عطاءات العلمكتب ابن القيمكتب ابن القيم- شاملة - txt

لكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية_2

لكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية_2

http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة
  الكتاب: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية [آثار الإمام ابن القيم الجوزية وما لحقها من أعمال (8)]المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (691 – 751)
تحقيق وتعليق: محمد بن عبد الرحمن العريفي، ناصر بن يحيى الحنيني، عبد الله بن عبد الرحمن الهذيل، فهد بن علي المساعد
تنسيق: محمد أجمل الإصلاحي
راجعه: محمد عزير شمس – سعود بن عبد العزيز العريفي
الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت)
الطبعة: الرابعة، 1440 هـ – 2019 م (الأولى لدار ابن حزم)
عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم واحد متسلسل)
قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

5161 – فَتُثِيرُ أَصْوَاتًا تَلَذُّ لِمَسمَعِ الْـ … إنْسَانِ كالنَّغَمَاتِ بالأوْزَانِ
5162 – يَا لَذَّةَ الأسْمَاعِ لَا تَتَعَوَّضِي … بِلذَاذَةِ الأوْتَارِ وَالعِيدَانِ
5163 – أَوَ مَا سَمِعْتِ لسَمَاعُهُمْ فِيهَا غِنَا … ءُ الحُورِ بالأصْوَاتِ والألْحَانِ
5164 – وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ فَإنَّهُ … مُلِئتْ بِهِ الأذُنَانِ بالإحْسَانِ!
5165 – وَاهًا لِذَيَّاكَ السّمَاعِ وَطِيبِهِ … مِنْ مِثْلِ أَقْمَارٍ عَلَى أَغْصَانِ!
5166 – وَاهًا لِذَيَّاكَ السّمَاعِ فَكَمْ بِهِ … لِلْقَلْبِ مِنْ طَرَبٍ وَمِنْ أشْجَانِ!
5167 – وَاهًا لِذَيَّاكَ السَّمَاعِ وَلَم أقُلْ … ذَيَّاكَ تَصْغِيرًا لَهُ بِلِسَانِ
5168 – مَا ظَنُّ سَامِعةٍ بِصَوْتٍ أَطْيبِ الْـ … أصْوَاتِ مِنْ حُورِ الجِنَانِ حِسَانِ
5169 – نَحْنُ النَّوَاعِمُ والخَوَالِدُ خَيِّرَا … تٌ كَامِلَاتُ الحُسنِ وَالإحْسَانِ
5170 – لَسنَا نَمُوتُ وَلَا نَخَافُ وَمَا لَنَا … سُخْطٌ وَلَا ضِغْنٌ مِنَ الأضْغَانِ
5171 – طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَذَاكَ طُو … بَى لِلَّذِي هُوَ حَظُّنَا الحقّاني
5172 – فِي ذَاكَ آثارٌ رُوِينَ وَذِكْرُهَا … فِي التّرمِذِيِّ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِي
5173 – وَرَوَاهُ يَحْيَى شَيْخُ الَأوْزَاعِيِّ تَفْـ … ــــسِيرًا اللَفْظَةِ “يُحْبَرُونَ” أَغَانِ
5174 – نَزِّهْ سَمَاعَكَ إنْ أَرَدْتَ سَمَاعَ ذَيَّـ … ـــــاكَ الغِنَا عَنْ هَذِهِ الأَلْحَانِ
5175 – لَا تؤثِرِ الأدْنَى عَلَى الأعْلَى فَتُحْـ … ــــرَمَ ذَا وَذَا يَا ذِلَّةَ الحِرْمَانِ
5176 – إنَّ اخْتِيَارَكَ لِلسَّمَاعِ النَّازِلِ الْـ … أدْنَى عَلَى الأعْلَى مِنَ النُّقْصَانِ
5177 – وَاللَّهِ إنَّ سَمَاعَهُمْ فِي القَلْبِ وَالْـ … إيمَانِ مِثْلُ السُّمِّ فَي الأبْدَانِ
5178 – وَاللَّهِ مَا انفَكَّ الَّذِي هُوَ دَأْبُهُ … أَبَدًا مِنَ الإشْرَاكِ بالرَّحْمنِ
5179 – فَالقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ … حُبًّا وإجلالًا مَعَ الإحْسَانِ
5180 – فَإذَا تَعَلَّقَ بالسَّمَاعِ أَصَارَهُ … عَبْدًا لِكُلِّ فُلانَةٍ وَفُلَانِ
5181 – حُبُّ الكِتَابِ وَحُبُّ ألحَانِ الغِنَا … فِي قَلْبِ عَبْدٍ لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ
5182 – ثَقُلَ الكِتَابُ عَلَيْهِمُ لَمَّا رَأَوْا … تَقييدَهُ بِشَرَائِعِ الإِيمَانِ
5183 – وَاللَّهْوُ خَفَّ عَلَيْهِمُ لَمَّا رَأَوْا … مَا فِيهِ مِنْ طَرَبٍ وَمِنْ ألحَانِ

(المتن/273)


5184 – قُوتُ النُّفُوسِ وَإنَّمَا القُرْآنُ قُو … تُ القَلْبِ أنَّى يَسْتَوِي القُوتَانِ!
5185 – وَلِذَا تَرَاهُ حَظَّ ذِي النُّقْصَانِ كَالْـ … ـــجُهَّالِ والصِّبْيَانِ والنِّسْوَانِ
5186 – وَأَلَذُّهُمْ فِيهِ أَقَلُّهُمُ مِنَ الْـ … ــــعَقْلِ الصَّحِيحِ فَسَلْ أَخَا العِرْفَانِ
5187 – يَا لَذَّةَ الفُسَّاقِ لَسْتِ كَلَذَّةِ الْـ … أبْرارِ فِي عَقْلٍ وَلَا قُرْآنِ
* * *

فصلٌ في أنهارِ الجنَّةِ
5188 – أَنْهَارُهَا من غَيْرِ أُخْدودٍ جَرَت … سُبْحَانَ مُمْسِكِهَا عَنِ الفَيَضَانِ
5189 – مِنْ تَحْتِهِمْ تَجْرِي كَمَا شَاؤُوا مفَجَّـ … ـــرَةً وَمَا لِلنَّهْرِ مِنْ نُقْصَانِ
5190 – عَسَلٌ مُصَفًّى ثُمَّ مَاءٌ ثُمَّ خَمْـ … ـــرٌ ثُمَّ أَنْهَارٌ مِنَ الألْبَانِ
5191 – وَاللَّهِ مَا تِلْكَ المَوَادُ كَهَذِهِ … لَكِنْ هُمَا فِي اللَّفْظِ يجْتَمِعَانِ
5192 – هَذَا وَبَيْنَهُمَا يَسِيرُ تَشَابُهٍ … وَهُوَ اشْتِرَاكٌ قَامَ بِالأَذْهَانِ
5193 – [أتظنُّها محلوبةً مِن باقرٍ … أو ناقةٍ أو ماعزٍ أو ضانِ]* * *

فصلٌ في طَعامِ أهْلِ الجنَّةِ
5194 – وَطَعَامُهُمْ مَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُهُمْ … وَلُحُومُ طَيْرٍ نَاعِمٍ وَسِمَانِ
5195 – وَفَوَاكِةٌ شَتَّى بِحَسْبِ مُنَاهُمُ … يَا شِبْعَةً كَمُلَتْ لِذِي الإِيمَانِ
5196 – لَحْمٌ وَخَمْرٌ وَالنِّسا وَفَوَاكِهٌ … وَالطِّيبُ مَعْ رَوْحٍ وَمَعْ ريْحَانِ
5197 – وَصِحَافُهُم ذَهَبْ تَطُوفُ عَليْهِمُ … بِأكُفِّ خُدَّامٍ مِنَ الوِلْدَانِ

(المتن/274)


5198 – وَانْظُرْ إلَى جَعْلِ اللَّذَاذَةِ لِلْعُيُو … نِ وَشَهْوَةٍ لِلنَّفْسِ فِي القُرْآنِ
5199 – لِلْعَينِ مِنْهَا لَذَّةٌ تَدْعو إلَى … شَهَواتِهَا بِالنَّفْسِ والأمْرَانِ
5200 – سَبَبُ التَّنَاوُلِ وَهْوَ يُوجِبُ لَذَّةً … أُخْرَى سِوَى مَا نَالَتِ العَيْنَانِ
* * *

فصلٌ في شرابِهِمْ
5201 – يُسْقَوْنَ فِيهَا مِنْ رَحِيقٍ خَتْمُهُ … بِالمِسْكِ أَوَّلُهُ كَمِثْلِ الثَّانِي
5202 – مِن خَمْرَةٍ لَذَّتْ لِشَارِبِهَا بِلَا … غَوْلٍ وَلَا دَاءٍ وَلَا نُقْصَانِ
5203 – والخمرُ في الدنيا فهذا وصفُها … تغتالُ عَقْلَ الشاربِ السَّكْرانِ
5204 – وَبِهَا مِنَ الأَدْوَاءِ مَا هِيَ أهْلُه … وَيُخَافُ مِنْ عَدَمٍ لِذِي الوُجْدَانِ
5205 – فَنفَى لَنَا الرَّحْمنُ أجْمَعَهَا عَنِ الْـ …. ـــــخَمْرِ الَّتي فِي جَنَّةِ الحَيَوَانِ
5206 – وَشَرَابُهُمْ مِنْ سَلْسَبِيلٍ مَزجُهُ الْـ … ــــكَافُورُ ذَاكَ شَرَابُ ذِي الإِحْسَانِ
5207 – هَذَا شَرَابُ أولِي اليَمِينِ وَلَكِنِ الْـ … أبْرَارُ مَشْرَبُهم شَرَابٌ ثَانِ
5208 – يُدْعَى بِتَسْنِيمٍ سَنَامُ شَرابِهم … شِرْبُ المقَرَّبِ خِيْرَةِ الرَّحْمنِ
5209 – صَفَّى المقَرَّبُ سَعْيَهُ فَصَفَا لَهُ … ذَاكَ الشَّرَابُ فَتِلْكَ تَصْفِيَتَانِ
5210 – لَكِنَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ فَأهْلُ مَزْ … جٍ بالمُبَاحِ وَلَيْسَ بالعِصْيَانِ
5211 – مُزِجَ الشَّرَابُ لَهُمْ كَمَا مَزَجُوا هُمُ الْـ … أعْمَالَ ذَاكَ المزْجُ بالميزَانِ
5212 – هَذا وَذُو التَّخْلِيطِ مُرْجىً أمْرُهُ … والحُكْمُ فِيهِ لِرَبِّهِ الدَّيَّانِ
* * *

فصلٌ في مَصْرِفِ طعامِهِمْ وشرابِهِمْ وهضْمِهِ
5213 – هَذَا وَتَصْرِيفُ المآكِلِ مِنْهُمُ … عَرَقٌ يَفيضُ لَهُمْ مِنَ الأبْدَانِ

(المتن/275)


5214 – كَرَوائِحِ المِسْكِ الَّذِي مَا فِيهِ خَلْـ … ــــطٌ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الألْوَانِ
5215 – فَتَعُودُ هَاتِيكَ البُطُونُ ضَوَامِرًا … تَبْغِي الطَّعَامَ عَلَى مَدَى الأزْمَانِ
5216 – لَا غَائِطٌ فِيهَا وَلَا بَوْلٌ وَلَا … مَخْطٌ وَلَا بَصْقٌ مِنَ الإنْسَانِ
5217 – وَلَهُمْ جُشَاءٌ رِيحُهُ مِسْكٌ يَكُونُ … بِهِ تَمَامُ الهَضْمِ للإنسانِ
5218 – هَذَا وَهَذَا صَحَّ عَنْهُ فَوَاحِدٌ … فِي مُسْلِمٍ ولأحْمَدَ الأَثَرَانِ
* * *

فصلٌ في لِباسِ أهْلِ الجنَّةِ
5219 – وَهُمُ الملُوكُ عَلَى الأَسِرَّةِ فَوْقَ هَا … تيكَ الرُّؤوسِ مُرَصَّعُ التَّيجَانِ
5220 – وَلِبَاسُهُمْ مِنْ سُنْدُسٍ خُضْرٍ وَمِنْ … إسْتَبْرَقٍ نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ
5221 – مَا ذَاكَ مِنْ دُودٍ بَنَى مِنْ فَوْقِهِ … تِلْكَ البُيُوتَ وَعَادَ ذَا طيَرانِ
5222 – كَلَّا وَلَا نُسِجَتْ عَلَى الْمِنْوَالِ نَسْـ … ــــجَ ثِيَابِنَا بِالقُطْنِ والكَتَّانِ
5223 – حُلَلٌ تُشَقُّ ثِمَارُهَا عنها فَتَبْـ … ـــــدُو كالرِّيَاطِ بأحسنِ الألوانِ
5224 – بِيضٌ وَخُضْرٌ ثُمَّ صُفْرٌ ثُمَّ حُمْـ … ــــرٌ شُبِّهَتْ بشقائقِ النُّعْمانِ
5225 – لَا تَقْبَلُ الدَّنَسَ المُقَرِّبَ لِلْبِلَى … مَا للبِلَى أبدًا بهنّ يَدانِ
5226 – وَنصِيفُ إحْدَاهُنَّ وَهْوَ خِمارُهَا … لَيْسَتْ لَهُ الدّنْيَا مِنَ الأَثْمَانِ
5227 – سَبْعُونَ مِنْ حُلَلٍ عَلَيْهَا لَا تَعْو … قُ الطَّرْفَ عَنْ مُخٍّ وَرَا السِّيقَانِ
5228 – لَكِنْ تَرَاهُ مِنْ وَرا ذَا كُلِّهِ … مِثْلَ الشَّرَابِ لَدَى زُجَاجِ أوَانِ

فصلٌ في فُرُشِهِمْ وما يتبعُهَا
5229 – وَالفُرْشُ مِنْ إسْتَبرَقٍ قَدْ بُطِّنَتْ … مَا ظَنُّكُمْ بِظِهَارَةٍ لِبِطَانِ

(المتن/276)


5230 – مَرْفُوعَةٌ فَوْقَ الأسِرَّةِ يَتَّكِي … هُوَ وَالحَبِيبُ بِخَلْوَةٍ وأمَانِ
5231 – يَتَحَدَّثَانِ عَلَى الأرَائكِ مَا تَرَى … حِبَّيْنِ فِي الخَلَواتِ يَنْتَجِيَانِ
5232 – هَذَا وَكَمْ زِرْبِيَّةٍ وَنَمَارِقٍ … وَوَسَائِدٍ صُفَّتْ بِلَا حُسْبَانِ
* * *

فصلٌ في حُلِيّ أهْلِ الجنَّةِ
5233 – وَالحَلْيُ أَصْفَى لُؤْلؤٍ وَزَبَرْجَدٍ … وَكَذَاكَ أَسْوِرةٌ مِنَ العِقْيَانِ
5234 – مَا ذَاك يَخْتَصُّ الإنَاثَ وإنَّمَا … هُوَ لِلإِناثِ كَذَاكَ لِلذُّكْرَانِ
5235 – التَّارِكِينَ لِبَاسَهُ فِي هَذهِ الدُّ … نْيَا لأَجْلِ لِبَاسِهِ بِجِنَانِ
5236 – أَوَمَا سَمعْتَ بِأنَّ حِلْيَتَهُمْ إلَى … حَيْثُ انْتِهَاءُ وُضوئِهِمْ بِوِزَانِ
5237 – وَكَذَا وضوءُ أبِي هُرَيْرَةَ كَانَ قَدْ … فَازَت بِهِ العَضُدَانِ والسَّاقَانِ
5238 – وَسِوَاهُ أنْكَرَ ذَا عَلَيْهِ قَائِلًا … مَا السَّاقُ مَوْضِعَ حِلْيةِ الإنْسَانِ
5239 – مَا ذَاكَ إلَّا مَوْضِعُ الكَعْبَينِ والزَّ … نْدَيْنِ لَا السَّاقَانِ والعَضُدَانِ
5240 – وَلِذَاكَ أَهْلُ الفِقْهِ مُخْتَلِفُونَ فِي … هَذَا وَفيهِ عِنْدَهُمْ قَوْلَانِ
5241 – وَالرَّاجحُ الأقْوَى انْتِهَاءُ وُضُوئِنَا … لِلْمِرفَقَينِ كَذَلِكَ الكَعْبَانِ
5242 – هَذَا الَّذِي قَدْ حَدَّهُ الرَّحْمنُ فِي الْـ … ـقُرْآنِ لَا تَعْدِلْ عَنِ القُرْآنِ
5243 – وَاحْفَظْ حُدُود الرَّب لَا تَتَعَدَّهَا … وَكَذَاكَ لَا تَجْنَحْ إلى النُّقْصَانِ
5244 – وَانْظُرْ إلَى فِعْلِ الرَّسُولِ تَجِدْهُ قَدْ … أَبْدَى المُرادَ وَجَاءَ بِالتِّبْيَانِ
5245 – وَمَنِ اسْتَطَاعَ يُطِيلُ غُرَّتَهُ فَمَوْ … قُوفٌ عَلَى الرَّاوِي هُوَ الفَوْقَانِي
5246 – فَأَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ ذَا مِنْ كِيسِهِ … فَغَدَا يُمَيِّزُهُ أولُو العِرْفَانِ
5247 – وَنُعَيمٌ الرَّاوِي لَهُ قَدْ شَكَّ فِي … رَفْعِ الحَدِيثِ كَذَا رَوَى الشَّيبَانِي
5248 – وَإطَالَةُ الغُرّاتِ لَيْسَ بِمُمْكنٍ … أَبَدًا وَذَا فِي غَايَةِ التِّبْيَانِ
* * *

(المتن/277)


فصلٌ في صفةِ عرائسِ الجنَّةِ وحسْنِهنَّ وجَمَالِهنَّ ولذةِ وِصالِهنَّ ومُهورِهنَّ
5249 – يَا مَنْ يَطُوفُ بِكَعْبَةِ الحُسْنِ الَّتي … حُفَّتْ بِذَاكَ الحِجْرِ والأرْكَانِ
5250 – ويظَلُّ يَسعَى دَائِمًا حَولَ الصَّفَا … وَمُحَسِّرٌ مَسعَاهُ لَا العَلَمَانِ
5251 – وَيرُومُ قُربَانَ الوِصَالِ عَلَى مِنًى … والخَيفُ يَحْجُبُهُ عَنِ القُربَانِ
5252 – فَلِذَا تَرَاهُ مُحْرِمًا أبَدًا وَمَوْ … ضِعُ حِلِّهِ مِنْهُ فلَيْسَ بِدَانِ
5253 – يَبغِي التَّمَتُّعَ مُفْرِدًا عن حِبِّهِ … مُتَجَرِّدًا يَبغِي شَفِيعَ قِرَانِ
5254 – فَيَظَلُّ بالجَمَرَاتِ يَرمِي قَلْبَهُ … هَذِي مَنَاسِكُهُ بِكُلِّ زَمَانِ
5255 – وَالنَّاسُ قَدْ قَضَّوْا مَنَاسِكَهُم وَقَدْ … حَثُّوا رَكَائِبَهُمْ إلَى الأوْطَانِ
5256 – وَحَدَتْ بِهِم هِمَمٌ لَهُمْ وَعَزَائِمٌ … نَحْوَ المنَازِلِ أوَّلَ الأزْمَانِ
5257 – رُفِعَتْ لَهُمْ فِي السَّيرِ أعْلَامُ الوِصَا … لِ فَشَمَّرُوا يَا خَيْبَةَ الكَسْلَانِ
5258 – وَرَأَوْا عَلَى بُعْدٍ خيَامًا مُشْرِفَا … تٍ مُشْرِقَاتِ النُّورِ وَالبُرهَانِ
5259 – فَتَيَمَّمُوا تِلْكَ الخِيَامَ فآنسُوا … فِيهِنَّ أقْمَارًا بِلَا نُقْصانِ
5260 – مِنْ قَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَا تَبغِي سِوَى … مَحْبُوبِهَا مِنْ سَائِرِ الشُّبَّانِ
5261 – قَصَرَتْ عَلَيْه طَرفَهَا مِنْ حُسْنِهِ … فالطَّرْف فِي ذَا الوَجْهِ لِلنِّسوَانِ
5262 – أَوْ أَنَّهَا قَصَرَتْ عَلَيْها طَرْفَهُ … مِنْ حُسْنِهَا فَالطَّرفُ لِلذُّكْرَانِ
5263 – وَالأولُ المعْهُودُ مِنْ وَضْعِ الخِطَا … بِ فَلا تَحِدْ عَنْ ظَاهِرِ القُرْآنِ
5264 – وَلرُبَّمَا دَلَّتْ إشَارَتُهُ عَلَى الثـ … ــــانِي فَتِلكَ إشَارَةٌ لِمَعَانِ
5265 – هَذَا وَلَيْسَ القَاصِرَاتُ كَمَنْ غَدَتْ … مَقْصُورَةً فَهُمَا إذًا صِنْفَانِ
5266 – يَا مُطْلِقَ الطَّرفِ المعَذَّبِ فِي الأُلَى … جُرِّدْنَ عَنْ حُسْنٍ وَعَنْ إحْسَانِ
5267 – لَا تَسْبِيَنَّكَ صُورَةٌ مِنْ تَحْتِهَا الدَّ … اءُ الدَّوِيُّ تَبُوءُ بالخُسْرَانِ

(المتن/278)


5268 – قَبُحَتْ خَلَائِقُهَا وَقُبِّحَ فِعْلُهَا … شَيْطَانَةٌ فِي صُورَةِ الإنْسَانِ
5269 – تَنْقَادُ لِلأنْذَالِ والأرْذَالُ هُمْ … أكْفَاؤُهَا مِنْ دُونِ ذِي الإحْسَانِ
5270 – مَا ثَمَّ مِنْ دِينٍ وَلَا عَقْلٍ وَلَا … خُلُقٍ وَلَا خَوْفٍ مِنَ الرّحْمنِ
5271 – وَجَمَالُهَا زُورٌ وَمَصْنُوعٌ فَإنْ … تَرَكَتْهُ لَمْ تَطْمَحْ لَهَا العَيْنَانِ
5272 – طُبعَتْ عَلَى تَرْكِ الحِفَاظِ فَمَا لَهَا … بِوَفَاءِ حَقِّ البَعْلِ قَطُّ يَدَانِ
5273 – إنْ قَصَّرَ السَّاعِي عَلَيْهَا سَاعةً … قَالَتْ: وَهَلْ أَوْلَيْتَ مِنْ إحْسَانِ؟
5274 – أَوْ رَامَ تَقْوِيمًا لَهَا اسْتَعْصَتْ وَلَم … تَقْبَلْ سِوَى التَّعْويجِ والنُّقْصَانِ
5275 – أفْكَارُهَا فِي المَكْرِ والكَيْدِ الَّذِي … قَدْ حَارَ فِيهِ فِكْرَةُ الإنْسَانِ
5276 – فَجَمَالُهَا قِشْرٌ رَقِيقٌ تَحْتَهُ … مَا شِئْتَ مِنْ عَيْبٍ وَمِنْ نُقْصَانِ
5277 – نَقْدٌ رَدِيءٌ فَوْقَهُ مِنْ فِضَّةٍ … شَيءٌ يُظَنُّ بِهِ مِنَ الأثْمَانِ
5278 – فَالنَّاقِدُونَ يَرَوْنَ مَاذَا تَحْتَهُ … وَالناسُ أكْثرُهُم مِنَ العُمْيَانِ
5279 – أمَّا جَمِيلَاتُ الوُجُوهِ فَخَائِنَا … تُ بُعُولِهِنَّ وَهُنَّ لِلأَخْدَانِ
5280 – وَالحَافِظَاتُ الغَيْبِ مِنْهُنَّ الَّتي … قَدْ أصْبَحَتْ فَرْدًا مِنَ النِّسْوَانِ
5281 – فَانْظُرْ مَصَارعَ مَنْ يَلِيكَ وَمَنْ خَلا … مِنْ قَبْلُ مِنْ شِيبٍ وَمِنْ شُبَّانِ
5282 – وَارْغَبْ بِعَقْلِكَ أَنْ تَبيعَ العَالِيَ الْـ … ـــبَاقِي بِذَا الأدْنَى الَّذِي هُوَ فَانِ
5283 – إنْ كَانَ قَدْ أَعْيَاكَ خَوْدٌ مِثْلُ مَا … تَبغِي وَلَم تَظْفَرْ إلَى ذَا الآنِ
5284 – فَاخْطُبْ مِنَ الرَّحْمنِ خَوْدًا ثُمَّ قَدِّ … مْ مَهْرَهَا مَا دُمْتَ ذَا إمْكَانِ
5285 – ذَاكَ النِّكَاحُ عَلَيْكَ أيْسَرُ إنْ يَكُنْ … لَكَ نِسْبَةٌ لِلْعِلْمِ وَالإيمَانِ
5286 – وَاللَّهِ لَمْ تَخرُجْ إلَى الدُّنْيَا لِلَذَّ … ة عَيْشِهَا أَوْ لِلْحُطَامِ الفَانِي
5287 – لَكِنْ خَرَجْتَ لِكَيْ تُعِدَّ الزَّادَ لِلْـ … أُخْرَى فَجِئتَ بأقْبَحِ الخُسْرَانِ
5288 – أَهْملْتَ جَمْعَ الزَّادِ حَتَّى فَاتَ بَلْ … فَاتَ الَّذِي ألْهَاكَ عَنْ ذَا الشَّانِ
5289 – وَاللَّهِ لَوْ أنَّ القُلُوبَ سَليمَةٌ … لَتقَطَّعَتْ أسَفًا مِنَ الحِرْمَانِ
5290 – لَكِنَّهَا سَكْرَى بِحُبِّ حَيَاتِهَا الدُّ … نْيَا وَسَوْفَ تُفِيقُ بَعْدَ زَمَانِ

(المتن/279)


