِمْر، عن جابر، قال: قال الشعبي: سمعت مسروق (4) بن الأجدع يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “لا يقبل الله صلاة إلا بطهور، وبالصلاة علي”. لكن عمرو بن شمر (5)، وجابر لا يحتج بحديثهما، وجابر أصلح من عمرو.
363 – الثالث: ما رواه الدارقطني (6): من حديث عبد المهيمن بن عباس (7) بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا صلاة لمن لم يصل على نبيه – صلى الله عليه وسلم – “، ورواه
__________
(1) في السنن (1/ 355).
(2) في نسخة (ظ) على حاشية (ب) (إذا جلست). وسنده واهي جدًا.
(3) في السنن (1/ 355)، وسنده واهي جدًا.
(4) في (ب، ش) (مروان) وهو خطأ.
(5) قال البخاري: منكر الحديث. وقال الجوزجاني: زائغ كذاب. وغير ذلك. انظر: التاريخ الكبير (6/ 344)، والميزان (5/ 324) رقم (6334).
(6) في السنن (1/ 355). وسنده واهي وقد تقدم برقم (36).
(7) في (ب، ت، ش، ج) (عياش) وهو خطأ.

(1/421)


الطبراني (1) من حديث أبي بن عباس، عن أبيه، عن جده. وعبد المهيمن ليس بحجة، وأُبيّ أخُوه وإن كان ثقة احتج به البخاري، فالحديث المعروف فيه إنما هو من رواية عبد المهيمن، ورواه الطبراني (2) بالوجهين، ولا يثبت.
الدليل الخامس: أنه قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، وقد تقدم ذلك (3)، ولم يُحْفَظْ عن أحد من الصحابة أنه قال: لا تجب، وقول الصحابي إذا لم يخالفه غيره حُجَّة، ولا سيما على أصول أهل المدينة والعراق.
الدليل السادس: أن هذا عمل الناس من عهد نبيهم إلى الآن، ولو كانت الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – غير واجبة لم يكن اتفاق الأمة في سائر الأمصار والأعصار على قولها في التشهد وترك الإخلال بها. وقد قال مُقَاتِل بن حَيَّان (4) في “تفسيره” في قوله عز وجل: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [المائدة: 55]، قال: “إقامتها المحافظة عليها، وعلى أوقاتها، والقيام فيها، والركوع والسجود، والتشهد، والصلاة على
__________
(1) في المعجم الكبير (6/ 5699).
(2) في المعجم الكبير (6/ 5698 و 5699).
(3) تقدم برقم (333 – 336).
(4) هو النبطي أبو بسطام البلخي الخراز، كان عابدًا صالحًا كبير القدر، صاحب سنة، صدوقًا في الحديث له تفسير، توفي قبل سنة 150 هـ.
انظر: تهذيب الكمال (28/ 431 – 433)، وطبقات المفسرين للداوودي (2/ 329 – 330)، وقد وقع في (ب) (حبان) وهو خطأ.

(1/422)


النبي – صلى الله عليه وسلم – في التشهد الأخير”، وقد قال الإمام أحمد: “الناس في التفسير عِيَال على مقاتل (1) “.
قالوا: فالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصلاة من إقامتها المأمور بها، فتكون واجبة، وقد تمسك أصحاب هذا القول بأقْيِسَة (2) لا حاجة إلى ذكرها.
قالوا: ثم نقول لمنازعينا: ما منكم إلا من أوجب في الصلاة أشياء بدون هذه الأدلة، هذا أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول بوجوب الوتر، وأين أدلَّة وجوبه من أدلّة وجوب الصَّلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ويُوجب الوضوء على من قَهْقَهَ في صلاته بحديث مرسل لا يُقاوِمُ أدلتَنا في هذه المسألة، ويوجب الوضوء من القيء، والرّعاف، والحجامة، ونحوها بأدلة لا تقاوم أدلة هذه المسألة.
ومالك رحمه الله تعالى يقول: إن في الصلاة أشياء بين الفرض والمستحب ليست بفرض، وهي فوق الفضيلة والمستحبة يسميها (3) أصحابه سننًا؛ كقراءة سورة مع الفاتحة، وتكبيرات الانتقال، والجلسة الأولى، والجهر والمخافتة، ويُوْجِبُون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه.
__________
(1) في (ظ، ت، ج) (الناس عيال في التفسير على مقاتل).
(2) في (ب) (فأقيسة).
(3) من (ح)، وفي باقي النسخ (يسمونها).

(1/423)


وأحمد رحمه الله تعالى يُسَمِّي هذه واجبات، ويوجب السجود لتركها سهوًا.
فإيجاب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – إن لم يكن أقوى من إيجاب كثير من هذه فليست دونها.
فهذا ما احْتَجَّ به الفريقان في هذه المسألة.
والمقصود أنَّ تَشْنيع المشنِّع فيها على الشافعي باطل، فإن مسألة فيها من الأدلة والآثار مثل هذا كيف يُشنَّع على الذاهب إليها؟! والله أعلم.

فصل الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – في التشهد الأول
وهذا قد اختلف فيه، فقال الشافعي في “الأم” (1): يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – في التشهد الأول. هذا هو المشهور من مذهبه، وهو الجديد (2)، لكنه يُسْتحَب، وليس بواجب، وقال في القديم: “لا يزيد على التشهد” وهذه رواية المزني عنه، وبهذا قال أحمد، وأبو حنيفة، ومالك، وغيرهم (3).
__________
(1) (1/ 270).
(2) انظر: المجموع للنووي (3/ 441).
(3) انظر: الشرح الكبير على المقنع (3/ 540 – 541)، والبناية (2/ 237)، والمعونة للقاضي عبد الوهاب (1/ 224).

(1/424)


364 – واحْتُجَّ لقول الشافعي بما رواه الدارقطني: من حديث موسى بن عبيدة، عن (1) عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلمنا التشهد: التحيات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – (2).
365 – وروى الدارقطني (3) أيضًا: من حديث عمرو بن شمر، عن جابر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يا بريدة! إذا صليت في صلاتك فلا تتركن الصلاة علي (4) فإنها زكاة الصلاة” وقد تقدم.
قالوا: وهذا يَعُمُّ الجلوس الأوَّل والآخر.
واحْتُجَّ له أيضًا بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فدل على أنه حيث شُرِع التسليم عليه شُرِعت الصلاة عليه، ولهذا سأله الصحابة (5) عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: “قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ “، فدل
__________
(1) في (ب) (وعبد الله … ) وهو خطأ.
(2) في السنن (1/ 351).
وسنده واهي فيه خارجة بن مصعب، ضعيف لا يحتج بمفاريده، وموسى بن عبيدة، تقدم، وهو ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (8/ 16 – 23).
(3) في السنن (1/ 355). وسنده واهي جدًا، وتقدم برقم (361).
(4) في (ح) (عليَّ فيها فإنها) ولفظه (فيها) غير موجودة في السنن.
(5) في (ح) (أصحابه).

(1/425)


على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه – صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أن المصلي يسلم (1) على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فيشرع له أن يصلِّي عليه.
قالوا: ولأنَّه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير.
قالوا: ولأنَّ التشهد الأول محلٌّ يستحب فيه ذكر الرسول – صلى الله عليه وسلم -؛ فاستحب فيه الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره.
366 – قالوا: ولأن في حديث محمد بن إسحاق: “كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟ ” (2).
وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك، وهو القديم من قولي (3) الشافعي رحمه الله تعالى، وهو الذي صحَّحَهُ كثير من أصحابه؛ لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع.
367 – وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – (4) إذا جلس فيه كأنه على
__________
(1) في (ظ) (أن المصلي مسلم يصلي على .. ) وفي (ب) (معلوم أن يسلم المتشهد) وفي (ش) (ومعلوم أن المسلم يصلي … )، وفي حاشية (ب) قال الناسح: صوابه .. (يسلّم المتشهد).
(2) تقدم تحت رقم (1).
(3) في (ب) (قول) وهو خطأ.
(4) أخرجه الترمذي (366)، وأبو داوود (995)، والنسائى (1176)، وأحمد (1/ 386) وغيرهم.
من طريق أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود فذكره. قال الترمذي: “هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة، لم يسمع من أبيه”.

(1/426)


الرُّضْف (1)، ولم يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه، ولا علَّمه للأُمَّة، ولا يُعْرف أنَّ أحدًا من الصَّحابة استحبَّه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر لكانت واجبة في المحل كما في الأخير؛ لِتناوُل الأمر لهما. ولأنه لو كانت الصلاة مستحبَّة في هذا الموضع؛ لاَسْتُحِبَّ فيه الصّلاة على آله – صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يفْرد نَفْسَه دون آله بالأمر بالصّلاة عليه، بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله، في الصلاة وغيرها؛ ولأنه (2) لو كانت الصلاة عليه في هذا الموضع (3) مشروعة؛ لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها؛ ولأنها لو شرعت في هذا (4) الموضع؛ لشرع فيه الدعاء بعدها لحديث فضالة، ولم يكن فرق بين التشهد الأوَّل والأخير.
قالوا: وأما ما استدللتم به من الأحاديث؛ فمع ضعفها بموسى بن عبيدة، وعمرو بن شمر، وجابر الجعفي، لا تدل، لأن المراد بالتشهد فيها هو الأخير، دون الأول، بما ذكرناه من الأدلة، والله أعلم.
__________
(1) الرُّضْف: هي الحجارة المحمَّاة بالنار أو الشمس، واحدتها: رَضْفة. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (4/ 125).
(2) في (ب) (لأنه).
(3) في (ظ) (هذه المواضع) وفي (ش) (في هذا المشروعة لشرع)، وهو خطأ.
(4) في (ظ) (هذه المواضع مشروعة لشرع فيها).

(1/427)


فصل الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – آخر القنوت
368 – استحبه الشافعي (1) ومن وافقه، واحتج لذلك بما رواه النسائي (2) عن محمد بن سلمة، حدثنا ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن علي، عن الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هؤلاء (3) الكلمات في الوتر، قال: “قل اللهم اهدني فيمن هديت، وبارك لي فيما أعطيت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، فإنك
__________
(1) انظر المجموع للنووي (3/ 499).
(2) في المجتبى (1746).
ورواه ابن أبي فديك عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي فذكره.
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (رقم 375)، والطبراني في الدعاء (735) وغيرهما.
وهذان الطريقان عن موسى بن عقبة خطأ.
والصواب ما رواه محمد بن جعفر عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي فذكره (ولم يذكر الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -).
أخرجه الطبراني في الدعاء (740)، والحاكم (3/ 172) (4801).
وعليه فزيادة جُمْلة (الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -) لا تصحّ، وممن ضعفها الحافظ ابن حجر حيث أعلَّها بالانقطاع، وبالاختلاف على موسى بن عقبة. انظر التلخيص (1/ 264 – 265).
(3) في (ب) (بهؤلاء) وسقط من (ح).

(1/428)


تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله على النبي”.
وهذا إنما هو في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياسًا، كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر.
369 – وقد رواه أبو إسحاق، عن بُرَيْد، عن (1) أبي الحَوْرَاء، قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلماتٍ أقولهن في الوتر. فذكره (2)، ولم يذكر فيه الصلاة.
370 – وهو مستحب في قنوت رمضان؛ قال ابن وهب (3): أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أنّ عبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريّ، وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال، قال: “إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاريّ فطاف في
__________
(1) وقع في (ظ، ح) (يزيد عن أبي الجوزاء) وهو خطأ، وفي (ش، ب) (أبي الجوزاء) وهو خطأ، وفي (ج) (يزيد عن أبي الجوازا) وهو خطأ.
(2) أخرجه أبو داوود (1425 و 1426)، وابن ماجه (1178)، وأحمد (1/ 200)، وابن خزيمة (2/ 1095)، والطبراني في الدعاء (741) وغيرهم، وهو حديث ثابت، إلا لفظة (في الوتر) فمختلف فيها، تكلَّم فيها ابن خزيمة في صحيحه. وقال: (ولست أعلمه ثابتًا ….. وأعلى خبر يُحفظ في القنوت في الوتر عن أُبيّ بن كعب في عهد عمر بن الخطاب موقوفًا أنهم كانوا يقنتون بعد النصف، يعني: من رمضان). ثم ساقه وسيأتي برقم (370).
(3) هو في الجزء المنسوب لموطئه رقم (302) مختصرًا، وابن خزيمة برقم (1100) مطولًا والبيهقي (2/ 493) مختصرًا. وسنده صحيح.

(1/429)


المسجد، وأهل المسجد أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرَّهْط، فقال عمر رضي الله عنه: والله إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك، وأمر أُبيَّ بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله، وقال: كانوا يلعنون الكفرة في النِّصف يقولون: اللهم قاتل الكفرة الذين يَصدُّون عن سبيلك، ويكذِّبون رسلك، ولا يؤمنون بوعْدِك وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرُّعْب، وألق عليهم رِجْزك وعذابك إله الحق. ثم يُصلِّي على النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: فكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة، وصلاته على النبي – صلى الله عليه وسلم -، واستغفاره للمؤمنين (1)، ومسألته: اللَّهُمّ إيَّاك نَعْبُد، ولَكَ نُصَلِّي ونَسْجُد، وإليك نَسْعى ونَحْفِد، ونَرْجُو رحْمَتك، ونَخَافُ (2) عذابَك الجدّ، إنَّ عذابك لمن عاديت مُلْحِق. ثم يكبر ويهوي ساجدًا”.
371 – وقال إسماعيل بن إسحاق (3): حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله
__________
(1) زيادة من ابن خزيمة (للمؤمنين والمؤمنات) وقد سقطت من جميع النسخ.
(2) في (ب) (نخشى عذابك، إنّ عاديت لمن عاديت ملحق) وهو خطأ.
(3) في فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – رقم (107) وغيره، وسنده صحيح.

(1/430)


ابن الحارث، أن أبا حليمة -معاذًا- كان يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – في القنوت.

فصل الموطن الرابع من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية
لا خلاف في مشروعيتها فيها، واختُلِف في تَوقُّف صِحّة الصلاة عليها، فقال الشافعي، وأحمد في المشهور (1) من مذهبهما (2): إنها واجبة في الصلاة، لا تصح إلا بها. ورواه البيهقي (3): عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة. وقال مالك (4)، وأبو حنيفة (5): تستحب وليست بواجبة، وهو وجه لأصحاب الشافعي.
والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة، ما روى الشافعي في:
372 – “مسنده”، أخبرنا مطرف بن مازن، عن معمر، عن
__________
(1) في (ب) (المشروع) وهو خطأ.
(2) انظر المجموع للنووي (5/ 235) والمغني لابن قدامه (3/ 412).
(3) في السنن الكبرى (4/ 40) وهو ثابت عن عبادة بن الصامت وغيره.
(4) انظر مواهب الجليل للحطَّاب (3/ 14 – 15).
(5) انظر البناية في شرح الهداية للعيني (3/ 252).

(1/431)


الزهري، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل؛ أنه أخبره رجل من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًّا في نفسه، ثم يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًّا في نفسه” (1).
373 – وقال إسماعيل بن إسحاق في كتاب “الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -” (2): حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر، عن الزهري، قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب، قال: “إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة، ثم يسلم في نفسه”.
وأبو أمامة هذا صحابي صغير، وقد رواه عن صحابي آخر كما ذكره (3) الشافعي.
374 – وقال صاحب “المغني” (4) رُوىَ (5) عن ابن عباس؛ أنه صلى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلى على النبي – صلى الله عليه وسلم -،
__________
(1) تقدم برقم (120)، وهو لا يصحُّ.
(2) رقم (94) وقد تقدم الكلام عليه رقم (121) وهو ثابت عنه.
(3) في (ب) (ذكر).
(4) (3/ 412).
(5) في (ظ، ت) (يُروى).

(1/432)


ثم دعا لصاحبه (1) فأحسن، ثم انصرف، وقال: “هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة” (2).
375 – وفي موطأ يحيى بن بكير (3)، حدثنا مالك بن أنس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه؛ أنه سأل أبا هريرة: كيف نصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أنا لعمر الله أخبرك، أتبعها من أهلها، فإذا وضعت كبرت، وحمدت الله تعالى، وصليت على نبيّه (4) – صلى الله عليه وسلم -، ثم أقول: “اللَّهُم إنه عبْدُك وابنُ عبدِك، وابنُ أمَتِك (5)، كان يشْهد أنْ لا إله إلَّا أنْت، وأنَّ محمّدًا عبدُك ورسولُك، وأنْت أعلمُ به، اللهُمّ إنْ كان محْسِنًا فَزِد في إحسانه، وإن كان مُسِيْئًا فتجاوز عن سَيِّئاته، اللَّهُمّ لا تَحْرِمْنا أجْره، ولا تَفْتِنَّا بَعْدَه”.
__________
(1) كذا في جميع النسخ، وفي المغني (3/ 412) (لصاحبها).
(2) * أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 512) رقم (1329) وغيره، وفي سنده لين، وله شاهد عند أحمد بن منيع في مسنده كما في المطالب العالية (5/ 397) وفيه انقطاع *.
وروي في بعض الطرق عن ابن عباس، بعد الفاتحة، زيادة: (وسورة) وفي ثبوتها نظر.
(3) الموطأ (1/ 228، رواية يحيى بن يحيى) وعبد الرزاق في المصنف (3/ 488) رقم (6425)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (93) وسنده صحيح.
(4) في (ح) (على النبي – صلى الله عليه وسلم -).
(5) سقط من (ب، ش).

(1/433)


376 – وقال أبو ذر الهروي (1): أخبرنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي، أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن رزين، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا أنس بن عياض، عن إسماعيل بن رافع، عن رجل، قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول: كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا أتي بجنازة استقبل الناس، وقال: يا أيها الناس، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -يقول: “لكل مائة أمة، ولم يجتمع مائة لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا أذهب (2) الله ذنوبه لهم، وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم، فاجتهدوا في الدعاء، ثم يستقبل القبلة، وإن كان رجلًا قام عند وسطه، وإن كانت (3) امرأة قام عند منكبها، ثم قال: اللهم عبدك وابن عبدك، أنت خلقته، وأنت هديته للإسلام، وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، جئنا شفعاء له، اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، فإنك ذو وفاءٍ وذو رحمة، أعذه من فتنة القبر، وعذاب جهنم، اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه سيئاته، اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه. قال: يقول هذا كلما كبر، وإذا كانت
__________
(1) أخرجه سحنون في المدونة الكبرى (1/ 159 – 160) عن أنس بن عياض به مثله، وأبو ذر الهروي، ومن طريقه النميري كما في القول البديع ص 197، وهو حديث منكر، وفي سنده: رجل مبهم، وانقطاع، وضعف إسماعيل بن رافع وهو المدني، وأما المتن ففيه ألفاظ ظاهرة النكارة.
(2) في (ظ، ت، ج) (وهب)، وفي (ح) (أوهب)، والمثبت من (ب، ش).
(3) في (ب) (كان) وهو خطأ.

(1/434)


التكبيرة الآخرة، قال مثل ذلك. ثم يقول: اللهم صل على محمد وبارك على محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على أسلافنا وأفراطنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ثم ينصرف.
قال إبراهيم: كان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز وفي المجلس، قال: وقيل له: أكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقف على القبر إذا فرغ منه؟ قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه، ثم قال: “اللهم نزل بك صاحبها وخلف الدنيا وراء ظهره، ونعم المنزول به، اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم نور له في قبره، وألحقه بنبيه – صلى الله عليه وسلم -، كلما ذكره” (1).
إذا تقرر هذا فالمستحب أن يُصَلَّى عليه – صلى الله عليه وسلم – في الجنازة كما يُصَلَّى عليه (2) في التشهد، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه.
وفي “مسائل عبد الله بن أحمد” (3) عن أبيه قال: “يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – ويصلي على الملائكة المقربين”.
قال القاضي (4): “فيقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين
__________
(1) في (ظ، ت) (ذكر)، والمثبت من (ب، ش).
(2) سقط من (ب) قوله (في الجنازة كما يصلَّى عليه).
(3) (2/ 469 – 470) رقم (655).
(4) انظر: المغني لابن قدامة (3/ 412).

(1/435)


وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين، إنك على كل شيءٍ قدير”.

فصل الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – في (1) الخُطَب: كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها
وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطبة، قال الشافعي (2) وأحمد (3) في المشهور من مذهبهما: لا تصح الخطبة إلا بالصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -، وقال أبو حنيفة (4) ومالك (5): تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد (6).
واحتج لوجوبها في الخطبة، بقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 1 – 4]،
__________
(1) زيادة من (ظ، ج)، وسقطت من (ب، ش).
(2) الأم (1/ 230).
(3) انظر: المغني (3/ 173 – 174).
(4) انظر: البناية (3/ 68).
(5) انظر: المعونة للقاضي عبد الوهاب (1/ 306).
(6) انظر: المغني (3/ 174).

(1/436)


77 – قال ابن عباس رضي الله عنهما (1): “رفع الله ذكره، فلا يذكر إلا ذكر معه”.
وفي هذا الدليل نظر؛ لأن ذكره – صلى الله عليه وسلم – مع ذكر ربه تبارك وتعالى هو الشهادة له – صلى الله عليه وسلم – بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب في الخطبة قطعًا، بل هو ركنها الأعظم.
378 – وقد روى أبو داود، وأحمد، وغيرهما (2): من حديث أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “كُلُّ خُطبَة لَيْسَ فيها تَشَهُّد فَهِيَ كاليَدِ الجَذْمَاء”، واليدُ الجذماء: المقطوعة. فمن أوجب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في الخطبة دون التشهد فقوله (3) في غاية الضعف.
379 – وقد روى (4) يونس، عن شيبان، عن قتادة: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]، قال: “رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله”.
__________
(1) تقدم برقم (315).
(2) أخرجه أبو داوود (4841)، وأحمد (2/ 302 و 343)، والترمذي (1106)، والبخاري في تاريخه (7/ 229)، وابن حبان (7/ 36 و 37) رقم (2796 و 2797) وغيرهم، وسنده صحيح.
(3) سقط من (ب).
(4) أخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في الدر (6/ 615)، وسنده صحيح، فإن عبد بن حميد يروي عن يونس بن محمد المؤدب هذا. وأخرجه الطبري في تفسيره (30/ 235) وغيره بنحوه.

(1/437)


380 – وقال عبد بن حميد (1): أخبرني عمرو بن عون، عن هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]، قال: “إذا ذكرت ذكرت معي، ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك معي (2) “.
381 – وقال عبد الرزاق (3): عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]، قال: “لا أُذْكَرُ إلا ذُكرتَ معى: الأذان، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله”.
فهذا (4) هو المراد من الآية، وكيف لا يجب التشهد الذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها، وتجب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها؟.
والدليل على مشروعية الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في الخطبة:
__________
(1) أخرجه عبد بن حميد في تفسيره. وفي سنده جويبر، ضعيف جدًا، وما رواه عن الضحاك: قال أحمد: “فهو على ذاك أيسر”. انظر: تهذيب الكمال (5/ 167 – 171).
(2) لفظة (معي) زيادة من تفسير عبد بن حميد كما في الدر (6/ 615) وسقطت من جميع النسخ.
(3) في تفسيره (2/ 309) رقم (3645)، والبيهفي في الكبرى (3/ 209) وغيرهما وسنده حسن.
(4) في (ب، ت، ش) (وهذا).

(1/438)


382 – ما رواه عبد الله بن أحمد (1): حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد، حدثني عون بن أبي جحيفة، كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني: أنه صعد المنبر – يعني عليًّا – رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال: “خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر. وقال: يجعل الله الخير حيث شاء” (2).
383 – وقال محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحميري، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، قال: سمعت أبي يذكر، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله؛ أنه كان يقول بعدما يفرغ من خطبة الصلاة، ويصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -: “اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان، أولئك هم الراشدون، اللهم بارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا،
__________
(1) وقع في جميع النسخ (حدثنا أبي) وهو خطأ، انظر المسند.
(2) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (1/ 106)، والبخاري في تاريخه معلقًا (3/ 180)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 197).
وقد وقع اختلاف في هذه اللفظة (وصلّى على النبي – صلى الله عليه وسلم -) وفي ثبوتها نظر، حيث خولف منصور بن أبي مزاحم، وخولف أيضًا خالد وهو ابن يزيد الزيات. انظر: تاريخ ابن عساكر (30/ 351 – 376) و (44/ 196 – 218).

(1/439)


وأزواجنا، وقلوبنا، وذرياتنا” (1).
384 – وروى الدارقطني (2): من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحضرمي، عن بَحِيْر (3) بن ذاخر المعافري، قال: “ركبت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة. فذكر حديثًا، وفيه: فقام عمرو بن العاص على المنبر فحمد الله وأثنى عليه حمدًا موجزًا، وصلى على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ووعظ الناس فأمرهم ونهاهم”.
385 – وفي الباب حديث ضَبَّة بن مِحْصن (4)؛ أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي – صلى الله عليه وسلم – دعا لعمر، فأنكر عليه ضَبَّة الدعاء لعمر قبل الدعاء لأبي بكر رضي الله عنهما، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال لضبة: “أنت أوفق منه وأرشد (5) “.
__________
(1) أخرجه النميري ومحمد بن الحسن بن جعفر الأسدي كما في القول البديع ص 192، فيه علي بن محمد بن هارون الحميري أبو الحسن، وهو ثقة، لكن ذهبت عامة كتبه وكان يحفظ عامة حديثه، وباقي رجاله ثقات. انظر: تاريخ بغداد (12/ 68 – 69)، ومحمد بن الحسن الأسدي، ينظر مَنْ هو.
(2) في المؤتلف والمختلف (2/ 1002 – 1005)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 98 – 99 مطولًا، وابن عساكر (46/ 161).
وسنده ضعيف، ابن لهيعة ضعيف، والراوي عنه إسحاق بن الفرات متكلم فيه، والأسود بن مالك: مجهول. انظر: الميزان (1/ 348).
(3) في جميع الأصول (يحيى) والتصويب من المؤتلف للدارقطني وغيره.
(4) في (ب) (محسن) وفي (ج) (محيص) وكلاهما خطأ، انظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (3/ 1461).
(5) أخرجه ابن بلبان المقدسي في تحفة الصِّديق في فضائل أبي بكر الصِّديق ص 124 – 126 طـ دار ابن كثير. وسنده ضعيف جدًا. فيه فُرات بن السائب =

(1/440)


فهذا دليل على أنّ الصَّلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في الخطب كان أمرًا مشهورًا معروفًا عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وأما وجوبها فلم نرَ فيه (1) دليلًا يجب المصير (إليه و) (2) إلى مثله. والله أعلم.

