لكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية_3
لكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية_3
http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة |
الكتاب: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية [آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (8)]المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 – 751) تحقيق وتعليق: محمد بن عبد الرحمن العريفي، ناصر بن يحيى الحنيني، عبد الله بن عبد الرحمن الهذيل، فهد بن علي المساعد تنسيق: محمد أجمل الإصلاحي راجعه: محمد عزير شمس – سعود بن عبد العزيز العريفي الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت) الطبعة: الرابعة، 1440 هـ – 2019 م (الأولى لدار ابن حزم) عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل) قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
357 – قَالُوا: الَّذِي تَبْغيهِ فَوْقَ عِبَادِهِ … فَوقَ السَّمَاءِ وفَوقَ كُلِّ مَكَانِ
358 – وَهُو الَّذِي حَقًا عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى … لكنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى الأكْوَانِ
359 – وإِلَيْهِ يَصْعَدُ كُلُّ قَوْلٍ طيِّبٍ … وإِلَيْهِ يُرْفَعُ سَعْيُ ذِي الشُّكْرَانِ
360 – والروحُ والأملَاكُ مِنْهُ تَنَزَّلَتْ … وإِلَيْهِ تَعْرُجُ عِنْدَ كُلِّ أوَانِ
361 – وإِلَيْهِ أيدِي السَّائِلينَ توجَّهَتْ … نَحْوَ العُلُوِّ بفطْرَةِ الرَّحْمنِ
__________
357 – قال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16] وانظر الأبيات: 1227 – 1239.
358 – قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] وذكر سبحانه استواءه على عرشه صريحًا في سبع آيات من كتابه. وقول الناظم: “لكنه استولى على الأكوان” تعريض بالرد على من أوّل الاستواء بالاستيلاء بأن الاستيلاء عام لجميع المخلوقات أما الاستواء فخاص بالعرش. وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث العلو والرد على المعطلة، في فصل: “الإشارة إلى الطرق النقلية الدالة على أن الله سبحانه فوق سماواته على عرشه” الأبيات: 1113 – 1123.
359 – دليله قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وانظر البيت: 1189 وما بعده.
360 – دليله قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} [القدر: 4] وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4].
361 – كما جاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا” رواه أبو داود، سنن أبي داود 2/ 78، كتاب الوتر، باب الدعاء، والترمذي وحسنه ج 9 /ص 544 / ح 3627 تحفة، وابن ماجه سنن ابن ماجه 2/ 349 أبواب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي، المستدرك ج 1 / ص 675 / ح 1830، كتاب الدعاء، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع ج 1 /ص 201 / ح 2066.
(1/132)
362 – وإلَيْهِ قَدْ عَرَجَ الرسولُ فقُدِّرَتْ … مِن قُرْبِه مِنْ رَبِّهِ قَوْسَانِ
__________
362 – وسيأتي مثله في البيت 1198. والمؤلف رحمه الله يشير إلى عروج النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى السماء في حادثة الإسراء والمعراج، وحديث الإسراء والمعراج أخرجه البخاري من حديث شريك بن عبد الله عن أنس بن مالك وفيه: “ثم علا به فوق ذلك مما لا يعلمه أحد إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله إليه فيما يوحى إليه .. ” الحديث أخرجه البخاري 13/ ص 478 فتح، كتاب التوحيد، باب 37 ما جاء في قوله عزّ وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
وعبارة “دنا الجبار فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى” الواردة في الحديث هي من زيادة شريك بن عبد الله وهي من أوهامه التي تفرد بها.
قال ابن كثير: “شريك بن عبد الله بن أبي نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه “. تفسير ابن كثير 4/ 247 – 253، وقد انتقد على شريك في هذا الحديث عشرة أشياء منها نسبته الدنو والتدلي إلى الله عر وجل، وقد حرر هذه المسألة بتوسع الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث. فتح الباري 13/ 483 – 487، وانظر مدارج السالكين 3/ 300 فصل الاتصال.
أما قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} [النجم: 8، 9] فللعلماء في الضمير في قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} قولان:
الأول: أن الضمير يعود إلى الرب عزّ وجل وأنه سبحانه هو الذي دنا من النبي – صلى الله عليه وسلم – فتدلى فكان من النبي قاب قوسين أو أدنى، وذكره بعض المفسرين، وقد تقدم بيان ضعف استدلالهم بالحديث. تفسير الطبري مجلد 13/ 27/ 44، تفسير ابن كثير 4/ 247.
الثاني: أن الضمير يعود إلى جبريل عليه السلام لا على الله تعالى، وأن جبريل هو الذي دنا من النبي – صلى الله عليه وسلم -وهو على صورته الحقيقية فكان منه قاب قوسين أو أدنى، ثم أوحى الله تعالى إليه بما أوحى، وهذا ما رجحه الناظم رحمه الله في كتابه “مدارج السالكين” ونصره من ستة عشر وجهًا، ورجحه =
(1/133)
363 – وإِلَيْهِ قد رُفِعَ المسِيحُ حقِيقَةً … ولَسَوْفَ يَنْزِلُ كَيْ يُرَى بعِيَانِ
__________
= في “زاد المعاد” وفي “التبيان في أقسام القرآن”، وهو الثابت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين وابن مسعود رضي الله عنهما.
البخاري 8/ 610 فتح، كتاب التفسير، باب {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} 8/ 606 باب تفسير سورة النجم، ومسلم 3/ 3 نووي باب معنى قول الله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} 3/ 8 باب إثبات رؤية الله، وانظر مدارج السالكين لابن القيم 3/ 300 فصل الاتصال، زاد المعاد 3/ 38 مبحث الإسراء والمعراج، التبيان في أقسام القرآن: 317.
363 – دليل رفعه قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55].
وقوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 157، 158].
وقول الناظم: “حقيقة” للرد على من زعم أن الرفع كان لروحه وحدها وأن جسده مات ودفن، وهو زعم باطل وهو معتقد النصارى.
انظر مجموع الفتاوى 4/ 322 – 323، وقد تقدم الكلام على رفع عيسى عليه السلام ونقل كلام العلماء في ذلك في التعليق على مقدمة المؤلف.
أما دليل نزوله فما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: “والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عَدْلًا فيكسِر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها” ثم يقول أبو هريرة: “واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] متفق عليه.
البخاري 6/ 490 – 491، الفتح، كتاب أحاديث الأنبياء، باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام، مسلم 2/ 189 – 191 نووي باب نزول عيسى ابن مريم عليه السلام حاكمًا”.
وفي حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر خروج الدجال ثم نزول=
(1/134)
364 – وإِلَيهِ يَصْعَدُ روحُ كلِّ مُصَدِّقٍ … عِنْدَ الممَاتِ فينْثَنِي بأمَانِ
365 – وإِلَيْهِ آمالُ العِبَادِ توجَّهَتْ … نَحْوَ العُلُوِّ بِلَا تَواصٍ ثانِ
366 – بَلْ فِطْرَةُ اللهِ الَّتي لَمْ يُفْطَرُوا … إلا عَلَيْهَا الخَلْقُ وَالثَّقَلَانِ
__________
= عيسى عليه السلام قال – صلى الله عليه وسلم -: “إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين” الحديث رواه مسلم 18/ 67 – 68 نووي، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال.
364 – الفعلان: يصعد وينثني كلاهما مذكر في الأصل وف وظ. وفي غيرها بالتأنيث. و”الروح” يذكر ويؤنث. القاموس: 282. وانظر البيت 1201 (ص).
– يعني: أن روح المؤمن تصعد إلى الله تعالى ثم تنثني عائدة إلى جسده، ودليل ذلك ما جاء في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل في ذكر حال المؤمن والكافر عند الموت وبعده، وفيه قوله – صلى الله عليه وسلم – عن روح المؤمن: “فإذا انتهى إلى العرش كتب كتابه في عليين فيقول الرب عزّ وجل: ردوا عبدي إلى مضجعه فإني وعدتُهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فيرد إلى مضجعه” وسيأتي تخريجه تحت البيت 1735.
وانظر حديث أبي هريرة في عروج روح المؤمن إلى السماء تحت البيت 1201.
366 – أي: أن قلوب الخلق بفطرتها تتجه إلى العلو عند الدعاء أو الاستغاثة بالله تعالى دون أن يدلّها أحد على ذلك، ويشهد لذلك ما ذكره الذهبي رحمه الله في كتابه “العلو” عن أبي جعفر الهمذاني قال: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سئل عن قوله عزّ وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] فقال: كان الله ولا عرش وجعل يتخبط في الكلام فقلت: قد علمنا ما أشرت إليه فهل عندك للضرورات من حيلة؟ فقال: ما تريد بهذا القول وما تعني بهذه الإشارة؟ فقلت: ما قال عارف قط: يا رباه إلا قبل أن يتحرك لسانه قام من باطنه قصد لا =
(1/135)
367 – ونظِيرُ هَذَا أنَّهُمْ فُطِرُوا عَلَى … إِقرَارِهِم لَا شَكَّ بالدَّيَّانِ
__________
= يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؟ فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت، وبكيت، وبكى الخلق. فضرب الأستاذ بكمّه على السرير وصاح: الحيرة، وخرق ما كان عليه وصارت قيامة في المسجد، ونزل ولم يجبني إلا: يا حبيبي .. الحيرة .. الحيرة، والدهشة .. الدهشة. فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيرني الهمذاني. مختصر العلو للذهبي ص 276، وقال محققه الألباني: إسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحفاظ، مجموع الفتاوى 4/ 44، 61، نقض المنطق ص 52، والسير للذهبي 18/ 474 – 475 وانظر البيت: 1130 وما بعده.
تنبيه: قال شيخ الإسلام بعد حكايته لهذه الحادثة: “وإن كان -يعني الجويني- في آخر عمره رجع عن هذه العقيدة، ومات على دين أمه وعجائز نيسابور. نقض المنطق ص 52.
367 – كما في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” متفق عليه، البخاري 3/ 219 /ح 1358 فتح، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، ومسلم 15/ 257 نووي، كتاب القدر، باب معنى كل مولود على الفطرة.
والفطرة في الآية والحديث هي: دين الإسلام، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- بعدما عرض الأقوال في الفطرة: “فقد تبين دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها يجب حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع” أ. هـ. شفاء العليل ص 592، وانظر التفصيل في شفاء العليل ص 559 وما بعدها، ودرء تعارض العقل والنقل 8/ 359 – =
(1/136)
368 – لَكِنْ أولُو التَّعْطِيلِ مِنهُمْ أصْبَحُوا … مَرْضَى بِدَاءِ الجَهْلِ وَالخِذْلَانِ
369 – فَسَأَلتُ عنْهُم رُفقتي وأحبّتي … أصْحابَ جَهْمٍ حزبَ جِنْكِسْخَانِ
370 – مَنْ هؤلاءِ وَمَنْ يقالُ لهمُ فقَدْ … جَاؤوا بأمرٍ مَالِئِ الآذانِ
371 – وَلهمْ عَلَيْنَا صَولةٌ مَا صَالهَا … ذُو بَاطلٍ بَلْ صَاحبُ البُرْهَانِ
__________
= 395، شرح الطحاوية 1/ 33 وما بعدها، وقد تقدم تعريف الفطرة وذكر الراجح في معناها ونقل كلام العلماء في ذلك في التعليق على البيت رقم 262.
369 – جنكسخان ويقال: جنكيز خان: ملك التتار وسلطانهم الأول الذي خرّب البلاد وأفنى العباد، واستولى على الممالك. وأول ظهوره كان عام 599 هـ. وله شجاعة مفرطة، وعقل وافر، ودهاء ومكر. وقد وضع لشعبه كتابه “الياسا” فيه تشريعات وحدود من خالف شيئًا منها قتل. لم يكن يتقيد بدين الإسلام ولا بغيره وقتل المسلم عنده أهون من قتل البرغوث، غزا بلاد الإسلام عام 616 هـ وقتل من الخلق ما لا يحصيهم إلا الله حتى إنه كان يفني مدنًا بأكملها. هلك سنة 624 هـ.
السير 22: 243، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 94 – 98، 127 – 130، الكامل في التاريخ لابن الأثير 12/ 137 – 153. ولعل الناظم رحمه الله جعل الجهم وأصحابه حزبًا لجنكسخان لأن جنكسخان لما دخل بلاد الإسلام الشام وغيرها كان أنصاره وأعوانه الذين سهلوا له الدخول هم أهل البدع من الجهمية والرافضة وغيرهم. منهاج السنة 6/ 372، 374. وسيأتي في كلام الناظم أيضًا إطلاق لفظة “المغول” على الجهمية في البيت 829.
370 – كذا في جميع النسخ وط. والصواب -فيما يظهر لي- “ما يقال لهم” والله أعلم (ص).
– أي أن هذا الركب لما سمع قول أهل السنة بهر بقوة حجتهم ووضوح عبارتهم وصراحة دليلهم، فسأل أحبابه من الجهمية من هؤلاء فقد جاؤوا بأمر يملأ الآذان.
371 – صال: وثب وسطا، والمصاولة: المواثبة. اللسان 11/ 387. =
(1/137)
372 – أوَ مَا سمعْتمْ قَوْلَهمْ وَكَلامَهُم … مثلَ الصواعِقِ لَيْسَ ذَا لِجَبانِ
373 – جَاؤوكُمُ مِنْ فوقِكُمْ وأتيتمُ … مِنْ تحتِهمْ مَا أنْتمُ سِيَّانِ
374 – جَاؤوكُمُ بالوَحْيِ لكنْ جِئتمُ … بنُحَاتةِ الأفْكَارِ والأذْهَانِ
375 – قَالُوا مُشَبَّهَةٌ مجَسِّمَةٌ فَلَا … تَسْمَعْ مَقَالَ مُجَسِّمٍ حَيَوَانِ
__________
= – يعني: أن صاحب الباطل لا يجرؤ على إثبات حجته وتقوية عبارته كصاحب الحق والبرهان بل يغلبه الجبن والخور.
374 – النحاتة: ما نحت أي نشر وقشر من الخشب، وهي البراية. اللسان 2/ 97 – 98، يعني: أن أهل الحق يسلكون في إثبات مذهبهم منهج الكتاب والسنة ويستدلون بالوحي المنزل، أما أهل الباطل فيعتمدون على عقولهم الناقصة ونحاتة أفكارهم ويأتون بكناسة الحجج والبراهين لإثبات مذاهبهم.
375 – س: “مجسمة مشبهة”، وقد تقدم تعريف المشبهة والمجسمة في التعليق على المقدمة.
– هذا هو جواب أصحاب جهم وحزب جنكسخان لهذا الركب الذي سألهم عن أهل السنة والجماعة.
وقد تقدم أن أهل البدع يلمزون أهل السنة المثبتين للصفات على مراد الله ورسوله بألفاظ شنيعة تنفر الناس عنهم. وتقدم قول الناظم -رحمه الله- في المقدمة النثرية: “ولا نجحد صفات ربنا تبارك وتعالى لتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “كما يسمي نفاة الصفات لمثبتيها مشبهة ومجسمة حتى سموا جميع المثبتة للصفات مشبهة ومجسمة وحشوية” وقال أثناء كلامه عن حال أحد المعتزلة لما تاب ورجع إلى المذهب الحق: “فلما فتح الله تعالى عليه بذلك قال: والله ما الحق إلا فيما عليه هؤلاء الحشوية والمجسمة وكان هذا الشيخ الكبير إذا قيل له: من قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] فهو مجسم يقول: فخذ أني حينئذ مجسم”. درء تعارض العقل والنقل 4/ 148، 7/ 432.
(1/138)
376 – والْعَنْهُمُ لَعْنًا كَثيرًا واغْزُهُمْ … بعَسَاكِرِ التَّعْطِيلِ غيرَ جَبَانِ
377 – واحْكُمْ بسَفْكِ دِمَائِهِمْ وبحَبْسِهِمْ … أَوْ لَا فَشَرِّدْهُمْ عَنِ الأوْطَانِ
378 – حَذِّرْ صِحَابَكَ مِنْهُمُ فَهُمُ أضَلُّ م … مِنَ اليَهُودِ وعَابِدي الصُّلْبَانِ
379 – واحذَرْ تُجَادِلَهُمْ بقَالَ اللهُ أوْ … قَالَ الرَّسُولُ فتنْثَنِي بهَوَانِ
380 – أنَّى وَهُمْ أوْلَى بِهِ قدْ أنفَدُوا … فِيهِ قُوَى الأذْهَانِ والأبدَانِ
381 – فَإِذَا بُلِيتَ بهِمْ فَغَالِطْهُمْ عَلَى التَّـ … ـأْويلِ للأَخْبَارِ وَالْقُرْآنِ
382 – وَكَذَاكَ غالِطْهُمْ عَلَى التَّكذيِبِ لِلـ … آحَادِ ذَانِ لِصَحْبِنَا أَصْلَانِ
__________
376 – ح، ط: “كبيرًا”. أما الأصل فلم ينقط فيه الحرف الثاني.
380 – ب، د، ط: “أنفذوا”، وهو تصحيف. وأنفدوا، أي: أفنَوا.
381 – من الأصل وف. وفي غيرهما: “ابتليت”.
يعني: إذا شرع أهل الحق والسنة في إقامة حججهم من الكتاب والسنة، ولم تجد لك مخلصًا ولا مفرًا فغالطهم ..
وتقدم التفصيل في معنى التأويل في التعليق على المقدمة.
382 – أخبار الآحاد جمع خبر الواحد، وهو لغة: ما يرويه شخص واحد، واصطلاحًا: ما لم يجمع شروط المتواتر. انظر نزهة النظر ص 8، فتح الباري 13/ 233. الكفاية في علوم الرواية للخطيب البغدادي 16، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للدكتور مصطفى السباعي ص 167.
يشير الناظم -رحمه الله- إلى أن أهل البدع قد أعدوا لدفع الاستدلال بالكتاب والسنة أصلين:
الأول: التأويل للآيات والأحاديث المتواترة.
والثاني: إن كانت الأحاديث آحادًا كذبوا بها وقالوا: إن دلالتها ظنية وليست قطعية.
وقد ذكر في مختصر الصواعق المرسلة ص 550 – 558 واحد وعشرون وجهًا للدلالة على أن خبر الواحد يفيد العلم اليقيني. وقد ردّ الناظم على قولهم برد خبر الآحاد في فصل “بيان بطلان قول الملحدين إن الاستدلال بكلام الله ورسوله لا يفيد العلم واليقين”، كما ردّ عليهم في =
(1/139)
383 – أَوْصى بِهَا أَشْيَاخُنَا أشْيَاخَهُمْ … فَاحْفَظْهُمَا بيديْكَ والأسْنَانِ
384 – وإذَا اجْتَمعْتَ وهُمْ بمشْهَدِ مجْلِسٍ … فابْدُرْ بإيرادٍ وشَغْلِ زَمَانِ
385 – لَا يَمْلِكُوهُ عَلَيْكَ بالآثارِ والْـ … أَخْبَارِ والتَّفسِيرِ للفُرْقَانِ
386 – فتَصِيرَ إِنْ وَافَقْتَ مِثْلَهُمُ وإنْ … عَارَضْتَ زِنْدِيقًا أَخَا كُفْرَانِ
387 – وإذَا سَكَتَّ يُقَالُ هَذَا جَاهِلٌ … فَابْدُرْ وَلَوْ بالفَشْرِ والهذَيَانِ
388 – هَذَا الَّذِي واللهِ أوْصَانَا بهِ … أشْيَاخُنَا فِي سالِفِ الأزمَانِ
389 – فرجعْتُ من سَفَري وقلتُ لصَاحِبي … ومطيَّتي قَدْ آذنتْ بحِرَانِ
__________
= قولهم بالتأويل في “فصل في جناية التأويل على ما جاء به الرسول والفرق بين المردود منه والمقبول” وسبق بيان خطر التأويل في حاشية البيت 349.
385 – يعني: بادر بإيراد الاعتراضات والشبه على الدين، واشغل الوقتَ بذلك حتى لا يجدوا فرصة للقول والاحتجاج عليك بالآيات والأخبار.
– د، ط: “للقرآن”.
386 – الزنديق: فارسي معرّب. وقال أحمد بن يحيى: ليس في كلام العرب زنديق فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة قالوا: ملحد دهري.
والزندقة: النفاق، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر، فالزنديق من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، فكل زنديق منافق وكذا العكس. وذكر الإمام الدارمي رحمه الله أن الزنديق شر من المنافق. انظر لسان العرب 10/ 147، شرح الطحاوية ص 358، الرد على الجهمية للدارمي ص 115 – 116.
387 – الفشار: في القاموس 587: “الفُشار الذي تستعمله العامّة بمعنى الهذيان ليس من كلام العرب”.
388 – في طع:
“هذا الذي أوصى به أشياخنا … في سالف الأوقات والأزمان”
389 – حرَنت الدابة تحرُن حِرانًا وحُرانًا فهي حَرُون، وهي التى إذا استُدِرَّ جريُها وقفت. خاصّ بذوات الحوافر. القاموس 1534.
(1/140)
390 – عطِّلْ رِكَابَكَ واسترِحْ مِنْ سَيرِهَا … مَا ثَمَّ شيءٌ غَيْرُ ذِي الأكْوَانِ
391 – لَوْ كَانَ للأكْوانِ رَبٌّ خَالِقٌ … كَانَ المجسِّمُ صَاحِبَ البُرْهَانِ
392 – أوْ كَانَ رَبٌّ بائنٌ عَنْ ذا الوَرَى … كَانَ المجسِّمُ صاحِبَ الإيمَانِ
393 – ولكَانَ عِنْدَ النَّاسِ أوْلَى الخَلْقِ بالْـ … إِسْلامِ والإيمَانِ والإحْسَانِ
394 – ولكَانَ هَذَا الحزْبُ فَوْقَ رؤوسِهِمْ … لَمْ يخْتَلِفْ منهُمْ عَلَيْهِ اثْنَانِ
395 – فدَعِ التَّكَالِيفَ الَّتي حُمِّلْتَهَا … واخلَعْ عِذَارَكَ وارْمِ بالأَرْسَانِ
__________
390 – هذه محصلة سفر هذا الراكب الأحمق فإنه بعدما طوّف بأصحاب المذاهب وأعجبته مقالة أهل السنة والجماعة لولا ما وسوس به إليه صاحبه الجهمي، رجع من سفره إلى صاحبه وقال له: لا حاجة لك إلى البحث والتجوال فقد جئتك من سفري بالنبأ اليقين.
391 – يعني: المثبت للصفات من أهل السنة. وتقدم أن المبتدعة ينبزون أهل السنة بالتجسيم. (انظر البيت 375).
394 – يعني: أهل السنة والجماعة.
في هذه الأبيات يدلل هذا الخاسر على ما قرره من الجحود والإنكار، فيقول: لو كان للأكوان رب خالق لكالب مذهب المجسمة (ويعني بهم: أهل السنة والجماعة) هو أصح المذاهب وأقواها برهانًا وأولاها بالقبول، فإن القول بوجوده يقتضي القول بأنه بائن عن المخلوقات، أما القول بأنه في المخلوقات أو لا داخل العالم ولا خارجه .. إلخ فهذا كله من الهذيان والتناقض، وإذا صحّ أن مذهب المجسمة (يعني: أهل السنة) هو الموافق للعقل والنقل والبرهان استحق أن يكون المذهب الحقّ ويكون أهله فوق الخلائق دون منازع ولا مخالف.
395 – العذار من اللجام: ما وقع منه على خدّي الدابّة. وقولهم: خلع عذاره أي: خرج عن الطاعة وانهمك في الغيّ. اللسان 4/ 549 – 550.
الأرسان: جمع رَسَن وهو الحبل الذي يقاد به البعير وغيره. اللسان 13/ 180.
(1/141)
396 – مَا ثَمَّ فَوْقَ العَرْشِ مِن ربٍّ ولَمْ … يتكلّمِ الرَّحْمنُ بالقُرْآنِ
397 – لَوْ كَانَ فَوْقَ العَرْشِ ربٌّ ناظِرٌ … لزِمَ التَّحَيُّزُ وافتقارُ مَكَانِ
__________
397 – التحيّز: من الحَيِّز وهو الفراغ مطلقًا، سواء كان مساويًا لما يشغله أو زائدًا عليه أو ناقصًا عنه. وقيل الحيّز هو المكان. كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 298. وهذا اللفظ يستعمله الجهمية في نفي العلو عن الله تعالى فيقولون: إنه لو كان في السماء للزم أن يكون متحيزًا، وعند الرد عليهم لا ينبغي إطلاق نفي الحيز عن الله تعالى لأن لفظ الحيز من الألفاظ المجملة التي يراد بها معان متعددة ولا تثبت أو تنفى عن الله تعالى إلا بعد الاستفصال عن مراد مطلقها بها، فإن أراد بها معنى موافقًا للكتاب والسنة قُبل منه المعنى دون اللفظ وإن خالف رُدَّ اللفظ والمعنى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “لفظ التحيز إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض .. وإن أراد به أنه منحازٌ عن المخلوقات أي: مباين لها منفصل عنها ليس حالًا فيها فهو سبحانه كما قال أئمة أهل السنة: فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه”. مجموع الفتاوى 3/ 42، وانظر مجموع الفتاوى 17/ 343 – 347، بيان تلبيس الجهمية 1/ 100، 104، أساس التقديس للرازي (الأشعري) ص 30 – 37، شرح الأصول الخمسة للهمذاني (المعتزلي) ص 112.
– قول هذا الجهمي إن إثبات أن الله في العلو يقتضي افتقاره إلى مكان يعني: أن الله تعالى لو كان في العلو على عرشه لكان معنى هذا أنه محتاج إلى مكان يكون فيه، وهذا نقص لا ينسب إلى الله ولفظ المكان كذلك كلفظ الحيز، قال العلامة نعمان الآلوسي: “وأما القائل الذي يقول: إن الله لا ينحصر في مكان إن أراد به أن الله لا ينحصر في جوف المخلوقات، وأنه لا يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب، وإن أراد أن الله تعالى ليس فوق السماوات، ولا هو مستوٍ على العرش استواءً لائقًا بذاته وليس هناك إله يُعبد، ومحمد – صلى الله عليه وسلم – لم يعرج إلى ربه تعالى فهذا جهمي فرعوني معطل”. جلاء العينين للعلامة نعمان الآلوسي ص 385، وانظر مجموع الفتاوى 4/ 58 – 59. والمراجع السابقة.
(1/142)
398 – أو كَانَ ذَا القُرْآنُ عَيْنَ كَلَامِهِ … حَرْفًا وَصوْتًا كَانَ ذَا جُثْمَانِ
399 – فَإِذَا انْتَفَى هَذَا وهَذَا مَا الَّذِي … يَبْقَى عَلَى ذَا النَّفْي مِنْ إِيمَانِ
400 – فدَعِ الحَلَالَ مَعَ الحرَامِ لأهْلِهِ … فهُمَا السِّيَاجُ لَهُمْ عَلَى البُسْتَانِ
401 – فاخْرِقْهُ ثم ادْخُلْ تَرَى في ضِمْنِهِ … قَدْ هُيِّئَتْ لَكَ سَائِرُ الأَلْوَانِ
402 – وَتَرَى به مَا لَا يَرَاهُ محَجَّبٌ … مِنْ كلِّ مَا تَهْوَى بِهِ زَوْجَانِ
403 – واقْطَعْ عَلائقَكَ الَّتي قَدْ قَيَّدتْ … هَذَا الوَرَى مُذْ سَالِفِ الأزْمَانِ
__________
398 – “أوكان”: كذا في الأصل، ف، ح. وفي غيرها: “لو كان”، وأشير إلى هذه النسخة في حاشية الأصل.
جُثمان: جسم. وهذا أيضًا من شبه الجهمية في نفي صفة الكلام عن الله تعالى، حيث زعموا: أن الكلام بحرف وصوت من خصائص الأجسام .. وسيأتي تفصيل هذه الشبهة والرد عليها في مبحث الكلام إن شاء الله. (انظر البيت: 829 وما بعده).
399 – في الأصل: “ذي النفي”.
– لا يزال الكلام موصولًا من الجهمي لصاحبه، حيث يقول له: إذا انتفت صفتا العلو والكلام لم يبقَ مع هذا النفي إيمان، وهو يريد بذلك أن يتوصل إلى إنكار الإله جلّ وعلا، كما سيأتي.
400 – السياج: الحظيرة من الشجر تجعل حول الكرم والبستان، ويقال: حظر كرمه بالسياج وهو أن يسيج حائطه بالشوك لئلا يتسور. اللسان 2/ 303.
– يعني بالبستان: ملذات الدنيا المحرمة.
402 – ط: “وترى بها”.
– يعني بالمحجّب: المتقيد بشرع الله تعالى في الحلال والحرام.
403 – علائق: جمع علاقة -بفتح العين- وهي ما تعلق به الرجل أو نيل منه به. اللسان” 1/ 265.
“مذ”: كذا في الأصل، ف، د. وفي غيرها: “من”.
(1/143)
404 – لِتَصِيرَ حُرًّا لَسْتَ تَحْتَ أوَامِرٍ … كَلَّا وَلَا نَهْيٍ وَلَا فُرْقَانِ
405 – لَكِنْ جَعَلتَ حِجَابَ نَفْسِكَ إِذْ تَرَى … فَوْقَ السَّمَا للنَّاسِ مِنْ دَيَّانِ
406 – لَوْ قُلْتَ مَا فَوْقَ السَّماءِ مدبِّرٌ … والعَرْشَ تُخْلِيهِ مِنَ الرَّحْمنِ
407 – واللهُ لَيْسَ مُكلِّمًا لِعِبَادِهِ … كَلَّا وَلَا مُتكلِّمًا بِقُرَانِ
408 – مَا قَالَ قَطُّ وَلَا يَقولُ ولَا لَهُ … قَوْلٌ بَدَا مِنْهُ إِلَى إنسَانِ
409 – لَحَلَلْتَ طِلِّسْمًا وفُزْتَ بكَنْزِهِ … وعَلِمتَ أن النَّاسَ فِي هَذَيَانِ
__________
404 – يعني: لا تنظر إلى حدود الأمر والنهي التي حدّها لك الله تعالى، بمثل قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] بل جاوز هذه الحدود وتعدّها وحرر نفسك من قيود الأمر والنهي وكن تبع هواك فما اشتهيت فافعله وما لم تشتهِ فاتركه.
408 – تنكر الجهمية والمعتزلة وغيرهم من أهل البدع صفتي الكلام والفوقية لله تعالى ولا يثبتونهما له، وسيأتي تفصيل ذلك كله في مبحث الكلام والعلو إن شاء الله.
409 – ط: “طلسمه”. الطلسم: بفتح الطاء وكسر اللام المخففة، وقيل بكسر الطاء واللام المشددة، وضبطه الزبيدي كسِبَطْر، قال: “وشدد شيخنا اللامَ”. وضبط في ف بفتح الطاء واللام المشدّدة، وهو في الأصل: خطوط أو كتابة يستعملها الساحر ويزعم أنه يدفع بها كل مؤذ، والطلسم: هو السر والعقد الذي لا ينحل، وهي كلمة يونانية معرّبة. انظر مفتاح السعادة لطاش كبري زاده 1/ 316، كشاف اصطلاحات الفنون 2/ 937، تاج العروس 8/ 381.
والمراد: أن هذا الخاسر يقول لصاحبه: إنك إذا قلت: ليس فوق السماء إله يحاسب الناس، ولا على العرش رحمن، ولا للخلق مدبر، ونفيت الكلام منه بجميع صوره، تكون قد اكتشفت السر الذي عجز عنه الكثيرون وفزت بالكنز الذي حرمه الكثيرون، وعلمت أن ما يقوله الناس من المثبتة وغيرهم في هذا الباب تخليط وهذيان. وهذا ظن طوائف المبتدعة وأهل الكلام، وشأن كل من أعرض عن هدي الكتاب والسنة، واعتمد على فكره القاصر وعقله السفيه في تقرير مسائل الشريعة، بل في الحكم على الرب جل جلاله =
(1/144)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وما يجوز له وما يمتنع عليه. والمصيبة العظمى أن هذا السفيه يظن أنه بعقله وفكره وما يستعمله من مقدمات ونتائج يتوصل إلى ما لم يصل إليه الأوائل السابقون من سلف الأمة وأئمتها، فهو من {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 104]، ولقد أحاط الله تعالى أكثر هؤلاء بالخسران في الدنيا قبل الآخرة، فزلّت بهم الأقدام، وضلّت الأفهام، وتردوا في مهاوي الضلال على رؤوس الأنام، وذلك أنهم عظموا علم الكلام، وظنوا أنهم به يحلون الطلاسم ويفوزون بالكنوز.
ويكفي دلالة على ضلالهم وسوء حالهم أن أحدهم يتكلم الكلام الطويل في تقرير مسألة أو جواب خصم ثم لا يستشهد في كلامه بآية ولا حديث وإنما يدور كلامه على الهيولى والصورة والعرض والجوهر .. وقرر أرسطو وخالفه إفلاطون وقال سقراط!! ويرى نفسه بذلك من خاصة الخاصة، ويدع كلام الله ورسوله للعوام.
وعامة عقلاء هؤلاء إذا وصلوا إلى منتهاه من علم الكلام والبحث والنظر وحل ما يسميه بالطلاسم لم يملكوا إلا الرجوع إلى هدي الكتاب والسنة والوقوف عند حدود الله.
كما قال أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ): “ولم يكن علم الكلام في حقي كافيًا، ولا لدائي الذي كنت أشكو منه شافيًا، ولم يكن في كتب المتكلمين إلا كلمات معقدة مبددة، ظاهرة التناقض والفساد”. المنقذ من الضلال للغزالي ص 15 – 17.
ومن كبار المتكلمين أيضًا الفخر الرازي (ت 606 هـ) الذي زلّ في مهاوي التأويل والتعطيل، حتى إنه قال في تقديمه لكتابه “أساس التقديس” ص 9: “الحمد لله .. المتعالي عن شوائب التشبيه والتعطيل، صفاته وأسماؤه، فاستواؤه: قهره واستيلاؤه، ونزوله: بره وعطاؤه، ومجيئه: حكمه وقضاؤه، ووجهه: جوده وحباؤه، وعينه: حفظه واجتباؤه، وضحكه: عفوه أو إذنه وارتضاؤه، ويده: إنعامه … ” إلخ ما قال من التأويل والتعطيل، وكتبه مليئة بما هو أطم من هذا وأعظم، وقد قال عند موته: “لقد تأملت الطرق =
(1/145)
410 – لَكِنْ زَعَمْتَ بأنَّ رَبَّكَ بائِنٌ … مِنْ خَلْقِهِ إذْ قُلْتَ مَوْجُودَانِ
411 – وزَعمْتَ أنَّ اللهَ فوقَ العَرْشِ والْـ … ـكُرْسِيَّ حقًّا فوقَهُ القَدَمَانِ
412 – وزعمْتَ أنَّ اللهَ يسْمَعُ خلقَهُ … ويراهُمُ مِنْ فَوْقِ سَبعِ ثَمانِ
__________
= الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا .. إلى أن قال: .. ومن جرّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي” سير أعلام النبلاء 21/ 501، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 37.
وجاء مثل ذلك أيضًا عن الجويني والشهرستاني وغيرهما من المتكلمين. فتبين من هذا أن وصية هذا الزنديق المتحلل (الذي ذكره الناظم في الأبيات) لصاحبه بخلع ربقة الدين وإنكار الصفات من أجل أن تنحل له الطلاسم ويفوز بالكنوز وصية باطلة خاسرة.
410 – هذا حق فإنّ الله تعالى فوق عرشه بائن من خلقه غير مختلط بهم ولا حالّ في شيء منهم، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث العلو إن شاء الله.
411 – وهذا حق دليله قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5].
– وقد تقدم تعريف العرش. (حاشية البيت رقم 41).
– تقدم تعريف الكرسي وأنه موضع قدمي الرب تعالى. (حاشية البيت رقم 89).
412 – وهذا حق، فإن الله تعالى يسمع ويرى كل شيء سبحانه ولا تخفى عليه خافية. ويدل على هذا أدلة كثيرة منها قوله تعالى: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: 26] أي: ما أبصره لكل موجود وأسمعه لكل مسموع لا يخفى عليه شيء من ذلك. تفسير الطبري 9/ 232، تفسير القرطبي 10/ 388.
“سبع ثمان”: كذا في النسخ الخمس المعتمدة وس، طت، طه. وفي ح، طع: “ست ثمان”، وهو الذي جاء في بيت شبيه بهذا البيت برقم 523 وآخر برقم 4723 (ص). قوله “سبع ثمان”: أي يرى عباده وبينه وبينهم سبع سموات بل ثمان إذا حسب معها العرش فإن الله تعالى فوقه.
(1/146)
413 – وزعمْتَ أنَّ كَلَامَهُ منْهُ بَدَا … وإِلَيْهِ يَرْجِعُ آخرَ الأزْمَانِ
414 – ووصَفتَهُ بالسَّمْعِ والْبصَرِ الَّذِي … لَا يَنْبِغي إلَّا لِذِي الجُثْمَانِ
415 – ووصَفْتَهُ بإرادةٍ وبقدْرَةٍ … وكراهَةٍ ومحَبَّةٍ وحَنَانِ
__________
413 – قوله “منه بدا”: قال شيخ الإسلام رحمه الله: “معنى قول السلف: منه بدأ، قال أحمد بن حنبل رحمه الله: منه بدأ أي هو المتكلم به، فإن الذين قالوا إنّه مخلوق قالوا: خلقه في غيره، فبدأ من ذلك المخلوق، فقال السلف: منه بدأ أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره فيكون كلامًا لذلك المحل الذي خلقه فيه”. مجموع الفتاوى 12/ 40.
قوله “وإليه يرجع”: وهذا حق، لحديث حذيفة رضي الله عنه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عزّ وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية” الحديث رواه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم، 2/ 4098، وقال البوصيري في الزوائد 3/ 254: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وصحح الحديث الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 3272، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لينزعن القرآن من بين أظهركم يسرى عليه ليلًا فيذهب من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض منه شيء، رواه الطبراني وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة. مجمع الزوائد 7/ 329 – 330.
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في بيان معنى قول السلف: “وإليه يعود”: “يسرى به في آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا يبقى في الصدور منه كلمة ولا في المصاحف منه حرف” مجموع الفتاوى 3/ 98 – 199، 12/ 274.
414 – السمع والبصر ثابتان لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقد تقدم الكلام على هذه الشبهة (حاشية البيت 398).
415 – صفة الإرادة بنوعيها: الكونية والشرعية ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] وقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ =
(1/147)
416 – وزعمْتَ أنَ اللَّهَ يعْلَمُ كُلَّ مَا … فِي الكَوْنِ مِنْ سِرٍّ ومِنْ إعْلَانِ
417 – والعِلْمُ وصْفٌ زائِدٌ عنْ ذَاتِهِ … عَرَضٌ يَقُومُ بغَيرِ ذِي جُثْمَانِ
__________
= عَلَيْكُمْ} [النساء: 27] وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82] وراجع في تفصيل نوعي الإرادة حاشية البيت 253.
– صفة القدرة ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148] وقوله: {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 7].
– صفة الكره ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46].
– صفة المحبة ثابتة لله تعالى بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205].
– في طع قدم هذا البيت على الذي قبله، وقد تقدم أن معنى الحنان في اللغة الرحمة والله تعالى موصوف بالرحمة الواسعة. (حاشية البيت 44).
416 – وهذا حقّ، دليله قوله تعالى: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)} [يس: 76] وقوله: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [النحل: 23] وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59].
417 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “الصف – صلى الله عليه وسلم – هل هي زائدة على الذات أم لا؟ وحقيقة الأمر أن الذات إن أريد بها الذات الموجودة في الخارج فتلك مستلزمة لصفاتها، يمتنع وجودها بدون تلك الصفات. وإذا قدر عدم اللازم لزم عدم الملزوم، فلا يمكن فرض الذات الموجودة في الخارج منفكة عن لوازمها، حتى يقال: هي زائدة أو ليس زائدة، لكن يقدر ذلك تقديرًا في الذهن وهو القسم الثاني. فإذا أريد بالذات ما يقدر في النفس مجردًا عن الصفات فلا ريب أن الصفات زائدة على هذه الذات المقدرة في النفس. ومن قال من متكلمة أهل السنة: إن الصفات =
(1/148)
418 – وزعمْتَ أنَّ اللهَ كلَّم عبْدَهُ … موسَى فأسْمَعَهُ نِدَا الرَّحْمنِ
419 – أفتَسمَع الأُذنُانِ غيرَ الحرْفِ والـ … ـصَّوتِ الَّذِي خُصَّتْ بِهِ الأُذُنانِ
420 – وكذَا الندَاءُ فإنَّهُ صَوْتٌ بإجْـ … ـماعِ النُّحَاةِ وأهْلِ كلِّ لِسَانِ
421 – لَكِنَّهُ صَوْتٌ رَفِيعٌ وَهْوَ ضِدٌّ م … للنِّجَاءِ كِلَاهُمَا صوْتَانِ
__________
= زائدة على الذات فتحقيق قوله أنها زائدة على ما أثبته المنازعون من الذات فإنهم أثبتوا ذاتًا مجردة عن الصفات ونحن نثبت صفاتها زائدة على ما أثبتوه هم، لا أنا نجعل في الخارج ذاتًا قائمة بنفسها ونجعل الصفات زائدة عليها، فإن الحي الذي يمتنع أن لا يكون إلا حيًا كيف تكون له ذات مجردة عن الحياة”.
درء التعارض 3/ 20 – 21، وانظر شرح الطحاوية 1/ 98 وما بعدها.
– العرض هو الوصف وقد تقدم تعريفه (حاشية البيت رقم 90).
والمراد: أن هؤلاء النفاة لما قرروا أن الصفات لا تقوم إلا بالأجسام نفوا الصفات عن الله تعالى حتى لا يشبهوه بالأجسام، فقال لهم أهل السنة: إن هذا التقييد غير لازم إذ إن غير الأجسام قد تقوم به الأعراض (الصفات) فقال هؤلاء -كما ذكر الناظم-: إن هذا تناقض فكيف تقوم به الأعراض وهو ليس بجثمان؟ وسيأتي الردُّ مفصلًا في البيت: 1066 وما بعده.
418 – وهذا حقّ، دليله قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]، وقوله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء: 10].
419 – د، ح، ط: “أفتسمع الآذان”.
– كلام الله تعالى بحرف وصوت مسموع، وسيأتي تفصيل ذلك. (انظر حاشية البيت 442، والبيت 686 وما بعده).
420 – في اللسان: النداء: الدعاء بأرفع الصوت، وقد ناديتَه نداء، وفلان أندى صوتًا من فلان أي أبعد مذهبًا وأرفع صوتًا. (15/ 315 – 316) وهو ممدود، وقد سبق في البيت 418 مقصورًا للضرورة.
421 – النِّجاء بكسر النون: السرّ، يقال ناجى الرجل مناجاة ونجاء: سارَّه، وتناجى القوم: تسارّوا. اللسان 14/ 308.
(1/149)
422 – فزَعَمْتَ أنَ الله نَادَاه وَنَا … جَاهُ وَفِي ذَا الزَّعْمِ مَحْذُورَانِ
423 – قُربُ المكَانِ وبُعْدُه والصَّوتُ بَلْ … نَوْعَاهُ مَحْذُورَانِ مُمتَنِعَانِ
424 – وَزعمْتَ أنَّ محمّدًا أسْرَى بِهِ … لَيْلًا إِلَيْهِ فهْوَ مِنْهُ دَانِ
__________
422 – وهذا حقّ، دليله قوله تعالى عن موسى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)} [مريم: 52] وقوله: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)} [طه: 11 – 13] وثبت النداء لغير موسى عليه السلام كما في قوله تعالى عن آدم وحواء: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22]. قال شيخ الإسلام -رحمه الله- بعدما أورد الآيات التي فيها نداء الله لموسى عليه السلام ولغيره: “والنداء في لغة العرب هو صوت رفيع، لا يطلق النداء على ما ليس بصوت لا حقيقة ولا مجازًا” مجموع الفتاوى 6/ 531.
423 – نوعا الصوت: يعني النداء والنجاء. ويزعم أهل الباع: أن إثبات الكلام لله تعالى بالنداء والنجاء فيه محذوران:
الأول: قرب المكان وبُعده أي: قرب العبد الحسي من الرب للنجاء وبُعده عنه للنداء، وذلك يستلزم التجسيم بزعمهم.
الثاني: إثبات الصوت لله تعالى. وسيأتي مناقشة هذين المحذورين في البيت: 678 وما بعده.
424 – “أسرَى”: كذا ضبط في ف بفتح الهمزة مبنيًا للمعلوم يعني: أسرى به اللهُ. وهذا حقّ، دليله قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} [الإسراء: 1].
وحديث الإسراء الطويل هو من رواية أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يحدث عن ليلة أسري به فقال: “بينا أنما في الحطيم” وذكر الحديث وفيه: “ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يقع خَطوه عند أتصى طرفه قال: فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح” ثم ذكر – صلى الله عليه وسلم – صعوده في السموات حتى بلغ السماء =
(1/150)
425 – وَزعمْتَ أنَّ محمَّدًا يَوْمَ اللِّقَا … يُدْنِيهِ رَبُّ العَرْشِ بالرِّضْوَانِ
426 – حَتَى يُرَى المُخْتَارُ حقًّا قَاعدًا … مَعَه عَلَى العَرْش الرَّفِيعِ الشَّانِ
__________
= السابعة، ثم قال: “ثم رفعت الى سدرة المنتهى ثم رفع لي البيت المعمور”. وفي رواية مسلم: “ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام” متفق عليه. البخاري ج 6/ 302 فتح، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ومسلم 2/ 217 نووي، كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفرض الصلوات.
426 – مسألة جلوس نبينا على العرش جاء فيها:
أ – ما أخرجه الذهبي عن ابن عباس في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قال: يقعده على العرش. قال الذهبي: إسناده ساقط، وهذا مشهور من قول مجاهد ويروى مرفوعًا وهو باطل. أ. هـ العلو للذهبي ص 99.
ب – ما أخرجه الطبري في تفسيره قال: حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي حدثنا ابن فضيل عن ليث عن مجاهد قال في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قال: يجلسه معه على العرش. أخرجه الطبري في التفسير، مجلد 145/ 15/9 والخلال في السنة 1/ 213 أثر 241، كلاهما من طريق ابن فضيل عن الليث عن مجاهد به، وابن فضيل هو: محمد بن فضيل بن غزوان صدوق عارف رمي بالتشيع، من التاسعة، تقريب التهذيب ص 502 ترجمة /6227. والليث هو ابن أبي سليم بن زنيم واسم أبيه أيمن وقيل غير ذلك، صدوق اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه فترك. تقريب التهذيب ص 464 /ترجمة 5685. وذكر الذهبي عن الإمام أحمد عند ترجمة محمد بن مصعب العابد أن قعود النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يثبت فيه نص حيث قال: ذكر الإمام أحمد ابن مصعب فقال: كتبت عنه وأي رجل هو، أما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه، العلو ص 124. وقال ابن عبد البر: مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما هذا، والثاني في تأويل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23]، قال: تنتظر الثواب. نقله الشوكاني في فتح القدير=
(1/151)
427 – وَزَعمْتَ أنَّ لعرْشِهِ أَطًّا بهِ … كالرَّحْلِ أطَّ براكبٍ عَجْلَانِ
__________
= 3/ 255، والقرطبي في تفسيره 10/ 311. وقال شيخ الإسلام أثناء كلامه على تفاضل عباد الله تعالى: “إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدًا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجلسه ربه على العرش معه، روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في تفسير: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال ابن جرير (لا يزال الكلام لشيخ الإسلام): وهذا ليس مناقضًا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدّعيه، لا يقول إن إجلاسه على العرش منكر- وإنما أنكره بعض الجهمية، ولا ذكره في تفسير الآية منكر” أ. هـ مجموع الفتاوى 4/ 374، وقال ابن جرير أيضًا: وما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدًا – صلى الله عليه وسلم – على عرشه قول غير مدفوع صحته لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أحد من أصحابه ولا عن التابعين بإحالة ذلك” اهـ. تفسير الطبري مجلد 9/ 15/ 147 وانظر فتح الباري 11/ 426 – 427، الدر المنثور للسيوطي 4/ 358.
وقال ابن القيم رحمه الله لما ذكر مسألة إقعاد النبي – صلى الله عليه وسلم – على العرش: “صنف المروزي كتابًا في فضيلة النبي – صلى الله عليه وسلم – وذكر فيه إقعاده على العرش” ثم ذكر ابن القيم من قال به من السلف، ثم قال: “قلت (أي ابن القيم) وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه:
حديث الشفاعة عن أحمد … إلى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث بإقعاده … على العرش أيضًا فلا نجحده
أمِرُّوا الحديث على وجهه … ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد … ولا تنكروا أنه يقعده
بدائع الفوائد 4/ 39 – 40 [وانظر ما سيأتي عند البيت: 1758].
427 – الأطيط: صوت الرحل والإبل من ثقل أحمالها. اللسان 7/ 256 ومسألة أطيط العرش بالرحمن جل جلاله ورد فيها نصوص، ومما جاء فيها:
أ – حديث عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن امرأة =
(1/152)
428 – وَزَعمْتَ أنَّ اللهَ أبْدَى بَعْضَهُ … لِلطُّور حَتَّى عَادَ كَالكُثْبَانِ
__________
= أتت النبي فقالت: ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة، فقال: فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: “إن عرشه فوق سبع سموات وإن له لأطيطًا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله”. الحديث أخرجه ابن أبي عاصم في السنة 1/ ص 251/ ح 574 وابن خزيمة في التوحيد 1/ ص 245/ ح 150، والضياء المقدسي في المختارة 1/ 59 كلهم من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق يوسف بن إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر به. وعبد الله بن خليفة هو الهمذاني الكوفي لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ ابن كثير في التفسير 1/ 310: ليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر وقال الذهبي: “لا يكاد يعرف”، الميزان 2/ 414. وقال ابن الجوزي في العلل ج 1/ 5 بعد سياقه لهذا الحديث: هذا حديث لا يصح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإسناده مضطرب جدًا وعبد الله بن خليفة ليس من الصحابة فتارة يرويه ابن خليفة عن عمر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتارة يوقفه على عمر وتارة يوقف على ابن خليفة، والحديث قال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ ص 257: منكر.
ب – حديث جبير بن مطعم عن أبيه عن جده: أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال وهلكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ويحك أتدري ما تقول؟ “فسبّح رسول الله فما زال يسبّح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: “ويلك لا يستشفع بالله على أحد من خلفه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك أتدري ما الله؟ إن عرشه على سماواته وأرضيه هكذا” وقال بأصابعه مثل القبة -وصف ذلك وهب وأمال كفه وأصابعه اليمنى وقال هكذا- “وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب”.
الحديث أخرجه أبو داود 4/ ص 232/ ح 4726، والآجري في الشريعة ص 293 واللالكائي ج 3/ ص 394/ح 656 وابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 56، وابن أبي عاصم في السنة 1/ ص 252 / ح 575. وفي سنده محمد بن=
(1/153)
429 – لمَّا تَجَلَّى يَوْمَ تَكْلِيمِ الرِّضا … مُوسَى الكَلِيمِ مُكلَّمِ الرَّحْمنِ
__________
= إسحاق وهو مدلس لم يصرح بالسماع، التهذيب 9/ 38 قال الذهبي في العلو ص 23 عن هذا الحديث: “هذا حديث غريب جدًّا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا أم لا؟ وقال ابن كثير بعد كلامه على تضعيف حديث عبد الله بن خليفة عن عمر -السابق-: “وأغرب منه حديث جبير بن مطعم في صفة العرش كما رواه أبو داود” تفسير ابن كثير 1/ 310، وقال الألباني: “إسناده ضعيف ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس ومثله لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث”، السنة لابن أبي عاصم تحقيق الألباني ج 1/ ص 252/ح 575. وللحافظ ابن عساكر جزء في تضعيف هذا الحديث اسمه: “تبيان الوهم والتخليط فيما أخرجه أبو داود من حديث الأطيط”. ولأبي الحسن بن الزاغوني جزء في تصحيحه، ذكر ذلك ابن رجب في ترجمة ابن الزاغوني في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 181.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعدما أورد بعض أحاديث أطيط العرش: “حديث عبد الله بن خليفة المشهور .. طائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه كابن الجوزي .. لكن أكثر أهل السنة قبلوه .. ولفظ الأطيط قد جاء في حديث جبير بن مطعم، وابن عساكر عمل فيه جزءًا وجعل عمدة الطعن في ابن إسحاق، والحديث قد رواه علماء السنة كأحمد وأبي داود وغيرهما وليس منه إلا ما له شاهد من رواية أخرى ولفظ الأطيط جاء في غيره. مجموع الفتاوى 16/ 434 – 439 باختصار. ويحسن هنا أن ننقل كلامًا للذهبي رحمه الله في كتابه العلو ص 23 حيث قال: “الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل” [وانظر ما يأتي تحت البيت 1720].
429 – مكلم: اللام هنا يجوز فيها وجهان
الأول: كسر اللام مع تشديدها بمعنى: أن موسى عليه السلام كلم ربه تعالى.
الثاني: فتح اللام مع تشديدها بمعنى: أن الله تعالى كلّم موسى عليه السلام. وهكذا ضبط في ف. =
(1/154)
430 – وَزَعمْتَ لِلمعْبُود وَجْهًا بَاقِيًا … ولَهُ يَمِينٌ بَلْ زعمْتَ يَدَانِ
__________
= – وهذا حقّ. دليله قوله تعالى عن موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143] أي أصبح مدكوكًا ترابًا بعد أن كان جبلًا عظيمًا متماسكًا، انظر تفسير ابن كثير 2/ 244، تفسير القرطبي 5/ 278. وقال ابن القيم: “القوة البشرية في هذه الدار لا تثبت لرؤيته ومشاهدته عيانًا لصيرورة الجبل دكًا عند تجلّي ربه سبحانه أدنى تجلٍّ” أ. هـ مدارج السالكين 3/ 99.
430 – وهذا حقّ. دليله قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن: 26، 27] وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] وغيرها من الآيات.
وثبتت هذه الصفة في السنة أيضًا كما في حديث جابر رضي الله عنه قال: “لما نزلت هذه الآية على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أعوذ بوجهك” قال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أعوذ بوجهك الكريم” قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] “هاتان أهون وأيسر” رواه البخاري ج 8/ 191 فتح، كتاب التفسير، تفسير سورة الأنعام باب قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65].
– قوله: “وله يمين … “: وهذا حقّ. دليله قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] ومن السنة ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال – صلى الله عليه وسلم -: “المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” رواه مسلم 12/ 211 نووي كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل.
وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم بيده =
(1/155)
431 – وَزَعمْتَ أنَّ يَدَيْهِ لِلسَّبْع العُلَى … والأَرْضِ يَوْمَ الحَشْرِ قَابِضَتَانِ
432 – وَزَعمْتَ أنَّ يَمِيِنَه ملأى مِن الْـ … ـخَيْرَات مَا غَاضَتْ عَلَى الأزْمَانِ
433 – وَزَعمْتَ أنَّ العَدْلَ فِي الأخْرَى بِهَا … رَفْعٌ وخَفْضٌ وَهْوَ بِالميزَانِ
434 – وَزَعمْتَ أنَّ الخَلْقَ طُرًّا عِنْدَما … يهْتزُّ فَوْقَ أصَابِعِ الرَّحْمنِ
__________
= خبزته في السفر” رواه البخاري ج 11/ ص 372 فتح، كتاب الرقاق، باب 44 يقبض الله الأرض.
431 – وهذا حقّ. دليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال – صلى الله عليه وسلم -: “يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون” متفق عليه. البخاري ج 11/ ص 372 فتح كتاب الرقاق باب 44 يقبض الله الأرض، مسلم 17/ 131 نووي، كتاب صفة القيامة باب يقبض الله الأرض يوم القيامة. [وتقدم ذلك في البيت 101].
432 – غاضت: نقصت.
433 – وهذا حقّ، دليله ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه قال: وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض (وفي رواية البخاري: الميزان) يرفع ويخفض” متفق عليه واللفظ لمسلم. البخاري 13/ 393 / ح 7411 فتح كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} مسلم 7/ 80 نووي، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف.
وقوله في الحديث: “سحاء” بالمهملتين وتشديد الحاء أي: دائمة الصب والهطل بالعطاء.
النهاية 2/ 345، فتح الباري 13/ 395، شرح مسلم للنووي 7/ 80.
434 – طرا: جميعًا.
“عندما”: كذا في جميع النسخ. فإن صحّ فالمعنى: أنّك زعمتَ كون الخلق =
(1/156)
435 – وَزَعَمْتَ أيْضًا أنَّ قَلْبَ العَبدِ مَا … بَيْنَ اثْنَتَيْنِ مِن الأَصَابعِ عَانِ
436 – وَزعَمْتَ أنَّ اللهَ يَضْحَكُ عِنْدَمَا … يَتَقَابَلُ الصَّفَّانِ يَقْتتلَانِ
__________
= جميعًا – عند اهتزازهم – فوق أصابع الرحمن. فتكون كلمة “فوق” خبرًا لأنَّ.
وفي ط: “عنده” والمعنى ظاهر ولعله تصحيح من ناشر طبعة التقدم، وتبعه غيره. ولكن الأقرب إلى ما في الأصول: “عندها” أي عند القيامة. (ص).
– وهذا حق دليله ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “جاء حبر من اليهود إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: “إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السموات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع والخلائق كلها على أصبع، ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا الملك” قال: فلقد رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ضحك حتى بدت نواجذه تعجبًا له وتصديقًا له، ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} [الزمر: 67] متفق عليه. البخاري 6/ 32 فتح في كتاب التفسير باب قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ومسلم 17/ 130 – 131 نووي في كتاب صفة القيامة والجنة والنار.
435 – العاني: الأسير والخاضع. وهذا حقّ، دليله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وقد سبق في حاشية البيت رقم 255.
436 – وهذا حق دليله ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله ليضحك إلى ثلاثة: الصف في الصلاة، والرجل يصلي في جوف الليل، والرجل يقاتل (أراه قال) خلف الكتيبة” رواه ابن ماجه 1/ 39، باب 13 فيما أنكرت الجهمية، وقال البوصيري في الزوائد 1/ 87: إسناده فيه مقال. ورواه ابن أبي عاصم في السنة، وقال محققه الألباني: إسناده ضعيف من أجل مجالد بن سعيد 1/ ص 247 /ح 560، والبيهقي في الأسماء والصفات. وقال محققه عبد الله الحاشدي: إسناده ضعيف فيه مجالد بن سعيد. ج 2/ 410 /ح 985.
ويمكن أن يستشهد هنا أيضًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل =
(1/157)
437 – مِنْ عَبْدِه يأتِي فَيُبْدِي نَحْرَهُ … لِعَدُوِّهِ طَلَبًا لِنَيْلِ جِنَانِ
438 – وَكَذَاكَ يَضْحَكُ عِنْدَمَا يَثِبُ الفَتَى … مِنْ فَرْشِهِ لِتِلَاوَةِ القُرْآنِ
439 – وَكَذَاكَ يَضْحَكُ مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ … إِذْ أَجْدَبُوا وَالغَيْثُ منْهُمْ دَانِ
__________
= الجنة” قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: “يقتل هذا فيلج الجنة ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد” رواه مسلم 13/ 36 – نووي، كتاب الإمارة، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، والإمام أحمد 2 / ص 318، ويشهد لقول الناظم أيضًا الحديث الآتي في البيت بعده.
438 – يشير إلى ما جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ثلاثة يحبهم الله عزّ وجل يضحك إليهم ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عزّ وجل فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله عزّ وجل ويكفيه فيقول: انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه. والذي له امرأة حسناء وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيذر شهوته فيذكرني ويناجيني ولو شاء رقد. والذي يكون في سفر وكان معه ركب فسهروا ونصبوا ثم هجعوا فقام في السحر في سراء أو ضراء” أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 2/ 408 / ح 983 وقال محققه عبد الله الحاشدي: إسناده ضعيف. والحاكم في المستدرك 1/ 25 كتاب الإيمان، وقال: هذا حديث صحيح، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 255 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات أ. هـ، وطرق الحديث تدور على فضيل بن سليمان النميري وهو صدوق له خطأ كثير، التقريب 447 وقال الحافظ في مقدمة فتح الباري: “وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها” هدي الساري مقدمة فتح الباري ص 435 ولكن يشهد للحديث حديث أبي سعيد المتقدم في التعليق على البيت السابق.
439 – وهذا حق، دليله ما جاء في حديث طويل عن لقيط بن عامر رضي الله عنه وفيه قال – صلى الله عليه وسلم -: “وعَلِم يوم الغيث يشرف عليكم أزِلين مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غوثكم إلى قريب” الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/ 13 – 14، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة 2/ 485 /ح 1120، وابن أبي =
(1/158)
440 – وَزَعَمْتَ أنَّ اللَّهَ يَرضَى عَنْ أُولِي الْـ … ـحُسْنَى ويغضَبُ عنْ أُولي العِصْيَانِ
441 – وَزَعمتَ أنَّ اللَّه يسْمعُ صَوْتَهُ … يومَ المعَادِ بعيدُهُمْ والدَّانِي
442 – لَمَّا يُنَادِيهمْ أَنَا الدَّيَّانُ لَا … ظُلْمٌ لَدَيَّ فيسْمَعُ الثَّقَلَانِ
__________
= عاصم في السنة 1/ 200 /ح 459، وأورده ابن القيم في مختصر الصواعق ثم قال بعده: هذا حديث كبير مشهور، جلالة النبوة بادية على صفحاته تنادي عليه بالصدق، صححه بعض الحفاظ ثم ذكر من رواه ثم قال: رووه في السنة وقابلوه بالقبول وتلقوه بالتصديق والتسليم .. إلخ كلامه رحمه الله، مختصر الصواعق المرسلة 2/ 440 – 441 “أزلين” أي في شدة وضيق. والقنوط: شدة اليأس. وانظر ما سيأتي عند البيت: 1752.
440 – صفة الرضا عن المؤمنين ثابتة لله تعالى كما في قوله جلّ وعلا: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18].
وصفة الغضب على الكافرين والعاصين ثابتة لله تعالى أيضًا، كما في قوله جلّ وعلا: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} [الفتح: 6].
442 – “لما الحينية” تختص بالدخول على الفعل الماضي، ولكنها دخلت هنا على المضارع. وسيأتي مثله في البيتين: 1201، 3081 (ص).
– وهذا حقّ، دليله ما جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “يحشر الناس يوم القيامة أو قال: العباد عراة غرلًا بُهمًا” قال: قلنا: وما بُهْمًا؟ قال: “ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الديّان، أنا الملك، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصّه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصّه منه حتى اللطمة” قال: قلنا: كيف وإنما نأتي عراةً غرلًا بهمًا؟ قال: “الحسنات والسيئات”.
رواه الإمام أحمد في المسند 3/ 495، ورواه البخاري في الأدب المفرد برقم 970 وقال محققه العلامة الألباني: حسن، وفي خلق أفعال العباد ص 137، والحاكم في المستدرك 2/ 437 – 438 وقال: “صحيح الإسناد ولم يخرجاه” وسكت عليه الذهبي. وعلقه البخاري في كتاب العلم من صحيحه 1/ 173 =
(1/159)
443 – وزَعمْتَ أنَّ الله يُشرِقُ نُورُه … فِي الأَرْضِ يومَ الفَصْلِ والميزانِ
444 – وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَكْشِفُ سَاقَهُ … فَيَخِرُّ ذَاكَ الجمْعُ للأَذْقَانِ
__________
= فتح، بصفة الجزم وفي كتاب التوحيد 13/ 453 فتح، بصيغة التمريض، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجاله وثقوا، مجمع الزوائد ج 10/ 345، وذكر الحافظ في الفتح 1/ 174 طريقًا آخر بإسناد صالح ثم قال: فيتقوى الحديث به للحسن اهـ. وقد أورد ابن القيم هذا الحديث في مختصر الصواعق المرسلة ثم قال بعدما تكلم عن تقويته وأورد شواهده وردّ على من ضعفه: “ولا التفات إلى ما أعلّه به بعض الجهمية ظلمًا منه وهضمًا للحق” مختصر الصواعق المرسلة 2/ 66 – 468.
وثبت لفظ الصوت في أحاديث أخر منها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يقول الله عزّ وجل يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار” الحديث رواه البخاري ج 8/ 441 فتح كتاب التفسير سورة الحج، باب {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} وانظر خلق أفعال العباد ص 137.
443 – وهذا حق دليله قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)} [الزمر: 69].
قال ابن القيم رحمه الله: “هو تبارك وتعالى نور السموات والأرض ومن أسمائه النور وأشرقت الظلمات لنور وجهه .. فإذا جاء تبارك وتعالى يوم القيامة للفصل بين عباده، وأشرقت بنوره الأرض” .. إلخ، الوابل الصيب ص 101 – 102. وقال ابن كثير والطبري في قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} أي: أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق جلّ وعلا للخلائق لفصل القضاء” تفسير ابن كثير 1/ 64، تفسير الطبري المجلد 12 /ج 24 / ص 32.
444 – وهذا حقّ، دليله قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)} [القلم: 42] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن =
(1/160)
445 – وزَعَمْتَ أَن اللَّهَ يَبَسُطُ كفّه … لمُسيئِنا لِيتوبَ من عِصيانِ
446 – وزَعَمْتَ أَنّ يَمِينَه تَطوِي السَّمَا … طيَّ السِّجِل عَلَى كِتابِ بَيَانِ
447 – وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَنْزِلُ فِي الدُّجَى … فِي ثُلْثِ لَيْلٍ آخِرٍ أوْ ثَانِ
448 – فيقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فأجِيبَهُ … فأنَا القرِيبُ مجيبُ مَنْ نَادَانِي
__________
= ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا” متفق عليه، البخاري 8/ 663 – 664 الفتح، كتاب التفسير، باب {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} مسلم رقم 183 في الإيمان باب معرفة طريق الرؤية.
445 – وهذا حقّ، دليله ما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن الله عزّ وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها” رواه مسلم 17/ 76 نووي، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت.
446 – وهذا حقّ، دليله قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك فأين ملوك الأرض” متفق عليه. البخاري 6/ 33 في التفسير باب قوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ومسلم 17/ 131 نووي – كتاب وصف القيامة والجنة والنار. وانظر حاشية البيت 431.
448 – “مجيب”: كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “أجيب” وانظر البيت 1212.
– هذا حق، فقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الله تعالى ينزل كلّ ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: “هل من سائل فأعطيه .. ” الحديث وقد ورد بروايات كثيرة أشار إليها الناظم رحمه الله بقوله: في ثلث ليل آخر أو ثان، فثبت أن الله تعالى ينزل في ثلث الليل الآخر كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين =
(1/161)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يسألني فأعطيه، مَن يستغفرني فأغفر له” متفق عليه، البخاري 11/ 129 فتح، كتاب الدعوات باب الدعاء نصف الليل، مسلم 6/ 36 نووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى والوتر ركعة من آخر الليل.
وثبت في بعض الروايات أنه تعالى ينزل في ثلث الليل الثاني كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر” رواه مسلم 6/ 37 نووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، وفي بعض الروايات: “إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه” رواه مسلم 6/ 37 – 38 نووي، وقد اختلفت أقوال العلماء في توجيه ذلك مع اتفاقهم على أن رواية الثلث الأخير هي أصح الروايات لاتفاق البخاري ومسلم – رحمهما الله- على إخراجها. لذا اعتمدها أهل العلم دون الروايات الأخرى.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: “والنزول المذكور في الحديث النبوي على قائله أفضل الصلاة والسلام الذي اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم واتفق علماء الحديث على صحته هو: “إذا بقي ثلث الليل الأخير”. وأما رواية النصف والثلثين فانفرد بها مسلم في بعض طرقه وقد قال الترمذي: إن أصح الروايات عن أبي هريرة: “إذا بقي ثلث الليل الآخر” اهـ، شرح حديث النزول لشيخ الإسلام رحمه الله ص 323. وقال القاضي عياض رحمه الله: “الصحيح رواية “حين يبقى ثلث الليل الآخر” كذا قال شيوخ الحديث وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه”، شرح مسلم للنووي 6/ 37. ولابن القيم رحمه الله جواب بديع عن اختلاف الروايات في نزول الرب جلّ جلاله، ومما قال: ” .. أن يكون الثلث الأول والشطر والثلث الأخير على حسب اختلاف بلاد الإسلام في ذلك، ويكون النزول في وقت واحد =
(1/162)
449 – وَزَعَمْتَ أنَّ لَهُ نُزُولًا ثَانِيًا … يومَ القِيَامَةِ لِلقَضَاءِ الثَّانِي
__________
= هو ثلث الليل الأخير عند قوم ووسطه عند آخرين وثلثه الأول عند غيرهم فيصح نسبته إلى أوقات الثلاثة، وهو حاصل في وقت واحد. وعلى هذا فالشبهة العقلية التي عارض بها النفاة حديث النزول تكون هذه الألفاظ قد تضمنت الجواب عنها، فإن هذا النزول لا ينافي كونه في الثلث الأخير كونه في الثلث الأول أو في الشطر الثاني بالنسبة إلى المطالع، ولما كانت رقعة الإسلام ما بين طرفي المشرق والمغرب من المعمور من الأرض كان التفاوت قريبًا من هذا القدر .. ” أ. هـ. مختصر الصواعق المرسلة ص 2/ 431. وانظر فتح الباري 3/ 31 والصواعق المرسلة 2/ 232 – 234. وانظر البيت 1209 والبيت 1725.
449 – وهذا حقّ فإنه سبحانه ينزل يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، كما قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [البقرة: 210] وهذا في يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين فيجزي الناس بأعمالهم لذا قال سبحانه: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} انظر تفسير الطبري 2/ 327، تفسير ابن كثير 1/ 248.
وقال تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 21، 22] أي: جاء سبحانه لفصل القضاء بين عباده وذلك بعدما يطول مقامهم ويستشفعون بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم -، انظر تفسير الطبري المجلد 15/ج 30/ ص 185، تفسير ابن كثير 4/ 510.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن” الحديث رواه الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في الرياء والسمعة 4/ح 2382 وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. والحديث صححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي ج 2/ ص 281 /ح 1942، وقال ابن القيم -رحمه الله-: “وهذا النزول إلى الأرض يوم القيامة قد تواترت به الأحاديث والآثار ودلّ عليه القرآن صريحًا” مختصر الصواعق 2/ 443.
(1/163)
450 – وَزَعَمْتَ أنَّ الله يَبْدُو جَهْرَةً … لِعبَادِهِ حَتَّى يُرَى بعِيَانِ
451 – بَلْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ ويرَوْنَهُ … فالمُقْلَتَانِ إِلَيهِ نَاظِرَتَانِ
452 – وَزَعَمْتَ أنَّ لِربِّنَا قَدَمًا وأنَّ م … اللهَ واضِعُهَا عَلَى النِّيرَانِ
453 – فَهُنَاكَ يَدْنُو بَعْضُهَا مِنْ بَعْضِهَا … وتقُولُ قَطْ قَطْ حَاجَتِي وكَفَانِي
__________
451 – رؤية المؤمنين لربهم تعالى حق دلت عليه نصوص كثيرة من الكتاب والسنة فمن ذلك قوله تعالى عن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين: 15] وهذا يدل على أن المؤمنين ليسوا محجوبين عن ربهم، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23].
وفي حديث صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتُنْجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عزّ وجل” ففي هذا الحديث إثبات تكليم الله تعالى لعباده ونظرهم إليه سبحانه.
رواه مسلم 3/ 17 نووي، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم تعالى.
453 – قط قط: بفتح القاف، فيها ثلاث لغات: بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة، أي: حسبي وكفاني. شرح مسلم للنووي 17/ 182، النهاية 4/ 78.
– وهذا حقّ، دليله ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم. قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدًا، أما الجنة فإن الله عزّ وجل ينشئ لها خلقًا” متفق عليه. =
(1/164)
454 – وَزَعَمْتَ أنَّ النَّاسَ يَوْمَ مَزِيدِهِمْ … كُلٌّ يُحَاضِرُ رَبَّهُ ويُدَانِي
455 – بالحَاءِ مَعْ ضَادٍ وجَا مَعَ صَادِهَا … وجْهَانِ فِي ذَا اللَّفْظِ محفُوظَانِ
__________
= البخاري 8/ 595 الفتح، كتاب التفسير، باب “وتقول هل من مزيد” ومسلم 17/ 180 نووي في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب 13 النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء.
454 – وهذا حقّ، دليله ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر زيارة أهل الجنة لربهم في يوم المزيد يوم الجمعة وفيه قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة (بالضاد المعجمة) حتى يقول للرجل منهم يا فلان بن فلان: أتذكر يوم قلت كذا وكذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه” الحديث رواه الترمذي وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. سنن الترمذي، تحفة ج 7 / ص 259 / ح 2673 باب ما جاء في سوق الجنة، وابن ماجه سنن ابن ماجه 2/ 456 / ح 4392 باب صفة الجنة، وابن أبي عاصم في السنة برقم 785. والحديث أورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب وقال: في سنده عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين مختلف فيه وبقية رواته ثقات. الترغيب والترهيب 4/ 264 / ح 109 فصل في سوق الجنة. وضعف الحديث العلامة الألباني وأعلّه بعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، سلسلة الأحاديث الضعيفة 4/ 211 / ح 1722، وضعفه العلامة عبد القادر الأرناؤوط، كما في حاشيته على جامع الأصول لابن الأثير ج 10/ 510 / ح 8052، وقد ذكر الناظم -رحمه الله- في آخر هذه القصيدة يوم المزيد ومحاضرة الرب تعالى عبده. انظر البيت: 5541 وما بعده.
455 – كذا في د، ط، وهو الصواب. و”جا مع صادها” يعني: جاء لفظ “المحاضرة” بالصاد أيضًا. وفى غيرهما: “بالخاء مع صاد وحا مع ضادها” والظاهر أنه تصحيف. (ص).
– يشير إلى رواية أخرى عند الترمذي فيها قوله – صلى الله عليه وسلم -: “حاصره الله محاصرة” بالحاء المهملة. سنن الترمذي ج 4/ 685 /ح 2549. وحاصره، أي: ضيّق =
(1/165)
456 – فِي التِّرمِذِيِّ ومُسْنَدٍ وسِوَاهُمَا … مِنْ كُتْبِ تَجْسِيمٍ بِلَا كِتْمَانِ
457 – وَوصَفْتَهُ بِصفَاتِ حَيٍّ فَاعِلٍ … بالاخْتِيَارِ وذَانِكَ الأَصْلَانِ
__________
= عليه وأحاط به. والمحاضرة بالمعجمة: المخاطبة والمحاورة. ويشهد له ما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان” الحديث رواه البخاري ج 11/ 400 فتح، كتاب الرقاق باب من نوقش الحساب عذب، ومسلم ج 7/ 101 نووي، كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة وأنواعها وأنها حجاب من النار، وانظر تحفة الأحوذى 7/ 261.
456 – الترمذي: ستأتي ترجمته تحت البيت 1368.
– روى الإمام أحمد في مسنده حديث سوق أهل الجنة ويوم المزيد مختصرًا كما في المسند 1/ 156 من حديث علي رضي الله عنه، وفي 3/ 75 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولكن ليس في أي من روايات الإمام أحمد ذكر محاضرة العبد لربه وكلامه له تعالى ولعل مراد الناظم بعزوه الحديث إلى المسند أن أصله في المسند، والله أعلم.
– تقدم أن أهل البدع من الجهمية وغيرهم ينبزون أهل السنة المثبتين للصفات بأنهم مشبهة مجسمة وبأن كتب السنة التي فيها إثبات صفات الله تعالى كتب تجسيم وتشبيه، ويزعمون: أن التنزيه هو ما عندهم من التعطيل لصفات الله تعالى، [راجع حاشية البيت 375].
457 – صفات الله تعالى قسمان:
الأول: صفات ذاتية كالحياة والسمع والبصر، وهذه أنكرها بعض أهل البدع لزعمهم: أن وصف الله تعالى بها يؤدي إلى تشبيهه بالأجسام.
الثاني: صفات فعلية اختيارية تتعلق بقدرته تعالى ومشيئته كالنزول، وهذه أنكرها أهل البدع لزعمهم أنها حوادث والحوادث لا تقوم إلا بحادث، وقد سبق تفصيل ذلك كله عندما تكلم الناظم عن الجهمية وقولهم في الصفات وشبهتهم [البيت: 40 وما بعده]، وأهل السنة يثبتون جميع هذه الصفات على مراد الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، أما أهل البدع فتفرقت بهم السبل في ذلك على ما سوف يعوض الناظم.
(1/166)
458 – أَصلا التَّفرُّقِ بَيْنَ هَذَا الْخَلْقِ فِي الْـ … ـبَارِي فَكُنْ فِي النَّفْيِ غَيْرَ جَبَانِ
459 – أَوْ لَا فَلا تَلعَبْ بدينِكَ نَاقِضًا … نَفْيًا بإثْبَاتٍ بِلَا فُرقَانِ
460 – فالنَّاسُ بَيْنَ مُعَطِّلٍ أوْ مُثْبِتٍ … أَوْ ثَالِثٍ مُتنَاقِضٍ صَفعانِ
461 – واللهِ لَسْتَ برابِعٍ لَهُمُ بَلَى … إِمَّا حِمَارًا أوْ مِنَ الثِّيرَانِ
__________
458 – ط: “أصل التفرق”.
– يوصي هذا المبتدع صاحبه بأن يكون جريئًا في تعطيل الصفات غير جبان.
460 – يشير الناظم -رحمه الله- على لسان هذا المبتدع إلى أن الناس افترقوا في صفات الله تعالى إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: المعطلة الذين نفوا جميع الأسماء والصفات كالجهمية، ومن نحا نحوهم من الفلاسفة والمعتزلة.
الفرقة الثانية: المثبتة الذين أثبتوا جميع الأسماء والصفات على مراد الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة.
الفرقة الثالثة: قوم تناقضوا فأثبتوا بعض الصفات ونفوا البعض الآخر ففرقوا بين المتماثلين بلا دليل، كالأشاعرة، وهم الذين يشير إليهم الناظم -رحمه الله- في الأبيات الآتية، وانظر مجموع الفتاوى 6/ 51.
صَفعان: من صفعَ يصفَع، وهو أن يبسط كفه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه. ورجل صَفعانُ ومَصفعاني: مَن يُفعَل به ذلك. اللسان 8/ 200، القاموس 952. ومراد الناظم -رحمه الله- أن هذا الثالث أثبت بعض الصفات موافقة للمثبتة ونفى بعضها موافقة للمعطلة فوقع في التناقض فانهالت عليه ردود الطائفتين. ومثل نقدهما لهذا الفريق المتناقض بالصفع منهما.
461 – لا يزال الكلام للمبتدع حيث يقول لصاحبه: إن أنواع الناس في الصفات ثلاثة: معطل أو مثبت أو متناقض يثبت بعضًا وينفي بعضًا، وأنت لا تستطيع أن تكون رابعًا لهؤلاء بل اختر واحدًا، ولكن احذر أن تختار الإثبات لأنه تجسيم ولا التناقض لأنه غير مقبول ولا متصور عقلًا، ولكن كن معطلًا ولا تبقى بغير مذهب فتكون كالحمير والثيران. انظر البيت 471.
(1/167)
462 – فاسْمَحْ بإنْكَارِ الجَمِيعِ ولَا تَكُنْ … مُتنَاقِضًا رَجُلًا لَهُ وَجْهَانِ
463 – أَوْ لَا ففَرَّقْ بينَ مَا أثبتَّهُ … ونفيتَهُ بالنصِّ وَالبُرْهَانِ
464 – فالبَابُ بَابٌ واحدٌ فِي النَفْي والْـ … إِثْبَاتِ فِي عَقْلٍ وَفِي مِيزَانِ
465 – فمتَى أقرَّ ببعْضِ ذَلِكَ مُثْبِتٌ … لَزِمَ الجَمِيعُ أَوِ ائْتِ بِالفُرْقَانِ
466 – وَمَتَى نَفَى شَيْئًا وأثْبتَ مِثْلَهُ … فمجسَّمٌ مُتَناقِضٌ دِيصَانِي
__________
462 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “القول في بعض الصفات كالقول في بعض، فإن كان المخاطب ممن يقر بأنّ الله حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام مريد بإرادة، يجعل ذلك كله حقيقة وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته فيجعل ذلك مجازًا .. قيل له: لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر. فإن قلت: إنّ إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل. وإن قلت: له إرادة تليق به كما أن للمخلوق إرادة تليق به، قيل لك: وكذلك له محبة تليق به وللمخلوق محبة تليق به” التدمرية ص 31 – 32.
464 – تقدم الكلام على أن من نفى شيئًا من الصفات مخافة الوقوع في التشبيه والتجسيم لزمه فيما أثبت ما يلزمه فيما نفى، إذ إن في قوله تناقضًا وتفريقًا بين المتماثلات، فالباب واحد كما ذكر الناظم ويشهد لذلك العقل، وقبله يشهد الميزان وهو الشرع والعدل. ومنه قوله تعالي: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وانظر تفسير الطبري مجلد 13 /ج 27/ 236، الدر المنثور للسيوطي 6/ 258، مفتاح دار السعادة لابن القيم ص 336.
465 – كذا ضبط “الجميعُ” بالضم في ف. ولعله أرجح من ضبطه بالفتح كما في الأصل (ص).
466 – أي: ينطبق عليه اللفظ الذي نبز به أهل السنة من أنهم مجسمة لإثباتهم الصفات فيكون هو أيضًا مجسمًا لأنه أثبت بعض الصفات.
الديصانية: فرقة من فرق مجوس الفرس، وهم أصحاب رجل يقال له: =
(1/168)
467 – فذَرُوا المِرَاءَ وصَرِّحُوا بمذاهبِ الْـ … ـقُدَمَاءِ وانْسَلِخُوا مِنَ الإيمَانِ
468 – أَوْ قَاتِلُوا مَعَ أُمَّةِ التَّشْبِيهِ والتَّـ … ـجْسِيمِ تَحْتَ لِوَاءِ ذِي القُرْآنِ
469 – أوْ لا فَلَا تَتَلَاعَبُوا بعُقولِكُمْ … وكِتَابِكُمْ وبسَائِرِ الأدْيَانِ
470 – فجَمِيعُهَا قَدْ صَرَّحَتْ بصِفَاتِهِ … وكَلَامِهِ وعُلُوِّهِ بِبَيَانِ
__________
= دِيصان أثبتوا نورًا وظلمة فما كان من خير فمن النور وما كان من شر فمن الظلمة، وتناقضوا فزعموا أن النور اختلط بالظلمة. الملل والنحل للشهرستاني 2/ 278 – 279، الفهرس لابن النديم ص 474.
وقال ابن القيم رحمه الله: “وحكى أرباب المقالات عنهم (أي: عن الثنوية من المجوس): أن قومًا يقال لهم الديصانية زعموا أن طينة العالم كانت طينة خشنة وكانت تحاكي جسم النور الذي هو الباري عندهم زمانًا فتأذى بها، فلما طال ذلك عليه قصد تنحيتها عنه فتوحل فيها واختلط بها فتركب من بينهما هذا العالم المشتمل على النور والظلمة فما كان من جهة الصلاح فمن النور وما كان من جهة الفساد فمن الظلمة” إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 2/ 245 – 246.
467 – الخطاب هنا موجه من هذا النافي المعطل إلى المتناقضين في الصفات وهم الأشاعرة ومن وافقهم في إثبات بعض الصفات ونفي البعض، فيقول لهم: دعوا عنكم الجدل والمراوغة وصرحوا بمذاهب الفلاسفة الملاحدة وانفوا كل شيء أو أثبتوا إثباتًا تامًا كالمجسمة. ويعني بهم: أهل السنة المثبتين للصفات.
المراء: المماراة والجدل. اللسان 15/ 278.
– المراد بمذاهب القدماء: مذاهب الفلاسفة، وقد تقدم عرض شيء من حقيقة مذهبهم وهو جحد وإنكار الباري جلّ جلاله، في الأبيات: 94 وما بعده، وسيأتي عرض مذهبهم في الكلام وغيره من الصفات في الأبيات: 786 وما بعده.
468 – في ط: “أئمة”، تحريف (ص).
– يعني بهم: أهل السنة والجماعة المثبتين لأسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به سبحانه. (انظر البيت 375).
(1/169)
471 – والنَّاسُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ أوْ جَاحِدٍ … أوْ بَيْنَ ذَلِكَ أو شَبيهُ أتَانِ
472 – فَاصْنَعْ مِنَ التَّنزِيه تُرْسًا مُحْكَمًا … وانْفِ الجَمِيعَ بِصَنْعَةٍ وبَيَانِ
473 – وَكَذَاكَ لَقِّبْ مَذْهَبَ الإثْبَاتِ بالتَّـ … ـجْسِيمِ ثُمَّ احْمِلْ عَلَى الأقْرَانِ
474 – فَمَتَى سَمَحْتَ لَهُمْ بِوصْفٍ وَاحِدٍ … حَمَلُوا عَلَيْكَ بحَمْلَةِ الفُرْسَانِ
475 – فصُرِعْتَ صِرْعَةَ مَنْ غَدَا مُتلَبِّطًا … وَسطَ العَرِينِ مُمَزَّقَ اللُّحْمَانِ
476 – فَلِذَاكَ أنْكَرْنَا الْجَمِيعَ مَخَافَةَ التَّـ … ـجْسِيمِ إنْ صِرْنَا إِلَى الْقُرْآنِ
477 – ولِذَا خَلَعْنَا رِبْقَةَ الأدْيَانِ مِنْ … أَعْنَاقِنَا فِي سَالِفِ الأزْمَانِ
__________
471 – مصدق: وهو المثبت من أهل السنة.
جاحد: هو المعطل تعطيلًا تامًا كغلاة الجهمية.
بين ذلك: هو من نفى بعض الصفات وأثبت بعضها كالأشاعرة.
شبيه أتان: هم الفلاسفة الذين جحدوا الباري وانسلخوا من الإيمان فصاروا كالأنعام بل هم أضل، والأتان: أنثى الحمار.