فصلٌ
5291 – فَاسْمَعْ صِفَاتِ عَرَائِسِ الجَنَّاتِ ثُمَّ م … اخْتَرْ لِنَفْسِكَ يَا أَخَا العِرْفَانِ
5292 – حُورٌ حِسَانٌ قَدْ كَمُلْنَ خَلائِقًا … وَمَحَاسِنًا مِنْ أكملِ النِّسْوَانِ
5293 – حَتَّى يَحَارُ الطَّرفُ فِي الحُسْنِ الَّذِي … قَدْ أُلْبِسَتْ فَالطَّرفُ كَالحَيْرَانِ
5294 – وَيقُولُ لمَّا أَنْ يُشَاهِدُ حُسْنَهَا … سُبحَانَ مُعْطِي الحُسْنِ والإحْسَانِ
5295 – وَالطَّرفُ يَشْرَبُ مِنْ كُؤُوسِ جَمَالِهَا … فَتَراهُ مِثْلَ الشَّارِبِ النَّشْوَانِ
5296 – كَمُلَتْ خَلائِقُهَا وَأُكْمِلَ حُسْنُهَا … كَالبدْرِ لَيْلَ السِّتِّ بَعْدَ ثَمَانِ
5297 – وَالشَّمْسُ تَجْرِي فِي مَحَاسِنِ وَجْهِهَا … وَاللَّيلُ تَحْتَ ذَوَائِبِ الأَغْصَانِ
5298 – فَتَرَاهُ يَعْجَبُ وَهْوَ مَوْضِعُ ذَاكَ مِنْ … لَيْلٍ وَشَمْسٍ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ
5299 – وَيقُولُ سُبْحَانَ الَّذِي ذَا صُنْعُهُ … سُبْحَانَ مُتْقِنِ صَنْعَةِ الإنْسَانِ
5300 – لَا اللَّيلُ يُدْرِكُ شَمْسَهَا فَتَغِيبَ عِنْـ … ـــــدَ مَجِيئِهِ حتَّى الصَّبَاحِ الثَّانِي
5301 – وَالشَّمْسُ لَا تَأتِي بِطَرْدِ اللَّيلِ بَلْ … يَتَصاحَبَانِ كِلَاهُمَا أَخَوَانِ
5302 – وَكِلَاهُمَا مِرْآةُ صَاحِبِهِ إذَا … مَا شَاءَ يُبْصِرُ وَجْهَهُ يَرَيَانِ
5303 – فَيَرى مَحَاسِنَ وَجْهِهِ فِي وَجْهِهَا … وَتَرَى مَحَاسِنَهَا بِهِ بِعِيَانِ
5304 – حُمْرُ الخُدُودِ ثُغُورُهُنَّ لآلِئٌ … سُودُ العُيُونِ فَواتِرُ الأجْفَانِ
5305 – وَالبَرقُ يَبدُو حِينَ يَبْسِمُ ثَغْرُهَا … فَيُضِيءُ سَقْفَ القَصْرِ بالجُدْرَانِ
5306 – وَلقَدْ رَوَينَا أنَّ بَرقًا لامعًا … يَبْدُو فَيَسأَلُ عَنْهُ مَنْ بِجِنَانِ؟
5307 – فَيُقَالُ هَذَا ضَوْءُ ثَغْرٍ ضَاحِكٍ … فِي الجَنَّةِ العُلْيَا كَمَا تَرَيَانِ
5308 – للَّه لَاثِمُ ذَلِكَ الثَّغْرِ الَّذِي … فِي لَثْمِهِ إِدْرَاكُ كُلِّ أَمَاني
5309 – رَيَّانَةُ الأعْطَافِ مِنْ مَاءِ الشَّبَا … بِ فَغُصْنُهَا بِالمَاءِ ذُو جَرَيَانِ
5310 – لمَّا جَرَى مَاءُ النَّعِيمِ بِغُصْنِهَا … حَمَلَ الثِّمَارَ كَثِيرةَ الألْوَانِ
5311 – فَالْوَرْدُ والتُّفَاحُ والرُّمَّانُ فِي … غُصنٍ تَعَالَى غَارِسُ البُسْتَانِ
5312 – وَالقَدُّ مِنْهَا كَالقَضيبِ اللَّدْنِ فِي … حُسنِ القَوَامِ كَأوْسَطِ القُضْبَانِ

(المتن/280)


5313 – فِي مَغْرِسٍ كَالعَاجِ تَحْسَبُ أنَّهُ … عَالِي النَّقَا أوْ وَاحِدُ الكُثْبَانِ
5314 – لَا الظَّهرُ يَلْحَقُه وَلَيْسَ ثُدِيُّهَا … بِلَوَاحِق لِلْبَطْنِ أوْ بِدَوَانِ
5315 – لَكِنَّهُنَّ كَوَاعِبٌ وَنَوَاهِدٌ … فَنُهودُهُنّ كألْطَفِ الرُّمَّانِ
5316 – وَالجِيدُ ذُو طُولٍ وَحُسْنٍ فِي بَيَا … ضٍ واعْتِدَالٍ لَيْسَ ذَا نُكْرَانِ
5317 – يَشْكُو الحُلِيُّ بِعَادَهُ فلَهُ مَدَى الْـ … أيَّامِ وَسْوَاسٌ مِنَ الهِجْرَانِ
5318 – وَالمِعْصَمَانِ فَإنْ تَشَأْ شَبِّهْهُما … بِسَبِيكَتَيْن عَلَيْهِمَا كَفَّانِ
5319 – كَالزُّبْدِ لِيْنًا فِي نُعُومَةِ مَلْمَسٍ … أَصْدَافُ دُرٍّ دُوِّرَتْ بِوِزَانِ
5320 – وَالصَّدْرُ مُتَّسِعٌ عَلَى بَطْنٍ لَهَا … حَفَّتْ بِهِ خَصْرَانِ ذَاتُ ثَمَانِ
5321 – وَعَليْهِ أحْسَنُ سُرَّةٍ هِيَ مَجْمَعُ الْـ … خَصْرَينِ قَدْ غَارَتْ مِنَ الأعْكَانِ
5322 – حُقٌّ مِنَ العَاجِ اسْتَدارَ وَحَوْلَهُ … حَبَّاتُ مِسْكٍ جَلَّ ذُو الإتْقَانِ
5323 – وَإذَا انْحَدَرْتَ رَأيْتَ أمْرًا هَائِلًا … مَا لِلصِّفَاتِ عَلَيْهِ مِنْ سُلْطَانِ
5324 – لَا الحَيْضُ يَغْشَاهُ وَلَا بَوْلٌ وَلَا … شَيءٌ مِنَ الآفَاتِ فِي النِّسْوَانِ
5325 – فَخِذَانِ قَدْ حَفَّا بِهِ حَرَسًا لَهُ … فَجَنَابُهُ فِي عِزَّةٍ وَصِيَانِ
5326 – قَامَا بِخدْمَتِهِ هُوَ السُّلْطَانُ بَيْـ … ــــنَهُمَا وَحَقٌّ طَاعَةُ السُّلْطَانِ
5327 – وهُوَ المُطَاعُ أَمِيرُهُ لَا ينتهي … عَنْهُ وَلَا هُوَ عِنْدَهُ بِجَبَانِ
5328 – وَجِمَاعُهَا فَهُوَ الشِّفَاءُ لِصَبِّهَا … فالصَّبُّ مِنْهُ لَيْسَ بالضَّجْرَانِ
5329 – وَإِذَا يُجَامِعُهَا تَعُودُ كَمَا انتشَتْ … بِكْرًا بِغَيْرِ دَمٍ وَلَا نُقْصَانِ
5330 – فَهُوَ الشَّهِيُّ وَعُضْوُهُ لَا يَنْثَنِي … جَاءَ الحَدِيثُ بِذَا بِلَا نُكْرَانِ
5331 – وَلَقَدْ رَوَيْنَا أنَّ شُغْلَهُمُ الَّذِي … قَدْ جَاءَ فِي “يس” دُونَ بَيَانِ
5332 – شُغْلُ العَرُوسِ بعِرْسِهِ مِنْ بَعْدِ مَا … عَبِثَتْ بِهِ الأشْوَاقُ طُولَ زَمَانِ
5333 – بِاللَّهِ لَا تَسْأَلْهُ عَنْ أَشْغَالِهِ … تِلْكَ اللَّيَالِي شَأْنُهُ ذُو شَانِ
5334 – وَاضْرِبْ لَهُ مَثَلًا بِصَبٍّ غَابَ عَنْ … مَحْبُوبِهِ فِي شَاسِعِ البُلْدَانِ
5335 – والشَّوْقُ يُزْعِجُهُ إِلَيْهِ وَمَا لَهُ … بِلِقَائِهِ سَبَبٌ مِنَ الإمْكَانِ

(المتن/281)


5336 – وَافَى إِلَيْهِ بَعْدَ طُولِ مَغِيبِهِ … عَنْهُ وَصَارَ الوَصْلُ ذَا إمْكَانِ
5337 – أَتَلُومُهُ أنْ صَارَ ذَا شُغُلٍ بِهِ … لَا وَالَّذِي أَعْطَى بِلَا حُسْبَانِ
5338 – يَا رَبِّ غَفْرًا قَدْ طَغَتْ أَقْلامُنَا … يَا رَبِّ مَعْذِرَةً مِنَ الطُّغْيَانِ
* * *

فصلٌ
5339 – أقْدَامُهَا مِنْ فِضَّةٍ قَدْ رُكِّبَتْ … مِن فَوْقِهَا سَاقَانِ مُلْتَفَّانِ
5340 – وَالسَّاقُ مِثْلُ العَاجِ مَلْمُومٌ يُرَى … مُخُّ العِظَامِ وَرَاءَهُ بِعِيَانِ
5341 – وَالرِّيحُ مِسْكٌ والجُسُومُ نَوَاعِمٌ … وَاللَّوْنُ كاليَاقوتِ والمَرْجَانِ
5342 – وَكَلَامُهَا يَسْبِي العُقُولَ بِنَغْمَةٍ … زَادَتْ عَلَى الأَوْتَارِ والعِيدَانِ
5343 – وَهِيَ العَرُوبُ بِشَكْلِهَا وَبِدَلِّها … وَتَحَبُّبٍ لِلزَّوْجِ كُلَّ أوَانِ
5344 – وَهِيَ الَّتِي عِنْدَ الجِمَاعِ تَزِيدُ فِي … حَرَكَاتِها لِلْعَيْنِ والآذانِ
5345 – لُطْفًا وَحُسْنَ تَبَعُّلٍ وَتَغَنُّجٍ … وَتَحبُّبٍ تَفْسِيرَ ذِي العِرْفَانِ
5346 – تِلْكَ الحَلَاوةُ والمَلاحَةُ أوْجَبَا … إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ وَضْعَ لِسَانِ
5347 – فَملَاحَةُ التَّصْوِيرِ قَبْلَ غِنَاجِهَا … هِيَ أوَّلٌ وَهيَ المحَلُّ الثَّانِي
5348 – فإذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِصَبِّ وَامِقٍ … بَلَغَتْ بِهِ اللَّذَاتُ كُلَّ مَكَانِ
* * *
فصلٌ
5349 – أَتْرابُ سِنٍّ وَاحِدٍ مُتَمَاثِلٍ … سِنِّ الشَّبَابِ لأجْمَلِ الشُّبَّانِ
5350 – بِكْرٌ فَلَمْ يَأخُذْ بَكَارَتَهَا سِوَى الْـ … ــــمَحْبُوبِ مِنْ إنْسٍ وَلَا مِنْ جَانِ
5351 – حِصْنٌ عَلَيْهِ حَارِسٌ مِنْ أعْظَمِ الْـ …. ــــحُرَّاسِ بأسًا شَأْنُهُ ذُو شَانِ
5352 – وإذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ لِلحِصْنِ وَلَّى … م هَارِبًا فَتَرَاهُ ذَا إمْعَانِ

(المتن/282)


5353 – وَيَعُودُ وَهْنًا حِينَ رَبُّ الحِصْنِ يَخْـ … ـــرُجُ مِنْهُ فَهْوَ كَذَا مَدَى الأزْمَانِ
5354 – وَكَذَا رَوَاهُ أبُو هُرَيْرَةَ أنَّهَا … تَنْصَاع بِكْرًا لِلْجِمَاعِ الثَّانِي
5355 – لَكِنَّ دَرَّاجًا أبَا السَّمْحِ الَّذِي … فِيهِ يُضَعِّفُهُ أُولُو الإِتْقَانِ
5356 – هَذَا وَبَعْضُهُمُ يُصَحِّحُ عَنْهُ فِي التَّـ … ـــقسِيمِ كالْمَولُودِ مِنْ حِبَّانِ
5357 – فَحَدِيثُهُ دُونَ الصَّحِيحِ وإنَّهُ … فَوْقَ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ ذَا إتْقَانِ
5358 – يُعْطَي المُجَامِعُ قُوَّةَ المائَةِ الَّتِي اجْـ … ـــتَمَعَتْ لأقْوَي وَاحِدِ الإِنْسَانِ
5359 – لَا أَنَّ قُوَّتَهُ تُضَاعَفُ هَكَذَا … إذْ قَدْ يَكُونُ أُضيعِفَ الأرْكَانِ
5360 – وَيكُونُ أقْوَى مِنْهُ ذَا نَقْص مِنَ الْـ … إِيمَانِ والأعْمَالِ والإِحْسَانِ
5361 – وَلَقَدْ رَوَيْنَا أنَهُ يَغْشَى بِيَوْ … مٍ وَاحِدٍ مِائَةً مِنَ النِّسْوَانِ
5362 – وَرجَالُهُ شَرْطُ الصَّحِيحِ رَوَوْا لهُمْ … فِيهِ وَذَا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرانِي
5363 – هَذَا دَلِيلٌ أنَّ قَدْرَ نِسَائِهِم … مُتَفَاوِتْ بَتَفَاوُتِ الإيمَانِ
5364 – وَبِهِ يَزُولُ تَوَهُّمُ الإشْكَالِ عَنْ … تِلْكَ النُّصُوصِ بِمِنَّة الرَّحْمنِ
5365 – وَبِقُوَّةِ المِائَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ … أَفْضى إلَى مِائَةٍ بِلَا خَوَرَانِ
5366 – وأعَفُّهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا هُوَ الْـ … أَقْوَى هُنَاكَ لِزُهْدِهِ فِي الفَانِي
5367 – فَاجْمَعْ قُوَاكَ لِمَا هُنَاكَ وَغَمِّضِ الْـ … العَينَينِ وَاصْبِرْ سَاعَةً لِزَمَانِ
5368 – مَا ههُنَا وَاللهِ مَا يَسْوَى قُلَا … مَةَ ظُفْرِ وَاحِدَةٍ تُرَى بِجِنَانِ
5369 – مَا ههُنَا إلَّا النِّفارُ وَسَيِّءُ الْـ … أَخْلَاقِ مَعْ عَيْبٍ وَمَعْ نُقْصَانِ
53705 – هَمٌّ وَغَمٌّ دَائمٌ لَا يَنْتَهِي … حَتَّى الطَّلَاقِ أوِ الفِرَاقِ الثَّانِي
5371 – واللَّهُ قَدْ جَعَلَ النِّسَاءَ عَوَانِيًا … شَرعًا فأضْحَى البَعْلُ وَهْوَ العَانِي
5372 – لَا تُؤثِرِ الأدْنَى عَلَى الأعْلَى فَإنْ … تَفْعَلْ رَجَعْتَ بِذِلَّةٍ وَهَوَانِ
* * *

فصلٌ
5373 – وَإِذَا بَدَتْ فِي حُلَّةٍ مِنْ لِبسِهَا … وتَمَايَلَتْ كَتَمَايُلِ النَّشْوَانِ

(المتن/283)


5374 – تَهْتَزُّ كَالْغُصْنِ الرَّطِيبِ وَحَمْلُهُ … وَرْدٌ وَتُفَّاحٌ عَلَى رُمَّانِ
5375 – وَتَبخْتَرَتْ فِي مَشْيِهَا وَيحِقُّ ذَا … كَ لِمِثْلِهَا فِي جَنَّةِ الحَيَوَانِ
5376 – ووَصَائِفٌ مِنْ خَلفِهَا وَأمَامِهَا … وَعَلى شَمَائِلِهَا وَعَنْ أيْمَانِ
5377 – كَالبَدْرِ لَيلَةَ تِمِّهِ قَدْ حُفَّ فِي … غَسَقِ الدُّجَى بِكَوَاكِبِ المِيزَانِ
5378 – فالطَّرْفُ منه وقلبُه ولسانُه … في الدهشِ والإعجابِ والسُّبحانِ
5379 – والقَلْبُ قَبلَ زِفَافِهَا فِي عُرْسِهِ … والعُرْسُ إثرَ العُرْسِ مُتَّصِلَانِ
5380 – حَتَّى إِذَا مَا وَاجَهَتْهُ تَقَابَلَا … أَرَأيْتَ قطُّ تقابُلَ القَمَرَانِ؟
5381 – فَسَلِ المُتَيَّمَ هَلْ يَحِلُّ الصَّبْرُ عَنْ … ضَمٍّ وَتَقْبِيلٍ وَعَنْ فَلَتَانِ؟
5382 – وَسَلِ المُتَيَّمَ أَيْنَ خَلَّفَ صَبْرَهُ … فِي أيِّ وَادٍ أمْ بِأيِّ مَكَانِ؟
5383 – وَسَلِ المُتَيَّمَ كَيفَ حَالَتُه وَقَدْ … مُلئَتْ لَهُ الأذُنَانِ وَالعَيْنَانِ
5384 – مِنْ مَنْطِق رَقَّتْ حَوَاشِيهِ وَوَجْـ … ــــهٍ كَمْ بِهِ لِلشَّمْسِ مِنْ جَرَيَانِ؟
5385 – وَسَلِ المُتَيَّمَ كَيْفَ عِيشَتُهُ إِذًا … وَهُمَا عَلَى فَرْشَيْهِمَا خِلْوَانِ
5386 – يَتَسَاقَطَانِ لآلِئًا مَنْثُورَةً … مِنْ بَيْنِ مَنْظُومٍ كَنَظْمِ جُمَانِ؟
5387 – وَسَلِ المُتَيَّمَ كَيْفَ مَجْلِسُهُ مَعَ الْـ … ــــــمَحْبُوبِ فِي رَوْحٍ وَفِي رَيْحَانِ
5388 – وَتَدُورُ كَاسَاتُ الرَّحِيقِ عَلَيْهِمَا … بأكُفِّ أَقْمَارٍ مِنَ الوِلْدَانِ
5389 – يتنَازَعَانِ الكأْسَ هَذَا مَرَّةً … والخَودُ أخْرَى ثُمَّ يتَّكِئَانِ
5390 – فَيَضُمُّهَا وَتَضُمُّهُ أرَأيْتَ مَعْـ … ـــــشُوقَيْنِ بَعْدَ البُعْدِ يَلْتَقِيَانِ
5391 – غَابَ الرَّقِيبُ وَغَابَ كُلُّ مُنَكِّدٍ … وَهُمَا بِثَوْبِ الوَصْلِ مُشْتَمِلَانِ
5392 – أَتَراهُمَا ضَجِرَيْنِ مِنْ ذَا العَيشِ لَا … وَحَيَاةِ رَبِّكَ مَا هُمَا ضَجِرَانِ
5393 – وَيزِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا حُبًّا لِصَا … حِبِهِ جَدِيدًا سَائِرَ الأزْمَانِ
5394 – فوِصَالُهُ يَكْسُوهُ حُبًّا بَعْدَهُ … مُتَسَلْسِلًا لَا يَنْتَهِي بزَمَانِ
5395 – فَالوَصْلُ مَحْفُوفٌ بِحُبٍّ سَابِقٍ … وَبلَاحِقٍ وَكِلَاهُمَا صنْوانِ
5396 – فَرْق لَطِيفٌ بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنَ ذَا … يَدْرِيهِ ذُو شُغْلٍ بِهَذَا الشَّانِ

(المتن/284)


5397 – وَمَزِيدُهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَاصِلٌ … سُبْحَانَ ذِي المَلَكُوتِ والسُّلْطَانِ
5398 – يَا غَافِلًا عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ انْتَبِهْ … جَدَّ الرَّحِيلُ وَلَسْتَ بالْيَقْظَانِ
5399 – سَارَ الرِّفَاقُ وَخَلَّفُوكَ مَعَ الأُلى … قَنِعُوا بِذَا الحَظِّ الخَسِيسِ الفَانِي
5400 – وَرَأيْتَ أَكْثَرَ مَنْ تَرى مُتَخَلِّفًا … فَتبِعْتَهُمْ وَرَضيتَ بالحِرْمَانِ
5401 – لَكِنْ أتَيْتَ بخُطَّتَيْ عَجْزٍ وَجَهْـ …. ــــلٍ بَعْدَ ذَا وَصَحِبْتَ كُلَّ أمَاني
5402 – مَنَّتْكَ نَفْسُكَ باللَّحاق مَعَ القُعُو … دِ عَنِ المَسِيرِ وَرَاحَةِ الأبْدَانِ
5403 – وَلَسْوفَ تَعْلَمُ حِينَ يَنْكَشِفُ الغِطَا … مَاذَا أضَعْتَ وَكُنْتَ ذَا إمْكَانِ
* * *

فصلٌ في ذِكْرِ الخِلافِ بينَ النَّاسِ هلْ تحبلُ نساءُ أهْلِ الجنَّةِ أمْ لا؟
5404 – وَالنَّاسُ بَيْنَهُمُ خِلَافٌ هَلْ بِهَا … حَبَلٌ وَفِي هَذَا لَهُمْ قَوْلَانِ
5405 – فَنَفَاهُ طَاووسٌ وَإِبرَاهِيمُ ثُمَّ م … مُجَاهِدٌ وَهُمُ أولُو العِرْفَانِ
5406 – وَرَوَى العُقَيليُّ الصَّدُوقُ أَبُو رَزِيـ … ـــنٍ صَاحِبُ المبْعُوثِ بالقُرْآنِ
5407 – أَنْ لَا تَوَالُدَ فِي الجِنَانِ رَوَاهُ تَعْـ … ـــلِيقًا مُحَمَّدٌ العَظِيمُ الشَّانِ
5408 – وَحَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَال إِسْـ … ــــحَاقُ بْنُ إبراهِيمَ ذُو الإتْقَانِ
5409 – لَا يُشْتَهَى وَلَدٌ بِهَا وَلَوِ اشْتَهَا … هُ لَكَانَ ذَاكَ مُحَقَّقَ الإمْكَانِ
5410 – وَرَوَى هِشَامٌ لابنِهِ عَنْ عَامِرٍ … عَنْ نَاجِيٍ عَنْ سَعْدٍ بنِ سنَانِ
5411 – أنَّ المُنَعَّمَ في الجِنَانِ إذَا اشْتَهَى الْـ … ـــوَلَدَ الَّذِي هُوَ نُسْخَةُ الإنْسَانِ
5412 – فَالحَمْلُ ثُمَّ الوَضْعُ ثُمَّ السِّنُ فِي … فَرْدٍ مِنَ السَّاعَاتِ فِي الأَزْمَانِ
5413 – إسنَادُهُ عِنْدِي صَحِيحٌ قَدْ رَوَا … هُ الترْمِذيُ وأحْمَدُ الشَّيْبَانِي
5414 – ورِجَالُ ذَا الإسْنَادِ مُحْتَجٌّ بِهِمْ … فِي مُسْلمٍ وَهُمُ أولُو إتْقَانِ

(المتن/285)


5415 – لَكِنْ غَرِيبٌ مَا لَهُ مِنْ شَاهِدٍ … فَرْدٌ بِذَا الإِسْنَادِ لَيْسَ بِثَاني
5416 – لَوْلَا حَديِثُ أَبِي رَزينٍ كَانَ ذَا … كَالنَّصِّ يَقْرُبُ مِنْهُ فِي التِّبْيَانِ
5417 – وَلِذَاكَ أوَّلَهُ ابْنُ إبْرَاهِيمَ بالشَّـ … ــرطِ الَّذِي هُوَ مُنْتَفِي الوِجْدَانِ
5418 – وَبِذَاكَ رَامَ الجَمْعَ بَيْنَ حَدِيثِهِ … وَأبي رَزِينٍ وَهْو ذُو إِمْكَانِ
5419 – هَذَا وَفِي تَأْويلهِ نَظَرٌ فإن م … إذَا لِتَحْقِيقٍ وَذِي إيقَانِ
5420 – ولَرُبَّمَا جَاءَتْ لِغَيرِ تَحَقُّقٍ … وَالعَكْسُ فِي إن ذَاكَ وَضْعُ لِسَانِ
5421 – وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ الوِلَادَةَ أَنَّ فِي الْـ … جَنَّاتِ سَائِرَ شَهْوَةِ الإنْسَانِ
5422 – واللهُ قَدْ جَعَلَ البَنينَ مَعَ النِّسَا … مِنْ أَعْظَمِ الشَّهَوَاتِ فِي القُرْآنِ
5423 – فَأُجيبَ عَنْهُ بأنَّه لَا يَشْتَهِي … وَلَدًا وَلَا حَبَلًا مِنَ النِّسْوانِ
5424 – وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ الوِلَادَةَ أنَّهَا … مَلْزُومَةٌ أمْرَان مُمْتَنِعَانِ
5425 – حَيْضٌ وإنْزَالُ المَنِيِّ وَذَانِكَ الْـ … أمْرَانِ فِي الجَنَّاتِ مَفْقُودَانِ
5426 – [لكنَّما الموجودُ نوعٌ غيرُ مَعْـ … ـهُودٍ فماذا النفيُ والإثباتُ متحدانِ]5427 – وَرَوَى صُدَيُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ أنَّ م … مَنِيَّهُمْ إذْ ذَاكَ ذُو فُقْدَانِ
5428 – بَلْ لَا مَنِيّ وَلَا مَنِيَّةَ هَكَذَا … يَروِي سُلَيْمَانٌ هُوَ الطَّبَرانِي
5429 – وَأُجِيبَ عَنْهُ بأنَّهُ نَوْعٌ سِوَى الْـ … ـمعْهُودِ فِي الدنْيَا مِنَ النِّسوانِ
5430 – فالنَّفْى لِلمَعْهُودِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْـ … إيلَادِ والإثْبَاتُ نَوْعٌ ثَانِ
5431 – واللهُ خَالِقُ نَوْعِنَا مِنْ أرْبعٍ … مُتَقَابِلَاتٍ كُلُّهَا بِوِزَانِ
5432 – ذَكَرٌ وأنْثَى وَالَّذِي هُوَ ضِدُّهُ … وَكَذَاكَ مِنْ أُنْثَى بِلَا ذُكْرَانِ
5433 – وَالعَكْسُ أَيْضًا مِثْلُ حَوَّا أمِّنَا … هِيَ أرْبَعٌ مَعْلُومَةُ التِّبْيَانِ
5434 – وَكَذَاكَ مَوْلُودُ الجِنَانِ يَجُوزُ أَنْ … يَأتِي بِلَا حَيْضٍ وَلَا فَيَضانِ
5435 – والأمرُ فِي ذَا مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ … والقَطْعُ مُمْتنعٌ بِلَا بُرْهَانِ
5436 – [فلذاك عندي الوقفُ حتّى يستبيـ … ــن ليَ الصوابُ بفضل ذي الإِحسانِ]