فصل الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة
386 – لما روى مسلم في “صحيحه” (3): من حديث عبد الله بن عمرو، أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إذا سَمِعْتُم المؤذِّنَ فقُولوا مِثْلَ ما يَقُولُ، ثم صَلُّوا عَلَيَّ، فإنّه مَنْ صَلَّى عَلَيَّ
__________
= قال البخاري: تركوه منكر الحديث. التاريخ الكبير (7/ 130). قلت: وقد جاء عند أبي عبيد في الأموال (325) وابن زنجويه (504) عن ضبَّة قال: شاكيت أبا موسى في بعض ما يشاكي الرجل أميره .. فذكره مختصرًا – قال أبو عبيد: في حديث طويل ذكره. قلت: إن كان في هذا الحديث الطويل -الذي اختصره أبو عبيد- هذا الأثر (385) فالسند لا بأس به، وإلا فالأثر ضعيف جدًا كما تقدم، وضبَّة بن محصن هو العَنَزِي البصري تابعي ثقة. انظر: تهذيب الكمال (13/ 255)، والقول البديع للسخاوي ص 193.
(1) من القول البديع للسخاوي ص 193 قوله (فلم نرَ فيه دليلًا … ) حيث نقله عن ابن القيم. وفي جميع النسخ (وأما وجوبها فنعتمد (فيعتمد) دليلًا … ).
(2) من (ظ) فقط قوله (إليه و).
(3) في (4) الصلاة رقم (384).

(1/441)


صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَليْه بهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيْلَة، فإِنَّها مَنْزِلةٌ فِي الجَنَّة لا تنبَغِي إلَّا لعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله تعالى، وأرْجُو أنْ أكُوْنَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سألَ (1) لِيَ الوَسِيْلة حَلَّتْ عَلَيْه الشَّفَاعَة” (2).
387 – وقال الحسن بن عرفة: حدثني محمد بن يزيد الواسطي، عن العوام بن حوشب (3)، حدثنا منصور بن زاذان، عن الحسن قال: “من قال مثل ما يقول المؤذن، فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمدٍ عبدك ورسولك، وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة؛ دخل في شفاعة محمد – صلى الله عليه وسلم – (4) “.
388 – وقال يوسف بن أسباط (5): بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صل على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا من الحور العين. قلن الحور العين: ما أزهدك فينا”.
__________
(1) في (ظ، ح، ت، ج) (سأل الله لي … ) ولم ترد في (ب، ش) ولا في مسلم، لفظ الجلالة (الله).
(2) من (ب، ظ، ش) ومسلم، ووقع في (ح) (شفاعتي).
(3) في (ب، ش) (حريث) وهو خطأ.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 206) رقم (2365).
من طريق أبي حمزة واسمه ميمون عن الحسن فذكره نحوه.
وميمون هو الأعور القصاب الكوفي ضعيف، لكنه توبع كما ذكر المؤلف.
(5) أخرجه أبو القاسم التيمي الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 208) رقم (289). وهو مقطوع لا يصح.

(1/442)


وفي إجابة المؤذن خمس سنن عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قد اشتمل حديث عبد الله بن عمرو على ثلاثة منها، والرابعة: أن يقول
389 – ما رواه مسلم (1): عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: “مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ المؤذِّن: أشْهَدُ أنْ لا إلَه إلَّا الله وحْدَه لا شَرِيْك لَه، وأنَّ مُحمَّدًا عبْدُهُ ورسوْلُهُ، رَضِيْتُ بالله ربًّا، وبمُحمَّدٍ رَسُولًا، وبالإسْلامِ دِيْنًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبَه”.
والخامسة: أن يدعو الله بعد إجابة المؤذن، وصلاته على رسوله، وسؤاله له الوسيلة، لما في “سنن أبي داود، والنسائي” (2)، من حديث عبد الله بن عمرو (3)؛ أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن (4) المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
390 – “قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل (5) تعطه”.
__________
(1) في صحيحه (4) الصلاة رقم (386).
(2) أخرجه أبو داود (524)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (44)، وأحمد (2/ 172)، وابن حبان (4/ 593) رقم (1695) وغيرهم.
والحديث تفرد به حُييّ بن عبد الله المعافري أبو عبد الله المصري – قال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال البخاري: فيه نظر. انظر: تهذيب الكمال (7/ 488 – 490).
(3) في (ظ، ب) (عمر) وهو خطأ.
(4) سقط من (ب).
(5) فى (ظ، ت، ج) (فاسأل).

(1/443)


391 – وفي “المسند” (1): من حديث جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة، والصلاة النافعة، صل على محمدٍ وارض عنه رضى لا سخط بعده، استجاب الله له دعوته”.
392 – وفي “المستدرك” للحاكم (2): من حديث أبي أمامة؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا سمع الأذان قال: “اللهم رب هذه الدعوة الصادقة المستجابة (3) المستجاب لها، دعوة الحق، وكلمة التقوى، توفني عليها (4)؛ وأحيني (5) عليها، واجعلني من صالح أهلها عملًا يوم القيامة”.
فهذه خمسة وعشرون سُنَّة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها
__________
(1) (3/ 337)، وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (96). وسنده ضعيف، تفرد به ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(2) (1/ 546 – 547) رقم (2004)، والطبراني في الدعاء (1/ رقم 458) وغيرهما، وهو حديث باطل، فيه عفير بن معدان الحضرمي الحمصي، قال أبو حاتم: “هو ضعيف الحديث يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بالمناكير، ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته” الجرح (7/ 36).
(3) من المستدرك للحاكم، وسقط من (ظ، ت، ج) (الصادقة المستجابة) وسقط من بقية النسخ (الصادقة) فقط.
(4) في المستدرك المطبوع ( … أحينا عليها وأمتنا عليها، وابعثنا عليها، واجعلنا من خيار أهلها أحياء وأمواتًا ثم يسأل الله حاجته).
(5) سقط من (ب).

(1/444)


إلا السابقون (1).
فصل الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند الدعاء
وله ثلاث مراتب:
إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء، وبعد حمد الله تعالى.
والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره.
والثالثة: أن يصلي عليه في أوله (2) وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما.
393 – فأما المرتبة الأولى: فالدليل عليها حديث فضالة بن عبيد (3)، وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – فيه: “إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم ليدع بَعْدُ (4) بما شاء” وقد تقدم.
__________
(1) جاء في حاشية (ب) ما نصه: (لأن الأذان في كل يوم وليلة خمس مرات، في كل أذان خمس سنن، فالمجموع خمس وعشرون سنة).
(2) في (ب) (في أول الدعاء وآخره).
(3) تقدم برقم (44).
(4) سقط من (ظ، ت، ج) قوله (بعْدُ).

(1/445)


394 – وقال الترمذي (1): حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله، قال: كنت أصلي والنبي – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “سل تعطه، سل تعطه (2) “.
395 – وقال عبد الرزاق (3): أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: “إذا أراد أحدكم أن يسأل فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو أهله؛ ثم يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم يسأل بعد، فإنه أجدر أن ينجح أو يصيب”.
ورواه شريك: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، نحوه (4).
396 – وأما المرتبة الثانية: فقال عبد الرزاق (5): عن الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن
__________
(1) رقم (593)، وأحمد (1/ 7، 445، 454)، وابن ماجه (138) مختصرًا، وابن حبان (7067)، والطبراني (9/ 62) وغيرهم: * والحديث صححه الترمذي والبزار وابن حبان والضياء في المختارة *.
(2) من الترمذي، وقد سقط من جميع النسخ جملة (سَلْ تُعْطه) الأخرى.
(3) في مصنفه (10/ 441) رقم (19642)، وفي سنده انقطاع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
(4) لم أقف عليه، فإن كان شريك حفظه، فهو ثابت عن ابن مسعود.
(5) في مصنفه (2/ رقم (3117). وهو لا يثبت وقد تقدم برقم (13).

(1/446)


جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا تجعلوني كقدح الراكب -فذكر الحديث- وقال: “اجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره”.
397 – وقد تقدم حديث علي (1): “ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلي على محمد – صلى الله عليه وسلم -، فإذا صلى على النبي – صلى الله عليه وسلم – انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يستجب الدعاء”.
398 – وتقدم قول عمر رضي الله عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك – صلى الله عليه وسلم -.
399 – وقال أحمد بن علي بن شعيب: حدثنا محمد بن حفص، حدثنا الجراح بن يحيى، حدثني عمرو (2) بن عمرو، قال: سمعت عبد الله بن بسر (3) يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (4): “الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل، وصلاة على النبي
__________
(1) وهو ضعيف جدًا، تقدم برقم 102 و 103، وحديث عمر الآتي برقم (64).
(2) كذا في جميع النسخ، والبخاري في تاريخه (6/ 358)، وبعض نسخ المسند، وابن منده في الكنى (1742). وجاء عند ابن أبي حاتم والدولابي وغيرهما (عُمر). تعجيل المنفعة (2/ 70).
(3) في (ب، ت، ش، ج) (بشر).
(4) أخرجه * الذهبي في السير (117/ 114)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1026) وقال في السير: “إسناده مظلم”. وفي التذكرة: “هذا حديث منكر” *.

(1/447)


– صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو يستجاب لدعائه” (1).
وعمرو بن عمرو هذا هو الأحْمُوْسِي، له عن عبد الله بن بسر (2) حديثان، هذا أحدهما.
400 – والآخر رواه الطبراني في “معجمه الكبير” (3) عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من استفتح أول نهاره بخير وختمة بالخير؛ قال الله عز وجل لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذلك من الذنوب”.
والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – للدعاء بمنزلة (4) الفاتحة من الصلاة.
وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها أمام الدعاء، فمفتاح (5) الدعاء الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، كما أن مفتاح الصلاة الطهور، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
وقال أحمد بن أبي الحواري (6): سمعت أبا سليمان الداراني يقول: “من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم –
__________
(1) في (ب، ش) (الدعاء به).
(2) في (ظ، ت، ج) (بشر) وهو خطأ.
(3) ليس في المطبوع، والضياء في المختارة (9/ 82) رقم (65) من طريق الطبراني. وأبو نعيم في المعرفة (3/ 1596) رقم (4023) من طريق آخر. لكنه واهٍ. والحديث منكر، كما قال الذهبي في الحديث السابق، وعلَّته الجراح بن يحيى.
(4) في (ح) (مثل).
(5) في (ب) (فمفتاح الصلاة الدعاء).
(6) في (ظ، ت) (وقال أخبرني أحمد بن … ) وفي (ش، ظ) (الحوارا).

(1/448)


وليسأل حاجته، وليختم بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فإن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – مقبولة، والله أكرم أن يرد ما بينهما” (1).

فصل الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – عند دخول المسجد وعند الخروج منه
401 – لما روى ابن خزيمة في “صحيحه” (2)، وأبو حاتم (3) بن حبان: عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي – صلى الله عليه وسلم -، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي – صلى الله عليه وسلم – وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم”.
402 – وفي “المسند” (4) والترمذي، و”سنن ابن ماجه”: من حديث فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى، قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل المسجد قال: “اللهم صل على محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك” وإذا خرج قال مثلها، إلا أنه يقول. “أبواب فضلك”، ولفط الترمذي: “كان
__________
(1) أخرجه النميري كما في القول البديع ص (222).
(2) (1/ رقم 452).
(3) في صحيحه (5/ 395 – 396) رقم (2047 و 2050)، وقد تقدم الكلام عليه وبيان أنه معلول برقم (29).
(4) تقدم الكلام عليه رقم (98، 99) وهو لا يثبت، لانقطاعه.

(1/449)


رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل المسجد صلى على محمدٍ وسلم”.
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث.

فصل الموطن التاسع من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – على الصفا والمروة
403 – لما روى إسماعيل بن إسحاق في كتابه (1): حدثنا هدبة، حدثنا همام بن يحيى، حدثنا نافع؛ أن ابن (2) عمر رضي الله عنهما كان يُكبِّر على الصَّفا ثَلاثًا، يقول: “لاَ إله إلّا الله وحْدَه لا شَرِيْك لَه، لَه المُلْك ولَه الحَمْدُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْر، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، ثم يَدْعُو، ويُطِيْل القِيَام والدُّعَاء، ثُمَّ يَفْعَلُ على المَرْوَة مِثْل ذلك”. وهذا من توابع الدعاء أيضًا.
404 – وروى جعفر بن عون (3)، عن زكريا، عن الشعبي، عن
__________
(1) فضل الصلاة رقم (87)، ومحمد بن الحسن في الموطأ رقم (474)، وابن أبي شيبة (6/ 83 – 84) رقم (29630)، والبيهقي في الكبرى (5/ 94)، وسنده صحيح.
(2) وقع في فضل الصلاة (أن عمر) وفي (ج) (رافع بن عمر) وكلاهما خطأ.
(3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (81)، وابن أبي شيبة (6/ 83) رقم (29629)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 222) رقم (1397) وغيرهم، وسنده صحيح.
قال السخاوي: وإسناده قوي، وصححه شيخنا. القول البديع ص 199.

(1/450)


وهب بن الأجدع، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس بمكة يقول: “إذا قَدِم الرَّجُل مِنْكم حَاجًّا فلْيَطُفْ بالبيتِ سَبْعًا، ولْيُصَلِّ عند المَقَامِ ركْعتَيْن، ثم يَسْتَلم الحَجَر الأسْود، ثم يَبْدأُ بالصَّفَا، فَيقُوم عليها ويَسْتَقْبِل البَيْت فَيُكَبِّر سَبْع تَكْبيرات بَيْن كل تكْبيرتَيْنِ حَمْد الله عَزّ وجَلّ وثناءٌ عليه عزَّ وجلَّ، وصَلاة عَلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، ومَسْألة لِنَفْسِه، وعلى المَرْوة مثل ذلك”.
رواه أبو ذر (1): عن زاهر (2)، عن محمد بن المسيب، عن عبد الله بن خُبَيْق (3)، عن جعفر، ورواه البزار عن عبد الله بن سليمان، عن عبد الله بن محمد بن المسور، عن سفيان، عن (4) مسعر، عن فراس، عن الشعبي، عن وهب، به.
__________
(1) الهروي في المناسك، كما في القِرى لقاصد أم القرى، للمحب الطبري ص 367.
(2) من (ب، ش، ت، ظ، ج) ووقع في (ح) (زاهد) وهو خطأ. انظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (3/ 1166).
(3) في (ب، ش) (حقيق) وهو خطأ، وفي (ت، ج) (حَبيق)، وفي (ظ) غير منقوطة. انظر: الجرح والتعديل (5/ 46)، وتكملة الإكمال لابن نقطة (2/ 398).
(4) من (ح، ب، ش) وفي (ظ، ج) (سفيان بن مسعود) وهو خطأ، وفي (ت) (سفيان بن مسعر) وهو خطأ صوابه (عن مسعر). وجاء في طبعة (مش) (سفيان بن سعيد عن فراس) وهو خطأ، فإن عبد الله بن محمد هو ابن المسور بن مخرمة، وسفيان هو ابن عيينة، ومسعر هو ابن كدام. انظر: تهذيب الكمال (11/ 183) و (16/ 69).

(1/451)


فصل الموطن العاشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند اجتماع القوم قبل تفرقهم
وقد تقدمت الأحاديث بذلك عن النبي من غير وجه، أنه قال:
405 – “ما جلس قوم مجلسًا ثم تفرقوا، ولم يذكروا الله، ولم يصلوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا كان عليهم من الله ترة، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم”، رواه ابن حبان في “صحيحه” والحاكم، وغيرهما (1).
406 – وقد روى عبد الله بن إدريس الأودي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: “زَيِّنُوا مَجَالسَكم بالصَّلاة على النَّبي – صلى الله عليه وسلم -، وبِذِكْر (2) عمر بن الخطاب رضي الله عنه” (3).
__________
(1) تقدم برقم (20)، وهو ثابت، إلَّا جملة (إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم).
(2) من (ت) ووقع في باقي النسخ (ويُذكر عن عمر .. )، والصواب ما أثبته كما في مصدري التخريج.
(3) أخرجه الخطيب فى تاريخه (7/ 216)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 380) * قال الذهبي: “هذا منكر موقوف”. الميزان (2/ 295) *.

(1/452)


فصل الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند ذكره
وقد اختلف في وجوبها كُلَّما ذُكِر اسمه – صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو جعفر الطحاوي (1)، وأبو عبد الله (2) الحَلِيْمي (3): تجب الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – كلما ذكر اسمه. وقال غيرهما: إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه.
ثم اختلفوا (4)؛ فقالت فرقة: تجب الصلاة عليه في العُمُرِ مَرَّةً واحدةً، لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارًا، والماهية تحصل بمرة، وهذا محكي عن أبي حنيفة، ومالك، والثوري، والأوزاعي (5). وقال عياض (6) وابن عبد البر (7): وهو قول جمهور الأمّة.
وقالت فرقة: بل تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير كما
__________
(1) نقله عنه العيني في البناية شرح الهداية (2/ 321).
(2) في (ح) (عبيد الله) وهو خطأ.
(3) انظر: الجامع لشعب الايمان (4/ 183).
(4) في (ب) إضافة (الماهية) بعد (اختلفوا).
(5) انظر: تفسير القرطبي (14/ 232 – 333)، والبناية شرح الهداية (2/ 320)، والحاوي الكبير للماوردي (2/ 137).
(6) في الشفا (2/ 61 – 63).
(7) في التمهيد (16/ 191).

(1/453)


تقدم، وهو قول الشافعي، وأحمد في آخر الروايتين عنه، وغيرهما.
وقالت فرقة: الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب، لا أمر إيجاب، وهذا قول ابن جرير وطائفة، وادعى ابن جرير فيه الإجماع (1). وهذا على أصله، فإنه إذا رأى الأكثرين على قول، جعله إجماعًا يجب اتباعه، والمقدمتان هنا باطلتان.
واحتج الموجبون بحجج:
407 – الحجة الأولى: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي (2) – صلى الله عليه وسلم -: “رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي”، صححه الحاكم وحسنه الترمذي.
ورغم أنفه: دعاء عليه وذم له، وتارك المستحب لا يذم، ولا يدعى عليه.
408 – الحجة الثانية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ أنه صعد المنبر فقال: “آمين، آمين، آمين” فذكر الحديث المتقدم في أول الكتاب وقال فيه: “من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين”، رواه ابن حبان في “صحيحه” (3).
__________
(1) في تهذيب الآثار ص (224 – 229 في القسم المفقود).
(2) تقدم برقم (25). تنبيه: سقط من (ب) من قوله (رغم أنف رجل) إلى قوله (عن النبي – صلى الله عليه وسلم -).
(3) تقدم برقم (26)، ولفظة (فمات فدخل النار .. ) غريبة جدًا.

(1/454)


وقد تقدمت الأحاديث في هذا المعنى من رواية أبي هريرة (1)، وجابر بن سمرة (2)، وكعب بن عجرة (3)، ومالك بن الحويرث (4)، وأنس بن مالك (5)، وكل منها حجة مستقلة، ولا ريب أن الحديث بتلك الطرق (6) المتعددة يُفِيْدُ الصِّحَّة.
409 – الحجة الثالثة: ما رواه النسائي (7): عن محمد بن المثنى، عن أبي داود، عن المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من ذكرت عنده فليصل علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرًا – صلى الله عليه وسلم -“.
وهذا إسناد صحيح، والأمْرُ ظاهِرُهُ (8) الوجوب.
410 – الحجة الرابعة: ما رواه ابن حبان في “صحيحه” (9): من حديث عبد الله بن علي بن حسين، عن علي بن حسين، عن
__________
(1) تقدم برقم (27).
(2) تقدم برقم (122).
(3) تقدم برقم (3).
(4) تقدم برقم (123).
(5) تقدم برقم (51).
(6) سقط من (ب، ش).
(7) تقدم تخريجه رقم (47)، وعلَّته الانقطاع؛ لأن أبا إسحاق لم يسمع من أنس.
(8) من (ظ) وفي باقي النسخ (ظاهر في الوجوب).
(9) تقدم برقم (94).

(1/455)


أبيه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي”، ورواه الحاكم في “صحيحه”، والنسائي والترمذي. قال ابن حبان: “هذا أشبه شيء روي عن الحسين بن علي، وكان الحسين رضي الله عنه حين قُبضَ النبي – صلى الله عليه وسلم – ابن سبع سنين إلا أشهرًا (1)، وذلك أنه ولد لليال خلون من شعبان سنة أربع، وابن (2) ست سنين وأشهرًا، إذا كانت لغته عربية (3) يحفظ الشيء بعد الشيء”.
وقد تقدمت الأحاديث في هذا المعنى والكلام عليها.
411 – قال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا الحارث ابن محمد، حدثنا عبيد الله بن عائشة (4)، حدثنا حماد، عن أبي الهلال العنزي، قال: حدثني رجل في مسجد دمشق، عن عوف بن مالك الأشجعي؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قعد إلى أبي ذر (5)، أو قعد أبو ذر -فذكر حديثًا طويلًا- وفيه: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن أبخل الناس من ذكرت عنده، فلم يصل علي” (6).
412 – وقال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا
__________
(1) في (ش) (شهرًا).
(2) في (ب) (فابن).
(3) من (ب)، وفي باقي النسخ (العربية)، وسقط من (ج) (الشيء) الثانية.
(4) في (ب، ش) (عامر).
(5) سقط من (ح)، قوله (إلى أبي ذر).
(6) تقدم برقم (133).

(1/456)


جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلم يصل علي” (1).
413 – وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم، عن أبي حرّة، عن الحسن، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “كفى به شحًّا أن أذكر عنده فلا يصلي علي – صلى الله عليه وسلم -” (2).
قالوا: فإذا (3) ثبت أنه بخيل فوجه الدلالة له من وجهين:
أحدهما: أنّ البُخْل اسم ذمٍّ، وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم. قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد: 23 – 24]، فقُرِنَ البُخل بالاختيال والفخر، والأمْرِ بالبخل، وذَمَّ على المجموع، فدلَّ على أن البخل صفة ذمٍّ، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -:
414 – “وأيُّ دَاءٍ أدْوَأُ مِنَ البُخْلِ” (4).
الثاني: أن البخيل هو: مانع ما وجب عليه. فمن أدَّى الواجب عليه كله لم يُسَمَّ بخيلًا، وإنما البخيل مانع ما يستحق عليه إعطاؤه وبذله.
__________
(1) تقدم برقم (150).
(2) تقدم برقم (151).
(3) في (ظ، ت، ج) (فأثبت أنه بخيل فوجه الدلالة من وجهين:).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه في (61) الخمس (2968) واللفظ له، ومسلم في (43) الفضائل (2314) ولم يذكر هذه اللفظة.
من حديث جابر بن عبد الله، وله طرق أخرى عن جابر.

(1/457)


الحجة الخامسة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلاة والتسليم عليه، والأمر المطلق للتكرار، ولا يمكن أن يقال: التكرار هو في كل وقت (1)، فإن الأوامر المُكَرَّرَة إنما تَتكرَّرُ في أوقاتٍ خاصَّة، أو عند شروط وأسباب تقتضي تكرارها، وليس وقت أولى من وقت؛ فتكرر المأمور به (2) بتكرر ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – أولى لما تقدم من النصوص.
فهنا ثلاث مقدمات:
الأولى: أن الصلاة مأمور بها أمرًا مطلقًا، وهذه معلومة.
المقدمة الثانية: أن الأمر المطلق يقتضي التكرار، وهذا مختلف فيه، فنفاه طائفة من الفقهاء والأصوليين، وأثبته طائفة، وفَرَّقت طائفة بين الأمر المُطْلق، والمعلَّق على شرط أو وقْتٍ، فأثبتت التِّكْرار في المعلَّق دون المطلق، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد والشافعي، وغيرهما (3). ورجَّحت هذه الطائفة التكرار بأنَّ عامَّة أوامر الشَّرع على التِّكرار، كقوله تعالى: {آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136]، {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}
__________
(1) في (ب، ش) (وقتٍ وقت).
(2) من (ت) قوله (به) وسقط من بقية النسخ، ووقع في (ح) (بتكرار ذكر … ).
(3) انظر الكلام في ذلك: أصول السرخسي (1/ 21 – 25)، والإبهاج شرح المنهاج للسبكي وولده (2/ 54 – 56)، وإحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي ص 89 – 96، والفصول في الأصول للجصاص (2/ 133 – 144)، وإرشاد الفحول للشوكاني ص 187، وقواطع الأدلة للسمعاني (1/ 65 – 75) وغيرها.

(1/458)


[البقرة: 208]، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: 194]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 200]، وقوله تعالى: {وَخَافُونِ} [آل عمران: 175]، {وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150]، {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ} [الحج: 78] , {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91]، {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34]، وقوله تعالى في اليتامى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5]، وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} إلى قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، وقوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153]، وقوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152]، وقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]. وذلك في القرآن أكثر من أن يُحْصَر، وإذا كانت أوامر الله عز وجل ورسوله – صلى الله عليه وسلم – على التكرار حيث وردت إلا في النادر، عُلِم أن هذا عُرْف خطاب الله ورسوله للأمة، والأمر وإن لم يكن في لفظه المُجَرَّد ما يؤذِن بتكرار ولا فوْر، فلا ريب أنه في عُرْف خِطَاب الشَّارع (1) للتكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عُرْفِهِ والمألوف من
__________
(1) في (ب) (التنازع) وهو خطأ، وسيتكرَّر هذا الخطأ في موضعين آتيين.

(1/459)


خطابه؛ وإن لم يكن ذلك مفهومًا من أصْل الوضْع (1) في اللُّغة، وهذا كما قلنا: إنَّ الأمْر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد. فإن هذا معلوم من خطاب الشارع، وإن كان لا تَعرُّض لصحَّة (2) المنْهيِّ ولا لفَسَاده (3) في أصل موضوع اللغة. وكذا خطاب الشارع لواحد من الأمة يقتضي بعُرْفه (4) الخاص أن يكون اللفظ متناولًا له، ولأمثاله (5)، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك، فإن هذا لغة صاحب الشرْع وعُرْفه في مصادر كلامه وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يُعْلم (6) صحَّة القياس واعتباره وشروطه، وهكذا فالفرق بين اقتضاء اللفظ، وعدم اقتضائه الغة، وبين اقتضائه) (7) في عرف الشارع وعادة خطابه.
المقدمة الثالثة: أنه (8) إذا تكرر المأمور به، فإنه لا يتكرر إلا بسبب أو وقت، وأولى الأسباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه – صلى الله عليه وسلم -، لإخباره برغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه، وللإسْجَال (9) عليه
__________
(1) في (ب) (اللفظ).
(2) في (ب، ش، ج) (بصحة).
(3) في (ش، ظ، ت، ج) (ولا فساده).
(4) من (ب)، وفي باقي النسخ (معرفة).
(5) ليس في (ب).
(6) في (ب) (تعلُّم).
(7) سقط من (ب) ما بين القوسين.
(8) ليس في (ب، ش، ج) (أنه)، وسقط من (ج) (المقدمة).
(9) أصْل السَّجْل، الدلو العظيم، والمراد: صبّ عليه البخل صبًّا. انظر: أساس =

(1/460)


بالبخل وإعطائه اسمه.
قالوا: ومما يُؤيِّد ذلك أن الله سبحانه أمَرَ عباده المؤمنين بالصَّلاة عليه عَقِب إخباره لهم بأنه سبحانه وملائكته يصلون عليه (1) ومعلوم أن هذه الصلاة من الله تعالى وملائكته عليه – صلى الله عليه وسلم – (2) لم تكن مرَّة وانقطعت، بل هي صلاة متكررة، ولهذا ذَكَرها مُبيِّنًا بها فضله وشرفه وعلو منزلته عنده، ثم أمر (3) المؤمنين بها، فتكرارها في حقِّهم أحقّ وآكد لأجْل الأمْر.
قالوا: ولأن الله تعالى أكَّد السَّلام بالمصْدر الذي هو التَّسْلِيْم، وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كِمِّيَّتِهِ، وذلك بالتكرار.
قالوا: ولأن لفظ الفعل المأمور به يدلُّ على التَّكْثيْر، وهو (4) “صلَّى وسَلَّم” فإن “فَعَّل” المشدَّد يدل على تكرار الفعل، كقولك: كَسَّر الخبز، وقطَّعَ اللحم، وعلَّم الخير، وشدَّد في كذا، ونحوه.
قالوا: ولأن الأمر بالصلاة عليه في مُقابلة (5) إحسانه – صلى الله عليه وسلم – إلى الأمَّة، وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم، وما حصل لهم ببركته من سعادة الدنيا والآخرة، ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا
__________
= البلاغة للزمخشري ص 203. تنبيه: في (ج) (والاسجال).
(1) سقط من (ش) (عليه).
(2) سقط من (ح) من قوله (ومعلوم) إلى (صلى الله عليه وسلم).
(3) في (ب) (أمره).
(4) في (ب) (وهو التكرير صلَّى وسلَّم).
(5) في (ح) (مقابل).