472 – يزعم نفاة الصفات أنهم ما نفوها إلا لتنزيه الخالق وتعظيمه وإبعاده عن نقص مشابهة المخلوقين، وقد تقدم بيان معنى التنزيه الصحيح وهو وصف الربّ تعالى بما وصف به نفسه نفيًا وإثباتًا. انظر شرح الطحاوية 1/ 259، وما تقدم في مقدمة القصيدة.
الترس: ما يتخذه المقاتل يتقي به الضربات وقد تقدم.
475 – تلبَّطَ: تمرَّغَ وتقلّبَ. اللسان 7/ 388.
العرين: مأوى الأسد. اللسان 13/ 282.
476 – يعني: إن تحاكمنا إلى القرآن وأخذنا بظواهر نصوصه الصريحة دون تأويل ولا تحريف وقعنا في التجسيم -في زعمه-.
477 – ظ: “ولقد خلعنا”.
الربقة: عروة في حبل تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، ويقال: فلان أخرج ربقة الإسلام من عنقه يعني فارق الجماعة وخرج من الدين. اللسان 10/ 113.
(1/170)
478 – وَلَنَا مُلُوكٌ قَاوَمُوا الرُّسْلَ الألُى … جَاؤوُا بإثْباتِ الصَّفَاتِ كَمَاني
479 – فِي آلِ فِرْعَونٍ وقارونٍ ونُمْـ … ـرُودٍ وهامانٍ وجِنْكِسْخَانِ
480 – وَلَنَا الأئمَّةُ كالفَلَاسِفَةِ الألُى … لم يَعْبَؤوا أَصْلًا بِذِي الأدْيَانِ
481 – مِنْهُمْ أَرِسْطُو ثُمَّ شِيعَتُهُ إِلَى … هَذَا الأَوَانِ وَعِنْدَ كُلِّ أَوَانِ
__________
478 – في الأصل حاشية ظهر منها ما يأتي: “أي الزنديق .. كذبًا .. اسمه ماني” ومراد الناظم أنّ ملوكنا عاملوا الرسل كما يعامَل الزنادقة والكذابون. وماني زعيم المانوية ولد في بابل سنة 216 أو 217 م. أحدث دينًا بين المجوسية والنصرانية، وادعى أنه “فارقليط” الذي بشّر به عيسى عليه السلام. حكم عليه المجوس الزردشتية بالخروج عن الدين، فسجن وعذب حتى مات في عهد بهرام بن هرمز سنة 276 أو 277 م. وكان لديانته رؤساء وأتباع في العهد الإسلامي ومنهم الجعد بن درهم. انظر الفهرست 391، 401، الملل والنحل للشهرستاني (ط دار الفكر): 245 وبرهان قاطع للتبريزي (تحقيق محمد معين، طهران) 4/ 199 (ص).
479 – كذا في الأصل، ف، س. وفي ب، طه: “وهامان وقارون ونمرود”. وفي ظ، د، ح، طت، طع: “وقارون وهامان ونمرود”.
سبق التعريف بفرعون وقارون وهامان في حاشية البيت 70، أمّا نمرود فهو ملك بابل الذي ناظر إبراهيم عليه السلام وحاجّه في ربّه، وكان طاغية جبّارًا. وكان ملك الصابئة الكنعانيين المشركين. انظر مجموع الفتاوى 5/ 21 وتفسير ابن كثير 1/ 313 (دار التراث).
– وكلمة نمرود جاءت في أصولنا بالدال المهملة، وتأتي في المصادر بالمعجمة أيضًا. (ص).
– تقدمت ترجمة جنكسخان في حاشية البيت 369، وانظر البيتين: 70، 1517.
481 – أرِسطو ويقال أيضًا: أرسطاطاليس (384 – 322 ق. م) من فلاسفة اليونان وأطبائها. تلميذ أفلاطون ومعلّم الإسكندر المقدوني، ومؤسس المدرسة المشائية، له كتب في الفلسفة والطب وغيرهما من ذلك كتاب “العالم الكبير” و”السماء والعالم”. طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 25، =
(1/171)
482 – مَا فِيهمُ مَنْ قَالَ إنَّ الله فَو … قَ العَرْشِ خَارِجَ هَذِهِ الأكْوَانِ
483 – كَلاَّ وَلَا قَالُوا بِأنَّ إلهنَا … مُتَكَلِّمٌ بِالوَحْيِ والقُرْآنِ
484 – ولأجْلِ هَذَا رَدَّ فِرْعَونٌ عَلَى … مُوسَى وَلَمْ يقْدِرْ عَلَى الإيمَانِ
485 – إِذْ قَالَ مُوسَى رَبُّنَا متكَلِّمٌ … فَوْقَ السَّمَاءِ وإنّه ناداني
486 – وَكَذَا ابْنُ سِينَا لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ وَلَا … أتْبَاعُهُ بَلْ صَانَعُوا بدِهَانِ
487 – وَكَذَلِكَ الطُّوسِيُّ لَمَّا أَنْ غَدَا … ذَا قُدْرَةٍ لَمْ يَخْشَ مِنْ سُلْطَانِ
__________
= والفهرست ص 307، وعيون الأنباء لابن أبي أصيبعة ص 86، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 612.
– يريد بشيعة أرسطو جماعته وحزبه الذين ذهبوا مذهبه في الإنكار والجحود.
482 – تقدم تفصيل مذاهب أهل البدع في الباري عزّ وجل. (البيت: 265 وما بعده).
484 – يعني: من أجل اعتقاد فرعون أن الإله لا ينبغي أن يتصف بخصائص الأجسام أنكر فرعون على موسى عليه السلام قوله إن ربه فوق العالم، وإنه يتكلم بكلام يُسمع بالآذان، وإنه ناداه، ولأجل هذا الإنكار لم يؤمن فرعون بموسى عليه السلام.
كما في قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} إلى قوله تعالى: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)} [الشعراء: 23 – 29].
485 – “ناداني”: ظ، س، طت، طه: “متداني”. وقد تقدم ذكر الأدلة على تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام (الأبيات: 418 وما بعده).
486 – تقدمت ترجمة ابن سينا (البيت 94).
الدّهان والمداهنة: المداراة والمصانعة والمخادعة، وهي أيضًا إظهار الشخص خلاف ما يبطن. اللسان 13/ 162.
487 – الطوسي: محمد بن محمد بن الحسن أبو جعفر نصير الدين الطوسي، ولد بطوس 597 هـ، فيلسوف كان رأسًا في العلوم العقلية وكان مقربًا إلى هولاكو قائد التتر، وصنف كتبًا نصر فيها قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار الصفات =
(1/172)
488 – قَتلَ الخَلِيفَةَ والقُضَاةَ وحَامِلي الْـ … ـقُرْآنِ والفُقَهَاءَ فِي البُلْدَانِ
489 – إذْ هُمْ مشَبِّهَةٌ مجَسَّمَةٌ ومَا … دَانُوا بدِينِ أكَابِر اليُونَانِ
__________
= وأنه ليس فوق العرش إله يعبد، واتخذ للملاحدة مدارس وجعل إشارات ابن سينا مكان القرآن فقال: هي قرآن الخواص. وكان ساحرًا يعبد الأصنام، من كتبه شرح إشارات ابن سينا، وله شعر كثير بالفارسية، توفي ببغداد سنة 672 هـ، إغاثة اللهفان 2/ 267، البداية والنهاية 13/ 283، الأعلام 7/ 30 – 31.
488 – وقد وقع على الإسلام شر عظيم من الطوسي قبّحه الله، قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان عن الطوسي: “نصير الشرك والكفر، الملحد .. شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه فعرضهم على السيف .. فقتل الخليفة المستعصم بالله حيث قتله التتر الذين دخلوا بغداد سنة 656 هـ – وكان الطوسي وزيرهم ومشيرهم – والقضاة والفقهاء والمحدثين، واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة. إغاثة اللهفان 2/ 267.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “هذا الرجل الطوسي قد اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزير الملاحدة الباطنية الإسماعيلية بالألموت، ثم لما قدم الترك المشركون إلى بلاد المسلمين وجاؤوا إلى بغداد دار الخلافة كان هذا منجمًا مشيرًا لملك الترك المشركين هولاكو فأشار عليه بقتل الخليفة وقتل أهل العلم والدين واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا” منهاج السنة 3/ 445 – 446. وسيأتي ذكر ما فعله بالمسلمين في الأبيات: 930 وما بعده.
489 – وقد تقدم أن أهل البدع يتهمون أهل السنة المثبتين للصفات أنهم مشبهة ومجسمة وحشوية (البيت 375).
– ذكر ابن القيم -رحمه الله-: أنه وقف على كتاب للطوسي اسمه “مصارعة المصارعة” نصر فيه أن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام وأنه لا يعلم شيئًا وأنه لا يفعل شيئًا بقدرته واختياره ولا يبعث من في القبور، وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر” إغاثة اللهفان 2/ 267.
(1/173)
490 – وَلَنَا المَلاحِدَةُ الفُحُولُ أئِمَّةُ التَّـ … ـعْطِيلِ والسِّكِّينِ آلُ سِنَانِ
491 – وَلَنَا تَصَانِيفٌ بِهَا غَالبْتُمُ … مِثْلَ الشِّفَا ورَسائِلِ الإخْوَانِ
__________
490 – الملاحدة: جمع ملحد، والإلحاد في اللغة الميل والعدول. والإلحاد مذهب من ينكر وجود الله، وقد يطلق على المتشكك الذي يتظاهر بالاقتناع دون عقيدة. المعجم الفلسفي ص 20، 174، 192، اللسان 3/ 388.
– “السكّين”: في الأصل: “التسكين”، وكذا في طت، طه. وفي طع: “والتشبيه” ولكن الصواب ما أثبتنا من غيرها، وقد ضبط في ف بكسر السين وتشديد الكاف. وقد وصفهم الناظم رحمه الله: بأنهم أئمة السكين لأن سنان بن سلمان وأصحابه كان لهم سطوة وقوة عظيمة، وقتلوا خلقًا من الملوك والرؤساء حتى خافهم الأكابر وصانعوهم بالأموال. وقد اشتهروا بأنهم كانوا يغتالون الناس بالسكاكين. انظر المراجع المذكورة في التعليق الآتي.
آل سنان: هم أتباع سنان بن سلمان بن محمد بن راشد البصيري الملقب براشد الدين وبشيخ الجبل مقدم الإسماعيلية وصاحب دعوتهم في قلاع الشام، وأقام بالقلاع ثلاثين سنة وجرت له مع صلاح الدين وقائع وقصص، ومذهبه الإلحاد والكفر، وأباح لأصحابه كل ما يشتهونه من فرج ولحم وشراب ونسخ عنهم العبادات. هلك سنة 589 هـ.
شذرات الذهب لابن العماد 4/ 294 – 295، سير الأعلام 21/ 182، الأعلام 3/ 141، أعلام الإسماعيلية 295 – 303، درء التعارض 5/ 23.
491 – كذا في الأصل وف وطه من المغالبة. وفي غيرها: “غاليتم” من المغالاة.
ومراد الناظم: أن هذا المبتدع بعدما افتخر بمن سبقه من الملاحدة بدأ يفتخر بما تركوا من كتب ومصنفات تنصر بدعتهم وضلالهم فيقول لأصحابه: لا حاجة لكم أن تلتفتوا إلى نصوص الكتاب والسنة ولا تعتمدوا عليها في تقرير ما تريدون إذ أن عندنا تصانيف أوائلنا نعتمد عليها، ونتلقى منها ونغالب بها خصومَنا. ومعنى “غاليتم”: أننا ننافس بها غيرنا.
الشفاء: كتاب لابن سينا في علم المنطق والفلسفة، وهو مطبوع. =
(1/174)
492 – وَكَذَا الإِشَارَاتُ الَّتِي هِيَ عنْدكُمْ … قَدْ ضُمِّنَتْ لِقَوَاطِعِ البُرْهَانِ
493 – قَدْ صَرَّحَتْ بالضِّدِّ ممَّا جَاءَ في التَّـ … ـوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ
__________
= رسائل الإخوان: يعني رسائل إخوان الصفا وهي: إحدى وخمسون رسالة، وهي أصل مذهب القرامطة. وربما نسبوها إلى جعفر الصادق ترويجًا لها. وقد أملاها أبو سليمان محمد بن نصر البستي المعروف بالمقدسي وأبو الحسن علي بن هارون الزنجاني وغيرهما، وقد صنفوها على طريق الفلسفة الخارجة عن مسلك الشريعة. قال شيخ الإسلام عن هذه الرسائل: “هذا الكتاب هو أصل مذهب القرامطة الفلاسفة فينسبون ذلك إليه (يعني: جعفرًا الصادق) ليجعلوا ذلك ميراثًا عن أهل البيت. وهذا من أقبح الكذب وأوضحه، فإنه لا نزاع بين العقلاء أن رسائل إخوان الصفا إنما صنفت بعد المائة الثالثة في دولة بني بويه قريبًا من بناء القاهرة”. وقال عنها أيضًا: “يعلم كل عاقل يفهمها ويعرف الإسلام أنها تناقض الإسلام” منهاج السنة 2/ 465، السبعينية ص 99، 100، مجموع الفتاوى 35/ 133 – 135.
492 – كتاب الإشارات والتنبيهات في المنطق والحكمة لابن سينا، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات بتحقيق الدكتور سليمان دنيا.
– “لقواطع”: أصله: قواطعَ، مفعول به. زاد اللام للضرورة (ص).
أي: فيها البراهين القاطعة والأدلة العقلية التي تفيد اليقين، بخلاف الأدلة الشرعية التي تفيد الظن. ولا يزال الكلام موصولًا من الجهمي إلى صاحبه المتخيل.
493 – في هذه التصانيف من المخالفة للكتاب والسنة بل لجميع الكتب السماوية شيء عظيم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحد هذه التصانيف التي يتفاخر بها هذا الزنديق، وهو كتاب “رسائل إخوان الصفا”: “فهل ينكر أحد ممن يعرف دين المسلمين أو اليهود أو النصارى أن ما يقوله أصحاب “رسائل إخوان الصفا” مخالف للملل الثلاث .. فإن في ذلك مخالفة الرسل فيما أخبرت وأمرت به والتكذيب بكثير مما جاءت به، وتبديل شرائع الرسل كلهم بما لا يخفى على عارف بملة من الملل، فهؤلاء خارجون عن الملل الثلاث” مجموع الفتاوى 35/ 134.
(1/175)
494 – هِيَ عِنْدَكُمْ مِثلُ النُّصُوصِ وفوْقَهَا … فِي حُجَّةٍ قَطْعِيَّةٍ وبَيَانِ
495 – وإذَا تَحَاكَمْنَا فإنَّ إلَيْهِمُ … يَقَعُ التَّحَاكُمُ لَا إِلَى القُرْآنِ
496 – إِذْ قَدْ تَسَاعَدْنَا بأنَّ نصُوصَهُ … لَفظيَّةٌ عُزِلَتْ عَن الإيقَانِ
497 – فَلِذَاكَ حكَّمنَا عَلَيْهِ وأنْتُمُ … قَوْلَ المُعَلِّمِ أولًا والثَّانِي
498 – يَا وَيْحَ جَهْمٍ وابْنِ دِرْهَمَ والألُى … قَالُوا بقَوْلِهمَا مِنَ الخَوَرَانِ
__________
495 – “إليهم” أي: إلى أصحاب هذه التصانيف نتحاكم، وننظر في كتبهم وآرائهم ونسمع ونطيع لها، لا إلى الكتاب والسنة.
496 – يعني: اتفق هو وأصحابه من أهل البدع على عدم حجية ألفاظ القرآن. وقد تقدم أن أهل البدع يردون كثيرًا من نصوص السنة بحجة أنها أخبار آحاد ولا تثبت بها العقائد، وهم كذلك يردون دلالة آيات كتاب الله تعالى بحجة أنها لفظية لا تفيد اليقين، واليقين إنما يثبت عندهم بالكلام والعقل والنظر. (انظر البيت 381 والتعليق عليه).
497 – يعني بالمعلم الأول: أرسطوطاليس، صار له شأن بين فلاسفة اليونان فأطلق عليه المعلم الأول، وتقدمت ترجمته في البيت رقم 481. انظر آراء أهل المدينة الفاضلة، أخبار الحكماء لابن القفطي ص 22 – 26، 182 – 184 عند كلامه عن الفارابي.
– يعني بالمعلم الثاني: أبا نصر الفارابي وهو محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، أحد الأذكياء. أصله تركي ولد سنة 260 هـ في فاراب على نهر جيحون وانتقل إلى بغداد ونشأ فيها، سمي المعلم الثاني لشرحه كتب أرسطو المعلم الأول. من كتبه “مبادئ الموجودات” و”إبطال أحكام النجوم” وغيرها، وعليها تخرّج ابن سينا. وكان يقول بالمعاد الروحاني للأرواح العالمة لا الجاهلة، توفي سنة 339 هـ، الأعلام 7/ 20، البداية والنهاية 11/ 238، السير 15/ 416، إغاثة اللهفان 2/ 26.
498 – تقدمت ترجمة الجهم بن صفوان (البيت 40) والجعد بن درهم (البيت 50). “الخوَران”: كذا ضبط في ف، ويعني الخوَر، وهو الضعف والانكسار والجبن. ولم أجد هذا المصدر في المعاجم. (ص). يتهكم هذا الضال =
(1/176)
499 – بَقِيَتْ مِنَ التَّشْبِيه فِيهِ بَقيَّةٌ … نَقَضَتْ قَوَاعِدَهُ مِنَ الأرْكَانِ
505 – يَنْفِي الصَّفَاتِ مَخَافَةَ التَّجْسِيم لَا … يَلْوي عَلَى خَبَرٍ وَلَا قُرْآنِ
__________
= باثنين من أسلافه الماضين وهما الجهم والجعد ويقول: إنهما قالا بقول متناقض دفعهم إليه الخوف والخور ولم يجرؤوا أن يصرحوا كما نصرح نحن، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وكذلك الجهمية على ثلاث درجات: فشرّها الغالية الذين ينفون أسماء الله وصفاته .. فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي ولا عالم ولا قادر .. فعند ذلك تبين الناس أنهم لا يثبتون شيئًا لكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرّون في العلانية، فإذا قيل لهم: فمَن تعبدون؟ قالوا: نعبد من يدبر هذا الخلق، فقلنا: فهذا الذي يدبر أمر هذا الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم. وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعًا لم يزل ليس بعالم ولا قادر. وعبّروا عنه بأن قالوا: نقول عين لم يزل ولم يزيدوا على ذلك .. غير أن هؤلاء الذين وصفنا قولهم من المعتزلة في الصفات لم يستطيعوا أن يظهروا من ذلك ما كانت الفلاسفة تظهره فأظهروا معناه .. ولولا الخوف لأظهروا ما كانت الفلاسفة تظهره ولأفصحوا به غير أن الخوف يمنعهم من إظهار ذلك” أ. هـ باختصار يسير. التسعينية لابن تيمية 1/ 144، وانظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 105 – 106.
499 – تقدم تعريف التشبيه في التعليق على المقدمة.
– يعني: أن قاعدة الجهم هي نفي الصفات مطلقًا، ثم هو بعد ذلك يقع في التشبيه بإثباته أنّ الله تعالى يسمع خلقه ويراهم ويعلم ما تكنّ صدورهم، وأنّ له سبحانه المشيئة العامة والقدرة الشاملة فلا يخرج كائن عن مشيئته. والجهم يثبت أن العالم حادث وهذه الصفات التي أثبتها نقضت قاعدته التي حكم بها، ثم هو بعد ذلك يدّعي تعطيل الصفات ونفي التجسيم ويصرخ في الناس بذلك فوقع في التناقض. وقد بيّن الناظم رحمه الله كل ذلك فيما سيأتي من أبيات.
500 – تقدم تعريف التجسيم في التعليق على المقدمة.
لا يَلوي على خبر، أي: لا يلتفت إليه ولا يتوقف عنده (ص).
(1/177)
501 – ويقُولُ إنَّ اللهَ يَسْمَعُ أوْ يَرَى … وَكَذَاكَ يَعْلَمُ سِرَّ كلِّ جَنَانِ
502 – ويقُولُ إنَّ اللهَ قَدْ شاءَ الَّذِي … هُوَ كَائِنٌ مِنْ هَذِهِ الأكْوَانِ
503 – وَيقُولُ إنَ الفِعْلَ مَقْدُورٌ لَهُ … وَالكَوْنَ يَنْسُبُهُ إِلَى الحِدْثَانِ
504 – وبِنَفْيهِ التَّجْسِيمَ يَصْرُخُ فِي الوَرَى … واللهِ مَا هَذَانِ يتَّفِقَانِ
505 – لَكِنَّنَا قُلْنَا مُحَالٌ كُلُّ ذَا … حَذَرًا مِنَ التَّجْسِيمِ والإِمْكَانِ
* * *
__________
501 – من هذا البيت بداية السقط من س.
503 – الجهمية المتأخرون أشد تعطيلًا ونفيًا من الجهم بن صفوان، فإن الجهم كان يقول: لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه لأن ذلك يقتضي تشبيهًا، فنفى كونه حيًا عالمًا وأثبت كونه قادرًا فاعلًا موجدًا خالقًا لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق، لكنه يثبت المشيئة مع قوله بالجبر ويقول بحدوث العالم خلافًا لمن قال بقدمه. أما المتأخرون أمثال هذا الزنديق الذي يتحسر على الجهم بأنه أثبت ما أثبت خوفًا ممن حوله من أهل السنة فهم ينفون نفيًا مطلقًا ولا يثبتون شيئًا. انظر الملل والنحل 1/ 73، التبصير في الدين ص 97، الفرق بين الفرق 221، وسيأتي في كلام الناظم عرض مذهبهم مفصلًا وبيان أن حقيقته إنكار وجود الله سبحانه. (انظر البيت: 1060 وما بعده).
504 – كذا في الأصل، ف، د. وفي غيرها: “متفقان”. والمعنى: أن الجهم قد نفى ما نفى من الصفات خوفًا من تشبيه الله بالمخلوقين، وأثبت ما لا يقع عنده فيه تشبيه كالخلق والإيجاد والقدرة. فيقول هذا الزنديق: إن الجهم بإثباته بعض الصفات قد وقع في التجسيم، إذ الصفات لا تقع إلا على الأجسام فكيف يصرخ الجهم بنفي التشبيه والتجسيم ثم يقع فيه؟ هذا من التناقض.
505 – طع: “من التشبيه”.
– يعني: أننا لم نتردد أو نتناقض كما وقع من الجهم ولم نجبن عن التصريح بالنفي الشامل، بل قلنا إن إثبات شيء من الصفات هو محال حتى لا نقع في =
(1/178)
فصلٌ في قدوم ركب الإِيمان وعسكر القرآن (1)
506 – وَأتى فَرِيقٌ ثُمَّ قَالَ أَلَا اسْمَعُوا … قَدْ جئْتُكُمْ مِنْ مَطْلَع الإيمَانِ
507 – مِنْ أرْضِ طيبَةَ مِنْ مُهَاجَر أحْمَدٍ … بالحَقِّ والبُرْهَانِ والتِّبْيَانِ
508 – سَافَرْتُ فِي طَلَبِ الإله فَدَلَّنِي الْـ … ـهَادِي عَلَيْهِ ومُحْكَمُ القُرْآنِ
509 – مَعَ فِطْرَةِ الرَّحمن جَلَّ جَلَالُهُ … وصرِيحِ عَقلٍ فاعْتلى بُنْياني
510 – فَتَوافَقَ العقلُ الصَّرِيحُ وَفِطْرَةُ الرّ … حْمنِ والمنقُولُ فِي إيمَانِي
511 – شَهِدُوا بأنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ … مُتَفَرَّدٌ بالمُلْكِ والسُلْطَانِ
512 – وَهُوَ الإلةُ الْحَقُّ لَا مَعْبودَ إلا … م وَجْهُهُ الأَعْلَى العظيمُ الشَّانِ
513 – بَلْ كُلُّ معْبُودٍ سِوَاهُ فبَاطِلٌ … مِنْ عَرْشهِ حَتَّى الحضِيضِ الدَّانِي
514 – وَعِبَادَةُ الرَّحْمن غَايَةُ حُبِّهِ … مَعَ ذُلِّ عَابِدِه هُمَا قُطْبَانِ
__________
= التجسيم أو نسبة الله إلى الحدوث والإمكان الذي هو من خصائص المخلوق. وبالجملة فنفاة الصفات يزعمون أنهم ينفونها خوفًا من الوقوع في أمرين:
الأول: التجسيم لأن الصفات من خواص الأجسام والله ليس بجسم.
الثاني: الإمكان أي: جعل الله ممكن الوجود لا واجب الوجود لأن الصفات حوادث والحوادث لا تقوم إلا بحادث. وقد تقدم ذلك في البيت 169.
(1) سقط عنوان الفصل من طه.
509 – تقدم تعريف الفطرة. (البيت 262).
– “عقل”: كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “عقلي” وبعده في طه: “فاعقلي ببيان”!.
510 – كذا في ف. وفيه ترتيب صعودي لما ذكر في البيتين السابقين. ووصف العقل بالصريح في البيت السابق يرجح ما في هذه النسخة. وفي غيرها: “الوحي الصريح وفطرة الرحمن والمعقول” (ص).
514 – القطب: الحديدة القائمة التي تدور عليها الرَّحَى، والقطب: كوكب بين =
(1/179)
515 – وَعَلَيْهِمَا فَلَكُ العِبَادَةِ دائرٌ … مَا دَارَ حَتَّى قامَتِ القُطْبَانِ
516 – ومَدَارُهُ بالأَمْرِ أمْرِ رسُولِهِ … لَا بالهَوَى والنَّفْسِ والشَّيطَانِ
517 – فَقِيامُ دِينِ اللهِ بالإخلاصِ والْـ … إحْسَانِ إنَّهُمَا لَهُ أصْلَانِ
518 – لَمْ يَنْجُ مِنْ غَضَبِ الإلهِ ونَارِهِ … إلَّا الَّذِي قَامَتْ بِهِ الأَصْلَانِ
519 – والنَّاسُ بَعْدُ فمشْرِكٌ بإِلهِهِ … أوْ ذُو ابْتدَاعٍ أوْ لَهُ الوَصْفَانِ
__________
= الجدي والفرقدين يدور عليه الفلك، صغير أبيض لا يبرح مكانه أبدًا. أو شبه بقطب الرَّحَى لأنّ الكواكب تدور عليه. ومنه قطب كل شيء: مِلاكه. اللسان 1/ 681 – 682.
515 – ب، ظ، س: فعليهما.
– القطب مذكر، وأنّثه الناظم هنا للضرورة، وكذلك أنث كلمة “الأصل” في البيت الآتي برقم 518. وانظر التعليق على البيت 228 (ص).
518 – يشهد لذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22] وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
519 – من نقد الشرط الأول من شرطي العبادة وهو الإخلاص لله تعالى وقع في الشرك، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه” رواه البخاري ج 1 / ص 193 /ح 99 فتح، كتاب العلم، باب 33، الحرص على الحديث. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: “ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ ” فقلنا: بلى يا رسول الله، فقال: “الشرك الخفي، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل” رواه ابن ماجه وقال البوصيري في الزوائد: إسناده حسن. سنن ابن ماجه ج 2 /ص 427 /ح 4257، باب الرياء والسمعة، وقال الألباني: حسن، صحيح سنن ابن ماجه ج 2 / ص 410 /ح 3389. =
(1/180)
520 – واللهُ لَا يَرْضَى بكثْرَةِ فِعْلِنَا … لَكِنْ بأحْسَنِهِ مَعَ الإيمَانِ
521 – فالعَارِفُونَ مُرادُهُمْ إحسَانُهُ … والجَاهِلُون عَمُوا عَنِ الإِحْسَانِ
522 – وَكَذَاكَ قَدْ شَهِدُوا بأنَّ اللهَ ذُو … سَمْعٍ وذُو بَصرٍ هُمَا صِفَتَانِ
523 – وَهوَ العَلِيُّ يَرَى وَيسْمَعُ خَلْقَهُ … مِنْ فَوْقِ عَرْشٍ فَوْقَ سِتِّ ثَمَانِ
524 – فَيَرى دَبِيبَ النَّمْلِ فِي غَسَقِ الدُّجَى … وَيَرَى كَذاكَ تَقَلُّبَ الأجْفَانِ
__________
= ومن فقد الشرط الثاني من شرطي العبادة وهو اتباع الكتاب والسنة وقع في الابتداع والضلال. عن ابن عباس رضي الله عنها أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خطب الناس في حجة الوداع فقال: “إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنّة نبيه” الحديث رواه الحاكم وصحح إسناده ووافقه الذهبي والحديث أصله في الصحيحين. المستدرك ج 1 / ص 171/ ح 318.
520 – كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)} [الملك: 2] فلم يقل: “أكثر عملًا”.
521 – أهل العلم والمعرفة يحرصون على إحسان العمل بتحقيق شرطيه: الإخلاص والمتابعة، أما أهل الجهل والتفريط فقد غفلوا عن ذلك فوقعوا في الضلال.
522 – يدل عليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
523 – يدل عليه قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59].
– وقوله: “ست ثمان” الأصل أن يقول: ست وثمان، وحذفت الواو لضرورة الشعر، والمراد الجمع فتكون أربع عشرة وهي السموات السبع والأرضون السبع، فيرى سبحانه وهو على عرشه ما تحت الأرض السابعة. وانظر ما سبق في البيت 412.
524 – يعني: مشي النمل في ظلمة الليل الشديدة.
– “تقلب الأجفان”: أي الإيماء بالعين والتلفت بها. يدل عليه قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} [غافر: 19].
(1/181)
525 – وَضَجِيجُ أصْوَاتِ العِبَادِ بسَمْعِهِ … وَلدَيْهِ لا يَتَشَابَهُ الصَّوْتَانِ
526 – وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا يُوسْوِسُ عبدُهُ … فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْر نُطْقِ لِسَانِ
527 – بَلْ يَسْتَوِي فِي عِلْمِه الدَّانِي مَعَ الـ … ـقَاصِي وَذُو الإسْرَارِ والإعْلَانِ
528 – وَهُوَ العَلِيمُ بِمَا يَكُونُ غَدًا وَمَا … قَدْ كَانَ والمعْلُومِ فِي ذَا الآنِ
529 – وبِكُلِّ شَيءٍ لمْ يكنْ لَوْ كَانَ كَيْـ … ـفَ يَكُونُ موجُودًا لِذي الأعْيَانِ
530 – وَهُوَ القَدِيرُ فَكُلُّ شَيء فَهْو مَقْـ … ـدُورٌ لَهُ طَوْعًا بِلَا عِصْيَانِ
__________
525 – الضجيج: الصياح عند المكروه والمشقة والجزع. اللسان 2/ 312، والمقصود هنا: الأصوات العالية المختلطة.
“يتشابه”: كذا في ظ، د، طه. وفي الأصل نقط حرف المضارع بالفوقانية والتحتانية معًا، وأهمل نقطه في ف، وفي ب، طت، طع بالفوقانية. وقد سبق لفظ الصوت في البيت 421 مذكرًا، وهو الصحيح في اللغة (ص).
– يدل عليه قوله تعالى: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} [يونس: 31] وقوله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف: 80].
526 – يدل عليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16] أي: أن الله تعالى يعلم ما تحدث به النفس فلا يخفى عليه ما تخفيه السرائر وتضمره القلوب. تفسير ابن كثير 4/ 220، تفسير الطبري مجلد 13/ ج 26/ 156، وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف: 80].
527 – يدل عليه قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)} [الرعد: 10].
529 – وهذا من سعة علم الله تعالى أنه يعلهم ما لم يكن لو كان كيف يكون كما قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47] وقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28].
530 – يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20].
(1/182)
531 – وَعُمُومُ قُدْرَتهِ يدُلُّ بأَنَهُ … هُوَ خَالِقُ الأَفْعَالِ لِلحَيَوَانِ
532 – هِيَ خَلْقُهُ حَقًّا وأفْعَالٌ لَهُمْ … حَقًا وَلَا يَتَنَاقَضُ الأمْرَانِ
533 – لكنَّ أهْلَ الجَبْرِ والتَّكْذِيبِ بِالْـ … أَقْدَارِ مَا انْفَتَحَتْ لَهُمْ عَيْنَانِ
534 – نَظَرُوا بِعَيْنَيْ أَعْوَرٍ إِذْ فَاتَهُمْ … نَظَرُ البَصِيرِ وغَارَتِ العَيْنَانِ
__________
531 – كذا في ف. وفي غيره: “تدلّ”.
532 – تقدم تفصيل الكلام على خلق الله تعالى لأفعال العباد والرد على الجهمية (راجع البيت: 150 وما بعده).
533 – أهل الجبر: هم الجبرية من الجهمية ومن وافقهم القائلون بأن العباد مجبورون على أفعالهم وأن الأفعال تصدر من العبد بغير اختياره بل هي منه كحركة المرتعش، وقد تقدم تفصيل ذلك في البيت 150 وما بعده.
المكذبون بالقدر: هم القدرية من المعتزلة ومن وافقهم. وقولهم في أفعال العباد على الضد من قول الجبرية، فهم يقولون: إن الله تعالى غير خالق لأفعال الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات. وقد زعموا أنّ الناس هم الذين يقدرون على أكسابهم وأنهم خلقوا أفعالهم وأنه ليس لله عزّ وجل في أكسابهم ولا في أعمال سائر الحيوانات صنع وتقدير. ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية. الفرق بين الفرق ص 132، الملل والنحل 1/ 39، الدين الخالص لمحمد صديق حسن 3/ 158.
534 – غارت العين: دخلت في الرأس. يشير الناظم -رحمه الله- إلى أن الجبرية نظروا إلى عموم القدرة والمشيئة فسلبوا العبد قدرته واختياره، وجعلوه مجبورًا على أفعاله، وعموا عن جانب التكليف والأمر والنهي. أما القدرية فنظروا إلى جانب الأمر والنهي والثواب والعقاب، وعموا عن خلق أفعال العباد وعن القدر السابق. أما أهل الحق فجمعوا بين الأمرين فقالوا: إن الحركة تقع بقدرة العبد وإرادته التي جعلها الله فيه، فالله سبحانه إذا أراد فعل العبد خلق له القدرة والداعي إلى فعله. فيضاف الفعل إلى قدرة العبد إضافة المسبب إلى سببه، ويضاف إلى قدرة الرب إضافة المخلوق إلى الخالق. انظر شفاء العليل 146 – 147. وتقدم الكلام على القدر وخلق أفعال العباد في البيت: 150 وما بعده.
(1/183)
535 – فَحَقِيقَةُ القَدَرِ الَّذِي حَارَ الوَرَى … فِي شَأْنِهِ هُوَ قُدْرَةُ الرَّحْمنِ
536 – واسْتَحْسَنَ ابنُ عَقيلَ ذَا مِنْ أحْمدٍ … لمَّا حَكَاهُ عَنِ الرِّضَا الرَّبَّانِي
537 – قَالَ الإمَامُ شَفَا القُلُوبَ بلَفْظةٍ … ذَاتِ اخْتِصَارٍ وَهْيَ ذَاتُ بَيَانِ
* * *
فصلٌ
538 – وَلَهُ الحَيَاةُ كمَالُهَا فلأِجْلِ ذَا … مَا لِلمَماتِ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانِ
__________
536 – منع صرف “عقيل” للضرورة. وابن عقيل: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري المقرئ الحنبلي الأصولي أبو الوفاء (431 – 513 هـ).
عالم العراق في وقته أحد الأئمة الأعلام، كان معتزليًا في أول حياته ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته ثم صنف في الرد عليهم. من مصنفاته “الفنون” وهو أشهرها و”الواضح في الأصول” و”الجدل على طريقة الفقهاء” سير أعلام النبلاء 19/ 443، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 142، لسان الميزان 4/ 243، الأعلام 4/ 313.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري في مسائل الإمام أحمد: وسئل عن القدر فقال: القدر قدرة الله على العباد، قال الرجل: إن زنى فبقدر الله وإن سرق فبقدر الله؟ قال: نعم، الله عزّ وجل قدره عليه، مسائل الإمام أحمد لابن هانئ ج 2/ ص 155، وقد أورد الناظم -رحمه الله- مقولة الإمام أحمد مختصرة في كتابه “شفاء العليل” ثم قال: “واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جدًا وقال (يعني ابن عقيل): هذا يدل على دقة علم أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين، وهو كما قال أبو الوفاء” شفاء العليل ص 61.
537 – د: “كل بيان”.
538 – الحياة الكاملة هي التي لا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، وحياته سبحانه وحده هي الحياة الكاملة التي لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء، كما قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان: 58].
(1/184)
539 – وكذَلكَ القَيُّومُ مِنْ أوْصَافِهِ … مَا لِلمَنَامِ لَدَيْهِ مِنْ غَشَيَانِ
540 – وكَذاكَ أوْصَافُ الكَمَالِ جَمِيعُها … ثَبَتَتْ لهُ ومَدارُهَا الوَصفَانِ
541 – فمُصَحِّحُ الأوْصَافِ والأَفْعَالِ والْـ … أَسْمَاءِ حَقًّا ذَانِكَ الأَصْلانِ
542 – ولأجْلِ ذَا جَاءَ الحَدِيثُ بأنَّهُ … فِي آيةِ الكُرْسِي وذِي عِمْرَانِ
__________
539 – قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255]، وقال: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] والقيوم: من أسماء الله تعالى العظيمة وهو كامل الحياة القائم بنفسه والقائم بأمر كل شيء في رزقه والدفع عنه وتدبيره وصرفه في قدرته. وسيفسره الناظم في فصل آخر (البيت 3353). وانظر تفسير القرطبي 3/ 271، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي 5/ 353.
540 – قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60].
قال شارح الطحاوية -رحمه الله- أثناء كلامه على اسمي الحي والقيوم: “على هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلّها، وإليهما ترجع معانيها. فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكملَ حياة وأتمَّها استلزم إثباتها إثبات كلّ كمال يضادّ نفيه كمال الحياة. وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته فإنه القائم بنفسه فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال أتم انتظام” أ. هـ.
شرح الطحاوية 1/ 91 – 92. وانظر مختصر الصواعق 1/ 200.
541 – ح، ط: “الوصفان”.
542 – ف: “فلأجل”.
– يشير إلى ما جاء عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في هاتين الآيتين: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] و {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} [آل عمران: 1، 2] “إن فيهما اسم الله الأعظم”، الحديث رواه الإمام أحمد 6/ 461 من طريق محمد بن بكر عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن =
(1/185)
543 – اِسْمُ الإِلهِ الأَعْظَمُ اشتَملَا عَلَى اسْـ … ـمِ الحَيِّ والقيُّومِ مُقْترِنَانِ
544 – فالكُلُّ مرجِعُهَا إلَى الاسْمَيْن يَدْ … رِي ذَاكَ ذُو بَصَرٍ بِهَذَا الشَّانِ
545 – وَلَهُ الإرَادَةُ والكَرَاهَةُ والرِّضَا … وَلَهُ المحَبَّةُ وَهْوَ ذُو الإحْسَانِ
__________
= أسماء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – به. ومحمد بن بكر هو ابن عثمان البرساني، صدوق يخطئ كثيرًا، التقريب 470. وعبيدالله بن أبي زياد هو القداح أبو الحصين المكي ليس بالقوي. التقريب 371. وشهر بن حوشب هو مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام. التقريب 269.
فإسناد الحديث لا تقوم به حجة، كما لا يخفى.
وروى ابن ماجه 2/ 346 /ح 3902، من طريق غيلان بن أنس يحدث عن القاسم: عن أبي أمامة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، في سور ثلاث: البقرة وآل عمران وطه”. وقال البوصيري في الزوائد 3/ 204: في إسناده مقال، غيلان لم أر من جرّحه ولا من وثقه. ثم ذكر له متابعة وشاهدًا.
والشاهد من سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111]، وغيلان بن أنس هو الكلبي أبو يزيد الدمشقي مقبول. التقريب 443. والقاسم هو ابن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة صدوق يغرب كثيرًا. التقريب 450. وروى ابن ماجه 2 /ص 356 /ح 3901، عن القاسم بن عبد الرحمن نحوه موقوفًا. وقال البوصيري في الزوائد 3/ 204: رجاله ثقات وهو موقوف. وبهذا يظهر أن الحديث لا تقوم به حجة لضعف القاسم بن عبد الرحمن ولأنه يرويه مرفوعًا تارة وموقوفًا على نفسه تارة. والله أعلم.
545 – “الإرادة”: يدل عليه قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وراجع البيت 415.
“الكراهة”: يدل عليه قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46]، وراجع البيت 415.
“الرضا”: يدل عليه قوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119] وراجع البيت 440.=
(1/186)
546 – وَلَهُ الْكَمَالُ المُطْلَقُ العَارِي عَنِ التَّـ … ـشْبِيهِ والتَّمْثِيل بالإنْسَانِ
547 – وَكَمَالُ مَنْ أعطَى الكَمَالَ لنَفْسِهِ … أَوْلَى وأقدَمُ وَهْوَ أعظَمُ شَانِ
548 – أيكُونُ قدْ أعْطَى الكَمَال ومَا لَهُ … ذَاكَ الكَمَالُ أذَاكَ ذُو إمْكَانِ
549 – أيكُونُ إنسَانٌ سَمِيعًا مُبصِرًا … متكلِّمًا بمشِيئَةٍ وبَيَانِ
550 – وَلَهُ الحَيَاةُ وقُدْرَةٌ وإِرَادَةٌ … والعِلْمُ بالكُلِّيِّ والأَعْيَانِ
551 – واللَّهُ قَدْ أعطَاهُ ذَاكَ وَليسَ هَـ … ـذَا وَصْفَهُ فاعْجَبْ مِنَ البُهْتَانِ
552 – بِخلَافِ نَوْمِ العَبْدِ ثُمَّ جِمَاعِهِ … والأكْلِ مِنْهُ وحَاجَةِ الأبْدَانِ
__________
= “المحبة”: يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4] وراجع البيت 415.
“الإحسان”: يدل عليه قوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] وقوله: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: 100].
546 – الكمال المطلق: الذي ليس فيه نقص بوجه من الوجوه ولا يعتريه تشبيه ولا تمثيل بل يتضمن الأمور الوجودية والمعاني الثبوتية الكاملة العالية. شرح الطحاوية 1/ 119، مختصر الصواعق 1/ 160. وتقدم تعريف التشبيه والتمثيل في التعليق على المقدمة.
– نهاية السقط من س.
547 – “لنفسه”: متعلقة بما بعدها. قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60] فله سبحانه المثل الأعلى في جميع صفاته وأفعاله، وكل كمال ثبت للممكن أو المحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالواجب القديم أولى به، وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق المربوب المدبر فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره فهو أحق به منه. انظر درء التعارض 1/ 29 – 30، شرح الطحاوية 1/ 87، مجموع الفتاوى 3/ 297.
549 – كذا في الأصل وحاشية ف وط. وفي غيرها: “سميع مبصر متكلم” بالرفع.
550 – أي: العلم بحقائق الأشياء وماهيتها على وجه العموم ومعرفة خصائص أعيانها وجزئياتها على وجه الخصوص.
552 – الكمال الذي ينسب إلى المخلوق ويتطرق إليه النقص لا ينسب إلى الله =
(1/187)
553 – إِذ تِلكَ ملزومَاتُ كَونِ العَبْدِ مُحْـ … ـتَاجًا وتِلْكَ لَوَازِمُ النُقْصَانِ
554 – وكَذَا لَوازِمُ كَوْنِهِ جَسَدًا نَعَمْ … وَلَوَازِمُ الإحْدَاثِ والإمْكَانِ
555 – يتقدَّسُ الرَّحْمنُ جَلَّ جَلَالُهُ … عَنْهَا وَعَنْ أعْضاءِ ذِي جُثْمَانِ
556 – واللهُ رَبِّي لَمْ يَزَلْ متكلِّمًا … وكلَامُهُ المَسمُوعُ بالآذَانِ
557 – صِدْقًا وعَدْلًا أُحْكِمَتْ كَلِمَاتُهُ … طَلَبًا وإخْبَارًا بِلَا نُقْصَانِ
558 – وَرَسُولهُ قَدْ عَاذَ بالكَلِمَاتِ مِنْ … لَدْغٍ وَمِن عَيْنٍ ومِنْ شَيْطَانِ
__________
= تعالى كالنوم والجماع والأكل والشرب ونحوها. فهذه كمالات في حق المخلوق يعاب من لم يتصف بها من المخلوقين لأنه ناقص وهي مكملة له وهي لازمة له لأنه جسد حادث ممكن، بخلاف الخالق جلّ جلاله فهو سبحانه له الكمال المطلق الذي لا يفتقر معه إلى صفات تكمله. راجع حاشية البيت رقم 547، وانظر درء التعارض 2 /ص 6.
554 – “الإحداث”: يعني لوازم كونه محدثًا كائنًا بعد أن لم يكن.
“الإمكان”: يعني كونه ممكن الوجود يسبقه عدم ويلحقه عدم لا واجب الوجود، وليس أحد واجب الوجود إلا الله تعالى.
555 – طه: “جسمان”.
556 – شرع الناظم رحمه الله في إثبات صفة الكلام وإثبات القول الحق فيه، مع التعرض لاختلاف المذاهب في ذلك.
557 – قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأحكام. تفسير ابن كثير 2/ 167.
– الكلام في لغة العرب نوعان:
الأول: الخبر كجاء زيد، وهو يحتمل الصدق والكذب لذاته.
الثاني: الإنشاء وهو الطلب كطلب فعل أو طلب ترك وهو لا يحتمل الصدق والكذب لذاته لأنه ليس له مدلول خارجي يطابقه أو لا يطابقه.
انظر الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني ج 1/ 55.
558 – يشير إلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يعوذ حسنًا وحسينًا يقول: “أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، =
(1/188)
559 – أيعوذُ بالمَخْلُوقِ حَاشَاهُ مِنَ الْـ … إِشرَاكِ وَهْوَ مُعَلِّمُ الإيمَانِ
560 – بَلْ عَاذَ بالكَلِمَاتِ وَهْيَ صِفَاتُهُ … سُبْحَانَهُ لَيْسَتْ مِنَ الأكْوانِ
561 – وَكَذَلِكَ القُرْآنُ عَيْنُ كَلَامِهِ الْـ … ـمَسْمُوعِ مِنْهُ حقِيقَةً بِبَيَانِ
562 – هُوَ قَوْلُ رَبّي كلُّهُ لَا بَعْضُهُ … لَفْظًا وَمَعْنىً مَا هُمَا خَلْقَانِ
563 – تَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ وقَوْلُهُ … اَللَّفْظُ والمَعْنَى بِلَا رَوَغَانِ
__________
= ومن كل عين لامة” رواه البخاري 6/ 408 فتح، كتاب الأنبياء، باب 10. قال نعيم بن حماد شيخ البخاري وهو من أئمة السنة: لا يستعاذ بالمخلوق ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة، وقال البخاري عقبه: “وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق وأن سواه خلق” خلق أفعال العباد ص 132.
559 – “أيعوذ”: كذا في “الأصل” وفي ف، ظ: “أفعاذ”، وكلاهما جيد. وفي غيرها: “أيُعاذ”.
561 – يُعرِّض ببطلان قول المعتزلة وغيرهم القائلين بأن كلام الله تعالى مخلوق في بعض الأجسام وابتداؤه من ذلك الجسم لا من الله فلا يقوم بنفس الله تعالى كلام لا معنى ولا حروف.
انظر مختصر الصواعق 2/ 473، وسيأتي في كلام الناظم ذكر هذا القول والرد على قائله. انظر البيت: 829 وما بعده.
563 – يعرض الناظم -رحمه الله- في هذين البيتين ببطلان قول الأشاعرة والكلابية القائلين بأن كلام الله تعالى كلام نفسي يقوم به كقيام الحياة والعلم وليس حروفًا ولا أصواتًا، فأثبتوا المعنى ونفوا اللفظ وجعلوا الكلام بعضه غير مخلوق وهو المعنى وبعضه مخلوق وهو اللفظ.
انظر مختصر الصواعق ص 474، 477، درء تعارض العقل والنقل 2/ 313، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص 113 – 119، إعجاز القرآن للباقلاني ص 260 – 261، حاشية الدسوقي على أم البراهين ص 109، مجرد مقالات الأشعري لابن فورك ص 59 – 62، شرح العقائد النسفية للتفتازاني ص 42 – 43. وسيأتي في كلام الناظم تفصيل مذهبهم والرد عليهم. انظر البيت: 757 وما بعده.
(1/189)
564 – لَكنَّ أصْواتَ الْعِبَادِ وفِعْلَهُمْ … كَمِدَادِهِمْ والرَّقِّ مَخْلوقَانِ
565 – فالصَّوتُ لِلْقَارِي ولَكِنَّ الكَلَا … مَ كلامُ ربِّ العرْشِ ذِي الإحْسَانِ
566 – هَذا إِذَا مَا كَانَ ثَمَّ وَسَاطَةٌ … كَقرَاءَةِ المخْلُوقِ للقُرْآنِ
567 – فإِذَا انْتفَتْ تِلْكَ الوسَاطَةُ مِثْلَمَا … قَدْ كلَّمَ الموْلودَ مِنْ عِمْرانِ
568 – فهُنالِكَ المخْلُوقُ نَفْسُ السَّمْع لَا … شَيءٌ مِنَ المسْمُوعِ فافْهَمْ ذَانِ
__________
564 – فعلهم يعني: قراءتهم وكتابتهم.
المداد: الحبر الذي يكتب به.
الرَّقّ: جلد رقيق يكتب فيه.
يشير الناظم رحمه الله في هذا البيت إلى التفريق بين اللفظ والملفوظ والقراءة والمقروء، وسيأتي في كلام الناظم تفصيل ذلك في البيت: 764 وما بعده. انظر مختصر الصواعق المرسلة ص 492 وما بعدها، مجموع الفتاوى 12/ 138.
565 – في “مختصر الصواعق المرسلة”: “أصوات العباد من أفعالهم أو متولدة عن أفعالهم فهي من أفعالهم فالصوت صوت العبد حقيقة والكلام كلام الله حقيقة أداه العبد بصوته كما يؤدي كلام الرسول وغيره بصوته فالعبد مخلوق” أ. هـ
وصفاته مخلوقة وأفعاله مخلوقة، وصوته وتلاوته مخلوقة والمتلو المؤدى بالصوت غير مخلوق. مختصر الصواعق ص 482 – 483، وانظر خلق أفعال العباد الأثر رقم 463 ص 175، درء تعارض العقل والنقل 2/ 310 وما بعدها، مجموع الفتاوى 12/ 138.
567 – ذكر الناظم رحمه الله في الأبيات السابقة النوع الأول لسماع كلام الله وهو إذا ما كان بواسطة، أما إذا انتفت الواسطة كما انتفت في حق موسى عليه السلام لما كلمه الله تعالى، فيكون المسموع كله من صوت وألفاظ ومعان كلام الله حقًا، والمخلوق هو نفس سمع السامع المخلوق.
انظر مجموع الفتاوى 12/ 137 وسيأتي شرح ذلك مفصلًا في البيت: 764 وما بعده.
568 – قوله “السمع”: يعني به سمع المخلوق وهو هنا سمع موسى عليه السلام. ويعني بالمسموع هنا كلام الله تعالى.
(1/190)
569 – هَذِي مَقَالَةُ أحْمدٍ ومُحَمَّدٍ … وخُصُومُهُمْ مِنْ بَعْدُ طَائِفَتَانِ
__________
569 – ت: “هذا مقالة … “.
– قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله سألت أبي: ما تقول في رجل قال: التلاوة مخلوقة وألفاظنا مخلوقة والقرآن كلام الله عزّ وجل وليس بمخلوق؟ وما ترى في مجانبته؟ وهل يسمى مبتدعًا؟ فقال: هذا يجانب، وهو قول مبتدع، وهذا كلام الجهمية. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد 1/ ص 163 / رقم 178. وانظر درء التعارض 1/ 261.
“محمّد”: المراد به: الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله (وستأتي ترجمته تحت البيت 1434)، حيث قال بعد أن أسند عن يحيى بن سعيد قوله: “ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة” قال البخاري: “حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق”. خلق أفعال العباد ص 34 وقال محققه: إسناده صحيح، وانظر كذلك ص 76 من الكتاب نفسه.
سبب تخصيص الناظم -رحمه الله- لهذين الإمامين الجليلين بالذكر أنهما إماما أهل السنة والجماعة وقد رويت عنهما ألفاظ يوهم ظاهرها تأييد ما ذهب إليه الكلابية اللفظية، من أن كلام الله تعالى بعضه مخلوق وهو اللفظ وبعضه غير مخلوق وهو المعنى، وقد تمسك بهذه الروايات أهل البدع وانتسبوا إلى هذين الإمامين ونسبوا المذهب إليهما، وقد روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: “لفظي بالقرآن مخلوق” وروي عن الإمام البخاري -رحمه الله- أنه قال وقد سئل عن اللفظ بالقرآن: “أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا” وأشاع عنه محمد بن يحيى الذهلي أنه قال: “ألفاظنا بالقرآن مخلوقة”. وقد تولى أئمة أهل السنة الذب عن هذين الإمامين والرد على من نسب هذا المذهب إليهما مما لا مجال لتفصيله هنا. انظر مجموع الفتاوى 12/ 264 وما بعدها، مختصر الصواعق المرسلة ص 486 وما بعدها، هدي الساري ص 490، سير أعلام النبلاء 12/ 458، خلق أفعال العباد ص 34، 76، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 233 – 247، الحجة في بيان المحجة 2/ 194 – 196 وانظر البيت: 780 وما بعده.
(1/191)
570 – إحْدَاهُمَا زَعَمَتْ بأنَّ كَلَامَهُ … خَلْقٌ لَهُ ألفَاظُهُ وَمَعَانِي
571 – والآخَرُونَ أَبَوْا وَقَالُوا شَطْرُهُ … خَلْقٌ وشَطْرٌ قَامَ بالرَّحْمنِ
572 – زَعَمُوا القُرَان عِبَارَةً وحِكَايَةً … فَلَنَا كَمَا زَعَمُوهُ قُرآنانِ
573 – هَذَا الَّذِي نَتْلوهُ مخْلُوقٌ كَمَا … قَالَ الوَلِيدُ وَبعْدَهُ الفِئَتَانِ
__________
570 – هم الجهمية والمعتزلة، وسيأتي في كلام الناظم تفصيل مذهبهم. انظر البيت: 623 وما بعده، والبيت: 829 وما بعده.
571 – وهم الأشاعرة والكلابية، وقد زعموا أن كلام الله تعالى شطران: شطر مخلوق وهو اللفظ، وشطر غير مخلوق بل هو صفة لله تعالى وهو المعنى.
وقد تقدم حكاية مذهبهم إجمالًا. راجع البيت 563.
572 – قول الأشاعرة والكلابية يكاد يكون واحدًا إلا أن بينهما اختلافًا يسيرًا سيبيّنه الناظم فيما يأتي من أبيات، والأشاعرة تقول: إن كلام الله في النفس، والألفاظ عبارة عنه، أما الكلابية فيقولون: إن الألفاظ حكاية عنه. وعندهم كلهم أن هذه الألفاظ مخلوقة -كما تقدم في التعليق على البيت 563، مختصر الصواعق ص 474.
– “فلنا”: كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “قلنا”، وهو تصحيف.
– يلزم على قولهم أن يكون هناك قرآنان:
الأول: الألفاظ التي نتلوها ونقرؤها ونكتبها.
الثاني: المعنى القديم القائم بنفس الله تعالى.
573 – الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عبد شمس. من قضاة العرب في الجاهلية، ولد سنة 95 ق. هـ، من زعماء كفار قريش، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر ودفن بالحجون وهو والد خالد بن الوليد رضي الله عنه. الأعلام 8/ 122.
– ويشير الناظم هنا إلى قول الله تعالى حكاية عن الوليد عندما سمع القرآن فكذب به: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)} إلى قوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} [المدثر: 18 – 25].
– يعني بالفئتين: الجهمية، والمعتزلة حيث قالوا بخلق القرآن، وسيأتي تفصيل مذهبهم في البيتين 623، 829.
(1/192)
574 – والآخَرُ المعْنَى القَدِيمُ فقَائِمٌ … بالنَّفْسِ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الدَّيَّانِ
575 – والأمْرُ عَيْنُ النَّهْيِ واسْتِفْهَامُهُ … هُوَ عَيْنُ إِخْبَارٍ وَذا وَحْداني
576 – وَهُوَ الزَّبُورُ وَعَيْنُ تَوْرَاةٍ وإنْـ … ـجِيلٍ وعَيْنُ الذِّكْرِ والفُرْقَانِ
577 – الكُلُّ معنًى وَاحِدٌ فِي نَفْسِهِ … لَا يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ فِي الأذْهَانِ
578 – مَا إنْ لَهُ كلٌّ وَلَا بَعْضٌ وَلَا لفظٌ … ولا حَرْفٌ وَلَا عَرَبي وَلَا عِبْرَانِي
__________
575 – كذا في الأصل وف. وقد ضبط في ف بفتح أوله. وفي غيرهما: “وحدانِ” دون ياء، وحذف الياء أو زيادتها من الأخطاء الشائعة في النسخ. وفي ط: “ذو وحدان”. والوحداني: نسبة إلى الوحدة أي واحد. وانظر البيت الآتي برقم 852 (ص).
والمراد: أنهم قالوا: القرآن معنى واحد لا يقبل التبعيض ولا الانقسام، لذا قال الناظم بعدها في بيان مذهبهم: الكل معنى واحد .. البيت.
576 – الذكر والفرقان من أسماء القرآن الكريم كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1].
577 – ط: “شيء واحد”.
578 – كذا في جميع الأصول التي بين أيدينا، غير أن بعض القراء ضرب على “ولا لفظ” في ب، ظ. وحذف أيضًا في ط. ولعل ذلك إصلاح للنص. وقد أثبتنا ما في الأصول دون تغيير، ولا شك أن في البيت ركنًا زائدًا يستقيم الوزن بحذفه، ولكن يختلّ توازن الألفاظ إذ تبقى كلمة “حرف” بلا قرينة.
وقد جاء هذا البيت في موضع آخر برقم 851 على هذا الوجه:
ما إنْ له كلٌّ ولا بعضٌ ولا الـ … ـعربي حقيقتُه ولا العبراني
وهو مستقيم وزنًا ومعنًى. ولعل الناظم رحمه الله ساقته أمواج البحر الكامل معها، وهو مشغول الفكر بالمعاني، فلم يفطن لهذه الزيادة. وقد تكررت زيادة ركن أو نقصه في المنظومة. انظر الزيادة في الأبيات: 604، 2040، 2057، 3250، 3260، 3356 وغيرها. (ص).
– ذهب الأشاعرة ومن وافقهم من الكلابية إلى أن الكلام معنى واحد قائم =
(1/193)
579 – ودَلِيلُهُمْ فِي ذَاكَ بَيتٌ قَالَهُ … فِيمَا يُقَالُ الأَخْطَلُ النَّصْرَانِي
580 – يَا قَوْمُ قدْ غَلِطَ النَّصارَى قَبْلُ فِي … مَعْنَى الكَلَامِ ومَا اهْتَدَوْا لِبَيَانِ
581 – ولأجْلِ ذَا ظنّوا المسِيحَ إلهَهُمْ … إذ قِيلَ كِلْمَةُ خَالِقٍ رَحْمنِ
__________
= بذات الرب .. لا ينقسم ولا يتبعض ولا له أجزاء والأمر عين النهي وعين الخبر وعين الاستخبار، الكل معنى واحد، وهو عين التوراة والإنجيل والقرآن والزبور. وكونه أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا صفات لذلك المعنى الواحد عند الأشاعرة وأنواع له عند الكلابية فإنه لا ينقسم بنوع ولا جزء. وكونه قرآنًا وتوراة وإنجيلًا تقسيم للعبارات عنه لا لذاته بل إذا عبّر عن ذلك المعنى بالعربية كان قرآنًا، وإن عبّر عنه بالعبرانية كان توراة، وإن عبّر عنه بالسريانية كان اسمه إنجيلًا، والمعنى واحد. مجرد مقالات الأشعري ص 63، مختصر الصواعق المرسلة ص 475.
579 – الأخطل: غياث بن غوث التغلبي النصراني، شاعر اشتهر في عهد بني أمية بالشام وأكثر من مدح الملوك. له ديوان شعر مطبوع ت 90 هـ. طبقات فحول الشعراء لابن سلام ج 2/ 451، الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 483، الأغاني 8/ 290، الأعلام 5/ 123.
– يشير إلى استدلالهم بالبيت المنسوب إلى الأخطل:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما … جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وذكر كثير من أئمة اللغة وغيرهم أن هذا البيت لا تصح نسبته إلى الأخطل ولم يوجد في ديوانه، بل جزم كثير منهم أن أصل البيت: “إن البيان .. “. وأن أهل البدع حرّفوه ليحتجوا به على مذهبهم.
انظر الكلام على هذا البيت وردّ الاستدلال به في الإيمان لشيخ الإسلام ص 132 – 134، مجموع الفتاوى 6/ 296 – 297، درء التعارض 2/ 85، الصواعق المرسلة 1/ 344 – 345، شرح الطحاوية 1/ 199، العقيدة السلفية في كلام رب البرية ص 332 – 336، الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات 3/ 144.
581 – ط: “جعلوا المسيح”.
– قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا =
(1/194)
582 – ولأجْلِ ذَا جَعَلُوهُ نَاسُوتًا وَلَا … هُوتًا قَدِيمًا بَعْدُ مُتَّحِدَانِ
583 – وَنظِيرُ هَذَا مَنْ يَقُولُ كَلَامُهُ … مَعْنىً قَدِيمٌ غَيْرُ ذِي حِدْثَانِ
584 – والشَّطرُ مخْلُوقٌ وتِلْكَ حُرُوفُهُ … نَاسوتُهُ لَكِنْ هُمَا غَيْرَانِ
585 – فانظُرْ إِلَى ذَا الاتِّفَاقِ فإنَّهُ … عَجَبٌ وطَالِعْ سُنَّةَ الرَّحمن
__________
= الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] وقد احتج النصارى بهذه الآية على أن القرآن أيّد قولهم: إن في المسيح لاهوتًا وناسوتًا. وقالوا: قد شهد القرآن أنه -أي المسيح – إنسان مثلنا بالناسوت الذي أخذ من مريم ولاهوت بكلمة الله وروحه المتحدة فيه، وحاشا أن تكون كلمة الله وروحه الخالقة مثلنا نحن المخلوقين.
والنصارى جعلوا في المسيح طبيعتين: طبيعة إلهية وهي كلمة الله التي حلت فيه وسموا هذا الجزء منه “اللاهوت” وطبيعة إنسانية استفادها من مريم وسموا هذا الجزء “الناسوت”، فاتحد عندهم بعض خالق ببعض مخلوق، وأول من ابتاع في شأن المسيح عليه السلام اللاهوت والناسوت هو بولس الشمشاطي الذي أفسد عليهم دينهم.
انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لشيخ الإسلام ابن تيمية 4/ 27 – 28، 2/ 168، هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم رحمه الله ص 316 – 317.
585 – وجه اتفاق الكلابية والأشاعرة مع النصارى: أن النصارى جعلوا عيسى عليه السلام شطرين: شطرًا مخلوقًا وهو الناسوت، وشطرًا غير مخلوق وهو اللاهوت. فاللاهوت حلّ في الناسوت. وكذلك الكلابية والأشاعرة جعلوا كلام الله تعالى شطرين: شطرًا مخلوقًا وهو الحروف والألفاظ، وشطرًا غير مخلوق وهو المعنى الذي في نفس الربّ جلّ جلاله. فالمعنى القديم الذي هو اللاهوت حل في الحروف والألفاظ التي هي الناسوت لأن هذا المعنى القديم إنما يفهم بواسطة الحروف والألفاظ.
وقد حكي أن أبا المجالد أحمد بن الحسين البغدادي المعتزلي اجتمع مع ابن=
(1/195)
586 – وتكَايَسَتْ أخْرَى وَقَالتْ إنَّ ذَا … قَوْلٌ مُحَالٌ وَهْوَ خَمْسُ مَعَانِ
587 – تِلْكَ التِي ذُكِرتْ ومَعْنَىً جَامعٌ … لِجَمِيعِهَا كالأُسِّ لِلبُنْيَانِ
588 – فتكُونُ أنواعًا وعِنْدَ نَظِيرِهِمْ … أوْصافَهُ وهُمَا فمتَّفِقَانِ
__________
= كلاب يومًا فقال له: ما تقول في رجل قال لك بالفارسية: تُو مَرْدي (أي: أنت رجل)، وقال الآخر: أنت رجل، هل اختلفا في وصفك إلا من جهة العبارة؟ فقال ابن كلاب: لا، فقال: فكذا سبيلك مع النصارى؛ لأنهم يقولون: إنه تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم.
انظر التسعينية لشيخ الإسلام ج 3/ 700 – 703، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار الهمذاني ص 294 – 295، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص 113 – 119، قواعد العقائد في لوامع الأدلة في العقيدة للغزالي وهو في إحياء علوم الدين 1/ 100. وانظر ما سبق في التعليق على البيت 563.
قوله: “وطالع … ” أي: تأمل في جريان سنة الله تعالى في خلقه.
586 – في ب كتب فوق كلمة “أخرى”: “أي الكلابية” و”تكايست”: تظاهرت بالكَيْس، وهو العقل والفطنة والظرف.
– الصواب في العربية: “خمسة معان” بتأنيث العدد، وإنما ذُكر لضرورة الشعر، وانظر مثله في الأبيات: 602، 2569، 3264، 1113 وغيرها. (ص).
587 – يشير إلى الأنواع الأربعة التي سبقت وهي الأمر والنهي والخبر والاستفهام، والخامس هو المعنى الجامع لها، راجع البيت 575.
588 – في ف، ظ، ح، طت، طع: “فيكون” بالتحتيَّة. وأهمل نقطه في الأصل، “فتكون” يعني المعاني المذكورة. “أوصافه” يعني أن تلك المعاني أوصاف للكلام عند نظيرهم. (ص).
– هذا قول الكلابية الذي تميزت به عن الأشعرية أن الكلام خمسة أنواع: الأمر والنهي والاستفهام والخبر ومعنى خامس يعمها جميعًا فهو بالنسبة لها كالأس للبنيان. أما الأشاعرة فيقولون: إن هذه أوصاف للكلام وليست أنواعًا له. ومع وجود هذا الخلاف الظاهري بين قولي =
(1/196)
589 – أنَّ الَّذِي جَاءَ الرسُولُ بِهِ فَمَخْـ … ـلوقٌ ولَم يُسْمَعْ مِنَ الدَّيّانِ
590 – والخُلْفُ بَيْنَهُمُ فقيل مُحَمَّدٌ … أَنْشَاهُ تَعْبِيرًا عَنِ القُرْآنِ
591 – والآخَرونَ أَبَوْا وَقَالُوا إنَّمَا … جِبْرِيلُ أنشَاهُ عَنِ المنَّانِ
__________
= الكلابية والأشاعرة يكاد قولهما يكون واحدًا، فكلاهما متفقان على أن ما جاء به جبريل عليه السلام مخلوق (أي الألفاظ)، انظر الكيلانية لشيخ الإسلام، وهي في مجموع الفتاوى 12/ 376، مقالات الإسلاميين 2/ 257 – 258.
589 – ظ، خ، ط: “لَمخلوق”.
590 – هذا قول طائفة من الكلابية والأشعرية فبعد أن أثبتوا لله تعالى الكلام النفسي وقالوا: إن هذا القرآن ليس هو كلام الله ولا يوصف الله أنه تكلم به قيل لهم: فمن أنشأ هذه الألفاظ إن لم تكن من الله تعالى؟ فقالوا: محمد هو الذي أنشأها، فالمعنى من الله والألفاظ من محمد – صلى الله عليه وسلم -.
انظر الكيلانية لشيخ الإسلام وهي في مجموع الفتاوى 12/ 364، وقاعدة في القرآن وكلام الله وهي في مجموع الفتاوى 12/ 35، المواقف للإيجي ص 293، الإرشاد للجويني ص 130.
591 – هذا قول طائفة أخرى من الكلابية والأشعرية: أن الله تعالى لم يتكلم بالقرآن ولكن جبريل عليه السلام أدرك المعنى الذي في نفس الله فأنشأ هذه الألفاظ والآيات وعلمها محمدًا – صلى الله عليه وسلم -، قال الباقلاني في كتابه “الإنصاف”: إن النظم العربي الذي هو قراءة كلام الله تعالى إنما هو قول جبريل عليه السلام. وتابعه الجويني فقال في كتابه “الإرشاد”: إن جبريل صلوات الله عليه أدرك كلام الله تعالى وهو في مقامه فوق سبع سماوات ثم نزل إلى الأرض فأفهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – ما فهمه عند سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام” أ. هـ، الإنصاف ص 97، الإرشاد ص 130، وانظر الكيلانية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 12/ 364، وقاعدة في القرآن وكلام الله لشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 12/ 35، ومختصر الصواعق لابن القيم رحمه الله ص 419.
(1/197)
592 – وتكَايَسَتْ أخْرَى وقَالَتْ إنَّهُ … نَقْلٌ مِنَ اللَّوحِ الرَّفِيعِ الشَّانِ
593 – فاللَّوحُ مَبداه وربُّ اللَّوحِ قَدْ … أنشَاهُ خَلْقًا فِيه ذَا حِدْثانِ
594 – هَذِي مقَالَاتٌ لهُمْ فانظرْ تَرَى … فِي كُتْبِهِمْ يَا مَنْ لَهُ عَيْنَانِ
595 – لَكِنَّ أهْلَ الحَقِّ قَالُوا إنَّمَا … جِبْرِيلُ بلَّغَهُ عَنِ الرَّحْمنِ
596 – أَلْقَاهُ مَسْمُوعًا لَهُ مِنْ رَبِّهِ … لِلصَّادِقِ المصْدُوقِ بالبُرْهَانِ
* * *
__________
592 – هذا قول طائفة ثالثة من الكلابية والأشعرية: أن الله تعالى لم يتكلم بالقرآن ولكنه خلق الألفاظ وأنشأها في كتابه في اللوح المحفوظ كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} [البروج: 21، 22] ثم إن جبريل عليه السلام يأخذه من اللوح المحفوظ وينزل به على النبي – صلى الله عليه وسلم – ويتلوه عليه فاللوح هو مبدأ إنزاله وليس منزلًا من عند الله تعالى.
انظر الكيلانية لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 12/ 364، وقاعدة في القرآن وكلام الله في الفتاوى 12/ 35، مختصر الصواعق ص 419، لوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/ 168 [موقف ابن تيمية من الإشاعرة 4/ 1329].
593 – ط: “مبدؤه”.
س: “ربّ العرش”.
594 – أصله: “تَرَ” لكونه جوابًا للطلب، لكنه أجرى المعتلّ مجرى الصحيح للضرورة، وهو لغة أيضًا. وانظر ما سبق في البيت 246 (ص).
596 – هذا بيان لمذهب أهل الحق وهو أن الله تعالى تكلم بالقرآن ألفاظًا ومعاني وسمعه جبريل فبلغه إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا نقله من اللوح المحفوظ ولا هو من صنع ألفاظه كما يزعم أهل البدع، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} [الشعراء: 192 – 195].
(1/198)
فصلٌ في مجامعِ طُرُقِ أهلِ الأرضِ واختلافِهم في القرآنِ
597 – وإذَا أرَدْتَ مَجَامِعَ الطُّرُقِ الَّتِي … فِيهَا افتِرَاقُ النَّاسِ فِي القُرآنِ
598 – فمَدارُهَا أصْلَانِ قَامَ عَلَيْهمَا … هَذَا الخِلَافُ هُمَا لَهُ رُكنَانِ
599 – هَلْ قوْلُهُ بمشيِئةٍ أمْ لَا وَهَلْ … فِي ذَاتِهِ أمْ خَارجٌ هَذَانِ
600 – أصْلا اختِلَافِ جَمِيع أهْلِ الأرْضِ فِي الْـ … ـقُرآنِ فَاطْلُبْ مُقْتَضَى الْبُرهَانِ
601 – ثُمَّ الأُلَى قَالُوا بِغيرِ مَشِيئَةٍ … وإرادَةٍ مِنهُ فطَائِفَتَانِ
602 – إحْدَاهُمَا جَعَلَتْهُ مَعْنَىً قَائِمًا … بالنَّفْسِ أو قَالُوا بِخَمْسِ مَعَانِ
603 – واللَّهُ أحدَثَ هَذِه الألفَاظَ كَيْ … تُبدِيهِ معْقُولًا إلَى الأذْهَانِ
604 – وَلذَاكَ قَالُوا إنَّهَا لَيْسَتْ هِي الْـ … ـقُرآنَ بَلْ دَلَّتْ عَلَى القُرْآنِ
__________
597 – هنا حاشية في ب: “تحقيق القول في بحث الكلام”.
599 – د، س: “أو لا”.
600 – د، ط: “أصل اختلاف” ف: “أصلا خلاف”.
602 – “خمس معان “: انظر ما سبق في البيت 586.
– يعني: الأشاعرة والكلابية. وقد جعلت الأشاعرة كلام الله معنى واحدًا قائمًا بنفسه والكلابية جعلته خمسة معان وهو الكلام النفسي على ما هو معروف من مذهبهم وقد تقدم في الفصل الماضي تفصيل قول الأشاعرة والكلابية في الكلام، [البيت: 563 وما بعده].
604 – ب، د، ط: “وكذاك قالوا”.
كذا ورد البيت على الصواب في الأصل وطه. وفي غيرهما: “بل مخلوقة” وفي حاشية الأصل أيضًا كتبت هذه الزيادة. وضرب عليها في نسخة ظ، لأنها سبب لاختلال وزن البيت. (ص).
(1/199)
605 – ولَرُبَّما سُمِّي بِهَا القُرْآنُ تَسْـ … ـمِيَةَ المَجازِ وذَاكَ وَضعٌ ثَانِ
606 – ولذَلِكَ اخْتَلفُوا فقيلَ حِكَايةٌ … عَنْهُ وقِيلَ عِبَارةٌ لِبَيَانِ
607 – إذْ كَانَ ما يُحْكَى كمَحْكِيٍّ وهَـ … ـذَا اللفْظُ والمعْنَى فمُخْتَلِفَانِ
608 – ولذَا يُقَالُ حَكَى الحَدِيثَ بعَيْنهِ … إذْ كَانَ أوّلُهُ نظيرَ الثَّانِي
609 – فَلِذَاكَ قَالُوا لَا نَقُولُ حِكَايَةٌ … ونَقُولُ ذَاكَ عِبَارَةُ الفُرْقَانِ
610 – والآخَرُونَ يَرَوْنَ هَذَا البَحْثَ لفْـ … ـظِيًّا ومَا فِيهِ كَبيرُ مَعَانِ
* * *
__________
605 – قالوا: إن إطلاق اسم القرآن على الألفاظ هو من باب المجاز وهو وضع ثان، والوضع الأول هو إطلاق القرآن على المعنى القائم بنفس الرب تعالى وهو وضع حقيقي. انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام 12/ 35.
606 – “ولذلك”: كذا في الأصل، ف، ظ. وفي غيرها: “وكذلك”.
607 – هذا توجيه من الأشاعرة لقولهم: إن ألفاظ القرآن عبارة عن كلام الله، وردّ منهم على الكلابية في قولهم إنه حكاية عن كلام الله. فيقول الأشاعرة: لا يصح أن نقول إن ألفاظ القرآن حكاية عن كلام الله لأن حكاية الشيء لا بد أن تكون عين المحكي تمامًا، كما تقول: حكيت الحديث بعينه أي: نقلت نص الحديث دون تغيير أو تقديم أو تأخير، ولكن نقول: الألفاظ عبارة عن كلام الله. انظر مختصر الصواعق 2/ 475، مقالات الإسلاميين 2/ 268، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 12/ 552.
(1/200)
فصلٌ في مَذْهبِ الاقْترانِيَّةِ
611 – والفِرْقَةُ الأخْرَى فَقَالَتْ إِنَّهُ … لفظٌ ومَعْنىً لَيْسَ ينْفَصِلَانِ
612 – واللَّفْظُ كالمعْنَى قَدِيمٌ قَائِمٌ … بالنفْسِ لَيْسَ بقَابِل الحِدْثَانِ
613 – فالسِّينُ عِنْدَ البَاءِ لَا مشبُوقةٌ … لكنْ هُمَا حَرْفَانِ مقْتَرِنانِ
614 – والقَائلُونَ بذَا يقُولُوا إنَّمَا … تَرْتِيبُهَا في السَّمْعِ بالآذَانِ
__________
611 – الاقترانية: هم السالمية، أتباع أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سالم ت 297 هـ وابنه أبي الحسن أحمد بن محمد ت 350 هـ. وأبو عبد الله من أصحاب سهل بن عبد الله التستري. ويجمع السالمية في مذهبهم بين كلام أهل السنة وكلام المعتزلة مع ميل إلى التشبيه ونزعة صوفية اتحادية، وسموا بالاقترانية نسبة إلى مذهبهم الذي يقول باقتران الحروف.
انظر شذرات الذهب 3/ 36، طبقات الصوفية ص 414 – 416، الطبقات الكبرى للشعراني ص 99 – 100، مجموع الفتاوى 12/ 319 – 320.
– أي: من القائلين بأن الكلام لا يتعلق بالمشيئة هم: الاقترانية ومذهبهم أن حروف القرآن قد اقترن بعضها ببعض في الأزل، فليس لأحدها تقدم بالزمان على غيره، إذ لا يوجد قبل وبعد في الأزل. والقرآن ألفاظ ومعان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وكل من اللفظ والمعنى قديم قائم بذاته تعالى لا يقبل الحدوث، وقالوا: إن الألفاظ وجدت مقترنة مجتمعة فالسين من بسم الله تكون عند الباء لا تقدم بين الحرفين ولا تأخر، وإنما يقع الترتيب عند السمع بالآذان، وجمهور العقلاء يقولون: تصور هذا المذهب كافٍ في الجزم ببطلانه.
مجموع الفتاوى 12/ 319 – 321، مختصر الصواعق 2/ 476.
613 – ظ: “مقتربان”: بالباء الموحدة. وانظر البيت 849.
614 – الأصل: “يقولون” بإثبات النون، لكنه حذفها لضرورة الشعر.
– ح، طت، طه: “بالسمع”.
(1/201)
615 – ولَها اقتِرَانٌ ثَابِتٌ لِذَوَاتِهَا … فاعْجَبْ لِذَا التَّخْلِيط والهَذَيَانِ
616 – لكِنَّ زَاغُونِيَّهُمْ قَدْ قَالَ إنّ … م ذَوَاتِهَا وَوُجُودَهَا غَيْرانِ
617 – فترتَّبتْ بوُجودِهَا لَا ذَاتِهَا … يا لَلْعُقُولِ وزيْغةِ الأذْهَانِ
618 – لَيْسَ الوُجودُ سِوى حَقِيقَتِهَا لدى الْـ … أَذْهَانِ بَلْ فِي هَذِهِ الأعْيَانِ
__________
616 – ابن الزاغوني: أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السري ابن الزاغوني البغدادي ت 527 هـ شيخ الحنابلة ذو الفنون. سمع من أبي جعفر بن المسلمة وعبدالصمد بن المأمون وغيرهما، وحدّث عنه السلفي وابن ناصر وابن عساكر وابن الجوزي وغيرهم. له مصنفات منها الإقناع والواضح وغيرهما. سير أعلام النبلاء 19/ 605، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 180، المنتظم لابن الجوزي 10/ 32، الأعلام 4/ 31.
617 – يزعم ابن الزاغوني أن الحروف مقترنة بذواتها لكنها مترتبة بوجودها، لأن الله تعالى -في زعمه- لا يقوم بذاته ما يتعلق بمشيئته وقدرته، وتفريقه بين اقتران ذواتها وترتب وجودها باطل ولا يعقل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلام له: “وابن الزاغوني وأبو الحسين البصري .. ونحو هؤلاء من أعيان الفضلاء المصنفين تجد أحدهم يذكر في مسألة القرآن أو نحوها عدة أقوال للأمة ويختار واحدًا منها. والقول الثابت عن السلف والأئمة كالإمام أحمد ونحوه من الأئمة لا يذكره الواحد منهم” درء التعارض 2/ 307. وذكر في موضع آخر أن ابن الزاغوني وافق قول النفاة من أصحاب ابن كلاب وأمثالهم، درء التعارض 2/ 8، وانظر منهاج السنة 2/ 640.
وقال الذهبي رحمه الله في ترجمة ابن الزاغوني: “ورأيت لأبي الحسن بخطه مقالة في الحرف والصوت عليه فيها مآخذ، والله يغفر له فيا ليته سكت” سير أعلام النبلاء 19/ 607 وقد أجاب الناظم عن قول ابن الزاغوني فيما يأتي من أبيات.
618 – “لدى”: كذا في الأصل وف مضبوطًا بفتح الدال. وكتب في الأصل بالألف “لدا”. وفي غيرهما: “لذي”. =
(1/202)
619 – لَكِنْ إِذَا أَخَذَ الحقيقَةَ خَارجًا … ووجودَهَا ذِهْنًا فمُخْتَلِفَانِ
620 – والعكْسُ أيضًا مِثْلُ ذَا فَإِذَا هُمَا اتَّـ … ـحَدَا اعتبَارًا لمْ يَكُنْ شَيْئَانِ
621 – وبذا تزُولُ جَمِيعُ إشْكَالَاتِهم … فِي ذَاتِهِ ووجُودِهِ الرَّحْمنِ
* * *
فصلٌ في مذاهبِ القائلينَ بأنَّهُ متعلِّقٌ بالمشيئةِ والإرادةِ (1)
622 – وَالقَائِلُونَ بأنَّهُ بِمَشِيئَةٍ … وإِرَادَةٍ أيضًا فَهُمْ صِنْفَانِ
__________
= – هذا شروع من الناظم -رحمه الله- في الردّ على قول ابن الزاغوني فبيّن أنّ ذات الشيء وحقيقته شيء واحد، ولا فرق بين هذه الحقائق سواء قدرت في الأعيان أو في الأذهان، فإذا اقتضت الذات ترتيبًا وتعاقبًا في أحد الوجودين فهي كذلك في الوجود الآخر. انظر درء التعارض 4/ 127 – 131.
620 – يذكر الناظم -رحمه الله- أنه يمكن القول بأن الوجود الخارجي للحقيقة غير وجودها في الذهن، فتكون الحقيقة مغايرة لنفسها بالاعتبار. وكذلك يمكن العكس، فيقال: الوجود الذهني مغاير للوجود الخارجي، ولكن هذا لا يعني أن الذات يمكن أن تنفصل عن الوجود، أما إذا أخذت الحقيقة مجردة عن اعتبارات الخارج والذهن المترتبة على اختلاف الوجود فهي شيء واحد حينئذ لا شيئان.
انظر درء التعارض 4/ 126 – 127.
621 – “تزول”: كذا في ف بالتاء، ولم ينقط الحرف في الأصل. وفي غيرهما: “يزول” وكلاهما صحيح (ص).
– لفظ “الرحمن” بدل من الضمير في “وجوده”، كما في قول الفرزدق:
على حالةٍ لو أنّ في القوم حاتمًا … على جوده ما جاد بالماء حاتمِ
قال الجوهري: “وإنّما خفضه على البدل من الهاء في جوده” (الصحاح – حتم) (ص).
(1) في الأصل بعد “الإرادة” كلمات لم تظهر في الصورة.
(1/203)
623 – إحْدَاهمَا جَعَلَتْه خارجَ ذاتِه … كَمشيئةٍ لِلْخلق والأَكْوَانِ
624 – قَالُوا: وصارَ كَلَامُهُ بإضافَةِ التَّـ … ـشْرِيفِ مثلَ البيتِ ذِي الأرْكَانِ
625 – مَا قَالَ عندَهُمُ وَلَا هُوَ قائِلٌ … والقولُ لم يُسْمَعْ منَ الدَّيَّانِ
626 – فالقولُ مفعُولٌ لديْهم قائِمٌ … بالغَيْر كالأعرَاضِ والألوانِ
627 – هَذِي مقالةُ كلِّ جَهْمِيٍّ وهُمْ … فِيهَا الشُّيوخُ مُعلِّمو الصِّبْيانِ
628 – لَكِنَّ أَهْلَ الاعتِزَالِ قَديِمَهُمْ … لَمْ يذهَبُوا ذَا المذهَبَ الشَّيْطَانِي
629 – وَهُمُ الألُى اعْتزَلوا عنِ الحسَنِ الرِّضَا الْـ … ـبَصْرِيِّ ذَاكَ العالِمِ الربَّانِي
__________
623 – قالت الجهمية ومتأخرو المعتزلة: القرآن مخلوق خلقه الله كما خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات، ومعنى كون الله متكلمًا أنّه خالق للكلام. مجموع الفتاوى 6/ 184، 12/ 34، مختصر الصواعق 473، إعجاز القرآن لعبد الجبار الهمذاني (المعتزلي) ص 179، المغني في أبواب العدل والتوحيد لعبد الجبار 7/ 94، شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار ص 529، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص 113، مقالات الإسلاميين 1/ 268.
626 – الأعراض: تقدم تعريفه في التعليق على البيت 90.
– ح، ط: “والأكوان”.
– يزعم هؤلاء أن القرآن عرض مفعول، ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة، لأنهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلًا لله. وزعموا أنّ القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه. إن سمع من شجرة فهو فعل لها، وحيثما سمع فهو فعل للمحل الذي حل فيه. المراجع السابقة في البيت 623.
628 – قدماء المعتزلة مثل واصل بن عطاء البصري ت 130 هـ وعمرو بن عبيد بن ثوبان التيمي ت 144 هـ لم يبتدعوا القول بخلق القرآن بل كانوا موافقين لأهل السنة في أن القرآن منزل غير مخلوق مع مخالفتهم لأهل السنة في أصول أخرى كحكم مرتكب الكبيرة. الملل والنحل 1/ 40 – 43.
629 – “عن” سقطت من ح.