(المتن/286)


فصلٌ في رُؤْيةِ أهْلِ الجنَّةِ رَبَّهمْ تباركَ وتَعالى ونَظَرِهمْ إلى وجهِهِ الكرِيم
5437 – وَيَرْونَهُ سُبحَانَهُ مِنْ فَوْقِهِم … نَظَرَ العِيَانِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ
5438 – هَذَا تَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ لَمْ … يُنْكِرْهُ إلا فَاسِد الإِيْمَانِ
5439 – وَأتَى بِهِ القُرْآنُ تَصْرِيحًا وتعـ … ـرِيضًا هُمَا بِسِيَاقِهِ نَوْعَانِ
5440 – وَهِيَ الزِّيَادَةُ قَدْ أَتَتْ فِي يُونُسٍ … تَفْسيرَ مَنْ قَدْ جَاءَ بالقُرْآنِ
5441 – وَرَوَاهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ بِصَحِيحِهِ … يَروِي صُهَيبٌ ذَا بِلا كِتْمَانِ
5442 – وَهُوَ المَزِيدُ كَذَاكَ فَسَّرَهُ أبُو … بَكْرٍ هُوَ الصِّدِّيقُ ذُو الإيْقَانِ
5443 – وَعَلَيهِ أَصْحَابُ الرسُولِ وَتَابِعُو … هُمْ بَعْدَهُم تَبَعِيَّةَ الأحْسَانِ
5444 – وَلَقَدْ أَتَى ذِكْرُ اللِّقَاءِ لِرَبِّنَا الرَّ … حْمنِ فِي سُوَرٍ مِنَ القرآنِ
5445 – وَلقَاؤهُ إذْ ذَاكَ رُؤَيتُه حَكَى الْـ … إجْمَاعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ بِبَيَانِ
5446 – وَعَلَيهِ أصْحَابُ الحَدِيثِ جَمِيعُهُمْ … لُغَةً وَعُرفًا لَيْسَ يَخْتَلِفَانِ
5447 – هَذَا ويكْفِي أنَّهُ سُبْحَانَهُ … وَصَفَ الوُجُوهَ بِنَضْرَةٍ بِجِنَانِ
5448 – وَأعَادَ أَيْضًا وَصْفَهَا نَظَرًا وَذَا … لَا شَك يُفْهِمُ رُؤَيةً بِعِيَانِ
5449 – وأدتْ أَدَاةُ “إلَى” لِرَفْعِ الوَهْمِ مِنْ … فِكْبر كَذَاكَ تَرَقُّبُ الإنْسَانِ
5450 – وَأضَافَه لِمحَلِّ رُؤيتِهِم بِذِكْر الو … جْهِ إذْ قَامَتْ بِهِ العَيْنَانِ
5451 – تَاللهِ مَا هذَا بِفِكْرٍ وانْتِظَا … رِ مُغَيَّبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بجَنَانِ
5452 – مَا فِي الجِنَانِ مِن انْتِظَارٍ مُؤْلمٍ … وَاللفْظُ يأْبَاهُ لِذِي العِرْفَانِ
5453 – لَا تُفْسِدُوا لَفْظَ الكِتَابِ فَلَيْسَ فيـ … ــهِ حِيلَةٌ يَا فِرْقَةَ الرّوَغَانِ
5454 – مَا فَوْقَ ذَا التَّصْرِيحِ شَيءٌ مَا الَّذِي … يَأتِي بِهِ مِنْ بَعْدِ ذَا التِّبْيَانِ؟
5455 – لَو قَالَ أبْيَنَ مَا يُقَالُ لَقُلْتُمُ … هُوَ مُجْمَلٌ مَا فِيهِ مِنْ تِبْيَانِ

(المتن/287)


5456 – وَلَقَدْ أَتَى فِي سُورةِ التَّطْفِيفِ أنَّ م … القَوْمَ قَدْ حُجِبوا عَنِ الرَّحْمنِ
5457 – فَيَدُلُّ بالْمَفْهُومِ أنَّ المؤمِنِيـ … ــنَ يَرَوْنَهُ فِي جَنَّةِ الحَيَوَانِ
5458 – وَبذَا اسْتَدلَّ الشَّافِعي وأحْمَدٌ … وَسِوَاهمَا مِنْ عَالِمِي الأزْمَانِ
5459 – وَأَتَى بِذَا المفْهومِ تَصْريحًا بآ … خِرِهَا فَلَا تُخْدَعْ عَنِ القُرْآنِ
5460 – وَأَتَى بِذَاكَ مُكَذِّبًا لِلْكَافِرِيـ … ــن السَّاخِرِينَ بِشِيعَةِ الرَّحْمنِ
5461 – ضَحِكُوا مِنَ الكُفَارِ يَوْمئذٍ كَمَا … ضَحِكُوا هُمُ مِنْهُمْ عَلَى الإيْمَانِ
5462 – وَأثَابَهُم نَظَرًا إِلَيهِ ضِدَّ مَا … قَدْ قَالَهُ فِيهِمْ أولُو الكُفْرَانِ
5463 – فَلِذَاكَ فَسَّرَهَا الأئمةُ أنَّهُ … نَظَرٌ إلَى الرَّبِّ العَظِيمِ الشَّانِ
5464 – لِلَّهِ ذَاكَ الفَهْمُ يُؤْتِيهِ الَّذِي … هُوَ أهْلُه مَنْ جَادَ بالإحْسَانِ
5465 – وَرَوَى ابْنُ مَاجَةَ مُسْنِدًا عَن جَابرٍ … خَبَرًا وَشَاهِدُهُ فَفِي القُرْآنِ
5466 – بَينَاهُمُ فِي عَيْشِهِمْ وَسُرُورِهمْ … وَنعِيمِهمْ فِي لَذَّةٍ وَتَهَانِي
5467 – وَإذَا بِنُورٍ سَاطِعٍ قَدْ أَشْرَقَتْ … مِنْهُ الجِنَانُ قَصِيُّهَا والدَّانِي
5468 – رَفَعُوا إِلَيْهِ رُؤوسَهُمْ فَرأوْهُ نُو … رَ الرَّبِّ لَا يَخْفَى عَلَى إنْسَانِ
5469 – وَإذَا برَبِّهِمُ تَعَالى فَوْقَهُمْ … قَدْ جَاءَ لِلتَّسْلِيم بالإحْسَانِ
5470 – قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمُ فَيَروْنَهُ … جَهْرًا تراه منهم العينانِ
5471 – مِصْدَاقُ ذَا “يس” قَدْ ضَمِنَتْهُ عِنْـ … ــد القَوْلِ مِنْ رَبٍّ بِهِمْ رَحْمنِ
5472 – مَنْ رَدَّ ذَا فَعَلى رَسُولِ الله رَدَّ م … وَسَوْفَ عِنْدَ اللهِ يَلتَقِيَانِ
5473 – فِي ذَا الحَدِيثِ عُلُوُّهُ وكلامُه … وَمجيئُه حَتَّى يُرَى بِعِيَانِ
5474 – هَذِي أُصُولُ الدِّينِ فِي مَضْمُونِهِ … لَا قَولُ جَهْمٍ صَاحِبِ البُهْتَانِ
5475 – وَكَذَا حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ ذَلكَ الْـ … خَبَرُ الطوِيلُ أَتَى بِهِ الشَّيْخَانِ
5476 – فِيهِ تَجَلِّي الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ … وَمَجِيئُهُ وَكَلَامُهُ بِبَيَانِ
5477 – وَكَذَاكَ رُؤْيَتُهُ وَتَكْلِيمٌ لِمَنْ … يَخْتَارُهُ مِنْ أُمَّةِ الإنْسَانِ
5478 – فِيهِ أصُولُ الدِّينِ أَجْمَعُهَا فَلَا … تَخْدَعْكَ عَنْهُ شِيعَةُ الشَّيْطَانِ

(المتن/288)


5479 – وَحَكَى رَسُولُ اللهِ فِيهِ تَجَدُّدَ الْـ … ـغَضَبِ الَّذِي لِلرَّبِّ ذِي السُّلْطَانِ
5480 – إجْمَاعَ أَهْلِ العَزْمِ مِنْ رُسُلِ الإلـ … ـهِ وَذَاكَ إجْمَاعٌ عَلَى البُرْهَانِ
5481 – لَا تُخْدَعَنَّ عَنِ الحَدِيثِ بِهَذِهِ الْـ … آرَاءِ فَهْيَ كَثِيرَةُ الهَذَيَانِ
5482 – أصْحَابُهَا أَهْلُ التَّخرُّصِ وَالتَّنَا … قُضِ والتَّهَاتُرِ قَائلُو البُهْتَانِ
5483 – يَكفِيكَ أَنَّكَ لَوْ حَرَصْتَ فَلَنْ تَرَى … فِئَتَيْنِ مِنْهُم قَطُّ تتّفِقَانِ
5484 – إلَّا إذا مَا قَلَّدُوا لِسِوَاهُمَا … فَتَراهُمُ جِيلًا مِنَ العُمْيَانِ
5485 – وَيقُودُهُمْ أَعْمَى يُظَنُّ كمُبْصِرٍ … يَا مِحْنَةَ العُمْيَانِ خَلْفَ فُلَانِ
5486 – هَلْ يَستَوِي هَذَا وَمُبْصِرُ رُشْدِهِ … اَللَّهُ أكبَرُ كَيْفَ يَسْتَويَانِ؟
5487 – أَوَ مَا سَمِعْتَ مُنَادِيَ الإيمَانِ يُخـ … ـبرُ عَنْ مُنَادِي جَنَّةِ الحَيَوَانِ؟
5488 – يا أَهْلَهَا لَكُمُ لَدَى الرَّحْمنِ وَعْـ … ـدٌ وَهْوَ مُنْجِزُهُ لَكُمْ بِضَمَانِ
5489 – قَالُوا أَمَا بَيَّضْتَ أوْجُهَنَا كَذَا … أَعْمَالَنَا ثَقَّلْتَ فِي الميزَانِ
5490 – وَكَذَاكَ قَدْ أدْخَلْتَنَا الجَنَّاتِ حِيـ … ـنَ أجَرْتَنَا حقًّا مِنَ النِّيرَانِ
5491 – فَيقُولُ عَنْدِي مَوْعِد قَدْ آن أنْ … أُعْطِيكُمُوهُ بِرَحْمَتِي وَحنَانِي
5492 – فَيَرَونَهُ مِنْ بَعْدِ كَشْفِ حِجَابِهِ … جَهْرًا رَوَاه مُسْلِمٌ بِبَيَانِ
5493 – وَلَقَدْ أَتَانَا فِي الصَّحِيحَينِ اللَّذيْـ … ـن هُمَا أَصَحُّ الكُتْبِ بَعْدَ قُرَانِ
5494 – بِروَايَةِ الثِّقَةِ الصَّدُوقِ جَرِيرٍ الْـ … ـبجَلِي عَمَّنْ جَاءَ بالقُرْآنِ
5495 – أنَّ العِبَادَ يَرَوْنَهُ سُبحَانَهُ … رُؤيَا العِيَانِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ
5496 – فَإِنِ اسْتَطَعْتُم كُلِّ وَقتٍ فَاحْفَظُوا الْـ … ـبَرْدَيْنِ مَا عِشْتُمْ مَدَى الأَزْمَانِ
5497 – وَلَقَدْ رَوَى بِضْع وَعِشْرونَ امرأً … مِنْ صَحْبِ أحْمَدَ خِيرَةِ الرَّحْمنِ
5498 – أَخْبَارَ هَذَا البَابِ عَمنْ قَدْ أَتَى … بالوَحْي تَفْصِيلًا بِلَا كِتْمَانِ
5499 – وَألَذُّ شَيءٍ لِلقُلُوبِ فَهَذِهِ الْـ … أخْبَارُ مَعْ أَمْثَالِهَا هِيَ بَهْجَةُ الإيمَانِ
5500 – وَاللهِ لَوْلَا رُؤيَةُ الرَّحْمن فِي الْـ … ـجَنَّاتِ مَا طَابَتْ لِذِي العِرْفَانِ
5501 – أَعْلَى النَّعِيمِ نَعِيمُ رُؤيةِ وَجْهِهِ … وَخِطَابِه فِي جَنَّةِ الحَيَوَانِ

(المتن/289)


5502 – وَأَشَدُ شَيءٍ فِي العَذَابِ حِجَابُهُ … سُبحَانهُ عَنْ سَاكِني النِّيرَانِ
5503 – وَإذَا رَآهُ المؤمنُونَ نسُوا الَّذِي … هُم فِيهِ مِما نَالَتِ العَيْنَانِ
5504 – فَإذَا تَوَارَى عَنْهُمُ عَادُوا إلَى … لَذَّاتِهِم مِنْ سائِرِ الألْوَانِ
5505 – فَلَهُمْ نَعِيمٌ عِنْدَ رُؤيتِهِ سِوَى … هَذَا النَّعِيمِ فَحَبَّذَا الأمْرَانِ
5506 – أَوَ مَا سَمِعْتَ سُؤَالَ أعْرفِ خَلْقِهِ … بِجَلَالةِ المبْعُوثِ بالقُرْآنِ
5507 – شَوْقًا إِلَيْهِ وَلَذَّةَ النَّظَرِ الَّذي … لِجَلَالِ وَجْهِ الرَّبِّ ذِي السُّلْطَانِ
5508 – فَالشَّوقُ لَذَّةُ رُوحِهِ فِي هَذِهِ الد … نْيَا وَيَوْمَ قِيَامَةِ الأبْدَانِ
5509 – تَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ الَّذِي فَازَتْ بِهِ … دُونَ الجَوَارح هَذِهِ العَيْنَانِ
5510 – وَاللهِ مَا فِي هَذِهِ الدنْيَا ألَذُّ م … مِنَ اشْتِياقِ العَبْدِ للرَّحْمنِ
5511 – وَكَذَاكَ رُؤَيةُ وَجْهِهِ سُبْحَانَهُ … هِيَ أكْمَلُ اللَّذَّاتِ للإِنْسَانِ
5512 – لَكنَّمَا الجَهْميُّ يُنْكِر ذَا وَذَا … وَالوَجهَ أيْضًا خَشْيَةَ الحِدْثَانِ
5513 – تَبًّا لَهُ المخْدُوعُ أنْكَرَ وَجْهَهُ … وَلِقَاءَهُ وَمَحَبَّةَ الدَّيَّانِ
5514 – وَكَلَامَهُ وَصِفَاتِهِ وَعُلُوَّهُ … وَالعَرْشَ عَطَّلَهُ مِنَ الرَّحْمنِ
5515 – فَتَرَاهُ فِي وَادٍ وَرُسْلُ اللهِ فِي … وَادٍ وَذَا مِنْ أَعْظَمِ الكُفْرَانِ
* * *

فصلٌ في كَلامِ الرَّبِّ جلَّ جلالُهُ معَ أهلِ الجنَّةِ
5516 – أَوَ مَا عَلِمْتَ بأنَّهُ سُبْحَانَهُ … حَقًّا يُكَلِّمُ حِزْبَهُ بِجِنَانِ
5517 – فَيَقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ هَلْ أَنْتُمُ … رَاضونَ قَالُوا نَحْن ذُو رِضْوَانِ
5518 – أمْ كَيْفَ لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا … مَا لَمْ يَنَلْهُ قَطُّ مِنْ إنْسَانِ
5519 – هَلْ ثَمَّ شَيءٌ غَيْرُ ذَا فَيَكُونَ أَفْـ … ـضَلَ مِنْهُ نَسْأَلُهُ مِنَ المنَّانِ؟
5520 – فَيَقُولُ أفْضَلُ مِنْهُ رِضْوَانِي فَلَا … يَغْشَاكُمُ سُخْطٌ مِنَ الرَّحْمنِ

(المتن/290)


5521 – وَيُذَكِّرُ الرَّحْمنُ وَاحِدَهُم بِمَا … قَدْ كَانَ مِنْه سَالِفَ الأزْمَانِ
5522 – مِنْهُ إِلَيْهِ لَيْسَ ثَمَّ وَسَاطَةٌ … مَا ذَاكَ تَوْبِيخًا مع الغُفرانِ
5523 – لَكِنْ يُعَرِّفُهُ الَّذِيْ قدْ نَالَهُ … مِنْ فَضْلِهِ وَالعَفْوِ وَالإحْسَانِ
5524 – وَيُسَلِّمُ الرحْمنُ جَلَّ جَلَالُهُ … حَقًّا عَلَيهِمْ وَهْوَ فِي القُرْآنِ
5525 – وَكَذَاكَ يُسْمِعُهُم لَذيذَ خِطَابِهِ … سُبْحَانَهُ بِتِلَاوَةِ الفُرْقَانِ
5526 – فَكَأنَّهُم لَمْ يَسمَعُوهُ قَبْلَ ذَا … هَذَا رَوَاهُ الحَافِظُ الطَّبَرانِي
5527 – هَذَا سَمَاعٌ مُطْلَقٌ وَسَمَاعُنَا الْـ … ـقرْانَ فِي الدُّنْيَا فَنَوْعٌ ثَانِ
5528 – وَاللهُ يُسمَعُ قَوْلُهُ بِوَسَاطَةٍ … وَبِدُونِهَا نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ
5529 – فَسَمَاعُ مُوسَى لَمْ يَكُنْ بِوَسَاطَةٍ … وَسَمَاعُنَا بِتَوسُّطِ الإنْسَانِ
5530 – مَنْ صَيَّرَ النَّوعَينِ نَوْعًا وَاحِدًا … فَمُخَالِفٌ لِلعَقْلِ وَالقُرْآنِ
* * *

فصلٌ في يومِ المزيدِ ومَا أعدَّ اللهُ لهم فيهِ منَ الكَرامَةِ
5531 – أَوَ مَا سَمِعْتَ بِشَأْنِهِمْ يَوْمَ المزيـ … ــيد وأنَّهُ شَأْنٌ عَظِيمُ الشَّانِ
5532 – هُوَ يَوْمُ جُمْعَتِنَا وَيَوْمُ زِيَارَةِ الرَّ … حْمنِ وَقْتَ صَلَاتِنَا وأذَانِ
5533 – وَالسَّابِقُونَ إلَى الصَّلَاةِ هُمُ الألُى …. فَازُوا بِذَاكَ السَّبْقِ بالإحْسَانِ
5534 – سَبقٌ بِسَبْقٍ والمؤخِّرُ هَا هُنَا … مُتأَخِّرٌ فِي ذَلِكَ الميْدَانِ
5535 – وَالأقْرَبُونَ إلَى الإمَامِ فَهُم أولُو الزُّ … لْفَى هُنَاكَ فَهَاهُنَا قُرْبَانِ
5536 – قُربٌ بِقُربٍ وَالمُبَاعِدُ مِثْلُهُ … بُعْدٌ بِبُعْدٍ حِكْمَةُ الدَّيَّانِ
5537 – وَلَهُمْ مَنَابِرُ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ … وَمَنَابِرُ اليَاقُوتِ والعِقْيَانِ
5538 – هَذَا وأدْنَاهُم وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ م … فَوْقَ ذَاكَ المِسْكِ كالكُثْبَانِ

(المتن/291)


5539 – مَا عِنْدَهُمْ أَهْلُ المنَابِرِ فَوْقَهُمْ … مِمَّا يَرَوْنَ بِهِمْ مِنَ الإحْسَانِ
5540 – فَيَرَوْنَ رَبَّهُمُ تَعَالَى جَهْرَةً … نَظَرَ العِيَانِ كَمَا يُرَى القَمَرَانِ
5541 – وَيُحَاضِرُ الرَّحْمنُ وَاحِدَهُم مُحَا … ضَرَةَ الحَبِيبِ يَقُولُ يَا ابْنَ فُلانِ
5542 – هَلْ تَذْكُرُ اليَوْمَ الَّذِي قَدْ كُنْتَ فِيـ … ــهِ مُبَارِزًا بِالذَّنْبِ والعِصْيَانِ
5543 – فَيَقُولُ رَبِّ أَمَا مَنَنْتَ بِغَفْرهِ … قِدْمًا فإنَّكَ وَاسِعُ الغُفْرَانِ
5544 – فَيُجِيبُهُ الرَّحْمنُ مَغْفرتي الَّتِي … قَدْ أَوْصَلَتْكَ إِلَى المَحَلِّ الدَّانِي
* * *

فصلٌ في المطَرِ الَّذي يُصيبُهُمْ هُناكَ
5545 – وَيُظِلُّهُمْ إذْ ذَاكَ مِنْهُ سَحَائبٌ … تَأتِي بِمِثْلِ الوَابِلِ الهَتَّانِ
5546 – بَيْنَا هُمُ فِي النُّورِ إذْ غَشِيَتْهُمُ … سُيحَانَ مُنْشِئِهَا مِنَ الرِّضْوَانِ
5547 – فَتَظَلُّ تُمْطِرُهُم بِطِيبِ مَا رَأَوْا … شَبَهًا لَهُ فِي سَالِفِ الأزْمَانِ
5548 – فَيَزِيْدُهُم هَذَا جَمَالًا فَوْقَ مَا … بِهِمُ وَتِلْكَ مَوَاهِبُ المنَّانِ
* * *

فصلٌ في سُوقِ الجنَّةِ الذي ينصرفونَ إِليه مِنْ ذَلِكَ المجلِسِ
5549 – فَيقُولُ جَلَّ جَلَالُهُ قومُوا إِلَى … مَا قَدْ ذَخَرْتُ لَكُمْ مِنَ الإِحْسَانِ
5550 – يَأْتُونَ سُوقًا لَا يُبَاعُ وَيُشْتَرَى … فِيهِ فَخُذْ مِنْه بِلَا أَثْمَانِ
5551 – قَدْ أَسْلَفَ التُّجَّارُ أَثْمَانَ الْمَبِيـ … ــعِ بعَقْدِهِم فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ
5552 – للهِ سُوقٌ قَدْ أَقَامَتْها المَلَا … ئِكَةُ الكِرامُ بِكُلِّ مَا إِحْسَانِ
5553 – فِيهَا الَّذِي وَاللهِ لَا عَيْنٌ رَأَتْ … كَلَّا وَلَا سَمِعَتْ بِهِ أُذُنَانِ

(المتن/292)


5554 – كَلَّا وَلَم يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ امْرِئٍ … فَيَكُونَ عَنْهُ مُعَبِّرًا بِلِسَانِ
5555 – فَيَرَى امْرأً مِنْ فَوْقِهِ فِي هَيئَةٍ … فيرُوعُهُ مَا تَنْظُرُ العَيْنَانِ
5556 – فَإذَا عَلَيْهِ مِثْلُهَا إذْ لَيْسَ يَلْـ … ـحَقُ أَهْلَهَا شَيءٌ مِنَ الأحْزَانِ
5557 – واهًا لِذَا السُّوقِ الَّذِي مَنْ حَلَّهُ … نَالَ التَّهَانِيَ كُلَّها بأمَانِ
5558 – يُدْعَى بِسُوقِ تَعَارُفٍ مَا فِيهِ مِنْ … صَخَبٍ وَلَا غِشٍّ وَلَا أيْمَانِ
5559 – وَتِجَارُه مَنْ لَيْسَ تُلهِيهِ تِجَا … رَاتٌ وَلَا بَيْعٌ عَنِ الرَّحْمنِ
5560 – أَهْلُ المُروءةِ والفُتُوَّةِ والتُّقَى … والذكْرِ للرحْمنِ كُلَّ أَوَانِ
5561 – يَا مَنْ تَعوَّضَ عَنْهُ بالسُّوقِ الَّذِي … رُكِزَتْ لَدَيْهِ رَايَةُ الشَّيْطَانِ
5562 – لَوْ كُنْتَ تَدْرِي قَدْرَ ذَاكَ السُّوقِ لَمْ … تَركَنْ إِلَى سُوقِ الكَسَادِ الفَانِي
* * *

فصلٌ في حَالهمْ عِنْدَ رُجوعِهمْ إِلَى أَهْلِيهمْ ومنازِلِهمْ
5563 – فَإذَا هُمُ رَجَعُوا إِلَى أَهْليهِمُ … بمَوَاهِبٍ حَصَلَتْ مِنَ الرَّحْمنِ
5564 – قَالُوا لَهُمْ أَهْلًا وَرَحْبًا مَا الَّذِي … أُعْطِيتُمُ مِنْ ذَا الجَمَالِ الثَّانِي
5565 – واللهِ لَازْدَدتُمْ جَمَالًا فَوْقَ مَا … كُنْتُم عَلَيْهِ قَتلَ هَذَا الآنِ
5566 – قَالُوا وَأَنْتُمْ وَالَّذِي أَنْشَاكُمُ … قَدْ زِدْتُمُ حُسْنًا عَلَى الإحسانِ
5567 – لكِنْ يَحِقُّ لَنَا وَقَدْ كُنَّا إِذًا … جُلسَاءَ رَبِّ العَرْشِ ذِي الرِّضْوَانِ
5568 – فَهُمُ إِلَى يَوْمِ المزِيد أَشَدُّ شَوْ … قًا مِنْ مُحِبٍّ لِلْحبيبِ الدَّانِي
* * *