(1/461)


يحصل بالصَّلاة عليه مرة واحدة في العُمُر، بل لو صلَّى العبد عليه بِعَدَدِ أنْفَاسِه لم يكن مُوَفِّيًّا لحقه ولا مؤدِّيًا لنعمته، فجعل ضابط شكر هذه النعمة بالصلاة عليه عند ذكر اسمه – صلى الله عليه وسلم -.
قالوا: ولهذا أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلك بتسْميةِ (1) من لم يُصَلِّ عليه عند ذكره بخيلًا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له به هذا (2) الخير الجسيم، ثم يُذكَرُ عنده ولا يثني عليه، ولا يبالغ في حمده (3) ومدحه وتمجيده، ويبدي ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره وحقه؛ عَدَّه الناس بخيلًا لَئِيْمًا كَفُورًا، فكيف بمن أدْنى إحسانه إلى العبد يَزِيْدُ على أعظم إحسان المخلوقين بعضهم لبعض، الذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجا من شرِّ الدنيا والآخرة، الذي لا تَتَصوَّر القلوبُ حقيقةَ (4) نعمته وإحسانه، فضلًا عن أن يقوم بشكره، أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يُعظَّم ويُثْنَى عليه، ويُسْتفْرَغَ الوُسْع في حمده ومدحه إذا ذُكر بين الملأ؟ فلا أقلَّ من أنْ يُصَلَّى عليه مرَّةً إذا ذكر اسمه – صلى الله عليه وسلم -.
قالوا: ولهذا دعا عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – برغم أنفه، وهو أن يُلْصَقَ أنفه بالرّغام وهو التُّراب، لأنه لما ذكر عنده فلم يصل عليه استحق
__________
(1) في (ح) (بتسميته).
(2) سقط من (ب) (هذا).
(3) في (ب، ش) (في مدحه وحمده).
(4) في (ظ، ت) (حقيقته)، وفي (ج) (الذي لا يتصور حقيقة نعمته).

(1/462)


أن يذلَّه الله، ويلصق أنفه بالتُّراب.
وقالوا: ولأن الله سبحانه نهى الأُمَّة أن يجعلوا دعاءَ الرسول بينهم كدُعاء بعضهم بعضًا، فلا يُسمُّونه إذا خاطبوه باسمه كما يسمي بعضهم بعضًا، بل يدعوه (1) برسول الله ونبي الله، وهذا من تمام تَعْزِيره وتَوْقِيره وتعْظِيمه، فهكذا ينبغي أن يُخَصَّ باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فَرْقًا بينه وبين ذِكْر غيره، كما كان الأمر بدعائه بالرسول والنبي فَرْقًا بينه وبين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا تجب الصلاة عليه كان ذكره كذكر غيره في ذلك. هذا على أحد التفسيرين في الآية.
وأما على التفسير الآخر، وهو أن المعنى لا تجعلوا دُعاءَه إِيَّاكُم كدعاء بعضكم بعضًا، فتؤخِّرُوا الإجابة بالاعتذار والعلل التي يؤخِّر بها بعضكم إجابة بعض، ولكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة، ومعاجلة الطاعة، حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرًا لهم في التخلف عن إجابته، والمبادرة إلى طاعته، فإذا لم تكن الصلاة التي فيها شغل عذرًا يستباح به (2) تأخير إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار؟ فعلى هذا يكون المصدر مضافًا إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافًا إلى المفعول.
وقد يقال -وهو أحسن من القولين-: إنَّ المصدر هنا لم
__________
(1) في (ح) (بل يدعونه).
(2) في (ح) (بها) وهو خطأ.

(1/463)


يضف إضافته إلى فاعل ولا مفعول، وإنما أُضيف إضافة الأسماء المَحْضَة، ويكون المعنى: لا تجعلوا الدعاء المُتَعلِّق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضًا. وعلى هذا فيعُم الأمْرَين معًا، ويكون النهي عن دعائهم له باسمه، كما يدعو بعضهم بعضًا، وعن تأخير إجابته – صلى الله عليه وسلم -. وعلى كل تقدير فكما أمر الله سبحانه بأن يُمَيَّز عن غيره في خطابه، ودعائه إياهم، قيامًا للأُمَّة بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلاله، فتمييزه بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود (1).
قالوا: وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خَطِئَ طريق الجنة، هكذا رواه البيهقي (2)، وهو من مراسيل محمد بن الحنفية، وله شواهد قد ذكرناها في أول الكتاب (3)، فلولا أن الصلاة عليه واجبةٌ عند ذكره لم يكن تاركها (4) مخطئًا لطريق (5) الجنة.
قالوا: وأيضًا فمن ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – أو ذكر عنده فلم يصل عليه فقد جفاه، ولا يجوز لمسلم جفاؤه – صلى الله عليه وسلم -.
415 – فالدليل على المقدمة الأولى ما رواه أبو (6) سعيد بن
__________
(1) في (ت، ظ، ج) (من تمام الصلاة).
(2) تقدم برقم (157)، وراجع رقم (156).
(3) راجع رقم (27، 47، 87، 155، 157).
(4) في (ب) (لم تكن تاركًا) وهو خطأ.
(5) في (ب) (بطريق).
(6) سقط من (ح) (أبو).

(1/464)


الأعرابي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي” – صلى الله عليه وسلم – (1). ولو تركنا وهذا المُرْسَل وحْده لم نحتجّ به، ولكن له أصول وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلًا وشحيحًا، والدعاء عليه بالرغم، وهذا من موجبات جفائه.
والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءَه منافٍ لكمال حُبِّه، وتقديم محبته على النفس والأهل والمال، وأنه أولى بالمؤمن من نفسه؛ فإن العبد لا يؤمن (2) حتى يكون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحب إليه من نفسه، ومن ولده، ووالده، والناس أجمعين، كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال:
416 – يا رسول الله! والله لأنْتَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ كلِّ شيءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي. قال: “لاَ يَا عُمَر! حَتَّى أكُوْنَ أحَبَّ إليكَ مِنْ نَفْسِك”. قال: فَوَالله لأنْتَ الآنَ أحَبُّ إليَّ مِنْ نَفْسِي. قال: “الآنَ يَا عُمَر” (3).
417 – وثبت عنه في “الصحيح” (4) أنه قال: “لا يُؤْمِنُ أحَدُكُم
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه كما في كنز العمال (1/ 491) رقم (2156) والموجود في المطبوع (عن محمد بن على أبي جعفر مرسلًا، المصنف (2/ 217).
(2) (سقط من (ب، ج) (لا يؤمن)، ووقع في (ب) (فإن المؤمن).
(3) أخرجه البخاري في (86) الأيمان والنذور (6257) من حديث عبد الله بن هشام رضي الله عنه.
(4) أخرجه البخاري في (2) الإيمان رقم (15)، ومسلم في (1) الإيمان رقم =

(1/465)


حتى أكُونَ أحبَّ إليْه مِن ولَدِه ووالدِه والنَّاسِ أجْمَعِيْن”.
فذكر في هذا الحديث أنواع المحبَّة الثلاثة، فإنَّ المحبَّة إمَّا محبَّة إجلال وتعظيم؛ كمحبَّه الوالد، وإمَّا محبَّة تحنُّن (1) وَودّ ولطف؛ كمحبَّة الولد، وإمّا محبَّة لأجْل الإحسان وصفات الكمال؛ كمحبَّة الناس بعضهم بعضًا، ولا يؤمن العبد حتى يكون حُبُّ الرَّسولِ – صلى الله عليه وسلم – عنده أشدَّ من هذه المحابِّ كلِّها.
ومعلوم أن جَفَاءَه – صلى الله عليه وسلم – ينافي ذلك.
قالوا: فلمَّا كانت مَحبَّته (2) فرضًا، وكانت توابعها من الإجلال والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس، وإيثاره بنفسه بحيث يقي نفسه بنفسه = فرضًا؛ كانت الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – إذا ذكر من لوازم هذه الأُحَبِّيَّة وتمامها. قالوا (3): وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – على من ذكر عنده، فوجوبها على الذاكر نفسه أولى، ونظير هذا أن سامع السجدة إذا أُمِرَ بالسُّجود إمَّا وجوبًا أو استحبابًا على القولين (4)، فوجوبها على التَّالي أوْلى. والله أعلم.
__________
= (44). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(1) من (ح)، وفي باقي النسخ (تحسين).
(2) من (ظ، ج) فقط، وفي باقي النسخ (أحبيّته).
(3) سقط من (ب، ش، ح)، (قالوا).
(4) سقط من (ظ) فقط قوله (على القولين).

(1/466)


فصل
قال نفاة الوجوب: الدليل على قولنا وجوه (1):
أحدها: أنه (2) من المعلوم الذي لا ريب فيه: أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كُلَّما ذُكرَ – صلى الله عليه وسلم – يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنبي – صلى الله عليه وسلم – أكثر من أن يُذْكر، فإنهم كانوا يقولون: يا رسول الله، مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم: “صلَّى اللهُ عليك”، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير، فلو كانت الصلاة عليه واجبةً عند ذكره لأنكر عليهم تَرْكها.
الثاني: أنَّ الصَّلاة عليه لو كانت واجبةً كلما ذُكِرَ لكان هذا من أظهر الواجبات، ولَبَيَّنه النَّبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأُمَّته بيانًا يقطع العِلَّة، وتقوم به الحُجَّة.
الثالث: أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يُعْرف (3) أحد منهم قال له، وأكثر الفقهاء، بل قد حكي الإجماع على أن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – ليست من فروض الصلاة، وقد نسب القول بوجوبها إلى الشذوذ، ومخالفة الإجماع السابق، كما تقدم، فكيف تجب خارج الصلاة.
__________
(1) وقع في (ح) فقط (من وجوه).
(2) في (ح) (أن).
(3) في (ظ) (ولا يُعْرَف أنَّ أحدًا منهم).

(1/467)


الرابع: أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائمًا، لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يشرع له في الأذان فضلًا أن يجب عليه.
الخامس: أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابه أن يصلي عليه – صلى الله عليه وسلم -، وقد أمر – صلى الله عليه وسلم – السامع أن يقول كما يقول المؤذن، وهذا يَدُلُّ (1) على جواز اقتصاره على قوله: “أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله”، فإن هذا هو (2) مثل ما (3) يقول (4) المؤذن.
السادس: أن التشهد (5) الأول ينتهى عند قوله: “وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله” اتفاقًا (6)، واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله فيه، على (7) ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يشرع ذلك إلا في الأخير (8).
والثاني: يشرع.
__________
(1) في (ظ) (وهذا دليل على جواز … ).
(2) من (ب، ش، ت) (هو).
(3) سقط من (ب)، (ج).
(4) من (ظ)، وفي باقي النسخ (قال).
(5) في (ب) (تشهد) وهو خطأ.
(6) سقط من (ب).
(7) من (ح) فقط قوله (على).
(8) في (ب) (التأخير) وهو خطأ.

(1/468)


والثالث: تشرع الصلاة عليه خاصة دون آله. ولم يقل أحد بوجوبها في الأول عند ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم -.
السابع: أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لم يحتج أن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
الثامن: أن الخطيب في الجُمَع والأعياد وغيرهما لا يحتاج أن يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – في نفس التشهد، ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذِكْرِه لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة، ولا يقال: تكفي الصلاة عليه في الخطبة، فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر اسمه عند الشهادة (1)، ولاسيما مع طُوْل الفَصْل، والموجبون يقولون: تجب الصلاة عليه كُلَّما ذُكِر، ومعلوم أن ذكره ثانيًا غير ذكره أولًا.
التاسع: أنه لو وجبت (2) الصلاة عليه كلما ذكر لَوَجَبَ (3) على القارئ كلما مَرَّ بذكر اسمه أن يصلي عليه، ويقطع لذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب، وسواء كان في الصلاة أو خارجها، فإن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – لا تبطل الصلاة، وهي واجب قَدْ تعيَّن فلزم أداؤُه، ومعلوم أن ذلك لو كان واجبًا لكان الصحابة والتابعون أقوم به وأسرع إلى أدائه وترك إهماله.
__________
(1) سقط من (ب، ش) من قوله (ولا يقال تكفي الصلاة … ) -إلى- (الشهادة).
(2) في (ظ) (لو وجب)، وفي (ب) (أنه لوجبت).
(3) وقع في (ح) (لَوَجَبَتْ).

(1/469)


العاشر: أنه لو وجبت الصلاة عليه كُلَّما ذُكِرَ لوجب الثناء على الله عز وجل كُلَّما ذُكِر اسمه، فكان يجب على كل (1) مَنْ (2) ذكر اسم الله أن يَقْرِنَه بقوله: “سبحانه وتعالى” أو “عزَّ وجلَّ” أو “تبارك وتعالى” أو “جلَّت عَظَمته” أو “تعالى جدُّه” ونحو ذلك، بل كان ذلك أوْلى وأحْرى، فإن تعظيمَ الرَّسولِ وإجلالَهُ ومَحَبَّتَهُ وطاعَتَهُ تابعٌ لتعظيم مرسله سبحانه وإجلاله ومحبته وطاعته، فمحال أن تثبت المحبَّة والطَّاعة والتَّعظيم والإجلال للرسول – صلى الله عليه وسلم – دون مرسله، بل إنما يثبت له (3) ذلك تبعًا لمحبَّة الله تعالى وتعظيمه وإجلاله، ولهذا كان (4) طاعة الرسول طاعة لله، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومبايعته مبايعة لله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، ومحبَّته محبّه لله، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وتعظيمُه – صلى الله عليه وسلم – تعظيمًا لله، ونصرته نصرةٌ لله، فإنه رسوله وعبْده الدَّاعي إليه وإلى طاعته ومحبته وإجلاله، وتعظيمه وعبادته وحده لا شريك له، فكيف يقال: تجب الصلاة عليه كُلَّما (5) ذُكِرَ اسْمُه، وهي ثناء وتعظيم كما تقدم، ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالى
__________
(1) من (ظ) وسقط من باقي النسخ.
(2) من (ظ، ت، ح، ج) ونسخة (ظ) على حاشية (ب).
(3) في (ح) (يثبت ذلك له).
(4) في (ح) (كانت).
(5) سقط من (ب).

(1/470)


كُلَّما ذكر اسمه؟! هذا محالٌ من القول.
الحادي عشر: أنه لو جلس إنسانٌ ليس له هِجِّيْرَى (1) إلا قوله: محمد رسول الله، أو اللهم صل على محمد وعلى (2) آل محمد، وبشرٌ كثير يسمعون، فإن قلتم: تجب على كل أولئك السامعين أن يكون هِجِّيْرَاهم الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -، ولو طال المجلس ما طال، كان ذلك حَرَجًا ومَشَقَّة وتَرْكًا لقراءة قارئهم، ودراسة دارسهم، وكلام صاحب الحاجة منهم، ومذاكرته في العلم، وتعليمه القرآن وغيره، وإن قلتم: لا تجب عليهم الصَّلاة عليه في هذه الحال، نقضْتُم مذهبكم؛ وإن قلتم: تجب عليه مرَّة أو أكثر، كان تحكُمًا بلا دَلِيل، مع أنه مبطل لقولكم.
الثاني عشر: أن الشهادة له بالرسالة أفرض (3) وأوجب من الصلاة عليه بلا ريب، ومعلوم أنه لا يدخل في الإسلام إلا بها، فإذا كانت لا تجب كلما ذكر اسمه، فكيف تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، وليس من الواجبات بعد كَلِمَة الإخلاص أفرض (4) من الشهادة له بالرسالة، فمتى أقرَّ له فهي أولى بوجوبها (5) عند ذكر
__________
(1) أي: دأب وشأن وديدن. انظر: الفائق للزمخشري (4/ 391 – 392).
(2) من (ظ، ت، ش، ج) قوله (على).
(3) في (ب) (أفضل).
(4) في (ب) (أو فرض).
(5) وقع في (ش، ح) (فمتى أقرّ بوجوبها) وفي (ب) (فمتى أقر لها بوجوبها)، وسقط من (ج) (فمتى أقر له).

(1/471)


اسمه، تُذَكِّرُ العبد الإيمان (1) وموجبات هذه الشهادة، فكان يجب على كل من ذكر اسمه أن يقول محمدٌ رسول الله، ووجوب ذلك أظهر بكثير من وجوب الصلاة عليه كُلَّما ذُكِر اسمه.
ولكلِّ فِرْقة من هاتين الفرقتين أجْوبة من حُجَجِ الفرقة المنازعة لها، بعضها ضعيفٌ جدًا (2)، وبعضها محتمل، وبعضها قويّ، ويظهر ذلك لمن تأمَّل حُجَجَ الفريقيْن. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصَّواب.

فصل الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند الفراغ من التَّلْبِيَة
418 – قال الدارقطني (3): حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا
__________
(1) وسقط من (ج) (فمتى أقر له). في (ظ) (بالإيمان).
(2) سقط من (ب) (جدًا).
(3) في السنن (2/ 238)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (79).
وهو حديث منكر، فيه صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد المدني، ضعيف الحديث، وحديثه هذا من مناكيره، انظر: تهذيب الكمال (13/ 84 – 89)، والكامل لابن عدي (4/ 60).
وفيه: عبد الله بن عبد الله الأموي، وهو مجهول، لم يرو عنه إلا يعقوب بن حميد بن كاسب. انظر: تهذيب الكمال (15/ 185 – 186).
وقد توبع عبد الله الأموي، تابعه إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو متروك. أخرجه الشافعي في الأم (2/ 172).

(1/472)


علي بن زكريا التمار، حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي، قال: سمعت صالح بن محمد بن زائدة يحدث عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا فرغ من تلبيته: “سأل الله تعالى مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النار”. قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: “كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -“.
قلت: وهذا أيضًا من توابع الدعاء، والله أعلم.

فصل الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – عند استلام الحَجَر
419 – قال أبو ذر الهروي (1): حدثنا محمد بن بكران،
__________
(1) في مناسكه، والطبراني والنميري – كما في القرى ص 307، والقول البديع ص 199 – والبخاري في تاريخه (1/ 230) رقم (722) تعليقًا.
وهو أثر منكر، تفرد به محمد بن مهاجر القرشي عن نافع، وقال البخاري: لا يتابع عليه، وقال ابن عدي: ليس بمعروف. انظر: تهذيب الكمال (26/ 519).
قلت: وحديثه يدلُّ على أنه منكر الحديث.
فقد خالفه: ابن عُلَيَّه وأيوب السِّخْتِياني وابن جُرَيْج كلهم عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا استلم الركن قال: بسم الله والله أكبر.
أخرجه عبد الرزاق (5/ 33)، والأزرقي (1/ 339)، والبيهقي في الكبرى (5/ 79) وغيرهم. وروي عن علي وابن عباس وهما واهيان عنهما.

(1/473)


أخبرنا أبو عبد الله بن مخلد، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عون بن سلام، أنبأنا محمد بن سلام، حدثنا محمد بن مهاجر، عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد أن يستلم الحجر قال: اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك وسنة نبيك – صلى الله عليه وسلم – ويستلمه (1)، ويصلي (2) على النبي – صلى الله عليه وسلم -“.
وقد تقدم أن من مواطن الصلاة عليه على الصَّفَا والمَرْوَة – صلى الله عليه وسلم -.

فصل الموطن الرابع عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند الوقوف على (3) قَبرِه
420 – قال سحنون: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: “رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ويدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما”. ذكره مالك في الموطأ (4).
421 – وقال مالك أيضًا (5): عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله
__________
(1) سقط من (ب، ش)، (ويستلمه)، وسقط من (ظ، ت، ج) (الحجر).
(2) من (ب، ش) جملة (ويصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -)، وقد سقطت من (ظ، ت).
(3) من (ب، ت، ش) وفي (ظ) (في قبره) فقط، تنبيه سقط من (ح) الموطن الرابع عشر كاملًا.
(4) انظر الموطأ رقم (458) لكن بدون لفظة (ويدعو).
تنبيه: في رواية يحيى بن يحيى وهم سيأتي الكلام عليه رقم (516).
(5) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة رقم (99) من طريق سفيان بن =

(1/474)


ابن عمر رضي الله عنهما “أنه كان إذا أراد سفرًا، أو قدم من سفر، جاء قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فصلى عليه (1) ودعا، ثم انصرف”.
422 – وقال ابن نمير (2): حدثنا محمد بن بشر (3)، حدثنا عبيد الله (4)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قدم من سفر، بدأ بقبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصلي عليه، ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر رضي الله عنه، ثم يقول (5): “السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أبتِ” (6).

فصل الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة أو نحوها
423 – قال ابن أبي حاتم (7): حدثنا أبو سعيد (8) بن يحيى بن
__________
= عيينة عن عبد الله بن دينار به نحوه وزاد (ويصلي ركعتين). وسنده صحيح.
(1) سقط من (ب، ظ، ش، ج) (فصلى عليه).
(2) أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 29) رقم (11792) عن أبي معاوية عن عبيد الله به نحوه، وسنده صحيح.
(3) في (ظ) (بشير) وهو خطأ، وهو محمد بن بشر العبدي. تهذيب الكمال (24/ 520).
(4) في (ب، ظ) (عبد الله) وهو خطأ، انظر: تهذيب الكمال (24/ 521).
(5) في (ب) (قال).
(6) في (ت) (يا أبة) وفي (ب، ظ، ش) (يا أبَهْ).
(7) أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة (6/ 103) رقم (29801)، والنميري كما في القول البديع ص 208. وسنده صحيح.
(8) في (ش، ت، ج) (أبو سعيد بن يحيى بن يحيى بن سعيد) وفي (ب) (أبو =

(1/475)


سعيد القطان، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، حدثنا عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال: “ما رأيت عبد الله جَلَس فِي مأدُبة ولا جَنَازَة ولا غيرِ ذلك، فيقومَ حتى يَحْمَد الله، ويُثْنِي عَليه، ويُصَلِّي على النَّبي – صلى الله عليه وسلم -، ويَدْعُو بَدَعَوَات، وإنْ كانَ يَخْرج إلى السُّوقِ فَيَأْتِي أغْفَلَهَا مَكَانًا، فيَجْلِس، فَيَحْمَدُ الله، ويُصَلِّي على النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، ويَدْعو بَدَعَوَات”.

فصل الموطن السادس عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – إذا قام الرجل من نوم الليل
424 – قال النسائي في “سننه الكبير” (1): أخبرني علي بن محمد بن علي، حدثنا خلف -يعني ابن تميم -، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي (2) عبيدة، عن
__________
= سعيد يحيى بن يحيى بن سعيد) وكلاهم خطأ. الجرح (2/ 74).
(1) (6/ 217) رقم (10703)، والآجري في الشريعة (2/ 1056) رقم (637) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة وأبي الكنود عن ابن مسعود فذكره وسنده حسن.
أبو عبيده لم يسمع من أبيه، وأبو الكنود نصَّ ابن معين أنه لقي عمر، وكان من أصحاب علي. مختلف في اسمه. قال: “ابن سعد كان ثقة … “. انظر: تهذيب الكمال (34/ 230)، والكنى للدولابي (2/ 90 – 91).
وروى مرفوعًا وفيه نظر. انظر: علل الدارقطنى (5/ 267).
(2) سقط من (ب، ش)، (أبي).

(1/476)


عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: “يَضحَكُ اللهُ عزَّ وجَلَّ إلى رَجُلَيْن، رجلٌ لَقِيَ العَدُو، وهُوَ عَلَى فَرَسٍ مِن أمْثَلِ خيلِ أصحابه، فانْهَزَمُوا وثَبَتَ، فإنْ قُتِلَ اسْتُشْهِد، وإن بَقِي فذلك الذي يَضْحَكُ اللهُ إليه. ورجلٌ قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لا يَعْلَمُ به أحدٌ فَتَوضَّأ فأسْبَغَ الوُضُوء، ثُمَّ حَمِد الله ومجَّده وصلَّى على النَّبي – صلى الله عليه وسلم -، واسْتَفْتَح القرآن، فَذلك الذي يَضْحَكُ الله إليه، يقولُ: انْظُرُوا إلى عَبْدِي قَائِمًا لا يَراهُ أحدٌ غَيْرِي”.
425 – وقال عبد الرزاق (1): حدثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: “رجلان يضحك الله إليهما … “. فذكره بنحوه.

فصل الموطن السابع عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عقب ختم القرآن
وهذا لأن المحل محل دعاء، وقد نصَّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى على الدعاء عقب (2) الختمة، فقال في رواية أبي الحارث:
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (11/ 185) رقم (20281) ومن طريقه الطبراني في الكبير (9/ 175) رقم (8798).
(2) انظر: مرويات ختم القرآن للشيخ بكر أبو زيد من ص 45 فما بعده.