الحسن البصري: الحسن بن يسار البصري أبو سعيد ت 110 هـ تابعي شيخ أهل البصرة وسيد أهل زمانه علمًا وعملًا. كان من الشجعان الفصحاء =
(1/204)
630 – وَكَذَاكَ أتْبَاعٌ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ … مِنْ قَبْلِ جَهْمٍ صَاحِبِ الحِدْثَانِ
631 – لكنَّمَا متأخِّرُوهُمْ بعد ذَ … لكَ وافَقُوا جَهْمًا عَلَى الكُفْرَانِ
632 – فهُمُ بذَا جَهْمِيَّةٌ أَهْلُ اعْتِزَا … لٍ ثَوبُهُمْ أضْحَى لَه عَلَمَانِ
__________
= النساك القضاة، روى عن عمران بن حصين والمغيرة بن شعبة وخلق من الصحابة. وروى عنه ابن عون وحميد الطويل ومالك بن دينار وغيرهم. له كتاب في التفسير وفي فضائل مكة.
سير أعلام النبلاء 4/ 563، الفهرست 202، طبقات ابن سعد 7/ 156، أخبار القضاة للقاضي وكيع ج 2/ 3، الأعلام 2/ 226.
– يشير المصنف إلى ما وقع من واصل بن عطاء لما كان في مجلس الحسن البصري رحمه الله. فجاء رجل ووقف على الحسن وسأله عن حكم مرتكب الكبيرة وهل هو مؤمن أو كافر -لأن الخوارج كانوا يكفرونه ويحكمون بخلوده في النار والمرجئة كانوا يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية- وقبل أن يجيب الحسن قال واصل بن عطاء: أنا لا أسميه مؤمنًا ولا كافرًا ولكنه في منزلة بين المنزلتين وأسميه فاسقًا وأقول بخلوده في النار. ثم اعتزل حلقة الحسن ومعه عمرو بن عبيد وأخذ يقرر مذهبه، فقال الحسن: اعتزلنا واصل، وقيل: إن القصة لعمرو بن عبيد، ووردت روايات أخرى في سبب تسميتهم بالمعتزلة. الملل والنحل 1/ 42، الفرق بين الفرق ص 41، التبصير في الدين ص 62، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 37، خطط المقريزي 2/ 346.
630 – ف: “أتباع لهم”. وفي حاشية الأصل أيضًا: “لهم”، وهي زيادة لا يستقيم معها وزن البيت (ص).
632 – العَلَم: رسم الثوب ورقمه، القاموس 1472، المتأخرون من المعتزلة – الذين جاؤوا بعد إظهار الجهم بدعة نفي الصفات وغيرها – من أمثال أبي الهذيل العلاف ت 226 هـ وقيل 235 هـ، وعمرو بن بحر الجاحظ ت 255 هـ، وإبراهيم بن سيار النظام ت 231 هـ جمعوا بين الاعتزال الذي ابتدعه واصل بن عطاء وبين التعطيل ونفي صفات الله من الكلام وغيره الذي ابتدعه الجهم، فصاروا كما قال الناظم: جهمية أهل اعتزال.
(1/205)
633 – ولقد تقلَّد كفرَهُم خَمْسُونَ فِي … عَشْرٍ مِنَ العُلَماءِ في البُلْدَانِ
634 – واللالَكَائِيُّ الإمامُ حَكَاهُ عَنْـ …. ـهُم بَلْ حَكَاهُ قبلَهُ الطَّبَرانِي
* * *
__________
= انظر الملل والنحل 1/ 44 – 53، 65 – 66، الفرق بين الفرق ص 138 – 165، 187 – 190، التبصير في الدين 64، 74، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 40، 41.
634 – اللالكائي: أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي الشافعي اللالكائي ت 418 هـ سمع عيسى بن علي الوزير وأبا طاهر المخلص وجماعة. وروى عنه أبو بكر الخطيب وابنه محمد وجماعة، من مصنفاته: شرح عقيدة أهل السنة، وكرامات الأولياء وغيرهما.
تاريخ بغداد 14/ 70، سير أعلام النبلاء 17/ 419، الأعلام 8/ 71.
– قال الإمام الحافظ أبو القاسم اللالكائي -رحمه الله- بعدما ذكر أقوال السلف والأئمة بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وما ورد عنهم من تكفير من يقول ذلك: “فهؤلاء خمس مائة وخمسون نفسًا أو أكثر من التابعين وأتباع التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة الخيرين على اختلاف الأعصار ومضي السنين والأعوام”. ثم قال: “ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه” شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 312.
الطبرانى: أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني حافظ عصره رحل في طلب الحديث وأقام في الرحلة 33 سنة وسمع الكثير، له مصنفات منها المعاجم الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، ت 360 هـ وله 100 سنة. وفيات الأعيان 2/ 407، تذكرة الحفاظ 3/ 912، سير أعلام النبلاء 16/ 119.
لم أقف على كلام الطبراني، والأقرب أنه ذكره في كتابه “السنة”، وقد ذكر له هذا الكتاب: الذهبي في سير أعلام النبلاء 16/ 128 وقال إنه في مجلد. وأحال عليه الناظم في البيت 1441. وقد نقل عنه أيضًا في كتابه عدة الصابرين: 238 (موارد ابن القيم ط المعارف: 58) ولم أقف على من أشار إلى وجوده مخطوطًا أو مطبوعًا.
(1/206)
فصلٌ في مذهب الكَرَّامِيَّةِ (1)
635 – والقَائِلونَ بأنَّهُ بمشِيئَةٍ … فِي ذَاتِه أيضًا فَهُمْ نَوعَانِ
636 – إحْدَاهُمَا جَعَلَتْهُ مبدُوءًا بِهِ … نَوعًا حِذَارَ تسَلْسُلِ الأعْيَانِ
637 – فَيَسُدُّ ذَاكَ عَلَيهمُ فِي زَعْمِهِم … إِثبَاتَ خَالِق هَذِهِ الأكْوَانِ
638 – فَلِذَاكَ قَالوا إنَّهُ ذُو أوّلٍ … ما لِلفَنَاءِ علَيهِ منْ سُلْطانِ
__________
(1) الكرامية: أتباع محمد بن كرام السجستاني، ت 255 هـ وهم يوافقون السلف في إثبات الصفات ولكنهم يبالغون في ذلك إلى حد التشبيه والتجسيم. وكذلك يوافقون السلف في إثبات القدر والقول بالحكمة ولكنهم يوافقون المعتزلة في وجوب معرفة الله تعالى بالعقل وفي الحسن والقبح العقليين. وهم يعدون من المرجئة لقولهم: بأن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب. الفرق بين الفرق 227 – 236، التبصير في الدين 100 – 106، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين 87 – 88، الفصل لابن حزم 5/ 74 – 75.
636 – مذهب الكرامية أن كلام الله تعالى متعلق بالمشيئة والقدرة قائم بذات الرب تعالى، وهو حروف وأصوات مسموعة حادث بعد أن لم يكن. فأثبتوا كلامًا وفعلًا حقيقة قائمين بذات المتكلم الفاعل وجعلوا لهما أولًا، فرارًا من القول بحوادث لا أول لها، لأنهم إن قالوا بحوادث لا أول لها بطل دليلهم الذي استدلوا به لإثبات الصانع وهو دليل الأعراض المشهور بين المتكلمين. وقد تقدم شرح هذا الدليل في حاشية البيت 169. وسيأتي تعريف التسلسل والكلام عليه في البيت 956 وما بعده.
مختصر الصواعق 475، الفصل لابن حزم 5/ 75، الفرق بين الفرق ص 230، التبصير في الدين ص 100 – 101، شرح العقيدة الطحاوية 1/ 173.
638 – قوله: “إنه” يعني الكلام، بل الفعل عامة، وسيرد الناظم على قولهم: بأن الفعل له مبدأ في ذاته، في الأبيات: 876 وما بعده.
– هذا البيت سقط من “ف”.
(1/207)
639 – وكلَامُهُ كفِعَالِهِ وكلَاهُمَا … ذُو مبدأ بلْ ليسَ يَنتَهِيَان
640 – قَالُوا وَلَم يُنْصِفْ خُصُومٌ جَعْجَعُوا … وأَتَوْا بتَشْنِيعٍ بِلَا بُرهَانِ
641 – قُلْنَا كَمَا قَالُوهُ في أفعَالِهِ … بَلْ بَينَنَا بَونٌ مِنَ الفُرقَانِ
__________
639 – جعل الكرامية لكلام الله تعالى نوعًا وآحادًا ابتداء وأولًا في ذاته قالوا: لامتناع حوادث لا أول لها فيمتنع أنه كان في الأزل متكلمًا بمشيئته وقدرته بل صار يتكلم بمشيئته وقدرته كما صار يفعل بمشيئته وقدرته وهو مع وجود أول يستحيل عليه الفناء والزوال، لأن الحوادث كالكلام والفعل لو قامت به ثم زالت عنه كان قابلًا لحدوثها وزوالها وإذا كان قابلًا لذلك لم يخل منها وما لم يخل من الحوادث فهو حادث، وإنما يقبل الصانع على زعمهم أن تقوم به الحوادث فقط، بخلاف غيرهم من أهل الكلام فإنهم قالوا: إن الكلام والفعل له أول ولكنه ليس قائمًا بذاته، وسيأتي تفصيل قول أهل الكلام والتفريق بين قولهم وقول الكرامية فيما يأتي من أبيات.
انظر الفرقان بين الحق والباطل لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو في مجموع الفتاوى 13/ 154 – 155، المراجع السابقة.
640 – ” قالوا”: أي: الكرامية.
“خصوم”: يعني: خصومهم من أهل الكلام.
الجعجعة: صوت الرحى ونحوها، وفي المثل: “أسمع جعجعةً ولا أرى طِحنًا”، يضرب للرجل الذي يكثر الكلام ولا يعمل وللذي يعد ولا يفعل، وجعجع به: أزعجه. اللسان 8/ 51.
التشنيع: التقبيح، وشنع عليه الأمر: قبحه. اللسان 8/ 187.
641 – البون: مسافة ما بين الشيئين. والفرقان: يعني الفرق.
– قالت الكرامية: إن من خالفنا وشنع علينا من المتكلمين لم ينصفوا فإننا قلنا بحدوث كلامه في ذاته كما قالوا هم بحدوث أفعاله. ويلزمهم في الفعل ما ألزمونا في الكلام أن الله كان معطلًا في الأزل، بل نحن أقرب منهم إلى الحق لأننا جعلنا الكلام والفعل صفتين قائمتين بذاته، أما هم فعطلوه عن قوله وفعله وقالوا: إنهما مخلوقان، ولا شك أن تعطيل القول والفعل شر=
(1/208)
642 – بَلْ نَحْنُ أسْعَدُ مِنْهُمُ بِالحقِّ إذْ … قلْنَا هُمَا باللَّهِ قَائِمَتَانِ
643 – وهُمُ فَقَالُوا لَم يَقُمْ بالله لَا … فِعْلٌ ولا قَوْلٌ فتعْطِيلانِ
644 – لِفَعَالِهِ ومَقَالِهِ شَرٌّ وأبـ … ـطَلُ مِنْ حُلُولِ حَوَادثٍ بِبَيَانِ
645 – تَعْطِيلُهُ عَنْ فِعْلِهِ وَكَلَامِهِ … شَرٌّ مِنَ التشْنِيعِ بالهذَيَانِ
646 – هَذِي مقالاتُ ابْنِ كرَّامٍ ومَا … رَدُّوا عَلَيهِ قَطُّ بالبرهَانِ
647 – أنَّى وَمَا قَدْ قَالَ أَقْربُ مِنْهُمُ … لِلْعَقْلِ والآثارِ والقُرآنِ
648 – لَكِنَّهُم جَاؤوا لَهُ بجَعَاجعٍ … وفرَاقِعٍ وقَعَاقِعٍ بشِنانِ
* * *
__________
= من القول بحلول الحوادث في ذاته. انظر مختصر الصواعق 2/ 475، الفرقان بين الحق والباطل لشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 13/ 154، الأربعين للرازي ص 168 – 174.
647 – يعني: يبعد أن يتغلب أهل الكلام بحجتهم على الكرامية، وما قالته الكرامية -مع فساده- أقرب إلى الحق من قول الأشاعرة وغيرهم وأكثر موافقة للعقل (لأنه لا يعقل متكلمًا ولا فاعلًا إلا من قام به الفعل والكلام) وأكثر موافقة للآثار والقرآن لأن النصوص دلت على أن الكلام قائم بذات الرب متعلق بمشيئته وقدرته وهو حروف وأصوات مسموعة، وسيأتي في كلام الناظم عرض الأدلة على ذلك في البيت: 667 وما بعده.
648 – “أتوا بجعاجع”: يعني أتوا بالكلام المزعج الكثير غير المفيد، وقد سبقت في البيت 640.
الفرقعة: تنقيض الأصابع وهو غمزها حتى يسمع لمفاصلها صوت. وكل صوت بين شيئين يضربان يسمى: فرقعة. اللسان 8/ 251.
القعقعة: حكاية أصوات السلاح والجلود اليابسة والحجارة وغيرها. قعقعت الشيء وبه: حرَّكته. والشنان: جمع الشن، وهي القِربة البالية. وفي المثل: “فلان لا يقعقَع له بالشنان” أي لا يخدع ولا يروّع. وأصله من تحريك الجلد اليابس للبعير ليفزع. اللسان 8/ 286، 13/ 241.
(1/209)
فصلٌ في ذكرِ مذهبِ أهلِ الحديث
649 – والآخَرُونَ أُولُو الحدِيثِ كأحْمدٍ … ومُحَمَّدٍ وأئمةِ الإيمَانِ
650 – قَالُوا بأنَّ الله حَقًا لَم يَزَلْ … مُتكَلِّمًا بمشيئَةٍ وَبَيَانِ
651 – إن الكَلَامَ هُوَ الكَمَالُ فكيفَ يَخْـ … ـلُو عَنْهُ فِي أزَلٍ بِلَا إمْكَانِ؟
652 – وَيصِيرُ فِيمَا لَم يَزَلْ مُتكَلِّمًا … مَاذَا اقْتَضَاهُ لَهُ مِنَ الإمْكَانِ؟
653 – وتَعَاقُبُ الكَلِمَاتِ أمرٌ ثَابِتٌ … لِلذَّاتِ مثْلَ تَعَاقُبِ الأزْمَانِ
654 – واللهُ ربُّ العرشِ قالَ حقِيقَةً … “حم” مَعْ “طهَ” بغيرِ قِرَانِ
655 – بَلْ أحرُفٌ مترتِّبَاتٌ مثْلَمَا … قَدْ رُتِّبَتْ فِي مَسْمَعِ الإنسَانِ
656 – وَقْتَانِ فِي وَقْتٍ مُحَالٌ هَكَذَا … حَرْفَانِ أيضًا يُوجَدَا فِي آنِ
__________
649 – قوله: “أحمد ومحمد” يعني الإمام أحمد بن حنبل والإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمهما الله تعالى، وقد تقدم في كلام الناظم عرض مذهبهما. راجع البيت 569.
652 – يرد الناظم هنا على الكرامية القائلين بأن الكلام ذو أول في ذاته تعالى، فيقول رحمه الله: إن الله تعالى موصوف بصفة الكلام في الأزل، ولم تحدث له بعد أن كانت ممتنعة عليه، كما يقوله الكرامية، إذ لم يتجدد في ذاته سبحانه شيء يستدعي وجودها بعد عدمها. وقد تقدم بيان ذلك، وسيأتي الرد عليهم مفصلًا في البيت: 876 وما بعده.
653 – كما أن أجزاء الزمان لا توجد مجتمعة بل توجد على سبيل التعاقب آنًا بعد آن فكذلك الحروف التي هي أجزاء الكلمات لا يمكن النطق بها مجتمعة بحيث يكون النطق بالأول مع الثاني في آنٍ واحد بل لا بد من وجودها على سبيل التعاقب والتسلسل حرفًا بعد حرف.
وقد تقدم تفصيل مذهب الاقترانية في البيت: 611 وما بعده.
656 – “حرفان”: كان في الأصل: “لفظان”. فكتب فوقه: “حرفان” وفوقه: “صح =
(2/210)
657 – مِنْ وَاحِدٍ متكلِّمٍ بلْ يُوجَدَا … بالرَّسْمِ أو بتكلُّمِ الرجُلَانِ
658 – هَذَا هُوَ المعْقُولُ أما الاقْتِرا … نُ فليسَ معْقُولًا لدى الأَذهَانِ
659 – وَكَذَا كَلَامٌ مِنْ سِوى مُتكلِّمٍ … أيضًا مُحَالٌ ليسَ في إمْكَانِ
660 – إلا لِمَنْ قَامَ الكَلَامُ بِهِ فَذَا … كَ كَلَامُه المعقُولُ للإنسان
661 – أيكونُ حَيٌّ سامعًا أو مُبْصِرًا … من غيرِ مَا سَمْعٍ وغَيرِ عِيَانِ
__________
= نسخة الشيخ “. يعني النسخة المقروءة على المؤلف (ص).
– كذا “يوجدا” في هذا البيت والبيت التالي، بحذف نون الرفع للضرورة. (ص).
-أي: كما أنه محال أن يجتمع وقتان في وقت واحد، فكذلك محال أن يجتمع حرفان في آن واحد من متكلم واحد، ولا يمكن أن يوجد حرفان في آن واحد إلا بالرسم أو من متكلمين يتكلمان بحرفين في آن واحد.
657 – “بالرسم”: أي: بالكتابة.
“بتكلم الرجلان “: على لغة من يلزم المثنى الألف دائمًا رفعًا ونصبًا وجرًّا، وإلاّ كان حقه أن يقول: “بتكلم الرجلين”. انظر ما سبق في حاشية البيت 200.
658 – هذا في ف، ظ. وفي غيرهما: “لذي الأذهان”.
659 – يرد الناظم -رحمه الله- هنا على الجهمية والمعتزلة القائلين بأن معنى كونه متكلمًا أنه خلق الكلام في غيره فيسمونه متكلمًا بلا كلام قائم به بل بكلام قائم بغيره.
وقد تقدم تفصيل مذهبهم في الكلام في البيت: 623 وما بعده، وسيأتي في كلام الناظم بيان ما يلزم هؤلاء على قولهم من لوازم تقدح في أصل الشريعة. انظر البيت: 694 وما بعده.
660 – كان في الأصل: “في الأذهان ” وكذا في سائر النسخ، ولكن كتب بإزائه في الحاشية: “للإنسان”، وفوقه: “نسخة الشيخ”، وتحته: “صح”.
661 – ح، ط: “حيًّا”.
– يعني رحمه الله أنه لا يعقل أن يوصف الشيء بصفة لم تقم به، فلا يقال: هذا سامع ومبصر، والسمع والبصر مفقودان منه. وقد تقدم تفصيل شيء من مذهب الجهمية والمعتزلة في صفات الله تعالى، في البيت: 40 وما بعده.
(2/211)
662 – والسَّمعُ والإبْصارُ قَامَ بغيرِهِ … هذا المُحَالُ وواضحُ البُهْتَانِ
663 – وكَذا مريدٌ والإرَادَةُ لَم تَكنْ … وصْفًا لهُ هذَا من الهَذَيَانِ
664 – وَكذَا قدِيرٌ ما لَهُ من قُدرةٍ … قامتْ بِهِ منْ واضحِ البُطْلَانِ
665 – واللهُ جَلَّ جلالُه متكلِّمٌ … بالنَّقلِ والمعقُولِ والبرهَانِ
666 – قد أجمعَتْ رُسُلُ الإله عَلَيه لَم … يُنكِره من أتْبَاعِهِم رَجُلَانِ
667 – فكلامُهُ حقًا يَقُوم بِهِ وإلّا … م لَم يَكُنْ مُتكلِّمًا بقُرَانِ
668 – واللهُ قَالَ وقَائِلٌ وكذا يقُو … لُ الحَقَّ ليسَ كَلامُهُ بالفَانِي
__________
662 – ح، ط: “أوضح”.
665 – كلام الله تعالى ثابت بالإجماع أيضًا كما ذكر الناظم ذلك في البيت الذي بعده.
668 – كلام المخلوق ينفد وينتهي. أما كلام الله تعالى فلا يفنى ولا ينتهي ولا ينفد، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)} [لقمان: 27]، وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} [الكهف: 109]. قال ابن القيم رحمه الله: “معنى هذا أنه لو فرض البحر مدادًا، وبعده سبعة أبحر تمده كلها مدادًا، وجميع أشجار الأرض أقلامًا، وهو ما قام منها على ساق من النبات والأشجار المثمرة وغير المثمرة، وتستمد بذلك المداد، لفنيت البحار والأقلام، وكلمات الرب لا تفنى ولا تنفد. فسبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته. فأين هذا من وصف من يصفه بأنه ما تكلم ولا يتكلم ولا يقوم به كلام أصلًا، وقول من وصف كلامه بأنه معنى واحد لا ينقضي، ولا يتجزأ، ولا له بعض ولا كل، ولا هو سور وآيات ولا حروف وكلمات” المنار المنيف ص 37 – 38، ومعنى قوله تعالى: {كَلِمَاتُ اللهِ} كلماته الدالة على عظمته وصفاته وجلاله. انظر تفسير ابن كثير 3/ 451، تفسير الطبري م 11/ ج 21/ ص 80، الدر المنثور للسيوطي 5/ 322.
(2/212)
669 – ويُكلِّمُ الثَّقَلَينِ يومَ معَادِهِم … حَقًّا فيَسمعُ قولَهُ الثَّقَلَانِ
670 – وكذا يكلِّمُ حِزْبَهُ فِي جَنَّةِ الْـ … ـحَيَوانِ بالتسليمِ والرِّضوان
671 – وَكَذَا يكلِّمُ رُسْلَهُ يومَ اللِّقَا … حقًا فيسألُهُم عن التِّبْيَانِ
672 – ويُراجِعُ التكليمَ جلَّ جلَالُه … وقتَ الجِدَالِ لَهُ من الإنسَانِ
__________
669 – يدل عليه قوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)} [الأنعام: 130]، وحديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وفيه: “إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب” الحديث تقدم تخريجه في حاشية البيت 442 وأشار إليه الناظم في البيت 678.
670 – قوله: “بالتسليم” يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس: 55 – 58]، وانظر حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الذي سيذكره الناظم في البيتين 1743، 5462.
– قوله: “والرضوان” يدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربّنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك. فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربّ وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا”. متفق عليه. البخاري 11/ 415 فتح، كتاب الرقاق، باب 51 صفة الجنة والنار، ومسلم 17/ 168 نووي، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
671 – يدلّ عليه قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)} [المائدة: 109] وقوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)} [الأعراف: 6].
672 – يشير إلى ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند =
(2/213)
673 – ويُكلِّمُ الكُفَّارَ في العَرَصَاتِ تَوْ … بِيخًا وتَقْرِيعًا بلا غُفْرَانِ
674 – ويُكلِّمُ الكُفّارَ أيضًا في الجَحِيـ … ـمِ أَنِ اخْسَؤوا فِيهَا بكُلِّ هَوَانِ
675 – واللهُ قدْ نَادَى الكَليمَ وقَبلَهُ … سَمِعَ النِّدا في الجَنَّةِ الأَبَوَانِ
__________
= رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فضحك فقال: “هل تدرون ممَ أضحك؟ ” قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: “من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني قال: فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعدًا لكن وسحقًا فعنكن كنت أناضل” رواه مسلم ج 18/ 104 – 105 كتاب الزهد – نووي، وانظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 141 – 146 فقد ساق شيخ الإسلام جملة أحاديث فيها مخاطبة الله تعالى لعباده.
673 – العرصات: جمع عَرْصة وهي كل موضع واسع لا بناء فيه ويعني بها هنا أرض المحشر يوم القيامة. النهاية 3/ 208.
التوبيخ: اللوم والتهديد. والتقريع: التعنيف والتثريب. القاموس: 335، 969.
– يدل عليه قوله تعالى عن الكفار يوم القيامة: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)} [الأنعام: 30].
674 – يدلّ عليه قوله تعالى لأهل النار إذا طلبوا الخروج منها: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون: 108].
675 – تقدم سياق الآيات التي فيها نداء الله تعالى لموسى عليه السلام في التعليق على البيت: 418 وما بعده.
وقد نادى الله تعالى آدم وحواء عليهما السلام لما أكلا من الشجرة التي نهاهما عنها، قال تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22].
(2/214)
676 – وأتَى النِّدا في تِسعِ آياتٍ لَهُ … وَصْفًا فرَاجِعْهَا مِنَ القُرآنِ
677 – وكَذَا يُكلِّمُ جَبرَئيلَ بِأَمْرِهِ … حَتَّى ينفِّذَهُ بكلِّ مَكَانِ
__________
676 – بل في عشر آيات وهي:
قوله تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22].
وقوله: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)} [مريم: 52].
وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)} [القصص: 65].
وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)} [فصلت: 47].
وقوله: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} [الشعراء: 10].
وقوله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62)} [القصص: 62 , 74].
وقوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} [القصص: 46].
وقوله: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104 , 105].
وقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)} [النازعات: 15 , 16].
677 – دليله حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا أراد الله عز وجل أن يوحي بالأمر تكلّم بالوحي، أخذت السمواتِ منه رجفةٌ -أو قال: رعدة- شديدةٌ خوفَ الله، فإذا سمع بذلك أهل السموات صَعِقوا وخرُّوا لله سُجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبرائيل، فيكلِّمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمرّ جبرائيل على الملائكة، كلّما مرّ بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبرائيل؟ فيقول جبرائيل: قال الحق وهو العلي الكبير، قال: فيقولون كلّهم مثل ما قال جبرائيل، فينتهي جبرائيل بالوحي حيث أمره الله” رواه ابن خزيمة في التوحيد 1/ 348، وابن أبي عاصم في السنة 1/ 227، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة 1/ 236، وابن جرير في تفسيره مجلد 12/ج 22 / ص 91، والآجري في الشريعة، ص 294، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه 1/ 621، وابن أبي حاتم، كما في تفسير ابن كثير 3/ 537، والبيهقي في الأسماء والصفات 1/ 512/ ح 435، وأبو الشيخ في العظمة، 2/ 501/ح 162، والبغوي في تفسيره 5/ 290، من =
(2/215)
678 – واذكُرْ حدِيثًا في صَحيحِ محمَّدٍ … ذَاكَ البُخَارِيِّ العظيمِ الشَّانِ
679 – فِيهِ نِداءُ اللهِ يومَ معَادِنَا … بالصَّوتِ يبلغُ قَاصيًا والدَّانِي
__________
= طرق عن نعيم بن حماد به. ونعيم بن حماد هو ابن الحارث الخزاعي أبو عبد الله المروزي صدوق يخطئ كثيرًا، وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال: باقي أحاديثه مستقيمة، تهذيب التهذيب 10/ 458، تقريب التهذيب ص 359. وذكر أبو زرعة الرازي في تاريخه 1/ 621 أنه عرض هذا الحديث على عبد الرحمن بن إبراهيم -يعني: دحيمًا- فقال: لا أصل له، وقال ابن أبي حاتم، كما نقل عنه ابن كثير في التفسير 3/ 537 سمعت أبي يقول: ليس هذا الحديث بالتام عن الوليد بن مسلم.
وللحديث طريق آخر عن عمرو بن مالك الراسبي عن الوليد بن مسلم به. وعمرو بن مالك الراسبي هو أبو عثمان البصري ضعيف من العاشرة. ميزان الاعتدال 3/ 285، تهذيب التهذيب 8/ 95، تقريب التهذيب ص 262. وقد ضعف الحديث العلامة الألباني في تحقيقه لكتاب السنة لابن أبي عاصم 1/ 227 /ح 515. ولكن يشهد للحديث ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بلفظ قريب منه ج 8/ 380 فتح – كتاب التفسير- باب إلا من استرق السمع وما رواه مسلم عن ابن عباس عن رسول الله بلفظ قريب منه ج 14/ 225 نووي- كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان بالإضافة إلى أن ابن عدي تتبع أحاديث نعيم بن حماد التي أخطأ فيها ولا يوجد هذا الحديث في ضمنها مما يدل على أنه عنده صحيح لأنه قال بعد تتبعه: “وأرجو أن يكون باقي أحاديثه مستقيمة”، الكامل 7/ 2485، وبطريقي الحديث اللذين تقدما وبما يشهد له مما رواه الشيخان يرتقي الحديث إلى رتبة الحسن لغيره، والله تعالى أعلم.
679 – يشير إلى حديث جابر بن عبد الله عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنهما في حال الناس يوم القيامة. وفيه قوله: “ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب” الحديث تقدم سياقه والكلام عليه، في التعليق على البيت 442.
(2/216)
680 – هَبْ أنَّ هَذَا اللفظَ لَيْسَ بثَابِتٍ … بَلْ ذِكْرُهُ مَعَ حَذْفِهِ سِيَّانِ
681 – وَرَواهُ عِنْدَكُمُ البُخَارِيُّ المجَسَّـ … ـمُ بَلْ رَوَاهُ مجَسِّمٌ فوقَانِي
682 – أَيصِحُّ فِي عَقْلٍ وَفي نَقْلٍ نِدَا … ءٌ ليسَ مَسْمُوعًا لَنَا كأذَانِ
__________
680 – يعني: وإن لم تثبت لفظة “بصوت” الواردة في الحديث، فإن لفظ النداء يغني عنها فإن النداء لا يكون إلا صوتًا بدلالة العقل والنقل كما سيأتي بعد قليل، مع أن لفظة “صوت” قد ثبتت في أحاديث كثيرة ذكرت جملة منها في مختصر الصواعق المرسلة ج 2/ 446 – 471 وقد تقدم ذكر شيء من ذلك، في التعليق على البيت 442.
سيان: مستويان، وهو في هذا البيت يشير إلى ما تكلم به بعضهم من تضعيف الحديث، قال الناظم رحمه الله في كتابه “مختصر الصواعق المرسلة” بعدما أورد كلام المضعفين للحديث: “ومن تأمل هذه العلل الباردة علم أنها من باب التعنت، فهب أن هذا الحديث معلول، أفيلزم من ذلك بطلان سائر الآثار الموقوفة، والأحاديث المرفوعة، ونصوص القرآن، وكلام أئمة الإسلام؟ ” ج 2/ 468.
681 – يعني: “المجسِّم” باعتبار أهل الكلام، فهم يقولون عن أهل السنة المثبتين لأسماء الله وصفاته على الحقيقة: مجسمة وحشوية. قال الذهبي رحمه الله في ترجمة الصاحب بن عباد وهو معتزلي شيعي: “قيل: إنه ذكر له البخاري، فقال: ومَن البخاري؟ حشوي لا يعول عليه”. سير أعلام النبلاء 16/ 512، وراجع التعليق على البيت 375.
– لعله يعني بالمجسم الفوقاني: إما الصحابي الذي روى الحديث من فم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -وهو عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، أو من رواه من الأئمة وأثبته وسطره في مصنفه قبل الإمام البخاري (ت 256 هـ) وهو الإمام أحمد (ت 241 هـ) رحمهما الله تعالى، فقد رواه في المسند بسنده 3/ 495، ثم رواه البخاري بسنده في الأدب المفرد برقم 970 وفي خلق أفعال العباد ص 137.
682 – د، ط: “بأذان”. ومراد الناظم رحمه الله أن النداء لا بد أن يكون صوتًا رفيعًا مسموعًا كالأذان فإنه نداء بصوت رفيع مسموع. قال شيخ الإسلام ابن =
(2/217)
683 – أَمْ أجمَعَ العُقَلاءُ مِنْ … أَهلِ اللِّسَانِ وأهْلِ كُلِّ لِسَانِ
684 – أن النِّدا الصَّوتُ الرَّفِيعُ وَضِدُّهُ … فَهُوَ النِّجَاءُ كِلَاهُمَا صَوْتَانِ
685 – واللهُ موْصُوفٌ بذَاكَ حقِيقَةً … هَذَا الحَدِيثُ ومحْكمُ القُرآنِ
686 – وَاذكُرْ حَديثًا لابنِ مسْعودٍ صَريـ … ـحًا أنَّهُ ذُو أحْرُفٍ بِبَيَانِ
687 – لِلْحَرفِ مِنْهُ فِي الجزَا عَشْرٌ مِنَ الْـ … ـحَسَنَاتِ مَا فِيهنَّ مِنْ نُقْصانِ
__________
= تيمية رحمه الله: “والنداء في لغة العرب هو صوت رفيع. لا يطلق النداء على ما ليس بصوت لا حقيقة ولا مجازًا” مجموع الفتاوى 6/ 531.
683 – كذا في جميع النسخ. والبيت مختلّ الوزن لنقص ركن منه. وسيأتي مثله في البيت 721 وغيره. وقد زيد في ط لاستقامة الوزن: “العلماء و”. وانظر التعليق على البيت 578 (ص).
684 – انظر التعليق على البيتين: 420، 421.
685 – ثبت في السنة الصحيحة مناجاة الله تعالى لمن شاء من عباده، كما جاء عن صفوان بن محرز أن رجلًا سأل ابن عمر: كيف سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في النجوى؟ قال: “يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، ويقول: عملت كدا وكذا؟ فيقول: نعم، فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم”. متفق عليه، البخاري ج 13/ 475 /ح 7514، فتح – كتاب التوحيد – باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. ومسلم، وزاد: “فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله” ج 17/ 86 نووي، كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله تعالى على المؤمنين.
– ثبت بدلالة القرآن الكريم مناجاة الله تعالى لمن شاء من عباده كما قال تعالى عن موسى عليه السلام: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)} [مريم: 52].
687 – كذا في الأصل، ف، طع، وقد ضبطت في ف بكسر اللام وفي غيرها: “الحرف”.
– يشير إلى حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت=
(2/218)
688 – وانظُر إِلى السُّوَر الَّتي افْتُتِحَتْ بأحْـ … ـرُفِهَا تَرى سرًّا عَظِيمَ الشَّانِ
689 – لَم يأتِ قَطُّ بسُورةٍ إلا أَتَى … فِي إثرِهَا خَبَرٌ عَنِ القُرْآنِ
690 – إذْ كَانَ إخْبَارًا بِهِ عَنْهَا وَفِي … هَذَا الشِّفَاءُ لطَالِبِ الإيمَانِ
__________
= رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم (1)} حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف” رواه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بصالح بن عمر. وقال الذهبي في التلخيص: صالح ثقة خرج له مسلم لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف. المستدرك ج 8/ 741 / ح 2040. ورواه الترمذي بإسناد صحيح وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب ج 8 / ص 226 /ح 3075 – تحفة، باب ما جاء في من قرأ حرفًا من القرآن ما له من الأجر. والحديث صححه الألباني كما في صحيح الجامع ح 6469.
688 – ظ، س: “فانظر”.
“ترى”: انظر التعليق على البيت 594 (ص).
689 – ما خلا سورتين، كما قال الناظم رحمه الله في كتابه أقسام القرآن. وهما سورة مريم وسورة القلم، إذ لم يأتِ فيهما بعد الأحرف خبر عن القرآن.
قال تعالى في افتتاح سورة مريم {كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)} [مريم: 1, 2] وقال في افتتاح سورة القلم: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)} [القلم: 1, 2] انظر الحاشية الآتية.
690 – قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “الصحيح أن “ن” و”ق” و”ص” من حروف الهجاء التي يفتتح بها الرب سبحانه بعض السور .. ولم تذكر قط في أول سورة إلا وعقبها بذكر القرآن إما مقسمًا به وإما مخبرًا عنه، ما خلا سورتين. ففي هذا تنبيه على شرف هذه الحروف وعظم قدرها وجلالتها إذ هي مباني كلامه وكتبه التي تكلم سبحانه بها، وأنزلها على رسله، وهدى بها عباده، وعرّفهم بواسطتها نفسه وأسماءه وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه ووعيده =
(2/219)
691 – وَيَدُلُّ أَنَّ كَلَامَهُ هُوَ نَفْسُهَا … لَا غَيرُهَا والحَقُّ ذُو تِبيَانِ
692 – فَانْظُر إِلَى مَبدا الكِتَابِ وَبَعْدَهَا الْـ … أَعْرَافِ ثم كَذَا إلى لُقْمَانِ
__________
= ووعده، وعرفهم بها الخير والشر والحسن والقبيح، وأقدرهم على التكلم بها .. ولهذا عاب سبحانه على من عبد إلهًا لا يتكلم وامتنّ على عباده بأن أقدرَهم على البيان بها بالتكلم. فكان في ذكر هذه الحروف التنبيه على كمال ربوبيته وكمال إحسانه وإنعامه، فهي دالة أظهر دلالة على وحدانيته وقدرته وحكمته وكماله وكلامه وصدق رسله، فهي من أظهر أدلة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن القرآن كلام الله تكلم به حقًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وبلغه كما أوحي إليه صدقًا، ولا تهمل الفكرة في كل سورة افتتحت بهذه الحروف واشتمالها على آيات هذه المطالب وتقريرها”.
التبيان في أقسام القرآن 206 – 219. وانظر تفسير القرطبي 1/ 154 – 158، وتفسير الطبري مجلد 1/ج 1/ 86 – 96، وابن كثير 1/ 35 – 39.
691 – أي: كلام الله تعالى هو هذه الأحرف نفسها.
692 – ف، ظ: “وانظر”.
– يعني بمبدأ الكتاب: سورة البقرة وبعدها آل عمران، قال تعالى فى افتتاح سورة البقرة: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة: 1 , 2] وبعدها آل عمران، قال تعالى: {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} [آل عمران: 1, 2].
وقال تعالى في افتتاح سورة الأعراف: {المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} [الأعراف: 1, 2] وبين الأعراف ولقمان سور: يونس، وهود، ويوسف، والرعد، وإبراهيم، والحجر، ومريم، وطه، والشعراء، والنمل، والقصص، والعنكبوت. وكلّها مفتتحة بحروف مقطعة بعدها خبر عن القرآن.
وقال تعالى في افتتاح سورة لقمان: {الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2)} [لقمان: 1, 2].
(2/220)
693 – مَعَ تِلْوِهَا أَيْضًا وَمَعْ “حم” مَعْ … “يس” وافْهَم مُقْتَضَى القُرآنِ
* * *
فصلٌ في إلزامِهم القولَ بنفي الرّسالةِ إذا انتفتْ صفة الكلام (1)
694 – واللهُ عزَّ وجَلَّ مُوصٍ آمِرٌ … نَاهٍ مُنَبٍّ مُرسِلٌ لِبَيَانِ
__________
693 – يعني: سورة السجدة، قال تعالى في افتتاح سورة السجدة: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [السجدة: 1, 2].
– السور التي افتتحت بـ “حم” هي: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف. وفي كلها يأتي بعد الأحرف المقطعة خبر عن القرآن.
– قال تعالى في افتتاح سورة “يس”: {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)} [يس: 1, 2].
(1) في طع: وضع هنا عنوان الفصل التالي، وهذا العنوان هناك. وهو خطأ (ص).
694 – “موص”: يدل عليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]. وقال تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151, 152, 153].
“آمر”: يدل عليه قوله تعالى: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: 40].
“ناه”: يدل عليه قوله تعالى: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل: 90].
“منبّ”: طع: “مثيب”، ولعل الشارح ظن ما جاء في الأصل تحريفًا، لأنه رأى هذه الصفة مكررة في البيت التالي. ولكن كلمة “مثيب” لا تصح هنا، لأنه لا صلة له بصفة الكلام. (ص). وأصل “مُنَبٍّ”: منبئ بإثبات الهمزة، ولكنه حذف الهمزة تسهيلًا. ويدل على وصف الله تعالى بذلك قوله تعالى: {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: 3].
“مرسل”: يدل عليه قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].
(2/221)
695 – وَمُخَاطِبٌ ومُحَاسِبٌ وَمُنَبِّئٌ … وَمُحَدِّثٌ ومُخَبِّرٌ بالشَّانِ
696 – ومُكَلِّمٌ مُتَكَلِّمٌ بَلْ قَائِلٌ … ومحَذِّرٌ ومبَشِّرٌ بأَمَانِ
697 – هَادٍ يَقُولُ الحقَّ مُرشِدُ خَلقِه … بكلَامِهِ لِلحَقِّ والإِيمَانِ
__________
695 – الخطاب والمخاطبة: مراجعة الكلام وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابًا وهما يتخاطبان. اللسان 1/ 361، ويدل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وقد تقدم سياقه في التعليق على البيت 672.
“محاسب”: يدل عليه قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284].
“منبئ”: كذا في جميع النسخ، ولكنه إن صحّ كان تكرارًا لصفة “مُنَبٍّ” المذكورة في البيت السابق، من غير فائدة في هذا التكرار. فأخشى أن تكون الكلمة محرّفة عن “مُبيِّن”. وقد وردت هذه الصفة كثيرًا في القرآن الكريم، فلا ينبغي أن يفوت الناظم ذكرها في هذا المقام (ص).
“محدث”: يدل عليه قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا} [النساء: 87].
“مخبر”: يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها في خروجه – صلى الله عليه وسلم – ليلًا لزيارة أهل البقيع والدعاء لهم وأن عائشة تبعته وفيه: أنه – صلى الله عليه وسلم – قال لعائشة لما رجع فرآها رابية النفس: “ما لكِ يا عائشة حشْياء رابية” قالت: قلت: لا شيء، قال: “لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير .. ” الحديث. رواه مسلم 7/ 43 نووي في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول المقابر والدعاء لأهلها.
تقدم سياق الأدلة على كلام الله تعالى في التعليق على الأبيات: 665 وما بعدها.
“محذّر”: يدل عليه قوله تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4] وقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30].
“مبشر”: يدل عليه قوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)} [التوبة: 21].
697 – د: “أبدًا يقول”.
ب، ظ: “بقول الحق”، ولم يضبط أوله في ف. =
(2/222)
698 – فإذا انْتَفَتْ صِفَةُ الكَلَامِ فكُلُّ هَـ … ـذَا منْتَفٍ متحقِّقُ البُطْلَانِ
699 – وإِذَا انْتَفَتْ صِفَةُ الكَلَامِ كَذَلِكَ الـ … إرْسَالُ مَنْفِيٌّ بِلَا فُرْقَانِ
700 – فرِسَالةُ المبعوثِ تبليغٌ كَلَا … مَ المرسِلِ الداعِي بِلَا نُقْصَانِ
701 – وحَقِيقَةُ الإرسَالِ نفْسُ خطَابِهِ … للمرْسَلينَ وإنَّهُ نَوْعَانِ
702 – نَوعٌ بغَيرِ وَسَاطَةٍ ككَلَامِهِ … مُوسَى وجبرِيلَ القريبَ الدَّانِي
703 – مِنهُ إِلَيهِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابِهِ … إذْ لَا تَراهُ هاهُنا العَينَانِ
__________
= – يدل عليه قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]. “مرشد”: كذا في الأصل. وفي غيره: “يُرشد”. (ص). يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 1, 2].
698 – الصفات المتقدمة كلها تنتفي بانتفاء صفة الكلام لأن الفاقد لصفة الكلام لا يوصي ولا يخاطب ولا يحاسب ولا يقوم بشيء من الصفات اللازمة لصفة الكلام. وإذا انتفى الملزوم (الكلام) انتفى اللازم (الصفات الناتجة عنه). انظر مختصر الصواعق 2/ 471.
699 – يعني: بلا فرق بين الإرسال والكلام لأن الرسالة في الحقيقة تبليغ للكلام، كما سيأتي.
700 – يدل عليه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] فإذا انتفى الكلام الذي أمر بتبليغه انتفى كونه رسولًا لأن الرسول إنما يبلغ كلام مرسله.
702 – تقدم سياق الأدلة على تكليم الله تعالى لموسى وجبريل عليهما السلام في التعليق على البيتين 675، 677. وثبت الكلام أيضًا من غير واسطة لنبينا محمد كما في حادثة الإسراء والمعراج، ولعل الناظم رحمه الله لم يذكره – صلى الله عليه وسلم – هنا لأنه أراد أن يجمع في البيت بين تكليم الله تعالى لنوعي رسله من الناس والملائكة فاكتفى بذكر موسى وجبريل عليهما السلام ولأن مراده التمثيل لا الاستقصاء. انظر مختصر الصواعق المرسلة 2/ 479.
703 – ههنا: يعني في الدنيا.
(2/223)
704 – وَالآخَرُ التَّكْليمُ مِنْهُ بالوَسَا … طَةِ وَهْوَ أيْضًا عندَهُ ضَربَانِ
705 – وَحْىٌ وَإِرْسَالٌ إِلَيهِ وَذَاكَ فِي الشُّـ … ـورَى أَتَى فِي أَحْسَنِ التِّبيَانِ
* * *
فصلٌ في إلزامهم التَّشبيهَ للرَّبِّ بالجمادِ الناقصِ إذا انتفتْ صفة الكلامِ
706 – وَإِذا انتَفَتْ صِفَةُ الكَلَامِ فَضِدُّهَا … خَرَسٌ وذلكَ غَايَةُ النُّقْصَانِ
__________
704 – “عنده”: أي: عند الرب سبحانه.
النوع الثاني من أنواع الإرسال ضربان: الأول: وحي، وهو إلقاء المعنى في قلب النبي – صلى الله عليه وسلم -. والثاني: إرسال الملك فيوحي إلى المرسل إليه ما شاء الله. انظر مجموع الفتاوى 12/ 400، فتح الباري 1/ 19، تفسير الطبري مجلد 13/ج 25/ ص 45، تفسير ابن كثير 4/ 121، النبوات لشيخ الإسلام ص 272.
705 – يعني: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].
706 – الخرس: ذهاب الكلام عيًّا أو خلقةً. اللسان 6/ 62.
يلزم هؤلاء النفاة أيضًا أن الله تعالى إذا لم يكن متصفًا بصفة الكلام كان متصفًا بضدها وهو الخرَس، والخرس نقص. وقد زعم النفاة أن نفي الكلام عن الله لا يستلزم نقصًا وقالوا: لا يلزم من نفي صفة الكلام عن الله ثبوت ضدها وهو الخرس، لأن الرب تعالى ليس قابلًا لصفة الكلام أصلًا، وإنما يكون نفيها نقصًا ممن هو قابل لها كالمخلوق. وقد تولى الناظم الرد عليهم فيما يأتي من أبيات. انظر الصواعق المرسلة 3/ 914 – 915، درء تعارض العقل والنقل 2/ 295، مجموع الفتاوى 12/ 285، 3/ 7 – 8، 6/ 540، الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي ص 84، الإبانة للأشعري ص 76.
(2/224)
707 – فلَئِنْ زَعَمْتُم أنَّ ذَلِكَ فِي الَّذِي … هُوَ قَابِلٌ مِنْ أمَّةِ الحَيَوَانِ
708 – والرَّبُّ لَيسَ بقَابِلٍ صِفَةَ الكَلَا … مِ فَنَفْيُهَا مَا فِيهِ مِنْ نُقْصَانِ
709 – فيُقَالُ سَلْبُ كَلَامِهِ وَقَبُولِهِ … صِفَةَ الكَلامِ أتمُّ للنقْصَانِ
710 – إذْ أخْرَسُ الإنسَانِ أكملُ حَالةً … مِنْ ذَا الجَمَادِ بأوضَحِ البُرهَانِ
711 – فَجَحدْتَ أَوْصَافَ الكمَالِ مَخَافَةَ التَّـ … ـجْسِيمِ والتشْبيهِ بالإنْسَانِ
712 – وَوَقَعْتَ فِي تَشْبِيهِهِ بالجامدا … تِ النَّاقصاتِ وذَا مِنَ الخِذْلَانِ
713 – اللهُ أكبرُ هُتِّكَتْ أَسْتَارُكُم … حَتى غَدَوْتُم ضُحْكَةَ الصِّبيَانِ
فصلٌ في إلزامِهمْ بالقولِ بأنَّ كلامَ الخلقِ حقَّهُ وباطِلَهُ هو (1) عينُ كلامِ اللهِ سبحانَهُ
714 – أَوَ ليسَ قَد قَامَ الدَّلِيلُ بأنَّ أَفْـ … ـعالَ العِبَادِ خَليقَةُ الرَّحْمنِ
__________
709 – هذا جواب من الناظم رحمه الله على شبهتهم فيقال لهم: إن سلب صفة الكلام عن الله تعالى وسلب قبوله هذه الصفة أتم للنقصان، فإن الأخرس من بني آدم الذي امتنعت عنه صفة الكلام أكمل حالة من الجماد الذي لا يقبل الاتصاف بها أصلًا. انظر المراجع السابقة.
711 – طت، طه: “التشبيه والتجسيم”. وقد تقدم تعريفهما.
712 – ويقال لهؤلاء النفاة أيضًا: إنكم جحدتم أوصاف الكمال عن الله تعالى مخافة الوقوع في التجسيم والتشبيه بالمخلوق فوقعتم في تشبيهه بالجمادات وهي أنقص. انظر المراجع السابقة.
713 – سيأتي في كلام الناظم رحمه الله تفصيل هذه الشبهة والرد عليها، في البيت: 1063 وما بعده، وانظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 223.
(1) كلمة “هو” لا توجد إلا في الأصل وف.
714 – أي: خلقها الرحمن جلّ جلاله، وقد تقدم الكلام على خلق الله تعالى لأفعال العباد، في البيت: 148 وما بعده.
(2/225)
715 – مِنْ أَلْفِ وَجْهٍ أوْ قَرِيبِ الألفِ يُحْـ … ـصِيها الذي يُعْنَى بِهَذَا الشَّانِ
716 – فيكُونُ كلُّ كَلامِ هَذَا الخَلْقِ عَيْـ … ـنَ كَلَامهِ سُبْحَانَ ذِي السُّلْطَانِ
717 – إِذْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَيهِ كَلَامُهُ … خَلْقًا كَبَيتِ اللهِ ذِي الأرْكَانِ
718 – هَذَا ولَازِمُ قَولِكُم قَدْ قَالَهُ … ذُو الاتِّحَادِ مصرِّحًا بِبَيَانِ
__________
715 – ساق الناظم رحمه الله في كتابه “شفاء العليل” نحو مائة دليل على أن أفعال العباد مخلوقة (ص 109 – 140). ثم قال: “وبالجملة فكلّ دليل في القرآن على التوحيد فهو دليل على القدر وخلق أفعال العباد”، ثم ساق أيضًا بعض أدلة الكتاب والسنة والآثار والعقل والفطرة على خلق الله تعالى لأفعال العباد في مواضع متفرقة من ص 285 – 359. ولا شك أنه عند استقراء أدلة الكتاب والسنة والآثار من أقوال السلف والعقل والفطرة والحس وغيرها ستصل إلى ألف دليل كما ذكر الناظم رحمه الله وقد تزيد.
717 – ب: “إن كان”.
– إذا قال الجهمية والمعتزلة: إن كلام الله تعالى خلقه في غيره قيل لهم: قد علم بالاضطرار من الدين أن القرآن كلام الله، فإن كان مخلوقًا في محل آخر غيره لزم أن يكون كل كلام خلقه الله في محل هو كلام الله لتماثلهما بالنسبة إلى الله. ويلزم أن يكون ما يخلقه الله تعالى من كلام الجلود والأيدي والأرجل كلام الله. فإذا قالوا: {أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ} [فصلت: 21] كان الناطق هو المُنطِق، فيكون كل كلام مخلوق هو كلام الله حتى قول أهل الفحش والكفر. وهذا قد صرح به حلولية الجهمية من الاتحادية ونحوهم كصاحب الفصوص وغيره ومن قولهم:
وكل كلام في الوجود كلامه … سواء علينا نثره ونظامه
درء تعارض العقل والنقل 2/ 252، الحيدة لعبد العزيز الكناني المكي ص 154، مختصر الصواعق المرسلة ص 472، الرد على الجهمية للدارمي ص 96، الاعتقاد للبيهقي ص 76، وتقدم بيان مذهب الاتحادية في البيت: 265 وما بعده.
(2/226)
719 – حَذَرَ التناقُضِ إذْ تَنَاقَضْتُم وَلَـ … ـكِنْ طرْدُهُ في غايَةِ الكُفْرَانِ
720 – فلَئِنْ زَعمْتُم أنَّ تَخْصِيصَ القُرَا … نِ كَبيتِهِ وكِلَاهُمَا خَلْقَانِ
721 – فيقالُ ذا التخصِيصُ لا ينْفِي العُمو … مَ كرَبِّ ذِي الأكْوَانِ
722 – ويقالُ ربُّ العَرْشِ أَيْضًا، هَكَذَا … تَخْصِيصُهُ لإضَافَةِ القرآنِ
723 – لَا يَمنَعُ التَّعْميمَ في البَاقِي وذَا … في غايةِ الإِيضاحِ والتبيَانِ
* * *
__________
719 – يعني أن الاتحادية قالوا: إن كل كلام خلقه الله فهو كلامه، ويدخل في ذلك القرآن وغيره ومع فساد قولهم إلا أنهم لم يتناقضوا، أما الجهمية والمعتزلة فقالوا: إن كلام الله هو ما يخلقه في غيره وإن نسبته إليه نسبة مخلوق إلى خالقه، فلزمهم أن يكون كل كلام هذا الخلق كلامه، فنفوا ذلك فوقعوا في التناقض الذي فرّ منه الاتحادية. انظر المراجع السابقة.
721 – كذا ورد البيت ناقص الوزن في جميع النسخ، المخطوط منها والمطبوع. وقد زاد الناشر في طع 1/ 313: “ولا الخصوص” لاستقامة الوزن، وهي زيادة لا معنى لها هنا. وانظر التعليق على البيتين: 578 و 683.
723 – إذا قال النفاة: إن القرآن كلام الله وهو مخلوق لكنه أضيف إلى الله على جهة التخصيص، فلا يمنع قولهم هذا من إلزامهم القول بأن سائر كلام الخلق مضاف إلى الله على سبيل العموم. فإنه يصح أن تقول: “رب العرش” على سبيل التخصيص، ثم تقول: رب الأكوان التي من جملتها العرش على جهة العموم. فكذلك تخصيصه القرآن بإضافته إليه -مع قولكم: بخلقه- لا يمنع التعميم عن باقي الكلام المخلوق، وسيأتي زيادة بيان لذلك في “فصل في التفريق بين ما يضاف إلى الرب سبحانه وتعالى من الأوصاف والأعيان” البيت: 737 وما بعده، وانظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 48، 7/ 257 – 270، جواب أهل العلم والإيمان أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن لشيخ الإسلام وهي في مجموع الفتاوى 17/ 376، مختصر الصواعق 1/ 262.
(2/227)
فصلٌ في التَّفريقِ بين الخلقِ والأمْرِ
724 – وَلَقدْ أتَى الفُرقَانُ بَينَ الخَلْقِ والْـ … أَمْرِ الصَّريحُ وذَاكَ في الفُرْقَانِ
725 – وكِلَاهُمَا عِنْد المُنَازعِ واحِدٌ … والكُلُّ خَلقٌ مَا هُنَا شَيئَانِ
726 – والعَطْفُ عندَهُمُ كعَطْفِ الفَردِ مِنْ … نَوعٍ عَلَيهِ وذَاكَ فِي القُرآنِ
__________
724 – “الصريحُ”: ضبطته بالضم لأنه نعت للفرقان، يعني: جاء الفرق الصريح بين الخلق والأمر في القرآن الكريم (ص).
– يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54] ففرق بين الخلق وبين الأمر الذي هو كلامه وهو غير مخلوق. بل إن الخلق لا يكون إلا بالأمر كما قال تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82]. درء تعارض العقل والنقل 2/ 317 وما بعدها، الحيدة 53 – 54، الإرشاد للجويني ص 221 – 223، مختصر الصواعق المرسلة ص 471، الحجة في بيان المحجة لأبي القاسم الأصبهاني 2/ 193، فتح الباري 13/ 533، 443، شرح السنة للبغوي ج 1/ 164 وما بعدها، كتاب الإيمان، باب الرد على من قال: القرآن مخلوق، اجتماع الجيوش الإسلامية مقدمة المحقق 1/ ص 54، 2/ 239، الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 112 – 113، تفسير القرطبي 7/ 221 – 223، التوحيد لابن خزيمة 1/ 391 – 393، الإبانة للأشعري ص 72 وما بعدها، خلق أفعال العباد ص 29 – 30، الاعتقاد للبيهقي 76.
726 – عطف الفرد من النوع على النوع، مثاله قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4] فالروح فرد من أفراد الملائكة ومع ذلك عطفه عليها، فقال النفاة: إن عطف الأمر على الخلق هو من هذا النوع فرد عليهم الناظم رحمه الله بما يأتي من أبيات، وانظر تفسير أبي السعود ج 9/ 183، تفسير ابن كثير 2/ 220، تفسير القرطبي 7/ 221 – 223، التوحيد لابن خزيمة 1/ 391.
(2/228)
727 – فيقالُ هَذَا ذُو امْتِنَاعٍ ظَاهِرٍ … في آيةِ التَّفْرِيقِ ذُو تبيَانِ
728 – فاللهُ بعدَ الخَلْقِ أخبرَ أنَّهَا … قدْ سُخِّرَتْ بالأمْرِ للجَرَيَانِ
729 – وأبانَ عَنْ تَسْخِيرِهَا سُبْحَانهُ … بالأمْرِ بَعْدَ الخَلْقِ بالتِّبيَانِ
730 – والأَمْرُ إِمَّا مَصْدَرٌ أَوْ كَانَ مَفْـ … ـعُولًا هُمَا فِي ذَاكَ مُستوِيانِ
731 – مَأْمُورُهُ هُوَ قَابلٌ لِلأَمْرِ كَالْـ … ـمَصْنُوعِ قَابِلِ صَنْعةِ الرَّحْمنِ
732 – فإذا انتَفَى الأمرُ انتفَى المأمُورُ كالـ … ـمَخلُوقِ يُنْفَى لانْتفَا الحِدْثَانِ
733 – وانظُر إلى نَظْم السِّيَاقِ تَجِدْ بِهِ … سِرًّا عَجيبًا واضِحَ البرْهَانِ
__________
728 – شرع الناظم رحمه الله في هذا البيت في الرد على زعم النفاة أن الأمر والخلق نوع واحد وهما مخلوقان. فبين رحمه الله أن الله تعالى أخبر أنه خلق السموات والأرض، ثم عطف الشمس والقمر والنجوم على السموات والأرض ثم أخبر أنه سخر الجميع بالأمر في قوله: {مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} ثم قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} فدل ذلك على أنه لما تم خلقها سخرت بالأمر. تفسير ابن كثير 2/ 220، تفسير القرطبي 7/ 222 – 223، التوحيد لابن خزيمة 1/ 391 – 393، الإبانة للأشعري ص 72 – 74، فتح الباري 13/ 532 – 533، 443، خلق أفعال العباد ص 30.
729 – طع: “والتبيان”، وهو خطأ.
730 – قد يقول النفاة: إن الأمر فى الآية مصدر بمعنى المأمور كما يقال: الخلق بمعنى المخلوق، والمأمور لا يكون إلا مخلوقًا، فيكون العطف في الآية عطف مخلوق على مخلوق. فرد عليهم الناظم رحمه الله بأن الأمر في الآية سواء جعل مصدرًا بمعنى أحد الأوامر أو كان مفعولًا فهما سواء في مخالفتها للخلق والمخلوق، وذلك لأن المأمور لا بد له من آمر كالمصنوع لا بد له من صانع، فإذا انتفى الأمر انتفى المأمور كما أن الخلق إذا انتفى انتفى المخلوق، فيكون الأمر في الآية مغايرًا للخلق على كل الأحوال. انظر المراجع السابقة.
733 – يعني: سياق الآية المذكورة من سورة الأعراف، فإن الله تعالى ذكر خلقه للسموات والأرض على وجه الخصوص ثم ذكر تسخيره للشمس والقمر =
(2/229)
734 – ذَكَرَ الخُصُوصَ وفِعلَه مُتَقَدِّمًا … والوصفَ والتعْمِيمَ في ذا الثَّانِي
735 – فَأتَى بنوعَيْ خلقِهِ وبأمْرِهِ … فعْلًا ووصْفًا موجزًا بِبَيَانِ
736 – فتَدَبَّرِ القُرآنَ إنْ رُمْتَ الهُدَى … فالعِلْمُ تَحْتَ تَدَبُّرِ القُرآنِ
فصلٌ في التَّفريقِ بينَ مَا يضافُ إلى الرَّبِّ تعالى (1) من الأوْصَافِ (2) والأعْيانِ (3)
737 – واللهُ أخْبَرَ فِي الكِتَابِ بأنَّهُ … مِنْهُ وَمجْرورٌ بِمِنْ نَوْعَانِ
__________
= والنجوم بأمره على وجه الخصوص أيضًا وصرح فيها بفعلي الخلق والتسخير وبعدما نسب الفعلين إليه سبحانه أتى بالخلق والأمر وصفين له على جهة التعميم فقال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} فيكون عزّ وجل قد جمع بين نوعي الخلق الفعلي والوصفي ونوعي الأمر الفعلي والوصفي في أبلغ عبارة وأوجزها، وانظر تفسير الآية في: تفسير الطبري مجلد 5 / ج 8 /ص 205 – 206، تفسير ابن كثير 2/ 220 – 221، تفسير القرطبي 7/ 218 – 223، الدر المنثور لجلال الدين السيوطي 3/ 168، فتح القدير للشوكاني 2/ 210 – 213، أضواء البيان للشنقيطي 2/ 272 – 288.
734 – “فعله”: كذا في الأصل، وهو الصواب الذي يدل عليه الكلام. وفي سائر النسخ الخطية والمطبوعة: “وبعده” وهو تحريف. (ص).
(1) ب: “سبحانه وتعالى”. ف: “الربّ من”.
(2) الأوصاف: جمع وصف، وهو ما لا يقوم بذاته ولا يقوم إلا بغيره، كالعلم والرحمة ونحوهما فإنها لا تقوم بنفسها وإنما يقال: علم الله ورحمة الله.
انظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 3/ 1389.
(3) الأعيان: جمع عين وهي ما قام بنفسه جوهرًا كان أو جسمًا كزيد وعمرو والبيت والشجرة ونحوها. المرجع السابق 3/ 1073 – 1074.
737 – كما في قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)} [غافر: 2].=
(2/230)
738 – عَينٌ وَوَصْفٌ قَائِمٌ بِالغَير فَالـ … أَعْيَانُ خَلْقُ الخَالِقِ الرَّحْمنِ
739 – والوَصْفُ بالمجْرورِ قَامَ لأنَّهُ … أَوْلَى بِهِ فِي عُرفِ كلِّ لِسَانِ
740 – ونظِيرُ ذَا أيْضًا سَوَاءً مَا يُضَا … فُ إِلَيْهِ منْ صِفةٍ ومنْ أَعْيَانِ
741 – فإضَافَةُ الأَوْصَافِ ثَابِتةٌ لِمنْ … قَامَتْ بِهِ كإرَادَةِ الرَّحْمنِ
742 – وإضَافَةُ الأَعيَانِ ثَابِتةٌ لَهُ … مِلْكًا وخَلْقًا مَا هُمَا سِيَّانِ
743 – فانْظُرْ إلَى بَيتِ الإلهِ وعِلْمِهِ … لمَّا أُضِيفَا كَيْفَ يَفْترِقَانِ
__________
= – المُخبَرُ عنه بأنه من الله نوعان:
الأول: أن يكون عينًا من الأعيان كما في قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] ومعنى كونه من الله أنه هو خالقه سبحانه.
الثاني: يكون وصفًا كما في قوله تعالى: {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: 157] وقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر: 2] ومعنى كونه من الله أنه صفة له سبحانه. انظر درء تعارض العقل والنقل 7/ 264 – 266.
738 – “بالغير”: كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “بالعين”، ولعله تحريف. (ص).
739 – أي: أن الوصف الذي يسبق “من” يقوم بالمجرور بها، كقوله تعالى: {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ} [آل عمران: 157]، فالمغفرة صفة قائمة بالله تعالى.
743 – المضاف إلى الله عزّ وجل نوعان:
الأول: أن يكون وصفًا كعلم الله وفضل الله وكلام الله، كما في قوله تعالى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} [الجمعة: 10] وقوله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [التوبة: 6] فمعنى إضافة الوصف إلى الله أن الله تعالى موصوف به.
الثاني: أن يكون عينًا من الأعيان كبيت الله وناقة الله كما في قوله تعالى: {هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: 73] فمعنى إضافة العين إلى الله أنه سبحانه هو خلقها وهو يملكها وتكون نسبتها إلى الله للاختصاص والتشريف. انظر درء تعارض العقل والنقل 7/ 264 – 266 والجواب الصحيح 1/ 241.
(2/231)
744 – وكَلَامُهُ كحَيَاتِهِ وكعِلمِهِ … فِي ذِي الإضَافَةِ إذْ هُمَا وَصْفَانِ
745 – لكنَّ ناقَتَهُ وبَيتَ إِلهنَا … فكعَبدِهِ أيضًا هُمَا ذَاتَانِ
746 – فانظُرْ إِلَى الجَهْمِيِّ لَمَّا فَاتَهُ الْـ … ـحَقُّ المبينُ وَوَاضِحُ الفُرقانِ
747 – كَانَ الجَمِيعُ لدَيْه بابًا واحدًا … والصبحُ لَاحَ لِمَنْ له عَيْنَانِ
* * *
فصلٌ (1)
748 – وأَتَى ابنُ حزْمٍ بَعْدَ ذَاكَ فقَالَ مَا … لِلنَّاسِ قُرآنٌ ولَا اِثْنَانِ
749 – بَلْ أرْبَعٌ كلٌّ يُسَمَّى بالقُرَا … نِ وذَاكَ قَوْلٌ بَيِّنُ البُطْلَانِ
__________
745 – ب: “كعبيده”.
746 – طه: “واضح البرهان”.
747 – “الجميع” أي: الأوصاف والأعيان.
(1) كلمة “فصلٌ” سقطت من طه.
748 – ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد الفقيه الحافظ المتكلم الأديب، عالم الأندلس في عصره، ولد بقرطبة سنة 384 هـ، كانت له رئاسة ومنصب، قال بنفي القياس والأخذ بالظاهر، وكان جريئًا في إثبات رأيه سليطًا في انتقاد العلماء حتى أوذي بسبب ذلك، له كتب كثيرة من أشهرها “الفصل في الملل والنحل” و”المحلى” في الفقه وغيرهما. توفي سنة 456 هـ. سير أعلام النبلاء 18/ 184، الأعلام 4/ 254.
749 – ذكر الناظم رحمه الله أن ابن حزم يقول: إن القرآن يطلق على أربعة معان: الأول: المتلو بالألسنة. والثاني: المكتوب في المصاحف. والثالث: المحفوظ في الصدور فهذه الثلاثة كلها مخلوقة. أما الرابع فهو المعنى القائم بذات الله، وهو علمه، وهو غير مخلوق. والذي وجدته فيما وقفت عليه من كتب ابن حزم قوله: إن القرآن يطلق على خمسة معان: الأول: المتلو بالألسنة، والثاني: المكتوب في المصاحف، والثالث: المحفوظ في=
(2/232)
750 – هَذَا الَّذِي يُتْلَى وآخَرُ ثَابِتٌ … فِي الرَّسْمِ يُدْعَى المصْحَفَ العُثْمَانِي
751 – والثَّالِثُ المحفُوظُ بَيْنَ صُدُورِنَا … هَذِي الثَّلَاثُ خَلِيقَةُ الرَّحْمنِ
__________
= الصدور، والرابع: المعنى المفهوم من التلاوة، فهذه الأربعة كلها مخلوقة، أما الخاص: فهو المعنى القائم بذات الله وهو كلام الله وهو غير مخلوق. فلعل الناظم اطلع على مؤلف لابن حزم ذكر فيه أنه أربعة معان، أو أنه أدخل المعنى الرابع (وهو المفهوم) في المعنى الثالث وهو المحفوظ لأنهما قريبان في المعنى، فتكون المعاني بذلك أربعة.
وهذا سياق نص كلام ابن حزم رحمه الله. قال: “والذي نقول به -وبالله التوفيق- هو ما قاله الله ونبيه – صلى الله عليه وسلم -، لا نزيد على ذلك شيئًا. وهو أن قول القائل القرآن وقولنا كلام الله تعالى لفظ مشترك يعبّر به عن خمسة أشياء: فيسمى الصوت المسموع الملفوظ به قرآنًا وكلام الله، قال تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [التوبة: 6]. ويسمى المفهوم من ذلك الصوت قرآنًا وكلام الله، ويسمى القرآن المكتوب المصحف كله قرآنًا وكلام الله، قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)} [البروج: 21, 22]. ويسمى المستقر فيِ الصدور قرآنًا وكلام الله. قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49]، فهذه الأربعة كلها مخلوقة، وأما علم الله فهو لم يزل، وهو كلام الله، وهو القرآن غير مخلوق” ثم قال: “اسم القرآن يقع على خمسة أشياء وقوعًا مستويًا صحيحًا منها أربعة مخلوقة وواحد غير مخلوق .. ” ثم قال: “فهذه حقيقة البيان في هذه المسألة الذي لم نتعدّ فيه ما قاله الله عز وجل ولا ما قاله رسوله – صلى الله عليه وسلم -. وأجمعت الأمة كلها على جملته وأوجبته الضرورة والحمد لله رب العالمين” أ. هـ، ملخصًا من الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ج 3/ 14 – 18، والدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم ص 255 – 257. وابن حزم في هذا القول شابه قول الكلابية والأشاعرة من جهة أنه قال: إن المعنى القائم بنفس الرب غير مخلوق، والمسموع والمحفوظ والمقروء مخلوق، والكلابية والأشاعرة يقولون: إن الذي في نفس الله تعالى غير مخلوق لكن المتلو المكتوب المحفوظ من الألفاظ مخلوق وهو عبارة أو حكاية عن كلام الله، وقد تقدم بيان مذهبهم في الأبيات: 570 وما بعده.
(2/233)
752 – والرابعُ المعْنَى القَدِيمُ كعِلْمِهِ … كُلٌّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بالقُرآنِ
753 – وأظنُّهُ قَدْ رَامَ شيئًا لَم يَجِدْ … عَنْهُ عِبَارَةَ نَاطِقٍ بِبَيَانِ
754 – أنَّ المُعَيَّنَ ذُو مَرَاتِبَ أَربعٍ … عُقِلَتْ فَلَا تَخْفَى عَلَى إنسَانِ
755 – فِي العَينِ ثمَّ الذِّهْنِ ثم اللَفْظِ ثُمَّ … الرَّسْمِ حِينَ تَخُطُّه بِبَنَانِ
756 – وَعَلَى الجَمِيعِ الاسْمُ يَصْدُقُ لَكِنِ الـ … أَوْلَى بِهِ الموجُودُ فِي الأعْيَانِ
757 – بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الخَطِيبِ فَإنَّهُ … قَدْ قَال إنَّ الوَضْعَ للأذْهَانِ
__________
753 – “رام”: يعني: قصد.
755 – يعني الناظم أن ابن حزم أراد بكلامه وتقسيمه أن الشيء المعين له مراتب أربعة من الوجود: أولها: وجوده العيني الخارجي: ووجود القرآن الخارجي هو القائم بذاته سبحانه فتكلم به وسمعه منه جبريل، وثانيها: وجود ذهني، وثالثهما: وجود لفظي أي في اللفظ والقراءة، ورابعها: وجود رسمي أي بالكتابة والخط في الصحف، وهذه المراتب الأربع قد أجمع عليها العقلاء. والقرآن في كل مرتبة من هذه المراتب يطلق عليه اسم القرآن وكلام الله ولكن أولاها باسم القرآن هو الوجود العيني. انظر مختصر الصواعق المرسلة 2/ 495 – 501.
756 – ط: “يطلق لكن”.
757 – ابن الخطيب: محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي البكري المشهور بالفخر الرازي، العلامة الكبير ذو الفنون، من رؤوس الأشاعرة وكبار المتكلمين. ولد في الري سنة 544 هـ من كتبه المطالب العالية، والمباحث المشرقية، والأربعين، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، كتب عند موته وصية بين فيها معتقده ورجوعه عن الكلام، والتزام طريق السلف، توفي في هراة سنة 606 هـ. انظر سير أعلام النبلاء 21: 500، البداية والنهاية 13/ 55، لسان الميزان 4/ 436، الأعلام 6/ 313.
– قول الفخر الرازي في القرآن: إنه موضوع لما في الذهن أي في النفس وهو المعنى النفسي على ما هو معروف من مذهب الأشاعرة وأنه معنى واحد. فقال في معرض كلامه على خلاف المعتزلة والأشاعرة في القرآن: =
(2/234)
758 – فَالشّيءُ شَيءٌ وَاحِدٌ لَا أَربعٌ … فدَهَى ابنَ حزْمٍ قلَّةُ الفُرقَانِ
759 – واللهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ سُبحانَهُ … مُتَكَلِّمٌ بِالْوَحْي وَالْفُرقَانِ
760 – وكَذَاكَ أخْبَرَنَا بأنَ كلامَه … بِصُدُورِ أهْلِ العِلْمِ والإيمَانِ
761 – وكذَاكَ أخبَرَ أنهُ المكْتُوبُ فِي … صُحُفٍ مطَهَّرةٍ مِنَ الشيطانِ
762 – وكَذاكَ أخْبَرَ أنهُ المَتْلُوُّ والْـ … ـمَقْرُوءُ عِنْدَ تِلَاوةِ الإنْسَانِ
__________
= “وأما أصحابنا فقد قالوا: ثبت أن الكلام القائم بالنفس معنى مغاير للقدر والإرادات والعلوم والاعتقادات، وندّعي أن الباري تعالى موصوف بهذا المعنى، وندعي أن هذا المعنى قديم، وندعي أنه معنى واحد، وهو مع كونه واحدًا أمر ونهي وخبر واستخبار ونداء. والمعتزلة والكرامية ينازعون أصحابنا في كل واحد من هذه المواضع الأربعة” الأربعين 1/ 249. وانظر قوله محررًا في الأربعين 1/ 244 – 258، والمحصل ص 403 – 408، والمطالب العالية 3/ 201 – 207، وقد تقدم عرض مذهب الأشاعرة في الكلام والقرآن في الأبيات: 570 وما بعده.
758 – “قلة الفرقان”: قلة التمييز والتفريق. وفي طع: “العرفان”، تحريف. (ص).
759 – هذا شروع من الناظم رحمه الله في الرد على مقالة ابن حزم وبيان الأدلة على أن كل مرتبة من المراتب الأربع يطلق على القرآن فيها أنه القرآن وكلام الله حقيقة لا مجازًا، فالوجود العيني الخارجي هو قرآن وهو كلام الله كما قال تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [التوبة: 6].
760 – طه: “بأنّ كتابه”.
– وفي الوجود الذهني كذلك هو القرآن وكلام الله كما قال تعالى عن كتابه: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
761 – ط: “من الرحمن”.
– وفي الوجود الرسمي الخطي هو كذلك القرآن وكلام الله كما قال تعالى عن كتابه: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)} [عبس: 13, 14].
762 – ف: “أنه المقروء والمتلو”.
– وفي الوجود اللفظي هو أيضًا القرآن وكلام الله كما قال تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا =
(2/235)
763 – والكُلُّ شَيءٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُ … هُوَ أربَعٌ وثَلَاثَةٌ واثْنَانِ
764 – وَتِلَاوَةُ القُرآنِ أَفعَالٌ لَنَا … وكذا الكِتابَةُ فَهْىَ خَطُّ بَنَانِ
765 – لَكِنَّمَا المتْلُوُّ والمكْتُوبُ والـ … ـمَحْفُوظُ قَوْلُ الواحِد المنَّانِ
766 – والعبدُ يقرَؤُهُ بصَوْتٍ طَيِّبٍ … وبِضِدِّه فَهُمَا لَهُ صَوْتَانِ
767 – وَكَذَاكَ يَكْتُبُه بخَطٍّ جَيِّدٍ … وبِضِدِّهِ فهُمَا لَهُ خَطَّانِ
768 – أصْوَاتُنَا ومِدَادُنا وَأَدَاتُنَا … والرَّقُّ ثُمَّ كِتَابَةُ القُرآنِ
769 – [ولقد أتَى بصوابه فِي نَظْمِهِ … مَن قالَ قولَ الحَقِّ غَيرَ جَبَانِ
__________
= تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ … } [فاطر: 29].
764 – سيفصل الناظم القول في الفرق بين التلاوة والمتلو والكتابة والمكتوب فيما يأتي من أبيات، وانظر خلق أفعال العباد للبخاري ص 159.
765 – في جميع النسخ: “الرحمن”، ولكن في حاشية الأصل: “المنان”، وفوقه: “نسخة الشيخ”، يعني: النسخة المقروءة على المؤلف. وكذا “المنان” في طع (ص).
767 – قال الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في معرض كلامه عن تفاوت حسن الصوت بقراءة القرآن: “فبيّن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن أصوات الخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مختلفة بعضها أحسن وأزين وأحلى وأصوت وأرتل وألحن وأعلى وأخف وأغض وأخشع، وقال: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه: 108] وأجهر وأخفى وأمهر وأمد وألين وأخفض من بعض” اهـ. خلق أفعال العباد ص 183/ برقم 226، ونقله ابن القيم رحمه الله في مختصر الصواعق 2/ 491، 492 – 493 وعلق عليه. وقال البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب التوحيد: باب قراءة الفاجر والمنافق، وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم، ج 13/ ص 535/ باب 57، كتاب التوحيد – فتح.
768 – طه: “وأداؤنا”، والأداة: هي الآلة التي يكتب بها. مختار الصحاح 11.
“كتابة القرآن”: يعني: كتابة الناسخ له في الصحف والأوراق.
769 – كذا في س وحاشية ظ. وفي غيرهما: “أتى في نظمه” ناقص الوزن. فأصلح=
(2/236)
770 – (إِنَّ الَّذِي هُوَ فِي المصاحِفِ مُثْبَتٌ … بأنَامِلِ الأَشْيَاخِ والشُّبَّانِ
771 – هُوَ قَوْلُ رَبِّى آيُهُ وحُرُوفُه … ومِدَادُنَا والرَّقُّ مَخْلُوقَانِ)
772 – فَشَفَى وفَرَّقَ بَينَ مَتْلُوٍّ ومصْـ … ـنُوعٍ وذَاكَ حَقِيقَةُ العِرْفَانِ]773 – الكُلُّ مَخْلُوقٌ وَليسَ كَلَامُهُ الـ … ـمَتْلُوُّ مَخْلُوقًا هُما شَيئَانِ
774 – فَعَليكَ بالتَّفْصِيلِ والتَّمييزِ فالـ … إِطْلَاقُ والإجْمَالُ دُونَ بَيَانِ
775 – قَدْ أَفْسَدَا هَذَا الوُجودَ وَخَبَّطَا الـ … أَذْهَانَ والآراءَ كُلَّ زَمَانِ
776 – وَتلَاوَةُ القُرآنِ فِي تَعْرِيفهَا … باللامِ قَدْ يُعْنَى بِهَا شَيئَانِ
__________
= في طع بزيادة “فيه وهو” بعد “قول الحق”، وفي طه بزيادة “والإنصاف” فاستقام الوزن ولكن لم يستقم المعنى. (ص).
– يعني الناظم بـ “من قال”: أبا محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني المالكي رحمه الله (ولم أعثر له على ترجمة) وله قصيدة نونية طويلة اشتهرت بنونية القحطاني مطلعها:
يا منزل الآيات والفرقان … بيني وبينك حرمة القرآن
ومنها نقل المؤلف البيتين التاليين.
انظر كفاية الإنسان من القصائد الغر الحسان. مجموعة قصائد جمعها محمد بن أحمد سيد أحمد ص 65.
772 – ما بين المعقوفين لا يوجد في الأصل ولا ف. ولعله حذف من النسخة الأخيرة. ثم وضع هذه الأبيات هنا قاطع لسياق كلام الناظم، إذ قوله: “الكل مخلوق … ” في البيت 773 خبر للمبتدأ الذي جاء في البيت: 768 “أصواتنا ومدادنا … “. ويؤيد الحذف أن الناظم أورد بيتي القحطاني في موضع آخر. انظر البيت 4716 وما بعده. (ص).
773 – كذا في الأصل، ف، طع. وفي غيرها: “هنا شيئان”.
774 – ف: “بالتفصيل والتبيين”.
776 – تقدم تفصيل الناظم رحمه الله في ذلك والتعليق عليه بما يوضحه، راجع البيت 565 وما بعده.
(2/237)
777 – يُعْنَى بِها المتْلُوُّ فَهْوَ كَلَامُهُ … هُوَ غَيرُ مَخْلُوقٍ كَذِي الأكْوَانِ
778 – ويُرادُ أفعَالُ العِبَادِ كصوْتِهِم … وأدَائِهِم وكِلَاهُمَا خَلْقَانِ
779 – هَذَا الَّذِي نَصَّتْ عَلَيهِ أئِمَّةُ الْـ … إسْلَامِ أَهْلُ العِلْمِ والعِرفَانِ
780 – وَهُوَ الذِي قَصَدَ البُخَاريُّ الرِّضَا … لَكِنْ تَقَاصرَ قَاصِرُ الأذْهَانِ
781 – عَنْ فَهْمِهِ كتَقَاصُرِ الأفْهَامِ عَنْ … قَولِ الإِمَامِ الأَعْظَمِ الشَّيْبَانِي
782 – في اللَّفْظ لمَّا أنْ نَفَى الضِّدَّيْنِ عَنْـ … ـهُ واهْتَدَى للنَّفْي ذُو عِرفَانِ
__________
778 – ف: “وأداتهم”.
780 – تقدم ذكر قول الإمام البخاري رحمه الله والكلام على احتجاج المبتدعة بمجمل كلامه، راجع البيت: 569 وما بعده.
781 – يعني الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد تقدم حكاية كلامه والرد على من احتج بكلامه على بدعته، راجع البيت: 569 وما بعده.
782 – يشير إلى قول الإمام أحمد رحمه الله: “من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع” وقد تقدم شيء من التفصيل في ذلك في التعليق على البيت: 569.
وجاء في مختصر الصواعق المرسلة في معرض الكلام على عبارة الإمام أحمد المتقدمة: “الإمام أحمد سد الذريعة حيث منع إطلاق لفظ المخلوق نفيًا وإثباتًا على اللفظ، فقالت طائفة: أراد سد باب الكلام في ذلك. وقالت طائفة منهم ابن قتيبة: إنما كره أحمد ذلك ومنعه لأن اللفظ في اللغة الرمي والإسقاط، يقال: لفظ الطعام من فيه ولفظ الشيء من يده إذا رمى به، فكره أحمد إطلاق ذلك على القرآن. وقالت طائفة: إنما مراد أحمد أن اللفظ غير الملفوظ فلذلك قال: إن من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وأما منعه أن يقال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فإنما منع ذلك لأنه عدول عن نفس قول السلف، فإنهم قالوا: القرآن غير مخلوق، والقرآن اسم يتناول اللفظ والمعنى، فإذا خص اللفظ بكونه غير مخلوق كان ذلك زيادة في الكلام أو نقصًا من المعنى، فإن القرآن كله غير مخلوق، فلا وجه لتخصيص ذلك بألفاظ خاصة .. وهذا المنع في النفي والإثبات من كمال علمه باللغة والسنة وتحقيقه لهذا الباب فإنه امتحن به ما لم يمتحن به=
(2/238)
783 – فاللَّفْظُ يَصلُحُ مَصدَرًا هُوَ فِعْلُنَا … كَتَلَفُّظٍ بِتلَاوَةِ القُرآنِ
784 – وَكَذاكَ يَصلحُ نَفْسَ مَلْفُوظٍ بِهِ … وَهْوَ القُرَانُ فذَانِ مُحْتَمَلَانِ
785 – فلِذَاكَ أنْكَرَ أحمَدُ الإطْلَاقَ فِي … نَفْيٍ وإثْبَاتٍ بِلَا فُرْقَانِ
* * *
فصلٌ في مقالات (1) الفلاسفةِ والقَرامِطَةِ (2) فِي كلامِ الرَّبِّ جلَّ جلاله
786 – وأتَى ابنُ سِينَا القِرمِطِيُّ مُصَانِعًا … للمُسلِمِينَ بإِفْكِ ذِي بُهْتَانِ
__________
= غيره .. والذي قصده أحمد أن اللفظ يراد به أمران:
أحدهما: الملفوظ نفسه وهو غير مقدور للعبد ولا فعل له.
الثاني: التلفظ به والأداء له وهو فعل العبد.
فإطلاق الخلق على اللفظ قد يوهم المعنى الأول وهو خطأ، وإطلاق نفي الخلق عليه قد يوهم المعنى الثاني وهو خطأ فمنع الإطلاقين”. اهـ.
مختصرًا، مختصر الصواعق 2/ 489.
783 – ف: “هو لفظنا”.
(1) كذا في الأصل وطع. وفي طت: “كلام”. وفي غيرها: “مقالة”.
(2) القرامطة: هم أتباع حمدان القرمطي وكان رجلًا متواريًا صار إليه أحد دعاة الباطنية ودعاه إلى معتقده فقبل دعوته، ثم صار يدعو الناس إليها وضلَّ بسببه خلق كثير، وكان ظهورهم في عام 281 هـ في خلافة المعتضد، ودخلوا مكة سنة 317 هـ، واقتلعوا الحجر الأسود، وقتلوا المسلمين في الحرم. وقد أعيد الحجر الأسود إلى مكة سنة 339 هـ على يد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي النيسابوري رحمه الله. انظر اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 108، وأخبار القرامطة في الأحساء جمع وتحقيق ودراسة: د. سهيل زكار، مقالات الإسلاميين 1/ 100 – 101، التنبيه والرد للملطي ص 20 وما بعدها، منهاج السنة 8/ 258، الفرق بين الفرق ص 306، تلبيس إبليس ص 121 – 123.
786 – تقدمت ترجمة ابن سينا في التعليق على البيت 94. =
(2/239)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= – كان ابن سينا على مذهب القرامطة وهو يصرح بذلك، كما ذكر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تكلم على الفلاسفة قال: “ولكن هؤلاء سلكوا مسلك القرامطة الباطنية، وهم من المتفلسفة المنتسبين إلى الإسلام، وكان ابن سينا يقول: “كان أبي من أهل دعوتهم، ولذلك قرأت كتب الفلاسفة” اهـ. بغية المرتاد ص 183.
وقال ابن القيم رحمه الله: “وكان ابن سينا كما أخبر عن نفسه قال: أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم، فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد ولا رب خالق ولا رسول مبعوث” اهـ. إغاثة اللهفان 2/ 266، وانظر درء تعارض العقل والنقل 1/ 10، نقض المنطق لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 133، الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 141 – 143، والصفدية لشيخ الإسلام ص 3 (حاشية المحقق). وانظر نص كلام ابن سينا في كتاب “نكت في أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا” للكاشي.
المصانعة: المداهنة والمخادعة.