فصلٌ في خُلودِ أهلِ الجنَّةِ فيها ودَوامِ صِحَّتِهمْ ونعيمِهم وشبابِهم واستحالةِ الموتِ والنَّومِ عليهم
5569 – هَذَا وَخَاتِمَةُ النَّعَيمِ خُلُودُهُم … أَبدًا بِدَارِ الخُلْدِ وَالرِّضْوَانِ

(المتن/293)


5570 – أَوَ مَا سَمِعْتَ مُنَادِيَ الإِيمَانِ يُخْـ … ـبِرُ عَنْ مُنَادِيهِم بِحُسْنِ بَيَانِ
5571 – لَكُمُ حَيَاةٌ مَا بِهَا مَوْتٌ وَعَا … فِيَةٌ بِلَا سَقَمٍ وَلَا أحْزَانِ
5572 – وَلَكُمْ نَعِيمٌ مَا بِهِ بُؤْسٌ وَمَا … لِشَبَابِكُم هَرَمٌ مَدَى الأزْمَانِ
5573 – كَلَّا وَلَا نَوْمٌ هُنَاكَ يَكُونُ إذ … نَوْمٌ وَمَوْتٌ بَيْنَنَا أَخَوَانِ
5574 – هَذَا عَلِمْنَاهُ اضْطِرَارًا مِنْ كِتَا … بِ اللهِ فَافْهَمْ مُقْتَضَى القُرْآنِ
5575 – وَالجَهْمُ شيخُ القوم أَفْنَاهَا وأفْـ … ـنَى أهلَها تَبًّا لِذَا الفَتَّانِ
5576 – طَرْدًا لِنفْيِ دَوَامِ فِعْلِ الرَّبِّ فِي الْـ … ـَماضِي وَفِي مُستَقْبَلِ الأزْمَانِ
5577 – وَأبُو الهُذَيْلِ يقُولُ يَفْنَى كُلِّ … مَا فِيهَا مِنَ الحَرَكَاتِ لِلسُّكَّانِ
5578 – وَتَصِيرُ دَارُ الخُلْدِ مَعْ سُكَّانِهَا … وَثِمَارِهَا كَحِجَارَةِ البُنْيَانِ
5579 – قَالُوا وَلَوْلَا ذَاكَ لَمْ يَثْبُتْ لَنَا … رَبٌّ لأَجْلِ تَسَلْسُلِ الأَعْيَانِ
5580 – فالقومُ إمَّا جَاحِدُونَ لِرَبِّهِم … أَوْ مُنْكِرُونَ حَقَائِقَ الإيمَانِ
* * *

فصلٌ في ذبْحِ الموتِ بينَ الجنَّةِ والنَّارِ والرَّدِّ على مَنْ قَالَ: إنَّ الذَّبحَ لِملَكِ الموتِ أو إنَّ ذلكَ مجازٌ لاَ حقيقةٌ
5581 – أَوَ مَا سَمِعْتَ بِذَبْحِهِ لِلمَوْتِ بَيـ … ـنَ المنْزِلَيْنِ كَذَبْحِ كَبْشِ الضَّانِ
5582 – حَاشَا لِذَا الملَكِ الكَرِيمِ وإنَّمَا … هُوَ مَوْتُنَا المحْتُومُ للإنْسَانِ
5583 – وَاللهُ يُنْشِئُ مِنْهُ كَبشًا أمْلَحًا … يَوْمَ المعَادِ يُرَى لَنَا بِعِيَانِ
5584 – يُنْشي مِنَ الأعْرَاضِ أَجْسَامًا كَذَا … بِالعَكْسِ كُلٌّ قَابِلُ الإمْكَانِ
5585 – أَفَمَا تُصَدقُ أنَّ أَعْمَالَ العِبَا … دِ تُحَطُّ يَوْمَ العَرْضِ فِي الميزَانِ؟
5586 – وَلِذاك تَثْقُلُ تَارَةً وَتَخِفُّ أُخـ … ـرَى ذَاكَ فِي القُرْآنِ ذُو تِبْيَانِ

(المتن/294)


5587 – وَلَهُ لِسَانٌ كِفَتَاهُ تُقِيمُهُ … وَالكِفَّتَانِ إِلَيْهِ نَاظِرَتَانِ
5588 – مَا ذَاكَ أمْرًا مَعْنَويًّا بَلْ هُوَ الْـ … ـمَحْسُوسُ حَقًّا عِنْدَ ذِي الإيمَانِ
5589 – أَوَ مَا سَمِعْتَ بأنَّ تَسْبِيحَ العِبَا … دِ وَذِكْرَهُم وَقِرَاءةَ القُرْآنِ
5590 – يُنْشِيهِ رَبُّ العَرْشِ فِي صُوَرٍ تُجَا … دِلُ عَنْهُ يَوْم قِيَامَةِ الأبْدَانِ؟
5591 – أَوَ مَا سَمِعْتَ بأنَّ ذَلِكَ حَوْلَ عَرْ … شِ الرَّبِّ ذُو صَوْتٍ وَذُو دَوَرانِ
5592 – يَشْفَعْنَ عِنْدَ الربِّ جَلَّ جَلَالُه … وَيُذَكِّرُونَ بِصَاحِبِ الإحْسَانِ؟
5593 – أَوَ مَا سَمِعْتَ بأنَّ ذَلِك مُؤنِسٌ … فِي القَبرِ لِلْمَلْفُوفِ فِي الأكْفَانِ
5594 – فِي صُورَةِ الرَّجُلِ الجَمِيلِ الوَجْهِ في … سِنِّ الشَّبَابِ كأجْمَلِ الشُّبَّانِ؟
5595 – أَوَ مَا سَمِعْتَ بأنَّ مَا تَتْلُوهُ فِي … أيَّامِ هَذَا العُمْرِ مِنْ قُرْآنِ
5596 – يَأْتِي يُجَادِلُ عَنْكَ يَوْمَ الحَشْرِ للرَّ … حْمنِ كَي يُنْجِيكَ منْ نِيرَانِ
5597 – فِي صُورَةِ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ شَاحبٌ … يَا حَبَّذَا ذَاكَ الشَّفِيعُ الدَّانِي
5598 – أَوَ مَا سمعْتَ حَدِيثَ صِدْقٍ قَدْ أَتَى … فِي سُورَتَينِ مِنَ أوَّل الفُرقانِ؟
5599 – فِرقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍ بَيْنَهَا … شَرقٌ وَمِنْهُ الضَّوْءُ ذُو تِبْيانِ
5600 – شَبِّهُّمَا بغَمَامَتَينِ وإنْ تَشَأْ … بِغَيَايَتَينِ هُمَا لِذَا مَثَلَانِ
5601 – هَذَا مِثَالُ الأجْرِ وَهْوَ فِعَالُنَا … لِتلَاوَةِ القُرْآنِ بالإحْسَانِ
5602 – أوَ ما سمِعتَ بِقَلْبِه سبحانَه الْـ … أعيانَ مِن لَونٍ إلى ألوانِ؟
5603 – فَالْمَوتُ يُنْشِيهِ لَنَا فِي صُورَةٍ … خَلَّاقُهُ حَتَّى يُرَى بِعيَانِ
5604 – والموْتُ مَخْلُوقٌ بِنَصِّ الوَحْيِ والْـ … ـمَخْلُوقُ يَقْبَلُ سَائِرَ الأكَوَانِ
5605 – في نَفْسِهِ وبِنَشْأَةٍ أُخْرى بِقُدْ … رَةِ قَالِبِ الأَعْراضِ والأعيانِ
5606 – وَكَذَلِكَ الأعْرَاضُ يَقْلِبُ رَبُّهَا … أَعْيَانَهَا والْكُلُّ ذُو إمْكَانِ
5607 – لَمْ يَفْهَمِ الجُهَّالُ هَذَا كُلَّهُ … فَأَتَوْا بِتَأْوِيلَاتِ ذِي البُطْلَانِ
5608 – فَمُكَذِّبٌ وَمُؤَوِّلٌ وَمُحَيَّرٌ … مَا ذَاقَ طَعْمَ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ
5609 – لَمَّا فَسَا الجُهَّالُ فِي آذَانِهِ … أعْمَوْهُ دُونَ تَدَبُّرِ القُرْآنِ

(المتن/295)


5610 – فَثَنَى لَنَا العِطْفَيْنِ مِنْه تَكَبُّرًا … وَتَبَخْتُرًا فِي حُلَّةِ الهَذَيَانِ
5611 – إنْ قُلْتَ: قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُه … فَيَقُولُ جَهْلًا: أَيْنَ قَوْلُ فُلَانِ؟
* * *

فصلٌ في أنَّ الجنَّةَ قِيعانٌ وأنَّ غِراسَها الكلِمُ الطيبُ والعملُ الصالح
5612 – أَوَ مَا سَمِعْتَ بأنَّهَا القِيعَانُ فَاغْـ … ـرِسْ مَا تَشاءُ بِذَا الزَّمَانِ الفَانِي
5613 – وَغِراسُهَا التَّسْبِيحُ والتكْبِيرُ والتَّـ … حْمِيدُ والتَّوحِيدُ لِلرَّحْمنِ
5614 – تَبًّا لِتَارِكِ غَرْسِهِ مَاذَا الَّذِي … قَدْ فَاتَهُ في مُدَّةِ الإمْكَانِ
5615 – يَا مَنْ يُقِرُّ بِذَا وَلَا يَسْعَى لَهُ … باللَّهِ قُلْ لي كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ
5616 – أَرَأَيتَ لَوْ عَطَّلْتَ أَرْضَكَ مِنْ غِرَا … سٍ مَا الَّذِي تَجْنِي مِنَ البُسْتَانِ
5617 – وَكَذَاكَ لَوْ عَطَّلْتَها مِنْ بَذْرِهَا … تَرجو المُغَلَّ يَكُونُ كَالكِيمَانِ
5618 – مَا قَالَ رَبُّ الْعَالَمينَ وَعَبْدُه … هَذَا فَرَاجِعْ مُقْتَضَى الْقُرْآنِ
5619 – وَتَأَمَّلِ البَاءَ الَّتِي قَدْ عَيَّنَتْ … سَبَبَ الْفَلَاحِ لِحِكْمَةِ الْفُرْقَانِ
5620 – وَأظُنُّ بَاءَ النَّفْي قَدْ غَرَّتْكَ فِي … ذَاكَ الحَدِيثِ أتَى بِهِ الشَّيخَانِ
5621 – لَنْ يَدْخُلَ الجنَّاتِ أَصْلًا كَادِحٌ … بِالسَّعْي مِنْهُ وَلَوْ عَلَى الأجْفَانِ
5622 – واللهِ مَا بَيْن النُّصُوصِ تَعَارُضٌ … وَالكُلُّ مَصْدَرُهَا عَنِ الرَّحْمنِ
5623 – لَكِنَّ بَا الأثْبَاتِ لِلتَّسْبِيبِ وَاوْ … ـبَاءُ الَّتي لِلنَّفْي بَا الأثْمَانِ
5624 – والفَرقُ بَيْنَهُمَا فَفَرْقٌ ظَاهِرٌ … يَدْرِيه ذُو حَظٍّ مِنَ العِرْفَانِ
* * *

(المتن/296)


فصلٌ في إقامَةِ المأتمِ على المتخلِّفِينَ عنْ رُفْقةِ السَّابقينَ
5625 – بِاللهِ مَا عُذْرُ امْرئٍ هُوَ مُؤمِنٌ … حَقًّا بِهَذَا لَيْسَ باليَقْظَانِ
5626 – بَلْ قَلْبُهُ فِي رَقْدَةٍ فإذَا اسْتَفَا … قَ فَلِيسُه هُوَ حُلَّةُ الكَسْلَانِ
5627 – تَاللهِ لَوْ شَاقَتْكَ جَنّاتُ النَّعِيـ … ـمِ طَلَبتَهَا بِنَفَائِسِ الأثْمَانِ
5628 – وَسَعَيْتَ جَهْدَكَ فِي وِصَالِ نَوَاعِم … وَكَوَاعِب بيضِ الوُجُوهِ حِسَانِ
5629 – جُلِيَتْ عَلَيكَ عَرَائِسٌ وَاللهِ لَوْ … تُجْلَى عَلَى صَخْر مِنَ الصَّوَّانِ
5630 – رَقَّت حَوَاشِيهِ وَعَادَ لِوَقْتِهِ … يَنْهَالُ مِثْلَ نَقًا مِنَ الكُثْبَانِ
5631 – لَكِنَّ قَلْبَكَ فِي القَسَاوَةِ جَازَ حَدَّ … م الصَّخْرِ فالخَنْساءُ في أشجانِ
5632 – لَوْ هَزَّكَ الشَّوْقُ المُقِيمُ وَكُنْتَ ذَا … حِسٍّ لَمَا اسْتَبْدَلْتَ بالأدْوَانِ
5633 – أَوْ صَادَفَتْ مِنْكَ الصِّفَاتُ حَيَاةَ قَلْـ … ــبٍ كُنْتَ ذَا طَلَبٍ لِهذَا الشَّانِ
5634 – خَوْدٌ لِعِنِّينٍ تُزَفُّ إلَيه ما … ذا حيلةُ العِنِّينِ في الغَشَيَانِ؟
5635 – شمسٌ تُزَفُّ إلى ضَرِيرٍ مُقْعَدٍ … يَا مِحْنَةَ الْحَسْنَاءِ بالعُمْيَانِ
5636 – يَا سِلْعَةَ الرَّحْمنِ لَسْتِ رَخِيصَةً … بَلْ أَنْتِ غَالِيَةٌ عَلَى الكَسْلَانِ
5637 – يَا سِلْعَةَ الرَّحْمنِ لَيْسَ يَنَالُهَا … فِي الألْفِ إلَّا وَاحِدٌ لَا اثْنَانِ
5638 – يَا سِلْعَة الرَّحْمنِ مَنْ ذَا كُفْؤُهَا … إلَّا أُولُو التَّقْوى مَعَ الإيمَانِ
5639 – يَا سِلْعَةَ الرَّحْمنِ سُوقُكِ كَاسِدٌ … بَيْنَ الأرَاذِلِ سِفْلَةِ الحَيَوَانِ
5640 – يَا سِلْعَةَ الرَّحْمنِ أيْنَ المشْتَرِي … فَلَقدْ عُرِضْتِ بأيْسَرِ الأثْمَانِ
5641 – يَا سِلْعَةَ الرَّحْمنِ هَلْ مِنْ خَاطِبٍ … فَالمَهْرُ قَبلَ المَوْتِ ذُو إمْكَانِ
5642 – يَا سِلْعَةَ الرَّحْمنِ كَيْفَ تَصَبَّرَ الْـ … خُطَّابُ عَنْكِ وَهُمْ ذَوُو إيمَانِ؟
5643 – يَا سِلْعَةَ الرَّحْمنِ لَوْلَا أَنَّهَا … حُجِبَتْ بِكُلِّ مَكَارِهِ الإنْسَانِ
5644 – مَا كانَ عَنْهَا قَطُّ مِنْ مُتَخَلِّفٍ … وَتَعَطَّلَتْ دَارُ الجَزَاءِ الثَّانِي

(المتن/297)


5645 – لَكِنَّهَا حُجِبتْ بِكُلِّ كَرِيهَةٍ … لِيُصدَّ عَنْهَا المُبطِلُ المتَوَانِي
5646 – وَتَنَالَهَا الْهِمَمُ الَّتِي تَسْمُو إِلَى … رُتَبِ الْعُلَى بِمَشِيئَةِ الرَّحْمنِ
5647 – فاتْعَبْ لِيوْمِ مَعَادِكَ الأدنَى تَجِدْ … رَاحَاتِهِ يَوْمَ المعَادِ الثَّانِي
5648 – وإذَا أَبَتْ تنقادُ نفسُك فاتَّهِمْـ … ـها ثُمَّ رَاجِعْ مَطْلِعَ الإيمَانِ
5649 – فإذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ بَعْدُ وَصُبْحُهُ … مَا انْشَقَّ عَنْهُ عَمُودُهُ لِأذَانِ
5650 – وَالنَّاسُ قَدْ صَلَوا صَلَاةَ الصُّبْحِ وانْـ … ـتَظَرُوا طُلُوعَ الشَّمْسِ قُرْبَ زَمَانِ
5651 – فَاعْلَمْ بأنَّ العَيْنَ قَدْ عَمِيَتْ فَنَا … شِدْ رَبَّكَ المعْرُوفَ بالإحْسَانِ
5652 – وَاسْألْهُ إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبَكَ الْـ … ـمَحْجُوبَ عَنْهُ لِتَنْظُرَ العَيْنَانِ
5653 – وَاسْألْهُ نُورًا هَاديًا يَهْديكَ فِي … طُرُقِ المَسِيرِ إِلَيْهِ كُلِّ أوَانِ
5654 – وَاللهِ مَا خَوْفِي الذُّنُوبَ فإنَّهَا … لَعَلَى طَرِيقِ العَفْوِ والغُفْرَانِ
5655 – لَكِنَّمَا أخْشَى انْسِلَاخَ القَلْبِ مِنْ … تَحْكِيمِ هَذَا الوَحْي والقُرْآنِ
5656 – وَرِضًا بآرَاءِ الرِّجَالِ وَخَرصِهَا … لَا كَانَ ذَاكَ بِمِنَّةِ الرَّحْمنِ
5657 – فَبأي وَجْه ألتَقِي رَبِّي إذَا … أَعْرَضْتُ عَنْ ذَا الوَحْي طُولَ زَمَانِ
5658 – وَعزَلْتُهُ عَمَّا أرِيدَ لأَجْلِهِ … عَزْلًا حَقِيقِيًّا بِلَا كِتْمَانِ
5659 – صَرَّحْتُ أنَّ يَقِيْنَنَا لَا يُسْتَفَا … دُ بِهِ وَلَيْسَ لَدَيْهِ مِنْ إيقَانِ
5660 – أوْلَيْتُهُ هَجْرًا وَتحريفًا وَتَفْـ … ـويضًا وتأويلًا بِلَا بُرْهَانِ
5661 – وَسَعَيتُ جَهْدِي فِي عُقُوبَةِ مُمسِكٍ … بِعُرَاهُ لَا تقليدَ قولِ فُلَانِ
5662 – يَا مُعْرِضًا عَمَّا يُرادُ بِهِ وَقَدْ … جَدَّ المسِيرُ فَمُنْتَهَاهُ دَانِ
5663 – جَذْلَانَ يَضْحَكُ آمِنًا مُتَبَخْتِرًا … فَكَأنَّهُ قَدْ نَالَ عَقْدَ أمَانِ
5664 – خَلَعَ السُّرورُ عَلَيْهِ أوْفَى حُلَّةٍ … طَرَدَتْ جَمِيعَ الهَمِّ والأحْزَانِ
5665 – يَخْتَالُ فِي حُلَلِ المسَرَّةِ نَاسِيًا … مَا بَعْدهَا مِنَ حُلَّةِ الأكْفَانِ
5666 – مَا سَعْيُهُ إلَّا لِطيبِ الْعَيْشِ فِي الدُّ … نْيا وَلَوْ أفْضَى إلَى النِّيرانِ
5667 – قَدْ بَاعَ طِيبَ العَيْشِ فِي دَارِ النَّعيـ … ـم بِذَا الحُطَامِ المُضْمَحِلِّ الفَانِي

(المتن/298)


5668 – إنِّي أَظُنُّكَ لَا تُصَدِّقُ كَونَهُ … بالقُرْبِ بَلْ ظَنٌّ بِلَا إيقَانِ
5669 – بَلْ قَدْ سَمِعْتَ النَّاسَ قَالُوا جَنَّةٌ … أَيْضًا وَنَارٌ بَلْ لَهُمْ قَوْلَانِ
5670 – وَالوَقْفُ مَذْهَبُكَ الَّذِي تَخْتَارُهُ … وَإذَا انْتَهَى الإيمَانُ لِلرُّجْحَانِ
5671 – لم تُؤثِرُ الأدْنَى عَلَيْهِ وَقَالَتِ النَّـ … ـفْسُ الَّتِي اشْتَغلَتْ عَلَى الشَّيْطَانِ
5672 – تبِيعُ نَقْدًا حَاصِلًا بِنَسِيئَةٍ … بَعْدَ الممَاتِ وَطَيِّ ذِي الأكْوَانِ
5673 – لَو أنَّهُ بِنَسيئَةِ الدُّنْيا لَهَا … نَ الأَمْرُ لَكِنْ فِي مَعَادٍ ثَانِ
5674 – دَعْ مَا سَمِعْتَ النَّاسَ قَالُوهُ وَخُذْ … مَا قَدْ رَأيتَ مُشَاهَدًا بِعِيَانِ
5675 – وَاللهِ لَوْ جَالَسْتَ نَفْسَكَ خَالِيًا … وَبَحثْتَهَا بَحْثًا بِلَا رَوَغَانِ
5676 – لرأيْتَ هَذَا كَامِنًا فِيهَا وَلَوْ … أَمِنَتْ لألْقَتْهُ إلَى الآذَانِ
5677 – هَذَا هُوَ السِّرُّ الَّذِي مِنْ أجْلِهِ اخـ … ـتارَتْ عَلَيْهِ العَاجِلَ المُتَدَاني
5678 – نَقْدٌ قَدِ اشْتَدَّتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ … مِنْهَا وَلَم يَحْصُلْ لَهَا بِهَوَانِ
5679 – أتبِيعُهُ بِنَسِيئَةٍ فِي غَيْرِ هَـ … ـذِي الدَّارِ بَعْدَ قِيَامَةِ الأبْدَانِ
5680 – هَذَا وإنْ جَزَمَتْ بهَا قَطْعًا وَلَـ … ـكِنْ حَظُّهَا فِي حَيِّزِ الإمْكَانِ
5681 – مَا ذَاكَ قَطْعِيًّا لَهَا والحَاصِلُ الْـ … ـمَوْجُودُ مَشْهُودٌ بِرَأيِ عِيَانِ
5682 – فَتَألَّفَتْ مِنْ بَيْنِ شَهْوَتِهَا وَشُبْـ … ـهتِهَا قِيَاسَاتٌ مِنَ البُطْلَانِ
5683 – وَاسْتَنْتَجَتْ مِنْها رِضًا بِالعاجِلِ الْـ … أَدْنَى عَلَى الموْعُودِ بَعْدَ زمَانِ
5684 – وَأتَى مِنَ التَّأْويلِ كُلُّ مُلائِمٍ … لِمُرَادِهَا يَا رِقَّةَ الإيمَانِ
5685 – وَصَغَتْ إلى شُبُهاتِ أهْلِ الشِّركِ وَالتَّـ … ـعْطِيلِ مَعْ نَقْصٍ مِنَ العِرْفَانِ
5686 – وَاسْتَنقَصَتْ أَهْلَ الهُدَى وَرَأتهُمُ … فِي النَّاسِ كَالغُرَبَاءِ فِي البُلْدَانِ
5687 – وَرأَتْ عُقُولَ النَّاسِ دائِرةً عَلَى … جَمْعِ الحُطَامِ وَخِدْمَةِ السُّلْطَانِ
5688 – وَعلَى الملِيحةِ والمَليحِ وَعِشْرَةِ الْـ … أَحْبَابِ والأصْحَابِ والإخْوَانِ
5689 – فَاسْتَوعَرَتْ تَركَ الْجَمِيعِ وَلَم تَجِدْ … عِوَضًا تلَذُّ بِهِ مِنَ الإحْسَانِ
5690 – فَالقَلْبُ لَيْسَ يَقَرُّ إِلَّا فِي إِنَا … ء فَهْوَ دُونَ الجِسْمِ ذُو جَوَلَانِ

(المتن/299)


5691 – يَبْغِي لَهُ سَكَنًا يَلَذُّ بِقُرْبِهِ … فَتَرَاهُ شِبْهَ الوَالِهِ الحَيْرانِ
5692 – فَيُحِبُّ هَذَا ثُمَّ يَهْوَى غَيْرَهُ … فَيَظَلُّ مُنْتَقِلًا مَدَى الأزْمَانِ
5693 – لَوْ نَالَ كُلِّ مَليحَةٍ ورَياسَةٍ … لَمْ يَطْمَئِنَّ وَكَانَ ذَا دَوَرَانِ
5694 – بَلْ لَوْ يَنَالُ بأسْرِهَا الدُّنْيَا لَمَا … قَرَّتْ بِمَا قَدْ نَالَهُ العَيْنَانِ
5695 – (نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيْثُ شِئْتَ مَنَ الهَوَى) … وَاخْتَر لِنَفسِكَ أحْسَنَ الإنْسَانِ
5696 – فَالقَلْبُ مُضْطَرٌّ إلَى مَحْبُوبِهِ الْـ … أَعْلَى فَلَا يَثنيه حُبٌّ ثَانِ
5697 – وَصَلَاحُهُ وَفَلَاحُهُ وَنَعِيمُهُ … تَجْرِيدُ هَذَا الحُبِّ لِلرَّحْمنِ
5698 – فَإذَا تَخَلَّى مِنْهُ أصْبَحَ حَائِرًا … وَيَعُودُ فِي ذَا الكَوْنِ ذَا هَيَمَانِ
* * *