(1/477)


426 – كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده (1).
وقال في رواية يوسف بن موسى، وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجتمع إليه قوم فيدعون؟ قال: “نعم، رأيت معمرًا يفعله إذا ختم”.
وقال في رواية حرب: “أَسْتَحِبُّ إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله ويدعو”.
427 – وروى ابن أبي داود في “فضائل القرآن” (2) عن الحكم، قال: “أرسل إليَّ مجاهد وعَبْدَة بن أبي لُبَابة: أرسلنا إليك، أنا نريد أن نختم القرآن، وكان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن، ثم دعوا بدعوات”.
428 – وروى أيضًا في كتابه (3): عن ابن مسعود، أنه قال:
__________
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه رقم (27)، والفريابي في فضائل القرآن من رقم (83 – 86)، وابن المبارك في الزهد رقم (809) وغيرهم.
من طريق ثابت البُنَاني وقتادة كلاهما عن أنس فذكره. وهو صحيح ثابت عن أنس، وروي مرفوعًا ولا يثبت.
(2) أخرجه الفريابي في فضائل القرآن رقم (88 – 92)، وابن الضريس في فضائل القرآن أيضًا رقم (81 و 86) وغيرهما. وسنده صحيح.
(3) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 48، وابن الضريس في فضائل القرآن رقم (76) وسنده منقطع، إبراهيم التيمي لم يسمع من ابن مسعود.
انظر: تهذيب الكمال (2/ 232)، وجامع التحصيل رقم (11).
تنبيه: سقط من (ج) (فله دعوة مستجابة).

(1/478)


“من ختم القرآن فله دعوةٌ مستجابة”.
429 – وعن مجاهد (1) قال: “تنزل الرحمة عند (2) ختم القرآن”.
430 – وروى أبو عبيد في كتاب “فضائل القرآن” (3) عن قتادة، قال: كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره عند أصحاب له، فكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاء ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – فشهده.
ونصَّ أحمد -رحمه الله تعالى- على استحباب ذلك في صلاة التَّراويح، قال حنبل (4): “سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءتك: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1]، فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان
__________
(1) أخرجه الفريابي في فضائل القرآن رقم (87) وسنده صحيح، وتقدم أصله رقم (427).
(2) في (ب، ت) (عن) وقال ناسخ (ت) في الحاشية لعله (عند)، وما أثبته من باقي النسخ، ومن (ظ) على حاشية (ب). تنبيه: سقط هذا الأثر (ج).
(3) ص 48، وأخرجه الدارمي في مسنده (4/ 3515)، وابن الضريس في “فضائل القرآن” رقم (79).
وسنده ضعيف، صالح المرّي ضعيف، وقتادة لم يسمع من ابن عباس.
انظر: جامع التحصيل رقم (633)، والتقريب رقم (2845).
(4) انظر الشرح الكبير (4/ 171).

(1/479)


ابن عيينة يفعله معهم (1) بمكة”.
قال عبَّاس بن (2) عبد العظيم: “وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء، وذكر عن عثمان بن عفان” (3).
وقال الفضل بن زياد (4): “سألت أبا عبد الله فقلت: أختم القرآن، أجعله في التراويح أو في الوتر؟ قال: اجعله في التراويح، حتى يكون لنا دعاءٌ بين اثنين. قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن، فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة، وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت كما أمرني وهو خلفي يدعو قائمًا ويرفع يديه”.
وهذا إذا كان من آكد مواطن الدعاء وأحقها بالإجابة، فهو من آكد مواطن الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) من (ب، ش).
(2) سقط من (ب) (بن)، وما أثبته من باقي النسخ، ومن (ظ) على حاشية (ب).
(3) قال الشيخ بكر أبو زيد في مرويات دعاء ختم القرآن ص 52 “لم أرَ من أسند هذا مع بالغ التتبع والمباحثة مع عدد من المشتغلين بهذا العلم فالله أعلم”.
(4) انظر الشرح الكبير (4/ 171).

(1/480)


فصل الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – يوم الجمعة
431 – وقد تقدم فيه حديث أوس بن أوس (1)، وعن أبي أمامة (2)؛ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعةٍ، فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعةٍ، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة” – صلى الله عليه وسلم -.
رواه البيهقي. وقد تقدم.
432 – وروي أيضًا عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته” (3).
وفيه إسماعيل بن رافع، قال يعقوب بن سفيان: “يصلح
__________
(1) تقدم برقم 71، وفي (ظ، ت) (أوس بن أبي أوس).
(2) تقدم برقم (78)، وهو لا يثبت.
(3) أخرجه ابن أبي عاصم في فضل الصلاة (64)، والحاكم (2/ 421) رقم (3577)، والبيهقي في حياة الأنبياء رقم (12).
وهو حديث منكر تفرد به إسماعيل بن رافع عن سعيد المقبري عن أبي مسعود وهو ضعيف، بل قال ابن عدي: وأحاديثه كلها مما فيه نظر، إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء). انظر: تهذيب التهذيب (3/ 85 – 88)، والكامل (1/ 280 – 281).

(1/481)


حديثه للشواهد والمتابعات”.
433 – وقال ابن عدي (1): حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب، حدثنا جُبَارة بن مُفلِّس، حدثنا أبو إسحاق الحُمَيْسِي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أكثرا الصلاة علي يوم الجمعة، فإن صلاتكم تعرض علي”.
وهذا وإن كان إسناده ضعيفًا فهو محفوظ في الجملة، ولا يضرُّ ذكره في الشواهد.
434 – وقد تقدم في مراسيل الحسن، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة” (2).
435 – وقال ابن وضَّاح (3): حدثنا أبو مروان البزار (4)، حدثنا ابن المبارك، عن ابن شعيب، قال: كتب عمر بن عبد العزيز. (أن انشروا العلم يوم الجمعة، فإن غائلة العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الجمعة).
__________
(1) في الكامل في ضعفاء الرجال (3/ 74).
وهو حديث منكر، فيه حازم بن الحسين أبو إسحاق الحميسي. قال عن أحاديث يرويها بهذا الإسناد: “ليست بمحفوظة”. وقال أيضًا: ” .. وعامة حديثه عمَّن يروي عنهم لا يتابعه أحد عليه، وأحاديثه شبه الغرائب، وهو ضعيف يكتب حديثه”. الكامل (3/ 75).
(2) انظر رقم (147، 152).
(3) أخرجه ابن بشكوال والنميري كما في القول البديع ص 189.
(4) في (ظ) (البراز)، ووقع في (ج) (شعيب) بدلًا عن (ابن شعيب).

(1/482)


فصل الموطن التاسع عشر من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند القيام من المجلس
436 – قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (1): حدثنا أبو سعيد (2) يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عثمان بن عمر، قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري مالا أحصي إذا أراد القيام يقول: (صلَّى اللهُ وملائكتُه على مُحمَّد وعَلَى أنبياءِ اللهِ وملائِكتِه) (3).
هذا الذي رأيته من الأثر في هذا الموطن.

فصل الموطن العشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند المرور على المساجد ورؤيتها
437 – قال القاضي إسماعيل في كتابه (4): حدثنا يحيى بن
__________
(1) في (ظ، ج، ت) (عبد الله بن أبي حاتم) وهو خطأ.
(2) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (أبو سعيد يحيى بن سعيد) وفي (ح) (أبو سعيد بن يحيى بن يحيى بن سعيد القطان)، وكلاهما خطأ، فإن أبا سعيد هذا هو: أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، وهو صدوق. انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 74).
(3) عزاه السخاوي لابن أبي حاتم والنميري كما في القول البديع ص 234.
(4) برقم (80) وسنده ضعيف جدًا.
فيه سيف بن عمر التميمي صاحب كتاب الردة والفتوح وهو ضعيف جدًا.

(1/483)


عبد الحميد، حدثنا سيف بن عمر التميمي، عن سليمان العبسي، عن علي بن حسين، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – (1) “.

فصل الموطن الحادي والعشرون من مواطن الصَّلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند الْهَمِّ، والشَّدائِد، وطَلَبِ المغْفِرَة
438 – لحديث الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه (2)، قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: “يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه”. قال أبي: قلت: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: “ما شئت”، قال: قلت: الربع؟ قال: “ما شئت، فإن زدت فهو خير لك”، قلت: النصف؟ قال: “ما شئت، فإن زدت فهو خير لك”، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: “ما شئت، فإن زدت فهو خير لك”، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: “إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك” رواه الترمذي: من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل،
__________
= انظر: تهذيب الكمال (12/ 324 – 327).
(1) وقع في (ح) (- صلى الله عليه وسلم – تسليمًا.) وهي غير موجوده عند القاضي في كتابه ولا في باقي النسخ.
(2) تقدم برقم (73).

(1/484)


عن أبيه، وقال: حديث حسن.
وروى من حديث محمد بن عقيل أيضًا، عن الطفيل، عن أبيه، حديثًا آخر (1) وصححه، وهو حديث:
439 – “مثلي ومثل (2) النبيين من قبلي كمثل رجلٍ بنى دارًا” الحديث.
440 – ورواه ابن أبي شيبة في “مسنده” (3) واختصره، فقال: “عن أبي، قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها صلاةً عليك؟ قال: “إذن يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك” – صلى الله عليه وسلم -.

فصل الموطن الثاني والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند كتابة اسمه – صلى الله عليه وسلم –
441 – قال أبو الشيخ (4): حدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا بشر ابن عبيد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال
__________
(1) أخرجه الترمذي (3613).
(2) لفظه في الترمذي (مثلي في النبيين كمثل … ).
(3) لا يوجد في المطبوع من مسند ابن أبي شيبة (مسند أُبيّ بن كعب).
(4) تقدم برقم (127) وهو لا يثبت.

(1/485)


رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من صلى علي في كتابٍ لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب”.
قال أبو موسى: رواه غير واحد عن أسيد كذلك. قال: ورواه إسحاق بن وهب العلاف، عن بشر بن عبيد، فقال: عن حازم بن بكر، عن يزيد بن عياض، عن الأعرج (1). ويروى من غير هذين الوجهين أيضًا عن الأعرج.
وفي الباب عن أبي بكر الصديق (2)، وابن عباس، وعائشة، رضي الله عنهم.
442 – وروى سليمان بن الربيع، حدثنا كادح بن رحمة، حدثنا نهشل (3) بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من صلى علي في كتابٍ لم تزل الصلاة جاريةً له ما دام اسمي في ذلك الكتاب” (4).
وروي من طريق جعفر بن علي الزعفراني قال: سمعت خالي
__________
(1) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (65).
وهو حديث واهي، فيه يزيد بن عياض أبو الحكم، متروك الحديث. انظر: تهذيب الكمال (32/ 222 – 225).
(2) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (64)، وفي الجامع لأخلاق الراوي رقم (565).
وهو حديث موضوع، فيه أبو داوود سليمان بن عمرو، وهو كذَّاب.
(3) في (ب، ش) (رشك) وهو خطأ.
(4) تقدم برقم (126) ولا يثبت.

(1/486)


الحسن بن محمد يقول: “رأيت أحمد بن حنبل في النوم، فقال لي: يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي – صلى الله عليه وسلم – في الكتاب كيف تزهر بين أيدينا؟ ” (1).
وقال أبو الحسن بن علي الميموني (2): (رأيت الشيخ أبا علي الحسن (3) بن عيينة في المنام بعد موته، وكأنَّ على أصابع يديه شيئًا مكتوبًا بلون الذهب، أو بلون الزعفران، فسألته عن ذلك، وقلت: يا أستاذي أرى على أصابعك شيئًا مليحًا مكتوبًا، ما هو؟ قال: يا بني! هذا لكتابتي (4) لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أو قال لِكتْبِي (5) – صلى الله عليه وسلم – في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم -).
وذكر الخطيب (6): حدثنا مكي بن علي، قال: حدثنا أبو سليمان الحراني، قال (7): قال لي (8) رجل من جوَاري – يقال له: أبو الفضل (9) – وكان كثير الصوم والصلاة: (كنت أكتب الحديث، ولا أصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، – فرأيته في المنام، فقال: إذا كتبت أو
__________
(1) أخرجه ابن بشكوال كما في القول البديع ص 239 – 240.
(2) أخرجه أبو القاسم التيمي في الترغيب والترهيب (2/ 1033) رقم (1704).
(3) في (ب) (الحسين)، والتصويب من الترغيب والترهيب.
(4) في (ب، ش) (بِكتْبي).
(5) في (ح) (لكتابتي).
(6) في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع رقم (570).
(7) وقع في (ش، ب) ( .. الحراني ثنا رجل من جواري يقال له الفضل … ).
(8) من الجامع للخطيب، وسقط من جميع النسخ، (لي).
(9) في الجامع (يقال له الفضل) بدون (أبو).

(1/487)


ذكرت فلم لا تصلي علي؟ ثم رأيته مرةً من الزمان، فقال: بلغني صلواتك علي، فإذا صليت علي أو ذكرت، فقل: – صلى الله عليه وسلم -).
وقال سفيان الثوري (1): (لو لم يكن لصاحب الحديث فائدةٌ إلا الصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب – صلى الله عليه وسلم -).
وقال محمد بن أبي سليمان (2): رأيت أبي في النوم، فقلت: يا أبَة (3) ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، فقلت: بماذا؟ قال: بكتابتي الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل حديث (4).
وقال بعض أهل الحديث (5): (كان لي جار فمات، فرؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قيل: بماذا؟ قال: كنت إذا كتبت ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث كتبت: “- صلى الله عليه وسلم -“).
وقال سفيان بن عيينة (6): حدثنا خالد (7) صاحب الخلقان،
__________
(1) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (66).
(2) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (67)، وفي الجامع رقم (569).
(3) في (ح) (يا أبتِ).
(4) قوله (في كل حديث) من الخطيب في الشرف والجامع، وسقط من النسخ.
(5) أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي رقم (566) نحوه.
(6) أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (567).
وليس فيه (سفيان بن عيينة) وإنما فيه (شيخ ذكره عن خالد صاحب الخلقان) ولعل المؤلف ذهب نظره إلى الأثر الذي قبل هذا (566) فإن فيه (سفيان بن عيينة) والله أعلم.
(7) في جميع النسخ (خلف) والتصويب من الجامع للخطيب.

(1/488)


قال: (كان لي صديق يطلب معي الحديث فمات، فرأيته في منامي وعليه ثياب خضر يجول فيها، فقلت: ألست كنت معي تطلب الحديث؟ قال: بلى. قلت: فما الذي أصارك إلى هذا؟ قال: كان لا يَمُرُّ حديث فيه ذكر محمد – صلى الله عليه وسلم – إلا كتبت في أسفله – صلى الله عليه وسلم -، فكافأني ربي هذا الذي ترى عليَّ).
وقال عبد الله بن عبد الحكم (1): (رأيت الشافعي في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما يُزفُّ بالعروس (2)، ونثر علي كما ينثر على العروس، فقلت: بم بلغت هذه الحال؟ فقال لي قائل: يقول لك بما في كتاب “الرسالة” من الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -. قلت: فكيف ذلك؟ قال: وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون. قال: فلما أصبحت نظرت في الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت: النبيَّ (3) – صلى الله عليه وسلم -).
وقال الخطيب (4): أنبأنا بشرى (5) بن عبد الله الرومي، قال:
__________
(1) أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي (2/ 304)، وأبو القاسم التيمي في الترغيب والترهيب (2/ 334) رقم (1709)، وانظر: القول البديع ص 241 من طريق آخر بنحو ذلك.
(2) وقع في (ح) (كما تزفَّ العروس).
(3) سقط من (ب، ش).
(4) في تاريخ بغداد (6/ 69).
(5) من (ش)، وفي (ب) (عبد الله بن بشر) وفي (ظ) (بشير بن عبد الله) وفي (ت، ج) (بشر) وكلها خطأ.

(1/489)


سمعت الحسين بن محمد بن عبيد العسكري، يقول: سمعت أبا إسحاق الدارمي المعروف بنهشل، يقول: كنت أكتب الحديث في تخريجي للحديث: “قال: النبي – صلى الله عليه وسلم – تسليمًا”. قال: فرأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فكأنه قد أخذ شيئًا مما أكتبه فنظر فيه، فقال: “هذا جيد”.
وقال عبيد الله (1) بن عمر: حدثني بعض إخواني ممن أثق به، قال: رأيت رجلًا من أهل الحديث في المنام، فقلت: ماذا فعل بك؟ قال: رحمني أو غفر لي. قلت: وبم ذلك؟ قال: إني كنت إذا أتيت على اسم النبي – صلى الله عليه وسلم – كتبت: – صلى الله عليه وسلم -. ذكرها محمد بن صالح، عن ثوابة، عن سعيد بن مروان، عنه.
وقد روى الحافظ أبو موسى في كتابه (2): عن جماعة من أهل الحديث (أنهم رُؤُوا بعد موتهم، وأخبروا أن الله غفر لهم بكتابتهم الصَّلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل حديث).
وقال ابن سنان (3): سمعت عباسًا العنبري، وعلي بن المديني، يقولان: (ما تركنا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا، فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه).
__________
(1) في (ب، ت، ظ، ج) (عبد الله بن عمرو) وفي (ش، ح) (عبيد الله بن عمرو) والصواب ما أثبته كما في القول البديع ص 241، وقد تصحف (عبيد الله) إلى (عبد الله).
(2) انظر: القول البديع ص 242 – 243.
(3) أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي رقم (569).

(1/490)


فصل الموطن الثالث والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند تبليغ العِلْم إلى الناس، وعند التَّذْكِير والقَصَصَ، وإلْقاء الدرس، وتعليم العِلْم، في أوَّلِ ذلك وآخرِه
443 – قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (1): حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي -وهو (2) الجعفي- عن جعفر بن بُرْقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: (أما بعد فإن أناسًا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإنَّ مِن القُصَّاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النَّبيِّين ودعاؤهم للمسلمين عامَّة، ويَدَعُوا ما سِوى ذلك).
والصلاة على النبي (3) – صلى الله عليه وسلم – في هذا الموطن، لأنه موطن لتبليغ العلم الذي جاء به ونشره في أُمَّته، وإلقائه (4) إليهم، ودعوتهم إلى سُنَّته وطريقته – صلى الله عليه وسلم -. وهذا من أفضل الأعمال وأعظمها نَفْعًا للعبد في الدنيا والآخرة.
__________
(1) “فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -” رقم (76)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 183) رقم (35083)، وسنده صحيح.
(2) ليس في (ش).
(3) في (ب، ش) (والصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -).
(4) في (ب، ش) (وألقى به).

(1/491)


قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]، وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] وسواءٌ كان المعنى أنا، ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة، أو كان الوقف عند قوله: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} ثم يبتدئ: {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فالقولان متلازمان، فإنه أمره سبحانه أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله، فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله ولا هو على بصيرةٍ ولا هو من أتباعه.
فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أُمَمِهم والناس تبع (1) لهم؛ والله سبحانه قد أمر رسوله أن يُبَلِّغ ما أُنْزل إليه، وضَمِنَ له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلِّغون عنه من أُمَّته لهم من حفظ الله (2) وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه وتبليغهم له، وقد أَمَرَ النبي – صلى الله عليه وسلم – بالتبليغ عنه ولو آية (3)، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثًا (4) .. وتبليغُ سُنَّته إلى الأُمَّة أفضل من تَبْليغ السِّهام إلى نُحُور العَدُوّ، لأن ذلك التبليغ
__________
(1) في (ب، ش) (تبعًا).
(2) في (ش، ت، ظ) (حفظ الله لهم).
(3) فقال (بلغوا عني ولو آية). أخرجه البخاري في (64) الأنبياء (3274).
(4) فقال: (نضَّر الله امرأً سمع منَّا شيئًا فبلغه كما سمع … ).
أخرجه الترمذي (2657)، وابن ماجه (232).
قال الترمذي: حسن صحيح، وقد ورد عن جماعة من الصحابة.

(1/492)


يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أُمَمِهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنِّه وكرمه.
444 – وهم كما قال فيهم عمر بن الخطاب في خطبته التي ذكرها ابن وضَّاح في كتاب “الحوادث والبدع” له (1)، قال: “الحمد لله الذي امتَنَّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى؛ كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضالٍ تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس! وأقبح أثر الناس عليهم! يقتلونهم (2) في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربك: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم: 64]، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم. فلا تقصر عنهم، فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة (3) “.
445 – وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إن لله عند كل بدعةٍ كِيْدَ بها الإسلام وليًّا من أوليائه، يذب عنها، وينطق بعلاماتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن، وتوكلوا على الله” (4).
__________
(1) رقم (3)، وسنده ضعيف، فيه انقطاع وجهالة.
(2) في (ب) (يقتلون).
(3) من (ظ) والمطبوع لابن وضاح، وفي (ب، ش) (المضيعة).
(4) أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها رقم (4)، وسنده ضعيف، فيه ضعْف، وانقطاع.

(1/493)


446 – ويكفي في هذا قول النبي – صلى الله عليه وسلم – لعلي (1) ولمعاذ (2) أيضًا – رضي الله عنهما-: “لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْر لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَم”.
447 – وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “من أحيا شيئًا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين” وضم بين أصبعيه (3).
448 – وقوله: “من دعا إلى هدى فأتبع عليه، كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة” (4).
فمتى يُدْرِك العامل هذا الفَضْل العظيم، والحظَّ الجسيم بشيء مِن عمله، وإنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فحقيق بالمبلِّغ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي أقامه الله في هذا
__________
(1) أخرجه البخاري في (60) الجهاد (2783)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2406). من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
(2) سقط من (ظ) قوله (لعلي ولمعاذ أيضًا رضي الله عنهما).
وحديث معاذ أخرجه أحمد في المسند (5/ 238)، وهو حديث منكر، فيه ضُبَارة بن عبد الله الشامي، مجهول، لم يرو عنه غير بقية، وأحاديثه تدلُّ على ضعفه. انظر: الكامل لابن عدي (4/ 102)، وبين دُوَيْد ومعاذ انقطاع.
(3) ذكره ابن وضاح في البدع رقم (8) بدون سند، ولم أقف عليه.
وجاء بلفظ: ” .. ومن أحيا سنتي فقد أحبّني، ومن أحبّني كان معي في الجنة”.
أخرجه الترمذي (2678) وقال. “حسن غريب من هذا الوجه”.
(4) ذكره ابن وضاح في البدع رقم (9) بدون سند.
وورد بلفظ قريب منه عند ابن ماجه رقم (205) وسنده ضعيف.

(1/494)


المقام أن يفتتح كلامه بحمد الله تعالى، والثناء عليه، وتمجيده، والاعتراف له بالوحدانية، وتعريف حقوقه على العباد، ثم بالصَّلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتمجيده، والثناء عليه، وأن يختمه أيضًا بالصَّلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – تسليمًا.

فصل الموطن الرابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – أوَّل النَّهار وآخره
449 – قال الطبراني (1): حدثنا حفص بن عمر الصباح، حدثنا يزيد بن عبد ربه الجرْجسِي (2)، حدثنا بقية بن الوليد، حدثني إبراهيم بن محمد بن زيادَ الأَلهاني، قال: سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من صلى علي حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة”.
قال أبو موسى المديني، رواه عن بقية غير واحد، ويزيد بن عبد ربه كان يسكن بحمص قرب كنيسة جرجس (3)، فنسب إليها (4).
__________
(1) تقدم برقم (143). ص 118، وأنه غير ثابت.
(2) في (ب) (الجرجيسي) وهو خطأ.
(3) في (ب، ش) (الجرجيسي) وهو خطأ.
(4) انظر: الأنساب للسمعاني (2/ 43) (جرجس).

(1/495)


فصل الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عَقِبَ الذَّنب إذا أراد أن يُكَفِّر عنه
450 – قال ابن أبي عاصم في كتاب “الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -” (1): حدثنا الحسن بن البزار، حدثنا شبابة، حدثنا مغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن أنس رضى الله عنه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “صلوا عليَّ فإن الصلاة عليَّ كفارةٌ لكم، فمن صلى عليَّ صلى الله عليه عشرًا”.
451 – وقال ابن أبي عاصم في كتابه (2): حدثنا محمد بن إشكاب، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الفضل بن عطاء، عن الفضل بن شعيب، عن أبي منظور، عن أبي (3) معاذ، عن أبي كاهل، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يا أبا كاهل من صلى علي كل يوم ثلاث مرات، وكل ليلة ثلاث مرات حبًّا وشوقًا (4) إلي، كان حقًا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة، وذلك اليوم”.
__________
(1) رقم (40) وقد تقدم برقم (47)، وهو لا يثبت.
(2) رقم (62) وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 450 – 451)، والطبراني في الكبير (18/ 361 – 362) رقم (928) مطولًا وغيرهم، وهو حديث موضوع، قال الذهبي “إسناده مظلم” انظر: مجمع الزوائد (4/ 219).
(3) في جميع النسخ (ابن) والتصويب من مصادر التخريج.
(4) في (ب، ت، ش) (أو شوقًا) وهو خطأ.

(1/496)


452 – وقال أبو الشيخ في كتاب “الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -” (1): حدثثا عبد الله بن محمد بن نصر، حدثنا إسماعيل بن زيد، قال: حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن ليث بن أبي سليم، عن نافع بن كعب المدني، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم”، ورواه ابن أبي شيبة، عن ابن فضيل (2)، عن ليث، عن كعب، عن أبي هريرة.
فهذا فيه الإخبار بأن الصَّلاة زكاة للمُصَلِّي على النَّبي – صلى الله عليه وسلم -، والزَّكاة تَتَضمَّنُ النَّماء والبَرَكة والطَّهارة، والذي قبله فيه أنها كفارة، وهي تتضمن مَحْو الذنب، فتضمَّن الحديثان أن بالصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – تحْصُلُ طهارة النَّفْس من رذائلها، ويثبت لها النَّماء والزِّيادة في كمالاتها وفضائلها، وإلى هذين الأمرين يرجع كمال النفس، فعلم أنه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النَّبِي – صلى الله عليه وسلم – التي هي من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين – صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) تقدم برقم (22).
وقد اضطرب فيه ليث بن أبي سليم، فمرة قال (عن كعب) وهنا قال (نافع بن كعب).
(2) في (ب) (الفضيل).

(1/497)


فصل الموطن السادس والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند إِلْمَام الفَقْرِ والحاجةِ، أو خَوْفِ وُقُوْعِه
453 – قال أبو نعيم (1): حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة، حدثنا أبو نعيم، حدثنا فطر بن خليفة، عن جابر بن سمرة السوائي، عن أبيه، قال: كنا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله! ما أقرب الأعمال إلى الله عز وجل؟ قال: “صدق الحديث، وأداء الأمانة”، قلت: يا رسول الله! زدنا، قال: “صلاة الليل، وصوم الهاجر”. قلت: يا رسول الله! زدنا. قال: “كثرة الذكر، والصلاة علي تنفي الفقر”. قلت: يا رسول الله! زدنا. قال: “من أم قومًا فليخفف فإن فيهم الكبير، والعليل، والضعيف، وذا الحاجة”.
__________
(1) في معرفة الصحابة (3/ 1413) رقم (3572).
وسنده ضعيف، فيه محمد بن الحسن بن سماعة، قال الدارقطني: “ليس هذا بالقوي، ضعيف”. انظر: سؤالات حمزة السهمي للدارقطني رقم (45 و 93)، وفيه انقطاع بين فطر وجابر بن سمرة، فقد توفي فطر سنة 155 هـ وتوفى جابر سنة 73 هـ، فبينهما 82 سنة. انظر: تهذيب الكمال (23/ 315).