من كيد ابن سينا ومصانعته للمسلمين أنه حاول الجمع بين الدين والفلسفة مع التعصب الشديد للفلسفة، فقام بتأويل النصوص الشرعية بما يتفق مع روح الفلسفة، فهو يلوي النص ويخرجه عن معناه الحقيقي كي يتمشى مع المعاني الفلسفية. وقد أفرد في ذلك رسالة خاصة في إثبات النبوات وتأويل رموزهم، ومثال ذلك الوحي وكلام الله، فابن سينا يفسره أنه: إفاضة العقل الكلي الفعال على نفس النبي الذي ينتهي إليه التفاضل في الصور المادية، والرسالة عنده هي: ما قبل من الإفاضة المسماة وحيًا على أي عبارة استصوبت لصلاح عالمي البقاء والفساد علمًا وسياسة. والرسول هو المبلغ ما استفاد من الإفاضة المسماة وحيًا على عبارة استصوبت ليحصل بآرائه صلاح العالم الحسي بالسياسة والعالم العقلي بالعلم. انظر رسالة في إثبات النبوات وتأويل رموزهم لابن سينا ص 84 ضمن مجموع تسع رسائل لابن سينا، فيصرح هنا أن عبارات الوحي ما هي إلا ألفاظ استصوبها الرسول للتعبير بها عما أوحي إليه أي: أن الرسول قد تلقى عن الفيض الفعال معاني عبر عنها بألفاظ من عنده. =
(2/240)
787 – فَرَآهُ فَيضًا فَاضَ مِنْ عَقْلٍ هُوَ الـ … ـفَعَّالُ عِلَّةُ هَذِهِ الأكْوَانِ
788 – حَتَّى تلَقَّاهُ زَكيٌّ فَاضِلٌ … حَسَنُ التَّخَيُّلِ جَيِّدُ التِّبيَانِ
__________
= وعندما تكلم عن تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: 35]، ذكر تأويلات تتفق مع مقصده الفلسفي فقد جعل ألفاظ الآية رمزًا وإشارة للنفوس والعقول التي يتحدث عنها الفلاسفة فجعل (النور): رمزًا للخير ليكون الله هو الخير، و (السموات والأرض): الكُلُّ -وهو تعبير الفلاسفة عن العالم-، و (المشكاة): العقل الهيولاني كاستعداد النطق والإدراك وهو من أقسام العقل عند إرسطو، و (المصباح): العقل المستفاد بالفعل بعد التحول من استعداده، و (الزجاجة): الواسطة وهي العقل الفعال التي بين العقل الهيولاني والعقل المستفاد بالفعل، و (الشجرة المباركة): القوة الفكرية التي هي مادة الأفعال العقلية، و (لا شرقية ولا غربية): إشارة إلى اعتدال القوة الفكرية المتلقية للوحي (ولو لم تمسسه نار): مدح للقوة الفكرية فالنار هي العقل الكلي المدبر للعالم المشاهد فهو وإن لم يمس القوة الفكرية بالاتصال والإفاضة فهي لقوة صفائها تكاد أن تعرف الحقائق من غير إفاضة.
انظر: رسالته المذكورة ص 85 – 87، الجانب الإلهي في التفكير الإسلامي د. محمد البهي ص 213 – 214، مقدمة التحقيق لكتاب بغية المرتاد لشيخ الإسلام ص 72 – 76.
787 – ويعني الفلاسفة بمصطلح “العقل الفعال”: الرب عز وجل ويسمونه علة هذه الأكوان والمخلوقات معلولة له. انظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 3/ 1036.
788 – هذا مذهب ابن سينا في كلام الله. قال في رسالته العرشية ص 12: ” .. فوصفه بكونه متكلمًا لا يرجع إلى ترديد العبارات ولا إلى أحاديث النفس والفكرة المتخيلة المختلفة التي العبارات دلائل عليها، بل فيضان العلوم منه على لوح قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – بواسطة القلم النقاش الذي يعبر=
(2/241)
789 – فأتَى بِهِ لِلعَالَمِينَ خَطَابَةً … ومَوَاعِظًا عَرِيَتْ عنِ البُرهَانِ
790 – مَا صَرَّحَتْ أخْبَارُهُ بالحَقِّ بَلْ … رَمَزَتْ إِليهِ إِشَارَةً لِمَعَانِ
__________
= عنه بالعقل الفعال والملك المقرب هو كلامه. فالكلام عبارة عن العلوم الخاصة للنبي – صلى الله عليه وسلم – والعلم لا تعدد فيه ولا كثرة {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] بل التعدد إما أن يقع في حديث النفس أو الخيال والحس. فالنبي يتلقى علم الغيب من الحق بواسطة الملك، وقوة التخيل تتلقى تلك وتتصورها بصورة الحروف والأشكال المختلفة، وتجد لوح النفس فارغًا فتنتقش تلك العبارات والصور فيه، فيسمع منها كلامًا منظومًا، ويرى شخصًا بشريًا، فذلك هو الوحي، لأنه إلقاء الشيء إلى النبي بلا زمان، فيتصور في نفسه الصافية صورة الملقى والملقى كما يتصور في المرآة المجلوة صورة المقابل. فتارة يعبر عن ذلك المنتقش بعبارة العبرية وتارة بعبارة العرب، فالمصور واحد والمظهر متعدد. فذلك هو سماع كلام الملائكة ورؤيتها. وكل ما عبر عنه بعبارة واقترنت بنفس الصور، فذلك هو آيات الكتاب، وكل ما عبر عنه بعبارة نقشية فذلك هو أخبار النبوة” أ. هـ عن كتاب ابن تيمية السلفي لهراس ص 113.
789 – يزعم الفلاسفة: أن الرسل أتوا بكلام خطابي يؤثر في الجمهور ويحرك عواطفهم من غير أدلة ولا براهين، وسيأتي تفصيل ذلك فيما يأتي من أبيات.
790 – مقالة الفلاسفة في كلام الله تعالى -كما تقدم من كلام ابن سينا- أنه فيض فاض من العقل الفعال على النفوس الفاضلة الزكية بحسب استعدادها فحدث لها بسببه تصورات وتصديقات بحسب ما قبلته منه، ولهذه النفوس ثلاث قوى: قوة التصور وقوة التخيل وقوة التعبير فتدرك بقوة تصورها من المعاني ما يعجز عنه غيرها، وتدرك بقوة تخيلها شكل المعقول في صورة المحسوس، فتصور المعقول صورًا نورانية تخاطبها وتكلمها بكلام تسمعه الآذان، وهو عندهم كلام الله، ولا حقيقة له في الخارج وإنما ذلك من القوة الخيالية الوهمية. وزعموا: أن ما جاء به=
(2/242)
791 – وخِطَابُ هَذَا الخَلْقِ والجُمْهُورِ بالـ … ـحَقِّ الصَّرِيحِ فَغَيرُ ذِي إمْكَانِ
792 – لَا يَقْبَلونَ حَقَائِقَ المَعْقُولِ إلا … في مِثَالِ الحِسِّ والأَعْيَانِ
793 – وَمَشَاربُ العُقَلاءِ لَا يَرِدُونَهَا … إلا إذَا وُضعَتْ لَهُم بأَوانِ
794 – مِنْ جِنْسِ مَا أَلِفَتْ طِبَاعُهُمُ مِنَ الـ … ـمَحْسُوسِ في ذَا العَالَمِ الجُثْمَانِي
795 – فأتَوْا بِتَشْبِيهٍ وتَمْثِيلٍ وتَجْـ … ـسِيمٍ وتخْيِيلٍ إلَى الأذْهَانِ
796 – ولِذَاكَ يَحْرُمُ عِنْدَهُم تأْوِيلُهُ … لَكِنَّهُ حِلٌّ لِذِي العِرفَانِ
__________
= الرسول – صلى الله عليه وسلم – إنما أراد به خطاب الجمهور بما يخيل إليهم مما ينتفعون به من غير أن يكون الأمر في نفسه كذلك، ومن غير أن تكون الرسل بينت الحقائق. انظر مختصر الصواعق 1/ 127، 2/ 473، 503، 511، شرح حديث النزول (تحقيق الخميس) ص 421، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 65 – 66، درء تعارض العقل والنقل 2/ 304 – 305، رسالة في إثبات النبوات وتأويل رموزهم لابن سينا ص 84 – 87 وقد تقدم نقل كلام ابن سينا في ذلك، في التعليق على البيت 786.
791 – طع: “هذا الحق”، وهو تحريف.
793 – يعني الفلاسفة بالعقلاء أنفسهم فإنهم الذين يستطيعون فهم الحقائق، كما سيأتي نقل كلامهم.
الأواني: جمع آنية، والآنية جمع إناء.
794 – يزعم الفلاسفة: أن خطاب الرسل لجمهور الناس بالحق الواضح المبين الصريح غير ممكن لأن عقول العامة قاصرة عن فهم الحقائق العقلية فلا بد من تصويرها لهم في صور تألفها طباعهم وتدركها عقولهم. انظر المراجع السابقة في البيت 790.
795 – “فأتوا”: يعني: الرسل. ويجوز أن يضبط بالبناء للمجهول “فأُتُوا” يعني العامة. (ص).
796 – “تأويله”: يعني: يحرم تأويل كلام الأنبياء للعامة. (ص).
(2/243)
797 – فإِذَا تَأوَّلْناهُ كَانَ جِنَايَةً … مِنَا وَخَرقَ سِيَاجِ ذَا الْبُسْتَانِ
798 – لَكِنْ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنْ قَدْ أَتَوْا … بالكِذْبِ فيهِ مَصَالِحُ الإنْسَانِ
799 – والفَيلَسُوفُ وَذَا الرَّسُولُ لَدَيْهِمُ … مُتَفَاوِتَانِ وَمَا هُمَا عِدْلَانِ
800 – أمَّا الرَّسُولُ فَفَيلَسُوفُ عَوَامِهِم … وَالفَيلَسُوفُ نَبيُّ ذِي البُرهَانِ
__________
797 – السياج: في الأصل هو السور الذي يحيط بالبستان. والمقصود هنا: أن تأويل كلام الرسل أمام العامة خرق لسياج بستان الشرع. وهذا كله تعبير الناظم عن موقف ابن سينا وأمثاله وما قالوه مصانعة للمسلمين وتلبيسًا عليهم، ولذلك كشف في البيت التالي عن حقيقة هذا القول الخادع. (ص).
798 – أي: حقيقة قول الفلاسفة أن الأنبياء قد أتوا بالكذب لمصلحة الناس (ص). ط: “عند مصالح الإنسان”.
799 – عِدلان: مثلان.
800 – حذف الشدة من “عوامّ” للضرورة. (ص).
– الفيلسوف عند الفلاسفة أعلى مرتبة من النبي، لأن النبي إنما هو للعامة يدعوهم ويربيهم، أما الفيلسوف فهو الذي يربي الخاصة من أصحاب العقول والمدارك ويكشف لهم البراهين والحقائق. وكذلك فإن المعدن الذي يأخذ منه النبي عندهم هو العقل الفعال والقوة الفعلية التي يسمونها القوة القدسية، فالفيلسوف يختص بالقوة الفعلية والنبي يختص بقوة المخيلة، قال الفارابي في معرض كلامه عن اكتساب النبي واكتساب الفيلسوف: “فيكون الله عزّ وجل يوحي إليه بتوسط العقل الفعال فيكون ما يفيض من الله تبارك وتعالى إلى العقل الفعال يفيضه العقل الفعال إلى عقله المنفعل بتوسط العقل المستفاد ثم إلى قوته المتخيلة فيكون بما يفيض منه إلى عقله المنفعل حكيمًا فيلسوفًا ومتعقلًا على التمام، وبما يفيض منه إلى قوته المتخيلة نبيًا منذرًا بما سيكون ومخبرًا بما هو الآن من الجزئيات بوجود يعقل فيه الإلهي” آراء أهل المدينة الفاضلة ص 78، وانظر بغية المرتاد لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 227، شرح حديث النزول ص 421، نقض المنطق ص 131 – 132.
(2/244)
801 – والْحَقُّ عِنْدَهُمُ فَفِيمَا قَالَهُ … أتْبَاعُ صَاحِبِ مَنْطِقِ اليُونَانِ
802 – وَمَضَى عَلَى هَدي المقَالَةِ أمَّةٌ … خَلْفَ ابْنِ سِينَا فاغْتَذَوْا بِلِبَانِ
803 – مِنْهُم نَصِيرُ الكُفْرِ فِي أصْحَابِهِ … النَّاصِرِينَ لِمِلَّةِ الشَّيطَانِ
804 – فَاسْألْ بِهِم ذَا خِبرةٍ تَلْقَاهُمُ … أَعْدَاءَ كُلِّ مُوَحِّدٍ رَبَّانِي
805 – [واسْألْ بِهِم ذَا خِبرةٍ تَلْقَاهُمُ … أَعْدَاءَ رُسْلِ الله والقُرآنِ]__________
801 – المنطق: عرفه التهانوي بأنه علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها بحيث لا يعرض الغلط في الفكر. كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 33. وعرفه ابن خلدون بقوله: قوانين يعرف بها الصحيح من الفاسد في الحدود والمعرفة للماهية والحجج المفيدة للتصديقات. المقدمة ص 908. والمقصود بصاحب منطق اليونان: أرسطو. وقد غلا أصحاب المنطق في تحكيم عقولهم وقياساتها والاعتداد بمقدمات ونتائج توصلوا إليها دون النظر إلى أحكام الشريعة وضوابط الدين، فلم ينج أكثرهم من الإلحاد والزندقة. وقد ردّ عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية وفنّد أقوالهم وهدم قوانينهم في كتابيه “الرد على المنطقيين” و”نقض المنطق”. وانظر الملل والنحل 3/ 527 وما بعدها.
802 – اللِّبان: الرضاع. يعني: أنهم كانوا على مشرب ابن سينا.
803 – يعني: نصير الدين الطوسي، وقد تقدمت ترجمته في التعليق على البيت: 487، وسيأتي في كلام الناظم رحمه الله ما قام به الطوسي من كيد للإسلام والمسلمين في البيت: 930 وما بعده.
805 – ورد هذا البيت في الأصل قبل البيت السابق، وكتب من قابله بنسخة الشيخ تحت “رسل الله”: “كل موحد”، وتحت “القرآن”: “رباني”، مع علامة صح تحت الكلمتين، و”نسخة الشيخ” بينهما. ثم كتب فوق البيت الثاني الذي هو الأول هنا: “زائد عن نسخة الشيخ وهو معنى البيت الذي قبله”. ويدل هذا على أن الناظم غيّر عجز البيت، فكان أولًا: “أعداء رسل الله والقرآن”، فاستبدل به فيما بعد: “أعداء كل موحد رباني”. ولكن ورد البيتان كلاهما في نسخة ف أيضًا مثل سائر النسخ. (ص).
(2/245)
806 – صُوفِيُّهُم عَبدُ الوُجوُدِ المطْلَقِ الـ … ـمَعْدُومِ عَنْدَ العَقْلِ فِي الأَعْيَانِ
807 – أَوْ مُلْحِدٌ بالاتحَادِ يَدينُ لَا التَّـ … ـوحِيدِ، مُنْسَلِخٌ مِنَ الأدْيَانِ
808 – مَعْبُودُهُ مَوْطُوؤه فِيهِ يَرَى … وَصْفَ الجَمَالِ وَمَظْهَرَ الإحْسانِ
809 – اللهُ أكبَرُ كَم عَلَى ذَا المذْهَبِ الـ … ـمَلْعُونِ بَينَ النَّاسِ مِنْ شِيخَانِ
__________
806 – الصوفي: نسبة إلى الصوفية وقد اختلف في سبب هذه التسمية والأقرب أنه نسبة إلى اشتهارهم بلبس الصوف كما ذكر شيخ الإسلام وغيره، والمراد بالتصوف (في الأصل): التنسك والعبادة والزهد في الدنيا وتفريغ القلب من سوى الله، وهم طوائف متعددة أصولها متقاربة إن لم تكن واحدة، وكان التصوف في بدايته زهدًا وعبادة ثم صار حركات ومظاهر مبتدعة ثم تحول إلى إلحاد وزندقة كما قال الواسطي: كان للقوم إشارات ثم صارت حركات ثم لم يبقَ إلا حسرات، وقد ضلّ فريق من الصوفية عن دين الله فقالوا: بالحلول ووحدة الوجود وإباحة المحرمات وترك الواجبات وعلم الباطن. انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 6 – 7، 19 – 20، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 97، مصرع التصوف للبقاعي ص 19 وما بعدها.
– كذا ضبط “عبدُ” في نسخة ف بالرفع على أنه خبر، وهو الصواب. (ص). الوجود المطلق عند الصوفية هو الذي لا يتقيد بشيء لا باسم ولا صفة ولا بأي مقيد أو مخصص، وهذا في الحقيقة لا وجود له إلا في الذهن ولا وجود له في الخارج، والعارف عندهم من يعبد هذا الوجود، وإذا خصصه بشيء وقع في الضلال، كما ذكر الناظم في البيت: 296.
وانظر درء تعارض العقل والنقل 3/ 438، والمراجع السابقة، وراجع ما تقدم من كلام ابن عربي في البيتين: 289 و 295 وما بعدهما.
807 – تقدم التعريف بمذهب الاتحادية ونقل كلامهم والرد على باطلهم في البيت: 289 وما بعده.
808 – تقدم حكاية كلام ابن عربي وأنه يرى أن الواطئ والموطوء شيء واحد، فما ثم غير الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. انظر البيت 285.
809 – شيخان: جمع شيخ مثل ضيف وضيفان. اللسان 3/ 31.
(2/246)
810 – يَبغُونَ مِنْهُم دَعْوَةً ويقَبِّلُو … نَ أيَادِيًا مِنْهُم رَجَا الغُفْرَانِ
811 – وَلَوَ انَّهُم عَرَفُوا حَقِيقَةَ أمْرِهِم … رَجَمُوهُمُ لَا شَك بالصَّوَّانِ
812 – فابْذُرْ لَهُم إنْ كُنْتَ تَبْغِي كَشْفَهُم … وَافْرِشْ لَهُم كَفًّا مِنَ الأتْبَانِ
813 – وَاظْهَر بِمظْهَرِ قَابلٍ مِنْهُم وَلَا … تَظْهَر بِمَظْهَرِ صَاحِبِ النُّكْرانِ
814 – وَانْظُر إلَى أَنْهارِ كُفْرٍ فُجِّرتْ … وَتَهُمُّ لَوْلَا السَّيْفُ بالجَرَيَانِ
* * *
__________
810 – “الغفران”: في حاشية الأصل أن في نسخة: “العرفان” (ص)، يعني: أن عامة الناس وجهلتهم يغترون بهؤلاء الشيوخ لما يظهرون من الزهد والتعبد، ويغفلون عن فساد معتقدهم وضلال طريقتهم، وقد يتقربون إلى هؤلاء المشايخ بأنواع القرب والتبجيل ولو علموا حقيقة أمرهم لرجموهم بالحجارة.
811 – الصوان: حجارة صلبة إذا مسته النار فقَّع تفقيعًا وتشقق. اللسان 13/ 251.
812 – بَذَر الحَبّ: نثره. والأتبان: جمع تِبْن، وهو ما تهشّم من سيقان القمح والشعير بعد درسه، تعلفه الماشية. يعني إذا أردت أن تكشف مذهبهم ويفضوا لك بما عندهم من الحقائق والعجائب فدارهم وأظهر الموافقة والتصديق، وقد شبههم الناظم رحمه الله بالأنعام التي تتبع كل من داراها ونثر لها طعامها وقد يكون في اتباعها له حتفها.
814 – يعني: أنك إذا أظهرت لهم الموافقة ووثقوا أنك من أتباعهم كشفوا لك أسرارهم التي هي الكفر المحض، ولولا خوفهم من القتل والأذى من أهل الحق لكشفوا مذهبهم ودعوا الناس إليه صراحة. قال الإمام أحمد رحمه الله عن الجهمية: “لا يؤمنون بشيء ولكن يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية”. الرد على الجهمية ص 105. وقال أبو الحسن الأشعري في الإبانة أثناء كلامه عن الجهمية: “فمنعهم خوف السيف من إظهارهم نفي ذلك” الإبانة ص 113، وتقدم نقل كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى في التعليق على البيت رقم 498.
(2/247)
فصلٌ في مقالاتِ طوائفِ الاتّحاديَّةِ في كلامِ الرَّبِّ جلَّ جلالُهُ
815 – وأتَتْ طَوَائِفُ الاتِّحَادِ بمِلَّةٍ … طَمَّتْ عَلَى مَا قَالَ كُلُّ لِسَانِ
816 – قَالُوا كَلَامُ الله كُلُّ كَلَامِ هَـ … ـذا الْخَلْقِ مِنْ جِنٍّ وَمِنْ إِنْسَانِ
817 – نَظْمًا وَنَثْرًا زُورُهُ وصَحِيحُهُ … صِدْقًا وَكِذْبًا وَاضِحَ البُطْلَانِ
818 – فالسَّبُّ والشَّتْمُ القَبِيحُ وقَذْفُهُم … لِلمُحْصَنَاتِ وَكُلُّ نَوْعِ أَغَانِ
__________
815 – طمَّت: علت وكثرت وغلبت. اللسان 12/ 370.
ومراد الناظم: أن مقالة الاتحادية فاقت في الكفر والضلال مقالات الطوائف الأخرى.
– تقدم في كلام الناظم عرض مذهب الاتحادية في الخالق جلّ وعلا. انظر البيت: 265 وما بعده. أما مذهبهم في الكلام فهو مبني على أصلهم الذي أصلوه وهو أن الله سبحانه عين هذا الوجود، فصفاته هي صفات الله وكلامه هو كلام الله، وأصل هذا المذهب الملعون إنكار مسألة المباينة والعلو فإنهم لما أصلوا أن الله تعالى غير مباين لهذا العالم المحسوس صاروا بين أمرين لا ثالث لهما: أحدهما: أنه معدوم لا وجود له، إذ لو كان موجودًا لكان إما داخل العالم وإما خارجًا عنه. الثاني: أن يكون هو عين هذا العالم، فإنه يصح أن يقال فيه حينئذ إنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا مباينًا له ولا حالاًّ فيه إذ هو عينه. والشيء لا ينافي نفسه ولا يحايثها فرأوا أن هذا خير من إنكار وجوده والحكم عليه بأنه معدوم. انظر مختصر الصواعق 2/ 472، وراجع ما تقدم عن مذهبهم في الأبيات: 265 وما بعده.
816 – حتى قال عارفهم ابن عربي:
وكل كلام في الوجود كلامه … سواء علينا نثره ونظامه
انظر: الفتوحات المكية 4/ 141، ومختصر الصواعق 2/ 472.
818 – المحصنات: جمع محصنة وهي المرأة المصونة العفيفة. النهاية 1/ 397.
(2/248)
819 – والنَّوْحُ والتَّعْزِيمُ والسِّحْرُ المُبِيـ … ـنُ وَسَائِرُ البُهْتَانِ والهَذَيَانِ
820 – هُوَ عَينُ قَوْلِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ … وَكَلامُهُ حَقًّا بِلَا نُكْرَانِ
821 – هَذَا الذِي أَدَّى إِلَيهِ أصْلُهُم … وعَلَيهِ قَامَ مُكَسَّحُ البُنيَانِ
822 – إذْ أصْلُهُم أَنَ الإلهَ حَقِيقَةً … عَينُ الوُجُودِ وَعَينُ ذِي الأكْوَانِ
823 – فَكَلَامُهَا وَصِفَاتُهَا هُوَ قَوْلُهُ … وَصِفَاتُهُ مَا هاهُنَا غَيْرانِ
824 – وَلذاكَ قَالُوا إِنَّهُ المْوصُوفُ بِالضِّـ … ـدَّيْنِ مِنْ قُبْحٍ وَمِن إِحْسَانِ
825 – ولذَاكَ قَدْ وَصَفُوهُ أَيْضًا بالكَمَا … لِ وَضِدِّهِ مِنْ سَائِر النُّقْصَانِ
826 – هَذِي مَقَالَاتُ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا … حُمِلَتْ إِلَيكَ رَخِيصَةَ الأثْمَانِ
827 – وأَظُنُّ لَوْ فَتَّشْتَ كُتْبَ النَّاسِ مَا … أَلْفَيتَهَا أبَدًا بِذَا التِّبيَانِ
__________
819 – النوح: رفع الصوت بالبكاء على الميت. اللسان 2/ 627.
التعزيم: قراءة العزيمة وهي الرُقية التي يُعزم بها على الجن والأرواح لتكف أذاها وهي من أنواع الشرك بالله. تيسير العزيز الحميد ص 165، لسان العرب 12/ 400.
821 – المكسَّح: المصاب بالكُساح، وهو داء تضعف له الرِّجل، فيمشي الإنسان كأنه يكسح الأرض أي يكنسها. وهو من أمراض الإبل أيضًا. يقال: جمل مكسوح: لا يمشي من شدّة الضلع. اللسان 2/ 571، المعجم الوسيط (كسح)، ومراد الناظم: أن بنيانهم ضعيف منهار وهو مع ذلك قائم على هذا الأصل الفاسد فازداد ضعفًا إلى ضعفه.
823 – ط: “ما ههنا قولان”.
824 – كذا في الأصل، ف، ظ. وفي غيرها: “وكذاك قالوا” وهو تحريف.
– لما كان الله تعالى عند الاتحادية هو عين هذا الوجود صار موصوفًا بالضدين من قبح وإحسان وكمال ونقصان، لأنه عين كل شيء فهو عندهم مجمع للأضداد والمتقابلات، وقد تقدم تفصيل ذلك في الأبيات: 290 وما بعده.
825 – كذا في الأصل، ف. وفي غيرهما: “وكذاك”.
827 – ألفيتها: وجدتها.
(2/249)
828 – زُفَّتْ إِلَيكَ فإنْ يَكُنْ لَكَ نَاظِرٌ … أبْصَرتَ ذَاتَ الحُسن والإحْسَانِ
829 – فَاعْطِفْ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ المُغْلِ الأُلَى … خَرقُوا سِيَاجَ العَقْل والقُرآنِ
830 – شَرِّدْ بِهِم مَنْ خَلْفَهُم واكْسِرهُمُ … بَلْ نَادِ فِي نَادِيهمُ بأذَانِ
831 – أَفسَدتُمُ المعْقُولَ والمنْقُولَ والـ … ـمَسمُوعَ مِنْ لُغَةٍ بِكُلِّ لِسَانِ
__________
828 – يعني -رحمه الله- أنك أيها القارئ إن كنت منصفًا خاليًا من التعصب أبصرت حسن هذه المنظومة وبديع جمعها وصياغتها لمذاهب الناس فصارت بحق ذات حسن وإحسان، فحسنت في نفسها وأحسنت إلى غيرها.
829 – المغل: أي المغول وهم التتار، ولعله وصفهم بذلك لأن التتار بعد غزوهم لبلاد الإسلام عاثوا في الناس فسادًا وقتلوا المسلمين ودخل فريق منهم في الدين فكانوا من أنصار أهل التجهم والتعطيل بتأثير نصير الدين الطوسي، كما سيأتي في كلام الناظم في البيت: 930 وما بعده. انظر البداية والنهاية 13/ 283، إغاثة اللهفان 2/ 267.
– يعني: أنهم خالفوا العقل والنقل بمناقضة أقوالهم لهما.
– بعد أن فرغ الناظم رحمه الله من ذكر مقالات الطوائف في كلام الرب عز وجل وصفاته عطف عليها تفنيدًا وردًّا، فبدأ بالجهمية ومن تبعهم من المعتزلة وغيرهم.
830 – اقتباس من قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] أي: نكل بهم من خلفهم كي يتعظوا بهم، والتشريد: هو الطرد والتبديد. اللسان 3/ 236، تفسير الطبري مجلد 6 / ج 10/ ص 25.
الأذان: الإعلام والإخبار. اللسان 13/ 9، ومراد الناظم: اصرخ بهم بكل قوة وجرأة بأنهم خالفوا العقل والنقل واللغة.
831 – خالف الجهمية بنفيهم للصفات العقل والنقل واللغة، فخالفوا العقل لأن واهب الكمال أولى به وهم ينفون عن الله صفات الكمال ويثبتونها للمخلوق، وخالفوا النقل لأن النصوص الشرعية جميعها تدل على إثبات صفات الكمال لله تعالى، وخالفوا اللغة بقولهم: عليم بلا علم وقدير بلا قدرة فوصفوه بالمشتق وسلبوا معناه عنه. انظر الرسالة الأكملية لشيخ الإسلام وهي في مجموع الفتاوى ج 6/ 88، شرح الأصول الخمسة ص 195 – 202، 527 وما بعدها.
(2/250)
832 – أَيَصِحُّ وَصْفُ الشَّيءِ بالمشْتَق لِلْـ … ـمَسلُوبِ مَعْنَاهُ لَدَى الأَذْهَانِ؟
833 – أَيَصِحُّ صَبَّارٌ وَلَا صَبْرٌ لَهُ … ويَصِحُّ شَكَّارٌ بِلَا شُكْرَانِ
834 – ويصِحُّ عَلَّامٌ وَلَا عِلْمٌ لَهُ … وَيَصِحُّ غَفَّارٌ بِلَا غُفْرَانِ
835 – وَيُقَالُ هَذَا سَامِعٌ أوْ مُبصِرٌ … وَالسَّمْعُ والإبْصَارُ مَفْقُودَانِ
836 – هَذَا مُحَالٌ فِي العُقُولِ وَفِي النُّقُو … لِ وَفِي اللُّغَاتِ وَغَيرُ ذِي إِمْكَانِ
837 – فَلَئِنْ زَعَمْتُمْ أنَّهُ مُتَكَلِّمٌ … لَكِنْ بِقَوْلٍ قَامَ بالإنْسَانِ
838 – أَوْ غَيرهِ فيُقَالُ هَذَا بَاطِلٌ … وَعلَيكُمُ فِي ذَاكَ مَحْذُورَانِ
839 – نَفْيُ اشْتِقَاقِ اللَّفْظِ للموْجُودِ مَعْـ … ـناهُ بِهِ وَثُبُوتُهُ للثانِي
__________
832 – ب، ط: “لذي الأذهان”.
– عند إطلاق المشتق على شيء يجب أن يكون ذلك الشيء موصوفًا بهذا الاشتقاق أصلًا فلا يصح أن تصف زيدًا بأنه عالم وهو لا علم عنده أو أنه عاقل وهو فاقد للعقل، لكن الجهمية نفوا صفات الله تعالى، فلما أورد عليهم وصف الله تعالى لنفسه بصفات الكمال كالعلم والقدرة قالوا: نقول عليم بلا علم وقدير بلا قدرة .. إلخ، وقد ردَّ عليهم الناظم بما يأتي من أبيات. وانظر قاعدة في الاسم والمسمى لشيخ الإسلام وهي في مجموع الفتاوى 6/ 185، التدمرية ص 18.
837 – هذا رد على شبهتهم في الكلام حيث قالوا: إن معنى كون الله متكلمًا أنه خالق للكلام في غيره فليس الكلام وصفًا له وإنما هو وصف لذلك المحل، وقد تقدم ذكر الناظم لقولهم مجملًا في البيت: 42 وما بعده. وسيرد عليهم الناظم فيما يأتي من أبيات، وسيرد مرة أخرى في الأبيات: 865 وما بعده.
838 – يعني: غير الإنسان كقول بعض الجهمية: إن الكلام قام بالشجرة.
839 – يلزم الجهمية على قولهم إن معنى كون الله متكلمًا أنه خالق للكلام في غيره محذوران:
الأول: نفي اللفظ المشتق عمن قام به معناه ووجد فيه، فقوله تعالى لموسى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 12] معناه: أن الكلام قام بالله فهو المتكلم=
(2/251)
840 – أَعْنِي الذِي مَا قَامَ مَعْنَاهُ بِهِ … قَلْبُ الحَقَائِقِ أقْبَحُ البُهْتَانِ
841 – ونَظِيرُ ذَا أَخَوَانِ هَذَا مُبصِرٌ … وأَخُوهُ مَعْدُودٌ مِنَ العُمْيَانِ
842 – سَمَّيتُمُ الأَعْمَى بَصِيرًا إذْ أَخُو … هُ مُبصِرٌ وبِعَكْسِهِ فِي الثانِي
843 – فَلَئِنْ زَعَمْتُم أنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ … فِي فِعْلِهِ كالخَلْقِ للأكوَانِ
844 – والفِعْلُ لَيسَ بقَائِمٍ بإلهِنَا … إذْ لَا يَكُونُ مَحَلَّ ذِي حِدْثَانِ
845 – ويَصِحُّ أَنْ يُشْتَقَّ مِنْهُ خَالِقٌ … فَكَذَلِكَ المتَكَلِّمُ الوَحْدَانِي
846 – هُوَ فاعِلٌ لِكَلَامِهِ وَكِتَابِهِ … لَيسَ الكَلَامُ لَهُ بِوَصفِ مَعَانِ
__________
= أما الجهمية فيقولون معنى كون الله هو المتكلم -هنا- أنه خلق الكلام في الشجرة.
الثاني: إثبات اللفظ المشتق للذي لم يقم به الوصف أصلًا ولم يشتق منه اللفظ، كما أثبتوا الكلام للشجرة، وقد تقدم تفصيل ذلك في كلام الناظم والتعليق عليه في الأبيات: 832 وما بعده.
وانظر الرد على الجهمية للدارمي ص 85 – 96، الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 130.
842 – كذا في نسخة ف، وفي ح، ط أيضًا، وهو الصواب. وفي غيرها: “مبصرًا”. – “بعكسه”: أي سموا البصير أعمى.
845 – “الوحداني”: الواحد. وانظر البيت 575 (ص).
846 – أورد الناظم رحمه الله هنا معارضة من الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة، إذ لما قيل لهم: لا يصح لكم وصف الله بالكلام مع عدم قيام الكلام به سبحانه قالوا: إن بعض صفات الله سبحانه يوصف بها مع قيامها بغيره كالخلق والرزق فإنه قائم بغيره ومع ذلك وصف الله بأنه خالق رازق فكذلك الكلام يصح أن يوصف أنه متكلم بمعنى أنه فاعل للكلام دون أن يكون الكلام قائمًا بذاته سبحانه.
وسيتولى الناظم رحمه الله الرد عليهم في الأبيات: 865، وما بعده.
– أي: ليس الكلام وصف معنى قائمٍ بذاته سبحانه، وسيأتي تفصيل حجتهم عند رد الناظم عليهم. انظر الأبيات: 865 وما بعده.
(2/252)
847 – وَمُخَالِفُ المعْقُولِ والمنْقُولِ والْـ … ـفِطْرَاتِ والمسْمُوعِ للإِنْسَانِ
848 – مَنْ قَالَ إنَّ كَلَامَهُ سُبحَانَهُ … وَصْفٌ قَدِيمٌ أحْرُفًا وَمَعَانِي
849 – والسِّينُ عنْدَ البَاءِ لَيسَتْ بَعْدَهَا … لَكِنْ هُمَا حَرفَانِ مُقْتَرِنانِ
850 – أَوْ قَالَ إنَّ كَلَامَهُ سُبحَانَهُ … مَعْنىً قَدِيمٌ قَامَ بالرَّحْمنِ
851 – مَا إنْ لَهُ كُلٌّ وَلَا بَعْضٌ وَلا الـ … ـعَرَبِيْ حَقِيقَتُهُ وَلَا العِبرانِي
852 – والأمْرُ عَيْنُ النَّهْيِ واسْتِفْهَامُهُ … هُوَ عَينُ إِخْبَارٍ بِلَا فُرقَانِ
853 – وكَلَامُهُ كحَيَاتِهِ مَا ذَاكَ مَقْـ … ـدُورًا لَهُ بَلْ لَازِمُ الرَّحْمنِ
854 – هَذَا الَّذِي قَدْ خَالَفَ المعْقُولَ والْـ … ـمَنْقُول والفِطْرَاتِ للإِنْسانِ
__________
847 – تقدم تعريف الفطرة، راجع التعليق على البيت رقم 262.
هذا التفات من الجهمية إلى المذاهب الأخرى وذكروا ما فيها من مخالفة العقل والنقل والفطرة واللغة، فبدؤوا بمذهب الاقترانية – وقد تقدم شرح مذهب الاقترانية تفصيلًا في كلام الناظم والتعليق عليه، راجع الأبيات: 611 وما بعده.
848 – ط: “أحرف” بالرفع، وفي ظ ضبط بالرفع والنصب معًا.
849 – س: “حرفان مفترقان” وهي تحريف. وانظر البيت 613.
850 – هذا مذهب الأشاعرة والكلابية وقد تقدم تفصيل مذهبهم في كلام الناظم والتعليق عليه، راجع الأبيات: 571 وما بعده.
851 – انظر البيت 578. وفي ف، ب، ظ: “حقيقة”، وهو خطأ.
852 – س: “عين النفي” وهي تحريف. وانظر البيت 575.
853 – قول الأشاعرة والكلابية في كلام الله: إنه وصف لذاته تعالى، لازم لها أزلًا وأبدًا، لا ينفك عنها ولا يتعلق بالمشيئة والقدرة، بل صفة الكلام عندهم كصفة الحياة. وقد تقدم تفصيل ذلك عند كلام الناظم على مذهبهم، في البيت 571.
854 – يتهكم الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة بمذهب الاقترانية ومذهب الأشعرية والكلابية ويقولون: إنهم قد خالفوا العقل والنقل والفطرة، أما نحن فلم نخالف ذلك.
(2/253)
855 – أمَّا الَّذِي قَدْ قَالَ إنَّ كَلَامَهُ … ذُو أحْرُفٍ قَد رُتِّبَتْ بِبَيَانِ
856 – وَكَلَامُهُ بمَشيئَةٍ وإِرادَةٍ … كالفِعْلِ مِنْهُ كِلَاهُما سِيَّانِ
857 – فَهُوَ الذِي قَدْ قَالَ قوْلًا يَعْلمُ الْـ … ـعُقَلَاءُ صِحَّتَهُ بِلَا نُكْرانِ
858 – فلأىِّ شَيءٍ كَانَ مَا قَدْ قُلْتُمُ … أَوْلَى وَأقْرَبَ مِنْهُ لِلبُرهَانِ
859 – ولأيِّ شيء دَائِمًا كَفَّرتُمُ … أَصْحَابَ هَذَا القَوْلِ بِالعُدْوانِ
860 – فَدَعُوا الدَّعَاوِيَ وابْحَثُوا مَعَنا بِتَحْـ … ـقِيقٍ وإنْصافٍ بِلَا عُدْوَانِ
861 – وَارْفُوا مَذَاهبَكُم وسُدُّوا خَرقَهَا … إِنْ كَانَ ذَاكَ الرَّفْوُ فِي الإِمْكَانِ
862 – فَاحْكُمْ هَدَاكَ الله بَينَهُمُ فَقَدْ … أَدْلَوْا إِلَيكَ بحُجَّةٍ وبَيَانِ
__________
856 – “سيان”: مستويان، متماثلان. وفي ب، ظ: “شيئان” تصحيف. يعني: أن كلامه سبحانه متعلق بمشيئته وإرادته كما أن فعله متعلق بمشيئته وإرادته.
857 – لا شك أنه لا ينكر على الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة قولهم: إن كلامه تعالى حروف وألفاظ وأنه متعلق بالقدرة والمشيئة كسائر الأفعال، ولكن موضع الإنكار عليهم هو زعمهم أن الكلام ليس صفة قائمة بالله سبحانه بل هو مخلوق منفصل عنه. ويتبع قولهم هذا من الباطل والإلزامات التي تقدح في أصل الشريعة ما سبق تفصيله في الأبيات: 694 وما بعده.
859 – إن من تأمل في كتب الكلابية والأشاعرة وجد أنهم يعرضون مذهبهم في الكلام ثم يشتغلون بإيراد شبه المخالفين من الجهمية والمعتزلة بل من أهل الحق أهل السنة والجماعة ويردون عليها، وقد يكفرون القائل بها. انظر -مثلًا- ما ذكره الرازي (الأشعري) في كتابه الأربعين في أصول الدين 1/ 247 – 258 فقد ناقش رأي المعتزلة وغيرهم ثم قرر مذهب الأشاعرة.
860 – “فدعوا الدعاوي”: هذا جواب “فلئن زعمتم” الواردة في البيت 843.
861 – أي: أصلحوا مذاهبكم من: رفوت الثوب: أصلحته. القاموس 1663.
862 – ينتدب الناظم رحمه الله حكمًا من أهل الحق ليحكم بين هذه الطوائف المتنازعة في الكلام، كما فعل في بداية النظم لما طلب حكمًا يحكم بينهم في معتقدهم في ربهم تعالى بقوله: “فاجلس إذًا في مجلس الحكمين” في الأبيات: 261 وما بعده.
(2/254)
863 – لَا تَنْصُرَنَّ سوَى الحَديثِ وأهْلِهِ … هُم عَسكَرُ القُرآنِ والإيمَانِ
864 – وتَحَيَّزَنَّ إِليهِمُ لَا غَيْرِهِمْ … لِتَكُونَ منْصُورًا لَدَى الرحْمَنِ
865 – فَتقُولُ هَذَا القَدْرُ قَدْ أعْيَا عَلَى … أَهْلِ الكَلَامِ وَقَادَهُ أصْلَانِ
866 – إحدَاهُمَا هَلْ فِعْلهُ مفعُولُهُ … أَوْ غَيرُهُ فَهُمَا لَهُم قَوْلَانِ
867 – والقَائِلُونَ بأنَّهُ هُوَ عَينُهُ … فَرُّوا مِنَ الأوصَافِ بالحِدْثَانِ
__________
863 – طت، طه: “الإيمان والقرآن”.
865 – كذا في ب، د، طت، طه. ولم ينقط حرف المضارع في الأصل، ف، ظ. وفي طع: “فنقول”. وفي س: “فيقول” وهو خطأ (ص).
– يعني بهذا القدر: هذه المسألة وهي مسألة: هل الكلام قائم بالرب أم غير قائم به؟
866 – أنَّث الأصل للضرورة. وانظر الأبيات: 181، 262، 518 (ص).
– هذا جواب من الناظم رحمه الله على ما أوردته الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة لتصحيح مذهبهم في الكلام بقياسه على الفعل، وقولهم: إن وصف الله تعالى بالكلام لا يستلزم قيام الكلام به، كما لا يقتضي وصفه بالفعل قيام الفعل به. وقد فصل الناظم رحمه الله الردَّ عليهم في أصلين بني عليهما الخلاف.
أحدهما: أن فعل الله تعالى من الخلق والإحسان والرزق وغيرها هو مفعوله وليس هناك فعل ومفعول ورزق ومرزوق وخلق ومخلوق وإنما فعله هو المفعول نفسه وليس هناك فعل قام بذاته تعالى.
والثاني: أن الفعل غير المفعول.
انظر خلق أفعال العباد للبخاري 168 – 175، درء تعارض العقل والنقل 1/ 256، 2/ 12، 123 – 124، قاعدة نافعة في صفة الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية وهي ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ج 2/ 64، منهاج السنة النبوية 2/ 376 وما بعدها، وشفاء العليل ص 527، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي ص 539.
867 – الفريق الأول هم القائلون بأن الفعل هو المفعول، وهم الجهمية والمعتزلة=
(2/255)
868 – لَكِنْ حَقِيقَةُ قَوْلهِمْ وَصَرِيحُهُ … تَعْطِيلُ خَالِقِ هَذِهِ الأكْوَانِ
869 – عَنْ فِعْلِهِ إذْ فِعْلُهُ مَفْعُولُهُ … لَكِنَّهُ مَا قَامَ بالرَّحْمنِ
870 – فَعَلَى الحَقِيقَةِ مَا لَهُ فِعْلٌ إذِ الْـ … ــــمَفْعُولُ مُنْفَصِلٌ عَنِ الديَّانِ
871 – والقَائِلُونَ بأنَّهُ غَيْرٌ لَهُ … مُتَنَازِعُونَ وَهُمْ فَطَائِفَتَانِ
872 – إحْداهُمَا قَالَتْ: قَديمٌ قَائِمٌ … بالذَّاتِ وَهْوَ كَقُدرةِ المنَّانِ
873 – سَمَّوْهُ تَكْوِينًا قَديمًا قَالَهُ … أتْبَاعُ شَيْخِ العَالَمِ النُّعْمَانِ
__________
= والأشاعرة والكلابية. وجرهم إلى ذلك أصلهم الذي أصلوه وهو منع قيام الحوادث بذاته سبحانه، وقالوا: لو جعلنا الأفعال كالخلق والرزق صفات لله قائمة به لكان الله محلًا للحوادث، وما كان محلًا للحوادث فهو حادث، ويمتنع علينا أيضًا طريق إثبات الصانع لأننا إنما استدللنا على عدم حدوثه بامتناعه عن حلول الحوادث به. وقد تقدم شرح أصلهم هذا في موضع سابق، راجع البيت 169، وانظر المراجع السابقة. وسيأتي في كلام الناظم الرد مفصلًا على دليلهم في إثبات الصانع في الأبيات: 998 وما بعده.
870 – حقيقة قول هؤلاء تعطيل الله تعالى عن أفعاله، وذلك لأن الفعل إذا كان هو المفعول، والمفعول -أصلًا- مخلوق لله منفصل عنه، لم يكن لله في الحقيقة فعل يقوم به ويكون صفة من صفاته، فينتج عن ذلك تعطيل الله تعالى عن أفعاله، كما بيّنه الناظم هنا. انظر المراجع السابقة.
871 – القائلون بأن الفعل غير المفعول طائفتان:
الأولى: الماتريدية وهم أتباع أبي منصور الماتريدي الحنفي، حيث أثبتوا صفات الأفعال لله تعالى كالإحياء والإماتة وغيرهما من الصفات الفعلية، لكنهم يرجعونها إلى صفة التكوين، وهي عندهم صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى كقيام القدرة. وستأتي الطائفة الثانية في البيت 875.
كتاب التوحيد للماتريدي ص 47 – 49، شرح الفقه الأكبر للقاري ص 33 – 34، الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات 1/ 418، 2/ 424.
873 – التكوين: هي من صفات الله عند الماتريدية، وهي مبدأ الإخراج من العدم إلى الوجود، وصفات الأفعال راجعة إليها. وهي عبارة عن الإيجاد والخلق =
(2/256)
874 – وَخُصُومُهُمْ لَمْ يُنْصِفُوا فِي رَدِّهِ … بَلْ كَابَرُوهُمْ مَا أَتَوْا بِبَيَانِ
875 – والآخَرُونَ رأَوْهُ أَمْرًا حَادِثًا … بالذَّاتِ قَامَ وإنَّهُمْ نَوْعَانِ
__________
= والرزق والإحياء والإماتة. والتكوين عند الماتريدية صفة أزلية قائمة بالله تعالى، والصفات الفعلية متعلقة بالتكوين وليست صفات حقيقية، فرارًا من قيام الحوادث بالله تعالى. انظر المراجع السابقة.
“النعمان”: يعني الإمام أبا حنيفة رحمه الله. وهو الإمام الفقيه النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي، ولد سنة 80 هـ، ويعد في طبقة التابعين. روى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي وغيرهما، وبرع في الفقه والرأي حتى صار فيه إمامًا، توفي في بغداد سنة 150 هـ. سير أعلام النبلاء 6/ 390.
انظر تحقيق مسألة انتساب الماتريدية للإمام أبي حنيفة رحمه الله مفصلة في كتاب: الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني.
874 – يعني بخصوم الماتريدية: الأشاعرة، وذلك لأن الماتريدية وافقت الأشاعرة في إثبات الصفات السبع لله تعالى، وزادوا عليها صفة التكوين التي أرجعوا إليها الصفات الفعلية. أما الأشاعرة، فلا يعترفون بصفة التكوين وإنما صفات الأفعال عندهم حادثة لا يوصف الله بها. والأقرب أن الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية في هذه المسألة خلاف لفظي، وذلك لأنهم جميعًا يرون أن الصفات الفعلية ليست صفات لله على الحقيقة ولا قائمة به سبحانه. انظر المراجع السابقة في البيت 871.
875 – الطائفة الثانية من القائلين بأن الفعل غير المفعول قالوا: إن فعل الله حادث قائم بذاته متعلق بالقدرة والمشيئة، وهم نوعان:
النوع الأول: الكرامية حيث جعلوا له ابتداء في ذاته بمعنى: أنه لم يكن فاعلًا ثم فعل، وقد دفعهم إلى هذا القول فرارهم من القول بالتسلسل في أفعال الله، فيلزم قدم أنواع المفعولات، فيسدّ ذلك عليهم -في زعمهم- طريق إثبات الصانع. والكلام والفعل عندهم سيّان أي: أن الله متكلم بعد أن لم يكن متكلمًا.
والنوع الثاني سيأتي في التعليق على البيت 878.
انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 19، 147 – 148، وراجع ما سبق عند الكلام على مذهبهم في الكلام في الأبيات: 636 وما بعده.
(2/257)
876 – إحْدَاهُمَا جَعَلَتْهُ مُفْتَتَحًا بِهِ … حَذَرَ التسَلْسُلِ لَيْسَ ذَا إِمْكَانِ
877 – هَذَا الَّذِي قَالَتْهُ كَرَّامِيَّةٌ … فَفَعَالُهُ وكَلَامُهُ سِيَّانِ
878 – والآخَرُونَ أُولُو الحَدِيثِ كأحْمَدٍ … ذَاكَ ابنُ حَنْبلٍ الرِّضَا الشَّيبَانِي
879 – قَدْ قَالَ: إنَّ الله حَقًّا لَمْ يَزَلْ … مُتَكَلِّمًا إنْ شَاءَ ذُو إحسَانِ
880 – جَعَلَ الكَلَامَ صِفَاتِ فِعْلٍ قَائمٍ … بالذَّاتِ لَمْ يُفْقَدْ مِنَ الرَّحْمنِ
881 – وَكَذَاكَ نَصَّ عَلَى دَوَامِ الفِعْلِ بالْـ … إحْسَانِ أَيْضًا فِي مَكَانٍ ثَانِ
__________
876 – سيأتي تعريف التسلسل والكلام عليه تفصيلًا في الأبيات: 956 وما بعده.
877 – تقدم التعريف بالكرامية، راجع التعليق على البيت 635. وسيأتي رد الناظم عليهم، انظر البيت: 898 وما بعده.
878 – النوع الثاني من الطائفة القائلين بأن الفعل حادث قائم بذات الرب متعلق بالقدرة والمشيئة هم: أهل الحديث، حيث نصوا على أن الكلام والفعل كليهما لم يزل ولا يزال قائمًا بذات الرب متعلقًا بمشيئته وقدرته، وليس له أول كما قالت الكرامية. وتقدم النوع الأول في البيت: 875.
ب: “ذاك الرضى بن حنبل الشيباني” وقد تقدمت ترجمة الإمام أحمد في التعليق على المقدمة.
879 – قال الإمام أحمد رحمه الله: “نقول: إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق الكلام” الرد على الجهمية ص 133. وقد تقدم حكاية قول أهل السنة في كلام الله تعالى، راجع الأبيات: 649 وما بعده.
881 – وهو قوله رحمه الله: “لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا يقدر حتى خلق له قدرة، والذي ليس له قدرة هو عاجز. ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق له علمًا فعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله عالمًا قادرًا، لا متى ولا كيف” الرد على الجهمية ص 134.
(2/258)
882 – وَكذَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَراجِعْ قَوْلَهُ … لمَّا أجَابَ مَسَائِلَ القُرْآنِ
883 – وكذَاكَ جَعْفَرٌ الإِمَامُ الصَّادِقُ الْـ … ـــمَقْبُولُ عِنْد الخَلْق ذُو العِرْفَانِ
884 – قَدْ قَالَ لَمْ يَزَلِ المُهَيْمِنُ مُحْسِنًا … بَرًّا جَوَادًا عِنْدَ كُلِّ أَوانِ
__________
882 – عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حبر الأمة وإمام التفسير. ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وصحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وروى عنه، توفي سنة 67 هـ، وقيل: 68 هـ وله من العمر 71 سنة. سير أعلام النبلاء 3/ 331، الاستيعاب 3/ 933.
– يشير رحمه الله إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير: أن رجلًا سأل ابن عباس قال: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، فذكر مسائله ومنها قال: وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158] {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس: وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96] سمى نفسه ذلك، وذلك قوله أي: لم يزل كذلك، رواه البخاري 8/ 555 فتح كتاب التفسير، باب سورة حم السجدة.
883 – جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الهاشمي القرشي أبو عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية من سادات أهل البيت وهو معدود في أتباع التابعين. قال الذهبي: بر صادق كبير الشأن، لم يحتج به البخاري. أ. هـ، وقال أبو حاتم: ثقة لا يسأل عن مثله أ. هـ، حدث عن أبيه أبي جعفر الباقر وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وحدث عنه ابنه موسى الكاظم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأبو حنيفة وغيرهم، ت 148 هـ.
سير أعلام النبلاء للذهبي 6/ 255، مشاهير علماء الأمصار ص 127، ميزان الاعتدال 1/ 414، الجرح والتعديل 2/ 487، الأعلام 2/ 126.
884 – يشير إلى ما جاء عن جعفر الصادق أنه سئل عن قوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون: 115] لمَ خُلق الخلقُ؟ فقال: “لأن الله كان محسنًا بما لم يزل فيما لم يزل، إلى ما لم يزل، فأراد الله أن يفيض إحسانه إلى خلقه، وكان غنيًا عنهم، لم يخلقهم لجر =
(2/259)
885 – وَكَذَا الإِمَامُ الدَّارِمِيُّ فإنَّهُ … قَدْ قَالَ مَا فِيهِ هُدَى الحَيْرانِ
886 – قَالَ الحَيَاةُ مَعَ الفَعَالِ كِلَاهُمَا … مُتَلازِمَانِ فَلَيْسَ يَفْتَرِقَانِ
__________
= منفعة ولا لدفع مضرة. لكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتى يفصلوا بين الحق والباطل فمن أحسن كافأه بالجنة، ومن عصى كافأه بالنار”. رواه الثعالبي في تفسيره بسنده، نقلًا عن شرح ابن عيسى 1/ 350. وقد استعرضت تفسير الثعالبي في مجلداته الأربعة ولم أجد الأثر، فراجعت تفسير الثعلبي وهو مخطوط ويوجد له مصورة ميكروفيلم بجامعة الإمام ولم أجد الأثر، وراجعت كثيرًا من كتب التفسير والعقيدة التي صنفها السلف ونقلوا فيها أقوال الأئمة، ولم أعثر عليه. فراجعت كتب الشيعة فوجدته في “تفسير الصافي” و”علل الشرائع” بلفظ قريب من اللفظ المتقدم، ولفظه في هذين الكتابين: “عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: لمَ خلق الله الخلق؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثًا ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة، ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم، ويوصلهم إلى نعيم أبدي”. “تفسير الصافي” للكاشاني 3/ 412، “علل الشرائع” للقمي 1/ 20.
885 – الدارمي: عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد الدارمي السجستاني أبو سعيد، إمام حافظ ناقد، كان لهجًا بالسنة بصيرًا بالمناظرة، وله في ذلك تصانيف. سمع أبا اليمان وسليمان بن حرب ومسدد بن مسرهد وغيرهم. وحدث عنه مؤمل بن الحسين ومحمد بن يوسف الهروي وغيرهما. من كتبه: “النقض على بشر المريسي” وله “المسند” ت 280 هـ. سير أعلام النبلاء للذهبي 13/ 319، الجرح والتعديل 6/ 153، الأعلام 4/ 205.
886 – يشير إلى قول الإمام الدارمي رحمه الله عند كلامه عن صفة من صفات الله الفعلية وهي النزول قال: “لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء، ويتحرك إذا شاء، وينزل ويرتفع إذا شاء، ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك، كل حي متحرك لا محالة، وكل ميت غير متحرك لا محالة” أ. هـ، من كتابه “النقض على بشر المريسي” وهو =
(2/260)
887 – صَدَق الإِمَامُ فَكُلُّ حَيٍّ فَهْوَ فَعَّـ … ــــالٌ وَذَا فِي غَايَةِ التِّبْيَانِ
888 – إلَّا إذَا مَا كَانَ ثَمَّ مَوانِعٌ … مِنْ آفةٍ أو قَاسِرِ الحَيَوَانِ
889 – والرَّبُّ لَيْسَ لِفعْلِهِ مِنْ مَانعٍ … مَا شاءَ كَانَ بِقُدْرَةِ الدَّيَّانِ
890 – وَمَشِيئَةُ الرَّحمنِ لَازِمَةٌ لَهُ … وَكَذَاكَ قُدْرَةُ رَبِّنَا الرحْمنِ
891 – هَذَا وَقَدْ فَطَرَ الإلهُ عِبَادَهُ … أنَّ المُهَيْمِنَ دَائِمُ الإحْسَانِ
892 – أَوَ لَسْتَ تَسْمَعُ قَوْلَ كُلِّ مُوَحِّدٍ … يَا دَائِمَ المَعْرُوفِ والسُّلْطَانِ؟
893 – وَقَدِيمَ الإحْسَانِ الكثيرِ ودَائِمَ الْـ … ـــجُودِ العَظِيم وصَاحِبَ الغُفْرانِ؟
894 – مِنْ غَيْر إنْكَار عَلَيْهِمْ فطْرَةً … فُطِرُوا عَلَيْهَا لَا تَواصِ ثَانِ
895 – أَوَ لَيْسَ فِعْلُ الرَّبِّ تَابِعَ وَصْفِهِ … وَكَمَالِهِ أَفَذَاكَ ذُو حِدْثَانِ؟
__________
= موجود ضمن مجموع عقائد السلف ص 379، وانظر خلق أفعال العباد ص 107، ودرء التعارض 2/ 7، 4/ 25.
888 – القسر: القهر على الكره، يقال: قسره على كذا: أكرهه عليه. اللسان 5/ 91. ومراد الناظم: أن الحياة والفعل متلازمان فكل حي فهو فعال إلا إذا وجد مانع يمنع هذا الحي من الفعل من آفة تعجزه عن الفعل أو مكروه يقهره ويمنعه عنه، وهذا لا يتصور في حق الله تعالى، فإن حياته سبحانه أكمل حياة، ويستحيل أن تطرأ عليه آفة أو أن يمنعه أحد عن فعل أراده. انظر المراجع المذكورة في الحاشية السابقة.
891 – بعدما قرر الناظم رحمه الله مذهب السلف في دوام فاعلية الله تعالى وكلامه بالأدلة والنقول عن السلف، شرع في الاستدلال على ذلك بالفطرة والعقل، وقد ثبت ذلك بالإجماع أيضًا كما حكى ذلك البغوي رحمه الله عن أهل السنة، شرح السنة للبغوي ج 1 ص 157.
894 – انظر في الكلام على إدراك الإنسان بفطرته صفات الله تعالى وأفعاله وكماله. شفاء العليل ص 599.
895 – بدأ الناظم رحمه الله في سياق الدليل العقلي على إثبات صفات الكمال لله تعالى وذلك: “أن الله موصوف بصفات الكمال منزَّه عن النقائص وكل كمال =
(2/261)
896 – وَكَمَالُهُ سَبَبُ الفِعَالِ وَخَلْقُهُ … أفْعَالَهُمْ سَبَبُ الكَمَالِ الثَّانِي؟
897 – أَوَ مَا فِعَالُ الرَّبِّ عَيْنَ كَمَالِهِ … أَفَذَاكَ مُمْتَنِعٌ عَلى المنَّانِ؟
898 – أَزلًا إلَى أَنْ صَارَ فِيمَا لَمْ يَزَلْ … مُتَمَكِّنًا والفِعْلُ ذُو إمْكَانِ
899 – تاللهِ قَدْ ضَلَّتْ عُقُولُ القَوْمِ إذْ … قَالُوا بِهَذَا القَوْلِ ذِي البُطْلَانِ
900 – مَاذَا الَّذِي أضْحَى لَهُ مُتَجَدِّدًا … حَتَّى تمكَّنَ فانْطِقُوا بِبَيَانِ؟
__________
= وصف به المخلوق من غير استلزامه لنقص فالخالق أولى به، وكل نقص نزه عنه المخلوق فالخالق أحق بأن ينزه عنه، والفعل صفة كمال كالكلام والقدرة لا صفة نقص، وعدم الفعل صفة نقص كعدم الكلام وعدم القدرة، فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع” اهـ، من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في درء التعارض ج 2/ 6. وانظر شفاء العليل ص 591، وانظر ما سبق بيانه من إلزامات تقدح في أصل الشريعة لمن نفى صفة الكلام، راجع الأبيات: 694 وما بعده.
896 – الفعل لازم لكمال الله تعالى من وجهين: الأول: أن عدم الفعل نقص والله منزَّه عن النقص، وله الكمال المطلق سبحانه وتعالى. الثاني: أن الله تعالى قد جعل في عباده صفة الفعل وهي كمال، بل خلق أفعالهم، فواهب الكمال أولى به، انظر درء التعارض 3/ 123.
897 – هذا رد من الناظم رحمه الله على الكرامية القائلين: بأن الله تعالى لم يكن فاعلًا ثم فعل، فتكلم بعد أن لم يكن متكلمًا وكذا سائر صفاته الفعلية. فرد عليهم: بأنّ فقد صفات الكمال نقص، والفعل صفة كمال، وكيف يصير هذا الفعل ممكنًا بعد أن كان ممتنعًا من غير تجدد سبب أوجب هذا الإمكان؟.
انظر درء التعارض 2 /ص 174 وما بعدها، 2/ 225، شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 139، الأربعين للرازي 1/ص 170، وما بعدها، الإرشاد للجويني 62 – 63. وقد عرض الرازي في كتابه الأربعين ردًا مفصلًا على الكرامية كما في 1/ 170 وقد ناقش ردّه شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض 2/ 207.
898 – ف: “أن زال” وهي تحريف.
(2/262)
901 – والرَّبُّ لَيْسَ مُعَطَّلًا عَنْ فِعْلِهِ … بَلْ كُلَّ يَوْمٍ رَبُّنَا فِي شَانِ
902 – والأمْرُ والتَّكْوِينُ وَصْفُ كَمَالِهِ … ما فَقْدُ ذَا وَوُجُودُه سِيَّانِ
903 – وَتَخَلُّفُ التَّأثِيرِ بَعْدَ تَمَامِ مُو … جِبِهِ مُحَالٌ لَيْسَ فِي الإمْكَانِ
904 – واللهُ رَبِّي لَمْ يَزَلْ ذَا قُدْرَةٍ … وَمشِيئَةٍ وَيَلِيهِمَا وَصْفانِ
905 – العِلْمُ مَعْ وَصْفِ الحَيَاةِ وَهَذهِ … أوْصَافُ ذَاتِ الخَالِقِ المنَّانِ
906 – وَبِهَا تَمَامُ الفِعْلِ لَيْسَ بِدُونِهَا … فِعْلٌ يَتِمُّ بِوَاضِحِ البُرْهَانِ
907 – فَلأَيِّ شَيءٍ قَدْ تَأخَّر فِعْلُهُ … مَعَ مُوجِبٍ قَدْ تَمَّ بالأرْكَانِ؟
908 – مَا كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيهِ الفِعْلُ بَلْ … مَا زَالَ فِعْلُ اللهِ ذَا إمْكانِ
__________
901 – قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] قال ابن القيم رحمه الله بعد سياقه لهذه الآية: “يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويكشف غمًا، وينصر مظلومًا، ويأخذ ظالمًا، ويفك عانيًا، ويغني فقيرًا، ويجبر كسيرًا، ويشفي مريضًا، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويعز ذليلًا، ويذل عزيزًا، ويعطي سائلًا، ويذهب بدولة ويأتي بأخرى” أ. هـ. طريق الهجرتين ص 127.
902 – يعني بالأمر: كلام الله تعالى، وبالتكوين: خلقه وفعله، وقد تقدم بيان ما في هذين الوصفين من صفات الكمال، راجع الأبيات: 724 وما بعده.
903 – يعني رحمه الله أن الأمر والتكوين من صفات الله تعالى المستلزمة لظهور تأثيرها وهو الفعل، لأن وجود المؤثر التام مع عدم المانع من تأثيره وتمام الموجب لا يمكن معه إلا ظهور أثره وهو المفعول، والله سبحانه وتعالى لا شيء يمنعه من الفعل والتأثير. انظر درء التعارض 4/ 67 – 71.
907 – ويقال كذلك لنفاة فعل الله تعالى: إن الله موصوف بتمام القدرة ونفوذ المشيئة والحياة الكاملة والعلم المحيط، وهي صفات ذاتية لله عز وجل، ووجودها يستلزم تمام الفعل ولا يحتاج الفاعل إلى غيرها من الصفات للقيام بالفعل، فلأي شيء تخلف الفعل مع وجود أركانه ومقوماته. انظر درء التعارض 2/ 243 – 244، 3/ 124 – 125.
908 – هذا رد من الناظم على من قال: إن الله لم يكن فاعلًا ثم فعل، وهم =
(2/263)
909 – واللَّهُ عَابَ المشْرِكِينَ بأنَّهُمْ … عَبَدُوا الحِجَارَةَ فِي رِضا الشَّيْطَانِ
910 – وَنَعَى عَلَيْهِمْ كَوْنَهَا لَيْسَتْ بِخَا … لِقَةٍ وَليْسَتْ ذَاتَ نُطْقِ بَيَانِ
911 – فأبَانَ أنَّ الفِعلَ والتَّكْلِيمَ مِنْ … أَوْثَانِهِم لَا شَكَّ مفْقُودَانِ
912 – وإذَا هُمَا فُقِدَا فَمَا مَسْلُوبُهَا … بإلهِ حَقٍّ وَهْوَ ذُو بُطْلَانِ
913 – واللهُ فَهْوَ إلهُ حَقٍّ دَائمًا … أَفَعَنْهُ ذَا الوَصْفَانِ مَسْلُوبَانِ
914 – أَزَلًا وَلَيْسَ لفَقْدِهَا مِنْ غايةٍ … هَذَا المُحَالُ وأعظَمُ البُطْلَانِ
915 – إنْ كَانَ رَبُّ الْعَرشِ حَقًّا لَمْ يَزَلْ … أبَدًا إلهَ الحقِّ ذَا سُلْطَانِ
916 – فكذاكَ أيْضًا لَمْ يَزلْ متكلِّمًا … بَلْ فَاعِلًا مَا شَاءَ ذَا إحْسَانِ
917 – واللهِ مَا فِي العَقْل مَا يَقْضِي لِذَا … بالرَّدِّ والإبْطَالِ والنُّكْرَانِ
918 – بَلْ لَيْسَ فِي المعْقُولِ غَيرُ ثُبُوتِهِ … للخَالِقِ الأزَليِّ ذِي الإحْسَانِ
__________
= الكرامية، ومن وافقهم من أهل الكلام، وقد تقدم الكلام على ذلك في الأبيات: 875 وما بعده.
910 – قال تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الأعراف: 191] وقال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] وقال ناعيًا على الذين عبدوا العجل من قوم موسى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا} [الأعراف: 148] وقد تقدم الكلام على ذلك في الأبيات: 879 وما بعده.
912 – يعني -رحمه الله-: أن صفتي الفعل والتكليم إذا سلبتا من الإله لم يكن إلهًا حقًا لأن سلبهما نقص.
914 – يعني -رحمه الله-: أن النفاة سلبوا الله تعالى صفتي الكلام والفعل أزلًا ولم يثبتوها له، ومعلوم أن الأزل لا نهاية له ولا غاية، ونفيهم هذا من أعظم الباطل فإن الله تعالى إله حق ومن كماله ثبوت هاتين الصفتين له. انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 243، 3/ 124، شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 312.
918 – تقدم الكلام على ثبوت صفات الكمال لله شرعًا وعقلًا وفطرة، انظر الأبيات: 901 وما بعده.
(2/264)
919 – هَذَا وَمَا دُونَ المهَيْمنِ حَادِثٌ … لَيْسَ القَدِيمُ سِوَاهُ في الأكْوَانِ
920 – واللهُ سَابِقُ كُلِّ شَيءٍ غَيْرِه … مَا رَبُّنَا والخَلْقُ مقْتَرِنَانِ
921 – واللهُ كَانَ وَليْسَ شَىْءٌ غَيْرُهُ … سُبْحَانَهُ جَلَّ العظِيمُ الشَّانِ
922 – لَسْنَا نَقُولُ كَمَا يَقُولُ المُلْحِدُ الزِّ … نْدِيقُ صَاحِبُ منْطِقِ اليُونَانِ
__________
919 – المهيمن: من أسماء الله تعالى كما قال سبحانه: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] ومعنى المهيمن: الرقيب الحفيظ الشهيد على خلقه. انظر تفسير الطبري 6/ 172، تفسير ابن كثير 4/ 343، تفسير الأسماء للزجاج ص 32.
القديم: لم يثبت في شيء من النصوص تسمية الله تعالى بالقديم، ولكن يجوز إطلاق ذلك على الله تعالى من باب الخبر أي: أنه الأول المتقدم على غيره .. وهذا مراد الناظم رحمه الله بدليل أنه قابله بالحادث. انظر شرح العقيدة الطحاوية 1/ 75 – 78، درء التعارض 5/ 50.
– شرع الناظم رحمه الله في الرد على فريقين: الأول: الفلاسفة القائلون بقدم العالم. والفريق الثاني: القائلون بأن إثبات صفات أزلية لله تعالى يستلزم تعدد القدماء، وسيفصل الناظم رحمه الله الرد على هاتين الشبهتين في الفصل التالي. وانظر درء تعارض العقل والنقل 5/ 45 – 49.
920 – عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن أهل اليمن قالوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: جئنا نسألك عن هذا الأمر، فقال: “كان الله ولم يكن شيء غيره” الحديث رواه البخاري 6/ 286 الفتح، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}.
– يعرض بقوله: “ما ربنا والخلق مقترنان” بالرد على ابن سينا وأتباعه من الفلاسفة القائلين بقدم العالم، وسيفصل ذلك فيما بعده من أبيات.
921 – سيفصل الناظم -رحمه الله- الكلام على حدوث ما سوى الله وأول المخلوقات في الأبيات: 987 وما بعده، وانظر شرح العقيدة الطحاوية 1/ 111 – 116.
922 – ويعني الناظم هنا: أننا عندما نقول: إن صفات الله تعالى وأفعاله أزلية لا نعني أن شيئًا غير الله تعالى أزلي أو مقارن له في الأزل كما يقول ذلك أرسطو وأتباعه من الفلاسفة الذين يرون أن العالم قديم أزلي لا أول له، =
(2/265)
923 – بِدَوامِ هَذَا العَالَم المشْهُودِ والـ … أَرْوَاحِ فِي أزَلٍ وَليْسَ بفَانِ
924 – هَذِي مَقَالَاتُ المَلاحِدَةِ الأُلى … كَفَرُوا بخَالِقِ هَذِهِ الأكْوَانِ
925 – وَأتَى ابنُ سِينَا بَعْدَ ذَاكَ مُصانِعًا … للمسْلِمِينَ فقَالَ بالإمْكَانِ
926 – لكنَّهُ الأَزَليُّ لَيْسَ بمُحْدَثٍ … مَا كَانَ معْدُومًا ولَا هُوَ فَانِ
927 – وأتَى بِصُلْحٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ بَيْـ … ــــنَهُمَا الحُرُوبُ ومَا هُمَا سِلْمَان
__________
= وكما أنه قديم فهو باق ليس بفان. وسيتولى الناظم الرد عليهم في كل ذلك في الأبيات: 947، 956 وما بعده.
وانظر درء التعارض 1/ 122، 2/ 150 – 153، مجموع الفتاوى 5/ 539، تهافت الفلاسفة للغزالي ص 89 – 124، 125 – 132، رسالة في العقل والروح لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 25 – 26 ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، شرح حديث النزول ص 414.
925 – تقدمت ترجمته في التعليق على البيت 94. وانظر البيتين: 486، 786.
أراد ابن سينا أن يوفق بين مذهب الفلاسفة القائل بقدم العالم وأزليته وبين مذهب أهل الحق القائل إن كل ما سوى الله تعالى مخلوق حادث، فقال: إن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن، والممكن قد يكون قديمًا أزليًا لم يزل ولا يزال، يمتنع عدمه، وهو واجب بغيره، والفلك والعالم من هذا النوع، فخالف بذلك جميع العقلاء إذ كيف يكون الشيء ممكنًا يمكن أن يوجد وأن لا يوجد ثم مع ذلك يكون قديمًا أزليًا أبديًا ممتنع العدم واجب الوجود بغيره، فابن سينا وافق الفلاسفة في القول بأزلية العالم وقدمه، لكنه عبر بالإمكان ليتقرب بهذا اللفظ إلى المسلمين.
درء تعارض العقل والنقل 1/ 126، رسالة في العقل والروح لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 25 – 26، تهافت الفلاسفة للغزالي 119 – 124، والإشارات والتنبيهات لابن سينا ج 3/ 485، وسيتولى الناظم -رحمه الله- الرد عليه في الأبيات 947 وما بعدها.
926 – ب: “فليس”.
ف: “وما هو”.
(2/266)
928 – أنَّى يكُونُ المسْلِمُونَ وَشيعَةُ الْـ … ــيُونَانِ صُلْحًا قَطُّ فِي الإيمَانِ؟
929 – والسَّيْفُ بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ وبَيْنَهُمْ … والحَرْبُ بَيْنَهُمُ فحَرْبُ عَوَانِ
930 – وَلذا أتَى الطُّوسِيُّ بالحَرْبِ الصَّرِيـ … ـــحِ بصَارِمٍ مِنهُ وسَلِّ لِسَانِ
__________
928 – الشيعة: الجماعة والأتباع والأنصار.
“قط”: ظرف لاستغراق الزمان الماضي، ولا يستعمل للحال والمستقبل. قال ابن هشام: “والعامة يقولون: لا أفعله قط، وهو لحن” (مغني اللبيب: 233 نشرة مازن المبارك). وقد ورد لغير الماضي في كلام الزمخشري -كما هنا في كلام الناظم- فقال أبو حيان في البحر: “وكثر استعمال الزمخشري “قط” ظرفًا والعامل فيه غير ماض. وهو مخالف. لكلام العرب في ذلك (8/ 423 ط / دار الفكر 1413 هـ). وقد تكرر هذا الإستعمال في المنظومة. انظر مثلًا الأبيات: 957، 1238، 1600، 1797، 2871. (ص) “.
929 – العَوانُ: المرأة الثيب، ومن ذلك قيل للحرب التي قوتل فيها مرة بعد أخرى: “حربٌ عوانٌ”. قال الشاعر:
حربًا عوانًا لقِحت عن حُولَلِ
وأنشد ابن بري لأبي جهل:
ما تنقِم الحربُ العوانُ منّي؟
اللسان (عون 13/ 299). فتبين أن “الحرب العوان” تركيب وصفي، لا إضافي كما جاء في بيت الناظم رحمه الله (ص).
930 – كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “وكذا أتى”.
– تقدمت ترجمة الطوسي في التعليق على البيت 487.
الصارم: السيف القاطع، وسلّ السيف من غمده: أخرجه برفق. يعني: أن الطوسي سلّ سيفه ولسانه جميعًا لمحاربة المسلمين. وفي نسخة ف: “أسل لسان”. والأسَل بفتح السين: الرماح والنبل، والأسَلة: طرف السنان واللسان. فإن لم يكن ما جاء في ف خطأ من الناسخ وجب إسكان السين للضرورة. (ص).
– ولد الطوسي في مدينة طوس الإيرانية سنة 597 هـ وخرج منها إلى نيسابور، ودرس فيها ثم عاد إلى طوس وعمل وزيرًا للإسماعيلية زهاء 28 =
(2/267)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= سنة. وأثناء وزارته كاتب المغول سرًّا سنة 650 هـ حتى كان توسع المغول لإخضاع البلاد الغربية، فاجتاحوا قلاع الإسماعيلية (الألموت) بقيادة هولاكو سنة 654 هـ، فمال الطوسي إليهم، وساعدهم في الانتصار، فحظي عندهم، وصار وزيرًا لهولاكو حتى احتوى على عقله، فكان لا يركب ولا يسافر إلا في وقت يأمره به الطوسي. وقد كان التتار تهيبوا من اجتياح بغداد وكان المنجمون يحذرون هولاكو من عاقبة ذلك، لكن الطوسي شجعه وأمنه وما زال به حتى انطلق هولاكو ومعه الطوسي والأمراء والوزراء وجند كثير إلى بغداد سنة 656 هـ، وكان الخليفة في بغداد هو المستعصم بالله، وكان قد ركن إلى وزيره ابن العلقمي وهو شيعي رافضي خبيث، وكان ابن العلقمي حاقدًا على أهل السنة بسبب مذهبه الباطني وبسبب ما وقع بين أهل السنة والرافضة في بغداد سنة 655 هـ من حرب أصاب الرافضة على إثرها خزي وأذى. فأشار ابن العلقمي على الخليفة أن يسرح الجند ويلغي إقطاعاتهم فأطاعه الخليفة وسرح الجند ولم يبق منهم إلا عشرة آلاف وقد كانوا مائة ألف حتى رُئي كثير منهم يسألون الناس في الأسواق وأبواب المساجد، ولما أقبل التتار إلى بغداد كان أول من برَز إليهم هذا الرافضي الخبيث ابن العلقمي، فاجتمع بهولاكو واستوثق لنفسه ولمن أراد، ثم رجع إلى الخليفة وقال: إن الملك قد رغب أن يزوج ابنته من ابنك أبي بكر ويبقيك في الخلافة فاخرج إليه، فخرج الخليفة في سبعمائة راكب من العلماء والفقهاء والأمراء فقتلهم هولاكو عن آخرهم، وقتل الخليفة رفسًا بالأقدام -وقيل: خنقًا- بتشجيع الطوسي وإشارته. ثم اجتاح التتار بغداد في يوم الاثنين الحادي عشر من محرم سنة 656 هـ وما زالوا يقتلون كل من وقفوا عليه من الجند وعامة الناس وكان الطوسي يشرف على قتل الناس بنفسه ويشجع جند التتار على ذلك، ووقعت بالناس مقتلة عظيمة وكان الرجل يذبح أمام نسائه وبناته كما تذبح الشاة ثم يختار التتار من شاؤوا من نسائه ويذبحون الباقي، وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات، ولم ينج من القتل إلا من كان يستثنيه =
(2/268)
931 – وأتَى إلى الإِسْلَام يهْدِمُ أصْلَهُ … مِنْ أُسِّهِ وقواعِدِ البُنْيَانِ
932 – عَمَرَ المدَارِسَ للفَلاسِفَةِ الأُلَى … كَفَرُوا بِدِين الله والقُرآنِ
933 – وأَتَى إِلى أوْقَافِ أهْلِ الدِّينِ ينْـ … ــــقُلُهَا إليْهم فِعْلَ ذِي أضغانِ
934 – وأرَادَ تَحْوِيلَ الإِشَارَات التي … هِيَ لابْنِ سِينَا مَوْضِعَ الفُرْقَانِ
__________
= الطوسي أو ابن العلقمي من الرافضة والفلاسفة والمنجمين والسحرة لأجل أن يخدموا هولاكو. ولما انقضت أربعون يومًا بقيت بغداد خاوية والقتلى في الطرقات كأنهم التلول، وقد تغيرت الجيف، وفسد الهواء حتى مات خلق كثير في الشام من سريان الهواء إليهم وانتقال الأوبئة بالرياح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون. ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من كان مختبئًا تحت الأرض في المطامير والمقابر كأنهم موتى نشروا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضًا، فلم يلبثوا أن أخذهم الوباء فتفانوا ولحقوا بمن مضى. واجتمعوا تحت الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
انظر: البداية والنهاية 13/ 213 – 217، شذرات الذهب لابن العماد 5/ 339 – 340، نصير الدين الطوسي للدكتور عبد الأمير الأعسم ص 11 – 23، تاريخ العراق في العصر العباسي الأخير للدكتور بدري فهد ص 93، مقال بعنوان “دور الطوسي في الغزو المغولي لبغداد” للدكتور محمد جاسم المشهداني في مجلة المؤرخ العربي العدد 37 السنة الرابعة عشرة 1409 هـ تصدر عن الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب بغداد.
931 – س: “من رأسه”.
933 – “أهل” سقطت من ب.
934 – يعني: “الإشارات والتنبيهات” لابن سينا. انظر البيت: 492.
الفرقان: القرآن العزيز، وقد شرح الطوسي كتاب الإشارات والتنبيهات في ثلاثة أجزاء كبار وعظمه ونشره بين الناس وعلمهم إياه، انظر إغاثة اللهفان 2/ 267، وراجع ما سبق في التعليق على البيت 487.
(2/269)
935 – وَأرَادَ تَحْوِيلَ الشَّرِيعَةِ بالنَّوَا … مِيسِ التِي كانتْ لدى اليُونَانِ
936 – لَكِنَّه عَلِمَ اللَّعِينُ بأنَّ هَـ … ــــذَا لَيْسَ فِي المقْدُورِ والإِمْكانِ
937 – إلَّا إذَا قَتَل الخلِيفَةَ والقُضَا … ةَ وسَائِرَ الفُقَهَاءِ فِي البُلْدَانِ
938 – فَسَعَى لِذَاكَ وَسَاعَدَ المقْدُورُ بالْـ … أمْرِ الَّذِي هُوَ حِكْمَةُ الرحْمنِ
939 – فأشَارَ أنْ يَضَعَ التَّتَارُ سُيُوفَهُمْ … فِي عَسْكَرِ الإيمَانِ والقُرْآنِ
940 – لَكِنَّهُمْ يُبْقُونَ أَهْلَ صَنائِعِ الدُّ … نْيَا لأجْلِ مَصالحِ الأَبْدَانِ
941 – فَغَدَا عَلَى سَيْفِ التَّتَارِ الألفُ فِي … مِثْلٍ لَهَا مَضْرُوبَةً بِوِزَانِ
942 – وَكَذَا ثَمَانِ مِئِينِهَا فِي أَلْفِهَا … مَضْرُوبَةً بالعَدِّ والحُسْبَانِ
943 – حَتَّى بَكَى الإسْلامَ أعدَاهُ اليَهُو … دُ كَذَا المجوسُ وَعَابِدوُ الصُّلْبَانِ
__________
935 – يعني: أنظمة اليونان وقوانينهم.
938 – أي: سعى لتحقيق ما أراده من قتل المسلمين وساعد على تحقيق غرضه موافقة الأقدار له لحكمة أرادها الله تعالى وهو سبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
939 – ف: “وأشار”.
– س: “القرآن والإيمان”.
941 – ب: “مصر لها”، ولعله تحريف سماعي (ص).
942 – ف: “في العدّ”.
– وقد ذكر جمع من المؤرخين أن عدد من قتل من المسلمين في سقوط بغداد بلغ ألف ألف وثمانمائة ألف (أي مليون وثمانمائة ألف). مرآة الجنان لليافعي 4/ 137، العبر للذهبي 3/ 378، البداية والنهاية لابن كثير 13/ 202، شذرات الذهب لابن العماد 5/ 271، وذكر العصامي في: “سمط النجوم العوالي” 3/ 386 أن: القتلى بلغوا ثلاثمائة وسبعين ألفًا. وانظر خطط بغداد في العهود العباسية الأولى، د. يعقوب لينسر، ترجمة: د. صالح أحمد العلي ص 274 وما بعدها.
943 – “أعداه”: أعداؤه، حذفت الهمزة للضرورة.
(2/270)
944 – فشَفَى اللَّعينُ النَّفْسَ مِنْ حِزْبِ الرَّسُو … لِ وَعَسْكَرِ الإِيمَانِ والقُرْآنِ
945 – وَبِوُدِّهِ لَوْ كَانَ فِي أحُدٍ وَقَدْ … شَهدَ الوَقيعَةَ مَعْ أبي سُفْيَانِ
946 – لأقَرَّ أعْيُنَهُمْ وأوْفَى نَذْرَهُ … أَوْ أَنْ يُرَى مُتَمزِّقَ اللُّحْمَانِ
947 – وَشَوَاهدُ الإحْدَاثِ ظَاهِرَةٌ عَلَى … ذَا العَالَمِ المخْلُوقِ بالبُرْهَانِ
948 – وأَدِلَّةُ التَّوحِيدِ تَشْهَدُ كُلُّهَا … بحُدُوثِ كُلٍّ مَا سِوَى الرحْمنِ
949 – لَوْ كَانَ غيرُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ … مَعَهُ قَدِيمًا كَانَ ربًّا ثَاني
950 – أو كَانَ عَنْ رَبِّ العُلى مُسْتَغْنيًا … فيكونُ حِينَئِذٍ لَنَا ربَّانِ
951 – والرَّبُّ باسْتِقْلَالِهِ متَوحِّدٌ … أفَممْكِنٌ أنْ يَسْتَقِلَّ اثْنَانِ؟
__________
947 – هذا عود من الناظم رحمه الله إلى الرد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم فقال: إن الشواهد الدالة على حدوث هذا العالم ظاهرة عليه، فالموت والولادة والزلازل والأمطار كلّها دالة على أن هذا العالم مخلوق حادث.
949 – قال ابن القيم رحمه الله عند كلامه على قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)} [المؤمنون: 91]: “تأمل هذا البرهان فالإله الحق لا بد أن يكون خالقًا فاعلًا، فلو كان معه سبحانه إله فلا بد من أحد أمور ثلاثة: إما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه، وإما أن يعلو بعضهم على بعض، وإما أن يكونوا كلهم تحت قهر إله واحد يتصرف فيهم ولا يتصرفون فيه، فيكون وحده هو الإله الحق وهم مقهورون. وانتظام أمر العالم من أدل دليل على أن مدبره واحد لا إله غيره، كما دل دليل التمانع على أن خالقه واحد لا رب له غيره” أ. هـ. ملخصًا من الصواعق المرسلة ج 2/ 463 – 464، وانظر درء تعارض العقل والنقل 9/ 336 وما بعدها، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة لابن رشد ص 65 – 66 وهو مطبوع ضمن كتاب فلسفة ابن رشد، رسالة إلى أهل الثغر للأشعري ص 156، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع للأشعري ص 21 – 22.
950 – ب، ط: “إذ كان”، تحريف.