فصلٌ في زهدِ أهلِ العلمِ والإِيمَانِ، وإيثارِهِمْ الذَّهبَ الباقي علي خَزَفٍ فانٍ
5699 – لَكِنَّ ذَا الإيمَانِ يَعْلَمُ أنَّ هَـ … ـذا كَالظّلَالِ وكُلُّ هَذَا فَانِ
5700 – كَخَيَالِ طَيْفٍ مَا اسْتَتَمَّ زِيَارَةً … إلَّا وَفَجْرُ رَحِيلِهِ بِأَذَانِ
5701 – وَسَحَابةٍ طَلَعَتْ بِيَوْمٍ صَائِفٍ … فَالظِّلُّ مَنْسُوخٌ بِقُربِ زَمَانِ
5702 – وَكَزَهْرَةٍ وَافَى الرَّبِيعُ بِحُسْنِهَا … زالا مَعًا فَكِلَاهُمَا أَخَوَانِ
5703 – أَوْ كَالسَّرابِ يَلُوحُ لِلظّمْآنِ فِي … وَسَطِ الهَجِيرِ بِمُستَوي القِيعَان
5704 – أَوْ كَالأَمَانِي طَابَ مِنْهَا ذِكْرُهَا … بِالقَولِ واسْتِحْضَارُهَا بِجَنَانِ
5705 – وَهِيَ الغَرُورُ رُؤُوسُ أمْوَالِ المفَا … لِيسِ الأُلَى تَجَروا بِلَا أثْمَانِ
5706 – أَو كالطَّعَامِ يَلَذُّ عِنْدَ مَسَاغِهِ … لَكِنَّ عُقْبَاهُ كَمَا تَجِدَانِ
5707 – هَذَا هُوَ المثَلُ الَّذِي ضَرَبَ الرَّسُو … لُ لَهَا وذَا فِي غَايَةِ التِّبْيَانِ

(المتن/300)


5708 – وَإذَا أَرَدْتَ تَرَى حَقِيقَتَها فَخُذْ … مِنْهُ مِثَالًا وَاحِدًا ذَا شَانِ
5709 – أَدْخِلْ بِجَهْدِكَ إصْبَعًا فِي اليَمِّ وَانْـ … ـظُر مَا تَعَلَّقَهُ إذًا بِعِيَانِ
5710 – هَذَا هُوَ الدُّنْيَا كَذَا قَال الرَّسُو … لُ مُمَثِّلًا والحَقُّ ذُو تِبْيَانِ
5711 – وَكَذَاكَ مَثَّلَهَا بِظِلِّ الدَّوْحِ فِي … وَقْتِ الحَرُورِ لِقَائِلِ الرُّكْبَانِ
5712 – هَذَا وَلَو عَدَلَتْ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ … عِنْدَ الإلهِ الحَقِّ فِي الميزَانِ
5713 – لَمْ يَسْقِ مِنْهَا كَافِرًا مِنْ شَرْبَةٍ … مَاءً وَكَانَ أحقَّ بالحِرْمَانِ
5714 – تَاللهِ مَا عَقَلَ امْرؤٌ قَدْ بَاعَ مَا … يَبْقَى بِمَا هُوَ مُضْمَحِلٌّ فَانِ
5715 – هَذَا وَتُفْتي ثُمَّ تقْضِي حَاكِمًا … بِالحَجْرِ مِنْ سفَهٍ لدى الإنْسَانِ
5716 – إِذْ بَاعَ شَيئًا قَدْرُهُ فَوْقَ الَّذِي … يَعْتَاضُهُ مِنْ هَذِهِ الأَثْمَانِ
5717 – فَمَن السَّفِيهُ حَقِيقَةً إنْ كُنْتَ ذَا … عَقْلٍ وأين العَقْلُ لِلسَّكْرَانِ!
5718 – واللهِ لَوْ أنَّ القُلُوبَ شَهِدْنَ مِنَّا م … كَانَ شَأنٌ غَيْرُ هَذَا الشَّانِ
5719 – نَفَسٌ مِنَ الأَنفَاسِ هَذَا العَيْشُ إنْ … قِسْنَاهُ بالعَيشِ الطَّوِيلِ الثَّانِي
5720 – يَا خِسَّةَ الشُّرَكَاءِ مَعْ عَدَم الوَفَا … ءِ وَطُولِ جَفْوتِهَا معَ الحِرْمانِ
5721 – هَلْ فِيكِ مُعْتَبَرٌ فَيَسْلُوَ عَاشِقٌ … بِمَصَارعِ العُشَّاقِ كُلَّ زَمَانِ
5722 – لَكِنْ عَلَى تِلْكَ العُيُونِ غِشَاوَةٌ … وَعَلَى القُلُوبِ أَكِنَّةُ النِّسْيَانِ
5723 – وَأخُو البَصَائِرِ حَاضِرٌ مُتَيَقِّظٌ … مُتفَرِّدٌ عَنْ زُمْرَةِ العُمْيَانِ
5724 – يَسْمو إِلى ذَاكَ الرفِيقِ الأرْفَعِ الْـ … أعْلَى وَخَلَّى اللِّعْبَ لِلصِّبْيَانِ
5725 – وَالنَّاسُ كُلُّهُمُ فَصِبْيَانٌ وإنْ … بَلَغُوا سِوَى الأفرادِ والوُحْدَانِ
5726 – وَإذَا رَأَى مَا يَشْتَهيهِ قَالَ مَوْ … عِدُكَ الجِنَانُ وَجَدَّ فِي الأثمَانِ
5727 – وإِذا رأى ما تشتهيه نفسُه … قَالَ انْظُري عُقْباهُ بعد زمان
5728 – وَإذَا أَبَتْ إلَّا الجِمَاحَ أَعَاضَهَا … بِالعِلْمِ بَعْدَ حَقَائِقِ الإيمَانِ
5729 – وَيَرى مِنَ الخُسرَانِ بَيْعَ الدائِمِ الْـ … ـبَاقِي بِهِ يَا ذِلَّةَ الخُسْرَانِ
5730 – وَيَرى مَصَارعَ أهْلِه مِنْ حَوْلهِ … وَقُلُوبُهُم كمَرَاجِلِ النِّيرانِ

(المتن/301)


5731 – حَسَرَاتُهَا هُنَّ الوَقُودُ فإنْ خَبَتْ … زَادَتْ سَعيرًا بِالوَقُودِ الثَّانِي
5732 – جَاؤوا فُرَادَى مِثْل مَا خُلِقُوا بِلَا … مَالٍ وَلَا أَهْلٍ وَلَا إخْوَانِ
5733 – مَا مَعْهُمُ شَيءٌ سِوَى الأعْمَالِ فَهْـ … ـيَ مَتَاجِرٌ لِلنَّارِ أوْ لِجِنانِ
5734 – تَسْعَى بِهِمْ أعْمَالُهُم سَوْقًا إلَى الدَّ … ارَين سَوْقَ الخَيْلِ بالرُّكْبَانِ
5735 – صَبَرُوا قَلِيلًا فَاسْتَرَاحُوا دَائِمًا … يَا عِزَّة التَّوفِيقِ لِلإِنْسَانِ
5736 – حَمِدو التُّقَى عِنْدَ المَمَاتِ كَذَا السُّرَى … عِنْدَ الصَّبَاحِ فحَبَّذَا الحَمْدَانِ
5737 – وَحَدَتْ بِهِمْ عَزَمَاتُهُم نَحْوَ العُلَى … وَسَرَوْا فَمَا نَزَلُوا إلَى نَعْمَانِ
5738 – بَاعُوا الَّذِي يَفْنَى مِنَ الخَرفِ الْخَسِيـ … ـس بِدَائِمٍ مِنْ خَالصِ العِقْيَانِ
5739 – رُفِعَتْ لَهُمْ فِي السَّيْرِ أَعْلَامُ السَّعَا … دَةِ وَالهُدَى يَا ذِلَّةَ الحَيْرَانِ
5740 – فَتَسَابَقَ الأقْوَامُ وابْتَدَرُوا لَهَا … كَتَسَابُقِ الفُرْسَانِ يَومَ رِهَانِ
5741 – وَأَخُو الهُوَينا فِي الدِّيَارِ مُخَلَّفٌ … مَعَ شَكْلِهِ يَا خَيْبَةَ الكَسْلَانِ
* * *

فصلٌ في رغبةِ قائِلها إلى مَنْ يقفُ عليها منْ أهل العلم والإيمان أن يتجرّد لله ويحكم عليها بما يوجبهُ الدليلُ والبرهان، فإنْ رأى حقًّا قبِلَهُ وحمدَ الله عليَهِ وإنْ رأى باطلًا عَرَّفَه وأرشَد إليه
5742 – يَأيُّهَا القَارِي لَهَا اجْلِس مَجْلِسَ الْـ … حَكَمِ الأَمِينِ انْتَابَه خَصْمَانِ
5743 – واحْكُمْ هَدَاكَ اللهُ حُكْمًا يَشْهَدُ الْـ … ـعَقْلُ الصَّرِيحُ بِهِ مَعَ القُرْآنِ
5744 – واصْبِر ولا تَعْجَلْ بتكفيرِ الذي … قد قالَها جَهْلًا بلا بُرهانِ
5745 – وَاحْبِسْ لِسَانَكَ بُرْهَةً عَنْ كُفْرِهِ … حَتَّى تُعَارِضَهَا بِلَا عُدْوَانِ
5746 – فإذَا فَعَلْتَ فَعِنْدَهُ أَمْثَالُهَا … فَنَزالِ آخِرُ دَعْوَةِ الفُرْسَانِ

(المتن/302)


5747 – فَالكُفرُ لَيْسَ سِوَى العِنَادِ وَرَدِّ مَا … جَاءَ الرَّسُولُ بِهِ لِقَوْلِ فُلَانِ
5748 – فَانْظُر لَعَلَّكَ هَكَذَا دُونَ الَّذِي … قَدْ قَالَهَا فَتَفُوزَ بِالخُسْرَانِ
5749 – فَالحَقُّ شَمْسٌ وَالعُيُونُ نَوَاظِرٌ … لَا تَخْتَفِي إلَّا عَلَى العُمْيَانِ
5750 – وَالقَلْبُ يَعْمَى عَنْ هُداهُ كمِثْلِ مَا … تَعْمَى وأعْظَمَ هَذِهِ العَيْنَانِ
5751 – هَذَا وإنِّي بَعْدُ مُمْتَحَنٌ بِأرْ … بَعَةٍ وكُلُّهُمُ ذَوُو أضْغَانِ
5752 – فَظٌّ غَلِيظٌ جَاهِلٌ مُتَمَعْلِمٌ … ضَخْمُ العِمَامَةِ وَاسِعُ الأرْدَانِ
5753 – مُتَفَيهِقٌ مُتشَدِّقٌ مُتَضَلِّعٌ … بالجهلِ ذو ضَلْعٍ مِنَ العِرْفَانِ
5754 – مُزْجَى البِضَاعَةِ فِي العُلُومِ وإنَّهُ … زَاجٍ مِنَ الإيهَامِ والهَذَيَانِ
5755 – يَشْكُو إلَى اللهِ الحُقُوقَ تَظَلُّمًا … مِنْ جَهْلِهِ كَشِكَايَةِ الأبْدَانِ
5756 – مِن جَاهِل مُتَطبِّبٍ يُفْتي الوَرَى … وَيُحِيلُ ذَاكَ عَلَى قَضَا الرَّحْمنِ
5757 – عَجتْ فُرُوجُ الخَلْقِ ثُمَّ دِمَاؤُهُم … وَحُقُوقُهُم مِنْهُ إلَى الدَّيَّانِ
5758 – مَا عِنْدَهُ عِلْمٌ سِوَى التَّكْفِيرِ والتَّـ … ــبديعِ والتَّضْلِيلِ وَالبُهْتَانِ
5759 – فَإذَا تَيَقَّنَ أنَّهُ المغْلُوبُ عِنْـ … ـدَ تَقَابُلِ الفُرْسَانِ فِي المَيْدَانِ
5760 – قَالَ اشْتَكُوهُ إلَى القُضَاةِ فإنْ هُمُ … حَكَمُوا وَإلَّا اشْكُوهُ لِلسُّلْطانِ
5761 – قُولُوا لَهُ: هَذَا يَحُلُّ المُلْكَ بَلْ … هَذَا يُريد المُلْكَ مِثْلَ فُلَانِ
5762 – فَاعْقِرْهُ مِنْ قَبلِ اشْتدَادِ الأمْرِ مِنْـ … ـهُ بِقُوَّةِ الأتْبَاعِ والأَعْوَانِ
5763 – وَإذَا دَعَاكُمْ لِلرَّسُولِ وَحُكْمِهِ … فَادْعُوهُ لِلْمعقولِ بالأذهانِ
5764 – فإذَا اجْتَمَعْتُم فِي المجَالِسِ فالْغَطُوا … وَالْغَوْا إذَا مَا احْتَجَّ بِالقُرآنِ
5765 – وَاسْتَنْصِرُوا بِمَحَاضِرٍ وَشَهَادَةٍ … قَدْ أُصْلِحَتْ بِالرفْقِ والإتْقَانِ
5766 – لَا تَسْأَلُوا الشُّهَدَاءَ كَيْفَ تَحَمَّلُوا … وَبِأيِّ وَقْتٍ أو بِأَيِّ مَكَانِ
5767 – وَارْفُوا شَهَادَتَكُم وَمَشُّوا حَالَها … بَلْ أَصْلِحُوهَا غَايَةَ الإمْكَانِ
5768 – وَإذَا هُمُ شَهِدُوا فَزَكُّوهُم وَلَا … تُصْغُوا لِقَوْلِ الجَارحِ الطَّعَّانِ
5769 – قُولُوا عَدَالَةُ مِثلِهم قَطْعِيَّةٌ … لَسنَا نُعَارِضُها بِقَوْلِ فُلَانِ

(المتن/303)


5770 – ثَبَتَتْ علَى الحُكَّامِ بَلْ حَكَموْا بِهَا … فالقَدْحُ فِيهَا غيرُ ذي إِمْكَانِ
5771 – مَنْ جَاءَ يَقْدَحُ فِيهِمُ فَلْيَتَّخِذْ … ظَهْرًا كَمِثْل حِجَارَةِ الصَّوَّانِ
5772 – وإذَا هُوَ اسْتَعْدَاهُمُ فَجَوَابُكُمْ … أَتَرُدُّهَا بِعَدَاوَةِ الأديانِ؟
* * *

فصلٌ في حالِ العدو الثَّانِي
5773 – أَوْ حَاسِدٌ قَدْ بَاتَ يَغْلِي صَدْرُه … بعَدَاوَتِي كالمِرْجَلِ المَلآنِ
5774 – لَوْ قُلتُ هَذا البَحْرُ قَالَ مُكَذِّبًا … هَذَا السَّرَابُ يَكُونُ بِالقِيعَانِ
5775 – أَوْ قُلْتُ هَذِي الشَّمْسُ قَالَ مُبَاهِتًا … الشَّمْسُ لَمْ تَطْلُعْ إلَى ذَا الآنِ
5776 – أَوْ قُلْتُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُولُه … غَضِبَ الْخَبِيثُ وَجَاءَ بالْكِتْمَانِ
5777 – أَوْ حَرَّفَ الْقُرْآنَ عَنْ مَوْضُوعِهِ … تَحْرِيْفَ كَذَّابِ عَلَى الْقُرآنِ
5778 – صَالَ النُّصُوصُ عَلَيْهِ فَهْوَ بِدَفْعِهَا … مُتَوكِّلٌ بِالدَّأْبِ والدَّيدَانِ
5779 – فَكَلَامُهُ فِي النَّصِّ عِنْدَ خِلَافِهِ … مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ الطَّعَّانِ
5780 – فَالقَصْدُ دَفْعُ النَّصِّ عَنْ مَدْلُولِهِ … كَيْلَا يَصُولَ إذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ

فصلٌ في حالِ العدوِّ الثَّالثِ
5781 – وَالثَّالِثُ الأَعْمَى المقَلِّدُ ذَيْنِكَ الرَّ … جُلَيْنِ قَائِدُ زُمْرَةِ العُمْيَانِ
5782 – فَاللَّعْنُ والتَّكْفِيرُ والتَّبْديعُ والتَّـ … ـضْليلُ والتَّفْسِيقُ بِالعُدْوانِ
5783 – فإذا هُمُ سَأَلُوهُ مُسْتَنَدًا لَهُ … قَالَ اسْمَعُوا مَا قَالَهُ الرَّجُلَانِ
* * *

(المتن/304)


فصلٌ في حالِ العدوِّ الرَّابعِ
5784 – هَذَا وَرَابِعُهُمْ وَلَيْسَ بِكَلْبِهِمْ … حَاشَا الكِلَابَ الآكِلي الأنْتَانِ
5785 – خِنْزِيرُ طَبْعٍ فِي خَليقَةِ نَاطِقٍ … مُتَسَوِّقٌ بِالكِذْبِ والبُهْتَانِ
5786 – كَالكَلْبِ يَتْبَعُهُمْ يُمَشْمِشُ أَعْظُمًا … يَرْمُونَهَا وَالقَوْمُ لِلُّحْمانِ
5787 – يَتَفَكَّهُونَ بِهَا رَخِيصًا سِعْرُهَا … مَيْتًا بِلَا عِوَضٍ وَلَا أثْمَانِ
5788 – هُوَ فَضْلَةٌ فِي النَّاس لَا عِلْمٌ وَلَا … دِينٌ وَلَا تَمكِينُ ذِي سُلْطَانِ
5789 – فَإذَا رَأى شَرًّا تَحَرَّكَ يَبتَغِي … ذِكْرًا كَمِثْلِ تَحَرُّكِ الثُّعْبَانِ
5790 – لِيَزُولَ عَنْهُ أَذَى الكَسَادِ فَيَنْفُقَ الْـ … ـكلْبُ العَقُورُ عَلَى قَطيعِ الضَّانِ
5791 – فَبَقَاؤُه فِي النَّاسِ أَعْظَمُ مِحْنَةً … مِنْ عَسكَرٍ يُعْزَى إلَى غَازَانِ
5792 – هَذِي بِضَاعَةُ ضَارِبٍ فِي الأرْضِ يَبْـ … ـغِي تَاجِرًا يَبتَاعُ بالأَثْمَانِ
5793 – وَجَدَ التِّجَارَ جَمِيعَهُم قَدْ سَافروا … عَنْ هَذهِ البُلْدَانِ والأوْطَانِ
5794 – إلَّا الصَّعَافِقَةَ الَّذِينَ تَكَلَّفُوا … أنْ يَتْجَرُوا فِينَا بِلَا أثْمَانِ
5795 – فَهُمُ الزَّبُونُ لَهَا فَبِاللَّهِ ارْحَمُوا … مِنْ بَيعَةٍ مِنْ مُفْلِسٍ مِدْيانِ
5796 – يَا رَبِّ فَارْزُقْهَا بِحَقِّكَ تَاجِرًا … قَدْ طَافَ في الآفَاقِ والبُلْدَانِ
5797 – مَا كُلُّ مَنْقُوشٍ لَدَيْهِ أصْفَرٍ … ذَهَبًا يَرَاهُ خَالِصَ العِقْيَانِ
5798 – وَكَذا الزُّجَاجُ وَدُرَّةُ الغَوَّاصِ فِي … تَمْيِيزِهِ مَا إنْ هُمَا مِثْلَانِ
* * *

فصلٌ في توجُّهِ أهلِ السنّةِ إلى ربِّ العالمينَ أنْ ينصُرَ دينَه وكتابَه ورسولَه وعبادَه المؤمنينَ
5799 – هَذَا وَنصْرُ الدِّينِ فَرْضٌ لَازِمٌ … لَا لِلْكِفَايَة بَلْ عَلَى الأَعْيَانِ

(المتن/305)


5800 – بِيَدٍ وإمَّا بِاللِّسَانِ فَإنْ عَجَزْ … تَ فَبِالتَّوَجُّهِ والدُّعَا بِجَنَانِ
5801 – مَا بَعْدَ ذَا وَاللهِ للإيمَانِ حبَّـ … ـةُ خَرْدَلٍ يَا نَاصِرَ الإيمَانِ
5802 – بِحَيَاةِ وَجْهِكَ خَيْرِ مَسؤُولٍ بِهِ … وَبِنُورِ وَجْهِكَ يَا عَظِيمَ الشَّانِ
5803 – وبِحَقِّ نِعْمَتِكَ الَّتِي أَوْلَيْتَهَا … مِنْ غَيْرِ مَا عِوَضٍ وَلَا أثْمَانِ
5804 – وَبِحَقِّ رَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ جَميـ … ـعَ الخَلْقِ مُحْسِنَهُمْ كَذَاكَ الجَانِي
5805 – وبِحَقِّ أَسْمَاءٍ لَكَ الْحُسْنَى مَعَا … نِيهَا نُعُوتُ الْمَدْحِ لِلرَّحْمنِ
5806 – وَبِحَقِّ حَمْدِكَ وَهْوَ حَمْدٌ وَاسِعُ الْـ … أَكْوَانِ بَلْ أَضْعَافُ ذِي الأكْوَانِ
5807 – وبأنَّكَ اللهُ الإلهُ الحَقُّ مَعْـ … ـبُودُ الوَرَى مُتَقَدِّسٌ عَنْ ثَانِ
5808 – بَلْ كُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاكَ فَبَاطِلٌ … مِنْ دُونِ عَرْشِكَ لِلثَّرَى التَّحتَانِي
5809 – وَبِكَ المَعَاذُ وَلا مَلَاذَ سِواكَ أَنْـ … ـتَ غِيَاثُ كُلِّ مُلَدَّدٍ لَهْفَانِ
5810 – مَنْ ذَاكَ لِلمُضْطَرِّ يَسْمَعُهُ سِوَا … كَ يُجِيبُ دَعْوَتَهُ مَعَ العِصْيَانِ
5811 – إنا تَوَجَّهْنَا إِلَيْكَ لِحَاجَةٍ … تُرْضِيكَ طَالِبُهَا أَحَقُّ مُعَانِ
5812 – فاجْعَلْ قَضَاهَا بَعْضَ أَنْعُمِكَ الَّتِي … سَبَغَتْ عَلَيْنَا مِنْكَ كُلَّ زَمَانِ
5813 – انْصُرْ كِتَابَكَ والرَّسُولَ وَدِينَكَ الْـ … ـعَالِي الَّذِي أَنْزَلْتَ بالبُرْهَانِ
5814 – وَاخْتَرْتَهُ دِيْنًا لِنَفْسِكَ واصْطَفَيْـ … ـتَ مُقِيمَهُ مِنْ سائر الإنْسَانِ
5815 – وَرَضِيْتَهُ دِينًا لِمَنْ تَرْضَاهُ مِنْ … هَذَا الوَرَى هُوَ قَيِّمُ الأدْيَانِ
5816 – وَأَقِرَّ عَيْنَ رَسُولِكَ المبْعُوثِ بالدِّ … ينِ الحَنِيفِ بِنَصْرهِ المُتَداني
5817 – وانْصُرْهُ بالنَّصْرِ العَزِيزِ كمِثْلِ مَا … قَدْ كُنْتَ تَنْصُرُهُ بكُلِّ زَمَانِ
5818 – يَا رَبِّ وانصُرْ خَيْرَ حِزْبَيْنَا عَلَى … حِزْبِ الضَّلَالِ وَعَسْكَرِ الشَّيْطَانِ
5819 – يَا رَبِّ وَاجْعَلْ شَرَّ حِزْبَيْنَا فِدىً … لِخِيَارِهِمْ ولِعَسْكَرِ القُرْآنِ
5820 – يَا رَبِّ وَاجْعَلْ حِزْبَكَ المنْصُورَ أَهْـ … ـلَ تَرَاحُمٍ وَتَواصُل وَتَدَانِ
5821 – يَا رَبِّ وَاحْمِهِمُ مِنَ الْبدَعِ الَّتي … قَدْ أُحْدِثَتْ فِي الدِّيْنِ كُلَّ زَمَانِ
5822 – يَا رَبِّ جَنِّبْهُمْ طَرائِقَهَا الَّتِي … تُفْضِي بِسَالِكِهَا إِلَى النِّيرَانِ

(المتن/306)


5823 – يَا رَبِّ وَاهْدِهِمُ بِنُورِ الوَحْي كَيْ … يَصِلُوا إِلَيْكَ فيَظْفَرُوا بِجِنَانِ
5824 – يَا رَبِّ كُنْ لَهُمُ وَلِيًّا نَاصِرًا … وَاحْفَظْهُمُ مِنْ فِتْنَةِ الفَتَّانِ
5825 – وَانْصُرْهُمُ يَا رَبِّ بِالحَقِّ الَّذِي … أَنْزَلْتَهُ يَا مُنْزِلَ الفرقانِ
5826 – يَا رَبِّ إِنَّهُمُ هُمُ الغُرَبَاءُ قَدْ … أوَوا إِلَيْكَ وَأَنْتَ ذُو الإحْسَانِ
5827 – يَا رَبِّ قَدْ عَادَوْا لأَجْلِكَ كُلَّ هَـ … ـذَا الخَلْقِ إِلَّا صَادِقَ الإيْمَانِ
5828 – قَدْ فَارَقُوهُمْ فِيكَ أحْوَجَ مَا هُمُ … دُنْيَا إِلَيْهِمْ فِي رِضَا الرَّحْمنِ
5829 – وَرَضُوْا وَلَايَتَكَ الَّتِي مَنْ نَالَهَا … نالَ الأمَانَ وَنَالَ كُلَّ أَمَانِي
5830 – وَرَضُوا بِوَحْيِكَ مِنْ سِوَاهُ وَمَا ارْتَضَوْا … بِسِوَاهُ مِنْ آرَاءِ ذِي الأذهانِ
5831 – يَا رَبِّ ثَبِّتْهُمْ عَلَى الإيمَانِ وَاجْـ … ـعَلْهُمْ هُدَاةَ التَّائِهِ الحَيْرَانِ
5832 – وَانْصُرْ عَلَى حِزْبِ النُّفَاةِ عَسَاكِرَ الْـ … إِثْبَاتِ أَهْلَ الحَقِّ والعِرْفَانِ
5833 – وَأقِمْ لأَهْلِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ الْـ … أنْصَارَ وَانْصُرْهُمْ بِكُلِّ مكانِ
5834 – وَاجْعَلْهُمُ لِلمتَّقِينَ أئِمَّةً … وَارْزُقْهُمُ صَبْرًا مَعَ الإيقَانِ
5835 – تهْدِي بأَمْرِكَ لَا بِمَا قَدْ أحْدَثُوا … وَدَعَوْا إِلَيْهِ النَّاسَ بالعُدْوَانِ
5836 – وَأَعِزَّهُمْ بالحَقِّ وَانْصُرْهُمْ بِهِ … نَصْرًا عَزِيزًا أَنْتَ ذُو السُّلْطَانِ
5837 – وَاغْفِرْ ذُنُوبَهُمُ وَأَصْلِحْ شَأْنَهُمْ … فَلَأَنْتَ أَهْلُ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ
5838 – وَلكَ المحَامِدُ كُلُّهَا حَمْدًا كَمَا … يُرْضِيكَ لَا يَفْنَى عَلَى الأزْمَانِ
5839 – مِلْءَ السَّموَاتِ العُلَى والأرْضِ والْـ … ـمَوْجُودِ بَعْدُ وَمُنْتَهَى الإمْكَانِ
5840 – مِمّا تشَاءُ وَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ … حَمْدًا بِغَيْرِ نِهَايَةٍ بِزَمَانِ
5841 – وَعَلَى رَسُولِكَ أفْضلُ الصَّلَوَاتِ والتَّـ … ـسْلِيمِ مِنْكَ وأكمَلُ الرِّضْوَانِ
5842 – وَعَلَى صَحَابَتِهِ جَمِيعًا والأُلَى … تَبِعُوهُمُ مِنْ بَعْدُ بِالإحْسَانِ
***

(المتن/307)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
فهذا كتاب “الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية” للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزيَّة -رحمه الله تعالى- محقَّقًا على أحسن نُسَخه الخطية. مع دراسة وافية عنه، وتعليقات تحلّ مغلقه، وتفتح مقفله، وتفكّ رموزه، وفهارس كاشفة لما تضمنه.
وقد كان أصل هذا العمل أربع رسائل علمية (ماجستير) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قدمها أربعة من الباحثين، وهم: محمد بن عبد الرحمن العريفي، وناصر بن يحيى الحنيني، وعبد الله بن عبد الرحمن الهذيل، وفهد بن علي المساعد، بإشراف فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
وقد اقتضى طبع هذه الرسائل في هذا المشروع المبارك -إن شاء الله تعالى- إجراء تنسيق بينها في المقدمة والتعليقات والفهارس، فأوكل ذلك إلى الشيخ محمد أجمل أيوب الإصلاحي، فكان مُجمل ما قام به ما يلي:
1 – صُنْع مقدمة موحَّدة للتحقيق مستفادة من الرسائل، مع إعادة صياغة وتحرير الفصل الأول (التعريف بالكتاب)، والفصل الخامس (نسخ الكتاب ومنهج التحقيق).
أما الفصل الثاني (الشروح والتعليقات على الكتاب) فمن مقدمة العريفي، والفصل الثالث (موقف أهل البدع من الكتاب) فمن مقدمة

(المقدمة/5)


الحنيني، والفصل الرابع (الموازنة بين النونية وغيرها) فمن مقدمة الهذيل. مع تصرّف وتهذيب.
2 – مقابلة النسخة العمرية واتخاذها أصلًا – إذ لم تكن بين أيدي الباحثين – مع إعادة مقابلة النسخ ذوات الرموز (ف، ب، د، ظ).
3 – تهذيب التعليقات على الكتاب والمواءمة بين أعمال الباحثين، مع إضافة ما يخدم النص من التعليقات مختومة بحرف (ص).
4 – إضافة بعض التعليقات الواردة في كلٍّ من: نسخة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز الخاصة التي قرئت عليه سنة 1367 هـ، ونسختي الخاصة.
5 – توحيد الفهارس، والإحالة فيها على أرقام الأبيات بعد ترقيمها تسلسليًّا.
والحمد لله الَّذي يسَّر إتمام هذا العمل على وجهه اللائق به إن شاء الله تعالى، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.