(1/498)


فصل الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند خِطبةِ الرجل المرأة في النكاح
454 – قال إسماعيل بن أبي زياد (1): عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 56]، قال: يعني أن الله تعالى يثنى على نبيكم ويغفر له، وأمر الملائكة بالاستغفار له {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} أثنوا عليه في صلاتكم، وفي مساجدكم، وفي كل موطن، وفي خِطْبة النساء فلا تنسوه”.

فصل الموطن الثامن والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند العُطاس
455 – قال الطبراني (2). حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي،
__________
(1) إسناده ضعيف جدًا، جويبر ضعيف جدًا.
(2) في الأوسط (4/ 197) رقم (5698).
تفرد به سليمان بن موسى الدمشقي، وهو صدوق، لكن عنده مناكير يتفرد بها عن عطاء ونافع وعمرو بن شعيب، ويُخشى أن يكون هذا منها. انظر: علل الترمذي الكبير ص 257، والكامل (3/ 263)، وتهذيب الكمال (12/ 92 – 98).

(1/499)


حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر وقد عطس رجل إلى جنبه فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، فقال ابن عمر: وأنا أقول: السلام. على رسول الله، ولكن ليس هكذا أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أمرنا أن نقول إذا عطسنا: “الحمد لله على كل حال”.
قال الطبراني: لم يروه عن سعيد إلا الوليد، تفرد به سهل.
456 – ورواه الترمذي (1) عن حميد بن مسعدة، حدثنا زياد ابن الربيع، حدثنا حضرمي مولى آل الجارود، عن نافع؛ أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله. قال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، علمنا أن نقول: “الحمد لله على كل حال”.
قال الترمذي: “هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث
__________
(1) رقم (2738)، والبخاري في تاريخه معلقًا مختصرًا (3/ 125)، والمزي في تهذيب الكمال (6/ 553)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 342) رقم (8884) وغيرهم.
وهو حديث منكر، تفرد به حضرمي وهو مجهول. انظر: تهذيب الكمال (6/ 552).
وفيه أيضًا زياد بن الربيع، وهو مع أنه صدوق، فله منكرات. انظر: الكامل (3/ 195)، وتهذيب الكمال (9/ 458 – 460).

(1/500)


زياد بن الربيع”.
قال أبو موسى المديني: “وروي عن نافع أيضًا، عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف ذلك”.
457 – ثم ساق من طريق عبد الله بن أحمد (1)، حدثنا عباد بن زياد الأسدي، حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن نافع، قال: “عطس رجل عند ابن عمر فحمد الله (2) فقال له ابن عمرة لقد بخلت، هلا حيث حمدت الله تعالى صليت على النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ “.
فذهب إلى هذا جماعة، منهم أبو موسى المديني، وغيره”.
ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا تستحب الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – عند العطاس، وإنما هو موضع حمد لله (3) وحده، ولم يشرع النبي – صلى الله عليه وسلم – عند العطاس إلا حمد الله تعالى. والصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وإن كانت من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله،
__________
(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7/ 340) رقم (8082)، وسنده حسن؛ إن كان أبو إسحاق سمعه من نافع.
وله شاهد: رواه الضحاك بن قيس قال: عطس رجل … وفيه “فقال عبد الله: لو تممتها والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -“.
أخرجه البيهقي في الشعب (7/ 341) رقم (8883)، وابن معين معلقًا، كما في سؤالات ابن الجنيد رقم (728). قلت: الضحاك فيه جهالة. انظر: التاريخ الكبير (4/ 332).
(2) من شعب الإيمان قوله (فحمد الله) وسقط من جميع النسخ.
(3) في (ش، ح) (الله).

(1/501)


فلكلِّ (1) ذِكْرٍ موطن يخصُّه، لا يقوم غيره مقامه فيه.
قالوا: ولهذا لا تشرع الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – في الركوع ولا السجود، ولا قيام الاعتدال من الركوع، وتشرع في التشهد الأخير، إمَّا مشروعية وجوب، أو استحباب، ورووا حديثًا عن النبي – صلى الله عليه وسلم -:
458 – “لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس” (2)، وهذا الحديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السجزي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي (3)، عن أبيه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكره، وله ثلاث علل:
إحداها: تفرد سليمان بن عيسى به، قال البيهقي (4): “وهو في عِدَادِ مَنْ يضع الحديث”.
الثانية: ضعف عبد الرحيم العمي.
الثالثة: انقطاعه.
__________
(1) في (ب، ش) (فكل) وهو خطأ.
(2) أخرجه البيهقي في الكبرى (9/ 286). وهو حديث موضوع، وسيأتي بيان عِلَّته.
(3) من سنن البيهقي، ووقع في (ظ) (عن كثير عن عويد عن أبيه)، وفي (ش) ( … العمّي كثير عن عويز عن أبيه)، وفي (ب) ( … العمّي كسير عن عوير عن أبيه)، وفي (ح) ( .. العمّي كسير عن غوير عن النبي – صلى الله عليه وسلم -)، وفي (ت) ( … العمي كثير عن عويد عن أبيه .. ) وفي (ج) كذا كثير وكلها خطأ.
(4) في سننه الكبرى (9/ 286).

(1/502)


459 – قال البيهقي: وقد روينا في الصلاة عند العطاس: ما أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا عبد الله الصفار، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا عباد بن زياد، فذكر الأثر المتقدم (1).

فصل الموطن التاسع والعشرون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – بعد الفراغ من الوضوء
460 – قال أبو الشيخ في كتابه (2): حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن شبيب، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا محمد بن جابر، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليصل علي، فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة”.
__________
(1) رقم (457).
(2) الثواب، وفضائل الأعمال، ومن طريقه، أبو موسى المديني كما في القول البديع ص 166.
وهو حديث منكر، محمد بن جابر هو أبو عبد الله اليمامي، ضعيف، وحديثه هذا لعله مما أخذه تلقينًا. انظر: تهذيب الكمال (24/ 564 – 569).
وهذا الحديث معروف بيحيى بن هاشم عن الأعمش، ويحيى متروك الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى (1/ 44).

(1/503)


هذا حديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (1)، وعقبة بن عامر (2)، وثوبان (3)، وأنس (4)، ليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية.
461 – وقال ابن أبي عاصم في كتابه (5): حدثنا دحيم، حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده، يرفعه: “لا وضوء لمن لم يصل عبى النبي – صلى الله عليه وسلم -“.
وعبد المهيمن لا يُحْتَجُّ به، وقد تقدم الحديث.

فصل الموطن الثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند دخول المنزل
462 – ذكره الحافظ أبو موسى المديني (6)، وروى فيه من
__________
(1) عند الترمذي (55) وغيره، وهو خطأ من مسند عمر، صوابه من مسند عقبة بن عامر، وانظر: مسند أحمد (4/ 145 – 146).
(2) عند مسلم في (2) الطهاره (234).
(3) عند الطبراني في الكبير (2/ 100) رقم (1441) وسنده ضعيف، فيه أبو سعد البقَّال.
(4) عند ابن ماجه رقم (469) وغيره، وسنده ضعيف. قال البوصيري: “فيه زيد العمي، وهو ضعيف”. انظر: مصباح الزجاجة (1/ 187)، وانظر: نتائج الأفكار (1/ 237 – 247)، والقول البديع ص 166.
(5) تقدم برقم (36).
(6) رواه أبو موسى المديني بسند ضعيف. قاله السخاوي في القول البديع =

(1/504)


حديث أبي صالح بن المهلب، عن أبي بكر بن عمران، حدثني محمد بن العباس بن الوليد، حدثني عمرو بن سعيد (1)، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني محمد بن عجلان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فشكا إليه الفقر، وضيق العيش أو المعاش، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد، أو لم يكن فيه أحد، ثم سلم علي، واقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، مرة واحدة”. ففعل الرجل، فأدر الله عليه الرزق حتى أفاض (2) على جيرانه وقراباته.

فصل الموطن الحادي والثلاثون من مواطن الصَّلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – في كل موطن يجتمع فيه لذكر الله تعالى
463 – لحديث أبي هريرة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: اقعدوا، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم، فإذا صلوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – صلوا معهم، حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبى لهؤلاء يرجعون مغفورًا لهم” (3).
__________
= ص 124.
(1) في (ب، ت، ش، ح) (عمر بن سعد)، وفي (ج) (عمر بن سعيد).
(2) في (ح) (أفاد) وهو خطأ.
(3) تقدم برقم (31) وهو منكر بهذا اللَّفظ.

(1/505)


وأصل الحديث في مسلم (1)، وهذا سياق مسلم بن إبراهيم الكشي، حدثنا عبد السلام بن عجلان، حدثنا أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة فذكره.

فصل الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – إذا نَسِيَ الشَّيء وأراد (2) ذِكْرَه.
464 – ذكره أبو موسى المديني (3): وروى فيه من طريق محمد بن عتاب المروزي، حدثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي، حدثنا عبيد الله بن عبد الله العتكي، أنبأنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا نسيتم شيئًا فصلوا علي تذكروه إن شاء الله”.
قال الحافظ: وقد ذكرناه من غير هذا الطريق في كتاب “الحفظ والنسيان”.
__________
(1) في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم (2685).
(2) في (ظ، ت، ج) (أو أراد) وهو خطأ.
(3) أخرجه أبو موسى المديني بسند ضعيف. قاله السخاوي في القول البديع ص 217.
قلت: والحديث منكر باطل، عبيد الله العتكي يروي عن أنس مناكير، وسعدان بن عبدة القداحي قال ابن عدي: غير معروف. انظر: الكامل (4/ 332 – 333).

(1/506)


فصل الموطن الثالث والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند الحاجة تعرض للعبد
465 – قال أحمد بن موسى الحافظ (1): حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن أسيد، حدثنا إسماعيل بن يزيد، حدثنا إبراهيم بن الأشعث الخراساني، حدثنا عبد الله بن سفيان (2)، عن عقبة بن أبي عائشة المدني، عن أبي سهل بن مالك، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من صلى علي مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة حاجة، عجل له منها ثلاثين حاجة، وأخر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك”. قالوا: وكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: ” {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]، اللهم صل عليه، حتى تعد مائة مرة”.
466 – وقال إبراهيم بن الجنيد (3): حدثنا إسماعيل بن خديج
__________
(1) أخرجه أحمد بن موسى الحافظ بسند ضعيف. قاله السخاوي في القول البديع ص 169، وابن النجار كما في الكنز (1/ رقم 2232).
فيه إبراهيم بن الأشعث: منكر الحديث. اللسان (1/ 132).
(2) وقع في الأصول (سنان بن عقبة .. ) والتصويب من التاريخ الكبير للبخاري (5/ 101) و (6/ 436).
(3) أخرجه عبد الرزاق (10/ 441) رقم (19642) من طريق معمر عن أبي =

(1/507)


ابن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود – رضي الله عنه- قال: “إذا أردت أن تسأل الله حاجة فابدأ بالمدحة والتحميد والثناء على الله عز وجل بما هو أهله، ثم صل على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم ادع بعد، فإن ذلك أحْرى أن تُصيب حاجتك”.
467 – وقال الطبراني (1): حدثنا سهل بن موسى، حدثنا زُرَيْق (2) بن السَّخْت، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا فائد أبو الورقاء، حدثنا عبد الله بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: “من كان له إلى الله عز وجل حاجة فليتوضأ، وليحسن وضوءه، وليركع (3) ركعتين، وليثن على الله عز وجل، وليصل على النبي – صلى الله عليه وسلم -، وليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله سبحان الله رب العرش الكريم، والحمد لله رب العالمين، أسألك بموجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل ذنب، لا تدع لي همًا إلا فرجته، ولا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا حاجة هي (4) لك فيها رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين”.
__________
= إسحاق به نحوه.
وفي سنده انقطاع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه،
(1) تقدم برقم (106).
(2) انظر توضيح المشتبه (4/ 178 – 179) (زريق).
(3) وقع في (ب) جملة (وليركع ركعتين) بعد جملة (وليثن على الله).
(4) من (ب، ظ، ت) قوله (هي).

(1/508)


468 – وقال ابن منده الحافظ (1): حدثنا عبد الصمد العاصمي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد المستملي، حدثنا محمد بن درستويه، حدثنا ابن متويه، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عباس بن بكار، حدثنا أبو بكر الهذلي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من صلى علي كل يوم مائة مرة، قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته، وثلاثين منها لدنياه” قال الحافظ أبو موسى: “هذا حديث حسن”.
قلت: قد تقدم حديث فضالة بن عبيد (2)، وأبي بن كعب (3) في ذلك. والله أعلم.

فصل الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند طَنِيْن الأُذُن.
469 – ذكره أبو موسى، وغيره. قال ابن أبي عاصم في
__________
(1) أخرجه ابن منده، وقال الحافظ أبو موسى المديني: “حديث غريب حسن”. ذكره السخاوي في القول البديع ص 123.
قلت: وهو حديث موضوع، فيه أبو بكر الهذلي البصري: متروك، وقال غندر: “كان يكذب”. انظر: تهذيب الكمال (33/ 159 – 161).
(2) رقم (44).
(3) رقم (73).

(1/509)


كتابه (1): حدثنا أبو الربيع، قال: حدثنا حبان (2) بن عدي، قال: حدثنا محمد بن عبيد الله (3)، عن أبي رافع، عن أخيه عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا طنت أذن أحدكم فليصل علي، وليقل: ذَكَر اللهُ بخيرٍ من ذكرني”.
ورواه معمر بن محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، لم يذكر عبد الله في الإسناد (4)، وفي رواية: “ذكر الله من ذكرني (5) بخير”.

فصل الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عقيب الصلوات.
ذكره الحافظ أبو موسى وغيره. ولم يذكروا في ذلك سوى حكاية ذكرها أبو موسى المديني (6): من طريق عبد الغني بن سعيد، قال: سمعت إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل المحاسب (7)، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر، قال: (كنت عند أبي بكر بن
__________
(1) في الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – رقم (81)، وقد تقدم تخريجه رقم (104).
(2) في (ظ، ت، ج) (حسّان) وهو خطأ.
(3) في (ح) (عبد الله).
(4) تقدم برقم (105) ص 94 – 95، هو غير ثابت.
(5) وقع في (ش) (ذكر بخير) بدلًا من (ذكرني بخير).
(6) وابن بشكوال وعبد الغني بن سعيد كما في القول البديع ص 167.
(7) في (ظ، ت، ج) (الحاسب).

(1/510)


مجاهد، فجاء الشبلي، فقام إليه أبو بكر بن مجاهد فعانقه، وقبل بين عينيه، فقلت له: يا سيدي، تفعل هذا بالشبلي، وأنت وجميع (1) مَنْ ببغداد يتصورون (2) أنه مجنون؟ فقال لي: فعلت به كما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعل به، وذلك أني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المنام، وقد أقبل الشبلي، فقام إليه، وقبل بين عينيه. فقلت: يا رسول الله! أتفعل هذا بالشبلي؟ فقال: “هذا يقرأ بعد صلاته: ({لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128]، إلى آخرها ويتبعها بالصلاة عليَّ”، وفي رواية: “أنه لم يصل صلاة فريضة إلا ويقرأ خلفها) (3) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخر السورة، ويقول ثلاث مرات: صلى الله عليك يا محمد” قال: فلما دخل الشبلي سألته (4) عما يَذْكُرُ بعد الصلاة، فذكر مثله).

فصل الموطن السادس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند الذَّبِيْحَة.
وقد اختلف في هذه المسألة، فاستحبها الشافعي رحمه
__________
(1) سقط من (ب، ش) الواو من (وجميع).
(2) في (ب، ش) (يتصوّر به)، وفي (ظ، ح، ج) (يتصورونه).
(3) سقط من (ب، ش) من قوله (لقد جاءكم … -إلى- قوله ويقرأ خلفها).
(4) في (ش) (سأله).

(1/511)


الله، قال (1): “والتسمية على الذبيحة بسم الله، فإن زاد (2) بعد ذلك شيئًا من ذكر الله تعالى فالزيادة خير، ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله، بل أحبّه له، وأحبّ له (3) أن يكثر الصلاة عليه على كل الحالات؛ لأن ذكر الله بالصلاة (4) عليه إيمان بالله وعبادة له، يؤجر عليها إن شاء الله تعالى من قالها. وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف؛ أنه كان مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فتقدمه النبي – صلى الله عليه وسلم -، فتبعه، فوجده عبد الرحمن ساجدًا، فوقف ينتظره فأطال، ثم رفع، فقال عبد الرحمن: لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك، فقال:
470 – “يا عبد الرحمن، إني لما كنت حيث رأيت لقيني جبريل فأخبرني عن الله؛ أنه قال: من صلى عليك صليت عليه، فسجدت لله شكرًا”. وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
471 – “من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة”” (5). وبسط رحمه الله الكلام في هذا.
ونازعه في ذلك آخرون، منهم أصحاب الإمام أبي حنيفة (6)
__________
(1) انظر: الأم (3/ 621 – 622) ط. دار الوفاء.
(2) في الأم (فإذا زاد .. ).
(3) من الأم (3/ 622) (له).
(4) في الأم (والصلاة).
(5) تقدما برقم (69, 70) و (27 و 87 و 131 و 155 و 157).
(6) انظر: بدائع الصنائع للكاساني (5/ 119)، وفتح القدير (9/ 492).

(1/512)


رحمه الله تعالى، فإنهم كرهوا الصلاة في هذا الموطن، ذكره صاحب “المحيط” وعَلَّله بأن قال: لأنَّ فيه إيهام (1) الإهلال لغير الله تعالى.
واختلف أصحاب الإمام أحمد رحمه الله (2) تعالى فكرهها القاضي وأصحابه، وذكر الكراهة أبو الخطاب في “رؤوس المسائل”.
وقال ابن شاقِلَّا: تستحب. كقول الشافعي.
واحْتَجَّ مَن كرهها بأن قالوا: روى أبو محمد الخلال بإسناده (3)، عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:
472 – “موطنان لا حظ لي فيهما: عند العطاس والذبح”.
واحتجوا بحديث سليمان بن عيسى السجزي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وأنه غير ثابت (4).
__________
(1) سقط من ظ فقط (إيهام).
(2) انظر: مسائل عبد الله بن أحمد (3/ 861) رقم (1154)، والشرح الكبير مع الإنصاف (27/ 326)، والفروع لابن مفلح (6/ 317).
(3) عزاه له السخاوي في القول البديع ص 205، وهو لا يثبت.
(4) برقم (458).

(1/513)


فصل الموطن السابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – في الصلاة في غير التشهد.
بل في حال القراءة إذا مَرَّ بذكره، أو بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 56]، ذكره أصحابنا، وغيرهم، قالوا: متى مَرَّ بذكره في القراءة وَقَفَ وصلَّى عليه.
473 – وقال إسماعيل بن إسحاق (1): حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا بشر بن منصور، عن هشام، عن الحسن، قال: “إذا مرّ بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فليقف، وليصل عليه في التطوع”.
ونص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على ذلك فقال: “إذا مر المصلي بآية فيها ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن كان في نفل صلى عليه – صلى الله عليه وسلم -“.
__________
(1) أخرجه إسماعيل القاضي والنميري كما في القول البديع ص 167، وسنده صحيح إلى الحسن.
تنبيه: لم أقف على هذا الأثر في فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – لإسماعيل القاضي، تحقيق: الألباني، وتحقيق غيره.

(1/514)


فصل الموطن الثامن والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – بَدَل الصَّدقة
لمن لم يكن له مال فتجزئ الصلاة عليه عن الصدقة للمعْسر.
474 – قال ابن وهب (1): عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمدٍ عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها له زكاة”.
رواه عنه ابن أخيه، وهارون بن معروف.
__________
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (640)، وابن حبان (3/ 185) رقم (903)، والحاكم في المستدرك (4/ 130) رقم (7175) وغيرهم.
وسنده ضعيف، لضعف رواية دراج عن أبي الهيثم، وفي متنه نكاره، وعَدَّه ابن عدي في منكرات دَرَّاج. انظر: الكامل (3/ 114).
وانظر: تهذيب الكمال (8/ 477 – 480)، والمطالب العالية (13/ رقم 3335)، والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الهيثمي والمناوي.

(1/515)


فصل الموطن التاسع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند النوم.
475 – قال أبو الشيخ في كتابه (1): أخبرنا إسحاق بن إسماعيل الرَّملِي (2)، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا محمد بن نَشْر، حدثنا محمد بن عامر، قال: قال أبو قرصافة: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من أوى إلى فراشه ثم قرأ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1]، ثم قال: اللهم رب الحل والحرم، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام، بحق كل آيةٍ أنزلتها في شهر رمضان، بلغ روح محمد – صلى الله عليه وسلم – مني تحية وسلامًا، أربع مرات، وكل الله تعالى بها الملكين حتى يأتيا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – فيقولان له: يا محمد إن فلان ابن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة الله. فيقول: وعلى فلان مني السلام ورحمة الله وبركاته”.
قال الحافظ أبو موسى: “نَشْر” والد “محمد” بفتح النون.
قلت: وأبو قرصافة، ذكره ابن عبد البر في كتاب
__________
(1) أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ رقم 597)، وفي الثواب، والديلمي في مسند الفردوس، والضياء في المختاره وقال: غريب جدًا، كما في القول البديع ص 207، وكنز العمال (15/ رقم 346).
وهو حديث ضعيف جدًا، ويأتي عِلّته.
(2) في (ظ، ت، ج) (البرمكي)، وهو خطأ.

(1/516)


الصحابة (1)، وقال اسمه: “جندرة” من بني كنانة، له صحبة، سكن فلسطين، وقيل: كان يسكن تهامة. ولكن محمد بن نشر هذا هو المدني، قال فيه الأزدي (2): “متروك الحديث مجهول”.
قلت: وعلَّة الحديث أنه معروف من قول أبي جعفر الباقر، وهذا أشبه. والله أعلم.

فصل الموطن الأربعون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – عند كلِّ كلامِ خيرٍ (3) ذي بال
فإنه يبتدئ بحمد الله والثناء عليه، ثم بالصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم يذكر كلامه بعد ذلك.
أما ابتداؤه بالحمد فلما في “مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى (4)، و”سنن أبي داود” (5): من حديث أبي هريرة رضي الله
__________
(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 296) رقم (3165). وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 644) رقم (542).
(2) انظر: الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 104) رقم (3228)، وانظر: لسان الميزان (5/ 398).
(3) من (ش)، وفي (ظ، ت، ج) (عند كل ذي كلام، ذي بال)، وفي (ب) (عند كل كلامٍ ذي بال).
(4) (2/ 359).
(5) رقم (484)، وابن ماجه (1894)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (494)، وابن حبان رقم (1، 2) وغيرهم. تفرد به قُرَّة بن عبد الرحمن عن الزهري عن =

(1/517)


عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:
476 – “كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم”.
وأما الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فروى أبو موسى المديني من حديث إسماعيل بن أبي زياد، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:
477 – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “كل كلام لا يذكر الله فيه، فيبدأ به وبالصلاة عليَّ، فهو أقطع ممحوق من كل بركة” (1).
__________
= أبي سلمة عن أبي هريرة وهو حديث منكر، لتفرد قُرَّة به، وهو ضعيف في الزهري، وخالفه أصحاب الزهري فأرسلوه، وهو الصواب كما قاله الدارقطني.
انظر: علل الدارقطني (8/ 29 – 30) رقم (1391)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (1/ 5 – 21).
(1) أخرجه الخليلي في منتخب الإرشاد (1/ 449) رقم (119)، والسبكي في طبقات الشافعية (1/ 15) وغيرهما.
وهو حديث باطل، تفرد به إسماعيل بن أبي زياد الشامي، قال الدارقطني: متروك يضع الحديث. انظر: لسان الميزان (1/ 523) رقم (1289).

(1/518)


فصل الموطن الحادي والأربعون من مواطن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – في أثناء تكبيرات (1) صلاة العيد
فإنه يستحب أن يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
478 – قال إسماعيل بن إسحاق (2): حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام الدستوائي، حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة؛ أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يومًا (3)، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ قال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع، ثم تقوم وتقرأ وتحمد ربك، وتصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – محمد، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع. فقال حذيفة، وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن.
وفي هذا الحديث الموالاة بين القراءتين، وهي مذهب أبي
__________
(1) إضافة من (ظ، ت، ج) (تكبيرات).
(2) في فضل الصلاة رقم (88، 89) وتقدم الكلام عليه رقم (169).
(3) وقع في (ح) فقط (بيوم).

(1/519)


حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد (1)، وفيه تكبيرات العيد الزوائد ثلاثًا ثلاثًا، وهو مذهب أبي حنيفة (2)، وفيه حمد الله والصلاة على رسوله بين التكبيرات، وهو مذهب الشافعي وأحمد (3)، فأخذ أبو حنيفة به في عدد التكبيرات والموالاة بين القراءتين، وأخذ به أحمد والشافعي في استحباب الذكر بين التكبيرات.
وأبو حنيفة ومالك (4) يَسْتحبَّان سرد التكبيرات من غير ذكر بينهما، ومالك لم يأخذ به في هذا ولا في هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سقط من (ب) من قوله (واحدى الروايتين عن أحمد) إلى قوله (مذهب أبي حنيفة).
(2) انظر: بدائع الصنائع للكاساني (1/ 411).
(3) انظر: المغني لابن قدامة (3/ 274)، والمجموع للنووي (5/ 15 – 16).
(4) انظر: مواهب الجليل للحطاب (2/ 572).

(1/520)


الباب الرابع (1) في الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم –
الأولى: امتثالُ أمْر الله سبحانه وتعالى.
الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف كما تقدم.
الثالثة: موافقة ملائكته فيها.
الرابعة: حصول عشر صلوات من الله عَلَى المُصَلِّي عليه (2) مرّة.
الخامسة: أنه يُرْفَعُ له عشر درجات.
السادسة: أنه يُكْتَبُ له عشر حسنات.
السابعة: أنه يُمْحَى عنه عشر سيئات.
الثامنة: أنه يُرْجَى إجابة دعائه إذا قدَّمها أمامه، فهي تصاعد
__________
(1) في جميع النسخ (الخامس)، وظاهر كلام المؤلف في أول الكتاب ومقتضاه أنه (الرابع).
(2) من (ش، ب) قوله (عليه)، وسقط من باقي النسخ.