(2/271)
952 – لَوْ كَانَ ذَاكَ تَنَافَيا وتَسَاقَطا … فإذَا هُمَا عَدَمَانِ مُمْتَنِعَانِ
953 – والقَهْرُ والتَّوحِيدُ يشْهَدُ مِنْهُمَا … كُلٌّ لِصَاحِبِه هُمَا عِدْلَانِ
954 – ولِذَلِكَ اقْتَرَنَا جَمِيعًا فِي صِفَا … تِ اللهِ فانْظُرْ ذَاكَ فِي القُرْآنِ
955 – فَالوَاحِدُ القَهَّارُ حَقًّا لَيْسَ فِي الْـ … إمْكَانِ أنْ تَحْظَى بِهِ ذَاتَانِ
* * *
فصلٌ في اعتراضِهمْ على القولِ بدوامِ فاعليَّةِ الرَّبِّ (1) وكلامِهِ والانفصالِ عنْهُ
956 – فَلَئِنْ زَعَمْتُمْ أنَّ ذَاكَ تَسَلْسُلٌ … قُلْنا صَدقْتُمْ وَهْو ذو إمْكَانِ
__________
952 – ف: “تنافيا وتناقضا”.
954 – جاء ذلك في آيات عدة منها قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: 16] وقوله: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4].
(1) ما عدا الأصل وف: “الرب تعالى”.
956 – يجيب الناظم رحمه الله في هذا الفصل عن شبهة أخرى للمتكلمين النافين اتصاف الله بالفعل والكلام أزلًا وهي قولهم: إن إثبات ذلك يستلزم التسلسل في الماضي. والتسلسل: ترتيب أمر على أمر إلى غير نهاية، وهو نوعان: الأول: التسلسل في الفاعلين والمؤثرات بأن يكون للفاعل فاعل وللفاعل فاعل إلى ما لا نهاية، وهذا متفق على امتناعه بين العقلاء.
والثاني: التسلسل في الآثار بأن يكون الحادث الثاني موقوفًا على حادث قبله وذلك الحادث موقوفًا على حادث قبل ذلك وهلم جرًّا، فهذا في جوازه قولان مشهوران للعقلاء، وأئمةُ السنة والحديث وكثير من النظار والفلاسفة يجوزونه. التعريفات للجرجاني ص 84، درء تعارض العقل والنقل 1/ 321، 2/ 261 – 288، 342 – 399، كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 689، وانظر البيتين: 436، 876.
(2/272)
957 – كتَسَلْسُلِ التَّأثيرِ في مسْتَقْبَلٍ … هَلْ بينَ ذَيْنِكَ قطُّ مِنْ فُرْقَانِ؟
958 – واللهِ مَا افْتَرَقَا لِذِي عَقْلٍ وَلا … نَقْلٍ وَلَا نَظَرٍ وَلَا بُرْهَانِ
959 – في سَلْبِ إمكَانٍ وَلَا فِي ضِدِّه … هَذِي العُقُولُ ونَحْنُ ذُو أذهَانِ
960 – فلْيَأتِ بالفُرْقَانِ مَنْ هُوَ فَارِقٌ … فَرْقًا يَبِينُ لِصالحِ الأذْهَانِ
961 – وَلذاك سَوَّى الجَهْمُ بَيْنَهُما كَذَا الْـ … ــــعَلَّافُ فِي الإنكَارِ والبُطْلان
962 – وَلأَجْلِ ذَا حَكَمَا بحُكْمٍ باطِلٍ … قَطْعًا عَلَى الجَنَّاتِ والنِّيرَانِ
__________
959 – احتج الناظم رحمه الله على هؤلاء النفاة أنهم فرقوا بين متماثلين وهما التسلسل في الماضي والتسلسل في المستقبل فإنهم نفوا الأول وأثبتوا الثاني، ولا وجه لهذا التفريق نقلًا ولا عقلًا، إذ هما متماثلان في الحكم والإمكان. فيلزم المتكلم في أحدهما ما يلزمه في الآخر. انظر شرح الأصبهانية لابن تيمية ص 268 – 269، الإرشاد للجويني ص 44.
– “ذو أذهان”: “ذو” للمفرد، كما مرّ آنفًا في قوله: “وهو ذو إمكان” (956). وجمعه: “ذوو” و”أولو”، وكلاهما ورد في كلام الناظم نحو “هم ذوو العرفان” (3594) و”أولو الأذهان” (1146). ولكن هنا استعمل الناظم “ذو” في موقع الجمع، فقال: “نحن ذو أذهان”، وكذا في البيتين: 1390، 2873. وانظر الأبيات: 3015 (نحن ذو الوجد)، 4162 (نحن ذو خسران)، 5516 (نحن ذو رضوان). (ص).
961 – س، ح، ط: “وكذاك سوّى”، تحريف.
– تقدمت ترجمة الجهم في التعليق على البيت 40.
– تقدمت ترجمة العلّاف في التعليق على البيت 78.
– الجهم بن صفوان وأبو الهذيل العلاف قالا بامتناع تسلسل الحوادث والآثار في الماضي والمستقبل وجعلا الرب تعالى معطلًّا عن الفعل والكلام في الأزل والأبد. لذا حكم الجهم بالفناء على الجنة والنار وحكم أبو الهذيل بفناء حركات أهلهما. كما تقدم في الأبيات 76 وما بعده.
انظر شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 139، 268.
(2/273)
963 – فالجَهْمُ أفْنَى الذَّاتَ والعَلَّافُ لِلْـ … ـــحَركَاتِ أفنَى قَالَهُ الثَّوْرَانِ
964 – وَأبُو عَليٍّ وابْنُهُ والأشْعَريُّ م … وبعْدَهُ ابنُ الطَّيِّبِ الرَّبَّانِي
__________
963 – يعني بالثورين: الجهم والعلاف، وقد تقدم تفصيل مذهبهما في الجنة والنار. في الأبيات 76 وما بعده. وانظر ما سيأتي في فصل خلود أهل الجنة فيها … (البيت 5570 وما بعده).
964 – أبو علي: محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي شيخ المعتزلة، وإليه تنسب فرقة الجبائية، أخذ عن أبي يعقوب الشحام، وأخذ عنه ابنه أبو هاشم. له مصنفات منها كتاب الأصول والتفسير الكبير، توفي سنة 303 هـ. سير أعلام النبلاء 14/ 183، طبقات المفسرين للسيوطي ص 103، الأعلام 6/ 256. وانظر مذهب المعتزلة في مسألة تسلسل الحوادث في شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار الهمذاني المعتزلي ص 110 – 117. وسيأتي سياق مذهبهم بإيجاز في التعليق على البيت 966.
أبو هاشم: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي شيخ المعتزلة، قال الذهبي: ما روى شيئًا، له آراء انفرد بها اهـ، وتبعته فرقة سميت “البهشمية” نسبة إلى كنيته أبي هاشم، توفي سنة 321 هـ. ميزان الاعتدال 2/ 618، لسان الميزان 4/ 16، الأعلام 4/ 7.
الأشعري: علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري اليماني البصري أبو الحسن، من نسل الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، كان من أئمة المتكلمين، أخذ عن أبي علي الجبائي وسهل بن نوح وطبقتهما. وأخذ عنه أبو الحسن الباهلي وأبو الحسن الكرماني وأبو زيد الهروي وغيرهم. برع في مذهب الاعتزال ثم تبرأ منه وأخذ يرد على المعتزلة، وتابع ابن كلاب، وكانت له آراء مستقلة، نشأ عنها المذهب الأشعري المعروف. وفي آخر حياته رجع عن كثير من أقوال ابن كلاب إلى قول السلف. وأوضح ذلك في آخر مصنفاته (الإبانة في أصول الديانة) ومن مصنفاته أيضًا “مقالات الإسلاميين” وهو أشهرها، ولد سنة 260 هـ وتوفي سنة 324 هـ.
سير أعلام النبلاء 15/ 85، الأعلام 4/ 263، طبقات الشافعية للسبكي =
(2/274)
965 – وَجَمِيعُ أرْبَابِ الكلامِ الباطِلِ الْـ … ــــمذمُومِ عندَ أئمَّةِ الإيمانِ
966 – فَرَقُوا وقَالُوا ذَاكَ فِيمَا لَمْ يَزَلْ … حَقٌّ وفِي أزلٍ بلَا إمْكَانِ
967 – قَالُوا: لأجْلِ تَنَاقُضِ الأزَلِيِّ والْـ … إحْدَاثِ مَا هَذَانِ يَجْتَمعَانِ
__________
= 3/ 347 – 444، الديباج المذهب لابن فرحون 2/ 94، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري لابن عساكر. موقف ابن تيمية من الأشاعرة ص 356 – 469. وانظر كلام الأشعري الذي يشير إليه الناظم مطولًا في مقالات الإسلاميين 1/ 255 – 264 وسيأتي في التعليق على البيت 966 سياق معناه مختصرًا.
أبو بكر الباقلاني: القاضي محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر الباقلاني، من كبار علماء الكلام، سمع أبا بكر أحمد بن جعفر القطيعي وأبا محمد بن ماسي وغيرهما، وخرج له أبو الفتوح بن أبي الفوارس وغيره. من كتبه إعجاز القرآن، والإنصاف، توفي سنة 403 هـ. سير أعلام النبلاء 17/ 19، الأعلام 6/ 176. وانظر كلام الباقلاني الذي يشير إليه الناظم -مطولًا- في التمهيد ص 41 – 44، وسيأتي في التعليق التالي سياق معناه مختصرًا.
966 – فرَّق أهل الكلام بين تسلسل الحوادث في الأزل (الماضي) وتسلسلها فيما لم يزل (المستقبل) فمنعوه في الماضي وجوّزوه في المستقبل وشبهتهم في ذلك: أن الدليل قام على حدوث جميع العالم فقالوا إن القول بتسلسل الحوادث أزلًا معناه: القول بقدم العالم، والقدم والحدوث لا يجتمعان ودوام الفعل في الماضي يستلزم قدم المفعول وإذا أثبتنا قدم شيء غير الله وقعنا في المحذور، أما تسلسل الحوادث في المستقبل فهو جائز، وقد بيّن الناظم شبهتهم فيما يأتي من أبيات.
مقالات الإسلاميين 1/ 255، 264، الفرق بين الفرق ص 206، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 69 – 70، درء تعارض العقل والنقل 2/ 261 – 288، 3/ 158، الإرشاد للجويني ص 45 – 47، تهافت الفلاسفة ص 130 – 131، شرح الأصبهانية لشيخ الإسلام ص 268، التمهيد للباقلاني 41 – 44، شرح الأصول الخمسة ص 110 – 117.
967 – هذا البيت ساقط من نشرة الأستاذ عبد الله بن محمد العمير (ص).
(2/275)
968 – لَكِنْ دَوامُ الفعلِ في مستَقْبلٍ … مَا فِيهِ مَحْذُورٌ مِن النُّكْرانِ
969 – فَانْظُرْ إِلَى التلْبيسِ فِي ذَا الفَرْقِ تَرْ … وِيجًا عَلَى العُورَانِ والعُمْيانِ
970 – مَا قَالَ ذُو عَقْل بأنَّ الفَرْدَ ذُو … أزَلٍ لِذي ذِهنٍ ولا أعيَانِ
971 – بَلْ كلُّ فَرْدٍ فَهْوَ مسبُوقٌ بفَرْ … دٍ قبلَهُ أبدًا بِلَا حُسْبَانِ
972 – وَنظيرُ هذَا كلُّ فرْدٍ فهْوَ ملـ … ـــحوقٌ بفرْدٍ بعدَهُ حُكْمانِ
__________
968 – في هذا البيت والذي قبله بيّن الناظم رحمه الله شبهتهم وهي أنهم قالوا: قد قام الدليل على حدوث العالم وحدوث جميع أجزائه، والقول بتسلسل الحوادث في الماضي بلا بداية معناه: القول بقدم العالم، وإذا قلنا بحدوث العالم وبجواز التسلسل في الماضي نكون قد جمعنا بين نقيضين، لذا منعوا دوام الحوادث والفعل في الماضي لما يلزمه من قدم المفعول، أما تسلسل الحوادث ودوام الفعل في المستقبل إلى غير نهاية فهذا لا محذور فيه، وسيرد الناظم على شبهتهم فيما يأتي من أبيات. انظر المراجع السابقة.
969 – التلبيس: التخليط والتدليس، القاموس: 738.
970 – شرع الناظم رحمه الله في الرد على شبهة المتكلمين في التفريق بين تسلسل الحوادث في الماضي وتسلسلها في المستقبل فقال: إن جميع العقلاء وإن قالوا بالتسلسل في الماضي والمستقبل فإنهم لا يقولون إن شيئًا من أفراد المخلوقات قديم بل يقولون: إن كل فرد فهو حادث مسبوق بفرد قبله بلا بداية وملحوق بفرد بعده بلا نهاية، فآحاد المخلوقات لها بداية ونهاية. أما النوع (الجنس) فهو مستمر أزلًا وأبدًا بلا ابتداء ولا انتهاء، وهذا جائز فقد قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54] وقال: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرعد: 35] فالدائم والذي لا نفاد له هو النوع (أي: جنس الرزق والأكل) لا كل واحد من أعيان الرزق والمأكولات.
درء تعارض العقل والنقل 3/ 56 – 62، 193، 298، شرح الأصبهانية لابن تيمية ص 311.
972 – يعني بالحكمين: الحكم الأول: حكم للنوع، والثاني: حكم للآحاد، وسيبينهما في البيت بعده.
(2/276)
973 – لِلنَّوعِ والآحادِ مسبوقٌ وملـ … ـــحوقٌ وكلٌّ فَهْوَ منْهَا فَانِ
974 – والنَّوْعُ لَا يَفْنى أخيرًا فَهْوَ لَا … يفنَى كذلِكَ أولًا ببيَانِ
975 – وتعاقُبُ الآناتِ أمرٌ ثابتٌ … فِي الذهنِ وهْوَ كذاكَ في الأعيَانِ
976 – فإِذا أبَيْتُمْ ذَا وقلْتُم أوّلُ الـ … آناتِ مُفْتَتَحٌ بِلَا نُكْرَانِ
977 – مَا كَانَ ذَاكَ الآنُ مسْبوقًا يُرَى … إلَّا بسلْبِ وجُودِهِ الحقّانِي
978 – فيقالُ ما تعنُونَ بالآناتِ هَلْ … تعنُونَ مدَّةَ هذِهِ الأزمَانِ
__________
973 – ط: “النوع”.
974 – يعني أن النوع ليس له بداية ولا نهاية ومثال النوع: ما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54]، فنوع الرزق لم يزل ولا يزال، والله لم يزل ولا يزال يرزق لأن هذا من تمام كماله سبحانه، أما آحاد الرزق وأفراده فلها بداية ونهاية وقد تقدم تفصيل ذلك في التعليق على البيت 970.
975 – الآنات: جمع آن وهو الحين من الزمان كأوان وأوانات، اللسان 13/ 40.
تسلسل الأعيان وتعاقبها في الماضي والمستقبل جائز ولا محذور فيه وهو كتعاقب الأزمنة فما من زمان إلا وهو مسبوق بزمان قبله وملحوق بزمان بعده إلى غير غاية، فليس هناك أول لهذه الأزمنة ولا نهاية، ولكن كل جزء زمان له بداية ونهاية لأنه واقع بين زمانين.
انظر درء تعارض العقل والنقل 3/ 297، المطالب العالية للرازي 5/ 69 وما بعدها، شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني 2/ 180 وما بعدها.
976 – لما قاس الناظم رحمه الله تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل بلا بداية ولا نهاية بتعاقب آنات الزمان اعترض أهل الكلام على هذا القياس وقالوا: إن الآنات لها بداية، وأول الآنات لم يسبق بآن قبله وإنما سبق بعدم وجود، قالوا: وبذلك يثبت منع التسلسل في الماضي مطلقًا، وسيأتي رد الناظم عليهم فيما يأتي من أبيات، انظر المراجع السابقة.
تنبيه: عرض الرازي في المطالب العالية مبحث الزمان وتوسع في عرض الأقوال فيه، ونصر مذهب من قال بتسلسل الأعيان من اثني عشر وجهًا. انظر المطالب العالية 5/ 9 – 19.
(2/277)
979 – مِنْ حِينِ إحداثِ السَّمواتِ العُلَى … والأرضِ والأفلاكِ والقمَرَانِ؟
980 – ونظنُّكُمْ تعنُونَ ذاكَ ولم يكُنْ … من قبلِهَا شيءٌ مِنَ الأكوانِ
981 – هلْ جاءكم في ذاكَ مِن أثرٍ ومِنْ … نصٍّ ومِن نظرٍ ومن برْهَانِ؟
982 – هذا الكتَابُ وهذه الآثارُ والْـ … ـــمعقولُ في الفطْراتِ والأذْهَانِ
983 – إنَّا نحَاكِمُكُمْ إِلى ما شِئْتُمُ … مِنهَا فَحُكمُ الحَقِّ ذُو تِبْيَانِ
984 – أَوَ لَيسَ خَلْقُ الكَونِ في الأيَّامِ كَا … نَ وذاكَ مأْخُوذٌ منَ القُرْآنِ؟
__________
979 – “القمرانِ”: في حالة الجرّ، على لغة من يلزم المثنّى الألفَ دائمًا. انظر ما سلف في البيت 200 (ص).
980 – لما منع الخصوم التسلسل في الآنات والأزمنة سألهم الناظم: ماذا تعنون بالآنات هل تعنون بها مدة الأزمنة الكائنة منذ خلق السموات والأرض؟ ولا نظنكم تعنون بالزمان إلا ذلك، بدليل أنكم تقيسون الزمان بحركة الأفلاك ثم أنتم قد قررتم أنه لم يكن قبل خلق السموات والأرض شيء من المخلوقات وأثبتم بذلك وجود أول للآنات، وهذا كله لا دليل عليه، فمن أين لكم أن خلق السموات والأرض لم يسبقه خلق؟ بل قد سبقه خلق، كما سيبين الناظم فيما يأتي من أبيات.
انظر درء تعارض العقل والنقل 3/ 290 – 300، المواقف في علم الكلام لعبد الرحمن الإيجي ص 110 – 112، المطالب العالية للرازي 5/ 15.
983 – طه: “فكل الحق”. وفي طت، طع: “في تبيان”.
984 – يدل على أن خلق السموات والأرض سبقه خلق دليلان: الأول: أن الله تعالى أخبر أنه خلقها في ستة أيام، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [هود: 7]، فتلك الأيام كانت موجودة قبل خلق السموات والأرض، والثاني: أنه قد ثبت في السنة أن خلق العرش والقلم كان قبل خلق السموات والأرض، وسيأتي هذا الوجه في كلام الناظم. انظر الأبيات: 987 وما بعده.
(2/278)
985 – أَوَ ليْسَ ذَلكُمُ الزَّمَانُ بِمُدّةٍ … لِحدُوثِ شَيءٍ وهْوَ عَينُ زَمَانِ؟
986 – فحقِيقَةُ الأزمَانِ نسْبَةُ حادِثٍ … لسِوَاه تلكَ حقيقَةُ الأزْمانِ
987 – واذكُرْ حديثَ السَّبقِ للتقديرِ والتَّـ … ــــوقيتِ قبلَ جميعِ ذِي الأعيَانِ
988 – خَمْسينَ ألفًا منْ سِنينٍ عدَّهَا الْـ … ـــمخْتَارُ سابقَةً لذِي الأكْوانِ
989 – هذَا وعرشُ الرَّبِّ فوقَ الماءِ مِنْ … قَبلِ السِّنِينَ بمُدّةٍ وزمَانِ
990 – والنَّاسُ مختَلِفُونَ في القَلَمِ الَّذِي … كُتِبَ القَضَاءُ بِهِ من الدَّيَّانِ
991 – هَلْ كَانَ قبلَ العرشِ أو هو بعدَهُ؟ … قولَانِ عندَ أبِي العَلَا الهَمَذانِي
__________
985 – كذا في الأصل، ف، ط. وفي غيرها: “كحدوث شيء”.
– الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض لم تقدر بسير الشمس والقمر لأنهما لم يكونا موجودين أصلًا وإنما قدرت بغير ذلك. انظر شرح هراس على النونية 1/ 177.
986 – يعني: أنه يمكن تقدير الزمان وإن لم توجد الأفلاك من شمس وقمر وغيرها، فإن حقيقة الزمان ليست هي دوران الفلك وإنما هي نسبة حادث لحادث، وقد تقدم بيان ذلك في البيت 975.
987 – يشير إلى ما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء” رواه مسلم، كتاب القدر، باب احتجاج آدم وموسى عليهما السلام ج 16/ 203 نووي، والترمذي في القدر، باب 18، حديث 2157.
989 – قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] وفيه أيضًا الحديث المتقدم في التعليق السابق.
991 – تقدم تعريف العرش في التعليق على البيت 41.
أبو العلاء الهمذاني: هو شيخ الإسلام الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الهمذاني العطار، شيخ همذان، ولد سنة 488 هـ، كان حافظًا متقنًا مقرئًا له سيرة حسنة، ومن تصانيفه: “زاد المسافر” في =
(2/279)
992 – والحقُّ أنَّ العرشَ قبلُ لأنَّهُ … قَبْلَ الكتابةِ كانَ ذَا أركَانِ
993 – وكتَابةُ القلمِ الشريفِ تعقّبتْ … إيجادَهُ من غيرِ فصْلِ زَمانِ
994 – لَمَّا بَراه الله قالَ اكْتُبْ كَذَا … فغدَا بأمر اللهِ ذَا جرَيانِ
995 – فَجَرَى بما هُو كائنٌ أبدًا إلَى … يومِ المعَادِ بقدْرةِ الرَّحْمنِ
996 – أفكانَ ربُّ العرشِ جَلَّ جلالُهُ … من قبْلُ ذَا عجزٍ وذَا نُقْصَانِ؟
997 – أمْ لمْ يزَلْ ذا قُدرةٍ والفعلُ مَقْـ … ــــدورٌ له أبدًا وذو إمكَانِ؟
998 – فَلئِنْ سَأَلْتَ وقُلتَ ما هَذَا الَّذِي … أدَّاهُمُ لخلافِ ذَا التّبيَانِ؟
999 – ولأيِّ شَيءٍ لمْ يقولُوا إنَّهُ … سبْحانَهُ هو دائِمُ الإحسَانِ؟
__________
= خمسين مجلدًا. توفي سنة 569 هـ. سير أعلام النبلاء 21/ 40، غاية النهاية للجزري 1/ 204.
– نقل عنه القولين في أول المخلوقات شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: “وقد تكلم علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في أول هذه المخلوقات، على قولين حكاهما الحافظ أبو العلاء الهمذاني وغيره، أحدهما: أنه هو العرش، والثاني: أنه هو القلم، ورجحوا القول الأول، لما دل عليه الكتاب والسنة .. ” أ. هـ. منهاج السنة النبوية 1/ 361.
993 – يدل عليه ما جاء عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة” رواه أبو داود في كتاب السنة، باب القدر ج 12/ 468، والترمذي في القدر، باب رقم 17 وصححه الألباني، كما في صحيح سنن الترمذي ج 2 / ص 228 /ح 1749.
994 – براه: خلقه وأصله الهمز.
997 – في الأصل وف: “مقدورًا” واخترنا ما في سائر النسخ لأنه يناسب قوله: “ذو إمكان” الذي أجمعت عليه النسخ (ص).
– تقدم الكلام على أفعال الله تعالى والرد على أهل الكلام، راجع الأبيات: 892 وما بعده.
998 – ف: “ولئن”.
(2/280)
1000 – فاعلَمْ بأنَّ القوْمَ لمَّا أسَّسُوا … أصلَ الكلامِ عَمُوا عَن القُرآنِ
1001 – وعَنِ الحديثِ ومقتضَى المعقولِ بل … عن فطرَةِ الرَّحمن والبُرْهَانِ
1002 – وبَنَوْا قواعدَهمْ عليهِ فقادَهُمْ … قَسْرًا إلى التعْطِيلِ والبُطْلَانِ
1003 – نَفْيُ القيامِ لكلِّ أمرٍ حادثٍ … بالربِّ خوفَ تسَلْسُلِ الأعْيانِ
__________
1000 – يعني رحمه الله أن المتكلمين أسسوا قواعدهم على الأدلة الكلامية العقلية الخالية من الكتاب والسنة، ويعني بأصل الكلام هنا: دليلهم في إثبات الصانع سبحانه وتعالى وسيبينه الناظم رحمه الله فيما يأتي من أبيات. وقد تقدم مجملًا في التعليق على البيت 169.
1002 – ب: “وقادهم”، طع: “التعطيل والبهتان”.
1003 – كذا ضبط “نفي” في ف بالرفع. يعني: ذلك الأصلُ نفيُ القيام إلخ (ص).
– هذا هو أصل المتكلمين الذي بنوا عليه مذاهبهم في نفي صفات الله الاختيارية كالكلام والفعل، حيث حكموا بامتناع قيام الحوادث بذاته، إذ لو قامت به الحوادث من الأفعال لكانت متسلسلة متعاقبة في الوجود شيئًا قبل شيء، وهذا يؤدي إلى القول بتسلسل الأعيان التي هي المفعولات، وبذلك تكون المفعولات قديمة، فينسد حينئذ طريق إثبات الصانع، لأن الطريق إلى إثباته هو لزوم الحدوث لغيره، فإذا تسلسل شيء من المخلوقات بطل دليل حدوثه. لأجل هذا قالوا ببطلان التسلسل دون تفريق بين الفرد والنوع.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في معرض كلامه عن شبهة نفاة الصفات الاختيارية، ودليل أهل الكلام في إثبات الصانع: “فإن قالت النفاة: إن الصانع أثبتناه بحدوث العالم، وحدوث العالم إنما أثبتناه بحدوث الأجسام، والأجسام إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الصفات التي هي الأعراض أو الأفعال التي هي الحركات، والقابل لها لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. فإذا ثبت حدوث الأجسام قلنا: إن المحدَث لا بد له من محدِث فأثبتنا الصانع بهذا” أ. هـ بتصرف يسير، مجموع الفتاوى 6/ 49 – 50، وانظر شرح الأصبهانية لابن تيمية ص 264، التمهيد للباقلاني ص 44، الإرشاد للجويني ص 49 – 50. وسيأتي الرد على هذا الدليل في الأبيات: 1012 وما بعده.
(2/281)
1004 – فيسُدُّ ذاكَ عليهمُ في زَعْمِهِمْ … إثبَاتَ صَانِعِ هذِه الأكْوانِ
1005 – إذ أثبتُوه بكَوْنِ ذِي الأجسَام حا … دثةً فَلا تنفَكُّ عَنْ حِدْثانِ
1006 – فإذا تسلْسَلتِ الحَوادِثُ لَمْ يكنْ … لحدوثِهَا إذ ذَاكَ منْ بُرْهَانِ
1007 – فلأجْلِ ذَا قَالُوا التسلسُلُ باطِلٌ … والجسمُ لَا يَخْلُو عنِ الحِدْثَانِ
1008 – فيصحُّ حينئذٍ حدوثُ الجسمِ منْ … هَذَا الدليلِ بواضحِ البُرْهَانِ
1009 – هَذِي نهايَاتٌ لأقْدَام الوَرَى … فِي ذَا المقَامِ الضَّيِّقِ الأعْطَانِ
1010 – فَمَنِ الَّذِي يأتِي بِفَتْحٍ بيِّنٍ … يُنْجِي الوَرَى مِنْ غمرَةِ الحَيْرَانِ؟
1011 – فالله يَجْزِيهِ الَّذِي هُو أهْلُهُ … من جنَّة المأوَى مع الرِّضْوَانِ
* * *
فصلٌ
1012 – فاسْمَعْ إذًا وافْهَمْ فذَاكَ مُعَطِّلٌ … وَمُشَبِّهٌ وهَداكَ ذُو الغُفْرانِ
__________
1005 – يعني: أثبتوا الصانع (الله سبحانه وتعالى).
1006 – يعني: أن أهل الكلام ينفون تسلسل الحوادث خوفًا من القول بقدم العالم.
1010 – ف، ب: “فمن ذا الذي” وهو خطأ.
الغَمْرة في الأصل. الماء الكثير، وهي هنا شدة الحيرة والجهل والضلال.
ومنه قوله تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 63] يعني: في عماية وغفلة. انظر اللسان 5/ 29 – 30.
1011 – هذا من باب التشويق من الناظم رحمه الله لما يأتي من أبيات، وفيه بيان لأهمية هذه المسألة وحفز لهمّة القارئ لفهم الجواب فيها والكلام عليها.
1012 – يعني: أن المستدل بهذا الدليل (دليل أهل الكلام في إثبات الصانع) معطل لأنه نفى الصفات عن الله تعالى. وقد تقدم تعريف التعطيل مفصلًا.
-وهو أيضًا مشبه لأنه لما نفى الصفات عن الله تعالى وقع في شرّ مما فرّ منه، وهو: أنه شبّه ربه بالجمادات والممتنعات، وقد تقدم بيان ذلك في البيت 169.
– في الأصل: “ذو غفران”.
(2/282)
1013 – هذا الدليلُ هو الذِي أردَاهُمُ … بلْ هدَّ كلَّ قواعِدِ القرآنِ
1014 – وَهُوَ الدلِيلُ الباطلُ المردودُ عِنْـ … ــــدَ أئمَّةِ التَّحْقِيقِ والْعِرْفَانِ
1015 – مَا زالَ أمرُ النَّاسِ معتدِلًا إلى … أنْ دَارَ في الأوْرَاقِ والأذْهَانِ
1016 – وتمكَّنَتْ أجزَاؤُهُ بقُلُوبهمْ … فأتتْ لوازِمُه إلى الإيمَانِ
1017 – رَفَعَتْ قواعِدَه ونَحَّتْ أُسَّهُ … فهوَى البِنَاءُ وخرَّ للأَركَانِ
__________
1013 – يعني: دليل أهل الكلام في إثبات الصانع، وقد تقدم عرضه في البيت 1003 والتعليق عليه.
– بعد أن أورد الناظم رحمه الله الأصل الذي بسببه عطل أهل الكلام الرب تعالى عن أفعاله، أراد أن يبين فساد هذا الدليل، وأنه هو الذي أفسد على الناس دينهم وجرّهم إلى مهاوي الزيغ والضلال، ولو أنهم التزموا بمنهج الكتاب والسنة لما زاغت قلوبهم عن الحق.
انظر درء تعارض العقل والنقل 1/ 39 وما بعدها، 2/ 224، شرح حديث النزول ص 415 – 420، مختصر الصواعق المرسلة 1/ 150، الصواعق المرسلة 3/ 984 – 987، رسالة إلى أهل الثغر ص 185.
1014 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عند كلامه على هذا الدليل: “فهذه الطريقة مما يعلم بالاضطرار أن محمدًا – صلى الله عليه وسلم – لم يدع الناس بها إلى الإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه، ولهذا اعترف حذّاق أهل الكلام -كالأشعري وغيره- بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم ولا سلف الأمة وأئمتها، وذكروا أنها محرمة عندهم، بل المحققون على أنها طريقة باطلة”. درء تعارض العقل والنقل 1/ 39.
1016 – يلزم أهل الكلام بسبب دليلهم لوازم لا تليق بالله جلّ وعلا كنفي صفة الكلام بل جميع الصفات الاختيارية، ووصف الله بالنقص لأنه عندهم لا يتكلم ولا يجيء ولا ينزل ولا يستوي إلخ، فصار كالجماد، بل الجماد أكمل منه عند التحقيق، وصار كالممتنعات، وقد تقدم بيان هذه اللوازم في الأبيات: 694 وما بعده.
1017 – نحّتْ: أزالت من التنحية. والأسُّ: الأساس. يعني: أن لوازم دليلهم تخالف أصول الإيمان فلما التزموها زال أساس الإيمان عن مكانه، وتحركت قواعده، فانهدم بناؤه، ورفع الإيمان من قلوبهم.
(2/283)
1018 – وَجنَوا عَلَى الإسْلَامِ كلَّ جِنَايةٍ … إذْ سَلَّطُوا الأَعْدَاءَ بالعُدْوانِ
1019 – حَمَلُوا بأسْلِحَةِ المِحَالِ فَخَانَهُمْ … ذَاكَ السِّلاحُ فما اشتَفَوْا بطِعَانِ
1020 – وأتَى العَدُوُّ إلى سِلَاحِهمُ فقَا … تَلَهُمْ بِه فِي غَيْبَةِ الفُرْسَانِ
1021 – يَا مِحْنَةَ الإسْلَام والقرْآنِ منْ … جَهْلِ الصَّدِيقِ وبَغْيِ ذي طُغْيَانِ
__________
1019 – “المحال”: ضبط في ف بضم الميم، والظاهر أنه هنا بكسرها، ككتاب، وهو: الكيد والمكر والتدبير والجدال، اللسان 11/ 619.
1020 – لما انتصر أهل الكلام لدليلهم ونشروه فتحوا الباب للزنادقة من الفلاسفة وغيرهم، فألزموهم من لوازم الكفر العظيم ما لا محيد لهم عنه إلا بإبطال هذا الدليل، ومن ذلك أنهم ألزموهم القول بقدم العالم لأن القول بقدمه هو مقتضى القول بامتناع قيام صفات الفعل الاختيارية بذاته سبحانه، بل صار الملاحدة يلزمون هؤلاء المتكلمين أن يقولوا بمثل أقوالهم فيقولون للمعتزلي: أنت وافقتنا على أن ما قام به العلم والقدرة يكون جسمًا مشبهًا بخلقه وذلك ممتنع، فكذلك ما سمي عالمًا قادرًا لا يكون إلا جسمًا مشبهًا للخلق، فيجب عليك أن تنفي الأسماء كما نفيت الصفات. ويقولون للكلابي: أنت وافقتنا على أن ما قامت به الحوادث فهو حادث، فإن ما قامت به الحوادث لم يخل منها فيكون حادثًا لامتناع حوادث لا أول لها، وما قامت به الأعراض فهو جسم محدث، فيجب عليك أن تنفي الصفات وتنفي العلم والقدرة، لأن هذه الصفات أعراض فلا تقوم إلا بجسم ولأن ما قامت به الأعراض قامت به الحوادث، ولا يفرق بين هذا وهذا عقل ولا نقل، فقولك: إنه تقوم به الأعراض دون الحوادث تناقض. وهكذا تسلط الملاحدة على هؤلاء وعلى كل الطوائف المنحرفة عن هدي الكتاب والسنة فقاتلوهم بسلاحهم حتى تغلبوا عليهم.
انظر درء تعارض العقل والنقل 1/ 39 وما بعدها، التدمرية ص 40، شرح الأصبهانية ص 329 – 330، الصواعق المرسلة 3/ 985.
1021 – طع: “جهد الصديق”، تحريف.
– يعني رحمه الله: أن أعداء الإسلام لما اشتدت عداوتهم وكثرت شبهاتهم =
(2/284)
1022 – واللهِ لَولَا اللهُ ناصِرُ دينِهِ … وكتابِهِ بالحقِّ والبُرْهَانِ
1023 – لَتخطَّفَتْ أعداؤه أرواحَنَا … ولَقُطِّعَتْ منَّا عُرَى الإيمَانِ
1024 – أيكونُ حقًا ذا الدليلُ وما اهتدَى … خيرُ القرونِ لهُ مُحالٌ ذانِ
1025 – وُفِّقْتُمُ لِلحَقِّ إذ حُرِمُوهُ فِي … أصْلِ اليقينِ ومقْعَدِ العرْفَانِ
__________
= وظهرت بدعهم، بدأ بعض المنتسبين إلى السنة يرد عليهم بطريقة ليست على هدي الكتاب والسنة، وذلك لقلة علمه بما في الوحيين المطهرين واعتماده على الآراء والمذاهب، فرد بدعة هؤلاء ببدعة ابتدعها، فصار كلامه زيادة حجة لهؤلاء الأعداء على الإسلام. ومثال ذلك: أن المتكلمين أرادوا الرد على الملاحدة المنكرين للصانع فاخترعوا دليلًا لإثبات الصانع لم يؤخذ من الكتاب والسنة فصار سلاحًا للملاحدة عليهم، ومثلما ردت القدرية على الجبرية ببدعة، وردت النواصب على الروافض ببدعة، وردت المرجئة على الخوارج ببدعة .. إلخ، فكل هذا سببه طغيان العدو وصولته وجهل الصديق المدافع بالشرع المطهر، بل وجهله أيضًا بالطرق العقلية الصحيحة التي لا تخالف النقل، والتي يمكن الرد بها على كيد هؤلاء، حتى حدث في الإسلام بسبب ذلك محن يعرفها من عرف أيام الإسلام.
انظر شرح الأصبهانية ص 331.
1023 – العُرَى: جمع عُروة: كقدوة، وهي المقبض من الدلو والكوز ونحوهما، اللسان 15/ 45، والمعنى هنا: أنه لولا مدافعة الله تعالى ونصرته لدينه وحفظه له لكنا سلبًا للعدو نفسًا ودينًا، ولقطع العدو أصول إيماننا ونزعه من قلوبنا.
1024 – المحال بضم الميم: مستحيل، وهو الشيء الباطل الذي لا يمكن أن يصح بأي وجه من الوجوه. اللسان 11/ 186.
– هذا شروع من الناظم رحمه الله في بيان سفاهة هذا الدليل وبطلانه فبيّن أنه يستحيل أن يكون دليلهم حقًا وأن لا يهتدي إليه (إن كان حقًا) خير القرون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه رضي الله عنهم.
(2/285)
1026 – وَهَديتُمُونَا لِلَّذِي لَمْ يَهْتَدُوا … أَبَدًا بهِ وَاشِدَّةَ الحِرْمَانِ
1027 – ودخلتُمُ للحقِّ من بابٍ وما … دَخَلوه واعجَبَا لِذَا الخِذلَانِ
1028 – وسلكْتُمُ طُرُقَ الهُدى والعلمِ دُو … ن القومِ واعجَبَا لِذَا البُهْتَانِ
1029 – وعرفتُمُ الرَّحمنَ بالأجْسَامِ والْـ … أَعْراضِ والحَركاتِ والألْوانِ
1030 – وَهُمُ فَمَا عَرَفُوهُ منْهَا بَلْ منَ الْـ … آياتِ وهْيَ فغيْرُ ذِي بُرْهَانِ
__________
1026 – يعني رحمه الله: أنه يستحيل أن تكونوا أنتم يا أهل الكلام باعتباركم بهذا الدليل واعتمادكم عليه وفقتم للحق ثم هديتمونا ودعوتمونا إليه، بينما خير القرون لم يوفقوا إليه ولم يهدوا الناس أو يدعوهم إليه.
1029 – الأجسام: جمع جسم وهو: جوهر قابل للأبعاد الثلاثة أي: الطول والعرض والعمق، أو هو المركب من الجوهر. انظر تعريفات الجرجاني 108، كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 256.
الأعراض: جمع عَرَض: وهو الوصف. وقد تقدم في التعليق على البيت 90.
“الألوان”: من ب، ح، ط. وفي غيرها: “الأكوان”، تحريف. والناظم يشير هنا إلى اعتمادهم في الاستدلال على إثبات وجود الله تعالى بحدوث الأجسام والأعراض والحركات والألوان وإعراضهم عن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة. انظر درء التعارض 1/ 40.
1030 – الأصل أن يقول: “ذات برهان” لأنها للآيات. ولكن قال “ذي” للضرورة، (ص).
– يشير إلى ما تقدم تفصيله من أن المتكلمين يعتمدون في إثبات أصول الدين على العقل دون النقل ويعتبرون دلالة العقل قطعية ودلالة النقل ظنية، ويتوسعون في إثبات ما يريدون بكثرة الكلام والهذيان في المقدمات العقلية والقضايا المنطقية، ويزعمون أن طريقتهم هذه أحكم وأعلم من طريقة السلف رحمهم الله. انظر درء تعارض العقل والنقل 1/ 1 وما بعدها، شرح العقيدة الطحاوية 1/ 19 وراجع الأبيات السابقة: 381 وما بعده.
(2/286)
1031 – اللهُ أكبرُ أنتمُ أو هُمْ عَلَى … حقٍّ وفِي غَيٍّ وفي خُسْرانِ؟
1032 – دَعْ ذَا أَلَيْسَ اللهُ قد أبدَى لَنَا … حقَّ الأدِلَّةِ وهْي في القُرْآنِ؟
1033 – متنوِّعاتٌ صُرِّفتْ وتظَاهَرتْ … من كلِّ وجْهٍ فهْيَ ذُو أَفْنَانِ
1034 – مَعْلومَةٌ للعَقْلِ أو مشْهودَةٌ … لِلحِسِّ أوَ فِي فطْرَة الرَّحْمنِ
__________
1031 – “أنتم”: يعني أهل الكلام.
“هم”: يعني خير القرون رضي الله عنهم.
– لا يزال الكلام موجهًا من الناظم إلى الخصوم وهم أهل الكلام، فيقول لهم: أيكما على حق أنتم أم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه والتابعون؟ وهذا من باب التنزل مع الخصم وإلا فمن المسلم به أن الحق فيما جاء به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتبعه عليه أصحابه، وهذا الأسلوب كقوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)} [سبأ: 24] مع أن الحق مع المؤمنين قطعًا ولكن هذا من باب التنزل مع الخصم. تفسير الطبري مجلد 12/ 22/ 94. وقول الناظم “على حق وفي غي” الأصل أن يقول: “على حق أو في غي” لكنها ضرورة الشعر.
1032 – هذا انتقال من الناظم -رحمه الله- إلى وجه آخر في الرد عليهم وهو أن دليلهم لم يرد في القرآن والسنة.
– للقرآن الكريم أساليب متعددة في إثبات وجود الله سبحانه تغني عن أهل الكلام ودليلهم. انظر: ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان لابن الوزير (ت 840) ص 70 – 73، الرد على المنطقيين لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 344 – 345، علم التوحيد عند خلص المتكلمين للدكتور عبد الحميد العرب ص 144 – 148، التفكير الفلسفي في الإسلام للدكتور عبد الحليم محمود 1/ 64.
1033 – “ذو” للمذكر ولكن الناظم جعله خبرًا للمؤنث للضرورة، وقد مرّ آنفًا مثله، وسيأتي في البيت 1046 وغيره (ص).
(2/287)
1035 – أَسَمِعْتُمُ لِدَلِيلكُمْ فِي بَعْضهَا … خَبَرًا أوَ احْسَسْتُمْ له بِبَيَانِ؟
1036 – أيكونُ أصلَ الدينِ ما تمَّ الهدَى … إلَّا بِهِ وبهِ قُوَى الإِيمَانِ؟
1037 – وسِوَاهُ ليسَ بموجِبٍ من لمْ يُحِطْ … عِلْمًا بِهِ لمْ ينجُ من كفْرانِ؟
1038 – واللهُ ثمَّ رسُولُهُ قدْ بيَّنَا … طرُقَ الهُدَى في غايةِ التِّبْيَانِ
1039 – فلأيِّ شيءٍ أعرَضَا عَنْهُ ولمْ … نَسمَعْه في أثَرٍ ولا قُرْآنِ؟
1040 – لَكنْ أتانَا بَعْدَ خيْرِ قُرونِنَا … وظهورِ أحْدَاثٍ منْ الشَّيْطَانِ
1041 – وعَلَى لِسَانِ الجَهْمِ جَاءَ وحِزْبِهِ … مِنْ كلِّ صَاحِبِ بدْعَةٍ حَيْرَانِ
1042 – وَلِذلِكَ اشْتَدَّ النَّكيرُ عَلَيْهمُ … مِنْ سَائِر العُلمَاءِ فِي البُلْدَانِ
1043 – صَاحُوا بِهِمْ منْ كلِّ قُطرٍ بَلْ رَمَوْا … فِي إثْرِهِمْ بثواقِبِ الشُّهْبَانِ
__________
1035 – لما بالغ أهل الكلام في تعظيم دليلهم ورفع شأنه وقرروا أن إثبات الصانع والرد على الملاحدة لا يتم إلا بهذا الدليل، قال لهم الناظم مستنكرًا: ما دام أن دليلكم بهذه الأهمية، والضرورة إلى معرفته أشد الضرورات فلماذا لم يرد في الكتاب والسنة، مع أن الله تعالى أرسل رسوله – صلى الله عليه وسلم – لهداية الناس فلم يترك طريق هدى وخير إلا دلّ الأمة عليه وبينه لها، ومع ذلك لم يخبر بدليلكم هذا مع شدة الحاجة إليه -كما تزعمون- وما هذا إلا لفساد هذا الدليل وبطلانه إذ كيف تهتدون إليه ولم يهتدِ إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟
1036 – يعني: أيكون دليلكم أصل الدين …
1037 – يشير -رحمه الله- إلى زعمهم أن الأدلة والنصوص الشرعية لا تفيد القطع واليقين وكمال الإيمان والنجاة من الكفر كما يفيده دليلهم فقالوا: إن من لم يحط علمًا بدليلنا لم تحصل له حقيقة الإيمان.
1040 – ب، طع: “فظهور”، ح، طت، طه: “بظهور”.
1041 – “حزبه”: كذا ضبط في ف بكسر الباء. وفي طت، طه: “جاؤا” تحريف، (ص).
1042 – ظ، د: “وكذلك” وهو خطأ.
1043 – الثاقب: المضيء، والشهبان: جمع شهاب وهو في الأصل: الشعلة من النار، ويطلق على الكواكب المشتعلة التي يرجم بها الجن الذين يسترقون =
(2/288)
1044 – عَرَفُوا الَّذِي يُفْضي إِلَيْهِ قَوْلُهُمْ … ودليلُهمْ بحقيقَةِ العِرْفَانِ
1045 – وأخُو الجهَالَةِ فِي خُفَارَةِ جَهْلِهِ … والجهْلُ قَدْ يُنْجِي منَ الكُفْرَانِ
* * *
__________
= السمع، كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)} [الصافات: 10] تفسير الطبري مجلد 12/ ج 23/ 40، اللسان 1/ 240، 510. ومراد الناظم هنا: أن ردود العلماء من أهل السنة على هؤلاء المتكلمين جاءت قوية واضحة مفحمة حتى صارت في قوتها كالشهبان والصواعق.
وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ردّه على دليل المتكلمين في إثبات الصانع حججًا ساقها الآمدي، ثم ردّ عليه من عدة أوجه. انظر درء تعارض العقل والنقل 4/ 27 وما بعدها.
1044 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو يبين فساد هذا الدليل: “بل المحققون على أنها طريقة باطلة التزم جهم لأجلها فناء الجنة والنار، والتزم لأجلها أبو الهذيل انقطاع حركات أهل الجنة، والتزم قوم لأجلها -كالأشعري وغيره- أن الماء والهواء والتراب له طعم ولون وريح ونحو ذلك، والتزم قوم لأجلها ولأجل غيرها أن جميع الأعراض كالطعم واللون وغيرهما لا يجوز بقاؤها بحال .. والتزم طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم لأجلها نفي صفات الرب مطلقًا أو نفي بعضها .. إلى أمثال ذلك من اللوازم التي التزمها من طرد مقدمات هذه الحجة التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم” أ. هـ باختصار درء تعارض العقل والنقل 1/ 39 – 41.
1045 – الخفارة بتثليث الخاء: الأمان والذمة، اللسان 4/ 253.
– يشير رحمه الله بقوله: “والجهل قد ينجي من الكفران” إلى أن بعض من يقع منه مخالفة لأوامر الدين أو وقوع في بعض صور الشرك أو الكفر قد يعذر بجهله، ومسألة العذر بالجهل فيها كلام طويل لأهل العلم، ولعلي أتكلم عن هذه المسألة بشيء من التوسع والتفصيل ولا أُعتَبَر بذلك خرجت عن صُلْبِ الموضوع الأصلي وذلك لأن بعض الناس يعتذر عن الجهمية =
(2/289)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والمعتزلة وغيرهم من فرق الضلال ويقول: هؤلاء جهال ولم يجدوا من يعلمهم، ويُعذَرون بجهلهم، ونحو ذلك، ورأيت أن أفصل هذه المسألة في هذه النقاط:
الأولى: المقصود بالجهل: خلو النفس من العلم، كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78].
الثانية: الجهل أمر أصلي ينبغي رفعه حسب الاستطاعة، قال الإمام ابن عبد البر ت 463 هـ: “ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم أثم” التمهيد لابن عبد البر 4/ 140، وقال الإمام القرافي أحمد بن إدريس المالكي ت 684 هـ: “القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها، فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلًا فقد عصى معصيتين بتركه واجبين” الفروق للقرافي 4/ 264.
الثالثة: أن العذر بالجهل له اعتبار في مسألة التكفير بالنسبة لمن يغلب عليه التلبس به كمن أسلم حديثًا ومن نشأ في البادية ونحوها، قال الإمام البخاري ت 256 هـ: كل من لم يعرف الله بكلامه أنه غير مخلوق فإنه يعلم ويرد جهله إلى الكتاب والسنة، فمن أبى بعد العلم به كان معاندًا. قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]، خلق أفعال العباد ص 61. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ت 728 هـ: “من دعا غير الله وحج إلى غير الله فهو مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالمًا بأن هذا شرك محرم كما أن كثيرًا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم، وعندهم أصنام لهم وهم يتقربون إليها ويعظمونها، ولا يعلمون أن ذلك محرم في دين الإسلام، ويتقربون إلى النار أيضًا ولا يعلمون أن ذلك محرم، فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك” أ. هـ. الرد على الاخنائي ص 61 – 62 باختصار يسير. وقال في موضع آخر: “إن تكفير المعين وجواز قتله =
(2/290)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها وإلا فليس كل من جهل شيئًا من الدين يكفر”. الرد على البكري ص 258.
ولعل من أظهر الأدلة في اعتبار الجهل عذرًا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن رجلًا لم يعمل خيرًا قط، فقال لأهله إذا مات فأحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل، فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم بين يديه، ثم قال: لمَ فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له” أخرجه البخاري 6/ 514 ح 3478، فتح كتاب أحاديث الأنبياء، ومسلم ج 17/ 70 نووي- كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فإن هذا الرجل جهل قدرة الله على إعادته ورجا أنه لا يعيده بجهل ما أخبر به من الإعادة، ومع هذا لما كان مؤمنًا بالله وأمره ونهيه ووعده ووعيده، خائفًا من عذابه، وكان جهله بذلك جهلًا لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله، غفر الله له، ومثل هذا كثير في المسلمين، والنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخبر بأخبار الأولين ليكون ذلك عبرة لهذه الأمة” الصفدية 1/ 233.
الرابعة: عندما نقرر أن للعذر بالجهل اعتبارًا في مسألة التكفير، لا يعني هذا أن الجهل مقبول لكل من ادعاه، بل من الناس من لا يعذر بجهله، قال الإمام الشافعي ت 204 هـ: “إن من العلم ما لا يسع بالغًا غير مغلوب على عقله جهله مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا” الرسالة ص 357. ومن المعلوم أن العذر بالجهل تتعلق به عدة أمور منها نوعية المسألة المجهولة، كأن تكون من المسائل الخفية، وكذلك حال الجاهل كحديث العهد بالإسلام أو الناشئ في البادية، ومن حيث حال البيئة ففرق بين وجود =
(2/291)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= مظنة العلم أو عدمه. وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ت 1206 هـ: “إن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف، فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة” مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب 3/ 11، (فتاوى)، وقال في موضع آخر: “إن الشخص المعين إذا قال ما يوجب الكفر فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس. وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة” الدرر السنية 8/ 244.
الخامسة: أن العذر بالجهل فيمن وقعوا في الكفر أو الشرك لا يعني نفي الكفر والشرك عنهم وهو ظاهر عليهم، وحكمهم الدنيوي أنهم كفار ومشركون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “أخبر الله تعالى عن هود أنه قال لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} [هود: 50] فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إلهًا آخر، فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة، فإنه يشرك بربه ويعدل به، ويجعل معه آلهة أخرى، ويجعل له أندادًا قبل الرسول .. وأما التعذيب فلا” مجموع الفتاوى 20/ 37 – 38، وقال ابن القيم رحمه الله ت 751 هـ: “الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول، هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم” طريق الهجرتين ص 413.
وجاء في فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية =
(2/292)
فصلٌ في الرد على الجَهْمِيَّةِ المعطِّلةِ القائلينَ بأنَّه ليسَ علي العرشِ إلهٌ يُعبَد، ولا فوقَ السماء (1) إله يُصلّى لهُ ويُسْجَد (2)، وبيان فسادِ قولهمْ عقلًا ونقلًا ولغةً وفطرةً
1046 – واللَّهُ كَانَ وَلَيْسَ شيءٌ غَيْرُهُ … وبَرى البريَّةَ وهْيَ ذُو حِدْثَانِ
__________
= السعودية ما يلي: “كل من آمن برسالة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرًا مرتدًا عن الإسلام مشركًا مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده، لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله، ولكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام إعذارًا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته .. فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة، لا ليسمى كافرًا بعد البيان، فإنه يسمى كافرًا بما حدث منه من سجود لغير الله مثلًا”. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 1/ 220 باختصار يسير.
فمما سبق يتبين لنا مقدار فقه الناظم رحمه الله بقوله: “والجهل قد ينجي من الكفران” فلم يجزم بأن الجهل ينجي من الكفر مطلقًا، لأن أحوال الجهال تختلف، والمسائل التي يقع عليها الجهل تتفاوت، كما تقرر ذلك فيما سبق والله تعالى أعلم.
انظر العذر بالجهل في عقيدة السلف لشريف بن محمد هزاع، العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي لمدحت بن الحسن آل فراج، نواقض الإيمان القولية والعملية: د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف ص 59 – 70، شبهات التكفير: د. عمر بن عبد العزيز قريشي ص 287.
(1) كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “السماوات”.
(2) كلمة “يسجد” لا توجد في ف. والأصل غير واضح في الصورة التي بين يديّ.
1046 – يدل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: =
(2/293)
1047 – فسَلِ المعطِّلَ هلْ بَراهَا خارجًا … عنْ ذاتِهِ أم فِيهِ حلَّت، ذَانِ
1048 – لَا بُدَّ من إِحدَاهُمَا أو أنَّهَا … هي عَيْنُهُ ما ثَمَّ موجُودَانِ
1049 – مَا ثَمَّ مَخْلُوقٌ وَخَالِقُهُ وَمَا … شَيءٌ مُغَايِرُ هَذهِ الأكوانِ
__________
= “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض” رواه البخاري 6/ 286 كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] وانظر ما سبق في البيت 920.
“برى البرية”: يعني خلقها.
الحِدثان: كالحدوث مصدر حدَث الأمرُ: أي وقع بعد أن لم يكن، وحِدثان الشيء: أوّله. اللسان 2/ 131. وقوله “ذو” جاء مكان “ذات” انظر التعليق على البيت 1033 (ص).
1047 – ب: “يراها” من رأى، تصحيف.
– قوله “ذان” مبتدأ، خبره في البيت التالي، وبدأ الناظم رحمه الله هنا بسياق الدليل العقلي على علو الله تعالى، فبين أن الله سبحانه لما خلق العالم لم يخلُ هذا الخلق من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون خلقه خارج نفسه سبحانه، ولم يحلّ فيه، فهذا حق ولا يليق بالله تعالى غيره.
الثانية: أن يكون خلقه في نفسه، وهذا محال، ويتعالى الله عن أن يحل فيه شيء من خلقه.
الثالثة: أن يكون هذا العالم هو عين الله سبحانه فليس هناك خالق ومخلوق بل الخالق عين المخلوق وهذا مذهب الاتحادية وهو كفر عظيم.
انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 138 – 139، الرد على الجهمية للدارمي 18 – 19، درء تعارض العقل والنقل 6/ 158 – 159، مجموع الفتاوى 5/ 297، بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 12 – 13، علو الله على خلقه للدكتور موسى الدويش ص 115 – 159.
1049 – كذا في الأصل، وفي سائر النسخ: “هذه الأعيان”.
(2/294)
1050 – لَا بُدَّ مِنْ إحْدَى ثَلاثٍ مَا لهَا … مِنْ رَابعٍ خَلُّوا عن الرَّوغَانِ
1051 – وَلِذَاكَ قالَ محقِّقُ القَوْمِ الَّذِي … رَفَعَ القواعِدَ مُدَّعِي العِرْفَانِ
1052 – هُوَ عَيْنُ هَذَا الكَوْنِ لَيْس بِغَيْرهِ … أَنَّى وليسَ مُبَايِنَ الأكْوانِ؟
1053 – كَلَّا وَلَيْسَ محايثًا أيْضًا لَهَا … فهوَ الوُجُودُ بِعَيْنِهِ وعِيَانِ
1054 – إنْ لمْ يكنْ فَوْقَ الخَلائِقِ ربُّهَا … فالقَوْلُ هَذَا القَوْلُ فِي الميزَانِ
1055 – إذ لَيْسَ يُعقَلُ بعَدُ إلا أنَّهُ … قَدْ حَلَّ فِيهَا وَهْيَ كالأبْدانِ
1056 – والروحُ ذاتُ الحقِّ جلَّ جلَالُهُ … حلَّتْ بِهَا كمقَالَةِ النَّصْرَانِي
__________
1051 – يعني: محيي الدين بن عربي وهو الذي أسس مذهب الاتحادية ونصره وألف فيه، ويسمونه “الشيخ الأكبر” وقد تقدمت ترجمته في التعليق على البيت 280.
1052 – هذا مذهب ابن عربي وأتباعه من القائلين بالاتحاد وهو: أن الله تعالى اتحد بالمخلوقات حتى صار هو عينها، وقد تقدم تفصيل مذهبهم ونقل كلامهم، راجع البيت 274 وما بعده.
1053 – “محايثًا”: كذا في الأصل، ف، ح، وهو مأخوذ من “حيث” وانظر البيت 1064. وفي غيرها: “مجانبًا” وهو تصحيف، (ص).
1054 – يعني رحمه الله: أنكم أيها الجهمية إن نفيتم الأمرين أنه خلق الخلق خارج ذاته وأنه خلقهم داخل ذاته لزمكم قول الاتحادية، لأنه حينئذ هو المتوجه عقلًا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “لا تكاد تجد أحدًا من نفاة المباينة والمداخلة جميعًا أو من الواقفة في المباينة يمكنه مناقضة الحلولية والاتحادية مناقضة يبطل بها قولهم، بل أي حجة احتج بها عليهم عارضوه بمثلها، وكانت حجتهم أقوى من حجته” أ. هـ. درء تعارض العقل والنقل 6/ 159.
1055 – أي: أن الرب تعالى قد حلّ في المخلوقات.
1056 – إذا أنكر الجهمي القولين الأولين اللذين عرضهما الناظم وقال: لا أقول: الله داخل العالم ولا خارجه، فليس له إلا أن يذهب إلى ما ذهبت إليه الحلولية من أن العالم جسم كبير والله سبحانه هو الروح السارية فيه، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. ويشابه هذا القول قول النصارى أن =
(2/295)
1057 – فاحْكُمْ عَلَى مَن قَالَ ليْسَ بخارجٍ … عنْها ولا فِيهَا بحُكْمِ بَيَانِ
1058 – بخِلَافهِ الْوَحْيَيْنِ والإجْمَاعَ والْـ … ـــعَقْلَ الصَّريحَ وفطْرَةَ الرَّحْمنِ
1059 – فعليهِ أوقَعَ حدَّ معدُومٍ بلَى … حدَّ المُحالِ بغيرِ ما فُرقَانِ
1060 – يَا لَلْعقُولِ إذا نَفَيتُمْ مُخْبَرًا … ونقيضَهُ هَلْ ذَاكَ فِي إمكَانِ؟
1061 – إذ كَانَ نفيُ دُخُولِه وخُرُوجِهِ … لا يصدُقَانِ معًا لدى الإمْكانِ
1062 – إلَّا علَى عدَمٍ صريحٍ نَفْيُهُ … متحقِّقٌ ببديهةِ الإنْسَانِ
1063 – أيصِحُّ فِي المعْقولِ يا أهْل النُّهَى … ذاتَانِ لا بالغَيْر قَائمتَانِ
__________
= اللاهوت حلّ في الناسوت. وقد تقدم شرح ذلك مفصلًا بما يغني عن الإعادة عند كلام الناظم على مذهب الاتحادية في الأبيات: 265 وما بعده، وانظر درء تعارض العقل والنقل 6/ 149 – 152، 162، مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام 4/ 29 وما بعدها.
1059 – وضع “بلى” موضع “بل” للضرورة، انظر ما سبق في البيت 123 (ص).
– يعني -رحمه الله-: أن الجهمي عندما وصف الله تعالى بأنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مباينًا له ولا محايثًا له .. إلخ، قد وصف المعدوم بل المحال. ولو قيل له: صف لنا العدم لما وجد وصفًا غير هذا، درء التعارض 6/ 148 – 149، بيان تلبيس الجهمية 1/ 100.
1060 – “لدى الإمكان”: كذا في الأصول، وضبطت بفتح الدال في الأصل. وفي طع: “لذي إمكان”. وفي طه: “لذي الإمكان”. يعني: نفيتم مخبرًا عنه بأنه داخل العالم ونفيتم نقيضه أيضًا أنه خارج العالم. والنقيضان: هما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود. التعريفات 179.
1062 – طت، طه: “ببداهة الإنسان”.
– اتفق العقلاء على أن قول المعطلة: بأن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، قول بيّن البطلان لأنه رفع للنقيضين، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان بل لا بد من ثبوت أحدهما وانتفاء الآخر، ولا يصح نفي النقيضين إلا على العدم، لذا كان حقيقة قول هؤلاء إنكار وجود الله سبحانه. انظر درء تعارض العقل والنقل 6/ 144 وما بعدها.
(2/296)
1064 – لَيْسَتْ تُبَايِنُ منْهُمَا ذاتٌ لأخْـ … ـــــرَى أو تُحايِثُها فتجْتَمِعَانِ؟
1065 – إنْ كانَ في الدُّنْيَا مُحالٌ فهْوَ ذَا … فارجِعْ إلى المعقُولِ والبرْهَانِ
1066 – فَلئِنْ زعمْتُم أنَّ ذلكَ في الَّذِي … هو قابِلٌ منْ جِسْمٍ أوْ جُسْمَانِ
1067 – والرَّبُّ ليسَ كذا فنَفْيُ دخولِهِ … وخروجِهِ ما فيهِ منْ بُطْلَانِ
1068 – فيقَالُ: هَذَا أوَّلًا من قَولِكُمْ … دَعْوَى مجَردةٌ بلا بُرهَانِ
__________
1064 – لم ينقط حرف المضارع في الأصل وف. وفي طت كما أثبتنا، وهو الصواب. وفي غيرها: “فيجتمعان” بالياء (ص). يعني رحمه الله: أنه يستحيل أن توجد ذاتان كل منهما قائمة بنفسها لا بغيرها، ومع ذلك يقال: إن كل واحدة منهما غير منفصلة عن الأخرى ولا متصلة أو مختلطة بها، فإن هذا رفع للنقيض وهو محال. انظر درء تعارض العقل والنقل 6/ 144 – 145، مجموع الفتاوى 5/ 287، بيان تلبيس الجهمية 1/ 9.
1066 – طع: “جثمان”.
1067 – يشير الناظم إلى جواب المعطلة لما أورد عليهم استحالة الجمع بين النقيضين أو رفعهما معًا فقالوا: إن ذلك يستحيل فيما هو قابل للاتصاف بالشيء أو نقيضه كالأجسام. أما ما لا يقبل الاتصاف كالجماد فيجوز رفع النقيض عنه، والرب تعالى ليس قابلًا أصلًا لذلك فلا يقبل أن يكون داخل العالم ولا خارجه لأنه ليس كالأجسام فلا حرج أن ينفى عنه الأمران، لأنهما متقابلان في حقه تعالى تقابل العدم والملكة فلا يلزم من رفع أحدهما ثبوت الثاني. انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 223، 4/ 36، التدمرية ص 37، وقد تقدم شرح شيء من هذه الشبهة والرد عليها، راجع الأبيات: 706 وما بعدها.
1068 – شرع الناظم رحمه الله في الرد عليهم وإبطال حجتهم، فذكر عدة أوجه:
الوجه الأول: أن هذا اصطلاح لكم أخذتموه عن فلاسفة اليونان وإلا فاللغة العربية لا فرق فيها، والمعاني العقلية لا يعتبر فيها مجرد الاصطلاحات، بل ولا نسلم أن في الأعيان ما يقبل الاتصاف بهذه الصفات فإن الشيء =
(2/297)
1069 – ذاكَ اصطِلاحٌ من فريقٍ فارَقُوا الْـ … ـــوَحْيَ المُبِينَ لِحكمةِ اليُونَانِ
1070 – والشَّيءُ يَصدُقُ نفْيُهُ عنْ قَابِلٍ … وسِوَاهُ في مَعهُودِ كلِّ لِسَانِ
1071 – أنَسِيتَ نَفْيَ الظُّلْمِ عَنْهُ وَقولَكَ: الـ … ــظُلْمُ المحالُ وليسَ ذَا إِمكانِ؟
1072 – وَنسِيتَ نفْيَ النومِ والسِّنَةِ التي … لَيْسَتْ لربِّ العَرْشِ في الإمكَانِ؟
1073 – ونَسِيتَ نفيَ الطَّعْمِ عنهُ وليسَ ذَا … مَقبُولَهُ والنفْيُ في القُرْآنِ؟
1074 – ونَسِيتَ نفْيَ ولادةٍ أو زوجَةٍ … وهُمَا عَلَى الرحمن ممْتَنِعَانِ؟
1075 – واللهُ قدْ وصَفَ الجمَادَ بأنَّهُ … مَيْتٌ أصَمُّ وما لَه عيْنَانِ
__________
= يصح نفيه عما يقبله وما لا يقبله، وهم حكموا بذلك بالرجوع إلى مجرد ما شاهدوه من العادة أما من صدق بأن الله قلب عصا موسى – وهي جماد – ثعبانًا عظيمًا لم يمكنه أن يطرد هذه الدعوى. انظر درء تعارض العقل والنقل 2/ 222، 4/ 38، 5/ 274، التدمرية ص 160، 163.
والوجه الثاني سيأتي في البيت 1078.
1071 يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] وتقدم أن المعطلة يقولون: إن الظلم ممتنع على الله أصلًا وغير ممكن له. راجع الأبيات: 57 وما بعده.
1072 – يدل عليه قوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] والسنة: هي النعاس. تفسير الطبري – مجلد 3/ ج 3/ 6.
1073 – “مقبوله”: أي ليس ذلك مما يقبله. ولا يبعد أن تكون الكلمة “مقبولةً” بتاء التأنيث، خبر ليس، وإن كان اسمها مذكرًا، لكثرة التجوز في المنظومة في التذكير والتأنيث، وإهمال هاء التأنيث في النسخ. (ص).
– يدل عليه قوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14].
1074 – يدل عليه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] وقال: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: 3].
1075 – يدل عليه قوله تعالى عن الأصنام التي عبدها المشركون من دونه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ =
(2/298)
1076 – وكذا نَفَى عنْه الشُّعورَ ونُطْقَهُ … والخَلْقَ نفْيًا واضحَ التِّبيانِ
1077 – هذَا وليسَ لهَا قبولٌ للذي … يُنْفَى ولا مِنْ جُملَةِ الحَيَوَانِ
1078 – ويقالُ أيضًا ثانيًا لو صحَّ هَـ … ـــذَا الشرطُ كانَ لِمَا هُمَا ضِدَّانِ
1079 – لا فِي النَّقِيضَيْن اللَّذَيْنِ كِلَاهُمَا … لا يثْبُتَانِ ولَيْسَ يرْتَفعَانِ
__________
= إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)} [الأعراف: 197، 198] وقال تعالى في معرض إنكاره عليهم عبادة الأصنام: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195].
1076 – يدل عليه قوله تعالى عن أصنام الكفار: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)} [النحل: 20، 21].
وقال تعالى عن عجل بني إسرائيل: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)} [طه: 89].
وقال تعالى عن آلهة الكفار: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195].
1077 – يعني: أن هذه الجمادات نُفِيت عنها هذه الصفات وهي ليست قابلة للاتصاف بها أصلًا لأنها ليست من جملة الأحياء.
1078 – الضدان: كل شيئين يستحيل اجتماعهما في محل واحد لذاتيهما من جهة واحدة كالسواد والبياض، والفرق بين الضدين والنقيضين أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود، والضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان كالسواد والبياض. التعريفات ص 179، درء التعارض 2/ 380.
1079 – هذا هو الوجه الثاني في الرد على الجهمية في نفيهم النقيضين عن الرب تعالى وهو أن يقال لهم: إن ارتفاع المتقابلين عن الشيء لا يتحقق إلا إذا كان الوصفان المتقابلان ضدين كالبياض والسواد، أما إذا كان المتقابلان نقيضين فيمتنع خلو الشيء عن واحد منهما، ومعلوم أن التقابل بين دخوله سبحانه في العالم ومباينته له هو من قبيل التقابل بين المتناقضين، فلا يتم =
(2/299)
1080 – ويقالُ أيضًا نفيُكمْ لِقَبولِهِ … لهُمَا يُزيلُ حقيقَةَ الإِمْكانِ
1081 – بلْ ذَا كنَفْي قِيَامِه بالنَّفْسِ أوْ … بالغَيْرِ في الفِطْرَاتِ والأذْهَانِ
1082 – فإذَا المعطِّل قَال إنَّ قيامَهُ … بالنَّفْس أو بالغَيْرِ ذُو بُطْلَانِ
1083 – إذ ليْسَ يقبَلُ واحِدًا من ذَينِكَ الـ … أَمْرَيْنِ إلا وهْوَ ذُو إِمْكَانِ
1084 – جِسْمٌ يقُومُ بِنَفْسِهِ أيضًا كَذَا … عَرَضٌ يقُومُ بغْيرهِ أخَوانِ
1085 – فِي حُكمِ إمكانٍ وليسَ بواجبٍ … ما كانَ فيهِ حقيقَةُ الإِمْكانِ
__________
= لهم ما قرروه، كما حرر ذلك الناظم رحمه الله. انظر التدمرية 151 – 160 وما بعدها، درء التعارض العقل والنقل 2/ 380. وتقدم الوجه الأول في البيت 1068.
1081 – هذا هو الوجه الثالث في الرد عليهم وهو أن يقال: “إن نفيكم عن الله تعالى قبول أحد الوصفين المتناقضين: لا داخل العالم ولا خارجه، ينفي إمكان وجوده سبحانه ويجعله من قبيل المعدومات بل الممتنعات، وهو يشبه في الفساد نفي وصفي قيامه سبحانه بنفسه وقيامه بغيره، مع أن رفعهما عنه باطل بالعقل والفطرة، فكل موجود لا بد أن يكون قائمًا بنفسه أو قائمًا بغيره، فلا بد من ثبوت أحد الوصفين له. درء التعارض 2/ 223، 5/ 274، مجموع الفتاوى 5/ 297، بيان تلبيس الجهمية 1/ 12 – 13، التدمرية ص 36، علو الله على خلقه للدويش ص 121.
1082 – أشار الناظم إلى تناقض أهل الكلام وغيرهم وما يلزم على قولهم من لوازم باطلة، فقالوا: وهذه الأوصاف لا تقع إلا على الممكنات من الأجسام والأعراض، فإذا وصفنا الله تعالى بأنه قائم بنفسه أو قائم بغيره فقد حكمنا أنه ممكن الوجود لا واجب الوجود، فرفعوا عنه الوصفين المتناقضين، فكان حقيقة قولهم نفي إمكان وجود الإله عزّ وجل. انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 331 وما بعدها، 2/ 5 وما بعدها.
1084 – العرض: الوصف، انظر التعليق على البيت 90.
1085 – أي: ليس واجب الوجود من كان فيه شيء من صفات الممكن.
(2/300)
1086 – فكلاكُمَا ينْفِي الإلهَ حَقِيقَةً … وكلاكُمَا فِي نَفْيِهِ سِيَّانِ
1087 – مَاذَا يرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ هوَ مثلُهُ … في النَّفْيِ صِرْفًا إذ هُمَا عِدْلَانِ؟
1088 – والفرقُ ليسَ بممْكِنٍ لكَ بَعْدَمَا … ضَاهَيْتَ هَذا النَّفْيَ فِي البُطْلانِ
1089 – فوِزَانُ هَذَا النَّفْي مَا قَدْ قُلْتَهُ … حَرْفًا بحرْفٍ أنتُمَا صِنْوانِ
1090 – والخَصْمُ يزعُمُ أنَّ مَا هو قَابِلٌ … لِكِلَيْهِمَا فكقَابِلٍ لمَكَانِ
__________
1087 – عِدلان: مثلان ونظيران. لما أنكر نفاة الجهة من المعتزلة وغيرهم على الفلاسفة نفيهم وصفي القيام بالنفس والقيام بالغير عن الله تعالى وقالوا: إن هذا القول حقيقته نفي الإله، احتج الناظم عليهم بالحجة نفسها فقال: أنتم تنفون عن الله تعالى أنه داخل العالم وأنه خارجه تنزيهًا له عن مشابهة الممكنات، فترفعون عنه النقيضين، وحقيقة قولكم نفي الاله أيضًا فأنتما مثلان في النفي وعلته. وقد علم السلف رحمهم الله أن هذا حقيقة قول الجهمية فلم ينخدعوا بحسن عباراتهم وزيفهم، كما قال محمد بن يحيى بن سعيد القطان: كان أبي وعبد الرحمن بن مهدي يقولان: الجهمية تدور أن ليس في السماء شيء. انظر الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام 4/ 26 – 28، مختصر الصواعق 1/ 132، 147. علو الله على خلقه للدويش ص 109 – 111، والأثر أخرجه ابن بطة في الإبانة 2/ 56 /رقم 255، وأخرجه الذهبي في العلو ونسبه إلى أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي من رواية أبي حاتم، العلو ص 188، وذكره البخاري في خلق أفعال العباد عن وهب بن حماد برقم 6، 9.
1089 – صِنوان: مثلان.
1090 – يعني بالخصم: الفلاسفة.
– يزعم الفلاسفة أنهم نفوا وصفي القيام بالنفس والقيام بالغير عن الله تعالى لأن القابل لهما لا بد أن يقبل الحلول في المكان والله منزَّه عن المكانية، ولا فرق بين هذا القول وبين قول نفاة الجهة من المعتزلة وغيرهم إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، مع أن هؤلاء المعتزلة ينكرون على أولئك الفلاسفة قولهم وهم في حقيقة الأمر سواء. انظر مجموع الفتاوى 5/ 297، نقض تأسيس الجهمية لشيخ الإسلام 1/ 12 – 13، علو الله على خلقه للدويش ص 113 – 115.
(2/301)
1091 – فافْرُقْ لنَا فَرْقًا يُبِينُ مواقِعَ الْـ … إثْباتِ والتَّعْطِيلِ بِالبُرْهَانِ
1092 – أوْ لَا فأعْطِ القوسَ بَارِيهَا وَخَلِّ م … الفَشْرَ عَنْكَ وكثرةَ الهَذَيَانِ
* * *
فصلٌ في سياق هذا الدَّليلِ (1) على وجْهٍ آخرَ
1093 – وَسلِ المعطِّلَ عنْ مسَائِلَ خمْسَةٍ … تُرْدِي قواعِدَهُ من الأرْكَانِ
1094 – قُلْ للمُعطِّلِ: هَلْ تقولُ إلهُنَا الْـ … ـــــمعْبُودُ حقًّا خارجَ الأذْهَانِ؟
__________
1092 – “أعط القوس باريها” مَثَلٌ مشهور، معناه: استعن على عملك بأهل المعرفة والحذق فيه. الأمثال للميداني 2/ 345. والمقصود: أن المعطل سعى بفكره القاصر وعقله الناقص في مساع وطرق ليس هو من أهلها ولا له علم بمسالكها، ولم يعرف قدره، وَلم يتبع أهل الحق والدين ممن استناروا بنصوص الكتاب والسنة، فأمره الناظم أن يترك ما لا يحسن، ويستعين على معرفة ربه وإثبات خالقه بأهل الحق والدين فيعطي القوس باريها.
الفشر: الكذب. انظر البيت 387.
(1) أي: الدليل على أن الله تعالى بائن من خلقه مستوٍ على عرشه.
1093 – بعد أن أثبت الناظم -رحمه الله- فساد قول المعطل للرب وعلوه عقلًا في الفصل السابق، أراد أن يبين بطلان قوله من وجه آخر بطريقة السبر والتقسيم.
والسبر لغة: الاختبار، والتقسيم لغة: التجزئة. ومعنى السبر والتقسيم اصطلاحًا: حصر العلل التي علل بها الحكم ثم اختبارها وإبطال الفاسد منها واختيار الصحيح. انظر نزهة الخاطر العاطر لابن بدران 2/ 281، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/ 264، التعريفات للجرجاني 154، اللسان 4/ 340.
(2/302)
1095 – فإِذَا نَفَى هَذَا فَذَاكَ مُعَطِّلٌ … لِلرَّبِّ حقًّا بالغُ الكُفْرانِ
1096 – وإذَا أقَرَّ بِهِ فسَلْهُ ثَانيًا: … أَتَرَاهُ غيرَ جَمِيع ذِي الأكْوانِ؟
1097 – فإِذا نَفَى هَذَا وقَالَ بأنَّهُ … هُوَ عَيْنُهَا ما ههُنا غيْرَانِ
1098 – فقدِ ارْتَدَى بالاتِّحادِ مصرِّحًا … بالكُفْر جَاحِدَ ربِّه الرَّحْمنِ
1099 – حَاشَا النَّصَارَى أن يكُونُوا مثلَهُ … وهُمُ الحَمِيرُ وعَابدُو الصُّلْبَانِ
1100 – هُمْ خصَّصُوهُ بالمسِيح وأمِّهِ … وأولاءِ ما صَانُوهُ عنْ حَيَوانِ
__________
1095 – الوجه الأول أن يقال للخصم: هل تقرّ بأن الله تعالى موجود خارج الأذهان أم لا وجود له إلا في الذهن (ومثال ما لا وجود له إلا في الذهن إنسان بخمسة رؤوس أو عشر أيد ونحو ذلك، فهذا قد يوجد في الذهن ويتصوره ولكن لا حقيقة له ولا وجود في الواقع). فإذا قال المعطل: إن الرب تعالى موجود في الأذهان وليس له وجود في خارج الأذهان فقد نفى وجحد وجود الصانع ووقع في التعطيل والإلحاد، وهو يفز من ذلك. وإذا أقرّ بأن لله تعالى وجودًا خارج الأذهان فيسأل السؤال الثاني وسيأتي. انظر بيان تلبيس الجهمية 1/ 16.
1069 – إذا أقرَّ الخصم بأن الله تعالى موجود خارج الأذهان، يسأل ثانيًا: هل وجوده سبحانه غير وجود هذه الأكوان أم أنه عينها، فإن قال: هو عينها فقد صرح بالكفر العظيم ووقع في الاتحاد بقوله إن الخالق هو عين المخلوق، وإن قال: وجوده سبحانه غير هذه الأكوان، فيواجه بالسؤال الثالث وسيأتي، وقد تقدم عرض مذهب الاتحادية وبيان ما فيه من كفر وإلحاد، راجع الأبيات: 265 وما بعده. انظر مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام 4/ 20 – 21، الشريعة للآجري 287.
1100 – ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الحلول أربعة أقسام:
الأول: الحلول الخاص وهو قول النسطورية من النصارى أن اللاهوت حلّ في الناسوت وتدرع به كحلول الماء في الإناء.
الثاني: الاتحاد الخاص، وهو قول يعقوبية النصارى أن اللاهوت والناسوت اختلطا وامتزجا كاختلاط اللبن بالماء. =
(2/303)
1101 – فإذَا أقرَّ بأنَّهُ غيرُ الوَرَى … عَبْدٌ ومعْبُودٌ هُمَا شيْئَانِ
1102 – فاسأَلْهُ: هلْ هَذا الوَرَى في ذَاتِهِ … أم ذَاتُهُ فيهِ هُنَا أمْرَانِ؟
1103 – فإذَا أقَرَّ بواحدٍ مِنْ ذينِكَ الْـ … أَمْرَينِ قبّلَ خدَّه النَّصرانِي
__________
= الثالث: الحلول العام، وهو قول طائفة من الجهمية المتقدمين أن الله بذاته في كل مكان.
الرابع: الاتحاد العام وهو قول هؤلاء الملاحدة الذين يزعمون أنه عين وجود الكائنات وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى من وجهين:
الوجه الأول: أن أولئك النصارى قالوا: إن الرب يتحد بعبده عيسى عليه السلام الذي قرّبه واصطفاه بعد أن لم يكونا متحدين، أما هؤلاء الاتحادية فيقولون: ما زال الرب هو العبد وغيره من المخلوقات، ليس هو غيره.
الوجه الثاني: أن أولئك خصوا ذلك بالمسيح وهؤلاء جعلوه ساريًا في الكلاب والخنازير .. وإذا كان الله تعالى قال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17، 72] فكيف بمن قال: إن الله هو الكفار والمنافقون والأنجاس والأنتان وكل شيء. أ. هـ باختصار يسير من مجموعة الرسائل والمسائل لشيخ الإسلام 4/ 30، وقد تقدم تفصيل شيء من ذلك عندما عرض الناظم رحمه الله مذهب الاتحادية، في الأبيات: 265 وما بعده.
1101 – “فإذا” كذا في الأصل. وفي غيره: “وإذا”. و”الورى”: الخلق.
1102 – إذا أقرّ الخصم بأن الله غير المخلوقات وأن العبد ليس عين المعبود يسأل ثالثًا: هل حلّت المخلوقات في ذاته سبحانه أم ذاته سبحانه حلّت في هذه المخلوقات، فإذا أقرّ بواحد من هذين الأمرين فاق النصارى في كفرهم وقولهم بالحلول، فإنهم خصوا الحلول بالمسيح أما هو فجعل ربه حالًّا في جميع المخلوقات. انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد ص 138 – 139، الرد على الجهمية للدارمي ص 18، الشريعة ص 287. وقد تقدم نقل كلام شيخ الإسلام في ذلك في التعليق على الأبيات: 313 وما بعده.
(2/304)
1104 – ويقولُ: أهلًا بالذِي هوَ مِثْلُنَا … خُشْدَاشُنَا وحَبِيبُنَا الحقَّانِي
1105 – وإذا نَفَى الأمْرَينِ فَاسْأْلهُ إِذًا: … هَلْ ذاتُهُ استَغْنَتْ عنِ الأَكْوَانِ؟
1106 – فَلِذَاكَ قَامَ بنفْسِهِ أمْ قامَ بالْـ … أَعْيانِ كالأعْرَاضِ والألْوانِ؟
1107 – فإذا أقَرَّ وقَال: بَلْ هوَ قائمٌ … بالنَّفْسِ فَاسْأَلْهُ وقلْ: ذاتانِ
__________
1104 – ف: “خوجداشنا” ومعنى خُشْداش -ويقال: خوشداش وخُجداش وخوجداش- في الأصل: مملوك كان مع مملوك آخر في خدمة سيد كبير، والحالة تربط بين هذين المملوكين برباط الإخاء والصداقة. والكلمة معرّبة من “خواجه تاش” وتطلق على الرفيق والزميل. تكملة المعاجم العربية ج 4/ 26.
ومراد الناظم: أن هذا المعطل إذا أقرّ بأن الله حلّت فيه المخلوقات أو أنه حلّ فيها فقد فاق النصارى في قولهم باتحاد الناسوت باللاهوت بل صار أكثر غلوًّا منهم، فيفرح به النصارى ويعتبرونه من أحبابهم ورفاقهم. وقد تقدم تفصيل أنواع الاتحاد والحلول في التعليق على البيت 1100.
1105 – إذا نفى الخصم عن الله تعالى نوعي الحلول: حلوله في العالم وحلول العالم فيه، يسأل رابعًا: هل الله سبحانه قائم بنفسه مستغنٍ في وجوده عن غيره، أم هو قائم بغيره مفتقر في وجوده إليه فيكون كالأعراض (الأوصاف) كالعلم والإرادة، والألوان كالسواد والبياض التي تفتقر إلى غيرها لتقوم به؟ بيان تلبيس الجهمية 1/ 335، وانظر: التوحيد عند خلص المتكلمين ص 171 – 174، شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص 96، تعليقات على جوهرة التوحيد ص 105 – 107.
1106 – ب، د، س، طت، طه: “الأكوان”، تحريف.
1107 – إذا أقرّ الخصم بأن الله تعالى قائم بنفسه مستغنٍ عن غيره، يسأل خامسًا: هل ذات الله تعالى مماثلة لهذا العالم أم مضادة له أم مغايرة؟ ولا يمكن أن تخرج النسبة عن هذه الفروض الثلاثة، وعلى أي واحد من هذه التقارير الثلاثة يلزم القول بأن الله تعالى مباين للعالم منفصل عنه.
انظر مجموع الفتاوى 5/ 276 – 277، 297، بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام 1/ 13، علو الله على خلقه للدويش ص 112 – 115.
(2/305)
1108 – بالنَّفسِ قائِمتَانِ أخبِرْنِي هُمَا … مِثْلَانِ أو ضِدَّانِ أو غَيْرانِ؟
1109 – وَعَلَى التقَادِيرِ الثَّلاثِ فإنَّهُ … لولَا التَّبايُنُ لَم يكنْ شَيْئَانِ
1110 – ضِدَّينِ أو مِثْلَينِ أو غَيْرينِ كَا … نَا بلْ هُمَا لا شَكَّ مُتَّحِدَانِ
1111 – فَلِذَاكَ قلنَا إنَّكُمْ بابٌ لِمنْ … بالاتّحَادِ يقولُ بلْ بَابَانِ
1112 – نَقَّطْتُمُ لهُمُ وهُمْ خَطُّوا عَلَى … نُقَطٍ لكُمْ كمُعَلِّم الصِّبيَانِ
* * *
__________
1108 – المثلان: المتساويان المتفقان اللذان يسد أحدهما مسد صاحبه كالسوادين والبياضين. الإرشاد للجويني ص 55، التمهيد للباقلاني ص 44. والضدان: ما لا يجتمعان وقد يرتفعان كالسواد والبياض، وقد تقدم في البيت 1078. والغيران: المختلفان المفترقان كالسواد والبياض، اللسان 5/ 39.
111 – قول المعطلة نفاة العلو ضلّ بسببه فريقان: الأول: الاتحادية، فإنهم لما لم يعقلوا موجودًا لا داخل العالم ولا خارجه حكموا أن الله تعالى عين هذا العالم. الثاني: الحلولية، فإنهم وافقوا الجهمية أن الله تعالى ليس خارج العالم لكنهم لم يعقلوا أن لا يكون داخله أيضًا فحكموا بحلوله سبحانه وسريانه في جميع أجزاء العالم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وهؤلاء الاتحادية وأمثالهم إنما أتوا من قلة العلم والإيمان بصفات الله التي يتميز بها عن المخلوقات، وقلة اتباع السنة وطريقة السلف في ذلك، بل قد يعتقدون من التجهم ما ينافي السنة، تلقيًا لذلك عن متفلسف أو متكلم .. وهذا هو الذي أوقع الاتحادية في قولهم: هو نفس الموجودات .. ” أ. هـ باختصار نقض المنطق ص 49 – 55″ وقد تقدم بيان مذهبَي الاتحادية والحلولية. راجع الأبيات 265 وما بعده.