المشرف العام
بكر بن عبد الله أبو زيد

(المقدمة/6)


مقدمة التحقيق
الفصل الأول: التعريف بالكتاب: 9 – 50
1 – عنوان الكتاب وتوثيق نسبته إلى المؤلف. 9
2 – تاريخ تأليفه. 11
3 – بناء الكتاب وعرض إجمالي لبعض مباحثه المهمة. 12
4 – أهمية الكتاب ونقول العلماء منه واعتمادهم عليه. 24
5 – منهج المؤلف في كتابه. 36
6 – موارد الكتاب. 45
الفصل الثاني: الشروح والتعليقات على الكتاب: عرض وتقويم (العريفي). 51 – 106
1 – الشروح والتعليقات المخطوطة والمطبوعة. 51
2 – شرح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن – عرض وتقويم. 57
3 – شرح الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى – عرض وتقويم. 62
4 – شرح الشيخ محمد خليل هراس. عرض وتقويم. 84

(المقدمة/7)


الفصل الثالث: موقف أهل البدع من الكتاب (الحنيني) 107 – 144
1 – تقي الدين السبكي. 108
2 – محمد بن زاهد الكوثري. 109
3 – كتاب السيف الصقيل وتوثيق نسبته للمؤلف. 111
4 – موقف السبكي والكوثري من خلال السيف الصقيل وتكملته. 113
الفصل الرابع: الموازنة بين النونية وغيرها من المنظومات (الهذيل). 145 – 200
1 – عرض مجمل لمنظومات عقدية على منهج السلف. 145
2 – عرض مجمل لمنظومات عقدية مخالفة لمنهج السلف. 161
3 – الموازنة بين النونية وغيرها من المنظومات. 171
الفصل الخامس: نسخ الكتاب ومنهج التحقيق والتعليق. 199 – 229
1 – نسخ الكتاب الخطية والمطبوعة (الإصلاحي). 199
2 – منهج التحقيق والتعليق. 222
الرموز المستعملة في الحواشي. 227

(المقدمة/8)


الفصل الأول التعريف بالكتاب
1 – عنوان الكتاب وتوثيق نسبته إلى المؤلف:
العنوان المشهور لهذا الكتاب: “الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية”. وقد ذكره بهذا العنوان الصفدي (1)، وابن تغري بردي (2)، والسيوطي (3). وهو الوارد في جميع النسخ المطبوعة والخطية إلّا نسخة واحدة، وهي نسخة الظاهرية المنقولة عن نسخة ابن رجب المقروءة على المؤلف قبل وفاته بستة أشهر. فقد جاء فيها في صفحة العنوان: “الشافية الكافية … ” وكذا في خاتمتها. وهو الَّذي ذكره ابن رجب في ترجمة ابن القيم في ذيله على طبقات الحنابلة (4) ومن نقل عنه كالداوودي (5) والآلوسي (6). وفي كتاب “اجتماع الجيوش الإسلامية” للمؤلف وقع: “الشافية والكافية … ” (7).
وقد رجحنا العنوان الأول لسببين:
__________
(1) الوافي بالوفيات 7/ 271 أعيان العصر 4/ 369.
(2) المنهل الصافي 3/ 62.
(3) بغية الوعاة 1/ 63، واقتصر على “الكافية الشافية”.
(4) الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 450.
(5) طبقات المفسرين 2/ 93.
(6) جلاء العينين ص 31.
(7) اجتماع الجيوش الإسلامية ص 187.

(المقدمة/9)


الأول: أنّه في خاتمة نسخة المكتبة السعودية التي تنتمي إلى نسخة المؤلف التي حررها أخيرًا، سمي الكتاب بهذا العنوان.
والثاني: أنّ النسخة المنقولة عن نسخة ابن رجب التي تحمل عنوان “الشافية الكافية” في أولها وآخرها، ورد فيها أيضًا العنوان المشهور في موضعين في مقدمة المؤلف. أولهما في داخل النص بخط ناسخ النسخة: “وقد سميت هذا المجلس بالكافية الشافية في اعتقاد الفرقة الناجية” (ق 5/ أ). ثم لمّا قوبلت النسخة بالأصل المقروء على المؤلف ضرب على هذه العبارة التي لم ترد في النسخ الأخرى في هذا الموضع. وكتب في الموضع الثاني في الحاشية (ق 5/ ب): “وقد سميتها بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية”.
وسماه الحافظ ابن حجر “الكافية في الانتصار للفرقة الناجية” (1)، فلم يذكر لفظ “الشافية” وكذا في كشف الظنون (2)، ولعل صاحبه اعتمد على الدرر. وفي أعيان العصر: ” … لانتصار الفرقة الناجية” بدلًا من “في الانتصار للفرقة الناجية”، وذلك من التسامح في إيراد العناوين.
وقد يقتصر على تسميته بالقصيدة النونية، كما قال الحافظ ابن رجب: “وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة” (3).
__________
(1) الدرر الكامنة 3/ 402.
(2) كشف الظنون 1369.
(3) الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 448.

(المقدمة/10)


أما نسبة الكتاب إلى ابن القيم رحمه الله، فلا مجال للشك فيها. ويكفي لتوثيقها أن ابن القيم نفسه ذكره في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية، فقال في بحثه عن الاستواء: “وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة واستيفاء الاحتجاج لهم وبيان ما في ذلك في كتاب الشافية والكافية في الانتصار للفرقة الناجية” (1). هذا بالإضافة إلى أن معظم من ترجم لابن القيم ذكره ضمن كتبه، كما مرّ آنفًا. ثم ذكر المؤلف في هذا الكتاب كتابًا مشهورًا من كتبه، وهو الصواعق المرسلة، كما سيأتي في الفقرة التالية.

2 – تاريخ تأليفه:
اجتهدنا في البحث في كتب ابن القيم رحمه الله، وفي المصادر التي ترجمت له عن تاريخ تأليف هذا الكتاب، فلم نعثر على شيء يدل على ذلك، إلّا أنَّه يمكن الجزم بأنّه ألفه بعد كتاب الصواعق المرسلة أو أثناء تأليفه، لأنَّه قال في معرض كلامه على الجهمية الذين فسّروا الاستواء بالاستيلاء:
ولقد ذكرنا أربعين طريقةً … قد أبطَلَتْ هذا بحسن بيانِ
هي في الصواعق إنْ تُرِد تحقيقَها … لا تختفي إلَّا على العُميانِ
نونُ اليهودِ ولامُ جهميٍّ هما … في وحي ربِّ العرشِ زائدتان (2)
__________
(1) اجتماع الجيوش الإسلامية ص 187.
(2) الموضع الذي أشار إليه في كتاب الصواعق هو في 2/ 320 – 366.

(المقدمة/11)


3 – بناء الكتاب وعرض إجمالي لبعض مباحثه المهمة:
هذه المنظومة التي اختار المؤلف لها البحر الكامل من أعظم ما ألّف في كان عقيدة السلف والاحتجاج لها والردّ على المذاهب والآراء المنحرفة عنها. ولا نعرف منظومة لأهل السنة أو غيرهم تقارب هذه المنظومة في حجمها، فقد بلغت أبياتها زهاء ستة آلاف بيت. وقد شملت المنظومة معظم أبواب العقائد، واستوعب المؤلف فيها وجوه الكلام، وأطال النفس في العرض والردّ والبيان، وحشد الأدلة والبراهين المستقاة من الكتاب والسنة والعقل الصريح. هذه الفصول تتسم بطابع علمي بحت، من غير جفاف. وبجانبها فصول أخرى سهلة ممتعة، تشبه فصول ملحمة شعرية. وإذا كان من الصعب أن نعرض هنا لجميع فصول المنظومة ومباحثها، فلا أقلّ من أن نلقي نظرة خاطفة على البناء العام للكتاب مع عرض موجز لبعض المباحث المهمة.
* خطبة الكتاب.
افتتح المؤلف رحمه الله كتابه بخطبة نثرية كشف فيها عن أهمية معرفة الله سبحانه وتعالى ومحبته وذكره وطلب الزلفى عنده، وأنه لا سبيل إلى هذا إلّا بمعرفة أسماء الله وصفاته. ثم ذكر أن القلوب في ذلك نوعان: قلب معظم لربه عالم بأسمائه وصفاته، وفي ذكرها قوته وحياته وقرة عينه. وقلب جاهل مصدود عن معرفة ربه، لكونه ينكر الأسماء والصفات ويسومها تعطيلًا وتأويلًا.
ثم حكى مناظرة وقعت بين مثبت للصفات ومعطّل لها، وأظهر الله

(المقدمة/12)


فيها المثبت على المعطل. فعزم المؤلف على عقد محاكمة منظومة بين المعطل والمثبت، يقف عليها القريب والبعيد، وينتفع بها المسلمون في كل زمان ومكان. وقبل الشروع في المنظومة ضرب عشرة أمثال تبيّن حال المعطّل والمشبّه والموحّد في عبارة موجزة محكمة.
* مقدمة المنظومة:
استهلّ الناظم قصيدته بمقدمة غزلية في الظاهر، ومطلعها:
حكمُ المحبَّةِ ثابتُ الأركانِ … ما لِلصُّدودِ بفسخِ ذاكَ يدانِ
ولكنه عنى بالمحبة محبة الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنها هي التي لا تزول أركانها، ولا يتزعزع بنيانها. ثم تخيّل -على ما جرت به عادة الشعراء- أن زائرة حسناء قطعت مسافة طويلة من بلاد الشام مارّة بمدينة الرسول – صلى الله عليه وسلم – حتَّى وصلت إلى مكة المكرمة، وطرقت محبَّها العاني في داره القريبة من الصفا، وحدّثته بلوعتها واشتياقها إليه حديثًا معجبًا ظنَّه صدقًا، وفرح به فرحًا. قال:
فعجبتُ منه وقلتُ مِن فرحي … به طمعًا، ولكنّ المنامَ دَهاني
إن كنتِ كاذبةَ الَّذي حدّثتني … فعليكِ إثمُ الكاذب الفتّانِ
جهم بن صفوانٍ وشيعته الألى … جحدوا صفاتِ الخالقِ المنانِ
وهكذا تخلّص إلى موضوع القصيدة تخلّصًا بارعًا، ليبيّن عقائد الجهمية بالتفصيل من البيت 40 إلى البيت 187.

(المقدمة/13)


* بداية المحاكمة:
ثم عقد مجلس التحكيم، وقدّم بين يديه ذكر الأوصاف والآداب التي ينبغي لطالب الحق أن يتحلّى بها عند المناظرة (188 – 260). والحكمان في هذا المجلس: النقل الصحيح، ثم العقل الصريح مع الفطرة السليمة. وقد أحضر في المجلس خمس طوائف وبين عقائدهم وآراءهم وهم:
1 – الاتحادية (265 – 312).
2 – الحلولية (313 – 321).
3 – نظّار الجهمية والمعتزلة وبعض متأخري الأشاعرة (322 – 350).
4 – نظّار جرّهم مذهبُ الجهم إلى الزندقة (351 – 505).
5 – ركب الإيمان وعسكر القرآن (506 – 596).
ولما بيّن مذهب الطائفة الخامسة -وهم أهل الحق- في أسماء الله عزّ وجل وصفاته ردّ على مذاهب المخالفين من الجهمية وغيرهم بالإجمال. ثم تناول صفتين من صفات الله عزّ وجلّ بالتفصيل، وهما صفة الكلام، وصفة العلو، وفيما يلي عرض لهاتين المسألتين.
* مسألة كلام الله تعالى:
كانت مسألة كلام الله من أعظم المسائل التي اشتجرت فيها آراء طوائف المتكلمين. وهي التي نجمت منها فتنة خلق القرآن التي امتحن

(المقدمة/14)


بها الإمام أحمد وغيره من علماء السلف رحمهم الله. وقد استغرقت هذه المسألة نحو خمسمائة بيت من هذه القصيدة النونية (556 – 1545). جمع فيها الناظم أقوال الطوائف، ورتبها، وأحسن غاية الإحسان في عرضها وتفصيلها بما لا يكاد يوجد عند غيره، حتى إنه قال بعدما استوفاها عرضًا وتحليلًا:
هذي مقالاتُ الطوائفِ كلها … حُمِلَتْ إليك رخيصةَ الأثمانِ
وأظنّ لو فتَّشتَ كتبَ الناس ما … ألفيتها أبدًا بذا التبيانِ
زُفَّتْ إليكَ فإن يكن لك ناظرٌ … أبصرتَ ذاتَ الحسنِ والإحسانِ
وقد شرع رحمه الله في كان مسألة كلام الله تعالى بذكر منشأ الخلاف وهو أن كلام الله بمشيئة أو لا؟ ثم هل كلام الله في ذاته أو خارج ذاته؟. ثم ذكر مذاهب الأشاعرة والكلابية، والاقترانية، والجهمية والمعتزلة، والكرامية. ثم ذكر مذهب أهل الحق والأدلّة عليه. وأشار في خلال ذلك إلى الردّ على المخالفين.
ثم بدأ في الرد المفصل على المنكرين لصفة الكلام فذكر أولًا ما يلزمه نفيهم لهذه الصفة من لوازم تقدح في أصل الشريعة. فعقد فصلًا في إلزامهم القول بنفي الرسالة إذا انتفت صفة الكلام، وآخر في إلزامهم تشبيه الله سبحانه بالجماد الناقص، وفصلًا في إلزامهم بأن كلام الخلق حقه وباطله عين كلام الله سبحانه.
ثم بين في معرض ردّه على منكري كلام الله الفرق بين ما يضاف إلى الرب تعالى من الأوصاف والأعيان. والفرق بين القراءة والمقروء

(المقدمة/15)


واللفظ والملفوظ في القرآن، وأورد في أثنائه رأي ابن حزم والفخر الرازي.
ثم عرض مقالة الفلاسفة والقرامطة في كلام الله تعالى، وأشار إلى معتقدهم في الرسالة. ثم ذكر مقالات طوائف الاتحادية في كلام الله تعالى وحقيقة قولهم.
ثم شرع في مناقشة هذه الطوائف والردّ عليها. فبدأ ببيان فساد قول الجهمية ومخالفته للنقل والعقل والفطرة واللغة. وأورد خلال تشنيعه عليهم اعتراض الجهمية على مذاهب غيرهم من الاقترانية والأشاعرة والكلابية.
ثم ذكر الأصلين اللذين قام عليهما نزاع الناس في كلام الله تعالى: أولهما أن فعل الرب هو مفعوله، والثاني أنه غير مفعوله، وذكر القائلين بكل من القولين. ثم بين فساد قول الكرامية في كلام الله وردّ عليهم وعلى غيرهم في أفعال الله. وأشار خلال ذلك إشارة مجملة إلى بطلان قول الفلاسفة بقدم العالم. ثم ذكر خطر المعطلة من الفلاسفة وغيرهم، وحربهم لله وللدين وكيدهم للمسلمين، وضرب مثالًا بفعل واحد منهم وهو نصير الدين الطوسي، وما أوقعه على المسلمين في سقوط بغداد من تقتيل وتشريد وسلب ونهب (الأبيات 928 – 946).
ثم بدأ الناظم رحمه الله في الرد المفصل على قول الفلاسفة بقدم العالم فذكر أربعة أدلة على بطلان قولهم، ثم أبطل اعتراض المتكلمين على القول بدوام فعل الرب تعالى وكلامه أزلًا وأبدًا، وتوسع خلال ذلك ببيان شبهتهم وما لزم كلامهم من الباطل كالقول بفناء الجنة والنار وغير

(المقدمة/16)


ذلك، ثم ردّ عليهم من وجوه كثيرة (الأبيات 956 – 1011). ثم عقد فصلًا في الردّ على أهل الكلام في استدلالهم على إثبات الصانع بدليل الجواهر والأعراض المقطوع به عندهم. وبيّن بطلان هذا الدليل وفساده واستغناء المسلمين بأدلة الكتاب والسنة عنه، وأنه فتح للطاعنين في الدين والمحاربين له بابًا للكيد للإسلام
* مسألة علوّ الله تعالى على خلقه:
بعدما انتهى الناظم من إيضاح الحق في مسألة كلام الله تعالى، والردّ على المخالفين والمبتدعين، انتقل رحمه الله إلى بحث مسألة أخرى مهمة من مسائل العقيدة، زلت فيها أقدام، وضلت فيها أفهام، ولم ينج من الانحراف فيها إلّا من اعتصم بالحبل الوثيق وتمسك بالكتاب والسنة، ألا وهي مسألة علوّ الله تعالى على خلقه.
وصفة العلوّ من أظهر الصفات التي جاءت بها النصوص متواترة من الكتاب والسنة، وأجمع على إثباتها سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بل أجمعت عليها الرسالات السماوية السابقة. وقد عني السلف بتقرير مسألة العلو عناية كبيرة، حتى أفردوها بمصنفات مستقلة، وحذا ابن القيم حذوهم وألف فيها كتابه “اجتماع الجيوش الإسلامية”. ثم فصل القول فيها في هذه القصيدة أيضًا. وزاد عدد الأبيات التي تناول فيها هذه المسألة على سبعمائة بيت (1046 – 1768).
وقد بدأ الكلام فيها بفصل عنوانه: “فصل في الرد على الجهمية المعطلة القائلين بأنه ليس على العرش إله يعبد، ولا فوق السموات إله

(المقدمة/17)


يصلى له ويسجد، وبيان فساد قولهم عقلًا ونقلًا ولغة وفطرة”. ثم شرع في مناقشة منكر العلو نقاشًا عقليًّا ألزمه فيه بالقول بعلو الله تعالى على خلقه وإلا وقع في التناقض ومخالفة العقل والنقل واللغة والفطرة، ثم ساق هذا الدليل العقلي على وجه آخر وألزم المعطل بالقول بالعلو (1046 – 1112).
ثم انتقل رحمه الله إلى كان الأدلة النقلية المثبتة لعلو الله على خلقه، وقسمها إلى واحد وعشرين نوعًا، أولها: التصريح باستواء الرب فوق العرش. وآخرها: مجيء الرب لفصل القضاء (1113 – 1768). وقد ختم الأدلة بقوله:
وقد اقتصرتُ على يسيرٍ من كثيـ …. ـــرٍ فائتٍ للعدّ والحسبانِ
ما كلُّ هذا قابلَ التأويل بالتـ … ـــحريف فاستحيُوا من الرحمنِ
* قضية التأويل:
بعدما أفاض ابن القيم في إثبات صفة الكلام وصفة العلو، وذكر مذاهب الفرق المختلفة في المسألتين، وبين الحقّ الذي يدلّ عليه الكتاب والسنة، ورأى أن السلاح الذي يستعمله أهل البدع في ردّ النصوص هو التأويل = توجّه إلى الكلام عليه (1)، فعقد فصلًا “في جناية التأويل على ما جاء به الرسول، والفرق بين المردود منه والمقبول” وقال:
__________
(1) وقد تكلم عن التأويل بالتفصيل في أولى كتابه الصواعق المرسلة.

(المقدمة/18)


هذا، وأصل بليّة الإسلام من … تأويل ذي التحريف والبطلانِ
وعدّد جناياته في التاريخ الإسلامي، من نشأة الفرق، ونشوب الحروب بين المسلمين إلى أن جاء نصير الدين الطوسي وجماعته بالتتار الذين غزوا ديار الإسلام وفعلوا ما فعلوا.
فجرى على الإسلام أعظم محنة … وخمارها فينا إلى ذا الآن
وجميع ما في الكون من بدع وأحـ … ـــداث تخالف موجب القرآن
فأساسها التأويل ذو البطلان لا … تأويل أهل العلم والإيمان
ثم فسّر معنى التأويل عند السلف وذكر أنه لم يقل أحد منهم إنه صرف عن المعنى الراجح أو نفي الحقيقة أو إن النصوص أدلة لفظية لا تفيد اليقين كما قال أهل التأويل الباطل. ثم ذكر الأمور التي تلزم مدعي التأويل لصحة دعواه، وطريقة ابن سينا وغيره من الملاحدة في التأويل، وبيّن سبب غلط أهل التأويل في الألفاظ والحكم عليها باحتمال عدة معان حتى أسقطوا الاستدلال بها، وكشف عن تناقضهم وعجزهم عن الفرق بين ما يجب تأويله وما لا يجب، وأنهم هم الذين يشبهون اليهود في تأويل النصوص وتحريفها لا أهل السنة المثبتون الذين رماهم المعطلة بمشابهة اليهود. وردّ على عدة تهم اتهمت المعطلة بها أهل الإثبات ومنها أنهم أخذوا مقالة العلو من فرعون، فأثبت الناظم أن المعطلة أولى بفرعون وهم أشباهه. ومنها رميهم أهل الحق بأنهم أشباه الخوارج، فقارن بين المعطلة والخوارج من وجوه مختلفة وانتهى إلى أن الشبه بينهم محقق، وأن أهل السنة بريئون من

(المقدمة/19)


كل ذلك. وهكذا بين الناظم عدوان المعطلة في تلقيب أهل القرآن والحديث بالمجسّمة، وعقد فصلًا في تنزيه أهل الحديث وحملة الشريعة عن الألقاب القبيحة والشنيعة.
منجنيق التركيب (2975 – 3123):
من أهم الشبهات التي قادت المعطلة إلى نفي العلو وغيره من صفات الله سبحانه: التركيب والتجسيم. فاعتنى ابن القيم رحمه الله بإبطالهما في هذا الكتاب وغيره. وسمّى الفصل الذي تكلم فيه على التركيب: “فصل في كسر المنجنيق الذي نصبه أهل التعطيل على معاقل الإيمان وحصونه جيلًا بعد جيل”، استفصل فيه أهل التعطيل عن مرادهم بهذا الاصطلاح المحدث، إذ التركيب يطلق على ستة معان:
1 – تركيب الامتزاج.
2 – تركيب الجوار.
3 – التركيب من الجواهر المفردة، وهذا عند أهل الكلام
4 – التركيب من الهيولى والصورة، وهذا عند الفلاسفة.
5 – التركيب من الذات والأوصاف.
6 – التركيب من الوجود والماهية.
ثم عقد فصلًا في أحكام هذه التراكيب الستة، وأبان أن حقيقة

(المقدمة/20)


التركيب تطلق في اللغة على المعنيين الأولين. أما الأربعة الباقية فليس لها مستند من شرع ولا لغة، ولكنها اصطلاحات حادثة جعلها أصحابها جسرًا إلى نفي صفات الباري عَزَّ وَجَلَّ، ثم ردّ على أصحابها وأبان ضعفها وتناقضها. ثم أثبت أن نفي صفات الله سبحانه بهذا الاصطلاح الحادث أبطل البطلان.
* طاغوت التجسيم (3773 – 3823):
عقد الناظم فصلًا في كان أن المصيبة التي حلت بأهل التعطيل كانت بسبب استعمالهم أسماء ومصطلحات لا أصل لها في الكتاب والسنة، فهي التي قلبت عليهم أمرهم وأفسدت علمهم وإيمانهم كالتحيز والجهة والتجسيم وحلول الحوادث وغيرها. ثم أفرد فصلًا لكسر “طاغوت التجسيم” الذي نفى به المعطلة صفات الله تعالى، وجعلوه حاكمًا على الكتاب والسنة، إذ قالوا: إن إثبات الصفات يلزم منه التجسيم، والتجسيم منفي عن الله تعالى. فعلى هذا يجب نفي الصفات عنه.
وقد أجاب عن إلزامهم هذا بثلاثة أجوبة:
الجواب الأول: منع هذا اللزوم، وأنّه مجرد دعوى.
الجواب الثاني: على فرض اللزوم، يقال: أين دليل نفيه؟ فإذا كان ملزوم نص الكتاب والسنة فإنه حق يجب قبوله.
الجواب الثالث: هو الاستفسار عن مرادهم بالتجسيم، فإن كان معناه أن يكون الله تعالى قائمًا بنفسه عاليًا على خلقه مستويًا على

(المقدمة/21)


عرشه، فهذا حق ويجب القول به. وإن كان مرادهم تشبيه الله سبحانه بالمخلوقين فهذا يجب نفيه عن الله تعالى.
وقال الناظم في منجنيق التركيب وطاغوت التجسيم:
ذا المنجنيقُ وذلك الطاغوتُ قد … هدما دياركم إلى الأركان
واللهُ ربّي قد أعان بكسر ذا … وبقطع ذا سبحان ذي الإحسان
* أقسام التوحيد والفرق بين توحيد المرسلين وتوحيد النفاة المعطلين (3124 – 3533):
بين فصل التركيب وفصل التجسيم عقد الناظم فصولًا عديدة لبيان أقسام التوحيد والكشف عن الفرق بين مفهوم التوحيد عند الفلاسفة وغيرهم والتوحيد الذي جاء به رسل الله وأنبياؤه. وقد ذكر خمسة أقسام للتوحيد، وعقد لكل قسم فصلًا:
القسم الأول: توحيد الفلاسفة أتباع ابن سينا. وحقيقته أن لا يثبت لله إلّا الوجود المطلق المسلوب كل معنى. فلا سمع له، ولا بصر، ولا قدرة، ولا اختيار. ولا علم له بالجزئيات، وأن العالم قديم أزلًا، دائم أبدًا، وأن نوع الناس مازال موجودًا منذ الأزل.
القسم الثاني: توحيد أهل وحدة الوجود، وهو أنّ كل ما في هذا الوجود عين ذات البارئ عَزَّ وَجَلَّ.
القسم الثالث: توحيد الجهمية، وهو تعطيل البارئ عَزَّ وَجَلَّ عن أسمائه وصفاته.