(1/521)


الدعاء إلى عند ربِّ العالمين، وكان موقوفًا بين السماء والأرض قبلها (1).
التاسعة: أنها سبب لشفاعته – صلى الله عليه وسلم – إذا قرنها بسؤال (2) الوسيلة له (3) أو أفردها، كما تقدم حديث رُوَيْفِع بذلك (4).
العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب، كما تقدم.
الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمَّه.
الثانية عشرة: أنها سبب لقرب العبد منه – صلى الله عليه وسلم – يوم القيامة، وقد تقدم حديث ابن مسعود بذلك (5).
الثالثة عشرة: أنها تقوم مقام الصَّدقة لذي العُسْرَة.
الرابعة عشرة: أنها سبب لقضاء الحوائج.
الخامسة عشرة: أنها سبب لصلاة الله على المصلِّي وصلاة ملائكته عليه.
السادسة عشرة: أنها زكاة للمصلي وطهارة له.
السابعة عشرة: أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته، ذكره
__________
(1) سقط من (ظ، ت، ج) من قوله (وكان موقوفًا) إلى (قبلها).
(2) سقط من (ب) قوله (بسؤال).
(3) سقط من (ش) قوله (له).
(4) تقدم برقم (107، 108).
(5) تقدم برقم (41).

(1/522)


الحافظ أبو موسى في كتابه، وذكر فيه حديثًا (1).
الثامنة عشرة: أنها سبب للنَّجاة من أهوال يوم القيامة، ذكره أبو موسى وذكر فيه أيضًا حديثًا (2).
التاسعة عشرة: أنها سبب لِردِّ النَّبي صلى الله تعالى عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه.
العشرون: أنها لسب لتذكر العبد ما نَسِيَه، كما تقدم (3).
الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حَسْرة على أهله يوم القيامة.
الثانية والعشرون: أنها سبب لنفي الفقر، كما تقدم (4).
الثالثة والعشرون: أنها تنفي عن العبد اسم البُخْل إذا صلى عليه عند ذكره – صلى الله عليه وسلم -.
الرابعة والعشرون: نجاته من الدُّعاء عليه بِرُغْمِ الأنْف إذا تَرَكَها عند ذكره – صلى الله عليه وسلم – (5).
__________
(1) انظره في القول البديع ص 127 وهو حديث منكر. قاله ابن حجر والسخاوي.
(2) انظره في القول البديع ص 116 وهو حديث ضعيف جدًا.
(3) رقم (464).
(4) رقم (453).
(5) سقط من (ظ، ت) الفائدة الرابعة والعشرون كاملة.

(1/523)


الخامسة والعشرون: أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها (1).
السادسة والعشرون: أنها تنجي من نَتَنِ المجلس الذي لا يُذكرُ فيه الله ورسوله، ويُحْمد الله تعالى ويُثْنى عليه فيه، ويُصلَّى على رسوله – صلى الله عليه وسلم -.
السابعة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله – صلى الله عليه وسلم -.
الثامنة والعشرون: أنها سبب لوفور نور العبد على الصِّراط، وفيه حديث ذكره أبو موسى وغيره (2).
التاسعة والعشرون: أنه يخرج بها العبد عن الجفاء.
الثلاثون: أنها سبب لإلقاء (3) الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض: لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلابُدَّ أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.
الحادية والثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره، وأسباب مصالحه، لأن المصلي داعٍ ربه أن يبارك عليه
__________
(1) في (ب، ش) (طريق الجنة) بدلًا من (طريقها).
(2) انظره في الترغيب والترهيب للأصبهاني (2/ 1682) وهو ضعيف جدًا.
(3) في (ح) (لإبقاء).

(1/524)


وعلى آله، وهذا (1) الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.
الثانية والثلاثون: أنها سبب لنيل رحمة الله له، لأن الرحمة: إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلابد للمصلي عليه من رحمة تناله.
الثالثة والثلاثون: أنها سبب لدوام محبَّته للرسول – صلى الله عليه وسلم – وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يَتِمُّ إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضارِهِ في قلبه، واستحضارِ محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه = تضاعف حُبُّهُ له (2) وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه. وإذا أعْرَض عن ذكره وإخْطارِهِ وإِخْطارِ (3) محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه. ولا شيء أَقرَّ لعين المُحِبِّ من رؤية محبوبه، ولا أَقرَّ لقلبه من ذكره وإخطاره وإخطار (4) محاسنه. إذا قوي هذا في قلبه، جرى لسانه بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه يحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك، حتى قال بعض (5) الشعراء في ذلك:
__________
(1) ليس في (ب) فقط (هذا).
(2) ليس في (ب) (له).
(3) وقع في (ح) (وإحضاره وإحضار … )، وانظر اللسان (4/ 249) (مادة: خطر).
(4) وقع في (ح) (ذكره واحضار محاسنه … ).
(5) سقط من (ح) (بعض).

(1/525)


عَجِبْتُ لِمَنْ يَقُولُ: ذَكَرْتُ حِبِّي … وَهلْ أنْسَى فأذْكُرُ ما نَسِيْتُ؟! (1)
فتعجب هذا المحب ممن يقول: ذكرت محبوبي، لأن الذكر يكون بعد النسيان، ولو كمل حب هذا لما نسي محبوبه.
(وقال آخر:
أُرِيْدُ لأنْسَى ذِكْرَهَا فكأنَّمَا … تَمَثَّلُ لِيْ لَيْلَى بكلِّ سَبِيْلِ
فهذا أخبر عن نفسه أن محبته لها مانع له من نسيانها) (2).
وقال آخر (3):
يُرَادُ مِنَ القَلْبِ نِسْيَانكُم … وتَأْبَى الطِّبَاعُ على النَّاقِل
فأخبر أن حبهم وذكرهم قد صار طبعًا له، فمن أراد منه خلاف ذلك أبت عليه طباعه أن تنتقل عنه، والمثل المشهور: “من أحب شيئًا أكثر من ذكره” (4)، وفي هذا الجناب الأشرف أحق ما أُنشد:
لَوْ شُقَّ عَنْ قَلْبِي فِرَى وسطه (5) … ذِكْرُك والتَّوحِيْد فِيْ سَطْرِ
__________
(1) في (ح) (من نسيت) و (ج) (فإذا) بدل (فاذكر) والبيت لم أقف عليه.
(2) سقط من (ب، ش) من قوله (وقال آخر أريد لأنسى … ) إلى قوله (له من نسيانها)، وانظر البيت لِكُثَيِّرِ عزَّة في ديوانه ص 108. ط: إحسان عباس.
(3) هو المتنبي انظر ديوانه (2/ 26 – العرف الطَّيِّب).
(4) انظر: مجمع الأمثال للميداني (2/ 329).
(5) وقع في (ظ، ج) فقط (وجهه)، وفي (ش، ب) (قرى) بدلًا من (فرى)، والبيت لم أقف عليه.

(1/526)


فهذا قلب المؤمن: توحيدُ الله وذكرُ رسوله – صلى الله عليه وسلم – مكتوبان فيه لا يتطرَّق إليهما (1) مَحْو ولا إزالة، ولمَّا كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبَّته، ونسيانه سببًا لزوال محبته أو ضعفها، وكان الله سبحانه هو المستحقُّ من عباده نهاية الحبِّ مع نهاية التعظيم، بل الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو أن يُشْرك به في الحُبِّ والتَّعظيم، فيحِب غيره ويعظم من المخلوقات غيره (2) ، كما يحب الله تعالى ويعظمه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، فأخبر سبحانه أن المشرك يُحِبُّ النِّدَّ كما يُحِبُّ اللهَ تعالى، وأن المؤمن أشدُّ حُبًّا لله من كل شيء، وقال أهل النار في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء: 97 – 98]، ومن المعلوم أنَّهم إنَّما سَوُّوهم به سبحانه في الحبّ والتألّه والعبادة (3)، وإلا فلمْ يقل أحد قطُّ إنَّ الصَّنَم أو غيره من الأنداد مساوٍ لرب العالمين سبحانه وتعالى في صفاته، وفي أفعاله، وفي خلق السماوات والأرض، وفي خلق عباده (4) أيضًا، وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة.
وأضلُّ من هؤلاء وأسوأ حالًا مَنْ سوَّى كل شيء بالله سبحانه
__________
(1) في (ب) (إليها).
(2) من (ح) فقط.
(3) سقط من (ش).
(4) في (ش، ح، ب) (عابده).

(1/527)


في الوجود، وجعله وجود كل موجود كامل أو ناقص، فإذا كان الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوى بينه وبين الأصنام في الحب، مع اعتقاد تفاوت ما بين الله وبين خلقه في الذَّات والصفات والأفعال، فكيف بمن سوَّى الله بالموجودات في جميع ذلك، وزعم أنه ما عَبَدَ غيرَ الله في كل معبود.
والمقصود: أن دوام الذكر لما كان سببًا لدوام المحبة، وكان الله سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال= كان كثرة ذكره من أنفع ما للعبد، وكان عدوه حقًا هو الصاد له عن ذكر ربه عز وجل وعبوديته؛ ولهذا أَمَرَ سبحانه بكثرة ذكره في القرآن، وجعله سببًا للفلاح، فقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة: 10]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)} [الأحزاب: 41]، وقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] , وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، وقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
479 – وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “سَبَقَ المُفرِّدُون”، قالوا: يا رسول الله وما المُفَرِّدُون؟ قال: “الذَّاكِرُون اللهَ كثيرًا والذَّاكِرات” (1).
__________
(1) أخرجه مسلم في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم (2676) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/528)


480 – وفي الترمذي (1): عن أبي الدرداء، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -, أنه قال: “ألا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ “، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “ذكر الله”، وهو في الموطأ موقوف على أبي الدرداء.
481 – قال معاذ بن جبل: “ما عمل آدمي عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله” (2). وذكر رسوله – صلى الله عليه وسلم – تبع لذكره.
والمقصود: أنَّ دوامَ الذِّكْر سببٌ لدوام المحبَّة، فالذِّكْر
__________
(1) رقم (3377)، وابن ماجه (3790)، وأحمد (5/ 195)، والبيهقي في الدعوات رقم (20) وغيرهم من طرق، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء فذكره.
وهو معلول، خالفه الإمام مالك وموسى بن عقبة فروياه عن زياد عن أبي الدرداء موقوفًا، بإسقاط (أبي بحرية).
أخرجه مالك في الموطأ برقم (564)، وأحمد في المسند (6/ 477) و (5/ 195) وهذا الصواب، وعليه فهو منقطع موقوف.
وروي موقوفًا من وجه آخر عن أبي الدرداء. أخرجه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 96 – 97) من طريق جعفر الفريابي في “الذكر” * وسنده حسن *
(2) أخرجه الترمذي (3377)، وابن ماجه (3790)، والبيهقي في الدعوات رقم (20) وغيرهم بالإسناد السابق وفيه علة الانقطاع.
ورواه سعيد بن المسيب عن معاذ موقوفًا، وهو منقطع.
أخرجه الفريابي في الذكر (1/ 97، نتائج الأفكار).

(1/529)


للقلب كالماء للزَّرع، بل كالماء للسَّمك، لا حياةَ له إلا به.
وهو (1) أنواع:
– ذكْرُه بأسمائه، وصفاته، والثناء عليه بها (2).
– الثاني: تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده، وهو (3) الغالب من استعمال لفظ الذِّكر عند المتأخرين (4).
– الثالث: ذِكْرُه بأحكامه وأوامره ونواهيه، وهو ذِكْرُ أهل العلم، بل الأنواع الثلاثة هي ذِكْرُهم لربِّهم.
– ومن أفضل ذِكْرِهِ ذِكْرُهُ بكلامه، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} [طه: 124]، فذِكْرُهُ هنا: كلامُه الذي أنْزله على رسوله، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28].
– ومن ذِكْره سبحانه: دعاؤه واستغفاره والتَضرُّع إليه.
فهذه خمسة أنواع من الذِّكْر.
الفائدة الرابعة والثلاثون: أن الصَّلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – (سَبَبٌ لِمَحبَّته للعبد، فإنها إذا كانت) (5) سببًا لزيادة محبَّة المصلّى عليه له،
__________
(1) في (ب، ش) (وهذه).
(2) سقط من (ظ، ت، ج) قوله (بها).
(3) وقع في (ظ، ج) فقط (والغالب) بدلًا من (وهو الغالب).
(4) في (ش، ظ، ج) (عند المتأخرين هذا).
(5) وقع في (ب) قول (كما كانت) بدلًا مما بين القوسين.

(1/530)


فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلي عليه – صلى الله عليه وسلم -.
الخامسة والثلاثون: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كُلَّما أكثر الصَّلاة عليه وذكره، اسْتَوْلت محبته على قلبه، فلا (1) يبقى في قلبه معارضة (2) لشيء من أوامره، ولا شك في شيء ممَّا جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبًا مسطورًا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويَقْتَبِس الهُدَى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلَّما ازداد في ذلك بصيرة وقُوَّة ومعرفة، ازدادت صَلاته عليه – صلى الله عليه وسلم -.
ولهذا صلاة أهل العلم – العارفين بسُنَّته وهدْيه المتَّبِعين له – عليه، خلافُ صلاة العوام عليه (3)، الذين حَظُّهم منهَا إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم، وأما أتباعه (4) العارفون بسنته العالِمُون بما جاء به، فصلاتهم عليه نوع آخر، فكُلَّما ازْدَادوا فيما جاء به معرفة، ازدادوا له محبَّةً ومعرفةً بحقيقة الصَّلاة المطلوبة له من الله تعالى.
وهكذا ذِكْرُ الله سبحانه، كلَّما كان العبدُ به أعْرف، وله أطْوع، وإليه أحبّ، كان ذِكْرُهُ غير ذِكْرِ الغافلين اللَّاهِيْن، وهذا أمْر إنَّما يُعْلَم بالخُبْرِ لا بالخَبَرِ، وفرق بين مَنْ يذكر صفات محبوبه
__________
(1) في (ح) (حتى لا يبقى في).
(2) في (ش) (معاوضة) وهو خطأ.
(3) في (ب، ش) (عليهم).
(4) في (ب) (أتباعهم).

(1/531)


الذي قد ملك حُبُّه جميع قلبه، ويثني عليه بها ويمجِّده بها، وبيْن مَن يَذْكرها إمَّا إثارة وإما لفظًا، ولا يدري ما معناه، لا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرْق بَيْن بكاء النَّائِحة وبكاء الثَّكْلَى، فذِكْره – صلى الله عليه وسلم – وذِكْر ما جاء به، وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنِّه (1) بإرساله، هو حياة الوجود وروحه، كما قيل:
روْحُ المَجَالِسِ ذِكْرُه وحَدِيْثُه … وهدى لِكُلِّ مُلَدَّدٍ حَيْرَانِ
وَإِذَا أُخِلَّ بِذِكْرِه في مَجْلِسٍ … فأُولئكَ الأمْوَاتُ فِي الجُبَّانِ (2)
السادسة والثلاثون: أنها سبب لِعَرْض اسْم المُصلِّي عليه – صلى الله عليه وسلم – وذكره عنده، كما تقدم قوله – صلى الله عليه وسلم -:
482 – “إن صلاتكم معروضة علي” (3).
483 – وقوله: “إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام” (4)، وكفى بالعبد نُبْلًا أن يذكر اسمه بالخير (5) بين يَدَي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقد قيل في هذا المعنى:
ومَنْ خَطَرَتْ منْه بِبَالِك خَطْرَة … حَقِيْقٌ بأنْ يَسْمُو وأنْ يتَقَدَّمَا (6)
__________
(1) وقع في (ح) (ومنّته) بدلًا من (ومنِّه).
(2) في (ش) (الحِبَان) وفي (ب) (الجنان) وفي (ح، ظ) (الحيَّان)، والبيتان للصرصري في ديوانه * رقم (773 و 774) *.
(3) برقم (80 و 433).
(4) تقدم برقم (43، 119).
(5) سقط من (ح) (قوله (بالخير).
(6) لم أقف عليه.

(1/532)


وقال الآخر (1):
أَهْلًا بمَا لَمْ أكُنْ أهْلًا لِمَوْقِعِه … قَوْلَ المُبَشَّر بعْد اليَأسِ بالفَرَجِ
لَكَ البِشَارةُ فاخْلَع مَا عَليْكَ فَقْد … ذُكرْتَ ثَمّ عَلَى مَا فِيْكَ مِن عِوَجِ
السابعة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت (2) القدم على الصراط، والجواز عليه، لحديث عبد الرحمن بن سمرة (3) الذي رواه عنه سعيد بن المسيب في رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيه (4):
484 – “ورأيت رجلًا من أمتي يزحف على الصراط، ويحبو أحيانًا ويتعلق أحيانًا، فجاءته صلاته عليَّ فأقامته على قدميه وأنقذته”.
رواه أبو موسى المديني، وبنى عليه كتابه في “الترغيب والترهيب”، وقال: “هذا حديث حسن جدًا” (5).
__________
(1) هو ابن الفارض انظر ديوانه (2/ 80).
(2) في (ح) (لتثبت).
(3) أخرجه الطبراني في الكبير (كما في جامع المسانيد لابن كثير (8/ 331 – 333، رقم (6015)، وابن شاهين في الترغيب والترهيب رقم (526)، وابن حبان في المجروحين (3/ 44)، وبَحْشل في تاريخ واسط ص 169 – 171 وغيرهم، من طريق علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عنه فذكره مطولًا * ولا يصح الحديث إلى ابن جدعان، ولا إلى ابن المسيب. انظر العلل المتناهية رقم (1165، 1166) *, والقول البديع ص 119 – 120.
(4) سقط من (ح) قوله (وفيه).
(5) سقط من (ب، ش) هذه الجملة (وقال: هذا حديث حسن جدًا).

(1/533)


الثامنة والثلاثون: أن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – أداءٌ لأقل القليل من حَقِّه، وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علمًا، ولا قدرة، ولا إرادة، ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه.
التاسعة والثلاثون: أنها متضمِّنة لذِكْر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله، فالمصلي عليه – صلى الله عليه وسلم – قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله، كما عرفنا ربنا وأسمائه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه، فهي متضَمِّنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجود (1) الربِّ المَدْعو، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا ريب أن هذه هي أصول الإيمان، فالصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – متضمنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبته له، فكانت من أفضل الأعمال.
الأربعون: أن الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – من العبد هي دعاء، ودعاءُ العبد وسؤاله من ربه نوعان:
أحدهما: سؤاله حوائجه ومهمَّاته، وما ينوبه في الليل والنَّهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.
الثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه، ويزيد في تشريفه
__________
(1) في (ح) (بوجوب).

(1/534)


وتكريمه وإيثاره ذِكْره، ورفعه، ولا ريب أن الله تعالى يحبُّ ذلك، ورسوله يحبه – صلى الله عليه وسلم -، فالمصَلِّي عليه – صلى الله عليه وسلم – قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محابّ الله تعالى ورسولة، وآثر ذلك على طلبه حوائِجَهُ ومحابَّهُ هو، بل كان (1) هذا المطلوب من أحبِّ الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبّه الله ورسوله على ما يحبّه هو، فقد آثر الله ومحابَّه على ما سواه (2)، والجزاء من جنس العمل، فمن آثر الله على غيره آثره الله على غيره، واعْتَبِرْ هذا بما تَجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب إليهم (3) والمنزلة عندهم، فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحبَّ رعيته إليه، وكلما سألوه أن يزيد في حبائه وإكرامه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوتهم (4)، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوده، فأحبُّهم إليه أشدُّهم له سؤالًا وَرغبة أن يُتِمَّ عليه إنعامه وإحسانه، هذا أمر مشاهد بالحسِّ، ولا تكون منزلة هؤلاء ومنزلة من يسأل (5) المطاع حوائجه هو، وهو (6) فارغ من سؤاله تشريف محبوبه والإنعام عليه واحدةً، فكيف بأعظم مُحَبّ وأجلّه لأكرم محبوب وأحقّه بمحبة ربه له؟ ولو لم
__________
(1) ليس في (ب، ش)، قوله (كان).
(2) سقط من (ش)، ووقع في (ب) (نفسه ومحابه) بدلًا من (ما سواه).
(3) سقط من (ح)، ووقع في (ب) (إليه).
(4) وقع في (ب) (خطوتهم)، وفي (ح) (خطوبهم) وكلاهما خطأ.
(5) سقط من (ظ، ت) (من يسأل)، وفي (ح) (من سأل).
(6) سقط من (ح) (وهو).

(1/535)


يكن من فوائد الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شَرَفًا.
وههنا نكتة حسنة لمن عَلَّم أمته دِيْنَه وما جاءهم (1) به، ودعاهم إليه وحضَّهم عليه، وصبر على ذلك، وهي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – له من الأجر الزائد على أجر عمله مثل أجور من اتبعه، فالداعي إلى سنته ودينه، والمعلِّم الخير للأُمَّة إذا قصد توفير هذا الحظ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصرفه إليه، وكان مقصوده بدعاء الخلق إلى الله التقرب إليه بإرشاد عباده، وتوفير أجور المطيعين له على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع توفيتهم أجورهم كاملة، كان له من الأجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النِّيَّة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (2).
* * *
__________
(1) في (ب) (وما جاء – صلى الله عليه وسلم – به) وفي (ظ، ت) (وما جاء به).
(2) سقط من (ح).

(1/536)


الباب الخامس (1) في الصلاة على غير النبي وآله – صلى الله عليه وسلم – تسليمًا
أما سائر الأنبياء والمرسلين فيُصَلَّى عليهم (2) ويُسَلَّم.
قال تعالى عن نوح عليه السلام: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 78 – 80]، وقال عن إبراهيم خليله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) (3) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)} [الصافات: 108 – 109]، وقال تعالى في موسى وهارون: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120)} [الصافات: 119 – 120]، وقال تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} [الصافات: 130]، فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور.
وقد قال جماعة من المفسرين، منهم مجاهد وغيره (4):
__________
(1) في (ج) فقط (فصل)، وفي بقية النسخ (الباب السادس).
(2) من (ح) فقط (عليهم).
(3) سقط من (ظ، ت) ما بين القوسين، ووقع في (ج) اضطراب في العبارة.
(4) كابن عباس وقتادة والحسن والسُّدِّي وهو ثابت عنهم، وجاء أيضًا عن الضحاك ومقاتل وقول لابن عباس: “يذكر بخير”.
انظر: وتفسير الطبري (23/ 68)، معاني القرآن لأبي جعفر النحاس (6/ 37)، والوسيط للواحدي (3/ 527)، ومعالم التنزيل للبغوي (7/ 44)، وتفسير ابن كثير (4/ 14).

(1/537)


وتركنا عليهم في الآخرين: الثَّناء الحسن، ولسان الصدق للأنبياء كلّهم، وهذا قول قتادة أيضًا. ولا ينبغي أن يُحْكى هذا قولان للمفسرين، كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال (1). بل هما قول واحد، فمن قال: إنَّ المتروك هو السَّلام عليهم في الآخرين (2) نفسه، فلا ريب أن قوله: {سَلَامٌ عَلَى نُوْحٍ} هو جملة في موضع نصب (3) بتَرَكْنَا، والمعنى: أن العالمين يُسَلِّمون على نوحٍ ومن بعده من الأنبياءَ، ومَن فسَّره بلسان الصِّدق والثناء الحسن، نَظرَ إلى لازم السَّلام وموجبه، وهو الثناء عليهم، وما جعل لهم من لسان الصدق الذي لأجْله إذا ذُكِرُوا سُلِّمَ عليهم.
وقد زعمت طائفة، منهم ابن عطية (4) وغيره: أن من قال: تركنا عليه ثناء حسنًا ولسان صدق، كان {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وهو سلام من الله سلم به عليه. قالوا: فهذا السلام من الله أَمَنَة لنوح في العالمين أن يَذْكُره أحد بشرٍ. قاله الطبري (5)؛ وقد يُقوِّي هذا القول أنه سبحانه أخبر أن المتروك عليه هو في الآخرين، وأن السلام عليه في العالمين، وبأن ابن عباس رضي الله عنهما قال (6):
__________
(1) كالماوردي في تفسيره (النكت والعيون) (5/ 53).
(2) في (ح) (الأخرى) وهو خطأ.
(3) وهو قول الكوفيين. انظر: فتح القدير للشوكاني (4/ 483).
(4) في تفسيره المحرر الوجيز (13/ 241).
(5) وقع في (ح) (الطبراني) وهو خطأ، وانظر: تفسير الطبري (23/ 68).
(6) لم أقف عليه بهذا اللفظ عن ابن عباس، وإنما المعروف عن ابن عباس قال: =

(1/538)


485 – “أبقى الله عليه ثناءً حسنًا”.
وهذا القول ضعيف لوجوه:
أحدها: أنه يلزم منه حَذْف المفعول لـ “تركنا”، ولا يبقى في الكلام فائدة على هذا التقدير، فإن المعنى يؤول إلى أنا تركنا عليه في الآخرين أمرًا لا ذكر له في اللفظ، لأن السلام عند هذا القائل منقطع قبله، لا تعلق له بالفعل.
الثاني: أنه لو كان المفعول محذوفًا كما ذكروه، لذكره (1) في موضع واحد، ليدل على المراد منه عند حذفه، ولم يطرد حذفه في جميع من أخبر أنه ترك عليه في الآخرين الثناء الحسن، وهذه طريقة القرآن، بل وكل كلام فصيح أن يذكر الشيء في موضع، ثم يحذفه في موضع آخر، لدلالة المذكور على المحذوف، وأكثر ما تجده (2) مذكورًا، وحذفه قليل، وأما أن يحذف حذفًا مطردًا، ولم يذكره في موضع واحد، ولا في اللفظ ما يدل عليه، فهذا لا يقع في القرآن.
__________
= “يُذكر بخير”.
أخرجه الطبري (23/ 68)، وابن المنذر في تفسيره كما في الدر (5/ 524) وسنده حسن.
وإنما المعروف بهذا اللفظ وروده عن قتادة قال: “أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين”، وهو صحيح عنه.
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 123) رقم (2527)، والطبري في تفسيره (23/ 68) واللفظ له.
(1) في (ح) (ذكره، لذكروه) وهو خطأ.
(2) في (ش) ( … ما تجده محذوفًا مذكورًا) وقوله (محذوفًا) خطأ.

(1/539)


الثالث: أن في قراءة ابن مسعود: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامًا} بالنصب (1)، وهذا يدلُّ على أن المتروك هو السلام نفسه.
الرابع: أنه لو كان السلام منقطعًا (2) مما قبله؛ لأخلَّ ذلك بفصاحة الكلام وجزالته، ولَمَا حَسُنَ الوقوف على ما قبله، وتأمَّل هذا بحال السامع إذا سمع قوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} كيف يجد قلبه متشوقًا (3) متطلعًا إلى تمام الكلام، واجْتِنَاء الفائدة منه، ولا يجد فائدة الكلام انتهت وتَمَّت ليطمئن عندها، بل يبقى طالبًا لتمامها، وهو المتروك، فالوقف على {الْآخِرِينَ} ليس بوقفٍ تامّ (4).
فإن قيل: فيجوز حذف المفعول من هذا الباب، لأن “ترك” هنا (5) في معنى (6) أعطى، لأنه أعطاه ثناء حسنًا أبقاه عليه في الآخرين، ويجوز في باب “أعطى” ذكر المفعولين، وحذفهما، والاقتصار على أحدهما، وقد وقع ذلك في القرآن، كقوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1] فذكرهما، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} [الليل: 5]، فحذفهما، وقال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} [الضحى: 5]، فحذف الثاني، واقتصر على الأول.
__________
(1) انظر: فتح القدير للشوكاني (4/ 483).
(2) في (ش) (متنطعًا) وهو خطأ.
(3) في (ظ، ش، ب) (مشرئبًا).
(4) انظر القطع والائتناف لابن النحاس ص 437.
(5) في (ب) (ههنا).
(6) في (ظ) فقط (بمعنى).