1112 – يعني رحمه الله: أن المعلم كما ينقط على الورق نقطًا يخطُّ عليها الصبيان المتعلمون للكتابة حتى يتقنوها، فإن هؤلاء المعطلة الذين نفوا العلو وقالوا بقولهم المنافي للعقل: لا داخل العالم ولا خارجه، جرُّوا الاتحادية والحلولية إلى الكفر والزندقة.
(2/306)
فصلٌ في الإشارةِ إلي الطُرقِ النَّقليَّةِ الدَّالّة على أنَّ اللَّهَ سُبْحَانَه (1) فوق سماواته على عرشِهِ
1113 – وَلَقَدْ أتانَا عشْرُ أنواعٍ منَ الـ … ـــــمَنْقُولِ فِي فوقِيَّةِ الرَّحْمنِ
1114 – مَعَ مِثْلِهَا أيضًا تزيدُ بواحِدٍ … ها نحنُ نَسرُدُهَا بلَا كِتْمانِ
1115 – مِنها اسْتواءُ الرَّبِّ فوقَ العرْشِ فِي … سبْعٍ أتتْ في مُحْكَمِ القُرْآنِ
__________
(*) من بداية هذا الفصل إلى البيت 2615 من تحقيق ناصر بن يحيى الحنيني.
(1) “سبحانه”: ساقطة من ف. وفي ح، طت، طه: “تعالى”.
1113 – انظر: التعليق على البيت 586.
1115 – والآيات السبع التي يشير إليها الناظم، وذكر فيها استواء الله على عرشه هي:
1 – قول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54].
2 – قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)} [يونس: 3].
3 – قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)} [الرعد: 2].
4 – قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]. =
(2/307)
1116 – ولِذلِكَ اطَّرَدَتْ بِلَا “لَامٍ” ولَوْ … كانتْ بمَعنى “اللام” في الأذْهَانِ
1117 – لأتتْ بهَا في موضِع كىْ يُحْملَ الـ … ــباقِي عليْها بالبَيَانِ الثَّانِي
1118 – ونظيرُ ذَا إضْمارُهم في مَوضِعٍ … حَمْلًا على المذكُورِ في التِّبْيَانِ
__________
5 – قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)} [الفرقان: 59].
6 – قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)} [السجدة: 4].
7 – قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)} [الحديد: 4].
1116 – كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “وكذلك”.
1117 – والمعنى: أن لفظ “استوى” جاء في جميع المواضع في القرآن والسنة بهذا اللفظ، من غير زيادة “اللام” التي في: “استولى”، وهذا يدل على أنها على معناها حقيقة؛ إذ لو كانت بمعنى “استولى” لأتت صريحة بهذا اللفظ في أحد المواضع كي يحمل الباقي عليه. انظر: الوجه السابع من الأوجه التي ردّ بها الناظم على من تأوّل “استوى” بمعنى “استولى” في كتابه الصواعق المرسلة. (مختصر الصواعق ص 307).
1118 – والمعنى: أن العرب من عادتهم أنهم لا يضمرون باستمرار، دون ذِكْرِ المُضْمَر ولو مرة واحدة حتى يُحْمل الباقي عليه، بل يحذفون ويضمرون الظاهر، إذا كثر وتكرر وأصبح مألوفًا لمن يسمع أو يقرأ الكلام. انظر تفصيل هذا في: مختصر الصواعق ص 314 (في الوجه الحادي والعشرين).
وقال الناظم في الصواعق: ” … ومثال ذلك اطّراد قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5] {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] في جميع موارده من أولها إلى آخرها على هذا اللفظ فتأويله بـ “استولى”=
(2/308)
1119 – لَا يُضْمِرُونَ مَعَ اطِّرادٍ دُونَ ذِكْـ … ـــــرِ المضْمَرِ المحذُوفِ دُونَ بَيَانِ
1120 – بَلْ في مَحَلِّ الحذْفِ يكثُرُ ذكرُهُ … فإذا هُمُ ألِفُوهُ إلِفَ لِسَانِ
1121 – حَذَفُوهُ تخفِيفًا وإِيجازًا فلَا … يَخْفَى المرادُ بِهِ عَلَى الإِنْسَانِ
1122 – هَذَا وَمِنْ عشْرِينَ وَجْهًا يبْطُلُ التَّـ … ـفْسِيرُ بـ”استَوْلَى” لِذِي الْعِرْفَانِ
1123 – قَدْ أُفْرِدَتْ بمصنَّفٍ لإمَامِ هَـ … ــــــذَا الشَّأنِ بحرِ العالَمِ الحرَّاني
* * *
__________
= باطل، وإنما كان يصح لو كان أكثر مجيئه بلفظ: “استولى” ثم يخرج موضع عن نظائره ويَرِدُ بلفظ: “استوى” فهذا كان يصح تأويله “باستولى” فتفطن لهذا الموضع واجعله قاعدة فيما يمتنع تأويله من كلام المتكلم وما يجوز تأويله” ا. هـ الصواعق المرسلة لابن القيم (1/ 386). وانظر أيضًا (1/ 196).
1122 – بل قد ردّ الناظم على هذا القول من أكثر من أربعين وجهًا في كتابه “الصواعق” وسوف يشير إليها في البيت رقم (1928).
1123 – يشير الناظم إلى مصنف لشيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الاستواء على العرش وأنه رد على من تأول “استوى” باستولى من عشرين وجهًا، وقد أشار إلى هذا المصنف السبكي في السيف الصقيل ص 83. وأشار إليه ابن عيسى في توضيح المقاصد (1/ 398)، والكتاب الذي أشار إليه الناظم غير موجود فيما اطلعت عليه من مؤلفات الشيخ، ولكن له رسالة ضمن مجموع الفتاوى (5/ 144) ذكر فيها اثني عشر وجهًا فقط في الرد على من تأول “استوى” بمعنى “استولى”.
وسوف يشير الناظم إلى هذا الكتاب مرة أخرى عند البيت رقم (1927).
طه: (العالم الرباني).
(2/309)
فصلٌ
1124 – هَذَا وثَانِيهَا صَرِيحُ عُلُوِّهِ … ولَهُ بحُكْمِ صريحِهِ لَفْظَانِ
1125 – لَفْظُ “العَليِّ” ولفظةُ “الأعْلَى” مُعَرَّ … فَةً [أتَتْ فِيه] لِقَصْدِ بَيَانِ
__________
1125 – قوله: “العلي”: وهو ما جاء مصرَّحًا به في غير ما آية منها:
قوله تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]وقوله تعالى: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]وقوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)} [الشورى: 4]والآيات التي صرحت بلفظ العلوّ أشار الناظم في البيت رقم (1663) أنها في خمسة مواضع والصواب أنها أكثر كما سيأتي.
– قوله: “الأعلى”: وهو ما جاء مصرحًا به في غير ما آية منها:
قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]وقوله تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)} [الليل: 19 – 20].
– “معرّفةَ”: يعني “بالألف واللام”، وفائدة التعريف أنه يفيد الإطلاق والعموم في العلو لله سبحانه كما أشار الناظم في البيت الذي يليه. ويقول شيخ الإسلام: “الأعلى” على وزن “أفعل التفضيل” مثل “الأكرم” و”الأكبر”، وهو مذكور بأداة التعريف بخلاف ما إذا قيل: “الله أكبر” فإنه منكّر، ولهذا معنى يخصه يتميز به، و”الأعلى” يجمع معاني العلو جميعها … وأنه الأعلى بجميع معاني العلو” ا. هـ. مجموع الفتاوى 111/ 16 – 119 (بتصرف).
– ما بين المعكوفتين زيادة من حاشية بخط بعض القراء في (ف). وفي (ظ) فوق السطر: “أتت أيضًا”. وفي طع زاد المحقق: “أتتك هنا”. وكلّ ذلك لإقامة وزن البيت الذي جاء في جميع النسخ ناقصًا، انظر التعليق على البيت (683) (ص).
(2/310)
1126 – أنَّ العُلُوَّ لَهُ بمُطْلَقِهِ عَلى التَّـ … ــــعْمِيمِ والإطْلَاقِ بالبُرهَانِ
1127 – وله العُلُوُّ مِنَ الوُجُوهِ جَميعِهَا … ذَاتًا وقهْرًا مَعْ عُلُوِّ الشَانِ
1128 – لكنْ نُفاةُ علُوِّهِ سَلَبُوهُ إكْـ … ـــمَالَ العُلُوِّ فصَارَ ذَا نُقْصَانِ
1129 – حَاشَاهُ مِنْ إفْكِ النُفَاةِ وسَلْبِهِمْ … فَلهُ الكمَالُ المطْلَقُ الرَّبَّانِي
1130 – وَعُلُوُّهُ فوقَ الخلِيقَةِ كُلِّهَا … فُطِرَتْ عَليهِ الخَلْقُ والثَّقَلَانِ
1131 – لا يستطيعُ معطِّلٌ تبْديلَهَا … أبدًا وذلِك سُنَّةُ الرَّحمنِ
1132 – كلٌّ إِذا ما نَابهُ أمرٌ يُرَى … متوَجِّهًا بضرورَة الإنْسَانِ
1133 – نحوَ العُلُوِّ فَليْسَ يطْلُبُ خلفَهُ … وأمَامَهُ أو جَانِبَ الإنْسَانِ
__________
1128 – ومثال ما نفاه أهل التعطيل عن الرب حول هذه الصفة:
– ما قرره الرازي في كتبه وخاصة تفسيره الكبير المسمى بـ “مفاتيح الغيب” حيث يقول عند تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}: “واعلم أنه لا يجوز أن يكون المراد منه العلو بالجهة … ” ا. هـ. مختصرًا مفاتيح الغيب 4/ 313.
– وقال في موضع آخر عند تفسير قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}: ” … وثانيًا: أن لا يفسر أسماءه بما لا يصح ثبوته في حقه سبحانه نحو أن يفسر “الأعلى” بالعلو في المكان، والاستواء بالاستقرار، بل يفسر العلو بالقهر والاقتدار، والاستواء بالاستيلاء” مفاتيح الغيب 8/ 377، وانظر تأويلات الرازي للنصوص المصرحة بالعلو في مفاتيح الغيب 6/ 550، 7/ 16، 7/ 292، 7/ 372.
1130 – انظر ما سبق في البيت (366)، وقد قرر هذا الأمر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 15/ 5، 260/ 5، 152، 275. والناظم في الصواعق 6/ 1304، والدارمي في الرد على الجهمية ص 37، وابن عبد البر في التمهيد علم 7/ 134.
1133 – يقول الإمام ابن عبد البر -رحمه الله-: “ومن الحجة أيضًا في أن الله عزَّ وجلَّ على العرش فوق السماوات السبع، أن الموحدين أجمعين من=
(2/311)
1134 – ونِهَايَةُ الشُّبُهَاتِ تَشْكِيكٌ وتخْـ … ـــمِيشٌ وتغْبِيرٌ عَلَى الإيمَانِ
1135 – لَا تستَطِيعُ تُعارِضُ المعْلومَ والـ … ـــمعْقُولَ عندَ بَدائِهِ الأذهانِ
1136 – فمِن المُحَال القَدْحُ في المعْلومِ بالشُّـ … ـــُبهاتِ هَذَا بيِّنُ البُطلانِ
1137 – وإذا الْبَدائِهُ قَابَلَتْهَا هَذِهِ الشُّـ … ــــبُهَاتُ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى بُطْلَانِ
__________
= العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة، رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم … ” ا. هـ التمهيد 7/ 134. وانظر: ما سبق في التعليق على البيت (367) من قصة إمام الحرمين الجويني، وزد على مراجعها المذكورة هناك: الاستقامة 1/ 167، نقض التأسيس 2/ 446، طبقات الشافعية للسبكي 5/ 190، جلاء العينين ص 409 – 410، شرح الطحاوية لابن أبي العز 2/ 390.
1134 – ف: “تخمين”. وأشار في الحاشية إلى أن في نسخة: “تخميش”.
والتخميش: يقال: خمش وجهه يَخْمِشُهُ ويخمُشُه خمشًا وخُموشًا، وخمَّشَه: خدشه ولطمه، وضربه. انظر: القاموس ص 765، واللسان 6/ 299.
التغبير: مصدر غَبَّر: أثار الغبار، وغَبَّره: لطخه بالغبار. القاموس ص 575،
الصحاح ص 765.
1135 – قوله: “لا تستطيع”: يعني بها الشبهات. وفي ب، د، ط: “لا يستطيع”.
البدائه: جمع بديهة، ومنها البديهي وهو ما لا يتوقف حصوله على نظر وكسب، فيرادف الضروري، وقد يراد به ما لا يحتاج بعد توجه العقل إلى شيء أصلًا، فيكون أخص من الضروري، كتصور الحرارة والبرودة، والتصديق بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان. انظر: التعريفات للجرجاني ص 63، التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي ص 120.
– طت، طه: “بدائه الإنسان”.
1136 – انظر: تفصيل هذا الأمر في شرح الطحاوية 2/ 391.
(2/312)
1138 – شتَّانَ بَيْنَ مقَالَةٍ أوْصَى بِهَا … بَعْضٌ لبَعْضٍ أوَّلًا للثَّانِي
1139 – ومقَالةٍ فَطَرَ الإلهُ عِبَادَهُ … حَقًّا علَيْهَا ما هُمَا عِدْلانِ
* * *
فصلٌ
1140 – هَذَا وثَالِثُهَا صَريحُ الفَوْقِ مصْـ … ــــحُوبًا بِـ “مِنْ” وبدُونِهَا نَوْعَانِ
1141 – إحْدَاهُمَا هوَ قابِلُ التَّأويلِ والْـ … أَصْلُ الحقِيقةُ وحدَهَا بِبَيَانِ
1142 – فإِذَا ادَّعَى تأويلَ ذَلِكَ مُدَّعٍ … لَمْ تُقْبلِ الدَّعْوَى بِلَا بُرْهَانِ
1143 – لكنَّما المجْرُورُ لَيسَ بقابِل التَّـ … ـــأويلِ فِي لُغَةٍ وعُرْفِ لِسَانِ
__________
1138 – كذا في الأصل وسائر النسخ، وفي ط: “أوّلٌ” (ص).
1139 – عِدلان: مثلان.
1140 – وخلاصة هذا الدليل: ما جاء مصرحًا بالفوق لله عزَّ وجلَّ مرة مقرونًا بـ “من” كقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50].
ومرة غير مقرون “بمن” كقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)} [الأنعام: 18]1141 – أي: أن الذي يحتمل التأويل بغير فوقية الذات ما جاء فيه لفظ “الفوق” مجردًا عن حرف الجر “من”، ولكن لا يصرف عن حقيقته -وهو إثبات فوقية الذات لله سبحانه- إلا بقرينة تدل عليها، ولا قرينة في الأدلة. انظر: مختصر الصواعق ص 355 – 356.
1142 – ظ: “فلو ادعى”.
1143 – أي: أن لفظ الفوق المصحوب بـ “من” كما في قوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] لا يمكن أن يُتَأوَّل بفوقية الرتبة والقدر والغلبة والقهر، لأنه في لغة العرب لا تستعمل “مِنْ” مع لفظ “الفوق” في فوقية الرتبة والقدر، فلا يقال: “الذهب من فوق الفضة” ولكن إذا جاء مقترنًا بـ “من” دل على فوقية الذات وهذا هو الذي عليه أهل اللغة. انظر: مختصر الصواعق ص 356.
(2/313)
1144 – وأصِخْ لفائِدةٍ جَلِيلٍ قَدْرُهَا … تَهْدِيكَ للتحْقِيقِ والعِرْفَانِ
1145 – إنَّ الكَلَامَ إذا أتى بسِيَاقَةٍ … تُبْدِي المُرادَ لِمَنْ لَهُ أذُنَانِ
1146 – أضْحَى كنصٍّ قاطِعٍ لَا يقْبَلُ التَّـ … ــــــأويلَ يَعرِفُ ذَا أُولو الأذْهَانِ
1147 – فَسِيَاقَةُ الألْفَاظِ مثلُ شواهِد الْـ … أَحْوَالِ إنَّهمَا لَنَا صِنْوَانِ
1148 – إِحْدَاهُمَا لِلْعَيْنِ مشْهُودًا بِهَا … لَكِنَّ ذَاكَ لِمَسْمَعِ الإنْسَانِ
1149 – فإذَا أَتَى التَّأويلُ بَعْدَ سِيَاقَةٍ … تُبدِي المرادَ أَتَى عَلَى اسْتِهْجَانِ
1150 – وإذا أَتَى الكِتْمَانُ بَعْدَ شَواهِد الْـ … أَحْوَالِ كَانَ كأقْبَحِ الكِتْمَانِ
1151 – فتأَمّلِ الألفَاظَ وانْظُرْ مَا الَّذِي … سِيقَتْ لَهُ إنْ كُنْتَ ذَا عِرْفَانِ
1152 – والفوقُ وَصْفٌ ثابتٌ بالذَّاتِ مِنْ … كُلِّ الوُجُوهِ لفَاطِرِ الأكْوَانِ
1153 – لَكِنْ نُفاةُ الفَوقِ مَا وَفَّوا بِهِ … جَحَدُوا كمَالَ الْفَوقِ لِلدَّيَّانِ
__________
1144 – أصِخْ: استمع وأنصت.
1145 – في جميع النسخ: “يبدي” مذكّرًا، والكلام مستقيم، ولكن صواب النصّ -إن شاء الله- ما أثبتنا، ويؤيده البيت 1149 الذي جاء فيه: “بعد سياقة تبدي”، ولا يصح هناك إلا بالتاء كما في الأصل، وهناك أيضًا نقط حرف المضارع في ب، د، بالياء، وأهمل في ف، ظ. وسبب الخطأ أن تاء التأنيث كثيرًا ما أهمل نقطه في النسخ، فجاءت “سياقة” بدون النقط هكذا: “سياقه” فظُنَّ أن كلمة “سياق” مضافة إلى الضمير، (ص).
1147 – والمعنى أن سياق الكلام يحدد مراد المتكلم ويجعله كالنص القاطع الذي لا يقبل التأويل، مثل ما نشاهده بالعين الباصرة من الشواهد على حالة معينة.
1149 – انظر: التعليق على البيت 1145، وكذا في طت، طه. وفي طع: “سياقه تبدي”، (ص).
– ذكر الناظم في الصواعق أن التأويل الباطل أنواع ثم ساق عشرة أنواع وقال في النوع العاشر: “تأويل اللفظ بمعنى لم يدل عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه … ” ا. هـ. الصواعق 1/ 201.
(2/314)
1154 – بَلْ فَسَّرُوهُ بِأنَّ قَدْرَ الله أَعْـ … ـــــلَى لا بفَوقِ الذَّاتِ لِلرَّحْمنِ
1155 – قَالُوا وَهَذَا مِثْلُ قولِ النَّاسِ فِي … ذَهَبٍ يُرَى مِنْ خَالِصِ العِقْيَانِ
1156 – هُوَ فوْقَ جنْسِ الفِضَّةِ البَيْضَاءِ لَا … بالذاتِ بلْ فِي مقتضَى الأثْمَانِ
1157 – والفوقُ أنْواعٌ ثلاثٌ كُلُّهَا … للهِ ثَابتَةٌ بِلَا نُكْرَانِ
1158 – هَذَا الَّذِي قَالُوا وفوْقُ القَهْرِ والْـ … ـــفَوْقيَّةُ العُلْيَا عَلَى الأكْوَانِ
* * *
فصل
1159 – هَذَا ورَابعُهَا عُروجُ الرُّوح والْـ … أمْلاكِ صاعِدةً إِلَى الرَّحْمنِ
__________
1154 – وممن فسرها بهذا المعنى ولم يثبت علوّ الذات إمام الأشاعرة المتأخرين ومقدمهم “الرازي” فإنه قال في تفسيره عند قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]: “يجب حمل هذه الفوقية على الفوقية بالقدرة والقهر … إلى أن قال: وقد بينا بالدليل أن هذه الفوقية عبارة عن الفوقية بالرتبة والشرف والقدرة والقوة … ” ا. هـ بتصرف من التفسير الكبير (5/ 317 – 318) ويقول القرطبي عند قوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]: “والعلي يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله منزه عن التحيُّز …. إلخ ” الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 278)، وانظر: أيضًا (6/ 399)، وانظر: كذلك السيف الصقيل ص 89.
1155 – العقيان: الذهب الخالص. وانظر: ما سبق في التعليق على البيت 179.
1156 – يعني: أن فوقية الذهب على الفضة بالقيمة وليس بأن ذات الذهب فوق ذات الفضة.
1158 – “هذا”: يعني: فوقية القدر والرتبة.
قال الناظم في الصواعق 4/ 1324 – 1325: “إن الجهمية المعطلة معترفون بوصفه تعالى بعلو القهر وعلو القدر وأن ذلك كمال لا نقص فإنه من لوازم ذاته، فيقال: ما أثبتم به هذين النوعين من العلو والفوقية هو بعينه حجة لخصومكم عليكم في إثبات علو الذات له سبحانه، وما نفيتم به علو الذات يلزمكم أن تنفوا ذينك الوجهين من العلو … ” ا. هـ مختصرًا.
(2/315)
1160 – وَلَقدْ أتَى فِي سورتَينِ كِلَاهُمَا اشْـ … ــتَمَلا عَلَى التَّقدِير بالأزْمَانِ
1161 – فِي سورةٍ فيها المعَارجُ قُدِّرتْ … خَمْسِينَ ألفًا كامِلَ الحُسْبَانِ
1162 – وبسَجْدةِ التنزِيل ألفًا قُدِّرتْ … فلأجْلِ ذَا قَالُوا هُمَا يَوْمَانِ
1163 – يومُ المعَادِ بذِي المعَارجِ ذكرُهُ … والْيَومُ فِي “تنزيلَ” فِي ذَا الآنِ
1164 – وكِلَاهُمَا عِنْدِي فَيَوْمٌ واحِدٌ … وعُروجُهُمْ فِيهِ إلَى الدَّيَّانِ
__________
1160 – هذا موضع “كلتاهما”، ولكن قال: “كلاهما” للضرورة، (ص).
1161 – والآية هي قوله تعالى في سورة المعارج: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4]. وانظر: البيت 360.
1162 – والآية هي قوله تعالى في سورة السجدة: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة: 5].
1163 – هذا هو القول الأول في هذه المسألة أنّ اليوم المراد في سورة المعارج هو يوم القيامة، واليوم في سورة السجدة هو في الدنيا، وهو قول جمهور المفسرين.
1164 – ب: “على الديّان”، وهو تحريف.
– هذا هو القول الثاني وهو اختيار الناظم أن العروج في الآيتين هو في يوم واحد، ولكن الاختلاف إنما هو في المسافة. فالآية التي قدرت العروج بخمسين ألف سنة فالمراد فيها من أسفل الأرض إلى العرش، أما الآية التي قدرت العروج بألف سنة فالمراد فيها صعود الملائكة ونزولهم من الأرض إلى سماء الدنيا، لأن المسافة بينهما خمسمائة عام، فالصعود والنزول يحتاج إلى ألف سنة. وممن قال بهذا القول واختارهُ الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره فإنه قال بعدما ساق الخلاف في هذه المسألة: “وأولى الأقوال في ذلك عندي قول من قال: معناه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار ذلك في عروج ذلك الأمر إليه ونزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم خمسمائة في النزول وخمسمائة في الصعود لأن ذلك أظهر معانيه وأشبهها بظاهر التنزيل” ا. هـ جامع البيان عن تأويل آي القرآن (21/ 93).
وقال الطبري عند قوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4]: “كان=
(2/316)
1165 – فالألفُ فِيهِ مسافَةٌ لنزُولِهمْ … وصُعُودِهِمْ نحوَ الرَّقيعِ الدَّانِي
1166 – هَذِي السَّماءِ فإنَّها قَدْ قُدِّرَتْ … خَمْسينَ فِي عَشْرٍ وَذَا ضِعْفَانِ
1167 – لَكِنَّما الخَمْسُونَ ألفَ مسَافَةُ الـ … ــــسَبْع الطِّباقِ وبُعدُ ذِي الأكْوَانِ
1168 – مِنْ عَرْشِ رَب العَالَمِينَ إلَى الثَّرى … عِنْدَ الحضِيضِ الأسْفلِ التَّحْتَانِي
1169 – واختَارَ هَذَا القَوْلَ فِي تَفْسِيرهِ الْـ … ــبَغَويُّ ذَاكَ العَالِمُ الرَّبَّانِي
__________
= مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السماوات السبع” ا. ص جامع البيان (70/ 29). وكذلك هو ترجيح ابن كثير رحمه الله حيث قال: عند قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ …. } كما قال تعالى: {مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) …. } وسيأتي إن شاء الله بيان أن هذه المسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة وهو قول جماعة من السلف والخلف وهو الأرجح إن شاء الله” ا. هـ تفسير ابن كثير (4/ 74).
1165 – كذا في الأصل “الرقيع” بالقاف وهو الصواب، وفي غيره: “الرفيع” بالفاء، تصحيف. والرقيع: السماء الدنيا وقيل: كل سماء يقال لها رقيع، والجمع أرقعةٌ، فالرقيع الداني هو السماء الدنيا، وانظر: البيت 4484 (ص).
1166 – “هذي السماءِ” بدل من “الرقيع الداني”، (ص).
– طه: (ذا صنفان)، تحريف.
1166 – حذف التنوين من (ألفًا) للضرورة (ص).
1169 – “هذا القول”: أي القول بأنهما يوم واحد.
– قال البغوي في تفسيره: “أي في يوم واحد من أيام الدنيا وقدر مسيرة ألف سنة: خمسمائة نزوله وخمسمائة صعوده … إلى أن قال: وأما قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4]، أراد مسافة بين الأرض إلى سدرة المنتهى .. ثم قال وهذا كله معنى قول مجاهد والضحاك” ا. هـ مختصرًا انظر: معالم التنزيل للبغوي (6/ 300). وممن اختار هذا القول أيضًا ابن قتيبة كما في تأويل مشكل القرآن ص 353.
(2/317)
1170 – ومُجَاهِدٌ قَدْ قَالَ هَذَا القَوْلَ لـ … ـــــكنَّ ابنَ إسْحَاقَ الجَليلَ الشَّانِ
__________
= البغوي: هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، المفسر صاحب التصانيف كـ”شرح السنة” و”معالم التنزيل” و”المصابيح” وغيرها. كان يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان إمامًا عالمًا زاهدًا. تفقه على شيخ الشافعية القاضي حسين بن محمد المروروذي، له القدم الراسخ في التفسير والباع المديد في الفقه، وممن حدث عنه أبو منصور محمد العطاري وأبو الفتوح محمد الطائي. وكانت وفاته بمرو الرّوذ سنة 516 هـ، وعاش بضعًا وسبعين سنة. السير 439/ 19، البداية والنهاية 12/ 206، طبقات الشافعية للسبكي 7/ 75.
1170 – هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي الأسود مولى السائب بن أبي السائب المخزومي. شيخ القراء والمفسرين، أكثر الرواية عن ابن عباس وعنه أخذ القرآن والتفسير والفقه، وأخذ كذلك عن أبي هريرة وعائشة وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من الصحابة. ممن تلا عليه ابن كثير الداري، وأبو عمرو بن العلاء، وابن محيصن. وحدث عنه عكرمة وطاووس وعطاء وغيرهم. أجمع العلماء على جلالته وإمامته وتوثيقه، مات سنة ثلاث ومائة وقيل غير ذلك، وقد جاوز الثمانين. الجرح والتعديل (8/ 319)، السير (4/ 449)، البداية والنهاية (9/ 232).
– روى ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره بسنده عن ابن حميد عن حكام عن عمرو بن معروف عن ليث عن مجاهد: ” (في يوم كان مقداره ألف سنة) يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد وذلك مقداره ألف سنة لأن ما بين الأرض إلى السماء خمسمائة عام وما بين السماء إلى الأرض مثل ذلك فذلك ألف سنة” ا. هـ تفسير الطبري (91/ 21) وانظر تفسير البغوي (6/ 300). وانظر كذلك تفسير الطبري (29/ 71).
ابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار العلامة الحافظ الإخباري أبو بكر، وقيل: أبو عبد الله، القرشي المطلبي مولاهم المدني، صاحب السيرة النبوية، ولد سنة ثمانين حدث عن أبيه وعن سعيد=
(2/318)
1171 – قَالَ المسافَةُ بَيْنَنَا والعَرْشِ ذَا الـ … ــــمقدارُ فِي سَيْرٍ مِنَ الإنْسَانِ
1172 – والقَوْلُ الَاوَّلُ قَوْلُ عِكْرِمةٍ وقوْ … لُ قتَادَةٍ وهُمَا لَنَا عَلَمَانِ
__________
= المقبري، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة والثوري وغيرهم. كانت وفاته ببغداد سنة إحدى وخمسين ومائة. انظر: السير (7/ 33)، والشذرات (1/ 230).
1171 – ونص مقالة ابن إسحاق: ” … لو سخر بنو آدم في مسافة ما بين الأرض إلى مكانه الذي استقل به على عرشه وجعل به قراره مادوا إليه خمسين ألف سنة قبل أن يقطعوه … ” الأثر بطوله. أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/ 475)، برقم (146).
وأورده البغوي في تفسيره (8/ 220) بمعناه، وبنحوه قال ابن قتيبة حيث قال: “يريد مقدار السير فيه على قدر سيرنا وعدونا ألف سنة، لأن بُعْدَ ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم، فإذا قطعته الملائكة بادئة وعائدة في يوم واحد، فقد قطعت مسيرة ألف سنة في يوم واحد” ا. هـ. تأويل مشكل القرآن ص 353.
1172 – “القول الأول”: أي القول بأنهما يومان فاليوم في سورة المعارج المقدر بخمسين ألف سنة هو يوم القيامة، واليوم في سورة السجدة المقدر بألف سنة هو يوم في الدنيا.
عكرمة: هو أبو عبد الله عكرمة مولى ابن عباس الهاشمي المديني. أصله بربري من أهل المغرب، وهو من كبار التابعين، حافظ مفسر علاَّمة. حدث وأكثر عن ابن عباس وعن عائشة وأبي هريرة وغيرهم. وعنه إبراهيم النخعي والشعبي وأبو الشعثاء وغيرهم. احتج به البخاري وأصحاب السنن وتركه مسلم فلم يخرج له سوى حديث واحد مقرونًا بسعيد بن جبير، وإنما تركه مسلم لكلام مالك فيه، وقد دافع عنه الحافظ في مقدمة الفتح وغيره من الأئمة. توفي سنة أربع ومائة وقيل خمس وقيل ست. انظر: مقدمة فتح الباري ص 446، السير (5/ 12)، تهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 340).
– وأما قوله فقد أخرجه الطبري بسنده عن ابن بشار عن عبد الرحمن عن=
(2/319)
1173 – واخْتَارَهُ الحَسَنُ الرِّضَا ورَوَاهُ عَنْ … بَحْرِ العُلُومِ مُفسِّرِ القُرْآنِ
__________
= سفيان عن سماك عن عكرمة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ .. } قال: “يوم القيامة”، التفسير (29/ 71). وقد صحح هذه الرواية الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 419).
وقال الطبري عند تفسير آية السجدة بسنده عن أبيه عن سفيان عن سماك عن عكرمة {أَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} قال: “من أيام الدنيا” التفسير (21/ 91).
– هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز وقيل ابن عكابة، حافظ العصر قدوة المفسرين والمحدثين أبو الخطاب السدوسي، البصري، الضرير، الأكمه. مولده سنة ستين، روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل الكناني وعكرمة وغيرهم. وعنه أيوب السختياني ومعمر بن راشد وشعبة وغيرهم. قال الذهبي: “وهو حجة بالإجماع إذا بيّن السماع فإنه مدلس معروف بذلك، وكان يرى القدر -نسأل الله له العفو- ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه والله حكم عدل لطيف بعباده ولا يسأل عما يفعل. ثم إن الكثير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلته ولا نضلله ونطَّرحهُ وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبة من ذلك” ا. هـ توفي سنة ثماني عشرة ومائة. انظر: السير (5/ 269)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 57).
– وأما قوله فقد ذكر الطبري في تفسيره بسنده عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} قال: “ذاكم يوم القيامة” (29/ 71)، وكذلك بسنده السابق {أَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} قال: “من أيامكم من أيام الدنيا … ” ا. هـ مختصرًا انظر: التفسير (21/ 91).
1173 – يعني الحسن البصري، وقد تقدمت ترجمته في التعليق على البيت 629. ونَصُّ مقولته: “هو يوم القيامة” ذكره البغوي في التفسير (8/ 220)، وابن=
(2/320)
1174 – وَيُرجِّحُ القَوْلَ الَّذِي قَدْ قَالَهُ … سَادَاتُنَا فِي فَرْقِهِمْ أمْرَانِ
1175 – إِحْدَاهُمَا مَا فِي الصَّحِيحِ لمانِعٍ … لِزكَاتِه مِنْ هَذِهِ الأَعْيَانِ
1176 – يُكْوَى بِهَا يَوْمَ القيَامَةِ ظَهْرُهُ … وجَبِينُهُ وكذلِكَ الجَنْبَانِ
1177 – خَمْسُونَ ألفًا قَدرُ ذَاكَ اليَوْمِ فِي … هَذَا الحَدِيثِ وَذَاكَ ذُو تِبْيَانِ
__________
= الجوزي في زاد المسير (8/ 90)، والسيوطي في الدر المنثور (8/ 280). وعزاه إلى عبد بن حميد بلفظ: “يكون عليهم كصلاةٍ مكتوبة” ا. هـ.
– “رواه”: كذا في الأصلين، ب، ح، ط. وفي غيرها: “رووه” يعني أصحاب القول الأول.
– “بحر العلوم”: يعني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. وقد تقدمت ترجمته تحت البيت 882.
– وأما قوله فقد رواه الطبري بسنده “عن علي عن أبي صالح عن معاوية عن علي عن ابن عباس، في قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4] فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة” ا. هـ تفسير الطبري (29/ 71) وانظر: البغوي (8/ 225). وذكر قوله الطبري بسنده عن عكرمة عند قوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ .. } [المعارج: 4] قال: من أيامكم هذه … انظر: الطبري (21/ 91).
1174 – أي ومما يرجح القول الأول وهو أنهما يومان، وهو قول جمهور المفسرين أمران: الأول حديث مانع الزكاة وسيأتي، والثاني: سياق الآيتين.
1175 – وردت “إحدى” للمذكر -وهو الأمر- للضرورة. انظر: ما سبق في الأبيات 181، 228، 276، (ص).
– هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة … ” الحديث. متفق عليه واللفظ لمسلم – أخرجه البخاري في كتاب الزكاة – باب إثم مانع الزكاة برقم (1402)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم (987).
(2/321)
1178 – فالظَّاهِرُ اليَوْمَانِ فِي الوجْهَينِ يَوْ … مٌ واحدٌ مَا إنْ هُمَا يَوْمَانِ
1179 – قَالُوا وإيرَادُ السِّيَاقِ يُبيِّنُ الْـ … ــــمقصودَ مِنْهُ بأوْضَحِ التِّبيَانِ
1180 – فانْظُرْ إلى الإضْمَارِ ضِمْنَ “يَرَوْنَهُ” … و”نَرَاهُ” مَا تفسِيرُهُ بِبَيَانِ
1181 – فالْيَوْمُ بالتفسِيرِ أوْلَى مِنْ عَذَا … بٍ واقِعٍ لِلقُرْبِ والجِيرَانِ
1182 – ويكُونُ ذكرُ عروجِهِمْ فِي هَذِه الدُّ … نْيَا ويوْمَ قيَامَةِ الأبْدَانِ
1183 – فنزُولُهمْ أيْضًا هُنالِكَ ثابتٌ … كنُزولِهِمْ أيْضًا هُنَا لِلشَّانِ
__________
1178 – يعني أن اليومين المذكورين في حديث مانع الزكاة وفي الآية في سورة المعارج المقصود بها يوم القيامة.
1179 – ح، ط: (المضمون منه).
– وهذه هي الحجة الثانية لأصحاب القول الأول.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في شرحه على هذه الأبيات: “والظاهر لي أن آية المعارج التقدير فيها ليوم القيامة والسياق يدل على ذلك وأما تقديره بالألف في سورة السجدة فإنه في الدنيا لأن السياق أيضًا يدل عليه فإنه في سياق بيانه في الدنيا ليعرفوا عظمة الله وكبرياءه ونفوذ تدبيره والله أعلم” ا. هـ بتصرف، توضيح الكافية الشافية ص 64.
1181 – أي: انظر إلى الضميرين في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)} وقوله تعالى: {وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)} فإن تفسيره بأنه يعود إلى يوم المعاد أولى من عوده إلى “عذاب واقع” لأن اليوم أقرب مذكور.
1182 – وعلى هذا التفسير -وهو القول الأول قول الجمهور- يكون العروج في الدنيا ما هو مذكور في سورة السجدة، والعروج في الآخرة ما هو مذكور في سورة المعارج.
1183 – أي: ولهم نزول أيضًا يوم القيامة كما أن لهم عروجًا، ولهم نزول في الدنيا كما أن لهم عروجًا، فالنزول في يوم القيامة هو المشار إليه بقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25)} [الفرقان: 25] وأما نزولهم في الدنيا للقيام بما يكلفهم الله من شؤون خلقه كما قال=
(2/322)
1184 – وعُروجُهُمْ بَعْدَ القَضَا كعرُوجِهِمْ … أيضًا هُنَا فلهُمْ إذًا شَأنَانِ
1185 – ويزولُ هَذَا السَّقْفُ يَوْمَ مَعَادِنَا … فعُروجُهُمْ لِلعَرْشِ والرَّحْمنِ
1186 – هَذَا وَمَا نَضِجَتْ لَدَيَّ وعلْمُهَا الْـ … ــــمَوكُولُ بَعدُ لِمُنْزِلِ القُرْآنِ
1187 – وأعوذُ بالرَّحْمنِ مِنْ جَزْمٍ بِلا … عِلْمٍ وَهَذَا غَايَةُ الأمْكَانِ
1188 – واللهُ أعْلَمُ بالمُرادِ بقوْلِهِ … ورَسُولُهُ المبعُوثُ بالفُرْقَانِ
* * *
فصلٌ
1189 – هَذَا وخَامِسُهَا صُعودُ كَلَامِنَا … بِالطَّيِّبَاتِ إِلَيهِ والإحْسَانِ
1190 – وَكَذَا صُعُودُ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَا … تِ إِلَيهِ مِنْ أعْمَالِ ذِي الإيمَانِ
1191 – وَكَذَا صُعُودُ تَصَدُّقٍ مِنْ طَيِّبٍ … أيْضًا إِلَيْهِ عِنْدَ كُلِّ أوَانِ
__________
= تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: 4، 5] انظر: شرح هراس 1/ 216.
1184 – أي: وعروجهم بعد فصل القضاء إلى الرحمن مثل عروجهم في هذه الدنيا إليه سبحانه فلهم إذًا عروجان.
1186 – طت، طه: (ما اتضحت)، يعني هذه المسألة.
1188 – والناظم في نهاية هذا المبحث لم يترجح لديه شيء وإن كان يميل إلى القول الثاني وهو أن المراد بهما يوم واحد ولكنه يجزم به، وقد اختار الشيخ الشنقيطي القول بأنهما يومان وهو قول الجمهور حيث قال: “يوم الألف في سورة السجدة هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه، ويوم الخمسين ألفًا هو يوم القيامة” ا. هـ دفع إيهام الاضطراب ص 207. (ضمن أضواء البيان الجزء العاشر) ولعل هذا هو الصواب.
1189 – يشير إلى قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. وانظر البيت 359.
1191 – يشير إلى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: =
(2/323)
1192 – وَكَذَا عُرُوجُ مَلائِكٍ قَدْ وُكِّلُوا … مِنَّا بأعْمَالٍ وَهُمْ بَدَلَانِ
1193 – فَإِلَيْهِ تَعْرُجُ بُكْرَةً وعَشِيَّةً … والصُّبْحُ يجْمَعُهُمْ عَلَى القُرْآنِ
1194 – كَي يشْهَدُوه، ويعْرُجُونَ إِلَيهِ بالْـ … أَعْمَالِ سُبْحَانَ العَظِيمِ الشَّانِ
1195 – وَكَذَاكَ سَعْي اللَّيْلِ يَرْفَعُهُ إِلَى الرَّ … حْمنِ مِنْ قَبْلِ النَّهَارِ الثَّانِي
_________
= قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل “أخرجه البخاري واللفظ له في كتاب التوحيد – باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} برقم (7430)، وأخرجه مسلم بنحوه في كتاب الزكاة برقم (1014).
1192 – يشير إلى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يتعاقبون فيكم ملالكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم، وهو أعلم بهم، فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون” أخرجه البخاري في كتاب التوحيد – باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} برقم (7429)، وأخرج مسلم في كتاب المساجد برقم (632).
1193 – أي أن الملائكة الموكلين برفع الأعمال يجتمعون في صلاة الفجر. ويدل لهذا ما ورد في صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءًا، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر” ثم يقول أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأذان- باب فضل صلاة الفجر في جماعة برقم (648). وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 54).
1194 – كذا في نسختي (ف، د)، يعني: كي يشهدوا قرآن الفجر. وفي غيرهما: “يشهدون”، (ص).
1195 – “يرفعه”: كذا في الأصل و (ف، ب، طت، طه) هنا وفي البيت الآتي=
(2/324)
1196 – وَكَذَاكَ سَعْيُ الْيَوْمِ يَرْفَعُهُ لَهُ … مِنْ قبلِ لَيْلٍ حَافِظُ الإنْسَانِ
1197 – وَكَذَاكَ مِعْرَاجُ الرَّسُولِ إلَيْهِ حَقًّا … ثَابِتٌ مَا فِيهِ مِنْ نُكْرَانِ
1198 – بَك جَاوزَ السَّبعَ الطِّبَاقَ وقَدْ دَنَا … مِنْهُ إلَى أنْ قُدِّرتْ قَوْسَانِ
1199 – بَلْ عَادَ مِنْ مُوسَى إِلَيْهِ صَاعِدًا … خَمْسًا عِدَادَ الفَرْضِ فِي الحُسْبَانِ
__________
= فيكون الفاعل في البيت الثاني: “حافظ الإنسان”. وفي غيرِها: “ترفع” في الموضعين (د) أو في الموضع الأول (طع) – (ص).
– يشير الناظم في هذا البيت والذي يليه إلى الحديث الذي في صحيح مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله بخمس كلمات فقال: “إن الله عزَّ وجلَّ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور (وفي رواية أبي بكر: النار) لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بَصَرُهُ من خَلْقِهِ” أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (179).
1196 – (له) ساقطة من (ف).
1197 – أي ومن الأدلة على علوه سبحانه معراج النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الله سبحانه كما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “فُرِجَ عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا فأفرغه في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا … ” الحديث بطوله أخرجه البخاري واللفظ له في كتاب الصلاة – باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء برقم (349)، واْخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (162).
1198 – “السبع الطباق”: أي السماوات، وصفت بذلك لأن بعضها فوق بعض.
– الضمير في قوله “منه” يعود إلى الله عزَّ وجلَّ بناءً على ما ورد في رواية شريك في صحيح البخاري وقد تقدم الكلام عليها تحت البيت 362.
1199 – يشير إلى ما ورد في آخر حديث الإسراء حينما فرضت الصلاة فراجع النبي – صلى الله عليه وسلم – ربه حتى أصبحت خمس صلوات.
(2/325)
1200 – وَكَذَاكَ رَفْعُ الرُّوحِ عِيسَى المرْتَضَى … حقًّا إِلَيْهِ جَاءَ فِي القُرْآنِ
1201 – وَكَذَاكَ تَصعَدُ رُوحُ كلِّ مُصَدِّقٍ … لمَّا تَفوزُ بفُرْقَةِ الأَبْدَانِ
1202 – حقًّا إِلَيْهِ كَيْ تَفُوزَ بقُرْبِهِ … وتعُودَ يَوْمَ العَرْضِ للجُثْمَانِ
1203 – وَكَذَا دُعَا المضْطَرِّ أيْضًا صَاعِدٌ … أبدًا إِلَيْهِ عِنْدَ كلِّ أَوَانِ
__________
1200 – انظر ما سبق تحت البيت 363.
1201 – ف: “يفوز” يعني المصدّق. وكذا جاءت لمّا الحينية مع المضارع في جميع النسخ. انظر التعليق على البيت 442، (ص).
– يشير إلى الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن الميت تحضرهُ الملائكة فإذا كان الرجل صالحًا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة! كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء … “.
الحديث أخرجه: الإمام أحمد في المسند (2/ 364)، (6/ 140)، وابن ماجه في كتاب الزهد – باب ذكر الموت والاستعداد له (2/ 440) برقم (4316)، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (10/ 78)، وابن خزيمة في التوحيد برقم (176) (1/ 277)، وابن قدامة في صفة العلو برقم (24) ص 55 وعزاه إلى أحمد والطبراني والخلال، وأخرجه البيهقي في إثبات عذاب القبر برقم (35)، والذهبي في العلوّ (مختصر ص 85)، وقال البوصيري: “إسناده صحيح ورجاله ثقات”. (مصباح الزجاجة 2/ 349)، وصححه الألباني. (انظر: صحيح ابن ماجه (2/ 420) برقم (3437)). والحديث ورد كذلك من طريق البراء بن عازب كما سبق تحت البيت 364، وهو صحيح وسوف يأتي تخريجه والكلام عليه عند البيت رقم (1735).
1203 – في الأصل و (د) هنا وفي البيت الذي يليه: “صاعدًا”، وله وجه، ولكنّا اخترنا ما جاء في نسخة (ف) وغيرها، (ص).
– يشير إلى قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ =
(2/326)
1204 – وَكَذَا دُعَا المظلُومِ أيْضًا صَاعِدٌ … حَقًا إِلَيْهِ قَاطِعَ الأكْوَانِ
* * *
__________
= وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ … }. [النمل: 62] ولم أجد نصًّا صريحًا في أنّ دعوة المضطر ترفع إلى السماء.
1204 – يشير إلى الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “اتقو دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى الله كأنها شرار”، وعند الحاكم بلفظ: “إلى السماء” وهي عند الذهبي كذلك. والحديث أخرجه الحاكم وقال عنه الذهبي في مختصره: “وإسناده جيد”. وقال الحاكم: “احتج مسلم بعاصم بن كُليب والباقون متفق على الاحتجاج بهم”، ووافقه الذهبي انظر: المستدرك (ا/ 29)، ومختصر العلو للألباني ص 86، وصححه الألباني كما في الصحيحة برقم (871).
ورد حديث آخر يؤيد المعنى الذي قصده الناظم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: “ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عزَّ وجلَّ: لأنصرنك ولو بعد حين”.
الحديث أخرجه: الترمذي في كتاب الدعوات -باب في العفو والعافية برقم (3598)، وحسنه، وابن ماجه في الصوم- باب في الصائم لا ترد دعوته برقم (2584)، والإمام أحمد في المسند (2/ 305)، وأبو داود الطيالسي في المسند ص 337، برقم (2584)، وابن خزيمة في صحيحه في الصوم- باب استجابة الله عز وجل دعاء الصوَّام .. برقم (1901)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 345، 8/ 162، 10/ 88)، وابن حبان في صحيحه (4/ 218 – 215) برقم (3428)، (16/ 396 – 397) برقم (7387)، وابن أبي شيبة في المصنف (3/ 6 – 7)، والبغوي (5/ 196) برقم (1395)، والطبراني في الدعاء، برقم (1315)، والحديث حسَّنه الحافظ ابن حجر (شرح الأذكار لابن علان 4/ 338).
(2/327)
فصلٌ
1205 – هَذَا وسَادِسُهَا وَسَابِعُهَا النُّزو … لُ كَذلكَ التَّنْزِيلُ للْقُرْآنِ
1206 – واللهُ أخْبَرَنَا بأنَّ كِتَابَهُ … تَنْزِيلُهُ بالحَقِّ والبُرْهَانِ
1207 – أيكُونُ تنزيلًا ولَيْسَ كَلَامَ مَنْ … فوْقَ العِبَادِ أَذَاك ذُو إِمْكَانِ
1208 – أيكُونُ تنْزيلًا مِنَ الرَّحمنِ والرَّ … حمنُ لَيْسَ مُبَايِنَ الأكْوانِ
1209 – وَكذَا نُزولُ الرِّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ … فِي النِّصْفِ مِنْ لَيْلٍ وذَاكَ الثَّانِي
1210 – فيقُولُ لَسْتُ بسَائِلٍ غَيرِي بأحْـ … ـــوالِ العِبَادِ أنَا العَظِيمُ الشَّانِ
1211 – مَنْ ذَاكَ يَسْألُنِي فيُعْطَى سُؤْلَهُ … مَنْ ذَا يَتُوبُ إلَيَّ مِنْ عِصيَانِ
1212 – مَنْ ذَاك يَسْأَلُنِي فَأغْفِرَ ذَنْبَهُ … فَأَنَا الوَدُودُ الوَاسِعُ الغُفْرانِ
_________
1206 – يشير إلى ما ورد مصرحًا به في غير ما آية من أن كتاب الله منزل من عنده سبحانه فمنها قوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)} [غافر: 2]، وقوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42]، وقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102].
1207 – في الأصل و (ف): “أم ذاك”.
1208 – أي أن التنزيل يستلزم علو المُنْزِل، كما يستلزم أن يكون الله مباينًا للأكوان.
1209 – يشير إلى حديث النزول المتفق عليه. وقد سبق تخريجه والكلام عليه وجواب الناظم عن اختلاف الروايات في النزول في التعليق على البيت 448. وانظر ما يأتي في البيت 1725 ثم 1794.
1210 – د: “بأفعال العباد”.
– يشير المؤلف بقوله: “لست بسائل غيري … ” إلى ما ورد في رواية لحديث النزول: “ينزل الله عزَّ وجلَّ إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي أحدًا غيري … ” الحديث. وهذه الرواية أخرجها الإمام أحمد في المسند (4/ 16)، وكذلك الآجري في الشريعة ص 275.
1212 – هذا البيت مؤخر على تاليه في ب (ص).
(2/328)
1213 – مَنْ ذَا يُريدُ شِفَاءَهُ مِنْ سُقْمِهِ … فَأَنَا القَرِيبُ مُجِيبُ مَنْ نَادَانِي
1214 – ذَا شَأْنُهُ سُبحَانَهُ وبحَمْدِهِ … حَتَى يكُونَ الفجْرُ فجرًا ثَانِي
1215 – يَا قَوْمُ لَيسَ نزُولُهُ وعُلُوُّهُ … حقًا لَدَيْكُمْ بَلْ هُمَا عَدَمانِ
1216 – وَكذَاكَ لَيْسَ يقُولُ شيئًا عنْدَكُمْ … لَا ذَا ولَا قَوْلٌ سِوَاهُ ثَانِ
1217 – كُلٌّ مَجَازٌ لا حَقِيقَةَ تَحْتَهُ … أوِّلْ وَزِدْ وانقُصْ بِلَا بُرْهَانِ
* * *
__________
1213 – كذا في الأصل، ف، ط. وفي غيرها: “أجيب” وانظر البيت 448. (ص).
– يشير الناظم إلى ما ورد في بعض روايات حديث النزول ولفظها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عن علي رضي الله عنه قال: سمعت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأول فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الله تعالى إلى السماء الدنيا فلم يزل هناك حتى يطلع الفجر فيقول قائل: ألا سائل يُعْطى ألا داع يجاب، ألا سقيم يستشفي فيُشفى، ألا مذنب يستغفر فيغفر له”. أخرجه الإمام أحمد في المسند (120/ 1)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 438) برقم (749)، والدارمي في الرد على الجهمية برقم (131) ص 66 – 67، والحديث صححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه على المسند 2/ 202، برقم (967)، وأورده الناظم في الصواعق (المختصر ص 372) وعزاه إلى الطبراني في السنة.
1214 – يشير الناظم إلى ما ورد في روايات حديث النزول، وقد وردت عند مسلم بألفاظ منها:
بلفظ: “حتى يضيء الفجر” برقم (169)، ومنها بلفظ: “حتى ينفجر الصبح” برقم (175). ومنها بلفظ: “حتى ينفجر الفجر” برقم (172).
1215 – يخاطب الناظم نفاة العلو والنزول.
1216 – الأصل: “ولذاك”. طت، طه: “وكذا يقول ليس”.
1217 – ذكر المؤلف في الصواعق من الأمثلة التي ادّعى أهلُ التعطيل أنها مجاز: “النزول” وردّ عليها بما يقارب أربعة عشر وجهًا. (مختصر الصواعق، =
(2/329)
فصلٌ
1218 – هَذَا وثَامِنُهَا بسُورَةِ غَافِرٍ … هُوَ رِفْعَةُ الدَّرَجَاتِ لِلرَّحْمنِ
1219 – دَرَجاتُهُ مرْفُوعَةٌ كمَعَارِجٍ … أيضًا لَهُ وكِلَاهُمَا رَفْعَانِ
1220 – وَفَعِيلُ فِيهَا لَيسَ مَعْنَى فَاعِلٍ … وسِيَاقُهَا يأبَاهُ ذُو التِّبْيَانِ
__________
= ص 363 – 367). وذكر تأويلهم للعلوّ وردّ عليه كذلك من سبعة عشر وجهًا. (مختصر الصواعق، ص 355 – 365). وكذلك ذكر مما يظن أنه مجاز وليس بمجاز كلام الرب سبحانه ورد على القائلين بالمجاز وناقشهم وأطال النفس في ذلك. (ص 401 – 453).
1218 – يشير إلى قوله تعالى في سورة غافر: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر: 15].
1219 – أي كما ورد في سورة المعارج من قوله تعالى: {مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 3، 4]قال ابن كثير عند تفسير آية غافر: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ … } قال: “قال تعالى مخبرًا عن عظمته وكبريائه وارتفاعه على عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها كما قال تعالى {مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)} … الآية” ا. هـ مختصر تفسير ابن كثير (4/ 74).
– قوله: “رفعان”: أي أن الرفع في سورة غافر كالرفع في سورة المعارج وكلاهما رفعان يعودان إلى الله.
1220 – أي قوله: “رفيع” ليس بمعنى “رافع” لأن السياق يأباه ولكنه بمعنى مفعول أي مرفوعة درجاته. وقد فسَّر الرازي “الرفيع” بمعنيين:
الأول: بمعنى رافع وقال: إن على هذا المعنى يكون كل درجة وفضيلة ورحمة ومنقبة حصلت لشيء سواه فإنما حصلت بإيجاده وتكوينه وفضله ورحمته.
والثاني: بمعنى مرتفع أي أنه أرفع الموجودات وأعلاها في جميع صفات الجلال والإكرام.
مفاتيح الغيب (7/ 293 – 294).
(2/330)
1221 – لَكنَّهَا مَرْفُوعَةٌ دَرجَاتُهُ … لكَمَالِ رِفْعَتِهِ عَلَى الأكْوَانِ
1222 – هَذَا هُوَ القَوْلُ الصَّحِيحُ فَلَا تَحِدْ … عَنْهُ وخُذْ مَعْنَاهُ فِي القُرآنِ
1223 – فَنَظِيرُهَا الْمُبْدي لَنَا تَفْسِيرَهَا … في ذِي المعَارجِ لَيْسَ يفْترِقَانِ
1224 – والرُّوحُ والأمْلَاكُ تَصْعَدُ في مَعَا … رِجهِ إِلَيْهِ جَلَّ ذو السُّلْطَانِ
1225 – ذَا رِفْعَةُ الدَّرَجَاتِ حقًّا مَا هُمَا … إلا سَواءٌ أوْ هُمَا شبْهَانِ
1226 – فَخُذِ الكِتَابَ بِبَعْضِهِ بَعْضًا كَذَا … تَفسِيرُ أهْلِ العِلْمِ للقُرْآنِ
* * *
فصلٌ
1227 – هَذَا وتَاسِعُهَا النُّصُوصُ بأنَّهُ … فَوْقَ السَّماءِ وذَا بِلَا حُسْبَانِ
__________
1223 – أي أن الآية في سورة المعارج {مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ} تفسر المراد بـ “رفيع الدرجات” وهو أنه صاحب الدرجات المرفوعة. فهي نظيرة آية غافر.
ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي عند قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}: “أي العلي الأعلى، الذي استوى على العرش، واختص به، وارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته، وارتفع به قدره، وجلّت أوصافه وتعالت ذاته أن يتقرب إليه إلا بالعمل الزكي الطاهر المطهر وهو الإخلاص الذي يرفع درجات أصحابه ويقربهم إليه ويجعلهم فوق خلقه” ا. هـ تفسير الكريم الرحمن (6/ 515).
1224 – أي أن الروح والملائكة تصعد في المعارج إليه سبحانه، وهذا معنى قوله: {مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)}
1225 – يعود الضمير في قوله: “هما” إلى آية غافر وآية المعارج.
1226 – يعني أنّ خير ما يفسر به القرآن هو القرآن، وهذه هي طريقة السلف أهل العلم والإيمان.
1227 – يشير إلى ما جاء مصرحًا به فى نصوص الكتاب والسنة من أن الله – سبحانه- في السماء.
فأما ما ورد في القرآن: =
(2/331)
1228 – فاسْتَحْضرِ الوَحْيَينِ وانظُرْ ذَاكَ تَلْـ … ــــقَاهُ مُبِينًا وَاضِحَ التِّبْيَانِ
1229 – ولسَوْفَ نذكُرُ بَعْضَ ذَلكَ عَنْ قَرِيـ … ــــبٍ كَيْ تَقُومَ شَوَاهِدُ الإيمَانِ
1230 – وإذا أتَتْ “في” لا تَكُنْ مُسْتَوْحِشًا … مِنْهَا وَلَا تَكُ عنْدَهَا بِجَبَانِ
1231 – لَيسَتْ تَدُلُّ عَلَى انْحِصَارِ إلهنَا … عَقلًا وَلَا عُرْفًا ولَا بِلِسَانِ
__________
= كقوله تعالى: {ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)} [الملك: 16، 17].
وأما ما ورد في السنة فكثيرة جدًا، وسوف يشير الناظم في آخر دليل من أدلة العلو إلى الأدلة من السنة، ولكن نذكر هنا حديثًا واحدًا كمثال ولم يُشِرْ إليه الناظم في آخر أدلة العلو. والحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.
أخرجه أبو داود في سننه في الأدب -باب في الرحمة برقم (4941)، والترمذي في البر والصلة- باب ما جاء في رحمة المسلمين برقم (1924) وقالى: “حديث حسن صحيح”، وأحمد في المسند (2/ 160)، والبخاري في التاريخ الكبير (9/ 64)، والحميدي في مسنده (2/ 268) برقم (591)، والحاكم في المستدرك (4/ 159)، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 328)، برقم (893)، والدارمي في الرد على الجهمية برقم (69) ص 40، وفي الرد على المريسي ص 104، وابن قدامة في العلو رقم (15) ص 45 وصححه، والحديث صححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة برقم (925).
1229 – انظر: الدليل العشرين والحادي والعشرين من أدلة العلو في آخر هذا المبحث (الأبيات 1657 وما بعده، ثم 1683 وما بعده).
1230 – ط: “أتتك فلا تكن”.
1231 – قال شيخ الإسلام في كلام ما ملخصه: “ومن توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب -إن نقله عن غيره- وضالٌّ -إن اعتقده في ربه- وما سمعنا ولا رأينا أحدًا نقله ولا فهمه على هذا=
(2/332)
1232 – إذ أجْمَعَ السَّلَفُ الكِرَامُ بأنَ مَعْـ … ـــــناهَا كمَعْنَى “فَوْقَ” بالبُرْهَانِ
1233 – أوْ أَنَّ لفْظَ سَمَائِهِ يُعنَى بِهِ … نَفْسُ العُلُوِّ المطْلَقِ الحقَّانِي
__________
= الفهم بل عند الناس “أن الله في السماء” “وهو على العرش” واحد إذ السماء إنما يراد به العلو، وقد قال -سبحانه-: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وقال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} بمعنى: على ونحو ذلك، وهو كلام عربي حقيقة لا مجازًا … إلخ ” ا. هـ مختصرًا من مجموع الفتاوى (5/ 106)، وانظر: (5/ 68، 256)، وانظر: نقض التأسيس (1/ 558).
1232 – ح، طه: (الفوق).
– قال أبو بكر محمد بن موهب المالكي في شرحه لرسالة ابن أبي زيد: “قوله: إنه فوق عرشه المجيد بذاته، معنى فوق وعلى، عند جميع العرب واحد، وفي كتاب الله وسنة رسوله تصديق ذلك”، ثم ذكر النصوص، ثم قال: “وهذا قول مالك فيما فهمه عن جماعة ممن أدرك من التابعين فيما فهموا من الصحابة فيما فهموا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الله في السماء بمعنى فوقها وعليها … إلخ ” ا. هـ، انظر: مختصر الصواعق ص 311، واجتماع الجيوش الإسلامية ص 156. وقال البيهقي: “ومعنى قوله في هذه الأخبار (من في السماء) أي فوق السماء على العرش .. إلخ ” ا. هـ. الأسماء والصفات 2/ 335، وانظر: مجموع الفتاوى 5/ 192، ورد الدارمي على بشر المريسي ص 156، وفتح القدير للشوكاني 3/ 376، وتفسير القرطبي 8/ 141.
1233 – والمعنى الثاني لقوله: “في السماء” أن المراد بالسماء نفس العلو المطلق، وقد قرر هذا جمع من العلماء على رأسهم شيخ الإسلام، ويقول الأشعري في الإبانة. “فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء فالعرش أعلى السماوات” الإبانة ص 97، ويقول شارح الطحاوية: “التاسع: التصريح بأنه تعالى في السماء وهذا عند المفسرين من أهل السنة على أحد وجهين: إما أن تكون “في” بمعنى “على” وإما أن يراد بالسماء العلو لا يختلفون في ذلك، ولا يجوز الحمل على غيره” شرح الطحاوية 2/ 383. وانظر: مجموع الفتاوى 6/ 101 و 5/ 106.
(2/333)
1234 – والرَّبُّ فِيهِ ولَيْسَ يَحْصُرُهُ مِنَ الْـ … ــــمَخْلُوقِ شَيءٌ عَزَّ ذُو السُّلْطَانِ
1235 – كُلُّ الجِهَاتِ بأسْرِهَا عَدَمِيَّةٌ … فِي حَقِّهِ هُوَ فَوْقَهَا بِبَيَانِ
1236 – قَدْ بَانَ عَنْهَا كلِّهَا فَهُوَ المُحِيـ … ـطُ ولا يُحَاطُ بخالِقِ الأكْوانِ
1237 – مَا ذَاكَ يَنْقِمُ بعدُ ذُو التعْطِيلِ مِنْ … وَصْفِ العُلُوِّ لربِّنَا الرَّحْمنِ
1238 – أيرُدُّ ذُو عقْلٍ سَليمٍ قطُّ ذا … بَعْدَ التَّصَوُّرِ يَا أولِي الأذْهَانِ
1239 – واللهِ مَا رَدَّ امْرُؤٌ هَذَا بِغَيْـ … ـــــرِ الجَهْلِ أوْ بحَمِيَّةِ الشَّيْطَانِ
* * *
__________
1235 – أي أن الجهات التي هي في العلو عدمية في حقه بل ليس فوقه شيء فلا توجد أي جهة وجودية فوقه سبحانه. وفي هذا المعنى يقول الناظم في الصواعق: ” … وكذلك قولهم: (ننزهه عن الجهة) إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه وتحصره إحاطة الظرف للمظروف وحصره له فنعم هو أعظم من ذلك، وإن أردتم بالجهة أمرًا يوجب مباينة الخالق للمخلوق وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه فنفيكم لهذا المعنى باطل … فسميتم ما فوق العالم جهة وقلتم منزه عن الجهات … إلخ” ا. هـ. بتصرف من الصواعق المرسلة (3/ 947). ويقول شيخ الإسلام: “لا نسلم أن كل ما يسمى حيزًا وجهة فهو أمر وجودي بل قد يقال: إن المسمى بالجهة والحيز منه ما يكون وجوديًا، وهو الأمكنة الوجودية مثل داخل العالم مثل الشمس والقمر والأفلاك والأرض والحجر والشجر ونحو هذه الأشياء، كلها في أحياز وجودية، ولها جهات وجودية، وهو ما فوقها وما تحتها. ومنه ما يكون عدميًا، مثل ما وراء العالم، فإن العالم إذا قيل إنه في حيز أو جهة، فليس هو في جهة وجودية وحيز وجودي، لأن ذلك الوجودي هو العالم أيضًا، ولأن ذلك يفضي إلى التسلسل. وإذا لم يثبت ذلك لم يجب أن يقال إن الباري إذا كان في حيز وجهة كان في أمر وجودي … ” ا. هـ بيان تلبيس الجهمية 2/ 115.
(2/334)
فصلٌ
1240 – هَذَا وَعَاشِرُهَا اخْتِصاصُ البَعْضِ مِنْ … أمْلَاكِهِ بالعِنْدِ لِلرَّحْمنِ
1241 – وَكذَا اخْتِصَاصُ كِتَابِ رَحْمَتِهِ بِعِنْـ … ــــد اللهَ فَوْقَ العَرْشِ ذُو تِبْيَانِ
__________
1240 – يشير الناظم إلى ما ورد من الآيات والأحاديث التي أثبتت اختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده كالملائكة مثلًا، وإليك بعض الآيات:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف: 206].
قال البغوي في تفسير هذه الآية: “يعني الملائكة المقربين بالفضل والكرامة” ا. هـ معالم التنزيل 3/ 321. وانظر: تفسير الطبري 9/ 168. وقال القرطبي: “يعني الملائكة بإجماع” ا. هـ الجامع لأحكام القرآن 7/ 356.
وقال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)} [الأنبياء: 19].
قال ابن كثير: “يعني الملائكة” ا. هـ تفسير القرآن العظيم 3/ 175.
وقال تعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)} [فصلت: 38].
وجاء في الحديث الصحيح: عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عزَّ وجلَّ، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا”. أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة برقم (1827).
وسوف يشير الناظم إلى أدلة العندية وسوف نذكرها إن شاء الله هناك عند البيت رقم (1672).
1241 – يشير إلى الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لمّا خلق الله الخلق كتب كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي”. أخرجه البخاري في بدء الخلق- باب قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ … } رقم (3194)، وبرقم (7404)، (7422)، (7453)، (7553)، (7554). وأخرجه مسلم واللفظ له في التوبة برقم (2751)، وسوف يشير الناظم إلى هذا الحديث مرة أخرى عند البيت رقم (1695).
(2/335)
1242 – لَوْ لَمْ يَكُنْ سُبْحَانَهُ فَوْقَ الوَرَى … كَانُوا جَمِيعًا عِنْدَ ذِي السُّلْطَانِ
1243 – وَيكُونُ عِنْدَ الله إِبليسٌ وجِبْـ … ــــرِيلٌ هُمَا فِي العِنْدِ مُسْتَوِيَانِ
1244 – وَتمَامُ ذَاكَ القَوْلِ أنَّ مَحَبَّةَ الرَّ … حْمنِ عَيْنُ إِرَادةِ الأَكْوانِ
1245 – وَكِلَاهُمَا مَحْبُوبُهُ ومُرَادُهُ … وَكِلَاهُمَا هُوَ عِنْدَهُ سيَّانِ
__________
1242 – وهذا هو وجه استدلال الناظم بأدلة العندية على أنها تدل على علو الله سبحانه، وفي هذا الاستدلال يقول الدارمي رحمه الله: ” …. ومما يبين ذلك – يعني العلو لله- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ … } الاية، ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادّعوا أن الله في كل مكان، لأنه لو كان في كل مكان ما كان لخصوص الملائكة أنهم: (عند ربك) معنى بل كانت الجن والملائكة والإنس وسائر الخلق كلهم عند ربك -في دعواهم- بمنزلة واحدة … “. الرد على الجهمية ص 85. ويقول شيخ الإسلام: ” …. ويخبر عمن عنده بالطاعة كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} فلو كان موجب العندية معنًى عامًا كدخولهم تحت قدرته ومشيئته وأمثال ذلك لكان كل مخلوق عنده ولم يكن أحد مستكبرًا عن عبادته بل مسبحًا له وساجدًا … ” مجموع الفتاوى 5/ 165، وانظر: 5/ 405.
1243 – ب: “هم”، تحريف.
وخلاصة الاستدلال بهذا الدليل: أنه لو يكن هذا دالاًّ على علوه -سبحانه- لكان أشرف مخلوقاته وأدناها وجميع الذوات عنده سبحانه في القرب والمحبة والإكرام سواء، وهذا باطل. انظر: توضيح الكافية للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 65.
1244 – “ذاك القول”: يعني القول الباطل أن جميع الخلق عند الله سواء.
“عين”: ب، د، س، طت، طع: (غير)، وهو تحريف.
1245 – أي ينتهي قولكم هذا إلى قاعدتكم المعروفة “أن المحبة والإرادة لله لا فرق بينهما” وهذا هو أصل ضلالكم في القدر (والخطاب لأهل التعطيل نفاة=
(2/336)
1246 – إِنْ قُلْتُمُ عِنْديّةُ التَّكْوِينِ فَالذَّ … اتَانِ عِنْدَ اللهِ مَخْلُوقَانِ
1247 – أَوْ قُلْتُمُ عِنْدِيَّةُ التَّقْرِيبِ تَقْـ … ـــــرِيب الحَبِيبِ وَمَا هُمَا عِدْلَانِ
1248 – فَالحُبُّ عِنْدَكُمُ المشِيئَةُ نَفْسُها … وَكِلَاهُمَا فِي حُكْمِهَا مِثْلَانِ
__________
= العلو). فكل ما هو مراد لله محبوب لديه -عندكم- فكذلك من عنده ومن ليس عنده في نظركم الفاسد سواء.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 1/ 324، وتوضيح الكافية لابن سعدي ص 65.
1246 – “فالذاتان”: يعني “إبليس وجبريل” والكلام متصل.
يقول: إن قلتم يا معشر المعطلة إن المراد بالعندية: عندية التكوين أي الخلق، فلا معنى لإطلاقها على بعض المخلوقات دون بعض إذ كل ما في الكون مخلوق لله والله هو الذي كوْنه. ولم أجد كلامًا لأهل البدع في تأويل العندية بعندية التكوين إلا كلامًا لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 5/ 121 ذكر أنهم يؤولونها بمعنى عند قدرته ومشيئته.
1247 – أي: إن قلتم إن المراد بها عندية قرب ومحبة وإكرام انتقض قولكم بأن محبة الله ومشيئته سواء، فلا معنى لأن يخصّ بعض المخلوقات بالمحبة لأن كل ما أراده الله -في زعمكم- محبوب له.
ومن أمثلة تأويلهم العندية بالقرب: ما قرره الرازي في كتبه يقول: “فلا يجوز أن يكون المراد بالعندية الحيّز، بل المراد بها الشرف … ” ا. هـ أساس التقديس ص 164. وانظر: تفسيره الكبير “مفاتيح الغيب”: 3/ 97، 4/ 345، 6/ 91، 7/ 362، 794، 8/ 168. ويقول الزمخشري: ” {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}: هم الملائكة، ومعنى “عند”: دنو الزلفة والقرب من رحمة الله وفضله … ” الكشاف 2/ 112.ويقول القرطبي: ” .. وقيل هذا -يعني العندية- على جهة التشريف وأنهم بالمكان المكرم، فهو عبارة عن قربهم في الكرامة لا في المسافة” ا. هـ الجامع لأحكام القرآن 7/ 356، وانظر: تفسير الثعالبي 2/ 80. عدلان: مثلان.
(2/337)
1249 – لَكِنْ مُنَازِعُكُمْ يَقُولُ بِأنَّهَا … عِنْدِيَّةٌ حَقًّا بِلَا رَوَغَانِ
1250 – جَمعَتْ لَهُ حُبَّ الإلهِ وَقُرْبَهُ … مِنْ ذَاتِهِ وَكَرَامَةَ الإحْسَانِ
1251 – وَالحُبُّ وَصفٌ وَهْوَ غَيْرُ مشِيئَةٍ … والعِنْدُ قُرْبٌ ظَاهِرُ التِّبْيَانِ
* * *
فصلٌ
1252 – هَذَا وحَادِي عَشْرَهُنَّ إشَارَةٌ … نَحْوَ الْعُلُوِّ بإصبَعٍ وَبَنَانِ
1253 – للَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ لَا غَيْرِهِ … إِذْ ذَاكَ إشرَاكٌ مِنَ الإنْسَانِ
1254 – وَلَقَدْ أَشَارَ رَسُولُهُ فِي مَجْمَعِ الْـ … حَجِّ العَظِيمِ بمَوْقِفِ الغُفْرَانِ
__________
1249 – يعني: أهل السنة الذين يقولون بأنها عندية حقيقية لا مجاز فيها كما تزعمون. “بلا روغان” أي: من غير انحراف وتهرّب، وقد تقدم تفسيره.
1250 – يعني العندية الحقيقية من لوازمها المحبة والقرب من الله مع إثباتها حقيقة لمن هو عند الله.
1253 – يعني لو كان المراد بإشارته إلى العلوّ غير الله لكان شركًا أن يتوجه بالدعاء ويشير ويقصد غير الله فلم يبق إلاّ أنه أراد الله سبحانه فأشار إلى فوق – صلى الله عليه وسلم -. انظر: نقض التأسيس 2/ 449.
1254 – يشير -رحمه الله- إلى الحديث الصحيح الطويل في صفة حج النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي رواه جابر -رضي الله عنه- وفيه أنه لما قدم إلى عرفة خطب الناس وكان من ضمن ما قال: ” … وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن إعتصمتم به كتاب الله. وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟ ” قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ويَنْكُتُها إلى الناس- وعند أبي داود “يَنْكُبُها” بالباء الموحدة- اللهم اشهد ثلاث مرات … ” الحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (1218)، وأبو داود في كتاب المناسك- باب صفة حج النبي – صلى الله عليه وسلم – برقم (1905). وانظر البيت 1698.
(2/338)
1255 – نَحْوَ السَّمَاءِ بإصْبَعٍ قَدْ كُرِّمَتْ … مُسْتَشْهِدًا لِلوَاحِد الرَّحمنِ
1256 – يا رَبِّ فاشْهَدْ أنَّنِي بَلَّغْتُهُمْ … وَيُشِيرُ نَحْوَهُمُ لِقَصْدِ بَيَانِ
1257 – فَغَدا البَنَانُ مُرَفَّعًا وَمُصَوَّبًا … صلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ ذُو الغُفْرَانِ
1258 – أدَّيتَ ثُمَّ نَصَحْتَ إذْ بَلَّغْتَنَا … حَقَّ البَلَاغِ الوَاجِبِ الشُّكْرَانِ
* * *
فصلٌ
1259 – هَذَا وَثَانِيَ عَشْرَهَا وَصْفُ الظُّهُو … رِ لَهُ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي القُرْآنِ
1260 – والظَّاهِرُ العَالِي الَّذِي مَا فَوْقَهُ … شَيءٌ كَمَا قَدْ قَالَ ذُو البُرْهَانِ
1261 – حَقًا رَسُولُ اللهِ ذَا تَفْسِيرُهُ … وَلَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِضَمَانِ
__________
1257 – صوَّب رأسه: خفضه. القاموس ص 136. والمراد أنه بعد أن رفع إصبعه إلى السماء خفضها وأشار بها إلى الناس.
1259 – يشير إلى قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]. قال ابن جرير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: “وقوله (والظاهر) يقول: وهو الظاهر على كل شيء دونه وهو العالي فوق كل شيء” ا. هـ. تفسير الطبري 27/ 215. وانظر: البغوي (8/ 31)، وابن كثير (2/ 304).
1261 – يشير إلى الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم من طريق زهير عن جرير عن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام، أن يضطجع على شقه الأيمن. ثم يقول: “اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شرّ كُل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدَّين وأغننا من الفقر”. وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء برقم (2713).
الإمام مسلم: هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم بن وَرْد القشيري =
(2/339)
1262 – فَاقْبَلْهُ لَا تَقْبَلْ سِوَاهُ مِنَ إلتَّفا … سيرِ الَّتي قِيلَتْ بِلَا بُرْهَانِ
1263 – والشَّيءُ حِينَ يَتِمُّ مِنْه عُلُوُّهُ … فَظُهُورُهُ فِي غَايَةِ التَّبْيَانِ
1264 – أَوَ مَا تَرى هَذِي السَّمَا وَعُلُوَّهَا … وَظُهُورَهَا وَكَذَلِكَ القَمَرَانِ
1265 – وَالعَكْسُ أَيْضًا ثَابِتٌ فَسُفُولُهُ … وَخَفَاؤهُ إذ ذَاكَ مُصطَحِبَانِ
1266 – فَانْظُرْ إلَى عُلْوِ المُحِيطِ وأخْذِهِ … صِفَةَ الظُّهُورِ وذَاكَ ذُو تبْيَانِ
1267 – وَانْظُر خَفَاءَ المَركَزِ الأَدْنَى وَوَصْـ … ــــفِ السُّفْل منه وَكَوْنَهُ تَحْتَانِي
__________
= النيسابوري، صاحب الصحيح، ولد سنة 204 هـ، الحافظ المجوّد الحجّة الصادق روى عن إسحاق بن راهويه وسعيد بن منصور وغيرهما. وعنه أبو بكر بن خزيمة، وأبو العباس السراج وغيرهما. كانت وفاته بنيسابور سنة 261 هـ. انظر: السير 12/ 557، البداية والنهاية 11/ 36.
1262 – ومن هذه التفاسير التي قيلت بلا دليل ولا برهان: ما فسر به الرازي “الظاهر” بأنه الغالب وكذلك “الظاهر” بحسب الدلائل التي دلّت عليه.
انظر: مفاتيح الغيب 8/ 85، أحكام القرآن للقرطبي 17/ 236. ونقل البغوي عن بعض المفسرين أقوالًا في الظاهر، منها: الحليم، ومنها الظاهر بكشف الكروب. انظر: معالم التنزيل 8/ 31، وانظر: مجموع الفتاوى 5/ 244.
1266 – المحيط: يعني محيط الأرض، قال شيخ الإسلام: “فمن المعلوم باتفاق من يعلم هذا أن الأفلاك مستديرة كُريَّة الشكل وأن الجهة العليا هي جهة المحيط وهي المحدود …. ” ا. هـ العرشية ص 17.
1267 – والمركز الأدنى: الجهة السفلى من الفلك أو الأرض وهي في وسطها، ولهذا يقول شيخ الإسلام: “والجهة السفلى: هو المركز وليس للأفلاك إلاّ جهات العلو والسفل فقط … إلخ” ا. هـ العرشية ص 17، ولذلك فالمحيط يطلق على العلو منَ الفلك من المركز يعني أسفله.
ويقول شيخ الإسلام موضحًا ما هو المراد بالمحيط والمركز: “وكل من يعلم أن الأفلاك مستديرة يعلم أن المحيط هو العالي على المركز فى كل جانب … ” ا. هـ ص 18. وانظر: شرح ابن عيسى للنونية 1/ 425.
– “منه” كذا في الأصل وف، وفي غيرهما: “فيه”.
(2/340)
1268 – وَظُهُورُهُ سُبحَانَهُ بِالذَّاتِ مِثْـ … ـــــلُ عُلُوِّهِ فَهُمَا لَهُ صِفَتَانِ
1269 – لَا تَجْحَدَنَّهُمَا جُحُودَ الجَهْمِ أوْ … صَافَ الكَمَالِ تكُونُ ذَا بُهْتَانِ
1270 – وَظُهُورُهُ هُوَ مُقْتَضٍ لِعُلُوِّهِ … وَعُلُوُّهُ لِظُهُورِهِ بِبَيَانِ
1271 – وَلِذاك قَدْ دَخَلَتْ هُنَاكَ الفَاءُ لِلتَّـ … ــسْبِيبِ مُؤْذِنةً بِهَذَا الشَّانِ
1272 – فَتَأمَّلنْ تَفْسِيرَ أعْلَمِ خَلْقِهِ … بصفَاتهِ مَن جاء بالقرآنِ
1273 – إذْ قَالَ أَنْتَ كَذَا فَلَيْسَ لِضِدِّهِ … أَبَدًا إِلَيْكَ تَطَرُّق الإتْيَانِ
* * *
__________
1269 – تقدمت ترجمة الجهم تحت البيت 40.
– “تكون” جواب النهي، فحقّه أن يكون مجزومًا “تكن”، ولكن رفعه للضرورة، (ص).
1270 – يقول شيخ الإسلام: “فقوله: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء) فنفى أن يكون فوق الله شيء وذلك يقتضي أنه سبحانه وتعالى أكمل شيء ظهورًا، والظهور يتضمن العلو …. إلى أن قال: ومن شأن العالي أبدًا أن يكون ظاهرًا متجليًا … ” ا. هـ بيان تلبيس الجهمية ص 87 في القسم الذي حققه د. محمد اللاحم (ضمن ثماني رسائل دكتوراه قدمت لتحقيق هذا الكتاب بجامعة الإمام) ويقول ابن القيم: “فجعل كمال الظهور موجبًا لكمال الفوقية … ” ا. هـ مختصر الصواعق ص 357. وانظر: مدارج السالكين 1/ 40، نقض التأسيس 1/ 551، مجموع الفتاوى 5/ 244، 245.
1271 – “ولذاك”: كذا في الأصل، ف، ظ، وفي غيرها: “وكذاك”.
– يعني في قوله – صلى الله عليه وسلم -: “اللهم أنت الظاهر فليس فوقك شيء”. والمراد بالتسبيب: “أن يكون المعطوف بالفاء متسببًا عن المعطوف عليه” انظر: حاشية الصبان على الأشموني 3/ 93، التصريح على التوضيح لابن هشام 2/ 138.
فالمعنى على هذا: أن كون الله هو الظاهر يلزم منه أن ليس فوقه شيء والعكس.
1273 – والمعنى: أنَّ ضد الظهور لا يتطرق إليك أبدًا إتيانه. والله أعلم.
(2/341)
فصلٌ
1274 – هَذَا وَثَالِثَ عَشْرَهَا إخْبَارُهُ … أَنَّا نَرَاهُ بِجَنَّةِ الحَيَوَانِ
__________
1274 – يشير إلى ما ورد في الآيات والأحاديث الدالة على رؤية المؤمنين لربهم في الجنة.
فأمَّا الآيات فمنها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23]. وقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق: 35]. وفسرت الزيادة والمزيد في الآيتين بالنظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة الصريحة. قال ابن جرير -رحمه الله-: “وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى أن يجزيهم على طاعتهم إياه بالجنة، وأن تُبيَّض وجوههم ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها، ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم الله بالنظر إليه … ” جامع البيان 11/ 108. وانظر: 26/ 173، وانظر: تفسير البغوي 4/ 130، 7/ 363، وتفسير ابن كثير 2/ 414، 4/ 228.
وأما الأحاديث فهي كثيرة وتبلغ حد التواتر، فيقول الناظم رحمه الله: “وأما الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه الدالّة على الرؤية فمتواترة رواها عنه: أبو بكر الصدِّيق، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وجرير بن عبد الله البجلي، وصهيب الرومي، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، وعدي بن حاتم الطائي، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وأبو رزين العقيلي، وجابر بن عبد الله …. ” ثم ذكر عددًا من الصحابة ثم قال: ” … فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح والمسانيد والسنن وتَلَقَّها بالقبول والتسليم وانشراح الصدر لا بالتحريف والتبديل وضيق العطن، ولا تكذب بها، فمن كذب بها لم يكن إلى وجه ربه من الناظرين، وكان عنه يوم القيامة من المحجوبين” حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص 338. وانظر: مجموع الفتاوى 3/ 137، 140، 6/ 431، 401 – 407. =
(2/342)
1275 – فَسَلِ المعَطِّلَ هَلْ يُرَى مِن تَحْتِنَا … أَمْ عَنْ شَمَائِلِنَا وَعَنْ أَيْمَانِ
1276 – أَمْ خَلْفَنا وَأَمَامَنَا سُبحَانَهُ … أَمْ هَلْ يُرَى مِنْ فَوْقِنَا بِبَيَانِ
1277 – يَا قَوْمُ مَا فِي الأَمرِ شَيءٌ غَيرُ ذَا … أَوْ أَنَّ رؤيَتَهُ بِلَا إمْكَانِ
1278 – إذ رُؤَيةٌ لَا فِي مُقَابَلةٍ مِنَ الرَّ … ائِي مُحَالٌ لَيْس فِي الإمْكَانِ
1279 – وَمَنِ ادَّعَى شَيْئًا سِوَى ذَا كَانَ دَعْـ … ـــــواهُ مُكابَرةً عَلَى الأذْهَانِ
__________
= ومن هذه الأحاديث: حديث جرير -رضي الله عنه- قال: “كلنا جلوسًا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ نظر إلى القمر ليلة البدر. قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تَضَامُّون في رؤيته … الحديث” أخرجه البخاري في التوحيد – باب قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} برقم (7434).
ووجه الاستدلال بأحاديث الرؤية في مسألة العلو سوف يشير إليه الناظم في الأبيات الآتية.
وخلاصة استدلال الناظم بالرؤية على كونها من أدلة العلو: أنه لا بد أن تكون الرؤية من فوق، لأنه إذا بطل أن تكون من أمام وخلف وتحت وعن يمين وعن شمال لم يبق إلاجهة الفوق. انظر تقرير هذا المعنى في الصواعق المرسلة 4/ 1331، فقد بسط القول فيه بما يشفي ويكفي. وانظر حادي الأرواح ص 380.
1279 – د: “سواه كان”.