(المقدمة/22)


القسم الرابع: توحيد الجبرية، وهو أن العبد لا فعل له ولا اختيار، بل إنّ ما يقوم به من أفعال هو فعل الله سبحانه وتعالى.
القسم الخامس: توحيد الأنبياء والمرسلين. وقد أفاض القول فيه على هذا الوجه:
– توحيدهم نوعان:
1 – قولي.
2 – فعلي.
– القولي نوعان:
1 – سلبي.
2 – ثبوتي.
– السلبي نوعان:
1 – سلب النقائص والعيوب، وهو إما سلب لمتصل كسلب الموت والإعياء، أو سلب لمنفصل كسلب الندّ والزوجة والولد.
2 – تنزيه أوصاف الكمال عن التمثيل والتعطيل.
ثم فصّل القول في النوع الثبوتي. وعدّد كثيرًا من أسماء الله وصفاته، وتكلم على معانيها (3223 – 3470).
ثم عقد فصلًا في كان النوع الثاني من أنواع التوحيد، وهو التوحيد الفعلي، وهو توحيد العبادة. وحقيقته أن تخلص العبادة لله وحده، وأن لا يعبد إلا بما شرع، وذلك باتباع رسوله – صلى الله عليه وسلم – (3471 – 3533).
* وصف الجنّة (4962 – 5625):
بعد ما فرغ المؤلف من كان عقيدة الفرقة الناجية والردّ على أعدائها، بيّن فضل من تمسّك بالكتاب والسنة لا سيما في وقت الغربة، وما أعدّ الله تعالى له في جنّات النعيم. وله كتاب حافل في

(المقدمة/23)


وصف الجنة اسمه “حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح”، وقد نظم كثيرًا من مباحثه في هذه القصيدة، وخصص لهذا الوصف 18 فصلًا بلغ عدد أبياتها 663 بيت.
* خاتمة المنظومة: رغبة ودعاء:
ختم الناظم كتابه بفصل عنوانه “فصل في رغبة قائلها إلى من يقف عليها من أهل العلم والإيمان، أن يتجرد لله ويحكم عليها بما يوجب الدليل والبرهان، فإن رأى حقًا قبله وحمد الله عليه، وإن رأى باطلًا عرّفه وأرشد إليه”. وبنحوه كان ختم الخطبة النثرية لهذه المنظومة.
وذكر الناظم في هذا الفصل أنه ممتحن بعداوة أربعة أصناف من الناس: جاهل متعالم، وحاسد شانئ، ومقلد لهما، ورابعهم رذل خسيس الطبع، فضلة في الناس لا في العير ولا في النفير. وفي آخر الفصل شكا من ذهاب العلماء الذين يقدرون قدر هذه المنظومة، وسأل ربه أن يرزق بضاعته هذه تاجرًا خبيرًا يميز الذهب من الصفر والزجاج من الدرّ.
وفي الفصل الأخير توجه إلى الله سبحانه متوسلًا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينصر دينه وكتابه ورسوله وعباده المؤمنين. وختمه بحمد الله عَزَّ وَجَلَّ والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله وصحابته والتابعين لهم بإحسان.

4 – أهمية الكتاب ونقول العلماء منه واعتمادهم عليه:
قبل أن نتكلم عن أهمية هذه القصيدة ومكانتها العلمية، نحب أن

(المقدمة/24)


نذكر أولًا أن كل مصنفات ابن القيم مهمة، وقد أثنى العلماء عليها ثناءً عطرًا، وتداولها الناس في القديم -في عهد مؤلفها- وفي الحديث. وذلك لما تحويه من علم غزير، وكمٍّ هائل من الفوائد والمعلومات التي قلَّما توجد عند غيره. يقول الحسيني (1): “ومصنفاته سائرة مشهورة”.
ويقول الحافظ ابن حجر (2): “وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف” وحسبك بهذه الشهادة من هذا الإمام الحافظ رحمه الله،
ويقول الشوكاني (3): ” … وله من حسن التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق ما لا يقدر عليه غالب المصنفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب، … وإذا استوعب الكلام في بحث وطوّل ذيوله أتى بما لم يأت به غيره، وساق ما ينشرح له صدور الراغبين في أخذ مذاهبهم عن الدليل … “.
وهذا الثناء والمدح الذي سطره العلماء يدل دلالة واضحة على قيمة مؤلفات ابن القيم العلمية (4).
__________
(1) ذيل العبر 4/ 155.
(2) الدرر الكامنة 3/ 402.
(3) البدر الطالع 2/ 144 – 145.
(4) انظر حول مؤلفات ابن القيم وأهميتها وما فيها من الفوائد: ابن القيم من آثاره العلمية لأحمد البقري ص 165؛ ابن القيم، حياته وآثاره ص 71.

(المقدمة/25)


أما هذه المنظومة المباركة فتظهر أهميتها من جوانب كثيرة، أبرزها:
1 – أن موضوع الكتاب من أشرف الموضوعات وأهمها، فالقصيدة تبحث في مسائل الاعتقاد (أصول الدين) وهو العلم بالله عز وجل، (وشرف العلم بشرف معلومه). وحاجة العباد إلى هذا العلم فوق كل حاجة (1).
2 – أن هذا الكتاب يُعَدُّ مرجعًا مهمًّا لطلاب العلم، وخاصة من لهم عناية بمسائل علم العقيدة لأنه كتاب كبير، وشامل لجُلِّ مسائل الاعتقاد، إن لم يكن أتى عليها كلها.
3 – أن هذا النظم تميز بتأصيله لمسائل الاعتقاد تأصيلًا مطولًا مستوعبًا الأدلة سواءً من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وكذلك الأدلة العقلية على تنوعها (2).
4 – أنه مرجع مهم لمن أراد مطالعة مقالات الفرق في شتى مسائل
__________
(1) شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي 1/ 5 وانظر مقدمة النونية.
(2) من الأبواب التي أطال فيها الناظم على سبيل المثال كما مرّ في الفقرة السابقة:
أ – المبحث الخاص بصفة الكلام لله، فقد أخذ من القصيدة نحو ألف بيت.
ب – المبحث الخاص بأدلة العلو العقلية والنقلية، فقد أخذ ما يزيد على 700 بيت.

(المقدمة/26)


العقيدة وأبوابها، والنظر في الأدلة القوية والحجج الدافعة لشبهاتهم (1).
يقول العلامة أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (2): ” … وإن شئت الوقوف على دلائل مذهب السلف، والاطلاع على رد مقالات الجهمية الباطلة، فعليك أن تطالع كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وكتاب أفعال العباد للبخاري، وكتاب العلو للذهبي، والقصيدة النونية لابن القيم، والجيوش الإسلامية لابن القيم -رحمهم الله تعالى- … “.
5 – ومما يدل على أهميتها ومكانتها أن الناظم قد أحال عليها في بعض كتبه في بعض المسائل كمسألة الاستواء والعلو.
قال رحمه الله في اجتماع الجيوش (3): ” … وقد أشبعنا الكلام على هذه المسألة (4)، واستيفاء الاحتجاج لهم، وبيان ما في ذلك في كتاب الشافية والكافية في الانتصار للفرقة الناجية”.
6 – أن هذا السِّفْر الجليل متين في ألفاظه، عميق في معانيه، لا يستطيع حلّ إشكالاته إلا النادر من خواصِّ العلماء الذين لهم قدم
__________
(1) انظر: ابن القيم ودفاعه عن عقيدة السلف لعبد الله جار النبي ص 114.
(2) هو شارح سنن أبي داود بعنوان “عون المعبود”، ونص مقالته في: العون 13/ 10.
(3) اجتماع الجيوش ص 187.
(4) يعني مسألة العلو والاستواء.

(المقدمة/27)


راسخة، وخاصَّة في مسائل الاعتقاد.
وإليك نص كلام العلامة حمد بن علي بن عتيق (1) في رسالته إلى العلامة: صديق حسن خان (2)، وجاء فيها: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من حمد بن عتيق إلى الإمام المعظم، والشريف المقدم، المسمى محمد، الملقب صديق، زاده الله من التحقيق، وأجاره في مآله من عذاب الحريق. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
ولما رأينا ما منَّ الله به عليكم من التحقيق، وسعة الاطلاع، وعرفنا تمكنكم من الآلات، وكانت نونية ابن القيم المسمَّاة: “الكافية
__________
(1) هو العلَّامة حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد بن حميضة، ولد في بلدة الزلفي سنة 227 أهـ، لازم الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ تسع سنين وقرأ عليه في شتى الفنون، تولى القضاء في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود في الخرج والحلوة ثم استقر في الأفلاج. من تلاميذه الشيخ سليمان بن سحمان. وكانت وفاته -رحمه الله- سنة 1301 هـ في الأفلاج.
انظر: علماء نجد خلال ستة قرون لابن بسام 1/ 228، مقدمة كتاب إبطال التنديد ص 9 – 12.
(2) هو العلامة محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي، أبو الطيب، ولد سنة 1248 هـ وتوفي سنة 1307 هـ ولد ونشأ في قنوج (الهند) ودرس في دهلي، ثم توجّه إلى “بهوبال”، وأقام فيها، وتزوج بملكتها. وله مؤلفات كثيرة منها: تفسيره للقرآن، والروضة الندية، والدين الخالص.
انظر: مقدمة كتاب إكليل الكرامة له ص 5.

(المقدمة/28)


الشافية في الانتصار للفرقة الناجية” بين أيدينا، ولنا بها عناية، ولكنَّ أفهامنا قاصرة، وبضاعتنا مزجاة من أبواب العلم جملة، وفيها مواضع محتاجة إلى البيان، ولم يبلغنا أنَّ أحدًا تصدى لشرحها، غلب على الظن أنك تقدر على ذلك، فافعل ذلك يكن من مكاسب الأجور، وهي واصلة إليك -إن شاء الله- فاجعل قراها (1) شرحها، وبيان معناها، وأصلح النية في ذلك تكن حربًا لجميع أهل البدع فإنها لم تبق طائفة إِلَّا ردت عليها، فهذان مقصدان من بعثها إليك:
أحدهما: شرحها (2)، والثاني: الاستعانة بها على الرد على أهل البدع لأن مثلك محتاج إلى ذلك لكونك في زمان الغربة وبلاد الغربة … ” (3) أ. هـ مختصرًا.
فقوله: “وفيها مواضع محتاجة إلى البيان” من مثل هذا الإمام المشار إليه بالبنان، ليدل دلالة واضحة على عمقها، وأصالتها وقوتها.
وقوله: “فإنها لم تبق طائفة إلا ردَّت عليها”: يؤكد ما قررناه آنفًا
__________
(1) قراها: يعني ضيافتها وحسن استقبالها، يقال: قريت الضيف: أحسنت إليه. الصحاح ص 2461.
(2) لم يبلغنا شيء عن شرحها. ولم يتكلم عليها أحد ممن ترجم للشيخ صديق.
(3) رسالة لصديق حسن خان: تنبيه له على بعض أخطاء وقعت في تفسيره ص 41 – 53، (طبعت ضمن مجموعة كتب ورسائل الشيخ حمد – بتحقيق وجمع: إسماعيل بن سعد بن عتيق).

(المقدمة/29)


من شمولها، واستيعابها لأقوال الفرق مع الرد عليها.
وأظن أن كلام هذا الإمام في كان أهمية هذه القصيدة كافٍ لمن كانت له بصيرة، والله المستعان.
6 – ومما يدل على أهميتها: عناية العلماء بها شرحًا وتدريسًا لها في المساجد حتى إن الناظم -رحمه الله- من عنايته بها قرئت عليه في حياته كاملة.
يقول ابن رجب (1): “وسمعت عليه “قصيدته النونية الطويلة” في السُنَّة (2)، وأشياء من تصانيفه” (3).
يدل كلام ابن رجب على أنها كانت تقرأ ويتداولها الطلبة في عصر الناظم، وكانت مشهورة معروفة، وهذا يدل على أهميتها ومكانتها العلمية في ذلك العصر (4).
__________
(1) ذيل الطبقات 4/ 448.
(2) السلف يعنون بـ “السنة” العقيدة، ولذلك ألفوا كتبًا في مسائل الاعتقاد أسموها بالسنة: كالسنة لعبد الله بن الإمام أحمد، والسنة للخلال، والسنة لابن أبي عاصم، وغيرها.
(3) والذي يظهر من كلام ابن رجب أن لها أهمية كبيرة عنده لأنه خصَّها بالذكر من دون سائر مصنفات شيخه.
(4) على خلاف ما زعمه الكوثري من أنها لم تكن تذاع في عهد ابن القيم إلا سرًّا.
انظر ما سطَّره العلامة بكر أبو زيد في: ابن القيم حياته وآثاره ص 288.

(المقدمة/30)


واستمر هذا القبول والإقبال على هذه القصيدة حفظًا وكتابة (1) وشرحًا لها حتى عصرنا الحاضر،
7 – أن العلماء في تصانيفهم ومؤلفاتهم أكثروا من النقل من أبياتها في ثنايا كتبهم وجمّلوا بها مؤلفاتهم، وهذا يدل على أهميتها لديهم -رحمهم الله- وأسوق إليك بعض الأمثلة ممن نقل بعض أبيات هذه القصيدة واستشهد بها في كتبه:
[* الشيخ عثمان بن قائد النجدي (ت 1097) في نجاة الخلف في اعتقاد السلف (ص 128، 127).
* الشيخ العلَّامة محمد السفاريني (ت 1188) في لوامع الأنوار البهية (1/ 36)] (2).
* الشيخ العلامة: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وهو ممن أكثر النقل من النونية في ثنايا كتبه (3).
__________
(1) ذكر في ترجمة الشيخ إبراهيم الضويان (صاحب منار السبيل) أنه كتب النونية بخطه الجميل مرارًا.
انظر: روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين لمحمد بن عثمان القاضي ص 49.
(2) إضافة من الشيخ محمد عزير شمس (ص).
(3) انظر: فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد: 1/ 109، 179، 209، 406، 2/ 672، 695، 742.
وانظر: الدرر السنية جمع الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم: 2/ 160، 162، 3/ 137، 146.
وانظر: قرة عيون الموحدين (مطبوع ضمن مجموعة التوحيد): =

(المقدمة/31)


* ابنه الشيخ: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (1).
* الشيخ العلَّامة: عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين (2).
* الشيخ العلَّامة: حمد بن علي بن عتيق (3).
* الشيخ العلَّامة: سليمان بن سحمان (4).
* الشيخ العلَّامة: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (5).
__________
= ص 13، 112، 164، 185.
انظر: انظر: عقيدة الموحدين (جمع وترتيب الشيخ عبد الله السعدي) ص 194، 220.
(1) انظر: الدرر السنية 3/ 183.
(2) انظر: الدرر السنية 2/ 186، 189 – 190.
انظر: عقيدة الموحدين ص 35.
(3) انظر: سبيل النجاة والفكاك ص 42: (ط. ضمن مجموعة كتب ورسائل الشيخ حمد- جمع وترتيب إسماعيل بن سعد بن عتيق).
انظر: الدفاع عن أهل السنة والرد على ابن دعيج ص 15، 19.
انظر: الفرق المبين بين مذهب السلف وابن سبعين ص 6 – 7، ص 12، ص 13.
– الدرر السنية: 1/ 344.
– إبطال التنديد باختصار شرح كتاب التوحيد ص 156، 125، 235.
(4) انظر: الضياء الشارق: ص 179، 228، 351 – 352، 633 – 649.
(5) السيف المسلول على عابد الرسول ص 55.
انظر: حاشية كتاب التوحيد: ص 12، 20، 21، 406.

(المقدمة/32)


* الشيخ العلَّامة: محمود شكري الآلوسي (1).
* الشيخ العلَّامة: السيد نعمان خير الدين الآلوسي (2).
* الشيخ العلَّامة: سليمان بن عبد الرحمن الحمدان (3).
* الشيخ العلَّامة: حافظ بن أحمد الحكمي (4).
والعلماء الذين نقلوا واستفادوا من أبيات هذه القصيدة كُثر ولكن ما ذكرناه هو إشارة ودليل لما قررناه والمقام لا يتسع للإطالة.
8 – ولأهمية هذه المنظومة وفوائدها الكثيرة تسابق أهل العلم لشرحها وبيان مشكلها وتوضيح غامضها. وسيأتي ذكر شروحها.
9 – كان لها الأثر البالغ في رد كثير من شبهات أهل الضلال، وتداولها أهل العلم في القديم والحديث وحرصوا على حفظها وتعليمها. فلأجل هذا كلُّه شَرِقَ بها أهل البدع، وقاموا بالرد عليها والتشنيع على ناظمها وشيخه رحمهما الله. وكان من أشنع تلك الردود: “السيف الصقيل وتكملته”، وسيأتي الكلام عليهما.
10 – ومما يدل على أهميتها: أن لابن القيم بعض الترجيحات
__________
(1) انظر: غاية الأماني في الرد على النبهاني 1/ 377 – 379، 2/ 22.
(2) جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ص 343 – 351، 435.
(3) انظر: الدر النضيد على أبواب التوحيد: ص 8، 9، 20، 34، 46 – 47، 61، 145، 171، 212، 225 – 226، 254، 292 – 293، 315.
(4) انظر: معارج القبول 2/ 601، 777 – 779، 869.

(المقدمة/33)


والبسط لبعض المسائل أو التصريح ببعض المعلومات لا تجده نص عليها في باقي مؤلفاته الأخرى. وإليك بعض الأمثلة:
المثال الأول: قال – صلى الله عليه وسلم -: “اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد … ” (1).
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن (2): “قوله: اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد” قد استجاب الله دعاءه كما قال ابن القيم:
فأجاب ربّ العالمين دعاءه … وأحاطه بثلاثة الجدران
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – بلفظ “اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد”. أخرجه أحمد (2/ 246). والحميدي في المسند (2/ 445 برقم (1025)).
وابن عبد البر في التمهيد (5/ 42). وصححه.
وأبو نعيم في الحلية (7/ 317). وأخرجه بنحوه في (6/ 283) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 2) وقال: “رواه أبو يعلى وفيه إسحاق ابن أبي إسرائيل وفيه كلام لوقفه في القرآن وبقية رجاله ثقات”.
وجاء الحديث عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (5/ 43).
والحديث جاء مرسلًا عن عطاء بن يسار.
أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الصلاة برقم (414) ص 119.
وورد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم مرسلًا ولم يذكر عطاء.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 406)، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 345).
(2) فتح المجيد 1/ 406.

(المقدمة/34)


حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه … في عزةٍ وحمايةٍ وصيان
فابن القيم لم يصرح بترجيحه في هذه المسألة إلا في النونية، بدليل أنه لم ينقل أحد عنه غير ذلك (1)، والله أعلم.
المثال الثاني: أن ابن القيم عقد فصلًا في هذه القصيدة، تكلم فيه على عدد كبير من أسماء الله الحسنى، ومعانيها (2). وهذا لا يوجد في غير هذه القصيدة من مؤلفاته.
المثال الثالث: أنه أشار في هذه القصيدة إلى ما كان عليه من منهج مخالف لمنهج أهل السنة في باب الاعتقاد قبل أن يلتقي بشيخ الإسلام، وأنه تاب على يديه وهذا مما لم ينص عليه في غير النونية، ومن ذلك قوله رحمه الله:
يا قومِ والله العظيم نصيحةً … من مُشفقٍ وأخٍ لكم مِعوانِ
جرّبتُ هذا كلَّه ووقعتُ في … تلك الشِّباكِ وكنتُ ذا طيَران
حتى أتاح لي الإله بِلُطْفِهِ … من ليس تجزيه يدي ولساني
حبرٌ أتى من أرضِ حَرّان فيا … أهلًا بمَن قد جاء مِن حرّانِ (3)
12 – تميز هذا النظم بأنه جمع بين التأصيل العلمي وبين الأسلوب
__________
(1) انظر: إبطال التنديد ص 156.
(2) انظر: توضيح المقاصد لابن عيسى 2/ 213 – 257.
(3) أرقامها 2287 – 2290، وأشار مرة أخرى إلى هذا في نونيته. انظر البيت 4222 وما بعده، وانظر: ابن القيم حياته وآثاره ص 131.

(المقدمة/35)


الأدبي الرفيع المشوق، وهذا يسهل للقارئ فهم واستيعاب ما فيه من مسائل دون تعب وملل أثناء قراءتها.
13 – حسن الترتيب والتقسيم للأبواب والمسائل التي حواها هذا النظم مما سهل للقارئ الرجوع إلى موضوعاته دون عناء أو مشقة.
14 – لا يوجد عند أهل السنة والجماعة ولا عند غيرهم عن أصحاب المذاهب المنحرفة كتاب مثل هذا الكتاب ضخامة وموضوعًا وطريقةً. كما سيتبين عند الموازنة بينه وبين المنظومات الأخرى.

5 – منهج المؤلف في الكتاب:
تميز منهج المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب بميزات كثيرة منها:
(1) الاعتماد الكلي على نصوص الكتاب والسنة.
وهذا دأب المؤلف رحمه الله في جميع كتبه، حتى صارت هذه الميزة سمة مصنفاته كلها. فنجده إذا قرر مسألة أو عرض معتقدًا لأهل السنة والجماعة أو ردّ على المخالفين لا يخرج عن نصوص الكتاب والسنة. وفي هذا يقول الشوكاني رحمه الله: “وليس له على غير الدليل معوّل في الغالب. وقد يميل نادرًا إلى المذهب الذي نشأ عليه، ولكنه لا يتجاسر على الدفع في وجوه الأدلة، كما يفعله غيره … ” (1).
وفي هذا يقول رحمه الله:
__________
(1) البدر الطالع 2/ 144 – 145.