(1/540)


وقال تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [المائدة: 55]، فحذف الأول واقتصر على الثاني.
قيل: فِعْل الإعطاء فِعْل مَدْح، فلفظه (1) دليل على أن المفعول المُعْطَى قد ناله عطاءُ المُعْطِي، والإعطاء إحسان ونفع وبرّ، فجاز ذكر المفعولين، وحذفهما، والاقتصار على أحدهما، بحسب الغرض المطلوب من الفعل، فإن كان المقصود إيجاد ماهية الإعطاء المُخْرِجَةِ للعبد من البُخْل والشُّحِّ والمنع المنافي للإحسان = ذَكَرَ الفعل مجرَّدًا، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى (5)} [الليل: 5] , ولم يذكر ما أعطى ولا مَنْ أعطى، وتقول: فلان يُعطِي ويَتَصدَّقُ ويَهَبُ ويُحْسن، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -:
486 – “اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت” (2)، لما كان المقصود بهذا تفرُّد الرب سبحانه بالعطاء والمنع لم يكن لذِكْرِ المُعْطَى ولا لِلحَظِّ (3) المعْطَى معنىً، بل المقصود أن حقيقة العطاء والمنع إليك، لا إلى غيرك، بل أنت المتفرد بها، لا يشركك فيها أحد، فذِكْر المفعولين هنا يُخِلُّ بتمام المعنى وبلاغته، وإذا كان المقصود ذكرهما ذُكِرَا معًا، كقوله تعالى. {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
__________
(1) في (ح) (لفظه) وهو خطأ.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في (16) صفة الصلاة (808)، ومسلم في صحيحه في (5) المساجد ومواضع الصلاة رقم (593) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(3) في (ح) (ولا لحظ) وهو خطأ.

(1/541)


الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1]، فإن المقصود إخباره لرسوله – صلى الله عليه وسلم – بما خصَّه به، وأعطاه إيَّاه من الكوثر، ولا يتمُّ هذا إلا بذكر المفعولين، وكذا قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)} [الإنسان: 8]، وإذا كان المقصود أحدهما فقط اقتصر عليه، كقوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [المائدة: 55]، المقصود به أنهم يفعلون هذا الواجب عليهم ولا يهملونه، فَذَكَرَه لأنه هو المقصود، وقوله عن أهل النار: {لمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)} [المدثر: 43 – 44]؛ لما كان المقصود الإخبار عن المستحق للإطعام أنهم بَخِلُوا عنه، ومنعوه حقَّه من الإطعام، وقَسَتْ قلوبهم عنه، كان ذِكْرُه هو المقصود دون المطعوم.
وتدبَّر هذه الطريقة في القرآن وذكره للأهمِّ المقصود، وحذفه لغيره، يُطْلِعَك على باب من أَبواب إعجازه، وكمال فصاحته.
وأما فعل التَّرك فلا يُشْعِر بشيء من هذا ولا يُمْدَحُ به، فلو قلت: فلان يترك؛ لم يكن مفيدًا فائدة أصلًا، بخلاف قولك: يُطْعم ويُعْطي ويَهَبَ ونحوه، بل لابدَّ أن تذكر ما يَتْرك، ولهذا لا يقال: فلان تارك. ويقال. مُعْط ومُطْعِم، ومن أسمائه سبحانه: “المعطي”، فقياس “ترك” على “أعطى” من أفسد القياس.
و {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} جملة محكية. قال الزمخشري: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} [الصافات: 78] من الأمم، وهذه الكلمة وهي: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} يعني يسلمون عليه تسليمًا، ويدعون له، وهو من الكلام المحكي، كقولك: قرأت: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: 1].

(1/542)


الخامس: أنه قال: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)}، فأخبر سبحانه أن هذا السلام عليه في العالمين، ومعلوم أن هذا السلام فيهم؛ هو سلامُ العالمين عليه، كلهم يسلم عليه، ويثني عليه (1)، ويدعو له، فذكره بالسلام عليه فيهم، وأما سلام الله سبحانه عليه فليس مقيدًا بهم، ولهذا لا يشرع أن يسأل الله تعالى مثل ذلك، فلا يقال: السلام على رسول الله في العالمين، ولا اللهم سلم على رسولك في العالمين، ولو كان هذا هو سلام الله؛ لشرع أن يطلب من الله على الوجه الذي سلم به (2).
وأما قولهم: إن الله سَلَّم عليه في العالمين، وترك عليه في الآخرين. فالله سبحانه وتعالى أبقى على أنبيائه ورسله سلامًا وثناءً حسنًا فيمن تأخَّر بعدهم جزاءً على صبرهم، وتبليغهم رسالات ربهم، واحتمالهم للأذى من أُمَمِهم في الله، وأخبر أن هذا المتروك على نوح هو عامٌّ في العالمين، وأن هذه التَّحِيَّة ثابتة فيهم جميعًا، لا يخلون منها، فأدامها عليه في الملائكة والثَّقَلين، طَبَقًا بعد طَبَق، وعالَمًا بعد عالَم، مجازاة لنوح عليه السلام بصبره، وقيامه بحق ربه، وبأنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وكل المرسلين بعده بعثوا بدينه، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13].
وقولهم: إن هذا قول ابن عباس. فقد تقدم أن ابن
__________
(1) ليس في (ب، ش) قوله (ويثني عليه).
(2) ليس في (ب) (به).

(1/543)


عباس (1) وغيره إنما (2) أرادوا بذلك أن السلام عليه من الثناء الحسن، ولسان الصدق، فذكروا معنى السلام عليه وفائدته، والله سبحانه (3) أعلم.

487 – وأما الصلاة عليهم (4)، فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (5): حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عمر بن هارون، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة؛ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني” صلى الله عليهم وسلم تسليمًا. ورواه الطبراني: عن الدَّبَرِي (6)، عن عبد الرزاق (7)، عن الثوري، عن موسى.
488 – وقال الطبراني (8): حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا الفريابي، حدثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن
__________
(1) سقط من (ب، ت، ش) (فقد تقدم أن ابن عباس وغيره .. ).
(2) سقط من (ب).
(3) من (ح).
(4) وقع في (ت) فقط (السلام عليهم) وهو خطأ.
(5) تقدم برقم (24).
(6) في (ح) (الديري) وهو خطأ.
(7) في مصنفه (2/ 216) رقم (3118) بمثله ولم يقل (كما بعثني) وزاد متنًا آخر.
(8) قال الحافظ ابن حجر: “ورويناه في فوائد العيسوي، وسنده ضعيف أيضًا”. انظر الفتح (11/ 169).
قلت: بل الحديث منكر، فتفرد موسى بن عبيدة به، واضطرابه فيه – على ضعفه – يدل على نكارة حديثه هذا، والله أعلم.

(1/544)


عمرو بن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله، فإن الله بعثهم كما بعثني”.
وفي الباب عن أَنس (1)، وقيل: عن أَنس، عن أبي طلحة رضي الله عنهما (2).
489 – قال الحافظ أَبو موسى المديني (3): وبلغني بإسناد عن بعض السلف: (أنه رأى آدم في المنام كأنَّه يشكو قِلَّة صلاة بنيه عليه (4) – صلى الله عليه وسلم – وعلى جميع الأنبياء والمرسلين).
وموسى وإن كان ضعيفًا فحديثه يستأنس به.
وقد حكى غير واحدٍ الإجماع على أن الصلاة على جميع
__________
(1) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة رقم (69)، وابن مردويه في تفسيره كما في نتائج الأفكار المجلس (307)، كما في حاشية الصلاة لابن أبي عاصم ص 54).
وهو حديث معلول رفعه، والصواب من قول قتاده مرسلًا.
أخرجه الطبري (23/ 116) وعبد بن حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم انظر: تفسير ابن كثير (4/ 28).
(2) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة (70)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 28) بلفظ (إذا سلمتم عليَّ فسلموا على المرسلين).
من طريق الحسين بن محمد المروزي عن شيبان عن قتادة عن أَنس عن أبي طلحة فذكره. وهو معلول أيضًا بما تقدم، وأنه من قول قتادة مرسلًا.
فلعل الوهم من الحسين المروزي أو شيبان النحوي. والله أعلم.
(3) انظر: القول البديع ص 52.
(4) سقط من (ب) فقط (عليه).

(1/545)


النبيين مشروعة، منهم الشيخ محيي الدين النووي (1) – رحمه الله- وغيره. وقد حكي عن مالك رواية أنه لا يصلى على غير نبينا – صلى الله عليه وسلم -، ولكن قال أصحابه: هي مُؤوَّلة بمعنى أنَّا (2) لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء؛ كما تعبَّدنا الله بالصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -.

فصل
وأما من سوى الأنبياء، فإن آل النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلى عليهم بغير خلاف بين الأمة.
واختلف موجبوا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – في وجوبها على آله على قولين مشهورين لهم، وهي طريقتان للشافعية (3):
إحداهما: أن الصلاة واجبة على النبي – صلى الله عليه وسلم -، وفي وجوبها على (4) الآل قولان للشافعي، هذه طريقة إمام الحرمين والغزالي.
والطريقة الثانية: أن في وجوبها على الآل وجهين، وهي الطريقة المشهورة عندهم، والذي صحَّحُوه: أنها (5) غير واجبة عليهم.
__________
(1) في الأذكار ص 159.
(2) سقط من (ش) فقط (أنَّا).
(3) انظر: المجموع للنووي (3/ 465 – 466).
(4) في (ش) (على الأقوال) بدلًا من (على الآل قولان) وهو خطأ.
(5) في (ح) (أنه) وفي (ش) (أنهم غير واجب عليهم).

(1/546)


واختلف أصحاب أحمد (1) في وجوب الصلاة على آله – صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك وجهان لهم، وحيث أوجبوها فلو أبدل لفظ الآل بالأهل فقال: “اللهم صل على محمدٍ وأهل محمد” ففي الإجزاء وجهان.
وحكى بعض أصحاب الشافعي الإجماع على أن الصلاة على الآل مُسْتحبَّة لا واجبة، ولا يثبت في ذلك إجماع.
فصل
وهل يصلي على آله – صلى الله عليه وسلم – منفردين عنه؟ فهذه المسألة على نوعين:
أحدهما: أن يُقَال: “اللهم صل على آل محمد” فهذا يجوز، ويكون – صلى الله عليه وسلم – داخلًا في آله، فالإفراد عنه وقع في اللفظ، لا في المعنى.
الثاني: أن يُفْرَد واحد منهم بالذِّكر، فيقال: اللهم صل على عليٍّ، أو على حسنٍ، أو حسينٍ، أو فاطمة رضي الله عنهم، ونحو ذلك. فاخْتُلِف في ذلك، وفي الصلاة على غير آله – صلى الله عليه وسلم – من الصحابة ومن بعدهم، فكره ذلك مالك رحمه الله، وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبي حنيفة أيضًا، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثووي، وبه قال طاووس (2).
__________
(1) انظر: الإنصاف مع الشرح الكبير (3/ 550).
(2) انظر: فتح الباري (11/ 169 – 170).

(1/547)


490 – وقال ابن عباس: “لا يَنْبغِي الصَّلاة إلَّا على النَّبِي – صلى الله عليه وسلم -” (1).
491 – قال إسماعيل بن إسحاق (2): حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، حدثني عثمان بن حكيم بن عباد (3) بن حنيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال: “لا تصلح الصلاة على أحد (4) إلا على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار”.
وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز.
492 – قال أبو بكر بن أبي شيبة (5): حدثنا حسين (6) بن علي، عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: (أما بعد، فإن ناسًا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق (2/ 216)، والطبراني (11/ 305)، والبيهقى (2/ 153)، والخطيب في الموضح (2/ 268 – 269)، والسهمي في تاريخ جرجان. رقم (14) وغيرهم.
بلفظ لا ينبغي الصلاة (من أحد على أحد) إلا على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وسنده صحيح، وصححه الحافظ في الفتح (11/ 534 و 369).
(2) في فضل الصلاة رقم (75)، وسنده حسن. وتقدم تخريجه في الأثر الماضي.
(3) في (ح) (عبادة) وهو خطأ.
(4) ليس في (ب) (على أحد) وسقط من (ش) (على أحدٍ إلا).
(5) تقدم برقم (443).
(6) في (ح) (حسن) وهو خطأ.

(1/548)


من (1) القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي – صلى الله عليه وسلم -، فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين (2) عامة) (3).
وهذا مذهب أصحاب الشافعي، ولهم ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مَنْع تَحْرِيم.
والثاني: وهو قول الأكثرين؛ أنه مَنْع كراهة تنزيه.
والثالث: أنه من باب ترك الأوْلى وليس بمكروه. حكاها (4) النواوي (5) في “الأذكار” (6) قال: “والصحيح الذي عليه الأكثر أنه مكروه كراهة تنزيه”.
ثم اختلفوا في السَّلام هل هو في معنى الصلاة؟ – فيكره أن يُقال: السلام على فلان. أو يُقالُ (7): فلان عليه السلام -. فكرهه طائفة، منهم أَبو محمد الجويني، ومنع أن يقال: عن علي – عليه السلام – وفرق آخرون بينه وبين الصلاة، فقالوا (8): السلام يضرع
__________
(1) سقط من (ظ) فقط (من).
(2) في (ح) (على المسلمين) وهو خطأ.
(3) وتتمته من المصنف (ويدعوا ما سوى ذلك) وقد سقط من جميع النسخ.
(4) في (ت، ج) فقط (حكاه).
(5) وقع في (ب، ج) فقط (النووي).
(6) ص 159.
(7) من (ب) وفي باقي النسخ (قال).
(8) في (ش، ج) (فقال).

(1/549)


في حق كل مؤمن حي وميت وحاضر وغائب، فإنك تقول: بلغ فلانًا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول – صلى الله عليه وسلم – وآله، ولهذا يقول المصلي: “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”، ولا يقول: “الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين” فعلم الفرق.
واحتج هؤلاء بوجوه:
أحدها: قول ابن عباس، وقد تقدم.
الثاني: أن الصلاة على غير النبي – صلى الله عليه وسلم – وآله قد صارت شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، ذكره النووي (1).
قلت: ومعنى ذلك، أن الرافضة إذا ذَكَرُوا أئمَّتهم يُصلُّون عليهم بأسمائهم، ولا يُصلُّون على غيرهم ممَّن هو خير منهم، وأحبّ إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فينبغي أن يخالفوا في هذا الشِّعَار.
الثالث: ما احتج به مالك رحمه الله؛ أن هذا لم يكن من (2) عمل من مضى من الأُمَّة، ولو كان خيرًا لسبقونا (3) إليه.
الرابع: أن الصلاة قد (4) صارت مخصوصة في لسان الأمة
__________
(1) في الأذكار كما تقدم ص 159، ووقع في (ش، ح) (النواوي).
(2) من (ح) فقط (من)، وسقط من باقي النسخ.
(3) من (ظ) فقط، وفي (ت، ح) (لسبقوا إليه) وفي (ش، ب) (لسبقوا إليه) مع إسقاط (خيرًا)، وفي (ج) (فلسبقوا لسبقوا إليه).
(4) من (ح)، فقط (قد).

(1/550)


بالنَّبي – صلى الله عليه وسلم -، تُذْكَرُ مع ذكر اسمه، كما صار “عزَّ وجلّ” و”سبحانه وتعالى” مخصوصًا بالله عَزَّ وَجَلَّ، يُذْكَرُ مع ذكر اسمه، ولا يَسُوغْ أن يستعمل ذلك لغيره، فلا يقال: محمد عزَّ وجَلّ، ولا سبحانه وتعالى، فلا يُعْطَى المخلوق مرتبة الخالق، فهكذا لا ينبغي أن يعطى غير النبي – صلى الله عليه وسلم – مرتبته، فيقال: قال فلان – صلى الله عليه وسلم -.
الخامس: أن الله سبحانه قال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، فأمر سبحانه أن لا يُدْعَى باسمه كما يُدْعَى غيره باسمه، فكيف يَسُوغ أن تُجْعَل الصَّلاة عليه كما تُجْعل على غيره في دعائِه، والإخْبارِ عنه؟ هذا مما لا يَسُوغ أصْلًا.
السادس: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – شَرَع لأُمَّته في التشهد أن يُسلِّموا على عباده الصالحين، ثم يُصَلُّوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – فعلم أن الصلاة عليه حَقَّه الذي (1) لا يُشْرِكه فيه أحد.
السابع: أن الله سبحانه ذَكَرَ الأمر بالصَّلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه التي خَصَّه بها من تحريم نكاح أزواجه، وجواز نكاحه لمن وَهَبَتْ نفسها له، وإيجاب اللَّعْنة لمن آذاه، وغير ذلك من حقوقه، وأكدها بالأمر بالصلاة عليه والتسليم، فدلَّ على أن ذلك حق له خاصة، فآله تَبَعٌ له فيه.
الثامن: أن الله سبحانه شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم
__________
(1) ليس في (ب).

(1/551)


لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض، ويترحَّم عليه في حياته وبعد موته، وشرع لنا أن نصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته وبعد موته، فالدعاء حقٌ للمسلمين، والصلاة حق لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر، ولهذا في صلاة الجنازة إنما يُدْعَى للميت، ويُتَرحَّم عليه ويُسْتَغْفَر له، ولا يُصَلَّى عليه بَدَلَ ذلك، فيقال: اللَّهُمَّ صَلِّ عليه وسَلِّم.
وفي الصلوات يُصَلَّى على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا يقال بَدَله (1): اللهم اغفر له وارحمه، ونحو ذلك، بل يُعْطَى كل ذي حقٍّ حقَّه.
التاسع: أن المؤمن أحْوج الناس (2) إلى أن يُدْعى له بالمغفرة والرَّحْمة، والنَّجَاة من العذاب، وأما (3) النبي – صلى الله عليه وسلم – فغير محتاج إلى أن (4) يدعى له بذلك، فالصلاة (5) عليه زيادة في تشريف الله له وتكريمه ورفع درجاته، وهذا حاصل له – صلى الله عليه وسلم -، وإن غفل عن ذكره الغافلون، فالأمر بالصلاة عليه إحسان من الله للأمة ورحمة بهم لِيُنيْلهم كرامته بصلاتهم على رسوله – صلى الله عليه وسلم -، بخلاف غيره من الأُمَّة؛ فإنه محتاج إلى من (6) يدعو له ويستغفر ويترحَّم عليه، ولهذا جاء
__________
(1) وقع في (ح) (بدل ذلك)، وفي (ش) ( .. بدل اللهم … ).
(2) من (ح) فقط (الناس).
(3) وقع في (ب) فقط (وإن) وهو خطأ.
(4) في (ح) فقط (محتاج أن يُدعى له .. ).
(5) من (ظ، ت، ونسخة (ظ) على حاشية (ب)، وجاء في (ح) (بل الصلاة عليه .. )، ووقع في (ب، ش) (بالصلاة) بدلًا من (فالصلاة) وهو خطأ.
(6) في (ب) (أن يدعو له) بدلًا من (من يدعو له).

(1/552)


الشرع بهذا في مَحَلِّه، وهذا في (1) مَحَلِّه.
العاشر: أنه لو كانت الصلاة على غيره – صلى الله عليه وسلم – سائغة، فإمَّا أن يُقال باختصاصها ببعض الأُمَّة، أو يُقال: تجوز على كلِّ مسلم.
فإن قيل باختصاصها فلا وجه له، وهو تخصيص من غير مُخَصِّص، وإن قيل بعدم الاختصاص وأنها تسوغ لكل من يسوغ الدعاء له؛ فحينئذ تسوغ الصَّلاة على المُسْلِم وإن كان من أهل الكبائر، فكما يقال: اللهم تُبْ عليه، اللهم اغفرْ له، يقال: اللهم صلِّ عليه. وهذا باطل.
وإن قيل: تجوز على الصَّالحين دون غيرهم، فهذا مع أنه لا دليل عليه، ليس له ضابط، فإن كون الرجل صالحًا، أو غير صالح، وصفٌ يَقْبَلُ الزِّيادة والنُّقْصان، وكذلك كونه وَلِيًّا لله، وكونه مُتَّقِيًا، وكونه مؤْمِنًا، وكل ذلك يقبل الزيادة والنقصان، فما ضابط مَنْ يُصلَّى عليه من الأُمَّة ومَنْ لا يُصَلَّى عليه؟.
قالوا: فَعُلِمَ بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وآله.
وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: تجوز الصلاة على غير النبي – صلى الله عليه وسلم – وآله.
قال القاضي أبو الحسين بن الفراء في “رؤوس مسائله”:
__________
(1) سقط من (ب، ش، ج) (وهذا في محله).

(1/553)


“وبذلك قال الحسن المصري، وخُصَيْف، ومجاهد، ومُقَاتِل بن سليمان، ومقاتل بن حيَّان، وكثير من أهل التفسير. قال: وهو قول الإمام أحمد رحمه الله، نص عليه في رواية أبي داود (1)؛ وقد سئل: أينبغي أن يصلى على أحد إلَّا على النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أليس قال علي لعمر – رضي الله عنهما -:
493 – “صلَّى اللهُ عليك” (2).
قال: وبه قال إسحاق بن راهويه، وأَبو ثور، ومحمد بن جرير الطبري، وغيرهم، وحكى أَبو بكر بن أبي داود، عن أبيه ذلك. قال أَبو الحسين: وعلى هذا العمل”.
واحتج هؤلاء بوجوه:
أحدها: قوله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، فأمره سبحانه أن يأخذ الصَّدقة مِن الأُمَّة، وأن يُصَلِّي عليهم. ومعلوم أن الأئمة بعده يأخذون الصدقة كما كان يأخذها، فيشرع لهم أن يُصَلُّوا على المتصدِّق كما كان يصلي عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -.
الثاني: أن في الصحيحين (3): من حديث شعبة، عن عمرو،
__________
(1) ص 78.
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 369)، وسيأتي الكلام عليه برقم (510).
(3) تقدم برقم (187).

(1/554)


عن عبد الله بن أبي أوفى قال:
494 – كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: “اللَّهُمَّ صلِّ على آلِ فلان”، فأتاه أبي بصدقته، فقال: “اللَّهُمَّ صلِّ على آلِ أبي أوْفى”.
والأصل عدم الاختصاص، وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية.
495 – الثالث: ما رواه حجاج، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نُبَيْح العَنَزِيّ (1)، عن جابر بن عبد الله، أن امرأة قالت: يا رسول الله! صل عليَّ وعلى زوْجِي، فقال: “صَلَّى اللهُ عليكِ وعلى زَوْجِك”، رواه أحمد، وأَبو داود في “السنن” (2).
496 – الرابع: ما رواه ابن سعد في كتاب “الطبقات” (3): من حديث ابن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله؛ أن عليًّا دخل على عمر وهو مسجَّى؛ فلما انتهى إليه قال:
__________
(1) من (ظ، ت، ج)، ووقع في (ب، ش) (العدني)، وفي (ح) (العري) وكلاهما خطأ.
(2) أخرجه أحمد (3/ 397 – 398)، وأَبو داوود (1533)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (77)، وابن حبان في صحيحه (3/ 197 و 198) رقم (916 و 918) وغيرهم. وسنده صحيح، نبيح العنزي وثقه أَبو زرعة والعجلي وابن حبان وذكره ابن المديني في جملة المجهولين … انظر: تهذيب الكمال (29/ 314)، وقد تقدم برقم (188).
(3) (3/ 369 – 370) وجملة (صلى الله عليك) معلولة كما سيأتي.

(1/555)


“صلى الله عليك، ما أحد ألقى الله بصحيفته أحبّ إليَّ من هذا المسجَّى بينكم”.
497 – الخامس: ما رواه إسماعيل بن إسحاق (1): حدثنا عبد الله بن مسلم، حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن (2) أبي نعيم القارئ، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يكبر على الجنازة، ويصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول: “اللهُمّ بَارِكْ فِيْه، وصَلِّ عَلَيْه، واغفرْ له، وأورِدْه حوضَ نَبِيِّك – صلى الله عليه وسلم -“.
السادس: أن الصلاة هي الدعاء، وقد أُمِرْنا بالدعاء بَعْضُنا لبعض. احتجَّ بهذه الحجة أَبو الحسين.
498 – السابع: ما رواه مسلم في “صحيحه” (3): من حديث حماد بن زيد، عن بُدَيْل، عن عبد الله بن شَقِيْق، عن أبي هريرة، قال: “إِذَا خَرَجَتْ رُوْحُ المُؤمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكانِ يُصْعِدَانِها –
__________
(1) في فضل الصلاة (92)، وعبد الرزاق (3/ 488)، وابن أبي شيبة رقم (1364) و (29778)، والطبري في التهذيب من رقم (283 – 286) القسم المفقود، والطبراني في الدعاء (1198 و 1199)، وأَبو الجهم في جزئه رقم (20) وغيرهم.
وتابع نافع بن عبد الرحمن (الإمام مالك وعبيد الله بن عمر والليث بن سعد وابن جريج وداوود بن قيس وأيوب السختياني وجرير بن حازم ويونس بن يزيد الأيلي. كلهم عن نافع به فذكروا فيه (وصَلِّ عَلَيْه).
(2) في (ب) (عن) وهو خطأ، ووقع في (ظ، ت، ج) (نافع بن عبد الرحمن بن نعيم) بإسقاط (أبي) وهو خطأ أيضًا.
(3) في (51) الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2872).

(1/556)


قال حمَّاد: فَذَكَر مِن طِيْب رِيْحِها، وَذَكَر المِسْك – قال: ويقولُ أهلُ السَّماءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، وعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِيْنَه .. وذكر الحديث. هكذا قال مسلم عن أبي هريرة موقوفًا، وسياقه يدل على أنه مرفوع، فإنه قال بعده: وإنَّ الكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوْحُه – قال حماد: (وذكر من نتنها وذكر لعنًا) – ويقولُ أهلُ السَّماءِ: رُوْحٌ خَبيْثَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْض. قال: فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلَ. قال أَبو هريرة: فَرَدَّ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْه (1) عَلَى أنْفِهِ، هكذا”.
وهذا يدلُّ على أنَّ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – حَدَّثهم بالحديث.
وقد رواه جماعة عن أبي هريرة مرفوعًا، منهم أَبو سلمة، وعمر بن الحكم، وإسماعيل السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، وسعيد بن يسار، وغيرهم.
وقد استوفيت الكلام على هذا الحديث وأمثاله في كتاب “الروح” (2).
قالوا: فإذا كانت الملائكة تقول للمؤمن: “صلى الله عليك” جاز ذلك أيضًا للمؤمنين، بعضهم لبعض.
499 – الثامن: قوله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير” (3)، وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}
__________
(1) زياده من صحيح مسلم، وقد سقطت من جميع النسخ.
(2) ص 93.
(3) تقدم برقم (297)، وهو حديث معلول بالإرسال.