– يشير الناظم إلى مذهب الأشاعرة، فهم يثبتون الرؤية لا في جهة. انظر: تقرير مذهبهم في المجرد لابن فورك ص 79 – 85، والإرشاد للجويني ص 164. وانظر رد شيخ الإسلام على الأشاعرة في باب الرؤية في مجموع الفتاوى 16/ 84 وما بعدها، ودرء التعارض 1/ 245، ونقض التأسيس 2/ 409 وما بعدها. ويقول الناظم: “وأما من قال بالرؤية ولم يثبت العلو فهو معاند ومكابر للحق الواضح الصريح، لأن الرؤية المعقولة عند جميع بني آدم أن يكون المرئي مقابلًا للرائي مواجهًا له، بائنًا عنه، لا تعقل الأمم رؤية غير ذلك، فإذا ثبت ذلك فلا بد أن يكون المرئي -وهو الله- فوقه مباينًا له فلا يجتمع الإقرار بالرؤية وإنكار الفوقية والمباينة” ا. هـ بتصرف من: مختصر الصواعق ص 172. وانظر حادي الأرواح ص 380.
(2/343)
1280 – وَلِذَاكَ قَالَ مُحَقِّقٌ مِنْكُمْ لأَهْـ … ـــلِ الاعْتِزَالِ مَقَالةً بأمَانِ
1281 – مَا بَيْنَنَا خُلْفٌ وَبَيْنَكُمُ لَدَى التَّـ … ــــحْقِيقِ فِي مَعْنًى فَيَا إخْوانِي
1282 – شُدُّوا بأجْمَعِنَا لِنَحمِلَ حَمْلَةً … تَذَرُ المُجَسِّمَ فِي أَذَلِّ هَوَانِ
1283 – إِذْ قَالَ إنَّ إلهَهُ حَقًا يُرَى … يَوْمَ المعَادِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ
1284 – وتَصِيرُ أَبْصارُ العِبَادِ نَوَاظِرًا … حَقًّا إِلَيْهِ رُؤْيةً بِعِيَانِ
__________
1280 – يعني به الرازي كما سوف يأتي نقل كلامه.
– يخاطب الناظم الأشاعرة، ويبين أن مآل قولهم هو قول المعتزلة نفاة الرؤية بالكلية، ويبين اجتماعهم وحربهم على أهل السنة. وتقدم التعريف بالمعتزلة في التعليق على مقدمة المؤلف.
1281 – “لدى”: كذا في ف، طع. وفي الأصل وغيره “لذي”، ولعله تصحيف.
– وهذا هو نص كلام الرازي، الذي فسَّر الرؤية بتفسير يلتقي مع المعتزلة فيه ويكون الخلاف بينه وبينهم لفظيًا، فقد فسَّرها بنوع من “الكشف التام” وفسرها بـ “زيادة العلم”. انظر تقريره لهذا الرأي في كتابه: الأربعين في أصول الدين 1/ 304، والمحصل في أفكار المتقدمين والمتأخرين ص 189، بل قد نص الرازي على أن الخلاف بينه وبين المعتزلة لفظي كما نقل عنه شيخ الإسلام إذ يقول على لسان الرازي: “واعلم أيضًا أن التحقيق في هذه المسألة أن الخلاف فيها يقرب أن يكون لفظيًا” نقض التأسيس 2/ 404. ويقول شيخ الإسلام: “ولهذا يعترف هذا الرازي بأن النزاع بينهم وبين المعتزلة في الرؤية قريب من اللفظي” نقض التأسيس 2/ 396. وممن وافق الرازي من متأخري الأشاعرة: الغزالي كما نص على ذلك شيخ الإسلام: انظر: نقض التأسيس 1/ 360، درء التعارض 1/ 250، مجموع الفتاوى 16/ 85.
1282 – يعني المثبت للصفات، وقد نبزه بالتجسيم.
1283 – ط: (إلَهنا).
– يشير إلى نص حديث جرير المتقدم ذكره عند البيت رقم (1274).
(2/344)
1285 – لَا رَيْبَ أنَّهُمُ إذا قَالُوا بِذَا … لَزِمَ العُلُوُّ لِفَاطِرِ الأكْوانِ
1286 – وَيكُونُ فوْقَ العَرْشِ جَلَّ جَلَالُهُ … فَلِذاكَ نَحْنُ وَحِزْبُهُمْ خَصْمَانِ
1287 – لَكِنَّنَا سِلْمٌ وأنتُمْ إذْ تَسَا … عَدْنَا عَلَى نَفْيِ العُلُوِّ لِربِّنَا الرَّحْمنِ
1288 – فَعُلُوُّهُ عَيْنُ المُحَالِ وَلَيْسَ فَوْ … قَ العَرْشِ مِنْ رَبٍّ وَلَا دَيَّانِ
1289 – لَا تَنْصِبُوا مَعَنا الخِلَافَ فَمَا لَهُ … طَعْمٌ فَنَحْنُ وأنْتُمُ سِلْمَانِ
1290 – هَذَا الَّذِي واللهِ مُودَعُ كُتْبِهِمْ … فانْظُر تَرَى يَا مَنْ لَهُ عَيْنَانِ
* * *
فصلٌ
1291 – هَذَا وَرَابعَ عَشْرَهَا إِقْرَارُ سَا … ئِلهِ بِلَفْظِ “الأيْن” للرَّحْمنِ
1292 – وَلَقَدْ رَوَاهُ أبُو رَزِينٍ بَعْدَمَا … سَألَ الرَّسُولَ بلَفْظِهِ بوِزَانِ
__________
1285 – الكلام في هذا البيت ما زال للمعطل كما يحكيه الناظم عنه.
1286 – “نحن”: يعني القائل -وهو الرازي- حزبه الأشاعرة.
“حزبهم”: يعني أهل السنة.
1287 – “أنتم”: يعني المعتزلة.
– البيت كذا مختلّ الوزن في جميع النسخ الخطية والمطبوعة، وفيه ركن زائد. وانظر تعليقنا على البيت 578، (ص).
1289 – انتهت حكاية كلام المعطّل من الأشاعرة.
1290 – ظ: (كتبكم). وقد نقلنا آنفًا من كتب الرازي ومن نقل عنها كشيخ الإسلام.
1292 – أبو رزين: هو لقيط بن عامر بن عقيل بن عامر العامري، العقيلي، وافد بني المنتفق، روى عنه ابن أخيه وكيع بن حُدُس، وعبد الله بن حاجب وعمر بن أوس الثقفي. وله صحبة رضي الله عنه. (وهو غير “لقيط بن صبرة” خلافًا لمن زعم أنهما واحد، ورجح الحافظ في الإصابة أنهما اثنان). انظر: الإصابة 3/ 330، وأسد الغابة لابن الأثير 4/ 366.
(2/345)
1293 – وَرَوَاهُ تَبْليغًا لَهُ ومُقَرِّرًا … لَمَّا أَقَرَّ بِهِ بِلَا نُكْرَانِ
__________
– يشير إلى الحديث المشهور عن وكيع بن حُدُس عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا -تبارك وتعالى- قبل أن يخلق العرش؟ قال: “كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء ثم خلق العرش على الماء”.
الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 11، 12. والترمذي في سننه في كتاب التفسير – باب سورة هود 5/ 269، برقم (3109) وحسَّنهُ، وابن ماجه في المقدمة- فيما أنكرت الجهمية 1/ 35، برقم (170)، وأبو داود الطيالسي في المسند ص 147، برقم (1093)، وعبد الله ابن الإمام أحمد في السنة 1/ 245، برقم (450)، والطبري في التفسير 4/ 12، وابن أبي شيبة في العرش برقم (7)، ص 54، وابن أبي عاصم في السنة 1/ 271، برقم (612)، والطبراني في الكبير 19/ 107 (468)، وابن حبان في صحيحه (كما في الإحسان 8/ 14)، برقم (6141)، والبيهقي في الأسماء والصفات 2/ 235، برقم (801)، وأبو الشيخ في العظمة 1/ 364، برقم (83)، وابن أبي زمنين في أصول السنة ص 89، برقم (31)، والذهبي في العلو (المختصر ص 186) وحسَّنهُ، وابن عبد البر في التمهيد 7/ 137.
والحديث كما مرَّ حسَّنه: الترمذي والذهبي. ولكن قد ضعفه الألباني (انظر: السنة لابن أبي عاصم 1/ 271، مختصر العلو ص 186)، لأن مدار طرق الحديث على وكيع بن حُدُس وقال عنه الحافظ في التقريب ص 581: “مقبول” (يعني: إذا توبع). وقال ابن قتيبة عن هذا الحديث: “مختلف فيه، ووكيع لا يعرف .. ” ا. هـ بتصرف تأويل مختلف الحديث ص 150.
ولكن يشهد لهذا الحديث ما ورد في صحيح البخاري في التوحيد برقم (7418) عن عمران بن حصين مرفوعًا وفيه: ( … كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء) الحديث وقد سبق في التعليق على البيتين 920 و 1046. وكذلك بقية أدلة العلو من الكتاب والسنة تشهد بصحة هذا الحديث. وليس فيه مما يستنكر. =
(2/346)
1294 – هَذَا وَمَا كَانَ الجَوَابُ جَوابَ “مَنْ” … لَكِنْ جَوَابَ اللَّفْظِ بالمِيزَانِ
1295 – كَلّا وَلَيْسَ وِ “مَنْ” دُخُولٌ قَطُّ فِي … هَذَا السِّيَاقِ لِمَن لَهُ أُذُنَانِ
1296 – دَعْ ذَا فَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ بِنَفْسِهِ … “أَيْنَ الإِلهُ؟ ” لِعَالِمٍ بِلِسَانِ
1297 – واللهِ ما قَصَدَ المخَاطِبُ غَيرَ مَعْـ … ـــــنَاهَا الذِي وُضِعَتْ لهُ الحقَّانِي
__________
= قوله: (كان في عماء) المراد به السحاب، وعلى هذا المعنى يكون سبحانه فوق السحاب مدبرًا له وعاليًا عليه كما قال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}. انظر كلام البيهقي في الأسماء والصفات 2/ 236. وإذا كان (عمى) بالقصر فالمراد به: ليس شيء معه، كما في إحدى روايات حديث حصين الذي في البخاري. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/ 304، والتمهيد لابن عبد البر 7/ 137، واجتماع الجيوش الإسلامية للناظم ص 162، وتحفة الأحوذي للمباركفوري 8/ 529.
1294 – يشير الناظم إلى تأويل نفاة العلو لهذا الحديث بأن السؤال “بأين” معناه السؤال “بمن” كما قرر ذلك الرازي. انظر أساس التقديس ص 165 – 166.
1296 – الخطاب موجه من الناظم للمعطل: دع هذا الدليل تنزلًا معك أيها الخصم المعاند، ولننتقل إلى دليل أصرح من ذلك وهو قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أين الله؟ ” في الحديث الصحيح عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- وجاء فيه: ” … وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَلَ أحد والجوّانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون- لكني صككتها صكّة”، فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعظَّم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها. فقال لها: “أين الله”؟ قالت: في السماء. قال: “من أنا”؟ قالت: أنت رسول الله. قال: “أعتِقْها فإنها مؤمنة؟ ” أخرجه الإمام مسلم في كتاب المساجد – باب تحريم الكلام في الصلاة، برقم (537).
العالم باللسان: أي باللغة العربية.
1297 – “المخاطِب”: بكسر الطاء: اسم فاعل، وهو النبي – صلى الله عليه وسلم – و”الحقاني” صفة للمعنى.
(2/347)
1298 – واللهِ مَا فَهِمَ المخَاطَبُ غَيْرَهُ … واللَّفظُ موضُوعٌ لِقَصدِ بَيَانِ
1299 – يَا قَوْمُ لَفْظُ “الأيْنِ” مُمْتَنِعٌ عَلَى الرَّ … حْمنِ عِنْدَكُمُ وذُو بُطْلَانِ
1300 – ويكَادُ قَائِلُكُمْ يُكفِّرُنَا بِهِ … بَلْ قَدْ وهَذَا غَايَةُ العُدْوَانِ
__________
1298 – “المخاطب”: بفتح الطاء، اسم مفعول، والمقصود: الجارية.
1299 – يعني أنّ المعطلة نفاة العلو يرون أن لفظ “أين الله؟ ” لا تجوز إذا كان المقصود بها السؤال عن المكان -على حد زعمهم- وفي هذا يقول الإمام الدارمي: ” … وفي قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أين الله؟ ” تكذيب لقول من يقول: هو في كل مكان لا يوصف بأين، لأن شيئًا لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال: “أين هو؟ “، ولا يقال: “أين الله؟ ” إلاَّ لمن هو في مكان يخلو منه مكان” ا. هـ الرد على الجهمية ص 39، وانظر: 175، وانظر: الرد على المريسي له ص 24.
1300 – الغالب على الظن أنه الرازي، فإنه قال: “الفصل الثالث: في أن من يئبت كونه تعالى جسمًا متحيزًا مختصًا بجهة معينة هل يحكم بكفره أم لا؟ للعلماء فيه قولان. أحدهما: أنه كافر وهو الأظهر … ” ا. هـ أساس التقديس ص 196. وانظر: مفاتيح الغيب للرازي (4/ 224).
ونقل شيخ الإسلام عن ابن كلاب قوله: “ورسول الله – صلى الله عليه وسلم -وهو صفوة الله من خلقه وخيرته من بريته وأعلمهم جميعًا- يجيز “الأين” ويقوله، ويستصوب قول القائل: إنه في السماء، ويشهد له بالإيمان عند ذلك. وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون الأين ويحرمون القول به …. ” مجموع الفتاوى 5/ 319. وانظر. الرد على الجهمية للدارمي ص 175، ومختصر الصواعق ص 318، وشرح مسلم للنووي 5/ 24، والحجة في بيان المحجة للأصبهاني (2/ 115).
“بل قد”: على تقدير محذوف، يعني: “بل قد كَفَّرَنا”.
“غاية العدوان”: وهذه من صفات أهل البدع وأبرز علاماتهم أنهم يكفرون من خالفهم. انظر درء التعارض 6/ 195.
(2/348)
1301 – لَفْظٌ صَرِيحٌ جَاءَ عَنْ خَيْرِ الوَرَى … قَوْلًا وإقْرَارًا هُمَا نَوْعَانِ
1302 – واللهِ مَا كَانَ الرَّسُولُ بعَاجِزٍ … عنْ لَفْظِ “مَنْ” مَعَ أنَّهَا حَرْفَانِ
1303 – “والأينُ” أحرُفُهَا ثَلَاثٌ وَهْيَ ذُو … لَبْسٍ و”مَنْ” في غَايَةِ التِّبْيَانِ
1304 – واللهِ مَا المَلَكَانِ أَفْصَحَ مِنْهُ إذْ … فِي القبْرِ مَنْ رَبُّ الوَرَى يَسَلَانِ
1305 – وَيقُولُ: أَيْنَ اللهُ؟ يَعْنِي “مَنْ” فَلَا … واللهِ مَا اللَّفظَانِ متَّحِدَانِ
1306 – كَلّا وَلَا مَعْنَاهُمَا أيضًا لِذِي … لُغَةٍ وَلَا شَرْعٍ وَلَا إنْسَانِ
* * *
__________
1301 – القول منه – صلى الله عليه وسلم -كما في حديث الجارية، والإقرار كما في حديث أبي رزين. وانظر درء التعارض 3/ 315، 7/ 135.
1303 – قال: “ذو لبس” مكان “ذات لبس” للضرورة. انظر ما سبق في البيت 1033، (ص).
ح، طه: (من هي غاية التبيان).
1304 – ح، ط: (ربّ السما).
“يسَلان”: أي يسألان، حذف الهمزة وألقى حركتها على ما قبلها للضرورة، (ص).
– يشير إلى ما ورد في الأحاديث التي جاء فيها ذكر سؤال الملكين “منكر ونكير” للميت: مَنْ ربك، وما دينك، ومن نبيك؟ كما جاء في الحديث المشهور عن البراء بن عازب وسيأتي تخريجه كاملًا عندما يشير إليه الناظم في البيت رقم (1735). وكذلك حديث أبي هريرة وقد مضى تخريجه تحت البيت رقم (1201).
1305 – وفي هذا يقول الرازي: “أن لفظ “أين” كما يجعل سؤالًا عن المكان فقد يجعل سؤالًا عن المنزلة والدرجة، يقال: أين فلان من فلان؟ فلعلَّ السؤال كان عن المنزلة وأشار بها إلى السماء، أي هو رفيع القدر جدًا … “. أساس التقديس ص 165 – 166.
1306 – يعني: حتى في عرف الناس لا يعرف هذا التأويل الفاسد.
(2/349)
فصلٌ
1307 – هَذَا وَخَامِسَ عَشْرَهَا الإِجْمَاعُ مِنْ … رُسُلِ الإِلهِ الواحِدِ المنَّانِ
1308 – فالمُرْسَلُونَ جَمِيعُهُمْ مَعَ كُتْبِهِمْ … قَدْ صَرَّحُوا بالفَوْقِ لِلرَّحمنِ
1309 – وَحَكَى لَنَا إجْمَاعَهُمْ شَيْخُ الوَرَى … والدِّينِ عَبْدُ القادِرِ الكيلَانِي
1310 – وأبُو الوَليدِ المالِكِي أيْضًا حَكَى … إجْمَاعَهُمْ أعني “ابْنَ رُشْدِ الثَّانِي”
__________
1309 – في كتابه غنية الطالبين حيث قال: “أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو: أن تعرف وتتيقن أن الله واحد أحد … (إلى أن قال): وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف …. ” ا. هـ غنية الطالبين ص 57، وانظر: اجتماع الجيوش الإسلامية ص 277، مجموع الفتاوى 5/ 86، العلو للذهبي (المختصر ص 284).
– ط: “الجيلاني”. وهو أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي (أو الجيلاني أو الكيلاني) الحنبلي. كان مولده بجيلان سنة 471 هـ. اشتهر بالزهد والعبادة، وذاع صيته واشتهر. وغلا فيه من جاء بعده من الصوفية حتى صارت له طريقة تعرف بالقادرية، وأكثر ما ينسب إليه من أقوال الصوفية كذب عليه، وله نقولات تدل على حسن اعتقاده، رحمه الله. كانت وفاته سنة 561 هـ. السير (20/ 439)، ذيل طبقات الحنابلة (3/ 290)، البداية والنهاية (12/ 270).
1310 – هو: أبو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن ش شد القرطبي، المالكي، ويعرف بـ “ابن رشد الحفيد” تمييزًا له عن جده، وكانت ولادنه قبل موت جده بشهر سنة 520 هـ، وتفقه وبرع في المذهب وألف في شتى الفنون، وكان له علم بالطب، واشتغل بالفلسفة كثيرًا وخاصة كتب أرسطو، وابن سينا، والفارابي، ومن مصنفاته: بداية المجتهد، ومناهج الأدلة، وتهافت التهافت وغيرها كثير. كانت وفاته سنة 595 هـ. السير (21/ 307)، شذرات الذهب (4/ 320).
– قال في كتابه “مناهج الأدلة”: “القول في الجهة: وأما هذه الصفة فلم =
(2/350)
1311 – وَكَذَا أبُو العبَّاسِ أيْضًا قَدْ حَكَى … إجْمَاعَهُمْ عَلَمُ الهُدَى الحَرَّانِي
1312 – ولهُ اطلاعٌ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِهِ … لِسِوَاه مِنْ مُتَكَلِّمٍ ولِسَانِ
1313 – هَذا ونَقْطَعُ نَحْنُ أيضًا أنَّهُ … إجْمَاعُهُمْ قَطْعًا عَلَى البُرهَانِ
1314 – وَكَذَاكَ نَقْطعُ أنَّهُمْ جَاؤوا بإثْـ … ــــبَاتِ الصِّفَاتِ لِخَالِقِ الأكْوَانِ
__________
= يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه … (إلى أن قال): “والشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماوات نزلت الكتب وإليها كان الإسراء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – حتى قرب من سدرة المنتهى، وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء؛ كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك … ” مناهج الأدلة ص 176. وانظر إغاثة اللهفان للناظم (2/ 258)، ودرء التعارض (6/ 212).
– في ب حاشية لبعض القراء نصها: “احتراز عن الأول الذي هو رفيق ابن سينا”. وهو خطأ، وإنما هو احتراز عن الأوّل الذي هو جدّ الثاني.
1311 – يعني شيخ الإسلام أبا العباس بن تيمية، الذي قال: “قد ثبت بالفطرة التي اتفق عليها أهل الفطر السليمة، وبالنقول المتواترة عن المرسلين من الأخبار، وما نطقت به كتب الله تعالى، وما اتفق عليه المؤمنون بالرسل قبل حدوث البدع: أن الله فوق العالم” بيان تلبيس الجهمية ص 450، الجزء الذي حققه د. رشيد حسن محمد علي (ضمن الرسائل الثمانية في تحقيق الكتاب بجامعة الإمام). وانظر درء التعارض (6/ 249).
1312 – كذا في جميع النسخ غير (س). و”لسان” هنا بمعنى المتكلم عن القوم. وفي س: “مِلْسان”، صيغة مبالغة من اللسن، وهو الفصاحة وجودة البيان. فإن صح ما فيها كان أظهر. وفي طع: “بلسان”. (ص).
1313 – انظر: نص كلامه في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 95، والصواعق المرسلة (1/ 368).
1314 – يعني الرسل والكتب التي جاءت من عند الله. قال الناظم: “وقد نزّه نفسه =
(2/351)
1315 – وَكَذَاكَ نقطَعُ أنهُمْ جَاؤوا بإثْـ … ـــبَاتِ الكَلَامِ لِرَبِّنَا الرحْمنِ
1316 – وَكَذَاكَ نقْطَعُ أنَّهُمْ جَاؤوا بإثْـ … ــــبَاتِ المعَادِ لهَذِهِ الأبْدَانِ
1317 – وَكَذَاكَ نَقْطَعُ أنَّهُمْ جاؤوا بتَوْ … حِيدِ الإلهِ ومَا لَهُ مِنْ ثَانِ
__________
= سبحانه وتعالى عما يصفه به العباد إلّا ما وصفه به المرسلون فقال: {سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (160)} [الصافات: 159، 160]. قال غير واحد من السلف: “هم الرسل … ” الصواعق المرسلة (1/ 152 – 153). وانظر: مجموع الفتاوى (5/ 33، 289).
1315 – كما قال سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ .. } [البقرة: 253]، فالأنبياء بعضهم كلمه الله كموسى عليه السلام وآدم، ومحمد – صلى الله عليه وسلم -، فهم أولى الناس بإثبات هذه الصفة لله سبحانه وتعالى. انظر: مجموع الفتاوى 12/ 22، وما بعدها، ومختصر الصواعق، ص 412.
1316 – أي: ومما جاء بتقريره رسل الله: إثبات المعاد للأرواح والأبدان. وفي هذا يقول شيخ الإسلام: ” … وقد ذكرنا في غير موضع أن الرسل قبل محمد أنذروا بالقيامة الكبرى تكذيبًا لمن نفى ذلك من المتفلسفة … “. مجموع الفتاوى (4/ 266). ويقول أيضًا: “مذهب سائر المسلمين وسائر أهل الملل إثبات القيامة الكبرى وقيام الناس من قبورهم والثواب والعقاب هناك … ” مجموع الفتاوى (4/ 262)، وانظر أيضًا (4/ 284). ويقول الناظم -في معرض رده على نفاة الصفات-: ” … فآل بهم الأمر إلى أن ألحدوا في الأصول الثلاثة التي اتفق عليها جميع الملل، وجاءت بها جميع الرسل وهي: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والأعمال الصالحة … ” الصواعق (3/ 1096)، وانظر: (1/ 369).
1317 – كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. ويقول جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: 25]. فزبدة الرسالات والكتب السماوية، ولب دعوتها، وأساسها هو الدعوة إلى إفراد الله بجميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له.
(2/352)
1318 – وَكَذَاكَ نَقْطَعُ أنَّهُمْ جَاؤوا بإثْـ … ــــباتِ القَضَاءِ وَمَا لَهُمْ قَوْلَانِ
1319 – فالرُّسْلُ مُتَّفِقُونَ قَطْعًا فِي أصُو … لِ الدِّين دُونَ شَرَائِعِ الإيمَانِ
1320 – كُلٌّ لَهُ شَرْعٌ ومِنْهَاجٌ وَذَا … فِي الأَمْرِ لَا التَّوْحِيدِ فافْهَمْ ذَانِ
__________
1318 – أي وما جاء به الأنبياء، واتفقت عليه الرسالات السماوية: الإيمان بالقضاء والقدر، وأن كل شيء بقدرته ومشيئته، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ولهذا من تدبر كتاب الله يلحظ هذا مستقرًا في دعوة الرسل عليهم السلام، ومن ذلك قول نوح عليه السلام فيما حكاه الله تعالى عنه: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]. ولما أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيل {قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]. فعلَّق إسماعيل عليه السلام الأمر على مشيئته سبحانه.
وكذلك حكى الله قول موسى عليه السلام: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ .. } [الأعراف: 155]. انظر: مجموع الفتاوى (8/ 106). 1319 – كما قال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]. وكما قال سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)} [الشورى: 13].
قال ابن كثير: “والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال عزّ وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: 25] ” تفسير القرآن العظيم (4/ 109). وانظر: (3/ 36).
1320 – كما قال سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، وهذه الشرائع التي تختلف باختلاف الأمم، هي التي تتغير بحسب الأزمنة والأحوال، أما أصول الدين والتوحيد فلا. انظر تفسير القرطبي (6/ 211)، وتفسير ابن كثير (2/ 66)، وتفسير السعدي (2/ 300).
(2/353)
1321 – فالدِّينُ فِي التَّوْحِيدِ دِينٌ وَاحِدٌ … لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيهِ اثْنَانِ
1322 – دِينُ الإلهِ اخْتَارَهُ لِعبادِهِ … ولِنَفْسِهِ هُوَ قَيِّمُ الأَدْيَانِ
1323 – فمِنَ المُحَالِ بأنْ يَكُونَ لِرُسْلِهِ … فِي وَصْفِهِ خَبَرَانِ مُخْتَلِفَانِ
1324 – وَكَذَاكَ نَقْطَعُ أَنَّهُمْ جَاؤوا بِعَدْ … لِ اللهِ بَينَ طَوَائِفِ الإنْسَانِ
__________
1321 – كما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوةٌ لِعَلاَّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد”. أخرجه في كتاب أحاديث الأنبياء- باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ … } برقم (3443). والعَلَّات بفتح المهملة: الضرائر، وأولاد العلَّات: الإخوة من الأب وأمهاتهم شتى، ومعنى الحديث: (أن أصل دينهم واحد هو التوحيد وإن اختلفت الشرائع) فتح الباري (6/ 564).
1322 – كما قال سبحانه: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]. وقال تعالى: {أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40]. وقال تعالى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30]،. وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ} [الروم: 43].
والمعنى: أن الدين الحق المنزل من عند الله -وهو إفراده بالعبادة- هو الدين الذي اختاره الله لعباده، فهو أعدل دين وأقومه وأحسنه. وانظر: اللسان (2/ 503)، تفسير السعدي (7/ 658)، تفسير ابن كثير (4/ 537).
1323 – “بأن يكون”: أدخل الباء على المبتدأ للضرورة (ص).
1324 – أي أن ما أمرهم الله به أن يبلغوه سواءً مما هو من أصول الدين أو من الأحكام الشرعية كله قائم على العدل بين الناس، وأساس دعوتهم على العدل صلوات الله وسلامه عليهم، (والله سبحانه أمر رسوله أن يعدل بين الطوائف فقال: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] فأمره سبحانه أن يدعو إلى دينه وكتابه وأن يستقيم في نفسه كما أمره، وأن=
(2/354)
1325 – وَكَذَاك نَقْطَعُ أنَّهُمْ أَيْضًا دَعَوْا … لِلْخَمْسِ وَهْيَ قَوَاعِدُ الإيمَانِ
1326 – إيمَانُنَا بالله ثُمَّ برُسْلِهِ … وبكُتْبِهِ وقِيَامَةِ الأبْدَانِ
1327 – وبجُنْدِهِ وَهُمُ الملائِكةُ الأُلَى … هُمْ رُسْلُهُ لِمصَالِحِ الأكْوَانِ
1328 – هَذِي أصُولُ الدِّينِ حَقًّا لَا الأصُو … لُ الخَمْسُ لِلْقَاضِي هوَ الهَمَذانِي
__________
= لا يتبع هوى أحد من الفرق، وأن يؤمن بالحق جميعه، وأن يعدل بين أرباب المقالات) ا. هـ بتصرف. شفاء العليل لابن القيم ص 113، ويقول شيخ الإسلام: “وأهل الملل كلهم يقرون بعدله لأن الكتب الإلهية نطقت بعدله، وأنه قائم بالقسط وأنه لا يظلم الناس مثقال ذرة … ” ا. هـ جامع الر سائل (1/ 125).
1325 – والقواعد الخمس هي المذكورة في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء: 136]. والناظم أشار في الصواعق إلى أن أصول الإيمان خمسة (1/ 365)، ولم يذكر الإيمان بالقدر وهو الركن السادس كما صُرِّح به في حديث جبريل المشهور، لأنه داخل تحت الإيمان بالله؛ لأن الإيمان بالقدر من لوازم الإيمان بالله ولا شك في ذلك. انظر: القضاء والقدر للدكتور عبد الرحمن المحمود، ص 63.
1328 – ح، ط: (لا أصول).
الهمذاني: هو القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل، أبو الحسن الهمذاني، العلّامة في مذهبه، المتكلِّم، صاحب التصانيف، شافعي المذهب، شيخ المعتزلة، ولي قضاء الري وقزوين وغيرهما من الأعمال التي كانت لفخر الدولة ابن بويه بعناية الصاحب بن عباد، قال الخليلي: “كتبت عنه، وكان ثقة في حديثه ولكنه داع إلى البدعة لا تحل الرواية عنه” وكتابه الذي أشار إليه الناظم: “شرح الأصول الخمسة”. كانت وفاته سنة 415 هـ. السير (17/ 244)، لسان الميزان (3/ 386)، شذرات الذهب (3/ 202).
(2/355)
1329 – تِلْكَ الأُصُولُ لِلِاعْتِزِالِ وَكَمْ لَهَا … فَرْعٍ فمِنْهُ الخَلْقُ للقُرْآنِ
1330 – وجُحُودُ أَوْصَافِ الإله ونَفْيُهُمْ … لِعُلُوِّهِ والفَوْقِ للرَّحْمنِ
1331 – وَكَذَاكَ نَفْيُهُمُ لِرؤيتِنَا لَهُ … يَومَ اللّقَاءِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ
1332 – ونَفَوْا قَضَاءَ الرَّبِّ والقَدَرَ الَّذِي … سَبَقَ الكِتَابُ بِهِ هُمَا حَتْمانِ
1333 – مِنْ أجْلِ هَاتِيكَ الأصُولِ، وخَلَّدُوا … أهْلَ الكَبَائِر فِي لَظَى النِّيرَانِ
__________
1329 – أصول المعتزلة الخمسة قد سبق ذكرها في التعليق على مقدمة المؤلف.
– يقول القاضي: “وأما مذهبنا في ذلك فهو: أن القرآن كلام الله تعالى ووحيه وهو مخلوق محدث … “. شرح الأصول الخمسة ص 528.
1330 – قوله: “وجحود أوصاف الإله”: انظر فيه شرح الأصول الخمسة ص 128، الملل والنحل (1/ 44)، مقالات الإسلاميين (1/ 335). أما نفي العلو فانظر فيه شرح الأصول الخمسة ص 219 – 226، مجموع الفتاوى (5/ 122)، درء التعارض (6/ 227)، مناهج الأدلة لابن رشد ص 177.
1331 – يقول القاضي: “ومما يجب نفيه عن الله: الرؤية .. ” شرح الأصول الخمسة ص 232. وانظر: الأربعين للرازي (1/ 266)، والمعتزلة يؤولون الرؤية بالعلم. انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 349، 2/ 396).
1332 – والمعتزلة يقولون: إن أفعال العباد ليست مخلوقة لله، بل العباد هم الخالقون لها، حتى لا يعذبهم الله على أمر هو الذي خلقه فيهم، وعلى هذا فهم ينكرون مرتبة الخلق من مراتب القدر.
انظر: شرح الأصول الخمسة ص 323، شفاء العليل ص 112 – 116، القضاء والقدر ص 204.
حتمان: أي واجبان لازمان لا مفرّ منهما.
1333 – الواو من “وخلدوا” ساقطة من (طه).
يقول القاضي: “فالله أخبر أن العصاة يعذبون في النار ويخلدون فيها، والعاصي اسم يتناول الفاسق والكافر جميعًا فيجب حمله عليهما؛ لأنه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبينه”. شرح الأصول الخمسة ص 657، وانظر: الملل والنحل (1/ 45).
(2/356)
1334 – ولأجْلِهَا نَفَوُا الشَّفَاعَةَ فِيهمُ … وَرَمَوا رُوَاةَ حَدِيثِهَا بطِعَانِ
1335 – ولأَجْلِهَا قَالُوا بأنَّ اللهَ لَم … يَقْدِرْ عَلَى إصلاحِ ذي العصيانِ
1336 – ولأجْلِهَا قالوا بأنَّ اللَّهَ لَم … يَقْدِرْ علَى إيمانِ ذي الكُفْرَانِ
__________
1334 – بناء على أصلهم في تخليد أهل الكبائر في النار، وفي هذا يقول القاضي: “فحصل بهذه الجملة من العلم بأن الشفاعة ثابتة للمؤمنين دون الفساق من أهل الصلاة … “. شرح الأصول الخمسة ص 688 – 690. وانظر: مقالات الإسلاميين (2/ 166).
وأحاديث الشفاعة متواترة وثابتة ثبوتًا قطعيًا، ولكن المعتزلة كابروا وعاندوا وادّعوا أنها أحاديث آحاد، والآحاد لا تفيد إلا الظن، ولا بد من القطع في أمور العقائد. وفي هذا يقول القاضي: “وقد تعلقوا -يعني مثبتة الشفاعة- بما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي”، وقالوا: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد نص على صريح ما ذهبنا إليه، والجواب: أن هذا الخبر لم تثبت صحته أولًا، ولو صح فإنه منقول بطريق الآحاد عن النبي، ومسألتنا طريقها العلم فلا يصح الاحتجاج به”. شرح الأصول الخمسة ص هـ 69، وانظر مجموع الفتاوى (1/ 116، 148)، (1/ 1841).
1336 – ومعنى هذا البيت والذي قبله أن المعتزلة يقولون: إن الله لا يقدر على هداية الضال ولا إضلال المهتدي بناء على أن الله سبحانه لا يقدر -عند بعضهم- على الظلم، وأهل السنة يقولون: إن الله حرم على نفسه الظلم وهو منزه عنه ولكنه قادر عليه، وقد نفى سبحانه الظلم عن نفسه، والشيء المنفي مقدور عليه؟ إذ المحال لا يُنْفَى.
ولهذا فإن المعتزلة “قالوا: إنه إذا أمر العبد ولم يعنه -بجميع ما يقدر عليه من وجوه الإعانة- كان ظالمًا له، والتزموا أنه لا يقدر أن يهدي ضالًّا كما أنه لا يقدر أن يضل مهتديًا”. شرح حديث أبي ذر لشيخ الإسلام (ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 3/ 206)، وانظر: جامع الرسائل (1/ 123)، ومنهاج السنة (1/ 461) وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (1324).
(2/357)
1337 – ولأجْلِها حَكَمُوا عَلَى الرَّحْمنِ بالشَّـ … ــرعِ المُحَال شريعَةِ البُهْتَانِ
1338 – ولأجْلهَا هُم يُوجِبُونَ رِعَايَةً … لِلأصْلَحِ الموجُودِ في الإمْكَانِ
1339 – حَقًّا عَلَى رَبِّ الوَرَى بعقُولِهم … سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ ذا السُّبحَانِ
* * *
فصلٌ
1340 – هَذَا وَسَادِسَ عَشْرَهَا إِجْمَاعُ أهْـ … ــلِ العِلْمِ أعْنِي حُجَّةَ الأزْمَانِ
1341 – مِنْ كُلِّ صَاحِبِ سُنَةٍ شَهدَتْ لهُ … أهْلُ الحَدِيث وعَسْكَرُ القُرْآنِ
1342 – لَا عِبرَة بمُخَالِفٍ لَهُمُ وَلَوْ … كَانُوا عَدِيدَ الشَّاءِ والبُعْرانِ
1343 – أنَّ الذي فَوْقَ السَّمواتِ الْعُلى … والعَرشِ وَهْوَ مُبَايِنُ الأكْوَانِ
__________
1337 – وشريعة البهتان التي نسبوها إلى الله هي مضمون ما في البيتين السابقين وهو أن الله لا يقدر أن يهدي ضالًا ولا أن يضل مهتديًا.
1338 – أي: ومن الأمور المتفرعة عن أصولهم الفاسدة: القول بوجوب فعل الأصلح على الله، وإلَّا كان الله ظالمًا، بخيلًا -على حد زعمهم- وهم مختلفون: فمعتزلة بغداد يقولون بوجوب فعل الأصلح على الله في أمور الدين والدنيا، ومعتزلة البصرة يرون وجوب فعل الأصلح في أمور الدين فقط. وأهل السنة يقولون بأن الله يفعل وفق ما تقتضيه حكمته وأنه إنما أمر العباد بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم، وأن فعل المأمور مصلحة عامة، وأن إرساله الرسل مصلحة عامة، وإن كان فيه ضرر على بعض الناس لمعصيته. منهاج السنة (1/ 462). وانظر: الملل والنحل (1/ 54)، القضاء والقدر ص 176.
1341 – “من كل”: كذا في الأصل و (ط) وفي النسخ الأخرى التي بين أيدينا: “مَن كان” وأشير في حاشية (ف) إلى أن في نسخة: “كل” (ص).
1342 – الشاء: جمع شاة، وهي الواحدة من الغنم، والبعران: جمع بعير.
(2/358)
1344 – هُوَ رَبُّنَا سُبحَانَهُ وبحَمْدِهِ … حَقًّا عَلَى العَرشِ اسْتِوَا الرَّحمنِ
1345 – فاسْمَعْ إذًا أَقْوَالَهم واشْهَدْ عَلَيـ … ــهمْ بعْدَهَا بالكُفرِ والإيمَانِ
1346 – واقرَأْ تَفَاسِيرَ الأئمَّةِ ذَاكِرِي الْـ … إسْنَادِ فَهْيَ هِدَايَةُ الحَيْرانِ
1347 – وَانْظُر إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ بتَفْـ … ــسِيرِ “اسْتَوَى” إنْ كُنتَ ذَا عِرفَانِ
1348 – وانْظُر إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ … كمُجَاهِدٍ ومُقَاتِلٍ حَبرَانِ
__________
1344 – حذفت الهمزة من “استواء” للضرورة، وهو مضاف إلى الرحمن. وفي النسخ: “استوى” غير مضبوط، ويجوز أن يكون “استوى” فعلًا ماضيًا، و”الرحمن” بدلًا من ضمير الجرّ في “بحمده” (ص).
1347 – تقدمت ترجمة ابن عباس عند البيت رقم (882).
– قال الإمام البغوي عند تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29]. قال ابن عباس، وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء”. معالم التنزيل (1/ 78). وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/ 254)، وانظر: مجموع الفتاوى (5/ 495).
1348 – تقدمت ترجمة مجاهد عند البيت رقم (1170). ونص مقالته: “استوى: علا على العرش” أخرجها البخاري في صحيحه تعليقًا في كتاب التوحيد – باب قول الله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}. وقال الحافظ: “وصله الفريابي عن ورقاء عن أبي نجيح عنه”. الفتح (13/ 416)، تعليق التعليق (5/ 344).
مقاتل: هو مقاتل بن حيان أبو بسطام النبطي البلخي الخرّاز، الإمام المحدث، الثقة، عالم خراسان. حدث عن الشعبي ومجاهد والضحاك وعكرمة. وعنه بكير بن معروف، وإبراهيم بن أدهم، وابن المبارك وغيرهم. كان صادقًا ناسكًا خيرًا كبير القدر، صاحب سنة واتباع، (وهو غير مقاتل بن سليمان المفسر الذي ضعفه أهل العلم، وهو معاصر له، فليتنبه لذلك). توفي في حدود الخمسين ومائة.
انظر: السير (6/ 345)، تذكرة الحفاظ (1/ 174)، تهذيب التهذيب (10/ 248)، طبقات المفسرين للداودي (2/ 329). =
(2/359)
1349 – وَانْظُر إِلَى الكَلْبيِّ أيْضًا والَّذي … قَدْ قَالَهُ مِنْ غَيرِ مَا نُكْرانِ
1350 – وَكَذَا رُفَيعُ التابِعِيُّ أَجَلُهُم … ذَاكَ الرِّيَاحِيُّ العَظِيمُ الشَّانِ
__________
ونص مقالته: قال البغوي عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]: “قال الكلبي ومقاتل: استقر” معالم التنزيل (3/ 235). وقال مقاتل أيضًا: “بلغنا -والله أعلم- في قوله عزّ وجل: هو الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء والباطن أقرب من كل شيء، وإنما يعني بالقرب بعلمه وقدرته، وهو فوق عرشه وهو بكل شيء عليم”. أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 342) برقم (910). وانظر: مجموع الفتاوى (5/ 495 – 496)، واجتماع الجيوش الإسلامية ص 130، 259، وأخرجه الذهبي في العلو وقال عقب هذا الأثر: مقاتل هذا ثقة إمام معاصر للأوزاعي، ما هو بابن سليمان، ذلك مبتدع ليس بثقة. مختصر العلو ص 139.
حَبران: تثنية حَبْر، بكسر الحاء وفتحها وهو العالم، الصحاح ص 620.
1349 – الكلبي: هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي، المفسر، وكان رأسًا في الأنساب إلا أنه شيعي متروك الحديث، روى عن أبي صالح وجرير والفرزدق وجماعة، وعنه الثوري وابنه هشام وغيرهما. قال الثوري: “عجبت لمن يروي عن الكلبي”. وذكر أبو عاصم النبيل أن سفيان الثوري زعم أن الكلبي قال: “ما حدثت عني عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا تروه”. وقد كذبه غير واحد من الأئمة. السير (6/ 248)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/ 270).
– ب: “والقول الذي”.
– قال البغوي عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]: “قال الكلبي ومقاتل: استقر”. معالم التنزيل (طم 235). والكلبي وإن كان مضعفًا في الرواية ولكن أقواله في التفسير نقلها عنه الأئمة كابن جرير والبغوي، وقوله هذا وافق فيه أهل السنة.
1350 – في حاشية الأصل: “رفيع هو أبو العالية” وهو رُفيع بن مهران، أبو العالية الرياحي البصري، الإمام المقرئ، الحافظ المفسر، كان مولى لامرأةٍ من =
(2/360)
1351 – كَم صَاحِبٍ ألقَى إِلَيهِ عِلْمَهُ … فلِذَاكَ مَا اخْتَلَفَتْ عَلَيهِ اثْنَانِ
1352 – فَلْيَهْنِ مَنْ قَدْ سَبَّهُ إذْ لَم يُوَا … فِقْ قَوْلُهُ تَحْريفَ ذِي البُهْتَانِ
1353 – فَلَهُم عِبَارَاتٌ عَلَيهَا أرْبعٌ … قَدْ حُصلَتْ لِلفَارِسِ الطَّعَّانِ
1354 – وَهيَ اسْتَقَر وَقَد عَلَا وَكَذلِكَ ارْ … تَفَعَ الَّذِي مَا فِيهِ مِنْ نُكْرَانِ
1355 – وَكَذَاكَ قَد صَعِدَ الَّذِي هُوَ رابعٌ … وَأبُو عُبَيدَةَ صَاحِبُ الشَّيبَانِي
__________
= بني رياح بن يربوع ثم من بني تميم، أدرك زمان النبي – صلى الله عليه وسلم -وهو شاب، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق، ودخل عليه، وسمع من عمر وعلي وأُبيِّ وأبي ذر وابن مسعود وعائشة وابن عباس وغيرهم -رضي الله عنهم-. وعنه خالد الحذاء، وداود بن أبي هند، وابن سيرين وغيرهم. وقال أبو عمرو الداني: “أخذ أبو العالية القراءة عرضًا على أبي وزيد وابن عباس، ويقال قرأ على عمر”. كانت وفاته سنة تسعين وقيل ثلاث وتسعين. السير (4/ 207)، الإصابة (1/ 528)، المغني في ضبط الأسماء ص 112، للشيخ محمد طاهر الهندي.
قال أبو العالية: “استوى إلى السماء: ارتفع” أخرجه البخاري في صحيحه -تعليقًا- في كتاب التوحيد – باب قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}. الفتح (13/ 414). ووصله الحافظ في الفتح (13/ 416)، وفي تغليق التعليق (5/ 344). وعزاه في الموضعين إلى ابن جرير الطبري التفسير. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 105)، وأورده السيوطي في الدر المنثور (1/ 107) وعزاه إلى ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي.
1351 – المعنى أن أبا العالية رحمه الله استفاد من عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم.
– كذا في الأصول، وفي طع: “ما اختلفا”، وهو تصرف من ناشر الكتاب تخلّصًا من تأنيث الفعل للمذكر، (ص).
1355 – أبو عبيدة: معمر بن المثنى التيمي، مولاهم البصري النحوي، صاحب التصانيف، ولد سنة عشر ومائة في الليلة التي توفي فيها الحسن البصري، حدث عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء. وحدث عنه علي بن =
(2/361)
1356 – يَخْتَارُ هَذَا القَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ … أَدْرَى مِنَ الجَهْمِيِّ بالقُرآنِ
__________
= المديني، وأبو عبيد القاسم بن سلام. قال عنه ابن المديني: “لا يحكي عن العرب إلَّا الشيء الصحيح”، وقيل: كان يرى رأي الخوراج. من مؤلفاته: مجاز القرآن، وغريب الحديث. مات سنة تسع ومائتين وقيل: عشر. السير (9/ 445)، إنباه الرواة للقفطي (3/ 276).
الشيباني: إسحاق بن مِرَار -بكسر الميم- أبو عمرو الشيباني، اللغوي، وهو مولى لبني شيبان، لأنه كان يؤدب في أحيائهم فنسب إليهم بالولاء، ويقال بالمجاورة والتعليم لأولادهم، وكان من أعلم الناس باللغة، موثقًا فيما يحكيه. روى عن أبي عمرو بن العلاء وذَكَن الشامي، وعنه أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام وابنه عمرو وغيرهم كثير. وقال أبو العباس ثعلب: “كان مع أبي عمرو من العلم والسماع عشرة أضعاف ما كان مع أبي عبيدة”. وذكر عبد الله ابن الإمام أحمد: أن الإمام أحمد كان يلازم مجالس أبي عمرو الشيباني ويكتب عنه كثيرًا من مؤلفاته كتاب “الجيم” و”غريب القرآن”. كانت وفاته سنة عشر ومائتين.
انظر: إنباه الرواة (1/ 256)، تاريخ بغداد (6/ 329)، الفهرست لابن النديم ص 74.
على هذا فإن أبا عمرو الشيباني كان معاصرًا لأبي عبيدة، وقد تزاملا في الأخذ عن الشيوخ كأبي عمرو بن العلاء وكذلك كانت وفاتهما في وقت متساوٍ تقريبًا. انظر: شرح النونية لابن عيسى (1/ 441).
وفي حاشية ب. “هو القاسم بن سلام”، وعند كلمة الشيباني كتب: “هو الإمام أحمد”. والصواب ما ذكرنا.
1356 – ذكر البغوي في تفسيره “معالم التنزيل” (3/ 235) أنه قال أبو عبيدة إن معنى استوى: صَعِدَ. ولكن يشكل على ذلك أن المعنى الذي اختاره أبو عبيدة في مجاز القرآن هو المعنى الثاني أي “علا”. قال: “استوى على العرش: ظهر على العرش وعلا عليه” انظر: المجاز (1/ 273)، (2/ 15، 57).
وقد أورد الناظم هذا القول في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 264 وعزاه إلى ابن جرير.
(2/362)
1357 – والأشْعَرِيُّ يقُولُ تَفْسِيرُ اسْتَوى … بحَقِيقَةِ اسْتَوْلَى مِنَ البُهْتَانِ
1358 – هُوَ قولُ أَهلِ الاعْتِزَالِ وَقوْلُ أتْـ … ـــباعٍ لِجَهْمٍ وَهْوَ ذُو بُطْلانِ
1359 – فِي كُتْبِهِ قَدْ قَالَ ذَا مِنْ مُوجَزٍ … وإبَانةٍ ومقَالةٍ بِبَيَانِ
__________
1357 – تقدمت ترجمة الأشعري في حاشية البيت 964.
1358 – الجهم: تقدمت ترجمته تحت البيت رقم (40).
1359 – الموجز: من مؤلفات أبي الحسن الأشعري، وهو لم يصل إلينا، وقد وصفه ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص 129 بقوله: “وذكر -أبو الحسن- بعده الكتاب الذي سقاه الموجز، وذلك أنه يشتمل على اثني عشر كتابًا على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين عن الملة والداخلين فيها وآخره كتاب الإمامة تكلم في إثبات إمامة الصديق -رضي الله عنه- وأبطل قول من قال بالنص وأنه لا بد من معصوم في كل عصر … ” ا. هـ.
وقد صرح ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 286 بأنّه اطلع عليه. وقال في الصواعق (4/ 1234): ” … وهذا لفظه في كتاب الموجز إذ هو من أجلّ كتبه المتوسطات”.
– الإبانة عن أصول الديانة: هو من أشهر كتبه، وجُل العلماء نسبوه إليه، وممن أشار إليه: ابن النديم في الفهرست (وأسماه: التبيين في أصول الدين).
وكثيرًا ما ينقل عنه شيخ الإسلام ويشير إليه، مجموع الفتاوى (5/ 93)، وكذلك ابن القيم، اجتماع الجيوش ص 286، الصواعق (4/ 1243)، والذهبي في السير (15/ 90)، والعلو (المختصر ص 238).
والكتاب مطبوع عدة طبعات.
ونص مقالة الأشعري في كتاب الإبانة: “إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: نقول إن الله عزّ وجل يستوي على عرشه استواءً يليق به من غير طول ولا استقرار …. إلى أن قال- وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية أن قول الله عزّ وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أنه: استولى وملك وقهر، وأن الله عزّ وجل في كل مكان، وجحدوا أن =
(2/363)
1360 – وَكَذَلِكَ البَغَويُّ أيْضًا قَدْ حَكَاهُ … عَنْهُم بمَعَالِمِ القرْآنِ
__________
= يكون الله عزَّ وجلَّ على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة … “. الإبانة ص 97 – 103.
– قوله: “ومقالة” يعني به كتابه: مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين.
وهو من أقدم الكتب في ذكر مقالات الفرق وطوائفها. يقول شيخ الإسلام مبينًا أهمية الكتاب: “وكتاب “المقالات” للأشعري أجمع هذه الكتب وأبسطها، وفيه من الأقوال وتحريرها ما لا يوجد في غيرها. وقد نقل مذهب أهل السنة والحديث بحسب ما فهمه، وظنه قولهم، وذكر أنه يقول بكل ما نقله عنهم … ” منهاج السنة (6/ 303). وهو مطبوع.
وقد ركّز فيه الأشعري على أقوال المعتزلة وآرائهم ولا سيما شيخه أبي علي الجبائي. ويطلق على أهل السنة “أهل الحديث” ونص مقالته فيه (1/ 345): “هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة …. وأن الله -سبحانه- على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} … “.
1360 – البغوي: تقدمت ترجمته تحت البيت رقم (1169).
– “عنهم”: أي: عن علماء أهل الحق المثبتين للعلو.
– “معالم القرآن”: يعني: تفسير البغوي (معالم التنزيل)، وقد أثنى عليه شيخ الإسلام مجموع الفتاوى (13/ 386)، وابن القيم (اجتماع الجيوش الإسلامية ص 264).
ونص مقالته في العلو عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]: “قال الكلبي ومقاتل: استقر، وقال أبو عبيدة: صعد، وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء على العرش صفة لله تعالى بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به ويكل العلم فيه إلى الله عزَّ وجلَّ- …. ثم ذكر أثر الإمام مالك في الاستواء- وقال: وروي عن سفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وغيرهم من علماء السنّة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة: أمِرّوها كما جاءت بلا كيف … ” ا. هـ مختصرًا. معالم التنزيل (3/ 235). وانظر اجتماع الجيوش الإسلامية ص 199. وانظر أيضًا: معالم التنزيل (1/ 78).
(2/364)
1361 – وانْظُر كَلَامَ إمامِنَا هُوَ مَالِكٌ … قَدْ صحَّ عنْه قَوْلُ ذي إتْقَانِ
1362 – فِي الاسْتواءِ بأنَّهُ المعْلُومُ لَـ … ــكنْ كَيفُهُ خَافٍ عَلَى الأذْهَانِ
__________
1361 – مالك: هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني، أبو عبد الله، إمام دار الهجرة، صاحب المذهب المعروف، روى عن نافع مولى ابن عمر، وسعيد المقبري، والزهري، وغيرهم كثير. وعنه الشافعي، وابن المبارك، والقطان وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، وكان إمامًا في نقد الرجال حافظًا مجودًا متقنًا، وامتحن زمن أبى جعفر المنصور بسبب فتواه “أنه ليس على مستكره طلاق”. وضرب بالسياط وطيف به في الأسواق، ولكنه لم يرجع عن قوله -رحمه الله-. كانت وفاته سنة 179 هـ.
انظر: السير 8/ 48 (وفيه ترجمة مطولة له)، البداية والنهاية (10/ 180).
1362 – في الأصل: “كيف هو” وهو متّجه معنًى ووزنًا، ولكن ما في غيره أظهر وأقرب إلى لفظ الإمام مالك. وأخشى أن يكون ما في الأصل تصحيفًا سماعيًا (ص).
ونص قوله فيما روي: “أنه جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبد الله، الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرُّحَضَاء ثم قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا، فأمر به أن يخرج”.
القصة أخرجها الدارمي في الرد على الجهمية برقم (104) ص 55، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 398) برقم (664)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 354 – 355) برقم (866)، (867)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 325 – 326)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو برقم (90)، (104) ص 119، والصابوني في عقيدة السلف ص 180 – 183، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 151)، والذهبي فى العلو (المختصر ص 141)، وفي السير (8/ 89 – 90)، (8/ 95).
قال الذهبي: “وهذا ثابت عن مالك” المختصر ص 141، وقال الحافظ في الفتح (13/ 417): “وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب ثم =
(2/365)
1363 – ورَوَى ابنُ نَافِعٍ الصَّدُوقُ سَمَاعَهُ … منْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ والإتْقَانِ
1364 – اللَّهُ حَقًّا فِي السَّمَاءِ وعِلْمُهُ … سُبْحَانَهُ حَقًا بِكُلِّ مَكَانِ
__________
= ذكرها … “، وهنا في هذه الأبيات صححها الناظم. وأوردها شيخ الإسلام في الحموية كما في مجموع الفتاوى (5/ 40)، وكذلك (5/ 365)، وعزاها إلى أبي الشيخ الأصبهاني، وصححها كذلك الألباني كما في المختصر ص 141.
1363 – ابن نافع: هو عبد الله بن نافع الصائغ، وهو من موالي بني مخزوم، من كبار فقهاء المدينة، وحديثه مخرج في الكتب الستة سوى البخاري، وقال الذهبي: “وليس هو بالمتوسع في الحديث جدًا، بل كان بارعًا في الفقه”. وقال ابن سعد: “لزم مالكًا لزومًا شديدًا، وكان لا يقدم عليه أحدًا” ا. هـ.
(وهو غير عبد الله بن نافع الزبيري كما نبه عليه الذهبي). وأما سماعه من مالك فقال ابن معين لما سئل: من الثبت في مالك؟ فذكرهم ثم قال: “وعبد الله بن نافع ثبت فيه”. وقال الإمام أحمد: “كان عبد الله بن نافع أعلم الناس برأي مالك وحديثه، كان يحفظ حديث مالك كله ثم دخله بآخره شيء”. وقال أبو داود: “وكان عبد الله عالمًا بمالك”. انظر: السير (10/ 371)، الجرح والتعديل (5/ 183)، تهذيب التهذيب (6/ 46).
1364 – وهذا القول هو ما رواه عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: “الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء، وتلا هذه الآية: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7]. أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة (1/ 106) برقم (11)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 401) برقم (673)، والآجري في الشريعة -باب التحذير من مذاهب الحلولية ص 256، وابن قدامة في صفة العلو برقم (92) ص 115، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 138)، والذهبي في العلو (مختصر العلو ص 140 )، وصحح إسناده شيخ الإسلام (درء التعارض 6/ 261 – 262). وأورده الناظم في اجتماع الجيوش ص 141، وصححه الألباني كما في المختصر ص 140.
(2/366)
1365 – فانْظُرْ إلَى التَّفْرِيقِ بَينَ الذَّاتِ والْـ … ـــــمعْلُومِ مِنْ ذَا العَالِمِ الربَّانِي
1366 – فالذَّاتُ خُصَّتْ بالسمَاءِ وإنَّما الْـ … ـــمعْلُومُ عَمَّ جَمِيعَ ذِي الأكْوَانِ
1367 – ذَا ثَابتٌ عَنْ مَالِكٍ مَنْ رَدَّهُ … فَلَسَوفَ يَلْقَى مَالِكًا بِهَوَانِ
1368 – وَكَذَاكَ قَالَ التِّرمِذيُّ بجَامِعٍ … عَنْ بَعْضِ أهْلِ العْلمِ والإيمَانِ
1369 – اللَّهُ فَوْقَ العرشِ لَكن علمُهُ … معَ خَلْقِه تَفْسِيرَ ذي إيمانِ
1370 – وَكَذاكَ أوْزَاعِيُّهُم أيضًا حَكَى … عَنْ سَائِر العُلَمَاءِ في البُلْدَانِ
__________
1367 – “مالك”: يعني ابن أنس.
“مالكًا”: يعني به خازن النار. انظر: شرح ابن عيسى (1/ 444).
1368 – الترمذي: هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، الضرير، ولد في حدود سنة عشر ومائتين، روى عن قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه وعلي بن حجر وغيرهم، وعنه أبو بكر السمرقندي، وأبو حامد المروزي، وغيرهما. قال الذهبي: “جامعه قاضٍ له بإمامته وحفظه وفقهه، ولكن يترخص في قبول الأحاديث، ولا يشدّد، ونَفَسُه في التضعيف رِخْو .. “. كانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائتين بترمذ. السير (13/ 270)، البداية والنهاية (11/ 71).
1369 – ومقالة الترمذي في جامعه في كتاب التفسير -باب سورة الحديد- عقب حديث أبي هريرة برقم (3298). قال أبو عيسى: “وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه، علم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش كما وصف في كتابه”. الجامع (5/ 377) أنقل ابن القيم عن شيخه أن تأويل حديث الإدلاء بالعلم من جنس تأويلات الجهمية. انظر مختصر الصواعق (ط أضواء السلف): 1269، ومجموع الفتاوى 6/ 574].
1370 – الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو بن يَحْمَد، أبو عمرو الأوزاعي، عالم أهل الشام، روى عن عطاء ومكحول وقتادة وغيرهم، وعنه الزهري وشعبة والثوري وغيرهم كثير، ولد سنة ثمان وثمانين يتيمًا في حجر أمه، وكان إمامًا في العلم والزهد والرواية، بل كان أعلم أهل زمانه. كانت وفاته سنة سبع وخمسين ومائة. السير (7/ 107)، البداية والنهاية (10/ 18).
– ف: (بالبلدان).
(2/367)
1371 – مِنْ قَرنِهِ والتَّابِعون جَمِيعُهُم … مُتَوافِرونَ وَهُمْ أولُو العِرفَانِ
1372 – إِيمانَهُم بعُلُوِّهِ سُبحَانَهُ … فَوْقَ العِبَادِ وفوقَ ذِي الأكْوَانِ
1373 – وَكَذاكَ قَالَ الشَّافِعيُّ حَكَاهُ عَنـ … ــهُ البَيْهَقِيُّ وشيْخُهُ الرَّبَّانِي
__________
1371 – قرْنه: أي ممن هم في طبقته وفي زمنه.
– ما عدا الأصل و (ف): “والتابعين … متوافرين”، ولعله خطأ. (ص).
1372 – ونص مقالته: “كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله -تعالى ذكره- فوق عرشه، ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جل وعلا”. أخرجها البيهقي في الأسماء والصفات (4/ 302) برقم (865)، والذهبي في السير (7/ 120)، وفي تذكرة الحفاظ (1/ 181 – 182)، وفي العلو (المختصر ص 137)، وأوردها شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5/ 39)، وفي درء التعارض (6/ 262) وصححها في الموضعين، وأوردها الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 417) وجوَّد إسنادها، وأوردها الناظم في اجتماع الجيوش ص 131، وفي الصواعق (4/ 1297)، وقال: “وروى البيهقي بإسناد صحيح …. “. وقال في موضع آخر (مختصر الصواعق ص 359): “رواته كلهم ثقات”، وصححها الذهبي في تذكرة الحفاظ (1/ 182).
1373 – الشافعي: هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي، صاحب المذهب المعروف، إمام أهل زمانه في الفقه. روى عن مالك بن أنس، ومحمد بن الحسن، واسماعيل بن عُلية وغيرهم. وعنه الحميدي وأحمد بن خبل وأبو عبيد القاسم بن سلَّام وغيرهم. قال الإمام أحمد عن حديث: “إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها”: فعمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، والشافعي على رأس المائة الثانية”.
من أهم مؤلفاته: “الرسالة” في أصول الفقه، و”الأم” في الفقه. كانت وفاته سنة أربع ومائتين. السير (5/ 10)، البداية والنهاية (10/ 262).
البيهقي: هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي الخراساني، ولد سنة 384 هـ، الحافظ العلَّامة، الثبت، الفقيه، المحدث، =
(2/368)
1374 – حَقًا قَضى اللهُ الخِلَافَةَ رَبَّنَا … فَوقَ السمَاءِ لِأصْدَقِ العُبدَانِ
1375 – حِبُّ الرسُولِ وقائِمٌ مِنْ بعْدِهِ … بالحَقِّ لَا فَشِلٌ ولَا مُتَوَانِ
1376 – فانظُرْ إلَى المَقْضِيِّ فِي ذِي الأرضِ لـ … ــكنْ فِي السَّمَاءِ قَضَاءُ ذِي السُّلطَانِ
__________
= صاحب التصانيف كان مقبلًا على التأليف والجمع، وكان قانعًا باليسير، متجملًا في زهده وورعه، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك. من أهم مؤلفاته: السنن الكبرى، معرفة السنن والآثار، الأسماء والصفات، مناقب الشافعي. كانت وفاته سنة 458 هـ. السير (18/ 163)، طبقات الشافعية للسبكي (4/ 8).
– “شيخه الربَّاني”: هو الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد حمدويه بن البيّع، الضبي، النيسابوري، صاحب المستدرك على الصحيحين، وكان شافعي المذهب، ولد سنة 321 هـ. روى عن ابن حبان، ومحمد بن يعقوب الأصم وغيرهما. وعنه الدارقطني والبيهقي وغيرهما. سمع من نحو ألفي شيخ، كان من بحور العلم ومن أئمة الجرح والتعديل والحديث. وأكثر من التصنيف، ومن أهم مصنفاته: المستدرك على الصحيحين، معرفة علوم الحديث، تاريخ نيسابور. كانت وفاته سنة 405 هـ. السير (17/ 162)، طبقات الشافعية للسبكي (4/ 155).
1374 – العُبدان: جمع عَبْد. ومقولة الشافعي نصها: “قال: خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- حقٌ قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب أصحاب نبيه – صلى الله عليه وسلم -“. أوردها ابن قدامة في صفة العلو برقم (109) ص 124، وشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5/ 53)، والناظم في اجتماع الجيوش الإسلامية وصححها ص 165، وفي الصواعق (4/ 1300).
1375 – “حِبُّ الرسولِ”: كذا ضبط في الأصل بالرفع، ويجوز جرّه، (ص).
– فَشِلَ، كَفَرِحَ، فهو فَشِلٌ: كَسِلَ وضعُف وتراخى وجُبن. القاموس ص 1346.
– توانى في حاجته: قصّر، من الوَنَى وهو الضعف والفتور والكلال والإعياء. الصحاح (2531).
1376 – يعني بالمقضيّ خلافة أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه.
– ف: (ذي سلطان).
(2/369)
1377 – وَقَضَاؤهُ وَصْفٌ لَهُ لَم يَنْفَصِلْ … عَنْهُ، وَهَذَا وَاضِحُ البُرهَانِ
1378 – وَكذَلكَ النُعْمَانُ قَالَ وَبَعْدَهُ … يَعْقُوبُ والألْفاظُ لِلنُّعْمَانِ
1379 – مَنْ لَم يُقِرَّ بعَرْشِهِ سُبحَانَهُ … فَوْقَ السَّمَاءِ وفوْقَ كلِّ مَكَانِ
1380 – ويُقِرَّ أنَّ الله فَوْقَ العَرْشِ لَا … يَخْفَى عَلَيهِ هَواجِسُ الأذْهَانِ
1381 – فَهُوَ الَّذي لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِ … لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ إمَامِ زَمَانِ
__________
1377 – قال الناظم في اجتماع الجيوش (ص 165): “ومعلوم أن المقضي في الأرض، والقضاء فعله سبحانه وتعالى المتضمن لمشيئته وقدرته” ا. هـ.
1378 – النعمان: تقدمت ترجمته تحت البيت 873.
يعقوب: هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش الأنصاري الكوفي، الإمام المجتهد، العلّامة المحدث. صاحب أبي حنيفة وتلميذه، ولد سنة 113 هـ، روى عن هشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعنه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، قال أحمد: “أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف، وكان أميل إلى الحديث من أبي حنيفة ومحمد”.
وقال ابن معين: “ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف”. وكان صاحب سنة. كانت وفاته سنة 182 هـ. السير (8/ 535)، أخبار القضاة لوكيع (3/ 254).
1380 – الهواجس: الخواطر.
1381 – ونص كلامه -رحمه الله- في الفقه الأكبر، قال: ” … ومن قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر، لأن الله تعالى يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وعرشه فوق سبع سماوات، قلت: فإن قال إنه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر لأنه أنكر أن يكون في السماء، لأنه تعالى في أعلى عليين، وأنه يُدْعى من أعلى لا من أسفل … ” شرح الفقه الأكبر لأبي الليث السمرقندي (المطبوع منسوبًا لأبي منصور الماتريدي) ص 25، وانظر: الفتوى الحموية – ضمن مجموع الفتاوى (5/ 46)، واجتماع =
(2/370)
1382 – هَذَا الَّذِي فِي الفِقْهِ الأكبَرِ عنْدَهُم … وَلَهُ شُرُوحٌ عِدَّة لِبَيَانِ
1383 – وانظُرْ مَقَالَةَ أحْمَدٍ ونُصُوصَهُ … في ذَاكَ تَلْقَاهَا بلَا حُسْبَانِ
1384 – فَجَمِيعُهَا قَدْ صَرَّحَتْ بعُلُوهِ … وبِالاِسْتِوَا والفَوْقِ للرَّحْمنِ
1385 – ولهُ نصُوصٌ وَارِدَاتٌ لَم تَقَعْ … لِسِوَاهُ مِنْ فُرْسَانِ هَذَا الشَّانِ
__________
= الجيوش ص 139، وروى هذا الأثر الذهبي في العلو كما في المختصر ص 136، وانظر شرح الطحاوية (2/ 387). وأورده الناظم في الصواعق (4/ 1297 – 1298)، وقال: “ذكره البيهقي وغيره”.
1382 – كتاب “الفقه الأكبر” من مؤلفات أبي حنيفة، ونسبه إليه غير واحد، منهم: ابن النديم في الفهرست ص 256، وابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية (2/ 287)، وشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5/ 46)، والدرء (6/ 263)، وابن القيم في (اجتماع الجيوش ص 138)، وحاجي خليفة في كشف الظنون (2/ 1287).
وبعضهم يشكك في نسبته لأن سند الكتاب إلى أبي حنيفة فيه مقال. ولذلك ينسبه بعضهم إلى راويهِ أبي مطيع البلخي كما نصّ على ذلك الذهبي (مختصر العلوص 136)، واللكنوي في الفوائد البهية ص 68.
وانظر: ما كتبه الدكتور محمد الخميس في أصول الدين عند أبي حنيفة ( 1/ 117- 123) (رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في قسم العقيدة بجامعة الإمام).
وانظر شروح الفقه الأكبر في كشف الظنون (2/ 1287).
1383 – تقدمت ترجمة الإمام أحمد في التعليق على مقدمة المؤلف.
1384 – في قوله: “بالاستوا” حذفت الهمزة لضرورة الشعر.
1385 – نصوص الإمام أحمد كثيرة في إثبات العلو لله، منها على سبيل المثال قوله في كتابه الرد على الجهمية (ص 135): ” … بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش: قال: فقلنا: لم أنكرتم أن يكون الله على العرش، وقد قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} … “. وقال أبو يعلى في ترجمة يوسف بن موسى (الطبقات 1/ 431): “قيل لأبي عبد الله: والله =
(2/371)
1386 – إذْ كَانَ مُمْتَحَنًا بأعْدَاءِ الحَدِيـ … ـثِ وَشِيعَةِ التعْطِيلِ والكُفْرَانِ
1387 – وإذا أرَدْتَ نُصُوصَهُ فانْظُر إلَى … مَا قَدْ حَكَى الخَلالُ ذُو الإتْقَانِ
__________
= فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وعلمه بكل مكان؟ قال: نعم، على عرشه لا يخلو منه شيء من علمه” وانظر: اللالكائي (3/ 401) برقم (674).
وانظر: كلامه في العلو في اجتماع الجيوش الإسلامية للناظم (ص 200 – 213)، وكتاب “المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة” (1/ 318).
1386 – يشير الناظم إلى ما حدث له في زمن المأمون والمعتصم والواثق من الفتنة والمحنة بسبب عدم إجابته -رحمه الله- لهم إلى القول بخلق القرآن، وقد صبر -رحمه الله-، وضرب وجلد حتى كاد يهلك، رحمه الله. انظر تفاصيل المحنة في البداية والنهاية (10/ 345)، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 416 وما بعدها.
1387 – هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال، العلَّامة الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، ولد سنة 234 هـ، سمع من الحسن بن عرفة وحرب الكرماني ويعقوب الفسوي. وعنه غلامه أبو بكر عبد العزيز وأبو الحسين محمد بن المظفر وغيرهم كثير. من مصنفاته: السنَّة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجامع في الفقه. كانت وفاته سنة 311 هـ. السير 14/ 297، طبقات الحنابلة 2/ 12، تاريخ بغداد 5/ 112.
– يعني: ما حكاه في كتابه “السنة، والكتاب موجود نصفه وقد طبع. وقد اشتهرت عناية الخلال بجمع أقوال الإمام أحمد في الأصول والفروع. قال الذهبي: “وألف كتاب السنة في ألفاظ أحمد والدليل على ذلك من الأحاديث في ثلاث مجلدات، تدل على إمامته وسعة علمه، ولم يكن للإمام مذهب مستقل حتى تتبع هو نصوص أحمد ودونها وبرهنها بعد الثلاثمائة”. السير (14/ 298). وقال الخطيب البغدادي (التاريخ 5/ 112): “جمع الخلال علوم أحمد وتطلبها، وسافر لأجلها وكتبها وصنفها كُتُبًا، لم يكن -فيمن ينتحل مذهب أحمد- أحد أجمع لذلك منه”.
(2/372)
1388 – وَكذاكَ إسْحَاقُ الإِمَامُ فإنَّهُ … قَدْ قَالَ مَا فِيهِ هُدَى الحَيْرَانِ
1389 – وابْنُ المبَارَكِ قَالَ قَوْلًا شَافِيًا … إنْكَارُهُ عَلَمٌ عَلَى البُهْتَانِ
1390 – قَالُوا لَهُ مَا ذَاكَ نَعْرِفُ رَبَّنَا … حَقًّا بِهِ لِنَكُونَ ذَا إيمَانِ
__________
1388 – هو إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد بن إبراهيم التميمي ثم الحنظلي، المروزي المعروف بـ “ابن راهويه” شيخ المشرق وسيد الحفاظ، حدث عن: ابن المبارك، والفضيل، ووكيع وغيرهم كثير. وعنه: أحمد بن حنبل، والبخاري ومسلم. قال عنه الإمام أحمد: “لا أعرف لإسحاق في الدنيا نظيرًا”، وقال النسائي: “ابن راهويه أحد الأئمة، ثقة مأمون سمعت سعيد بن ذؤيب يقول: ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق” ا. هـ. وقال عن نفسه: “أحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي” مات سنة 238 هـ. السير (11/ 358)، طبقات الحنابلة (1/ 109).
– قال إسحاق: “قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة … ” أخرجه الذهبي في العلو (المختصر ص 194)، وأورده شيخ الإسلام في الدرء (2/ 34)، (6/ 260)، والناظم في اجتماع الجيوش ص 226، وعزوه للخلال في السنّة، وللهروي في ذم الكلام.
1389 – هو عبد الله بن المبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم التركي ثم المروزي شيخ الإسلام، ولد سنة 118 هـ حدث عن الأعمش وحميد الطويل والثوري وغيرهم كثير. وعنه معمر وابن وهب وابن مهدي وغيرهم، وهو عالم زمانه. قال الذهبي: “وحديثه حجة بالإجماع”، وقال عنه ابن حجر في التقريب: “ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جُمِعَت فيه خصال الخير”. مات سنة 181 هـ. السير (8/ 378)، التقريب ص 320.
1390 – كذا ورد البيت في الأصل والنسخ الأخرى غير (د). وقوله “ذا إيمان” قد سبق مثله في البيت 959: “نحن ذو أذهان”. وسيأتي في أبيات أخرى أيضًا. وفي (د): “تعرف ربنا … لتكون” ولا يرد عليه هذا الإشكال، ولكنه لا يوافق القصة، (ص).
(2/373)
1391 – فأَجَابَ نَعْرفُهُ بوَصْفِ عُلُوِّهِ … فَوْقَ السَّمَاءِ مُبَايِنَ الأكْوَانِ
1392 – وبأَنَّهُ سُبحَانهُ حَقًّا على الْـ … ــعرشِ الرَّفيعِ فجَلَّ ذو السُّلْطَانِ
1393 – وَهُوَ الَّذِي قَدْ شَجَّعَ ابْنَ خُزَيْمة … إذْ سَلَّ سَيفَ الحَقِّ والعِرْفَانِ
1394 – وَقَضَى بِقَتْلِ المنْكِرينَ عُلُوَّهُ … بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِم مِنَ الكُفْرَانِ
1395 – وبأنَّهُم يُلْقَوْنَ بَعْدَ القَتْلِ فَوْ … قَ مَزَابِل الْمَيْتاتِ والأنْتَانِ
1396 – فشَفَى الإمَامُ العَالِمُ الحَبْرُ الَّذِي … يُدْعَى إِمَامَ أئِمَّةِ الأَزْمَانِ
__________
1392 – ونص المقالة عنه: أنه سُئل وقيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: “بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه هاهنا في الأرض” والأثر أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة (1/ 111، 175، 307)، والدارمي في الرد على الجهمية ص 39، برقم (67)، والبخاري في خلق أفعال العباد ص 15، برقم (13)، والذهبي في العلو كما في المختصر ص 151، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 335، 636).
وقد صححه شيخ الإسلام كما في الحموية ضمن مجموع الفتاوى (5/ 51 – 52، 184)، وابن القيم كما في اجتماع الجيوش ص 213 – 214 حيث قال: “وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر .. “. وكذلك الذهبي في العلو كما في المختصر ص 151.
1393 – ابن خزيمة: هو محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر أبو بكر السلمي النيسابوري، الشافعي، الحافظ الحجة، إمام الأئمة، ولد سنة 223 هـ. روى عن محمد بن بشار وعلي بن حُجْر وغيرهما. وعنه البخاري ومسلم وغيرهما. كان صاحب سُنَّة واتباع، وهو صاحب الصحيح، وكتاب التوحيد الذي قرر فيه منهج السلف -رحمهم الله- بأسانيده، رحمه الله، كانت وفاته سنة 311 هـ. السير (14/ 365)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 109). ومراد الناظم أن مما شجع ابن خزيمة للتصدي لمنكري العلوّ ما صرّح به ابن المبارك من إثبات علو الله على عرشه.
(2/374)
1397 – وَلَقَدْ حَكَاهُ الحَاكِمُ العَدْلُ الرضَا … فِي كُتْبِهِ عَنْهُ بِلَا نُكْرَانِ
1398 – وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي تَمْهِيدِهِ … وَكِتَابِ الِاسْتِذْكَارِ غَيْرَ جَبَانِ
__________
1397 – تقدمت ترجمة الحاكم تحت البيت رقم (1373).
– قال الإمام محمد بن إسحاق ابن خزيمة رحمه الله: “من لم يُقرَّ بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر بربه يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون والمعاهدون بنتن ريح جيفته، وكان ماله فيئًا لا يرثه أحد من المسلمين إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال – صلى الله عليه وسلم – … “. أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث ص 84. وأخرجه الصابوني في عقيدة السلف كما في مجموعة الرسائل المنيرية (1/ 111)، وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو ص 126 – 127، برقم (112)، وذكره الذهبي في العلو كما في المختصر ص 225، وقد صحح هذا الأثر شيخ الإسلام كما في الحموية ضمن مجموع الفتاوى (5/ 52)، وذكره كذلك في الدرء (6/ 264)، وكذلك الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 2/ 728 )، وأورده الناظم في الصواعق (4/ 1303) وعزاه إلى تاريخ نيسابور للحاكم وقال: “وذكره أبو عثمان النيسابوري في رسالته المشهورة .. “، وفي اجتماع الجيوش ص 194.
1398 – ابن عبد البر: هو أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري، الأندلسي، القرطبي، المالكي، الإمام العلامة، حافظ المغرب، صاحب التصانيف الفائقة، ولد سنة 368 هـ، سمع من أبي محمد بن محمد بن عبد المؤمن، وخلف بن القاسم بن سهل الحافظ وغيرهما. وعنه أبو محمد بن حزم والحافظ أبو علي الغساني وأبو عبد الله الحميدي وغيرهم. قال الذهبي: “كان إمامًا دينًا، ثقة متقنًا، علامة، متبحرًا، صاحب ستة واتباع .. “. من أجل مصنفاته: التمهيد، والاستذكار، وجامع بيان العلم وفضله. كانت وفاته سنة 463 هـ. السير (18/ 153)، ومقدمة التمهيد المطبوع.
– ونصه في التمهيد (7/ 128 – 159) عند شرحه لحديث النزول قال: ” … وفيه دليل على أن الله عزَّ وجلَّ في السماء على العرش من فوق سبع =
(2/375)
1399 – إجْمَاعَ أَهْلِ العِلْمِ أنَّ اللهَ فَوْ … قَ العَرشِ لَم يُنْكِرهُ ذو إيمانِ
1400 – وأَتَى هُنَاكَ بِمَا شَفَى أَهْلَ الهُدَى … لَكِنَّهُ مَرَض عَلَى العُمْيَانِ
1401 – وَكَذَا عَليُّ الأَشْعَرِيُّ فإنَّهُ … في كُتْبِهِ قَدْ جَاءَ بالتِّبيَانِ
1402 – مِنْ مُوجَزٍ وإبَانَةٍ ومَقَالَةٍ … ورَسَائِلٍ لِلثَّغْرِ ذَاتِ بَيَانِ
1403 – وأتَى بِتَقْريرِ اسْتِواءِ الرَّب فَوْ … قَ العَرشِ بالإيضَاحِ والبُرْهَانِ
1404 – وأتى بتقْرِيرِ العُلوِّ بأحْسَنِ التَّـ … ــقْرِيرِ فانْظُر كُتْبَهُ بِعِيانِ
__________
= سماوات كما قالت الجماعة … ” ثم ذكر الأدلة من القرآن والرد على المعتزلة إلى أن قال: ” … ومن الحجة أيضًا في أنه عزّ وجل على العرش فوق السماوات السبع: أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون الله تبارك وتعالى … إلخ” ا. هـ مختصرًا. وانظر اجتماع الجيوش ص 143، والحموية ضمن مجموع الفتاوى (5/ 86)، ومختصر العلو ص 268.
– ونصه في الاستذكار (8/ 148) بعد ذكر حديث النزول قال: “وفي هذا الحديث دليل على أن الله عزّ وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات، وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر” وذكر الأدلة على ذلك من القرآن”، وذكر كلامًا مشابهًا لما في التمهيد.
1399 – طت، طه: (العرش بالإيضاح والبرهان).
1400 – تقدمت ترجمة الأشعري تحت البيت رقم (964).
1401 – وهي مطبوعة بعنوان “رسالة إلى أهل الثغر”. وممن نص على أنه من مؤلفاته: ابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص 136 حيث قال: ” … وجواب مسائل كتب بها إلى أهل الثغر في تبيين ما سألوه من مذهب أهل الحق .. “، وشيخ الإسلام في درء التعارض (7/ 186). أما الكتب الأخرى التي ذكرت هنا فتقدم الكلام عليها تحت البيت (1359).
1404 – وقد تقدم نقل نصوصه في الاستواء والعلو، ولكن بقي أن نذكر نصه في رسالته إلى أهل الثغر حيث قال: “الإجماع التاسع: وأجمعوا على أنه =
(2/376)
1405 – واللهِ مَا قَالَ المُجَسِّمُ مِثْلَ مَا … قَدْ قَالَهُ ذَا العَالِمُ الرَّبَّانِي
1406 – فارْمُوهُ وْيحَكُمُ بِمَا تَرْمُوا بِهِ … هَذَا المُجَسِّمَ يا أولِي العُدْوانِ
1407 – أو لَا فَقُولُوا إنَّ ثَمَّ حَزَازَةً … وَتَنَفُّسَ الصُّعَدَاءِ مِنْ حَرَّانِ
1408 – فسَلُوا الإلهَ شِفَاءَ ذَا الدَّاءِ العُضَا … لِ مُجَانِبِ الإسْلَامِ والإيمَانِ
1409 – وانظُرْ إلَى حَرْبٍ وإجْمَاعٍ حَكَى … للهِ درُّكَ مِنْ فَتىً كِرْمَانِي
__________
= عزَّ وجلَّ يرضى عن الطائعين له …. ” إلى أن قال: ” …. وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وقد دل على ذلك بقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [تبارك: 16]، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]، وليس استواؤه على العرش استيلاءً كما قال أهل القدر، لأنه عزَّ وجلَّ لم يزل مستوليًا على كل شيء … ” ا. هـ باختصار من رسالة إلى أهل الثغر ص 231 – 234.
1405 – يعني أنّ ما قاله أهل السنة من إثبات العلو ليس بأقل مما قرره إمامكم يا معشر الأشعرية فلماذا ترمون المثبت بالتجسيم، ولا ترمون الأشعري بهذا اللقب مع أنه قال أكثر مما قاله المثبت.
1406 – الأصل أن يقول: “بما ترمون به” ولكن حذف النون لضرورة الشعر.
1407 – الحزازة: وجع في القلب من غيظ ونحوه، قال زفر بن الحارث الكلابي:
وقد ينبت المرعى على دِمَنِ الثرى … وتبقى حزازات النفوس كما هيا
قال أبو عبيدة: ضربه مثلًا لرجل يظهر مودة وقلبه نَغِلٌ بالعداوة. الصحاح ص 873.
تنفس الصُّعَداء (كالبُرَحاء): تنفس طويلٌ ممدود. القاموس ص 374، الصحاح 498.
الحرَّان: ملتهب الصدر من الغيظ والحرقة. انظر اللسان 4/ 178.
1409 – هو حرب بن إسماعيل الكِرماني، أبو محمد، الفقيه العلَّامة، تلميذ الإمام أحمد بن حنبل. روى عن أبي داود الطيالسي وأبي بكر الحميدي وأبي عبيد وغيرهم. وعنه أبو حاتم الرازي، وأبو بكر الخلال وغيرهما. من =
(2/377)
1410 – وانظُرْ إلَى قَوْل ابنِ وَهْبٍ أوحَدِ الـ … ــعلَماءِ مثلَ الشَّمْسِ فِي المِيزَانِ
__________
= أشهر كتبه “المسائل” وهو من أنفس كتب الحنابلة، وهو كبير في مجلدين، كما نص على ذلك الذهبي. كانت وفاته سنة ثمانين ومائتين. السير (13/ 244)، طبقات الحنابلة (1/ 145).
– قال حرب: ” … والماء فوق السماء السابعة والعرش على الماء والله على العرش … ” قال ابن القيم معقبًا على كلامه في اجتماع الجيوش (ص 234): “قلت هذا لفظه من مسائله وحكاه إجماعًا لأهل السنة من سائر أهل الأمصار”. وقال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية (1/ 429): ” … وقد ذكر حرب بن إسماعيل في آخر كتابه في المسائل كلها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها … إلى أن قال: وخلق الله سبع سماوات بعضها فوق بعض إلى أن قال: “لأن الله تبارك وتعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله، وهو بائن من خلقه، لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش، وللعرش حملة يحملونه …. إلخ كلامه”. وانظر كذلك: مختصر العلو للذهبي ص 213.
– “فتى كرماني”: كذا في الأصل، وضبط “فتى” بالتنوين. وفي غيره: “كرمان”، (ص).
1410 – هو عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري مولاهم، أبو محمد المصري، الحافظ، ولد سنة 125 هـ. روى عن مالك والليث وغيرهما كثير وعنه ابن مهدي ويحيى بن يحيى الليثي وغيرهما كثير، وكان ثقة فاضلًا، قال ابن عدي: “هو من الثقات لا أعلم له حديثًا منكرًا، إذا حدث عنه ثقة”. مات سنة 197 هـ. السير (9/ 223)، غاية النهاية لابن الجزري (1/ 463).
– ولم أجد له نصًا في العلو، ولكن روى عن مالك كلامه في الاستواء لمن سأل عنه، قال الذهبي في العلو (مختصر ص 141): “وساق البيهقي بإسناد صحيح عن أبي الربيع الرشدين عن ابن وهب قال: “كنت عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} كيف استوى؟ …. ” القصة بطولها.