(1/557)


[الأحزاب: 43].
500 – التاسع: ما رواه أَبو داود (1): عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف”.
501 – وفي حديث آخر عنها؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال (2): “إن
__________
(1) رقم (676)، وابن ماجة (1005)، والبيهقي (3/ 103) وغيرهم.
من طريق معاوية بن هشام عن الثوري عن أسامة بن زيد عن عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة فذكره. وهذا خطأ، قال البيهقي “لا أراه محفوظًا” أي هذا المتن.
فقد خالف معاويةَ بن هشام، الأشجعيُّ وأَبو أحمد الزُّبيْريّ وقَبِيْصةُ كلهم عن الثوري به باللفظ الآتي رقم (501)، ورواه جماعة عن الثوري به لكنهم قالوا (عبد الله بن عروة) بدل (عثمان) والمحفوظ ما رواه ابن وهب وأنس بن ضَمْرة وسليمان بن بلال وعبد الوهاب بن عطاء وحاتم بن إسماعيل كلهم عن أسامة عن عثمان بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره وسيأتي برقم (501).
ورواه هشام بن سعد عن عثمان بن عروة به. انظر: علل الدارقطني (5/ 49 ق/ ب).
وظاهر إسناده حسن، لكن فيه علَّة المخالفة كما سيأتي تحت رقم 501.
(2) أخرجه أحمد (6/ 160)، وعبد بن حميد (1513)، وابن خزيمة (1550)، وابن وهب في الموطأ (466) وغيرهم.
من طريق عثمان بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وخالفه هشام بن عروة فرواه عن أبيه قوله. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ رقم 3809).
ورُوي عن هشام عن عروة عن عائشة مرفوعًا عند ابن ماجة (995)، قال أَبو حاتم: “هذا خطأ، إنما هو عروة أن النبي – صلى الله عليه وسلم -، مرسل … ” علل ابن أبي حاتم =

(1/558)


الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف”. وقد تقدم في أول الكتاب صلاة الملائكة على من صلى على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
502 – العاشر: ما احْتجَّ به القاضي أَبو يعلى (1)، ورواه بإسناده من حديث مالك بن يَخَامِر، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرسلًا؛ أنه قال: “اللهم صل على أبي بكر، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمر، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عثمان، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عليّ، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على أبي عبيدة، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمرو بن العاص، فإنه يحب الله ورسوله”.
503 – الحادي عشر: ما رواه يحيى بن يحيى في “موطئه” (2) عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: “رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقف على قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، وعلى أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما (3) “. هذا لفظ يحيى بن يحيى.
الثاني عشر: أنه قد صحَّ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نصَّ على أزواجه في
__________
= (1/ 149) رقم (415).
(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 136 – 137) وقال: “هذا الحديث على إرساله فيه انقطاع بين يزيد ومالك بن يخامر والله أعلم”.
(2) (1/ 235) رقم (458) ط – دار الغرب.
(3) سقط من (ب، ش) من قوله (يقف على … ) إلى (عنهما) وهو في (ظ، ت، ح، ونسخة (ظ) على حاشية (ب)).

(1/559)


الصلاة، وقد تقدم (1).
قالوا: وهذا على أصولكم ألزم، فإنكم لمْ تُدخلوهنَّ في آله الذين تحْرُم عليهم الصَّدقة؛ فإذا جازت الصلاة عليهِنَّ، جازت على غيرهنَّ من الصحابة رضي الله عنهم.
الثالث عشر: أنكم قد قلتم بجواز الصَّلاة على غير النبي – صلى الله عليه وسلم – تبعًا له، فقلتم بجواز أن يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وعلى أصحابه (2) وأزواجه وذريته وأتباعه.
قال أَبو زكريا النووي (3): “واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة – ثم ذكر هذه الكيفية وقال – للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمِرْنا به في التشهد، ولم يزل السَّلَف عليه (4) خارج الصلاة أيضًا”.
قلت: ومنه الأثر المعروف عن بعض السلف:
504 – (اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين) (5).
__________
(1) برقم (4) عند مسلم من حديث أبي حميد الساعدي.
(2) سقط من (ب، ش) (وعلى أصحابه).
(3) في الأذكار ص 160.
(4) سقط من (ش) فقط (عليه).
(5) ذكره المعافي النهرواني في الجليس الصالح (3/ 379) بدون سند.

(1/560)


505 – الرابع عشر: ما رواه أَبو يعلى الموصلي (1): عن ابن (2) زنجويه، حدثنا أَبو المغيرة، حدثنا أَبو بكر بن أبي مريم، حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دعاه وعلمه دعاء، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال:
“قل حين تصبح: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك ومنك وإليك، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذرٍ، أو (3) حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت منه كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بك، أنت على كل شيء قدير، اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت، وما لعنت من لعن فعلى من لعنت، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين”.
ووجه الاستدلال: أنه لو لم تشرع الصَّلاة على غير النَّبي – صلى الله عليه وسلم -؛ ما صحَّ الاستثناء فيها، فإن العبد لما كان يصلي على من ليس
__________
(1) في مسنده (كما في المطالب العالية (14/ 111) رقم (3401) وعنه ابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (47)، وأخرجه أحمد (5/ 191)، والطبراني (5/ 119) وغيرهم. والحديث تفرد به أَبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وسيأتي كلام المؤلف عليه.
(2) في (ح) (أبي) وهو خطأ.
(3) في (ش) (أو خلفت من خلفٍ).

(1/561)


بأهل للصلاة (1) ولا يدري = استثنى من (2) ذلك كما استثنى في حَلِفِه ونَذْرِه.
قال الأولون: الجواب عما ذكرتم من الأدلة، أنها نوعان: نوع منها صحيح، وهو غير متناول لمحل النِّزاع، فلا يحتجُّ به. ونوع غير معلوم الصِّحَّة. فلا يحتجُّ به أيضًا، وهذا إنما يظهر بالكلام على كلِّ دليلٍ دليل.
أما الدليل الأول: وهو قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} فهذا في غير محل النزاع، لأن كلامنا هل يسوغ (3) لأحدنا أن يصلي على غير النبي – صلى الله عليه وسلم – وآله أم لا؟.
وأما صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – على من صلى عليه؛ فتلك مسألة أخرى، فأين هذه من صلاتنا عليه التي أمرنا بها قضاء لحقه، هل يجوز أن يشرك معه غيره فيها (4) أم لا (5)؟.
يُؤكِّده الوجه الثاني: أن الصلاة عليه حق له – صلى الله عليه وسلم -، يتعيَّن على الأُمَّة أداؤه والقيام به، وأما هو – صلى الله عليه وسلم – فيخُصُّ مَن أراد ببعض ذلك الحقّ، وهذا كما تقول في شاتمه ومؤذيه: إنَّ قتله حق لرسول الله
__________
(1) في (ب) (الصلاة).
(2) ليس في (ح) قوله (من).
(3) في (ب) (هنا يسوّغ) وفي (ح) (هل يشرع) وما أثبته من (ظ، ت، ش).
(4) من (ب، ش)، (فيها)، وسقط من باقي النسخ.
(5) سقط من (ش) (لا).

(1/562)


– صلى الله عليه وسلم – يجب على الأُمَّة القيام به واستيفاؤه، وإن كان – صلى الله عليه وسلم – يعفو عنه، حتى (1) كان يبلغه ويقول:
506 – “رَحِمَ اللهُ مُوسَى لَقَدْ أوْذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَر” (2).
وبهذا حصل الجواب عن الدليل الثاني أيضًا، وهو قوله (3):
507 – “اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أبِي أوْفَى”، وعن الدليل الثالث أيضا وهو صلاته على تلك المرأة وزوجها (4).
508 – وأما دليلكم الرابع: وهو قولُ عليٍّ لعمر – رضي الله عنهما-: “صلى الله عليك”. فجوابه من وجوه:
أحدها: أنه قد اخْتُلِف على جعفر بن محمد في هذا الحديث.
509 – فقال أَنس بن عياض (5): عن جعْفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا – لمَّا غَسَّل عمر وكفن وحمل على سريره – وقف
__________
(1) وقع في (ح) (حين) مكان (حتى) وهو محتمل.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في (61) الخُمس رقم (2981)، ومسلم في (12) الزكاة رقم (1062) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(3) تقدم برقم (187).
(4) تقدم برقم (188).
(5) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 370)، وكذا رواه وهيب وسليمان بن بلال وأيوب ويحيى القطان وغيرهم كلهم عن جعفر به. ولم يذكروا (صلى الله عليك)، أخرجه أحمد في الفضائل (345)، وابن عساكر (44/ 453).

(1/563)


عليه، فأثنى عليه، وقال: “والله ما على الأرض رجل أحب إليَّ أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب”.
وكذلك رواه محمد ويعلى ابنا عبيد (1)، عن حجاج الواسطي (2)، عن أبي (3) جعفر، ولم يذكرا هذه اللفظة. ورواه ورقاء بن عمر (4)، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن علي، ولم يذكر لفظة الصلاة، وكذلك رواه سليمان بن بلال عن جعفر عن أبيه. وكذلك رواه يزيد بن هارون عن فضيل بن مرزوق (5) عن جعفر عن أبيه. وكذلك رواه عون بن أبي جُحَيْفة عن أبيه، قال: كنت عند عمر وقد (6) سُجِّي؛ فذكره دون لفظ الصلاة (7)، بل قال: “رحمك الله”، وكذلك رواه عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن أيوب، وعمرو بن دينار، وأبي جهضم، قالوا: لما مات عمر فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة، وكذلك رواه قيس بن الربيع،
__________
(1) عند ابن سعد (3/ 370).
(2) في (ب، ش) (الواسواطي) وهو خطأ.
(3) من الطبقات لابن سعد، وقد سقط من جميع النسخ، قوله (أبي).
(4) في جميع النسخ (عمرو) وهو خطأ. انظر: ابن سعد (3/ 370).
(5) قوله (عن فضيل بن مرزوق)، من الطبقات لابن سعد.
وهذه الطرق عند ابن سعد (3/ 370 – 371)، والبلاذري في الأنساب (10/ 444).
(6) وقع في (ب) (وكنت) مكان (وقد) وهو خطأ.
(7) سقط من (ظ، ج، ت) من قوله (وكذلك رواه سليمان بن بلال) إلى (دون لفظ الصلاة).

(1/564)


عن قيس بن مسلم، عن ابن الحنفِيَّة.
الثاني: أن الحديث الذي فيه الصلاة لم يسنده ابن سعد (1) قال في الطبقات:
510 – أخبرنا بعض أصحابنا: عن سفيان بن عيينة؛ أنه سمع
__________
(1) (3/ 369) قلت قد اختلف على سفيان بن عيينة فى ذِكْر هذه اللفظة: – (صلى الله عليك) – وعدم ذكرها.
فذكرها عنه الحُمَيْديّ وغيرُه عند الفسوي في المعرفة (2/ 745)، وابن شبة في تاريخه (3/ 937 – 940) ولم يذكرها عنه إسحاق الفروي ومحمد بن عمرو وابن سعد عند البُلاذري (10/ 443)، وابن سعد (3/ 369).
قلت: وخالف ابنَ عُيينة جماعة منهم يحيى القطان ووهيبُ وسليمانُ بن بلال وأنسُ بن عياض وأيوبُ السختياني وغيرهم كلهم عن جعفر عن أبيه فذكره ولم يذكروا (جابرًا). فلعلَّ جعفرًا أخطأ فيه، فقد خالفه: عمرو بن دينار وإسماعيل بن عبد الملك وموسى بن سالم وعبد الواحد بن أيمن وحجَّاج الواسطي كلهم عن أبي جعفر محمد بن علي فذكروا القِصَّة مرسلة.
ولعل هذا هو الصواب.
وعليه فالأثر إسناده منقطع، فإن محمد بن علي بن الحسين أبا جعفر لم يُدْرك القِصَّة.
والصحيح الثابت في قول عليٍّ – بدون جُملة الصَّلاة عَلَى عُمَر – ما رواه ابن عباس قال: كُنَّا نترحَّم عَلَى عمر حيث وُضِع على سريره، جاء رجل مِن خَلْفي فترحَّم عليه فقال: ما أحدٌ أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بعمله منه …. فالْتفتُّ فإذا عليُّ بن أبي طالب.
أخرجه البخاري في صحيحه في (66) فضائل الصحابة، (6) باب مناقب عمر بن الخطاب (3/ 1348) رقم (3482)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة رقم (2389).

(1/565)


منه هذا الحديث عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، فذكره، وقال: لما انتهى إليه، فقال له: “صلى الله عليك”.
وهذا المبهم لعله لم يحفظه، فلا يحتجُّ به.
511 – الثالث: أنه معارض بقول ابن عباس رضي الله عنهما: “لا ينبغي الصَّلاة عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -“. وقد تقدم (1).
512 – قالوا: وأما دليلكم الخامس وهو قول ابن عمر في صلاة الجنازة: “اللهم صل عليه” (2)، فجوابه من وجوه:
أحدها: أن نافع بن أبي نُعَيْم ضعيف عندهم في الحديث، وإن كان في القراءة إمامًا، قال الإمام أحمد: “يؤخذ عنه القرآن، وليس في الحديث بشيء” (3).
والذي يدلُّ على أن هذا ليس بمحفوظ عن ابن عمر، أن مالكًا في “موطئه” لم يروه عن ابن عمر، وإنما روى أثرًا عن أبي هريرة، فلو كان هذا عند نافع مولاه، لكان مالك أعلم به من نافع بن أبي نُعَيْم (4).
__________
(1) برقم (490).
(2) تقدم برقم (497).
(3) انظر الكلام عليه في تهذيب الكمال (29/ 281 – 284).
(4) قلت: تقدم أن هذا الأثر ثابت عن نافع عند أصحابه (كابن جريج وعبيد الله بن عمر والليث بن سعد وأيوب السختياني وغيرهم، بل عند الإمام مالك عن نافع، هكذا رواه ابن وهب عن مالك).

(1/566)


الثاني: أن قول ابن عباس يعارِضُ ما نُقِلَ عن ابن عمر.
وأما دليلكم السادس أن الصلاة دعاء، وهو مشروع لكل مسلم، فجوابه من وجوه:
أحدها: أنه دعاء مخْصوص، مأمور به في حق الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يدلُّ على جَوَازِ (1) أن يُدْعى به لغيره، لما ذكرنا من الفروق بين الدعاء وغيره، مع الفرق العظيم بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وغيره، فلا يصحُّ الإلْحَاق، لا في الدعاء، ولا في المدعو له – صلى الله عليه وسلم -.
الثاني: أنه كما (2) لا يصحُّ أنْ يُقاس عليه دعاء غيره، لا يصح أن يقاس على الرسول – صلى الله عليه وسلم – غيره فيه.
الثالث: أنه ما شُرِع في حقِّ الرسولِ – صلى الله عليه وسلم – لكونه دعاء، بل لأخصّ من مُطْلَق الدعاء، وهو كونه صلاةً متضمنةً لتعظيمِهِ وتمجيدِهِ والثَّنَاءِ عليه كما تقدَّم تقريره، وهذا أخصُّ من مطلق الدعاء.
وأما دليلكم السابع: وهو قول الملائكة لروح المؤمن: “صَلّى اللهُ عَلَيْكِ وعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِيْنَه” (3). فليس بمتناول لمحل النزاع، فإن النزاع إنما هو هل (4) يسوغ لأحدنا أن يصلي
__________
(1) في (ب، ش) (وهذا لا يجوز أن يدعى … ) بدلًا من (وهذا لا يدل على جواز أن يدعى .. )، وفي (ح) ( .. على جواز يدعى .. ) وبإسقاط (أن).
(2) سقط من (ح) فقط.
(3) تقدم برقم (498).
(4) سقط من (ش) فقط (هل).

(1/567)


على غير الرسول وآله – صلى الله عليه وسلم -؟ وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت أحكام تكاليف البَشَر حتى يصحَّ قياسهم عليه فيما يقولونه أو يفعلونه، فأين أحكام المَلَك من أحكام البشر؟ فالملائكة رسل الله في خلقه وأمره، يتصرفون بأمره، لا بأمر البشر، وبهذا خرج (1) الجواب عن كل دليل فيه صلاة الملائكة.
514 – وأما (2) قولكم: “إن الله يصلي على المؤمنين وعلى معلم الناس الخير” (3).
فجوابه (4): أنه في غير محل النزاع، وكيف يصح قياس فعل العبد على فعل الرب سبحانه وتعالى؟ وصلاة العبد دعاء وطلب، وصلاة الله على عبده ليست دعاء، وإنما هي إكرام وتعظيم ومحبة وثناء، وأين هذا من صلاة العبد؟.
وأما دليلكم العاشر: وهو حديث مالك بن يخامر (5)، وفيه صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – على أبي بكر وعمر ومن (6) معهما.
فجوابه من وجوه:
__________
(1) في (ب) (أخرج).
(2) من (ح) (وأما) ووقع في (ظ) (وقولكم)، وسقط من باقي النسخ (وأما).
(3) تقدم برقم (297)، ووقع في (ت، ج) (معلمي) بدل (معلم).
(4) في جميع النسخ (جوابه).
(5) المتقدم برقم (502).
(6) في (ب) بعد قوله (وعمر) (وعثمان وعلي رضي الله عنهم فجوابه … )، وفي (ش) بعد قوله (ومن معهما) (وعثمان وعلي فجوابه).

(1/568)


أحدها: أنه لا علم لنا بصحة هذا الحديث، ولم تذكروا إسناده لننظر فيه.
الثاني: أنه مرسل.
الثالث: أنه في غير محل النزاع، كما تقدم.
515 – وأما دليلكم الحادي عشر: “أن ابن عمر كان يقف على قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصلي عليه، وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما”.
فجوابه من وجوه:
أحدها: أن ابن عبد البر قال (1): “أنكر العلماء على يحيى بن يحيى (2) ومن تابعه في الرواية عن مالك، عن عبد الله بن دينار:
516 – “رأيت ابن عمر يقف على قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى أبي بكر وعمر”، وقالوا: إنما الرواية لمالك
__________
(1) في الاستذكار (2/ 323)، وانظر: المنتقى لأبي الوليد الباجي (2/ 315).
(2) هو يحيى بن يحيى الليثي أَبو محمد، رحل وسمع من مالك وهو صغير، انتهت إليه الرئاسة بالأندلس في العلم، وكان عاقلًا مهيبًا، مجاب الدعوة، توفى سنة 234 هـ. انظر: أخبار الفقهاء والمحدثين للخشني رقم (493)، وترتيب المدارك لعياض (1/ 310).
فائدة: سَرَد الخُشَنِي جميع الأغلاط ليحيى بن يحيى في الموطأ التي انتقدها عليه تلميذه محمد بن وضّاح وغيره فبلغت (36) موضعًا فانظرها: في أخبار الفقهاء والمحدثين ص 262 – 269. قلت: وهذا الأثر غير مذكور في تلك المواضع، فَلْيُضَفْ إليها، انظر الموطأ ص 166.

(1/569)


517 – وغيره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أنه كان يقف على قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم – ويدعو لأبي بكر وعمر). كذلك رواه ابن القاسم (1) والقعنبي (2)، وابن بُكَيْر (3) وغيرهم (4) عن مالك، ففَرَّقُوا بما وصفت لك بين: “ويدعو لأبي بكر، وعمر” وبين “يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -“، وإن (5) كانت الصلاة قد تكون دعاء، لما خص به – صلى الله عليه وسلم – من لفظ الصلاة”.
قلت: وكذلك هو في “موطأ ابن وهب” لفظ الصلاة مختص بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، والدعاء لصاحبيه.
الثاني: أن هذا من باب الاستغناء عن أحد الفعلين بالأول منهما، وإن كان غير واقع على (6) الثاني، كقول الشاعر (7):
عَلَفْتُهَا تِبْنًا ومَاءً بَارِدًا … حتَّى غَدَتْ هَمَّالة عَيْنَاهَا
__________
(1) انظر: الاستذكار (2/ 323)، وقال (وقد ردَّ ابن وضَّاح رواية يحيى إلى رواية ابن القاسم، فإنه روى رواية ابن القاسم عن سحنون وحدَّث بها عنه … ا. هـ.
(2) أخرجها مالك في الموطأ رقم (283) (رواية القعنبي)، وكذلك أخرجها إسماعيل القاضي رقم (98) لكن بمثل لفظ يحيى بن يحيى.
(3) أخرجها البيهقي في الكبرى (5/ 245).
(4) كمحمد بن الحسن الشيباني في الموطأ رقم (948) لكنه مختصر، وأبي مصعب الزهري في الموطأ رقم (556)، وسويد بن سعيد في الموطأ ص 145.
(5) في (ب، ش) (فإن) وهو خطأ.
(6) من (ح)، وفي باقي النسخ (عن) وهو خطأ.
(7) لا يعرف قائله، وقيل: إنّه لذي الرّمَّة. انظر: خزانة الأدب (3/ رقم 181)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (3/ 1288 – 1289).

(1/570)


وقول الآخر (1):
وَرَأَيْتُ (2) زَوْجَكِ قَدْ غَدَا … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا
وقول الآخر (3):
وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا
فلما كان الفعل الأول موافقًا للفعل الثاني في الجنس العام اكتفى به منه، لأن العلف موافق للسقي في التغذية (4)، وتقلد السيف موافق لحمل الرمح في معنى الحمل، وتزجيج الحواجب موافق لكحل العيون في الزينة، وهكذا الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – موافقة للدعاء لأبي (5) بكر وعمر في معنى الدعاء والطلب.
الثالث: أن ابن عباس رضي الله عنهما قد خالفه كما تقدم.
وأما دليلكم الثاني عشر: بالصلاة على أزواجه – صلى الله عليه وسلم -، ففاسد، لأنه إنما صلى عليهن لإضافتهنَّ إليه، ودخولهنَّ في آله وأهل بيته، فهذه خاصَّة له، وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها – صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) هو عبد الله بن الزبعري. انظر: خزانة الأدب (3/ 135) (9/ 144)، والمعجم المفصل (1/ 192).
(2) كذا في جميع النسخ، وفي الخزانة وغيره (ياليت)، وسقط البيت من (ج).
(3) هو الراعي النميري. انظر: * ديوانه (269) ط – المستشرق راينهرت. بلفظ: يُزججن … *.
(4) في (ش) (التقدير) وهو خطأ.
(5) في (ب) (على أبي بكر .. ) وهو خطأ.

(1/571)


وأما قولكم: إنه ألزم على أصولنا، فإنا لا نقول بتحريم الصدقة عليهنَّ. فجوابه: أن هذا وإن سُلِّم دل على أنهن لسن من الآل اللذين تحرم عليهم الصدقة، لعدم القرابة التي يثبت بها التحريم، لكنهن من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليهم، ولا منافاة بين الأمرين.
وأما دليلكم الثالث عشر: وهو جواز الصلاة على غيره – صلى الله عليه وسلم – تبعًا، وحكايتكم (1) الاتفاق على ذلك، فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذا الاتفاق غير معلوم الصحة، والذين منعوا الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منعوها مفردة وتابعة، وهذا التفصيل وإن كان معروفًا عن بعضهم فليس كلهم يقوله.
الثاني: أنه لا يلزم من جواز الصلاة على أتباعه تبعًا للصلاة عليه جواز إفراد المعين أو غيره بالصلاة عليه استقلالًا.
وقوله: للأحاديث الصحيحة في ذلك. فليس في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي – صلى الله عليه وسلم – وآله وأزواجه وذريته، ليس فيها ذكر أصحابه ولا أتباعه في الصلاة.
وقوله: أمرنا بها في التشهد. فالمأمور به في التشهد الصلاة على آله وأزواجه، لا غيرهما.
__________
(1) في (ح) (وحكايتهم) وهو خطأ.

(1/572)


518 – وأما دليلكم الرابع عشر: وهو حديث زيد بن ثابت الذي فيه: “اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت”.
ففيه أَبو بكر بن أبي مريم ضعفه أحمد، وابن معين، وأَبو حاتم، والنسائي، والسعدي (1)، وقال ابن حبان: “كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ يحدث بالشيء فَيَهِم (2)، وكثر ذلك حتى استحق الترك”.
وفصل الخطاب في هذه المسألة:.
أن الصلاة على غير النبي – صلى الله عليه وسلم -:
إما أن يكون على (3) آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – وجائزة مفردة.
وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عمومًا الذين يدخل فيهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرهم، جاز ذلك أيضًا، فيقال (4): اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين.
__________
(1) انظر: كلام هؤلاء في تهذيب الكمال (33/ 108 – 110).
(2) في النسخة (ظ) من حاشية (ب) (فهم)، ويحتمل (يهم).
(3) إضافة من القول البديع ص 55، وسقط من جميع النسخ.
(4) في القول البديع ص 55 (كأن يقال).

(1/573)


وإن كان شخصًا معينًا أو طائفة معينة كُرِهَ أن يتخذ الصلاة عليه شعارًا لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولاسيما إذا جعلها شعارًا له (1)، ومنع منها (2) نظيره، أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرافضة بعليّ رضي الله عنه، فإنهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع منه (3)، ولاسيما إذا اتخذ شعارًا، لا يُخِلُّ به، فَتَرْكُهُ حينئذ متعيِّن. وأما إن صلى عليه أحيانًا، بحيث لا يجعل ذلك شعارًا، كما يُصلَّى على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت: “صلى الله عليك”. وكما صلى النبي – صلى الله عليه وسلم – (4) على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي من صلاته على عمر، فهذا لا بأس به.
وبهذا (5) التفصيل تتفق الأدلة، وينكشف وجه الصواب. والله الموفق (6)،
__________
(1) سقط من (ش)، (له).
(2) في القول البديع (منه).
(3) سقط من (ب) (فهذا ممنوع منه).
(4) هنا تنتهي النسخة (ب)، برنستون، وفي (ج) (صلّى صلى الله عليه وسلم).
(5) في (ش) (وهذا).
(6) في نهاية الأصل (ظ) المخطوط: تمَّ الكتاب. الحمد لله رب العالمين. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمّد؛ كما صَلَّيْتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم اغفر لكاتبه ولمن كُتب له بفضلك يا ذا الجلال والإكرام. ووافق الفراغ من كتابته في يوم الاثنين رابع عشر … الحرام عام خمس عشرة وثمانمائة.

(1/574)


وإليه المرجع والمآب (1).
__________
(1) من (ج) (وإليه المرجع والمآب) وجاء في نهاية الأصل (ج) (تمَّ الكتاب والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي، وعلى آله الطيبين، وعلى جميع إخوانه وساداتنا من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وأهل طاعتك أجمعين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا أبدًا آمين).
وكان الفراغ من كتابته يوم الثلاثاء الثامن من شهر جمادي الآخرة سنة ست وثمانين وتسعمائه، على يد الفقير إلى الله تعالى خادم [ … ] آل الصديق جمال الدين بن محمد بن أحمد [ … ] ولي الله تعالى سيدي إبراهيم الأنصاري المتبولي غفر الله له ولهم ولجميع المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

(1/575)