(2/378)
1411 – وانظُرْ إلَى مَا قَالَ عَبدُ الله فِي … تِلْكَ الرِّسَالةِ مُفْصِحًا بِبَيَانِ
1412 – مِنْ أنَّهُ سُبحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ … بالذَّاتِ فَوْقَ العَرْشِ والأكْوَانِ
1413 – وانظُرْ إلَى مَا قَالَهُ الكَرَجِي فِي … شَرحٍ لِتَصْنِيفِ امرئٍ ربَّانِي
__________
1411 – هو عبد الله بن أبي زيد بن عبد الرحمن القيرواني، المالكي، أبو محمد، فقيه، مفسر، كان يدعى بـ “الإمام مالك الصغير”. قال عياض: “حاز رئاسة الدين والدنيا، ورحل إليه من الأقطار”. روى عن العسال وأبي سعيد بن الأعرابي وغيرهما. وعنه خلق كثير منهم: الفقيه عبد الرحيم السبتي، وأبو بكر الخولاني وغيرهما. أكثر من التصنيف ومن أهم مصنفاته: الرسالة، والجامع. قال الذهبي: وكان -رحمه الله- على طريقة السلف في الأصول، لا يدري الكلام ولا يتأوَّل”. كانت وفاته سنة 386 هـ. السير (17/ 10)، شجرة النور الزكية (1/ 96).
– “الرسالة” من أشهر مؤلفات ابن أبي زيد، وهو كتاب في تقرير مسائل مذهب مالك، وجعل مقدمته في تقرير عقيدة السلف بشكل موجز ومختصر.
1412 – قال ابن أبي زيد في مقدمته للرسالة (ص 56 – 57): ” … العالم الخبير المدبر القدير السميع البصير العلي الكبير وأنه فوق عرشه المجيد بذاته وهو في كل مكان بعلمه .. على العرش استوى وعلى الملك احتوى .. ” وانظر كتابه الجامع ص 141.
1413 – كذا في ب. وفي غيرها: “الكرخي” بالخاء، تصحيف، وهو محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الكَرَجي -بفتح الكاف والراء- أبو الحسن بن أبي طالب، ولد سنة 458 هـ سمع من مكي بن علان الكرجي، وأبي القسام الرزاز، عنه ابن المسعاني وأبو موسى المديني، وكان شافعي المذهب، صاحب سُنَّةٍ واتباع، وكان شديدًا على أهل البدع وخاصة الأشعرية، من تصانيفه: الذرائع في علم الشرائع، والفصول في اعتقاد الأئمة الفحول، وقصيدة في السنة، كانت وفاته سنة 532 هـ. طبقات الشافعية للسبكي (6/ 137)، البداية والنهاية (12/ 229)، شذرات الذهب (4/ 100).
– وكتاب الكرجي هو “الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزامًا لذوي البدع والفضول”. وقد قرر فيه مذهب أهل السنة. وممن نص على نسبته للكرجي: شيخ الإسلام مجموع الفتاوى 4/ 175، درء التعارض (2/ 95)، ابن كثير البداية =
(2/379)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والنهاية (12/ 229)، وابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب (4/ 100).
وذكر شيخ الإسلام أنه اقتصر في هذا الكتاب في النقل عن عشرة من السلف هم: “أحمد ومالك والشافعي والثوري والبخاري وسفيان بن عيينة وابن المبارك والأوزاعي والليث وإسحاق بن راهويه”. انظر مجموع الفتاوى (4/ 175 – 177)، درء التعارض (2/ 95).
ونص مقالته الدالة على علو الله: ” … وأنه تعالى في السماء، وأنه على عرشه بائن من خلقه كما قال مالك: إن الله في السماء وعلمه في كل مكان … “. مجموع الفتاوى (4/ 181).
وله قصيدة في السنة واعتقاد السلف بعنوان: “عروس القصائد فى شموس العقائد” وهي بائية تزيد على (250) بيت ومن أبياتها:
عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت .. بأرباب دين الله أسنى المراتب
عقائدهم أن الإله بذاته … على عرشه مع علمه بالغوائب
وأن استواء الرب يعقل كونه … ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب
انظر طبقات السبكي (6/ 141، 143)، العلو للذهبي 12/ 1361.
– لعله يريد بالتصنيف: “التعليقة الكبرى” لأبي حامد الإسفراييني شيخ الشافعية في وقته، حتى قيل عنه الشافعي الثاني، ومما يوحي بأنه يقصد تعليقة أبي حامد: أن شيخ الإسلام ذكر عن الكرجي عدة نقول ينسبها إلى أبي حامد، فمثلًا: قال شيخ الإسلام، مجموع الفتاوى (4/ 178): قال -يعني الكرجي-: “فإن قيل فمن أين وقعت على هذا التفصيل والبيان في اندراج مذاهب هؤلاء تحت مذاهب الأئمة؟ قلت من التعليقة للشيخ أبي حامد الإسفراييني التي هي ديوان الشرائع وأم البدائع في بيان الأحكام ومذاهب العلماء والأعلام وأصول الحجج العظام في المختلف والمؤتلف” ا. هـ. وكذلك ذكر ابن القيم أن أبا حامد الإسفراييني كان من كبار أئمة السنة المثبتين للصفات. وكذلك ذكر شيخ الإسلام نقولات للكرجي عن الإسفراييني في بعض مسائل الاعتقاد.
انظر: درء التعارض (2/ 95 – 98)، ومجموع الفتاوى (4/ 178)، اجتماع الجيوش الإسلامية ص 192، مجموعة الرسائل المنيرية (2/ 83)، البداية والنهاية (12/ 4).
(2/380)
1414 – وانظُرْ إلَى الأَصْلِ الَّذِي هُوَ شَرْحُهُ … فَهُمَا الهُدَى لِمُلَدَّدٍ حَيرَانِ
1415 – وانْظُرْ إلَى تَفْسِيرِ عَبدٍ مَا الَّذِي … فِيهِ مِنَ الآثارِ فِي ذَا الشَّانِ
__________
1414 – لعله كما ذكرنا “التعليقة الكبرى” لأبي حامد الإسفراييني (المحقق). قلت: تعليقة أبي حامد في فقه المذهب الشافعي في نحو من خمسين مجلدًا، السير (17/ 194) وكتاب الكرجي في الاعتقاد، فلعل أبا حامد عقد فصلًا في أول الكتاب أو آخره في الاعتقاد، كما فعل ابن حزم في “المحلى” وابن أبي موسى في “الإرشاد” وغيرهم (ص).
– في حاشية ف أن في نسخة: “لمبلّد”. و”تلدّد”: تلفّت يمينًا وشمالًا، وتحيَّر متبلِّدًا، وتَلَبَّث. القاموس ص 405، أمّا لدَّدَه بمعنى حيَّره فلم ينصّ عليه أصحاب المعاجم (غير المعجم الوسيط). ولكن استعمله الشعراء المتأخّرون قياسًا على تحيّر وحيّر. فقال مهيار الديلمي (ت 428 هـ):
ويوماه إمَّا لاصطباح سلافةٍ … تصفّق أو داعي صباح ملدّد
وقد تكررت الكلمة في هذه المنظومة. انظر مثلًا الأبيات (3034، 3542، 4187)، (ص).
1415 – هو عَبد بن حميد بن نصر الكسي، ويقال له: الكَشي -بالفتح والإعجام، أبو محمد، ويقال اسمه: عبد الحميد، إمام حافظ حجّة جوّال. حدّث عن يزيد بن هارون وعبد الرزاق وغيرهما. وعنه مسلم والبخاري -تعليقًا- وغيرهما، كان من الأئمة الثقات. من أجل مصنفاته: المسند، والتفسير. كانت وفاته سنة 249 هـ. السير (12/ 235)، شذرات الذهب (2/ 120).
أما تفسيره فهو من التفاسير المأثورة عن النبي والصحابة والتابعين، وقد أورد فيه كثيرًا من النقول والآثار عن السلف، وقد أحال عليه شيخ الإسلام في “الدرء” (2/ 21، 22) حينما تكلم عن قيام الأفعال الاختيارية بالله وذكر منها الاستواء على العرش.
ومما ورد في هذا التفسير من الآثار الدَّالّة على العلو:
– حديث الأوعال الذي رواه العباس (وسيأتي تخريجه في آخر فصل من مبحث أدلة العلو). عزاه إليه السيوطي في الدر المنثور (1/ 107 – 108) عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ … } [البقرة: 29]. =
(2/381)
1416 – وانْظُر إلَى تَفْسِيرِ ذَاكَ الفَاضل الثَّـ … ــبْتِ الرِّضَا الْمتَضَلِّعِ الرَّبَّانِي
1417 – ذَاكَ الإمَامُ ابنُ الإمَامِ وشَيْخُهُ … وَأبُوهُ سُنِّيَّانِ رَازيَّانِ
__________
= وكذلك أورد السيوطي أثرًا عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] (3/ 474) عن أبي عيسى يحيى التيمي قال: “إن ملكًا لما استوى الرب على عرشه سجد لم يرفع رأسه ولا يرفع رأسه حتى تقوم الساعة … “، وعزاه إلى عبد بن حميد.
وهذا الأثر أخرجه: أبو الشيخ في العظمة ( 2/ 639 ) برقم (254)، وابن المبارك في الزهد ص 75، برقم (224)، وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 261: “وهذا الإسناد كلهم أئمة ثقات، ورواه أبو أحمد العسال في كتاب المعرفة”.
1416 – يعني “تفسير ابن أبي حاتم” قال الذهبي عنه في السير (13/ 263): “وله تفسير كبير في عدة مجلدات عامته آثار بأسانيده من أحسن التفاسير”.
وعن هذا التفسير ينقل غالب المفسرين ممن يعنون بالآثار كالبغوي وابن كثير والسيوطي في الدر المنثور، وينقل عنه شيخ الإسلام كذلك، درء التعارض (2/ 22، 6/ 265)، وبيان تلبيس الجهمية (1/ 440).
– ب، ظ، طت: (المتطلع)، د: (المضّلع). والمتضلع من تضلَّع: امتلأ شبعًا وريًا حتى بلغ الماء أضلاعه، القاموس 958. والمقصود هنا المتضلع من العلم.
1417 – “الإمام ابن الإمام”: هو أبو محمد عبد الرحمن بن الحافظ الكبير أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي، الرازي، الحافظ الناقد الإمام، ولد سنة أربعين ومائتين. سمع من أبيه وأبي زرعة الرازي وأكثر عنهما والحسن بن عرفة وغيرهم كثير. وعنه أبو الشيخ بن حيان وأبو أحمد الحاكم وغيرهما، قال الخليلي: “كان بحرًا في العلوم ومعرفة الرجال”، وقال الذهبي: “وكتابه الجرح والتعديل يقضي له بالرتبة المنيفة في الحفظ”. من مصنفاته: التفسير، والجرح والتعديل، ومصنف كبير في الرد على الجهمية. كانت وفاته سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. السير (13/ 263)، تذكرة الحفاظ (3/ 829)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 324)، طبقات الحنابلة (2/ 55). =
(2/382)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= “شيخه”: هو أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرُّوخ الرازي، ولد سنة مائتين، سمع من أحمد بن حنبل ومحمد بن سابق وغيرهما. وعنه مسلم والنسائي والطبري وغيرهم، كان آية في الحفظ والإتقان. قال ابن أبي شيبة: “ما رأيت أحفظ من أبي زرعة”. كانت وفاته سنة أربع وستين ومائتين. ينقل عنه ابن أبي حاتم غالبًا مقرونًا بوالده. السير (13/ 65)، الجرح والتعديل (1/ 328).
– “أبوه”: هو أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي، الإمام الحافظ، شيخ المحدثين، سمع من عبيد الله بن موسى ومحمد بن عبد الله الأنصاري وغيرهما كثير. وعنه ابنه وأبو زرعة والبخاري وغيرهم كثير. قال عنه الخليلي إنه سمع من أكثر من ثلاثة آلاف شيخ، وكان من بحور العلم، طوف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنف وجرّح وعدَّل، وصحَّح وعلَّل. قال لابنه عبد الرحمن: “يا بني مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ”. كانت وفاته سنة سبع وسبعين ومائتين. الجرح والتعديل لابنه (1/ 349)، السير (13/ 247).
– “سُنّيان”: في د، ح، ط: (سفيان) وهو تحريف، ويقصد أن أباه وشيخه كانا على طريقة أهل السنّة في الاعتقاد (المحقق). قلت: ولعل سبب تأكيد سنيتهما -ولا سيّما والده- أيضًا أن لأبيه معاصرًا إسماعيليًّا يشاركه في الكنية والنسبة، وهو أبو حاتم الرازي المتوفى سنة 322 هـ صاحب كتاب الزينة، (ص).
– ط: (فرازيان)، وفي حاشية “طع”: (في الأصل: فانظر ذان).
– وأما نص مقالة العلو لابن أبي حاتم فقد قال في كتابه “أصل السنة واعتقاد الدين”: “سألت أبي وأبا زرعة -رضي الله عنهما- عن مذاهب أهل السنة وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار – حجازًا، وعراقًا، ومصرًا، وشامًا، ويمنًا فكان من مذاهبهم: …. وأن الله عزَّ وجلَّ على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بلا كيف … ” ا. هـ مختصرًا من أصل السنة ص 35، (مطبوع ضمن كتاب =
(2/383)
1418 – وانظُرْ إلَى النَّسَائِي فِي تَفْسِيرِهِ … هُوَ عِنْدَنَا سِفرٌ جَليلُ مَعَانِ
__________
= عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازي. جمع محمود الحداد. وأخرج هذا الأثر، اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 176) برقم (321)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو برقم (110) ص 125، والذهبي في العلو (المختصر ص 254)، وأورده شيخ الإسلام في الدرء (6/ 257)، والناظم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 233، والصواعق 4/ 1290، وصحح إسناده الألباني (المختصر ص 204 – 205)، ولهم نصوص أخرى في إثبات العلو. انظر: اللالكائي برقم (323)، والعلو للذهبي (مختصر ص 203).
1418 – “النسائي”: كذا في جميع النسخ، ولا يستقيم الوزن إلّا بحذف الألف. والنسبة إلى نسا: نَسَائِيّ ونَسَوِيّ ولو اختار الناظم هذه الثانية لاستقام له وزن البيت، ولكن لعله خشي تحريفها بالفسوي. وفي طت: “النسَّاء”، ولعل ذلك لإقامة الوزن، (ص). هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني، النسائي، صاحب السنن، ولد سنة 215 هـ، سمع من إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار وغيرهما كثير. وعنه أبو بشر الدولابي وأبو جعفر الطحاوي وغيرهما كثير. وكان من بحور العلم مع الفهم والإتقان والبصر ونقد الرجال وحسن التأليف، قال الدارقطني: “أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره” من أهم مصنفاته: السنن، والضعفاء، والتفسير، كانت وفاته سنة 303 هـ. السير 14/ 125، البداية والنهاية 11/ 131، الشذرات 2/ 239.
– “تفسيره”: وهو مطبوع، أما مقالته فقد ذكر في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [فصلت: 11] حديث الجارية، ثم ذكر حديث عبد الله بن عمر “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزخرف: 14، 13]. والحديث أخرجه مسلم في كتاب الحج برقم (1342). انظر تفسير النسائي 2/ 259.
(2/384)
1419 – واقرأَ كتابَ العَرشِ تصنيفَ الرِّضا … نَجْلِ الصَّدوقِ إمامِنا عُثمانِ
1420 – وأخوه صاحبُ مُسْنَدٍ وَمُصَنَّفٍ … أَترَاهُمَا نَجْمَينِ بل شَمْسَانِ
__________
1419 – “كتاب العرش”: واسمه: “كتاب العرش وما روي فيه” للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي. ونص مقالته: “وذكروا أن الجهمية يقولون أن ليس بين الله عزَّ وجلَّ وبين خلقه حجاب. وأنكروا العرش وأن يكون هو فوقه وفوق السماوات، وقالوا إن الله في كل مكان … بل هو فوق العرش كما قال، محيط بالعرش متخلص من خلقه بيِّن منهم علمه في خلقه لا يخرجون من علمه …. إلخ” ا. هـ مختصرًا. العرش ص 49 – 50، وانظر نص المقالة في: مختصر العلو للذهبي ص 225.
– وهو محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، الكوفي، أبو جعفر، سمع من أبيه وعميه: أبي بكر والقاسم وغيرهم. وعنه ابن صاعد والسماك وغيرهما، كان حافظًا من أوعية العلم، قال الخطيب: كان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم، وله تاريخ كبير في معرفة الرجال. كانت وفاته سنة 297 هـ. السير (14/ 21)، تاريخ بغداد (3/ 42).
– كذا ورد البيت في الأصل وف، د (مع تحريف فيها). وفي غيرها: ” … العرش للعبسي وهو محمد المولود من عثمان”.
1420 – كذا في الأصل وف، د، وفي غيرها: “واقرأ لمسند عمه ومصنف”.
– “أخوه” يعني: أخا عثمان. هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة الكوفي، سيد الحفاظ. سمع من ابن المبارك وابن عيينة وغيرهما كثير. وعنه أبو زرعة، وبقي بن مخلد وغيرهما كثير، قال عمرو بن علي الفلاس: “ما رأيت أحدًا أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة” من مصنفاته: المسند، والمصنف، والتفسير، كانت وفاته سنة 235 هـ. السير (11/ 122)، الشذارت (2/ 85).
وكتابه المسند كان مفقودًا، وقد وجد أخيرًا بعض الأجزاء منه. وأما كتابه “المصنف في الأحاديث والآثار” فهو مطبوع. وقد أخرج فيه (8/ 507) بسنده عن حبيب بن أبي ثابت أن حسان بن ثابت أنشد النبي – صلى الله عليه وسلم -:
شهدتُ بإذن الله أن محمّدًا … رسولُ الذي فوق السماوات من علُ
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما … له عمل في دينه متقبَّلُ =
(2/385)
1421 – واقرأ كتابَ الاسْتقَامَةِ لِلرِّضا … ذَاكَ ابنُ أصْرَمَ حَافِظٌ رَبَّانِي
1422 – واقْرَأْ كِتَابَ الحَافِظِ الثِّقَةِ الرِّضَا … فِي السُّنَّةِ العُلْيَا فَتَى الشَّيْبَانِي
__________
= فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “وأنا أشهد”.
وأخرجه كذلك ابن قدامة في إثبات صفة العلو ص 67 – 68، برقم (37)، والذهبي في العلو كما في المختصر، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( 1/ 24 )، وذكرها ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 117، وابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية (2/ 376).
1421 – كتاب “الاستقامة” لابن أصرم: قال الذهبي: “يرد فيه على أهل البدع”. تذكرة الحفاظ 2/ 551، وانظر: السير 12/ 250. وقال الحافظ ابن حجر: “وألف كتاب الاستقامة في الرد على أهل الأهواء”، تهذيب التهذيب (3/ 123). ويطلق عليه شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله- كتاب السنة. انظر: الدرء (7/ 108)، اجتماع الجيوش ص 109. وأما نص مقالته فلم أجده، ولكن ذكر شيخ الإسلام أنه قرر العلو ضمن كتابه “السنة” كما في الدرء (7/ 108 – 109).
ابن أصرم: هو خشيش بن أصرم بن الأسود أبو عاصم، النسائي الحافظ.
روى عن روح بن عبادة، وعبد الله بن بكر السهمي وغيرهما. وعنه أبو داود والنسائي وغيرهما، حافظ حجة، كان صاحب سنة واتباع. كانت وفاته سنة 253 هـ. السير (12/ 250)، تهذيب التهذيب (3/ 123).
1422 – كتاب “السنة” لعبد الله ابن الإمام أحمد مطبوع ولم يعقد فيه فصلًا أو بابًا مستقلًا للكلام عن مسألة العلو، ولكن ذكر في بداية الكتاب عن مالك بن أنس -رحمه الله- قوله: “الله عزَّ وجلَّ في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء … “. السنة (1/ 107)، برقم (11). وتقدم الكلام على هذا الأثر عند البيت رقم (1364).
وكذلك نقل عن ابن المبارك قوله حينما سُئل كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟ قال: “على السماء السابعة على عرشه ولا نقول كما قالت الجهمية إنه هاهنا في الأرض” ا. هـ، كتاب السنة (1/ 111) برقم (22)، وقد تقدم الكلام على هذا الأثر تحت البيت رقم (1389). ونقل آثارًا أخرى أيضًا ولكن لم يفرد لها بابًا مستقلًا كما ذكرنا آنفًا.
(2/386)
1423 – ذَاكَ ابْنُ أحْمَد أَوْحَدُ الحُفَّاظِ قَدْ … شَهِدَتْ لَهُ الحُفَّاظُ بالإِتْقَانِ
1424 – واقرأْ كِتَاب الأثْرمِ العَدْلِ الرِّضَا … فِي السُّنَةِ الأُولَى إمَامِ زَمَانِ
1425 – وَكَذَا الإِمَامُ بْنُ الإِمَامِ المرتَضَى … حَقًّا أبي دَاوُدَ ذِي العِرفَانِ
__________
= -هو عبد الله ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام الحافظ الناقد، محدث بغداد، أبو عبد الرحمن. روى عن أبيه شيئًا كثير وعن يحيى بن معين وخلائق لا يحصون. وعنه النسائي والبغوي والإسفراييني وغيرهم كثير. ولد سنة 213 هـ. قال الذهبي: “وكان صيِّنًا دينًا صادقًا، صاحب حديث واتباع وبصر بالرجال”. من مصنفاته: السنة، والعلل، وهو راوي كتاب أبيه المسند وله زيادات من رواياته عن غير أبيه. كانت وفاته سنة 295 هـ. السير (13/ 516)، طبقات الحنابلة (1/ 180).
1424 – الأثرم: هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الإسكافي، وقيل: الكلبي، تلميذ الإمام أحمد، العلامة الحافظ. سمع من الإمام أحمد ومسدد بن مسرهد وغيرهما وعنه النسائي والزنجاني وغيرهما، وقال الخلال: “كان الأثرم جليل القدر، حافظًا”، وكان ذكيًا فيه تيقظ عجيب. من مصنفاته: كتاب السنن، وكتاب العلل في الحديث، وكتاب السنة. كانت وفاته سنة إحدى وستين ومائتين أو في حدودها. السير (12/ 623)، طبقات الحنابلة (1/ 66)، الفهرست ص 385.
كتابه “السنة” نص عليه شيخ الإسلام في “الحموية” ضمن مجموع الفتاوى (5/ 24، 42)، وفي الدرء (2/ 23، 7/ 108)، وسمَّاه “كتاب السنة والرد على الجهمية”، وهو مفقود، ولكن ذكر شيخ الإسلام أنه قرر مسألة العلو في كتابه، الدرء (7/ 108 – 109)، والناظم في اجتماع الجيوش ص 269.
1425 – ابن أبي داود: هو أبو بكر عبد الله ابن الإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن. ولد سنة ثلاثين ومائتين، روى عن أبيه ومحمد بن بشار وغيرهما، وعنه خلق كثير منهم ابن حبان وأبو أحمد الحاكم والدارقطني وغيرهم، صاحب التصانيف، كان من بحور العلم، وقال عن نفسه: “حدثت من حفظي بأصبهان بستة وثلاثين ألفًا، ألزموني الوهم فيها في سبعة أحاديث، فلمّا انصرفت، وجدت في كتابي خمسة منها =
(2/387)
1426 – تَصْنيفُهُ نَثْرًا ونَظْمًا وَاضِحٌ … فِي السُّنَّةِ المُثْلَى هُمَا نَجْمَانِ
1427 – واقْرأْ كِتَاب السُّنّة الأُولَى الذي … أبْدَاه مُضْطَلِعٌ مِنَ الإيمَانِ
__________
= على ما كنت حدثتهم به” ا. هـ، من مصنفاته المسند والسنن والتفسير ومنظومة في اعتقاد أهل السنة حائية، كانت وفاته سنة 316 هـ. السير (13/ 221)، طبقات الحنابلة (2/ 51)، والفهرست ص 288.
– كذا “ذي العرفان” في الأصل وط وحاشية ف. وفي غيرها: “ذو العرفان”، يعني: ابن أبي داود، (ص).
1426 – تصنيفه في النظم قصيدته الحائية في عقيدة أهل السنة، وهي متواترة عنه وقد اعتنى بها العلماء وممَّنْ شرحها: الآجري، وابن البنا الحنبلي، والسفاريني في كتاب “لوائح الأنوار السنية” وهو مطبوع، والقصيدة في أربعين بيتًا، وقد طبعت مفردة أيضًا.
وذكر ابن بطة أن أبا بكر بن أبي داود قال عقب هذه القصيدة: “هذا قولي وقول أبي وقول أحمد بن حنبل، وقول من أدركنا من أهل العلم وممن لم ندرك ممن بلغنا عنه فمن قال غير هذا فقد كذب”. انظر: مختصر العلو ص 228، طبقات الحنابلة (2/ 53)، شرح ابن عيسى (1/ 459)، مقدمة محقق لوائح الأنوار ص 90.
ومما جاء فيها:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى … ولا تك بدعيًا لعلك تفلحُ
إلى أن قال:
وقل ينزل الجبار في كل ليلة … بلا كيف جلّ الواحد المتمدحُ
إلى طبق الدنيا يمن بفضله … فتفرج أبواب السماء وتفتحُ
1427 – كتاب “السنة” لابن أبي عاصم من كتب السنة التي أورد فيها المؤلف الأحاديث بسنده وهو في تقرير عقيدة أهل السنة، والكتاب مطبوع.
وقد عقد المؤلف فيه “باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه” …
ثم ذكر حديث الجارية ثم قال: “باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء … “، ثم ذكر أحاديث النزول ص 215 – 224. وانظر: مختصر العلو للذهبي ص 217. =
(2/388)
1428 – ذَاكَ النَّبِيلُ ابْنُ النَّبِيلِ كِتَابُهُ … أيْضًا نَبِيلٌ وَاضِحُ البُرْهَانِ
__________
= – طت، طه: (التي)، وهو خطأ.
– طع: (الذي أرواه).
– يقال: فلان مضطلع بهذا الأمر، أي قوي عليه، ولكن الناظم أراد معنى المتضلّع، من تضلّع الرجل: امتلأ شبعًا وريًا. انظر الصحاح ص 1251.
1428 – “النبيل ابن النبيل”: هو أبو بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني، ابن أبي عاصم، ولد سنة 206 هـ، سمع من أبي سلمة التبوذكي وهُدْبَة بن خالد وغيرهما، وعنه: العسال وابن حيَّان وغيرهما، وكان فقيهًا ظاهري المذهب ولي قضاء أصبهان، وكان زاهدًا حافظًا، من مصنفاته: المسند الكبير، والآحاد والمثاني، والسنة، كانت وفاته سنة 287 هـ. السير (13/ 430)، شذرات الذهب (2/ 195).
– أبوه أبو عاصم النبيل، الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن الضحاك، الشيباني مولاهم، الإمام الحافظ شيخ المحدثين، ولد سنة 122 هـ، حدث عن: ابن عجلان والأوزاعي وسفيان وغيرهم. وعنه البخاري (وهو أجل شيوخه وأكبرهم)، وبندار وابن المثنى وغيرهم، كانت وفاته سنة 214 هـ على الراجح. السير (9/ 480)، شذرات الذهب (2/ 28)، الجرح والتعديل (4/ 463).
ذكر الذهبي في سبب تسميته بـ “النبيل” ثلاثة أقوال:
1 – قيل: إن فيلًا قدم البصرة فذهب الناس ينظرون إليه فقال له ابن جريج: ما لك لا تنظر؟ قال: لا أجد منك عوضًا قال: أنت نبيل.
2 – وقيل: لأنه كان يلبس الخز وجيد الثياب، وكان إذا أقبل قال ابن جريج: “جاء النبيل”.
3 – وقيل: لأن شعبة حلف ألا يحدث أصحاب الحديث شهرًا فقصده أبو عاصم، فدخل مجلسه، وقال: “حدّث وغلامي العطار حرٌّ لوجه الله كفارة عن يمينك، فأعجبه ذلك.
والنبيل: من “النُّبْل”. وهو الذكاء والنجابة والفضل، وقد نَبُل بالضم فهو نبيلٌ. اللسان 11/ 640.
(2/389)
1429 – وانظُرْ إلَى قَوْلِ ابن أَسْبَاطَ الرِّضَا … وانْظُرْ إلَى قَول الرِّضَا سُفْيانِ
__________
1429 – ابن أسباط: هو يوسف بن أسباط بن واصل الشيباني الكوفي، الزاهد، الواعظ، روى عن سفيان الثوري وعامر بن شريح وغيرهما، وعنه أبو الأحوص ومحمد بن موسى وغيرهما، قال ابن معين: “ثقة”، وقال العجلي: “صاحب سنة وخير”. قال ابن حبان: “كان من عباد أهل الشام، وقرَّائهم” كانت وفاته سنة 195 هـ. تهذيب التهذيب (11/ 358)، السير (9/ 169)، حلية الأولياء (8/ 237).
ولم أجد أحدًا نصّ على مقالة له في العلو، ولكن أخرج أبو الشيخ في العظمة (9223) برقم (514) بسنده عن يوسف بن أسباط قوله: “تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الظهر وصلاة العصر، فترتفع ملائكة الليل وتبقى ملائكة النهار .. الأثر بطوله”. وهذا معنى حديث أبي هريرة وقد تقدم تخريجه عند البيت رقم (1192).
ومما يدل على أنه كان من أئمة السنة، ما رواه قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في كتابه الحجة (2/ 140) بسنده عن المسيب بن واضح قال: “أتيت يوسف بن أسباط فقلت له: يا أبا محمد: إنك بقية من معنا من العلماء، وأنت حجة على من لقيت، وأنت إمام سنة، ولم آتك أسمع منك الأحاديث ولكن أتيت أسألك عن تفسيرها وقد جاء هذا الحديث: (وذكر حديث الافتراق وسيأتي تخريجه عند البيت رقم (1770) فما هذه الفرق حتى نجتنبهم”؟ قال: “أصلها أربعة: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج، فثمانية عشر منها في الشيعة”.
سفيان: لعله سفيان الثوري، وهو الذي نقل عنه بعض الأقوال في العلو بخلاف ابن عيينة فلم أجد له نصًا صريحًا في ذلك. والثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، إمام أهل الدنيا في زمانه جمع بين العلم والزهد والعمل، يقال بلغ عدد شيوخه ستمائة شيخ، وبلغ عدد الذين رووا عنه قريب الألف. كانت وفاته سنة 161 هـ. السير (7/ 229)، حلية الأولياء (6/ 356)، تاريخ بغداد (9/ 151).
ومما نقل عنه أنه سئل عن قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ =
(2/390)
1430 – وَانظُرْ إِلَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ ذَاكَ حَمَّـ … ــادٌ وحمادِ الإمَامِ الثَّانِي
__________
= رَابِعُهُمْ … } قال: “هو على عرشه وعلمه معهم أينما كانوا”. أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 357) برقم (597)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 341) برقم (958)، والآجري في الشريعة، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 451) برقم (672)، وابن قدامة في صفة العلو برقم (89، 94) ص 113، 115، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 142)، والذهبي في العلو (المختصر 139) وقال: “هذا ثابت عن معدان”.
1430 – ابن زيد: هو حماد بن زيد بن درهم، أبو إسماعيل الأزدي، البصري، من أقران الإمام مالك، ولد سنة ثمان وتسعين، روى عن عمرو بن دينار وعاصم بن أبي النجود وداود بن أبي هند وغيرهم كثير، وعنه سفيان وشعبة وابن المبارك وغيرهم كثبر، العلاَّمة الثبت، إمام أهل زمانه، قال يحيى بن معين: “ليس أحد أثبت من حماد بن زيد” وقال أحمد بن حنبل: “حماد بن زيد من أئمة المسلمين من أهل الدين هو أحب إليّ من حماد بن سلمة”. وقال فيه ابن المبارك:
“أيها الطالب علمًا … إيت حماد بن زيد
تقتبس حلمًا وعلمًا … ثم قيده بقيد
لا كثورِ وكَجَهْمٍ … وكعمرو بن عبيد”
وكانت وفاته سنة 179 هـ. السير 7/ 456، شذرات الذهب 1/ 292.
ونص مقالته: عن سليمان بن حرب قال: سمعت حماد بن زيد يقول: “الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء”. أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة (1/ 117 – 118) برقم (41)، والبخاري في خلق أفعال العباد ص 14، برقم (10)، وذكره ابن قدامة في صفة العلو من رواية الأثرم عنه ص 118، برقم (102)، وذكره الذهبي في العلو كما في المختصر ص 146، والناظم في اجتماع الجيوش ص 136، وص 214، وشيخ الإسلام في الحموية كما في مجموع الفتاوى (5/ 138، 183 – 184).
وقد صححه شيخ الإسلام كما في المصدر السابق، والألباني كما في المختصر ص 147. =
(2/391)
1431 – وَانْظُرْ إلَى مَا قَالَهُ عَلَمُ الهُدَى … عُثْمَانُ ذَاكَ الدَّارِميّ الرَّبَّانِي
1432 – فِي نَقْضِهِ والرَّدِّ يَا لَهُمَا كِتَا … بَا سُنّةٍ وَهُمَا لَنَا عَلَمَانِ
__________
= – كذا ضبط “حمّادِ” بالكسر في ف، وهو معطوف على ابن زيد (ص). وهو حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري، من أقران حماد بن زيد، روى عن ثابت البناني وقتادة وغيرهما. وعنه ابن جريج وابن المبارك وغيرهما، قال عنه الذهبي: “كان بحرًا من بحور العلم … وكان رأسًا في الستة”. كانت وفاته سنة 167 هـ. السير (7/ 444)، تهذيب التهذيب (3/ 11).
ونص مقالته: قال الذهبي في العلو: “روى عبد العزيز بن المغيرة، حدثنا حماد بن سلمة بحديث نزول الرب جل جلاله فقال: من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه” مختصر العلو ص 144.
وكذلك نقل عنهما (أي ابن سلمة وابن حماد) أبو نصر السجزي أنهما يثبتان العلو لله سبحانه. انظر: اجتماع الجيوش ص 246، مجموع الفتاوى (5/ 190)، درء التعارض (6/ 250)، السير للذهبي (17/ 656).
1431 – “الدارمي”: بإسكان الياء للوزن. وقد تقدمت ترجمته تحت البيت (885).
1432 – الكتاب الأول: “نقض عثمان بن سيد على بشر المريسي الجهمي العنيد، فيما افترى على الله في التوحيد”. وهو من الكتب التي ردت على شبهات المعطلة وخاصة المعتزلة والجهمية، والكتاب مطبوع.
أما مقالته في العلو في هذا الكتاب فقد عقد فيه بابًا بعنوان: “باب النزول” وقرر فيه علو الرب ونزوله إلى السماء الدنيا ص 19، وعقد بابًا بعنوان “باب الحد والعرش” ص 23، ومما قاله رحمه الله: “وقد اتفقت كلمة المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحَدُّوه بذلك إلَّا المريسي الضال وأصحابه حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث قد عرفوه بذلك إذا حزب الصبي شيء يرفع يديه إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواه فكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية” ص 25.
واسم الكتاب الثاني: كتاب الرد على الجهمية. وهو أيضًا مطبوع. وقد =
(2/392)
1433 – هَدَمَتْ قَوَاعِدَ فِرقَةٍ جَهْميَّةٍ … فَخَوَتْ سُقُوفُهُمُ عَلَى الحِيطَانِ
1434 – وانظُرْ إِلَى مَا فِي صَحيحِ مُحَمَّدٍ … ذَاكَ البُخَارِيّ العَظِيمِ الشَّانِ
__________
= عقد فيه بابًا بعنوان: “باب استواء الرب تبارك وتعالى على العرش وارتفاعه إلى السماء وبَيْنُونَته من الخلق” ص 33، وذكر فيه الآيات والأحاديث والآثار الدالة على العلو ومما قال: “والأحاديث عن رسول الله وأصحابه والتابعين ومن بعدهم في هذا أكثر من أن يحصيها كتابنا هذا غير أنا قد اختصرنا من ذلك ما يستدل به أولو الألباب، أن الأمة كلها والأمم السالفة قبلها لم يكونوا يشكون في معرفة الله تعالى أنه فوق السماء بائن من خلقه … ” ص 53 – 54.
– قال الناظم في اجتماع الجيوش ص 231 عن هذين الكتابين: ” … وكتاباه من أجل الكتب المصنّفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه. وكان شيخ الإسلام يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جدًا، وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما”.
1433 – قوله: “هدمت”: يعني أن الستة التي تضمنها الكتابان هدمت قواعد فرقة … (ص).
– سبق تعريف الجهمية في التعليق على مقدمة المؤلف.
– طت، طه: (فخرَّت)، تحريف. وفي طع: (خرَّت) وهو تصرف من الناشبر. يقال: خوت الدار خواءً، إذا سقطت. ومنه قوله تعالى: {فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} أي: ساقطة على سقوفها. الصحاح ص 2332.
1434 – البخاري: هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، البخاري، أبو عبد الله، أمير المؤمنين في الحديث وشيخ الحفاظ صاحب الصحيح ولد سنة أربع وتسعين ومائة، وكان رأسًا في الذكاء ورأسًا في العلم، ورأسًا في الورع، وسمع من نحو ألف شيخ منهم ابن المديني، وبندار وغيرهم كثير، وعنه خلق كثير منهم الترمذي ومسلم وغيرهما، قال ابن خزيمة: “ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري” ا. هـ. كانت وفاته سنة ست وخمسين ومائتين.
السير (12/ 391)، تهذيب التهذيب (9/ 41)، البداية والنهاية (11/ 27).
(2/393)
1435 – مِنْ رَدَّهِ مَا قَالَهُ الجَهْمِيُّ بالنَّـ … ـقْلِ الصَّحِيحِ الواضِحِ البُرْهَانِ
1436 – وانظُرْ إِلَى تِلْكَ التَّرَاجِمِ مَا الَّذِي … فِي ضِمْنِهَا إنْ كُنْتَ ذَا عِرفَانِ
1437 – وانظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ الطَّبَريُّ فِي الشَّـ … ــرْحِ الَّذِي هُوَ عِنْدَكُم سِفْرَانِ
__________
1435 – عقد الإمام البخاري في آخر صحيحه كتابًا أسماه “كتاب التوحيد”، وذكر فيه وقرر اعتقاد أهل السنة مؤيدًا بالآيات والأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ورتبه على أبواب. وكان من ضمن أبوابه وتراجمه أبواب أشار فيها إلى مسألة العلو والاستواء منها: الباب رقم (22) باب قول الله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، والباب رقم (23) باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}. انظر فتح الباري (13/ 414 – 427).
وأما قول الناظم: “من رده ما قاله الجهمي … ” فهو يشير إلى عنوان كتاب التوحيد في صحيح الإمام البخاري. ففي رواية المستملي: “كتاب التوحيد والرد على الجهمية وغيرهم”، قال الحافظ: “ووقع لابن بطال وابن التين “كتاب رد الجهمية”. انظر فتح الباري (13/ 357) في بداية كتاب التوحيد. وانظر جتماع الجيوش ص 235 – 236. وقال الذهبي في العلو: “قال الإمام البخاري في آخر الجامع الصحيح في كتاب الرد على الجهمية … ” انظر: المختصر ص 202.
1437 – هو هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي الطبري اللالكائي، أبو القاسم، ومحدث بغداد الإمام الحافظ، الفقيه الشافعي سمع من عيسى الوزير وأبي طاهر المخلص وعنه الخطيب البغدادي، وابنه محمد بن هبة الله، قال الخطيب: “كان يفهم ويحفظ، صنف كتابًا في السنة وعاجلته المنية” ا. هـ. وكانت وفاته سنة 418 هـ. السير (17/ 419)، تاريخ بغداد (14/ 70).
– قوله: “الشرح” يعني كتابه المسمى “شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة”. والكتاب مطبوع. ونص مقالته: “سياق ما روي في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}، وأن الله على عرشه في السماء، وقال عزَّ وجلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ =
(2/394)
1438 – أَعْنِي الفَقِيهَ الشَّافِعِيَّ اللَّالَكَا … ئِيَّ المُسَدَّدَ نَاصِرَ الإيمَانِ
1439 – وانظُرْ إلَى مَا قَالَهُ عَلَمُ الهُدَى التَّـ … ــيْميُّ فِي إيضَاحِهِ وبَيانِ
1440 – ذَاكَ الَّذِي هُوَ صَاحبُ التَّرغِيبِ والتَّـ … ــرْهِيبِ مَمْدُوحٌ بِكلِّ لِسَانِ
__________
= وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً}، فدلت هذه الآيات أنه تعالى في السماء وعلمه بكل مكان من أرضه وسمائه وروى ذلك من الصحابة: عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأم سلمة، ومن التابعين ….. إلخ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 387 – 388)، وانظر اجتماع الجيوش ص 198.
1439 – التيميّ: هو أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي التيمي، ثم الطلحي، الأصبهاني، الملقب بقِوَام السنة صاحب الترغيب والترهيب، سمع أبا عمرو عبد الوهاب بن منده وسليمان الحافظ وغيرهما، وعنه: أبو سعد السمعاني وأبو العلاء الهمذاني وغيرهما، ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، صاحب التصانيف، قال أبو موسى المديني: “أبو القاسم إسماعيل الحافظ إمام وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه … “، وقال عبد الجليل كوتاه: “سمعت أئمة بغداد يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد الإمام أحمد أفضل ولا أحفظ من إسماعيل” من مصنفاته الحجة، والترغيب والترهيب، ودلائل النبوة، توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. انظر: السير (20/ 80)، شذرات الذهب (4/ 105).
ويعني هنا كتابه: “الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة”، وهو مطبوع.
ونص مقالته: “باب بيان استواء الله عز وجل على العرش: قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} …. إلى أن قال: “قال أهل السنة: الله فوق السماوات لا يعلوه خَفقْ من خلقه، ومن الدليل على ذلك: أن الخلق يشيرون إلى السماء بأصابعهم ويدعونه ويرفعون إليه أبصارهم … إلى أن قال: فصل في بيان أن العرش فوق السماوات وأن الله عزَّ وجلَّ فوق العرش … ” وذكر الأحاديث والآثار في مسألة العلو الحجة (2/ 81 – 127).
1440 – يعني كتابه: “الترغيب والترهيب” وهو أيضًا مطبوع.
(2/395)
1441 – وانظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ فِي السُّنَّة الـ … ـكُبرَى سُلَيمَانٌ هُوَ الطَّبَرانِي
1442 – وانظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ شَيْخُ الهُدَى … يُدْعَى بِطَلْمَنْكِيِّهم ذُو شانِ
__________
1441 – كتاب “السنة” للطبراني لم يصل إلينا. وممن نص عليه شيخ الإسلام في الحموية ضمن مجموع الفتاوى (5/ 24)، والدرء (7/ 108)، ومنهاج السنة (2/ 365)؛ والذهبي في السير (16/ 138)، وتذكرة الحفاظ (3/ 914)، والعلو كما في المختصر ص 246. ويقع الكتاب في مجلد، نص على ذلك الذهبي.
ونص مقالته في كتابه السنة: “قال: “باب ما جاء في استواء الله تعالى على عرشه، بائن من خلقه- فساق في الباب حديث أبي رزين العقيلي، وحديث عبد الله بن خليفة عن عمر في علو الله على عرشه، وحديث الأوعال وأن العرش على ظهورهن، وأن الله فوقه، وقول مجاهد في المقام المحمود” مختصر العلو للذهبي ص 246.
والطبراني: هو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني، أبو القاسم، ولد سنة 260 هـ. الإمام الحافظ صاحب المعاجم الثلاثة، جمع وصنف وعمِّر دهرًا طويلًا. سمع من نحو ألف شيخ أو يزيدون، سمع من هاشم الطبراني وأحمد والخياط وغيرهما. وعنه: ابن منده والحافظ ابن عقدة وأبو بكر بن مردويه. من مصنفاته: السنة، والدعاء، ومسند الشاميين، ودلائل النبوة وغيرها كثير. كانت وفاته سنة 360 هـ. انظر: السير (16/ 119)، شذرات الذهب (3/ 30).
1442 – هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى المعافري الأندلسي، الطَّلَمنكي (بفتح اللام، وأسكنت في البيت للضرورة)، أبو عمر، الحافظ المقرئ، نزيل قرطبة، كان عالمًا بالتفسير والحديث، أصله من طلمنكه من ثغر الأندلس الشرقي، من أئمة المالكية في زمانه. قال عنه ابن بشكوال: “كان سيفًا مجردًا على أهل الأهواء والبدع، قامعًا لهم غيورًا على الشريعة شديدًا في ذات الله .. “. من مصنفاته: تفسير القرآن، والوصول إلى معرفة الأصول. كانت وفاته سنة 429 هـ. السير (17/ 566)، شذرات الذهب (3/ 243). =
(2/396)
1443 – وانظُرْ إِلَى قَولِ الطَّحاويِّ الرِّضَا … وأجِرْهُ مِنْ تَحْرِيف ذِي بُهْتَانِ
1444 – وَكذلكَ القَاضي أبُو بَكْرٍ هُوَ ابْـ … ـنُ البَاقِلانِي قَائِدُ الفُرسَانِ
__________
= ونص مقالته في كتابه “الوصول إلى معرفة الأصول”: “أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته”، وقال أيضًا: “أجمع أهل السنة على أن الله على العرش على حقيقته لا على المجاز … “، وقال أيضًا: “وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ونحو ذلك من القرآن أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء .. “. انظر: اجتماع الجيوش ص 142، والصواعق المرسلة (4/ 1284)، ومجموع الفتاوى (5/ 189)، والدرء (2/ 35)، (6/ 250)، والعلوّ للذهبي كما في المختصر ص 264.
1443 – الطحاوي: هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري، الطحاوي، الحنفي، أبو جعفر. الإمام العلّامة الحافظ الكبير، ولد سنة 239 هـ، محدث الديار المصرية، وفقيهها، صاحب التصانيف من أهل قرية “طحا” من أعمال مصر. سمع من يونس بن عبد الأعلى، ويزيد بن سنان البصري وغيرهما. وعنه أبو القاسم الطبراني ومحمد بن المظفر الحافظ وغيرهما كثير. وكان شافعيًا ثم تحول إلى المذهب الحنفي وصار إمامًا فيه. قال الذهبي عنه: “من نظر في تواليف هذا الإمام علم محلَّه من العلم، وسعة معارفه” من مصنفاته: أحكام القرآن، ومعاني الآثار، ومشكل الآثار، كانت وفاته سنة 321 هـ. السير (15/ 27)، البداية والنهاية (11/ 186).
ونص مقالته في العلو في رسالته المختصرة: ” …. وهو مستغن عن العرش، وما دونه محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإطالة خلقه” إلخ كلامه. شرح الطحاوية (2/ 372)، وانظر: اجتماع الجيوش ص 247 – 248، العلو للذهبي (المختصر) ص 235 – 236.
وقول الناظم: (وأجره من تحريف ذي بهتان) إشارة إلى من حرّف كلامه من شراح الماتريدية.
1444 – هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، ابن الباقلاني (بتخفيف اللام، وبعضهم يشدّدها)، العلَّامة، صاحب التصانيف، وله سنة 338 هـ، =
(2/397)
1445 – قَدْ قَالَ فِي تَمْهيدِهِ وَرَسَائِلٍ … وَالشَّرحِ ما فِيهِ جَلِيُّ بَيَانِ
__________
= من كبار أئمة الأشاعرة، سمع من أبي بكر القطيعي راوي المسند وأبي عبد الله محمد بن خفيف الصوفي وغيرهما. وعنه أبو ذر الهروي، وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي وغيرهما. من مصنفاته: التمهيد، والإنصاف، والانتصار للقرآن، وكان ممن يثبت الاستواء والعلو لله سبحانه، كانت وفاته سنة 403 هـ. السير (17/ 190)، تاريخ بغداد (5/ 379)، وفيات الأعيان (4/ 269).
1445 – اسم الكتاب “تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل” وقد ألفه الباقلاني لابن عضد الدولة وولي عهده لما طلب منه أن يعلمه مذهب أهل السنة، ويعتبر هذا الكتاب من أهم كتب الأشاعرة وهو يشتمل على ردود مطولة عقلية على المنجمين، والثنوية، والديصانية، والمجوس، والبراهمة، واليهود، والنصارى، مع أبواب أخرى في تفصيل مسائل الصفات والقدر على وفق مذهب الأشاعرة. والكتاب له عدة طبعات:
منها طبعة سنة 1957 م بتصحيح “رتشارد يوسف مكارثي اليسوعي” (وهو رجل نصراني) – نشر المكتبة الشرقية، بيروت، منشورات جامعة الحكم في بغداد. وهذه الطبعة هي الطبعة الكاملة والتي فيها النص على إثبات العلو والاستواء -كما سيأتي- بخلاف الطبعات الأخرى فقد سقط منها هذا النص.
وهناك طبعة سنة 1366 هـ، بتحقيق محمود الخضيري، ومحمد أبو ريدة. وهذه الطبعة فيها نقص كبير وحذف يزيد على عشرين بابًا، والعجب أن محققي الكتاب -والكوثري معهما- اتهما ابن القيم وشيخ الإسلام بأنهما أضافا نص الاستواء الذي أثبته الباقلاني من عند أنفسهما (انظر ص 265 من هذه الطبعة).
وهناك طبعة بتحقيق: عماد الدين حيدر، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، وهذه الطبعة هي المتوفرة المنتشرة الآن في المكتبات، وهي مليئة بالسقط كسابقتها، وحذف أيضًا منها النص الذي فيه إثبات الاستواء، وقد تهجم في حواشي الكتاب على شيخ الإسلام وابن القيم =
(2/398)
1446 – فِي بَعْضِهَا حَقًّا عَلَى العَرشِ اسْتَوى … لَكِنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى الأكْوَانِ
1447 – وأتَى بِتَقْرِيرِ العُلُوِّ وأبطَلَ “الـ … ــلّام” الَّتي زِيدَتْ عَلَى القُرْآنِ
1448 – مِنْ أوْجُهٍ شَتَّى وَذَا فِي كُتْبِه … بَادٍ لمَنْ كَانَتْ لَهُ عَيْنانِ
__________
= -رحمهما الله- لأنهما يخالفان مذهبه في الاعتقاد.
انظر: ما كتبه د. عبد الرحمن المحمود في “ابن تيمية وموقفه من الأشاعرة” ص 557 – 558، ص 567 – 568 (مطبوعة على الآلة الكاتبة).
– قوله: “ورسائل” منها “رسالة الحرة” المطبوعة باسم “الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به” بتحقيق عماد الدين حيدر، نشر عالم الكتب، ط. الأولى سنة 1407 هـ، وممن نص عليها باسم “الحرة” القاضي عياض في ترتيب المدارك (7/ 70)، وقد وقع في اجتماع الجيوش ص 303 “الحيرة”، وفي تهذيب السنن (7/ 103): “الحيدة”، وكلاهما تحريف. وله كتب أخرى تبلغ (55) مؤلفًا (انظر: ترتيب المدارك 7/ 69 – 70، مقدمة إعجاز القرآن للسيد أحمد صقر ص 37). وانظر ما كتبه د. عبد الرحمن المحمود في ابن تيمية وموقفه من الأشاعرة ص 557 وما بعدها.
– يعني بالشرح كتابه: “شرح اللمع لأبي الحسن الأشعري” وهذا الكتاب لم يصل إلينا، ولكن نقل منه شيخ الإسلام في عدة مواضع، انظر الدرء (4/ 307)، (8/ 315، 334).
1446 – كما صرح بذلك في الرسالة الحرة (المطبوعة بعنوان الإنصاف ص 36) حيث قال: ” … وأن الله جل ثناؤه مستو على العرش ومستولي على جميع خلقه كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، بغير مماسة وكيفية ولا مجاورة وأنه في السماء إله وفي الأرض إله كما أخبر بذلك”.
1447 – يعني تأويلهم لـ “استوى” بـ “استولى”. فاللام الزائدة في كلمة “استولى” ليست في كتاب الله.
1448 – قال في كتابه التمهيد (ص 260 – 262، ط. مكارثي اليسوعي): “فإن قالوا: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستوٍ على العرش، كما أخبر في كتابه فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وقال =
(2/399)
1449 – وانظُرْ إلَى قَول ابْنِ كُلَّابٍ وَمَا … يَقْضي بِهِ لِمُعَطِّلِ الرَّحْمنِ
__________
= تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16] …. ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه عليه كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق … من غير سيف ودم مهراق
لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادرًا قاهرًا عزيزًا مقتدرًا … ” ا. هـ مختصرًا.
انظر اجتماع الجيوش ص 299 -300 ، مجموع الفتاوى (5/ 99)، الدرء (25616)، العلو للذهبي (المختصر ص 258).
وقال في كتاب “الذب عن أبي الحسن الأشعري”: ” … وكذلك قولنا في جميع المروي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في صفات الله -إذا صح- من إثبات اليدين والوجه والعينين، ونقول إنه يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما في الحديث لا وأنه مستوٍ على عرشه …. “. العلو للذهبي (المختصر ص 259).
وقرر نفس المعنى في كتابه “الإبانة”. انظر مجموع الفتاوى (9915)، اجتماع الجيوش ص 353، العلو للذهبي (المختصر ص 258).
1449 – هو عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب القطان البصري، أبو محمد، ويلقب “كُلابًا -مثل خُطَّاف- وزنًا ومعنى، لأنه كان لقوَّتِه في المناظرة يجتذب من يناظره ويجرّه إليه كما يجتذب الكُلَّاب الشيء”، صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة، رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه، قال الذهبي: “وصنف في التوحيد، وإثبات الصفات وأن علو الباري على خلقه معلوم بالفطرة والعقل على وفق النص”، وهو إمام الفرقة المعروفة المنسوبة إليه: “الكلَّابية”. من مصنفاته: الصفات، وخلق الأفعال، والرد على المعتزلة. قال الذهبي: “لم أقع بوفاة ابن كلّاب، وقد كان باقيًا قبل الأربعين ومائتين”. السير للذهبي 11/ 174، الفهرست ص 230، لسان الميزان 3/ 290.
(2/400)
1450 – أخرِجْ مِنَ النَّقْلِ الصَّحِيحِ وعَقْلِهِ … مَنْ قَالَ قَوْلَ الزُّورِ والبُهْتَانِ
1451 – لَيْسَ الإلهُ بدَاخِلٍ فِي خَلْقهِ … أَوْ خَارجٍ عَنْ جُمْلَةِ الأكْوَانِ
1452 – وانظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ فِي التَّـ … ــفسِير والتَّهْذِيبِ قَوْلَ مُعَانِ
__________
1451 – طع: (خارج من).
– ونص مقالته التي أشار إليها الناظم: “وأخرج من النظر والخبر قول من قال: (لا في العالم ولا خارج منه)، فنفاه نفيًا مستويًا، لأنه لو قيل له: صفه بالعدم، ما قدر أن يقول فيه أكثر منه، وردّ أخبار الله نصًّا وقال في ذلك ما لا يجوز في خبر ولا معقول … “. درء التعارض 6/ 119، واجتماع الجيوش للناظم ص 282 – 283. ولوامع الأنوار للسفاريني 1/ 209.
وله نصوص أخرى في إثبات العلو: انظر: الدرء 1/ 193، اجتماع الجيوش ص 282 – 284.
1452 – الطبري: هو محمد بن جرير بن كثير الطبري، أبو جعفر، الإمام الحافظ، المؤرخ، شيخ المفسرين على الإطلاق، ولد سنة 224 هـ، سمع من ابن أبي الشوارب وهناد بن السري وخلائق. وعنه أبو القاسم الطبراني وأبو عمران بن حمدان، وغيرهم كثير. جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي، له مصنفات كثيرة منها التفسير والتاريخ وتهذيب الآثار. كانت وفاته سنة 310 هـ. تذكرة الحفاظ 2/ 710، تاريخ بغداد 2/ 162.
ونص مقالته في التفسير عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29]، قال: “وأولى المعاني بقول الله جلَّ ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} علا عليهن وارتفع فدبّرهن بقدرته وخلقهن سبع سماوات”. جامع البيان 1/ 192، وانظر: 24/ 98 ، وانظر اجتماع الجيوش ص 194. ومختصر العلو ص 224.
– التهذيب: اسمه “تهذيب الآثار، وتفصيل معاني الثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الأخبار” وهو كتاب حديث يذكر فيه الأحاديث بسنده على ترتيب =
(2/401)
1453 – وانْظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ فِي سُورَةَ الْـ … أَعْرَافِ مَعْ طَهَ وَمَعْ سُبْحَانِ
__________
= مسانيد الصحابة. وقد وجدت منه ثلاثة مسانيد، وطبعت في ستة أجزاء بتحقيق الشيخ محمود شاكر. ثم وجد جزء آخر يحتوي على مسانيد أخرى، وطبع أيضًا.
– كذا ضبط “مُعان” بضم الميم في ف ولكن كتبت بالياء “معاني”، ولعل الصواب بدونها “مُعان”، اسم مفعول من الإعانة، يعني أن قول الطبري قول رجل أعانه الله ووفّقه، (ص).
1453 – وهو قوله في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]: “وقد ذكرنا معنى الاستواء واختلاف الناس فيه فيما مضى قبلُ بما أغنى عن إعادته”. جامع البيان 5/ 208. وقد تقدم قوله -رحمه الله- في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة: 29]، إذ ذكر أن أولى المعاني بقوله: {اسْتَوَى}: علا وارتفع. التفسير 1/ 192.
– وقال -رحمه الله- عند قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]: “يقول تعالى ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا”. جامع البيان 15/ 138.
– وقال -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79]. ما ملخصه:
“ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الذي هو يقومه – صلى الله عليه وسلم – يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم. فيه … ” ثم ذكر القول الآخر وهو عن مجاهد أن المقام المحمود هو أن يجلسه معه على عرشه. ثم رجح القول الأول وقال: “وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل الآية -يعني القول الأول- فإن ما قاله مجاهد قول غير مدفوع صحته لا من جهة خبر ولا نظر”، إلى أن قال: “فقد تبين إذًا بما قلنا أنه غير محال في قول أحد ممن يتمثل الإسلام ما قاله مجاهد من أن الله تبارك وتعالى يقعد محمدًا على عرشه”. انظر: جامع البيان 15/ 143 – 148، وأشار إلى هذا الناظم في اجتماع الجيوش ص 194، وسوف يشير إليه أيضًا في البيت (1757). =
(2/402)
1454 – وانظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ البَغَوِيُّ فِي … تَفْسيرِه والشَّرحِ بالإحْسَانِ
1455 – فِي سُورَةِ الأعْرَافِ عِنْدَ الاسْتِوَا … فِيهَا وَفِي الأُولَى مِنَ القُرْآنِ
1456 – وانظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ ذو سُنَّةٍ … وَقِرَاءةٍ ذَاكَ الإمَامُ الدَّانِي
__________
= وللطبري نصوص أخرى قرر فيها العلو كما جاء في كتابه صريح السنة ص 27 برقم (35).
وكذلك في كتابه “التبصير في معالم الدين”. انظر: العلو للذهبي (المختصر ص 223 – 225).
1454 – البغوي: تقدمت ترجمته تحت البيت رقم (1169).
يعني بالشرح كتابه: شرح السنة. قال رحمه الله في كتاب الإيمان – باب الرد على الجهمية بعدما أورد حديث الأعرابي الذي قال: “فإنا نستشفع بالله عليك … وجاء فيه: إنه لفوق سماواته على عرشه” قال معلقًا: “والواجب في هذا وأمثاله: الإيمان بما جاء في الحديث، والتسليم وترك التصرف فيه بالنقل، والله الموفق”. شرح السنة 1/ 177.
1455 – “في سورة الأعراف”: يعني تفسير البغوي لقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وقد سبق نقله تحت البيت (1360).
– “في الأولى”: يعني سورة البقرة، وقال -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]: “قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء”. معالم التنزيل 1/ 78.
1456 – الداني: هو أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي، مولاهم الأندلسي، القرطبي ثم الداني، ويعرف قديمًا “بابن الصيرفي”، الإمام الحافظ المجود المقرئ، عالم الأندلس، ولد سنة 371 هـ، سمع من أبي مسلم الكاتب وعبد الرحمن القشيري الزاهد وغيرهما. وعنه أبو القاسم بن العربي وأبو عبد الله التجيبي وغيرهما، قال المغامي: “كان أبو عمرو مجاب الدعوة، مالكي المذهب”. قال الذهبي: “إلى أبي عمرو المنتهى في تحرير علم القراءات، وعلم المصاحف، مع البراعة في علم الحديث والتفسير والنحو، وغير ذلك” وكان سنيًا على مذهب السلف. من مصنفاته: التيسير، وجامع البيان في السبع، والأرجوزة =
(2/403)
1457 – وكذَاكَ سُنَّةُ جعفرٍ يُكنَى أبا الشَّـ … ــيخِ الرِّضَا المُسْتَلِّ مِنْ حَيَّانِ
__________
= في أصول الديانة، بلغت تواليفه مائة وعشرين كتابًا، كانت وفاته سنة 444 هـ. السير 77/ 18، إنباه الرواة 2/ 341، شجرة النور الزكية 1/ 115.
ومقالته التي يشير إليها الناظم هي ضمن أرجوزته المسماة: “عقود الديانة” وجاء فيها:
كلم موسى عبده تكليمًا … ولم يزل مدبّرًا حكيمًا
كلامه وقوله قديم … وهو فوق عرشه العظيم
إلى أن قال:
ومن صحيح ما أتى به الخبر … وشاع في الناس قديمًا وانتشر
نزول ربنا بلا امتراء … في كل ليلة إلى السماء
وانظر: سير أعلام النبلاء 18/ 82، ومختصر العلو ص 267.
1457 – كتاب “السنة” لأبي الشيخ ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة 2/ 365، 7/ 47)، والذهبي في السير (16/ 278)، وفي العلو (مختصر ص 248)، والكتاب مفقود.
ولأبي الشيخ نص يفيد إثبات العلو لله عزَّ وجلَّ، وهو ما جاء في كتاب العظمة (2/ 543 – 653) قال: “ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم خلقهما، وعلو الرب تبارك وتعالى فوق عرشه … ” ثم ذكر الأحاديث والآثار في ذلك. وانظر: اجتماع الجيوش ص 245، ومختصر العلو ص 247.
– كذا ورد البيت في الأصل، ف، د. وفي غيرها: “سنة الأصبهاني أبي الشيخ”.
– هو أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري، أبو محمد، الإمام الحافظ، الصادق، محدث أصبهان، ولد سنة 274 هـ، مُسْنِد زمانه، صاحب التصانيف، وكان صاحب سنة واتباع، من مصنفاته: السنة، العظمة، أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم -، كانت وفاته سنة 369 هـ. السير 16/ 276، تذكرة الحفاظ 3/ 945، شذرات الذهب 3/ 69.
– “المستلّ من حيّان”، يعني: من نسله، وهو جد أبي الشيخ وينسب إليه فيقال: “الحيَّاني”. الأنساب للسمعاني 2/ 269، تبصير المنتبه لابن حجر 1/ 290.
(2/404)
1458 – وانظُرْ إلَى مَا قَالَهُ ابنُ سُرَيجٍ الْـ … ـبَحْرُ الخِضَمُّ الشَّافِعيُّ الثَّانِي
1459 – وانظُرْ إِلَى مَا قَالَهُ عَلَمُ الهُدَى … أعْنِي أبَا الخَير الرِّضَا العِمْرَانِي
__________
1458 – ابن سريج: هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، القاضي الشافعي، الإمام، فقيه العراقين، ولد سنة بضع وأربعين ومائتين، سمع من الحسن بن محمد الزعفراني وأبي داود السجستاني وغيرهما، وعنه أبو القاسم الطبراني وأبو أحمد الغطريف الجرجاني وغيرهما، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي، وكان يقال له: “الباز الأشهب”. بلغت مصنفاته أربعمائة مصنف منها: الرد على داود في القياس، التقريب بين المزني والشافعي، كانت وفاته سنة ست وثلاثمائة. السير 14/ 201، طبقات السبكي 3/ 21، الفهرست 266.
– كذا في الأصل، ح، طت، طه. وفي ف، د: “ذاك البحر يدعى”. وفي ب، ظ، طع: “ذاك البحر الخضم” كأنه خلط بين نسختين فأخلّ بالوزن، (ص).
– ونص مقالته في العلو: أنه لما سئل عن صفات الله تعالى قال جوابًا جاء فيه: ” … وقد صح وتقرر واتضح عند جميع أهل الديانة والسنة والجماعة والسلف الماضين ….. أن جميع الآي الواردة عن الله في ذاته وصفاته …. يجب على المرء المؤمن الموقن الإيمان بكل واحد منه كما ورد، وتسليم أمره إلى الله سبحانه كما أمر، مثل قوله تعالى …. وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ونظائرها مما نطق به القرآن كالفوقية والنفس واليدين …. وصعود الكلام وعروج الملائكة والروح إليه” ا. هـ. مختصرًا، نقله عنه الزنجاني. انظر اجتماع الجيوش ص 175، مختصر العلو ص 226.
1459 – أبو الخير: كذا في جميع النسخ، وكذا في نسخة برلين من اجتماع الجيوش، والمقصود: ابن أبي الخير (ص) وهو أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد العمراني، من عمران قرية باليمن، شيخ الشافعية باليمن، ولد سنة تسع وثمانين وأربعمائة، كان إمامًا زاهدًا ورعًا خيرًا، عارفًا بالفقه وأصوله، من أعرف أهل الأرض بتصانيف أبي إسحاق الشيرازي كما قال ابن العماد. من أجل مصنفاته: “البيان” في =
(2/405)
1460 – وَكِتَابُهُ فِي الْفِقْهِ وَهْوَ بَيَانُهُ … يُبدِي مَكَانَتَهُ مِنَ الإيمَانِ
1461 – وانظُرْ إِلَى السُّنَنِ الَّتِي قَدْ صَنَّفَ الْـ … عُلَمَاءُ بالآثارِ والقُرْآنِ
1462 – زَادَتْ عَلَى المِائَتَينِ مِنْهَا مُفْرَدًا … أَوْفَى مِنَ الخَمْسِينَ في الحُسْبانِ
1463 – منْهَا لأحْمَدَ عِدَّةٌ مَوْجُودةٌ … فِينَا رَسَائِلُهُ إِلَى الإخْوَانِ
__________
= نحو عشر مجلدات، قال ابن العماد: “كان حنبلي العقيدة شافعي الفروع -كما قال ابن الأهدل- كالآجري صاحب الشريعة”. وله كتاب “الانتصار في الرد على القدرية الأشرار” كانت وفاته سنة 558 هـ. طبقات السبكي 7/ 336، شذرات الذهب 4/ 185، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 278.
– ظ، ط: (الرضا النعمان)، تحريف.
1460 – يعني “كتاب البيان” لأبي الخير وهو شرح لكتاب المهذب للشيرازي في الفقه الشافعي. ذكره السبكي في الطبقات (7/ 337) وقال: “وابتدأ بتصنيف “البيان” في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وفرغ من تصنيفه سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة”، وقد طبع أخيرًا. وذكر الناظم في اجتماع الجيوش ص 187 أن له كتابًا لطيفًا في السنّة على مذهب أهل الحديث صرح فيه بمسألة الفوقية والعلو والاستواء حقيقة.
1462 – يقصد المؤلف أن السنن المفردة في مسائل الاعتقاد زادت على (250) مصنفًا غير ما ذكره الأئمة ضمن مصنفاتهم الحديثية التي فيها أبواب الاعتقاد وغيرها من مسائل الدين. وانظر لشيخ الإسلام كلامًا مشابهًا في (الحموية ضمن مجموع الفتاوى 5/ 24).
1463 – “منها”: أي من ضمن المؤلفات التي قرر فيها مسائل الاعتقاد ما ألفه الإمام أحمد بن حنبل وهي:
– كتاب الرد على الزنادقة والجهمية، والمسائل التي رواها عنه تلامذته:
– مسائل أحمد رواية ابنه عبد الله، مسائل أحمد رواية ابنه صالح، مسائل أحمد رواية ابن هانئ، مسائل أحمد رواية أبي داود السجستاني، مسائل أحمد رواية الكوسج.
(2/406)
1464 – واللَّاءِ فِي ضِمْنِ التَّصَانِيفِ الَّتِي … شُهِرَتْ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى حُسْبَانِ
1465 – فَكثيرَةٌ جِدًّا فَمَنْ يَكُ رَاغِبًا … فِيهَا يَجِدْ فِيهَا هُدَى الحيْرانِ
1466 – أصْحَابُهَا هُم حَافِظُو الإسْلَامِ لَا … أصحَابُ جَهْمٍ حَافِظُو الكُفْرَانِ
1467 – وَهُمُ النُّجُومُ لكُلِّ عَبْدٍ سَائِرٍ … يَبْغِي الإلهَ وجنَّةَ الحيَوانِ
1468 – وَسِوَاهُمُ واللهِ قُطَّاعُ الطَّرِيـ … ـــــــقِ أئِمةٌ تَدْعُو إِلى النِّيرَانِ
1469 – مَا فِي الَّذِينَ حَكَيْتُ عَنْهُم آنفًا … مِنْ حَنْبَليٍّ وَاحِدٍ بِضَمَانِ
__________
= – قوله: “رسائله إلى الإخوان”: يشير به إلى رسائل الإمام أحمد وهي:
رسالة الإمام أحمد إلى مسدد بن مسرهد: (طبقات الحنابلة 1/ 341، مناقب أحمد لابن الجوزي ص 224).
رسالة أحمد إلى عبدوس بن مالك: (طبقات الحنابلة 1/ 230).
رسالة أحمد إلى الحسن بن إسماعيل الربيعي: (مناقب أحمد ص 241).
رسالة أحمد إلى محمد بن يونس السرخسي أو محمد بن حبيب الأندراني: (طبقات الحنابلة 1/ 329، المناقب ص 222).
رسالة أحمد بن جعفر الإصطخري: (الطبقات 1/ 24، المنهج الأحمد للعليمي 1/ 353، المدخل لابن بدران ص 26).
رسالة إلى محمد بن عوف الطائي: (الطبقات 1/ 311، المنهج الأحمد 1/ 324).
رسالة الصلاة رواية مهنا بن يحيى: (الطبقات 1/ 348).
1465 – طع: (الحيوان)، تحريف.
1468 – (أئمة): ساقطة من: س.
1469 – استشكل هذا البيت الشيخ ابن عيسى، فإن الأثرم والخلال وحربًا الكرماني وغيرهم من الحنابلة (طع 1/ 479). ولكن الناظم قال: “آنفًا” فهو يعني آخر من ذكرهم من الأحناف والمالكية والشوافع. وفي هذا المعنى يقول الناظم في الصواعق: (4/ 1305) – بعد نقله عن الأئمة في العلو -: “وهذه النقول التي حكيناها قليل من كثير، وقد ذكرنا أضعاف أضعافها في كتاب “اجتماع العساكر الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية” وهي تبين كذب من =
(2/407)
1470 – بَل كُلُّهُم واللهَ شِيعَةُ أحْمَدٍ … فأصُولُهُ وأصُولُهُم سِيَّانِ
1471 – وبذَاكَ فِي كُتُبٍ لَهُم قَدْ صَرَّحُوا … وأخُو العَمَايةِ مَا لَهُ عَيْنَانِ
1472 – أتظُنُّهُم لَفظِيَّةً جَهليَّةً … مِثْلَ الحَمِيرِ تُقَادُ بالأرْسَانِ
1473 – حَاشَاهُمُ مِن ذَاكَ بَلْ واللهِ هُمْ … أهلُ العُقولِ وَصِحَّةِ الأذْهَانِ
1474 – فانظُرْ إِلَى تَقْريرِهم لِعُلُوِّهِ … بالنَّقْلِ والمعْقُولِ والبُرهَانِ
1475 – عَقْلَانِ عَقلٌ بالنُّصُوصِ مُؤَيَّدٌ … ومُؤَيّدٌ بِالمَنْطِقِ اليُونَانِي
__________
= قال إنه لم يقل بذلك إلّا الكرامية والحنبلية … “.
وكأن الناظم يعرِّض بالرازي الذي كانت له مواقف ومناظرات وردود على الكرامية في عصره، والله أعلم.
1470 – يقول شيخ الإسلام: “وصار الإمام أحمد علمًا لأهل السنة الجائين بعده من جميع الطوائف. كلهم يوافقه في جمل أقواله، وأصول مذاهبه، لأنه حفظ على الأمة الإيمان الموروث، والأصول النبوية ممن أراد أن يحرفها ويبدلها، ولم يشرع دينًا لم يأذن الله به. والذي قاله هو الذي يقوله سائر الأئمة الأعيان، حتى إن أعيان أقواله منصوصة عن أعيانهم لكن جمع متفرقها، وجاهد مخالفها، وأظهر دلالة الكتاب والسنة عليها، ومقالاته ومقالات الأئمة قبله وبعده في الجهمية كثيرة مشهورة”. مجموع الفتاوى 12/ 358.
1472 – ظ: (لطيفة) مكان “لفظية”، وهو خطأ.
– يريد الناظم أن يقرر أن علماء أهل السنة ليسوا ممن يرددون ألفاظ نصوص الكتاب والسنة مع الجهل بمعانيها وعدم الفقه فيها، بل هم يثبتون الألفاظ والنصوص، ويؤمنون بها مع معرفة معانيها التي تفهم منها. وأكبر دليل أو شاهد على ذلك هو تقريرهم للعلو ولغيره من مسائل الاعتقاد بالنقل والنصوص وكذلك بالأدلة العقلية. فهم ليسوا ممن يؤمن بالألفاظ دون معرفة المعاني كما يزعم من خالفهم من أهل التأويل الباطل.
الأرسان: جمع رَسَن -محركة-، وهو الحبل، وما كان من زمام على أنف الدابة، القاموس ص 1549.
(2/408)
1476 – واللهِ مَا اسْتَويَا ولَنْ يَتَلَاقَيَا … حَتَّى تَشِيبَ مَفَارِقُ الغِربَانِ
1477 – أَفَتَقذِفُونَ أولاءِ بَل أَضْعَافَهُمْ … مِنْ سَادَةِ العُلَمَاءِ كُلَّ زَمَانِ
1478 – بِالجَهْلِ والتَّشْبِيه والتَّجْسِيمِ والتَّـ … ــــــبْديِعِ والتَّضْلِيلِ والبُهْتَانِ
1479 – يَا قَوْمَنَا اللهَ فِي إسْلَامِكم … لَا تُفْسِدُوهُ لِنَخْوَةِ الشَّيطَانِ
1480 – يَا قَوْمَنَا اعْتَبِرُوا بِمَصْرَعِ مَنْ خَلَا … مِنْ قَبلِكُم فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ
1481 – لَمْ يُغْنِ عَنْهُم كِذْبُهُم وَمِحَالُهُم … وَقِتَالُهُم بالزُّورِ والبُهْتَانِ
1482 – كَلَّا وَلَا التَّلْبِيسُ والتَّدْلِيسُ عِنْـ … ــــدَ النَّاسِ والحُكَّامِ والسُّلْطَان
1483 – وَبَدَا لَهُم عِنْدَ انكِشَافِ غِطَائِهِم … مَا لَم يَكُنْ لِلقَوْمِ فِي حُسْبَانِ
1484 – وَبَدَا لَهُم عِنْدَ انكِشَافِ حَقَائِقِ الْـ … إيمَانِ أنَّهُمُ عَلَى البُطْلانِ
1485 – مَا عِنْدَهُمْ واللهِ غَيرُ شِكَايةٍ … فأْتُوا بِعِلْمٍ وانْطقُوا ببَيَانِ
1486 – مَا يَشْتَكِي إلَّا الَّذي هُوَ عَاجِزٌ … فَاشْكُوا لِنَعْذِرَكُم إلى القُرْآنِ
1487 – ثُمَّ اسْمَعُوا مَاذَا الَّذِي يَقْضِي لَكُم … وَعَليكُمُ فالحَقُّ فِي الفُرقَانِ
__________
1476 – المفارق: جمع مَفْرِق ومَفْرَق -بكسر الراء وفتحها- وهو وسط الرأس وهو الذي يُفرَق فيه الشعر، الصحاح ص 1540. ومراد الناظم: أن التقاء منهج أهل الحق وأهل الباطل مستحيل كاستحالة بياض شعر الغراب.
1479 – يعني: “اتقوا الله”.
– طع: (بنخوة). والنخوة: الكبر والعظمة. وقد سبق تفسيرها في البيت (247).
1481 – المحال: الكيد والمكر، وقد تقدم في البيت (1019).
1482 – ما عدا الأصل: “التدليس والتلبيس”.
1486 – والمعنى: إنْ أردتم أن تسمع شكواكم وتُعْذَرون فيما وقعتم به فلا تشتكوا ولا تحتكموا إلَّا إلى القرآن. وجملة “لنعذركم” اعتراضية.
1487 – “يقضي لكم” يعني: القرآن الذي سوف تتحاكمون إليه. وفي ب: “والحق”.
(2/409)
1488 – لَبَّسْتُمُ مَعْنَى النُّصُوصِ وقَوْلَنَا … فَغَدا لَكُمْ لِلحقِّ تَلْبِيسَانِ
1489 – مَنْ حَرَّفَ النَّصَّ الصَّرِيحَ فَكَيْفَ لَا … يَأْتِي بِتَحْرِيفٍ عَلَى إنسَانِ
1490 – يَا قَوْمُ واللهِ العَظِيمِ أسَأْتُمُ … بأَئِمَّةِ الإسْلَامِ ظَنَّ الشَّانِي
1491 – مَا ذَنْبُهُم وَنَبِيُّهُمْ قَدْ قَالَ مَا … قَالُوا، كَذَاكَ مُنَزِّلُ القرآنِ
1492 – مَا الذَّنبُ إلَّا للنُّصُوصِ لَديكمُ … إذْ جَسَّمَتْ بَلْ شَبَّهتْ صِنْفَانِ
1493 – مَا ذَنْبُ مَنْ قَدْ قَالَ مَا نَطَقَتْ بِهِ … مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا عُدْوانِ
1494 – هَذَا كَمَا قَالَ الخَبِيثُ لصحْبِهِ … كَلْبُ الرَّوافِضِ أخبثُ الحَيَوانِ
1495 – لَمَّا أَفَاضُوا في حديثِ الرَّفْضِ عِنْـ … ـــدَ القَبرِ لَا يَخْشَوْنَ مِنْ إنْسَانِ
1496 – يا قَومِ أصْلُ بلائِكُمْ ومُصَابِكُم … مِنْ صاحِبِ القبرِ الذي تَرَيَانِ
__________
1488 – أشار في حاشية ف إلى أن في نسخة: “في الحق”.
1490 – الشانئ: اسم فاعل من شنأه: أبغضه (ص).
1491 – ب، ظ، د، ط: (الفرقان).
1492 – أي أن النصوص التي فيها إثبات الصفات صنفان صنف قلتم إن إثباته تجسيم، وصنف إثباته تشبيه.
1494 – الروافض: تقدم التعريف بهم في التعليق على مقدمة المؤلف.
1495 – لم أهتد إلى اسم هذا الرافضي، ولا أصل هذه القصة ولكن يمكن أن نورد هنا نصًا للرافضة في هذا المعنى فمن ذلك: ما قاله نعمة الله الجزائري:
” …. إنا لم نجتمع معهم -يعني أهل السنة- على إله، ولا على نبي، ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد – صلى الله عليه وسلم – نبيه وخليفته بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي؛ بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا”. الأنوار النعمانية (2/ 278) نعوذ بالله من هذا الكفر البواح.
1496 – يعني به النبي – صلى الله عليه وسلم -.
– خاطب القوم ثم جاء بضمير الاثنين. وقد سبق مثال لهذا الالتفات في البيت (307)، وسيأتي مرة أخرى في البيت (3048)، (ص).
(2/410)
1497 – كَمْ قدَّم ابنَ أبي قُحافةَ بلْ غَدَا … يُثني عَليهِ ثنَاءَ ذِي شُكرَانِ
1498 – وَيقُولُ فِي مَرضِ الوفاة يؤمُّكُم … عَنِّي أبُو بكرٍ بلَا رَوَغَانِ
1499 – ويظَلُّ يمنعُ مِنْ إِمامَةِ غيرِهِ … حَتَّى يُرَى في صورَةِ الغَضْبَانِ
1500 – ويقولُ لو كنتُ الخليلَ لواحدٍ … في الناسِ كانَ هو الخلِيلَ الدَّانِي
1501 – لكنَّه الأخُ وَالرفيقُ وصاحِبِي … وله عَلَينَا مِنَّةُ الإحْسَانِ
__________
1497 – يعني أبا بكر الصدِّيق رضي الله عنه.
1499 – يشير إلى الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “لما مرض النبي – صلى الله عليه وسلم – مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: “مروا أبا بكر فليصل بالناس”. قلت: إن أبا بكر رجل أسيف، إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة. قال: “مروا أبا بكر فليصل بالناس”. فقلت مثله. فقال في الثالثة أو الرابعة: “إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس”. فصلى، وخرج النبي – صلى الله عليه وسلم -يهادى بين رجلين … الحديث”. أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب من أسمع الناس تكبير الإمام برقم (712)، (713)، (716)، ومسلم في كتاب الصلاة برقم (418) مكرر رقم (94)، (95)، (101)، وأحمد في المسند (5/ 361)، (6/ 96).
1500 – س: (الخليل الثاني).
1501 – في ف، د، ح: “الأخ الرفيق” وضبط (الأخ) في ف بتشديد الخاء، وهي لغة، (ص).
يشير الناظم في هذا البيت والذي قبله إلى الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال خطب النبي – صلى الله عليه وسلم -وقال: “إن الله خيّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله”، قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن عبد خيّر، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله: “إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر”. أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة – باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر” برقم (3654)، (466)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2382) واللفظ للبخاري.
(2/411)
1502 – ويقولُ لِلصِّدِّيقِ يومَ الغَارِ لَا … تَحْزَنْ فنحنُ ثَلَاثةٌ لَا اثْنَانِ
1503 – اللهُ ثالِثُنَا وتلكَ فَضِيلةٌ … مَا حازَهَا إلَّا فَتَى عُثْمانِ
1554 – يَا قومِ ما ذنبُ النَّواصِبِ بعْدَ ذَا … لَم يَدْهَكُم إلَّا كبِيرُ الشَّانِ
1505 – فتفَرَّقَتْ تلكَ الرَّوافِضُ كلُّهُم … قَدْ أطْبَقَتْ أَسْنَانَهُ الشَّفَتَانِ
1506 – وكَذلِكَ الجَهْمِيُّ ذَاكَ رَضِيعُهُم … فَهُمَا رَضِيعَا كُفْرِهِمْ بِلِبَانِ
__________
1502 – يشير إلى قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40]. وكذلك جاء في الحديث الصحيح عن أنس -رضي الله عنه- أن أبا بكر الصدِّيق -رضي الله عنه- حدثه قال: “نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال: “يا أبا بكر مما ظنك باثنين الله ثالثهما”. أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة- باب مناقب المهاجرين برقم (3653)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2381)، واللفظ له.
1503 – قوله “فتى عثمان”: يعني أبا بكر رضي الله عنه فإن والده عثمان. أي أن ما نزل في شأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر حينما كانا في الغار هو من فضائله -رضي الله عنه-، بل لم يَشْرَكه أحد في هذه الفضيلة. ألا وهي معية الله عزَّ وجلَّ لهما بالتأييد والنصرة المتضمنة بأن الله موافق لهما بالمحبة والرضا فيما فعلاه. انظر: منهاج السنة (8/ 381)، (6/ 121).
1504 – تقدم التعريف بالنواصب في التعليق على مقدمة المؤلف.
– يقول هذا الرافضي: لم يصبكم بهذه الداهية وهي تقديم أبي بكر وما ذكر من فضائل إلّا كبير الشأن وهو صاحب القبر يعني النبي – صلى الله عليه وسلم -.
1505 – أي: تفرقوا وكلهم يَعَضُّ بأسنانه على شفتيه من شدة الغيظ والحقد.
1506 – اللِّبان -بكسر اللام- كالرِّضاع وزنًا ومعنى.
– ومراد الناظم أن مصدر اعتقاد الجهمية والرافضة واحد، كأنهما رضعا من ثدي واحد، لأن كلتا الطائفتين اشتركتا في ردِّ لنصوص، فالجهمية ردت نصوص الصفات، والعلو، والرافضة ردَّت نصوص فضائل الشيخين.
(2/412)
1507 – ثَوبَانِ قدْ نُسِجَا عَلى المِنْوالِ يَا … عُريانُ لا تلبَس فَمَا ثَوْبَانِ
1508 – واللهِ شرٌ مِنْهُمَا فَهُمَا عَلَى … أهلِ الضَّلالَةِ والشَّقَا عَلَمانِ
* * *
فصلٌ
1509 – هَذَا وسَابعَ عَشْرَهَا إخْبَارُهُ … سُبحَانَهُ فِي مُحْكَم القُرْآنِ
1510 – عَن عَبْدِهِ مُوسَى الكليمِ وحَربِهِ … فِرْعَونَ ذِي التكذيبِ والطُّغْيانِ
1511 – تكذِيبَهِ مُوسى الكَليمَ بِقَولِهِ … اللهُ ربِّي في السَّمَا نَبَّانِي
1512 – وَمِنَ المصَائِب قولُهُم إنَّ اعتِقَا … دَ الفوْقِ مِنْ فِرعَونَ ذِي الكُفْرَانِ
__________
1507 – المنوال: الخشب الذي يلُفُّ عليه الحائكُ الثوبَ، ومن ذلك يقال للقوم إذا استوت أخلاقهم: هم على منوال واحد. الصحاح ص 1836. يقول الناظم إن الرفض والتجهم كثوبين نسجا على منوال واحد.
1508 – أي أن شرَّ اعتقاد يعتقده الإنسان هو مذهب الجهمية والرافضة فمن تلبس بهما دخل في زمرة أهل الضلال والشقاء، والعياذ بالله.
1511 – “نباني” بتسهيل الهمزة لضرورة الشعر. يشير الناظم إلى ما جاء في قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)} [القصص: 38].
وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36، 37].
1512 – يشير إلى قول الرازي ومن وافق من نفاة العلو الذين احتجوا بهذه الآية على نفي العلو، وهي في الحقيقة دليل لأهل السنة لا لهم، وفي هذا يقول الرازي: “احتج الجمع الكثير من المشبهة بهذه الآية في إثبات أن الله في السماوات وقرروا ذلك من وجوه – (ثم ذكرها) – والجواب: أن هؤلاء الجهال يكفيهم في كمال الخزي والضلال أن جعلوا فرعون اللعين حجة =
(2/413)