(المقدمة/36)


إنا أبينا أن ندين بما به … دانوا من الآراء والبهتان
إنا عزلناها ولم نعبأ بها … يكفي الرسول ومحكم القرآن
من لم يكن يكفيه ذان فلا كفا … ه الله شرّ حوادث الأزمان
من لم يكن يشفيه ذان فلا شفا … ه الله في قلب ولا أبدان
من لم يكن يغنيه ذان رماه رب … العرش بالإعدام والحرمان
من لم يكن يهديه ذان فلا هدا … ه الله سبل الحقّ والإيمان
(2) السعة والشمول:
وذلك في أمرين: في عرض اعتقاد أهل السنة والاستدلال على رأيهم بالنقل والعقل، وكذلك في الرد على المخالف واستقصاء شبهاته وتفنيدها. وهذه السمة ظاهرة في القصيدة كلها. ومن أمثلتها: إحاطته رحمه الله بمذهب الجهمية من جميع جوانبه. فذكر مذهبهم في الصفات والحكمة والمشيئة والكلام، ثم في الإيمان، ثم في العلو وغيرها. فلم يترك شاردة ولا واردة من مذهبهم إلّا عرضها وبيّنها رحمه الله. ثم ردّ عليهم بعدما أتم عرض مذهبهم، كما في الأبيات 40 – 187، ثم 837 وما بعده. فيخرج القارئ بمعلومات تامة عن كل مذهب والردّ عليه.
(3) حسن الترتيب والتبويب.
يرتب -رحمه الله- المعلومات والمسائل ترتيبًا يسهّل على القارئ فهم الموضوع واستيعابه، ويسهل الرجوع إلى المسألة التي يريدها

(المقدمة/37)


الباحث من الكتاب. ومن أمثلته: أنه رتب أدلة العلو النقلية إلى واحد وعشرين دليلًا، ووضع كل دليل في فصل مستقل. وكذلك قسم أبواب مبحث التأويل تقسيمًا بديعًا متقنًا يستطيع القارئ بعناوينه أن يفهم محتوى ذلك المبحث أو الباب. ومن أمثلته في أول الكتاب أنه لما أراد أن يتكلم عن الطوائف ومذاهبها مهّد لها بمقدمة نافعة في التحكيم، ثم عرض آراء المذاهب مرتبة.
(4) طول النفس في عرض الأقوال والمذاهب.
لا يلحظ القارئ أن المؤلف يقتضب أو يختصر اختصارًا مخلًّا أثناء عرضه للمسائل في المذهب الواحد. بل كل مسألة يسهب فيها، ويوضح الكلام عليها، ثم ينتقل إلى مابعدها. وهذا يدلّ على صبره وجلده رحمه الله، ولا سيما أنه يكتب نظمًا لا نثرًا، وبين كتابة النظم والنثر من الصعوبة فرق لا يخفى.
(5) الأمانة والدقة في نسبة الأقوال والمذاهب.
إذا ذكر المؤلف مذهبًا فصّل الكلام عليه، ونسب كل جزئية من المذهب إلى قائلها. فلما تكلم على مذهب الاتحادية -على سبيل المثال- عرض المذهب بشكل عام، ثم أشار إلى كل جزئية من المذهب ومن قال بها. فذكر مسألة منه وأشار إلى أنها مذهب ابن عربي، ثم ذكر أخرى وأشار إلى أنها لابن سبعين، ثم ذكر ثالثة ونسبها إلى التلمساني، ولم يكتف بذلك بل ردّ على هذه الأقوال ردًا مفصلًا وقارن بينها. (الأبيات 265 – 288).

(المقدمة/38)


وهذا منهجه في نقل الأقوال والمذاهب سواء كان أصحابها من أهل السنة أو من المبتدعة والملاحدة.
(6) الموضوعية والإنصاف.
من خصائص منهج المؤلف أنه عند عرضه لمذاهب المخالفين للكتاب والسنة لا يحمل كلام الخصم ما لا يحتمله، أو يقوّله ما لم يقله. ومن أمثلته أنه عندما عرض مذهب ابن حزم رحمه الله في القرآن فقال:
وأتى ابن حزم بعد ذاك فقال ما … للناس قرآن ولا اِثنانِ
بل أربع كلّ يسمّى بالقرآ … نِ وذاك قول بيّن البطلانِ
هذا الذي يتلى وآخر ثابت … في الرسم يُدعى المصحف العثماني
والثالث المحفوظ بين صدورنا … هذي الثلاث خليقة الرحمن
والرابع المعنى القديم كعلمه … كلّ يعبّر عنه بالقرآنِ
فاعتذر الناظم عنه قائلًا:
وأظنّه قد رام شيئًا لم يجد … عنه عبارةَ ناطقٍ ببيان
يعني أن ابن حزم قصد كذا وكذا من الحق لكنه لم يوفق للتعبير عن مراده الحق وبيانه بعبارة واضحة غير موهمة (الأبيات 748 – 756).
(7) قوة الحجة في الردّ على المخالفين.
يتفنن الناظم رحمه الله في الردّ على مذاهب المخالفين الزائغين

(المقدمة/39)


عن الحق، ويسقط جميع حججهم، ويذكر من لوازم أقوالهم ما ينفر الناس عنها، بل يجعل القائلين بها أنفسهم يستحون من الانتساب إليها فضلًا عن اعتقادها. كما نراه في ردّه على مذاهب طوائف الاتحادية في كلام الرب جلّ جلاله. فإنه ذكر بطلانه ثم ذكر ما يلزم منه، وهو أن يكون كلام الله تعالى هو كل كلام الخلق بما فيه من سبّ وشتم وقذف ونوح وسحر وغير ذلك مما لا يجوز نسبته إلى الله تعالى (الأبيات 823 وما بعده).
وهو رحمه الله يحيط بجميع شبه الخصم، ويجيب عن جميع إيراداته، بحيث لا يبقى بعدها للخصم عذر عن قبول الحق، ومن أمثلته أنه عند ردّه على المعطلة النافين للعلو ألزمهم بأحد ثلاثة أمور:
1 – هل الإله خلق الخلق خارج ذاته؟
2 – أو داخل ذاته؟
3 – أو الخلق هو الله؟
ثم ردّ ردًّا مفصلًا مفحمًا على الأمرين الثاني والثالث، وأثبت الأول، وألزمهم بأنهم إن أثبتوا غيره وقعوا في التناقض. (الأبيات 1046 وما بعده).
ثم إنه مع قوة حجته وردّه على أقوالهم لم يغفل إيراد بقية حججهم والردّ عليها، فأورد حجة أخرى لهم ثم ردّها من وجوه عدّة (الأبيات 1066 وما بعده).
(8) العناية بالأسلوب الأدبي.
يقول الشوكاني في أسلوب ابن القيم رحمه الله: “وله من حسن

(المقدمة/40)


التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق مالا يقدر عليه غالب المصنفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب” (1).
وذلك ظاهر في جميع كتب ابن القيم رحمه الله. ويبرز ذلك في هذا الكتاب أولًا في خطبته النثرية التي جمعت بين وضوح العبارة وعمق الفكرة وجاذبية الأسلوب والعناية بالأساليب البلاغية. أما في القصيدة فتتجلى هذه العناية في صور مختلفة ولكن المعاني هي التي تظلّ دائمًا مقصودة، فلا تجور عليها الصور البيانية.
ونجده رحمه الله يتفنن في تصوير الأفكار والحوادث والقصص التي يوردها، فلما تكلم على مذهب العلاف في الجنّة والنار وفناء حركات أهلهما أجاد تصوير الحال حتى كأن القارئ للأبيات يرى الأمر ويشاهده بالعيان (الأبيات 78 – 87).
وكذلك عندما ذكر فعل النصير الطوسي بالمسلمين في سقوط بغداد أحسن التصوير والوصف. فتبدو للقارئ أحداث التقتيل والبكاء والعويل ماثلة أمامه تتحرك (البيت 930 وما بعده) ولاشك أن هذا الفن التصويري يؤثر في عاطفة القارئ ويجعله يقبل الكلام ويقتنع به.
في آخر المنظومة وصف طويل للجنة، ومن فصوله فصل في صفة عرائس الجنّة وحسنهن وجمالهن … ، يقول الشيخ خليل هراس في
__________
(1) البدر الطالع 2/ 144.

(المقدمة/41)


شرحه لهذا الفصل: “في هذا الفصل والذي بعده تظهر عبقرية المؤلف وترق حواشى شعره، وهو يصف عرائس الجنّة وخرائدها الحسان وصفًا يزري بكل ما قيل من غزل ونسيب. ويكثر في كلامه هنا التورية، وهو أراد معاني بعيدة غير التي تعطيها ظواهر الألفاظ … ” (1).
(9) الإكثار من ضرب الأمثال.
وهذه الميزة أيضًا من ميزات أسلوبه في تقريب المعاني وتوضيحها. وقد استفاد هذه الطريقة من أسلوب القرآن الكريم، وقد بلغ من اهتمامه بالأمثال أنه أفرد كتابًا في أمثال القرآن الكريم. وقد ضرب المؤلف في هذا الكتاب أمثالًا بارعة، عشرة منها في خطبة الكتاب ضربها للمعطل والمشبه والموحد، وقال فيها: “وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطل والمشبه والموحد، ذكرتها قبل الشروع في المقصود، فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود. وقد قال تعالى -وكلامه المشتمل على أعظم الحججِ وقواطع البراهين-: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلًا”.
والمثل الثالث من هذه الأمثال العشرة: “شجرة المعطّل شجرة الزقّوم، فالحلوق السليمة لا تبلعها. وشجرة المشبه شجرة الحنظل
__________
(1) شرح النونية 2/ 386.

(المقدمة/42)


فالنفوس المستقيمة لا تتبعها. وشجرة الموحد طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها”.
وقد عقد المؤلف فصلًا في مثل المشرك والمعطل يشتمل على 23 بيتًا (الأبيات 4845 – 4867).
وضرب عشرة أمثال للدنيا عند أهل العلم والإيمان (الأبيات 5700 – 5714) ومنها ما ورد في الحديث ومنها ما ذكره الشعراء.
ومن أمثاله الرائعة ما ضربه للذين يتركون الكتاب والسنة ويقبلون خزعبلات فلاسفة اليونان وآراء الملحدين وأقوال المتكلمين فشبههم بمن يرى المورد العذب الصافي فلا يرده، بل يتجه إلى القلوط ويروي غليله منه، والقلوط نهر في الشام يلقى فيه القاذورات (البيتان 2334 – 2335).
(10) الاستطراد في بعض المواضع:
ومن أمثلته: استطراده في مسألة الجمع بين قوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4]، وقوله تعالى: {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة: 5]. وأصل المبحث في الدليل الرابع من أدلة العلو، وهو التصريح بالعروج (البيت 1159 وما بعده).
وهذا الاستطراد سمة بارزة في جلّ مصنفات المؤلف رحمه الله.
ولكن له فوائد عديدة منها (1):
__________
(1) انظر ما قرره الشيخ بكر أبو زيد في كتابه: ابن القيم حياته وآثاره =

(المقدمة/43)


أ – أنه يكسب القارئ معرفة الارتباط بين العلوم الإسلامية.
ب – أنه يزيد المبحوث لذاته وضوحًا، ويكشف عنه في كثير من جوانبه.
ج – أنه مما يذهب الملل ويشدّ القارئ إلى متابعة البحث والقراءة.
(11) تكراره لبعض المسائل.
ولعل المؤلف رحمه الله استفاد هذا الأسلوب أيضًا من الأسلوب القرآني في تصريف الآيات. فهو يأتي ببعض الأدلة والأقوال على وجوه مختلفة لترسيخها في ذهن القارئ. وقد يكون في تكراره لبعض المسائل فائدة تظهر في موضع ولا تظهر في موضع آخر.
ومن الأمثلة الظاهرة لهذا التكرار في النونية أنه ذكر عقيدة أهل السنة في الصفات وغيرها وكذلك عقيدة المعطلة في مواضع عديدة، فمرة ذكرها في معرض الإثبات والردّ والاحتجاج والاستدلال، مفصلة تفصيلًا دقيقًا، مع ذكر الآيات والأحاديث وأقوال العلماء وغيرهم. ومرّة أخرى في فصل عقده بعنوان “فصل في جواب الرب تبارك وتعالى يوم القيامة إذا سأل المعطل والمشبه عن قول كل منهما” ذكر عقيدة المعطلة على لسانهم، ثم عقد فصلًا آخر في تحميل أهل الإثبات للمعطلين شهادة تؤدى عند رب العالمين، فقال للمعطلة أن يشهدوا
__________
= ص 103.

(المقدمة/44)


أمام رب العالمين بما يعتقده أهل الإثبات، فذكر عقيدة أهل الإثبات سردًا من غير احتجاج. ثم ذكر عقيدة المعطلة بسياق آخر وهو أن أهل الإثبات يشهدون بما يقول أهل التعطيل أمام ربهم. وكذلك بيّن هذه العقائد في أثناء تفسيره للأسماء الحسنى. وبسبب تغيّر السياقات والمواقف والمشاهد لا يمل القارئ من هذا التكرار.

6 – موارد الكتاب:
كان ابن القيم رحمه الله يملك مكتبة حافلة، إذ كان مولعًا بجمع الكتب وقراءتها، يشهد بذلك قول تلميذه ابن رجب الحنبلي: “واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره” (1) وقول ابن كثير: “واقتنى من الكتب ما لم يتهيأ لغيره تحصيل عشره من كتب السلف والخلف” (2). ويقول الحافظ ابن حجر: “وكان مغرى بجمع الكتب، فحصل منها ما لا يحصر، حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرًا طويلًا سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم” (3).
وقد ظهر أثر هذه المكتبة الغنية في مؤلفات ابن القيم، وذلك في كثرة عزوه ونقله من الكتب سواء كانت كتب أهل السنة أو أهل البدعة. وقد حصر الشيخ بكر أبو زيد الكتب التي أحال عليها ابن القيم بعد استقراء مؤلفاته المطبوعة فقط، فبلغت 596 كتابًا، عدا كتب الصحاح
__________
(1) ذيل طبقات الحنابلة 4/ 449.
(2) البداية والنهاية 14/ 246.
(3) الدرر الكامنة 3/ 244.

(المقدمة/45)


والسنن وكتب شيخه ابن تيمية (1). وذكر الشيخ كذلك أن ما في كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية من الإحالة على الكتب يبلغ أكثر من مائة كتاب (2).
وموارد ابن القيم رحمه الله في هذه القصيدة النونية أيضًا كثيرة ومتنوعة، وقد أحال على عدد كبير منها مع صعوبة العزو في الشعر. وهذه الموارد من حيث الإحالة عليها ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما نصّ فيه على عنوان الكتاب واسم مؤلفه، وقد بلغت موارد هذا القسم 55 كتابًا ما عدا نحو 15 عنوانا لمؤلفات شيخه ابن تيمية ذكرها في “فصل في مصارع النفاة المعطلين بأسِنَّة أمراء الإثبات الموحدين” (الأبيات 3653 – 3681)، منها “القواعد الكبار” التي أشار إليها بقوله:
وكذا قواعده الكبار وإنَّها … أوفَى من المائتين في الحسبان
لم يَتَّسِع نظمي لها فأسوقها … فأشرتُ بعضَ إشارة لبيان
موارد هذا القسم لا نذكرها هنا، فإنها ستأتي في فهرس خاص لها من الفهارس العامة في آخر الكتاب. ولكن لا تفوتنا الإشارة إلى أن معظم هذه الموارد التي نصّ المؤلف على عناوينها جاءت في فصل واحد ذكر فيه الدليل السادس عشر من الأدلة النقلية على أن الله سبحانه
__________
(1) موارد ابن القيم في كتبه، ص 9.
(2) انظر ابن القيم حياته وآثاره ص 61.

(المقدمة/46)


فوق سماواته، وهو إجماع علماء السنة على إثبات العلو لله (الأبيات 1340 – 1463). وليعرف القارئ طريقة المؤلف في الإحالة على مورده بالنصّ نذكر من أبياته قوله (1401 – 1452).
وكذا عليُّ الأشعريُّ فإنّه … في كتْبه قد جاء بالتبيانِ
من موجزٍ وإبانةٍ ومقالةٍ … ورسائل للثغر ذات كان
فأحال على أربعة كتب لأبي الحسن الأشعري، وهي: الموجز، والإبانة عن أصول الديانة، ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، ورسالة إلى أهل الثغر.
القسم الثاني: ما صرح فيه باسم المؤلف أو أشار إليه. وقد بلغت موارد هذا القسم نحو 35 كتابًا. نذكرها هنا مرتبة على أسماء المؤلفين مع الإشارة إلى أرقام الأبيات التي تضمنت الإحالة:
(1) ابن تيمية: كان تلبيس الجهمية (1311)، كتاب له في الاستواء على العرش (1123، 1927).
(2) ابن حزم: الدرة فيما يجب اعتقاده (748) الفصل في الملل والنحل (748). (ويجوز أن يكون النقل من كتاب آخر له).
(3) ابن رشد: مناهج الأدلّة (1310).
(4) ابن الزاغوني: رسالة في الحرف والصوت (624).
(5) ابن سينا: الأضحوية في المعاد (94، 1804، 1805، 1852، =

(المقدمة/47)


1855) رسالة في النبوات (786). النجاة (1874).
(6) ابن أبي الخير العمراني: كتاب في السنة (1459).
(7) أبو عمرو الداني: عقود الديانة (1456).
(8) أبو نعيم: حلية الأولياء (1736).
(9) الآمدي: أبكار الأفكار (3042).
(10) أحمد بن حنبل: الردّ على الجهمية (879، 881).
(11) الحاكم: المستدرك (1736)، معرفة علوم الحديث (1397)، تاريخ نيسابور (1397).
(12) حرب الكرماني: مسائل حرب (1409).
(13) الخلّال: السنة (1387).
(14) الدارقطني: الرؤية، الصفات، النزول (1767)، العلل (2915).
(15) الشافعي: المسند، الأم (1748).
(16) الصرصري: نونيته في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – (4245 – 4243).
(17) الطحاوي: رسالته في اعتقاد أهل السنة (1443).
(18) الطلمنكي: الوصول إلى معرفة الأصول (1422).
(19) عبد القادر الجيلاني: غنية الطالبين (1309).

(المقدمة/48)


(20) القحطاني: النونية (770 – 771، 4716 وما بعده).
(21) الكرجي: الفصول في الأصول (1413).
من هذه الكتب ما وصل إلينا، ووقفنا على إحالات الناظم فيه، ومنها ما لم يصل إلينا ولكن الناظم (أو شيخه) نقل منه في بعض مؤلفاته.
القسم الثالث: من الموارد ما لم ينص المؤلف فيها على عنوان الكتاب ولا أشار إلى المؤلف، بل أحال على الموارد إحالة عامّة، كما قال:
ولقد أحلناكم على كتب لهم … هي عندنا والله بالكِيمانِ
وقال:
يا من يظن بأننا حفنا عليـ … ــهم كتبهم تنبيك عن ذا الشانِ
وقال أيضًا:
هذا رأيناه بكتبكم ولم … نكذب عليكم فعل ذي البهتانِ
وقال أيضًا:
هذا رأيناه بكتبهم ومن … أفواههم سمعًا إلى الآذان
وهذه المواضع هي التي يورد المؤلف فيها أقوال الفلاسفة أو المعتزلة أو الأشاعرة ولا سيما متأخريهم. وقد أفادنا تتبع النقول من كلام الأشاعرة أن مصدره في الغالب كتب الفخر الرازي ومنها:

(المقدمة/49)


(1) أساس التقديس (1247، 1300، 2066، 2244).
(2) الأربعين (1280، 1612، 2490 – 2498).
(3) المحصل (757، 1280).
(4) المطالب العالية (757).
(5) اعتقادات فرق المشركين (1919).
(6) مفاتيح الغيب (1128، 1154، 1247، 1512، 1612، 1935، 2245، 2246، 2588 – 2586).
أما مذاهب الفلاسفة فينقل فيها عن كتب ابن سينا، وقد أحال على كتبه بالنص. وفي أقوال المعتزلة أشار إلى شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار الهمذاني (1328). ولكن لا تنحصر موارده في هذه الكتب المعدودة التي ذكرناها، فقد صرَّح نفسه بأنها كانت عنده “بالكيمان”.

(المقدمة/50)


الفصل الثاني الشروح والتعليقات على الكتاب – عرض وتقويم
1 – الشروح والتعليقات المخطوطة والمطبوعة:
نظرًا لأهمية هذه القصيدة وجلالة موضوعها، وتفردها في بابها، قد انبرى العلماء لشرحها، وحل مشكلها، واستخراج كنوزها، وتوضيح معالمها.
وهذه الشروح والتعليقات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: المخطوط.
القسم الثاني: المطبوع.
أما القسم الأول المخطوط فنذكر هنا ما عرفنا منه:
1 – شرح الإمام العلامة محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي:
نسبة إلى سفارين قرية بفلسطين، ولد سنة 1114 هـ. كان رحمه الله جليلًا مهيبًا ذا وقار واعتبار، فقيهًا ذا ديانة وحسن خلق وكثرة تعبد، وكان ناصرًا للسنة قامعًا للبدعة. من كتبه: غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، ولوامع الأنوار البهية، ولوائح الأنوار السنية وغيرها من المصنفات ت 1188 هـ (1).
__________
(1) انظر ترجمته في النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد لمحمد كمال=

(المقدمة/51)


وقد ذكر الشيخ محمد جميل الشطي أن للسفاريني شرحًا على النونية، فقال في تعليق له على أبيات من نونية ابن القيم ذكرها الشيخ عثمان النجدي في كتابه “نجاة الخلف في اعتقاد السلف” ما نصه: “قال الشطي: وهذه الأبيات من نونية الإمام ابن القيم التي سماها “الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية” وهي مطبوعة في الهند في مجلد لطيف”، ثم أضاف قائلًا: “ويوجد في مكتبتنا شرح عليها في مجلدين ضخمين لعلامتنا السفاريني، وهو غير مطبوع” (1).
وقد اجتهدت في البحث عن هذا الشرح، وذكر لي بعض مشايخي أنه في المكتبة الظاهرية في دمشق، فسافرت إلى هناك، وبحثت في المكتبة الظاهرية فلم أعثر عليه، وقابلت هناك بعض الأعيان وأصحاب المكتبات وسألتهم فلم أجد أحدًا يدلني عليه أو يرشدني إلى موضعه. ثم ذكر لي بعض طلبة العلم أن الأستاذ زهير الشاويش عنده نسخة مخطوطة من هذا الشرح، فاجتهدت في الاتصال بالأستاذ زهير الشاويش حتى يسر الله تعالى لي بمنه وكرمه مقابلته والجلوس معه، فسألته عن هذه
__________
= الدين العامري ص 301 – 306، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر لأبي الفضل محمد المرادي 4/ 31 – 32، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة للشيخ محمد بن عبد الله بن حميد النجدي الحنبلي ص 340 – 344 مختصر طبقات الحنابلة للشيخ محمد جميل الشطي ص 127.
(1) انظر مقدمة الدكتور محمد السمهري لكتاب “البحور الزاخرة” ص 31، رسالة دكتوراه مقدمة لقسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

(المقدمة/52)


النسخة، فلم يجزم لي بشيء حول الكتاب وهل هو في مكتبته أو لا. وبالتالي لم أتمكن من الوقوف عليه، ولعل الله تعالى ييسر لي أو لغيري العثور عليه والوقوف على فوائده ونفع المسلمين به (1).
2 – شرح الشيخ العلامة عبد القادر بن بدران الحنبلي رحمه الله:
وهو العلامة عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بن بدران. ولد في قرية دوما بجانب دمشق، وكان واسع الاطلاع كثير التآليف، من مصنفاته: شرح روضة الناظر لابن قدامة، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد، وشرح النونية وغيرها. توفي سنة 1346 هـ (2).
3 – شرح الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله:
وسيأتي الكلام على الشرح مفصلًا وترجمة المؤلف.
4 – حاشية الشيخ صالح بن عثمان بن حمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
__________
(1) وهم الشطي في نسبة شرح نونية ابن القيم للسفاريني، فالنونية التي شرحها هي نونية الصرصري في مدح الرسول – صلى الله عليه وسلم -، والتي قافية مطلعها: (الظَّعْنِ). وقد ذكر هذا الشرح السفاريني نفسه في ثبته (ص 68). ووصفه بأنه مجلدان، وسمّاه “معارج الأنوار في سيرة النبي المختار” كما في سلك الدرر (4/ 31) وغيره. ولم يشر أحد فيما أعلم إلى شرحه لنونية ابن القيم، لا السفاريني (الذي ذكر أغلب مؤلفاته في ثبته سنة 1181) ولا غيره من المترجمين له. (محمد عزير شمس).
(2) استفدت ترجمته من مقدمة كتاب المدخل لابن بدران، والمقدمة لمحقق الكتاب د/ عبد الله التركي.

(المقدمة/53)


القاضي:
وهو من وهبة تميم، من أهل العلم والفضل، وكان كثير الانتفاع والنفع بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، من مصنفاته: رسالة في تحريم الدخان، ومنسك في الحج، وحاشية على نونية ابن القيم، توفي سنة 1351 هـ.
وحاشيته على الكافية الشافية لابن القيم ذكرها محمد بن عثمان بن صالح القاضي في ترجمته له في كتاب “روضة الناظرين من مآثر علماء نجد وحوادث السنين”، وذكر أن هذه الحاشية موجودة عند بعض أولاده في منطقة القصيم (1).
وقد حاولت بواسطة بعض طلبة العلم الحصول على هذه الحاشية أو مجرد النظر إلى هذه الحواشي ومعرفة مقدار نفعها وفائدتها، ولم يتيسر ذلك بالرغم مما بذل في سبيل تحقيقه.
5 – حاشية الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد العنقري:
وهو من أهالي ثرمدا. ولد سنة 1288 هـ، وطلب العلم، ونبغ فيه. توفي سنة 1373 هـ. من مصنفاته: حاشية على الروض المربع شرح زاد المستقنع طبعت مرارًا، وله كذلك حاشية على الكافية الشافية لابن القيم مخطوطة (2).
__________
(1) روضة) الناظرين في مآثر علماء نجد وحوادث السنين لمحمد بن عثمان القاضي 1/ 166.
(2) روضة الناظرين 2/ 11.

(المقدمة/54)


ولم أقف على الحاشية مطبوعة أو مخطوطة.
6 – شرح الشيخ صالح بن محمد بن خليف بن صالح:
وهو من أهالي مدينة عنيزة. ولد سنة 1303 هـ، وقرأ القرآن، وطلب العلم، وكان يرحل في الدعوة إلى الله تعالى ونشر الخير، وتوفي سنة 1390 هـ. من مصنفاته: شرح البرهانية، وشرح الدليل، وشرح الكافية الشافية (1).
7 – تعليقات الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله (2):
وهو المفتي العام السابق للمملكة العربية السعودية. ولد سنة 1330 هـ، وطلب العلم ونبغ فيه. له مصنفات عدة، منها: الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، ومنسك في الحج، وغير ذلك من المصنفات.
أما عن تعليقاته على الكافية الشافية، فقد حدثني الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الفريان -رحمه الله- أنه قرأ الكافية الشافية على الشيخ عبد العزيز بن باز في منزله القديم بحي الشميسي سنة 1385 هـ -تقريبًا- بحضور نخبة من طلبة العلم والمستفيدين، وكان الشيخ عبد العزيز يوقفه أثناء قراءة الأبيات ثم يملي عليه بعض التعليقات والفوائد.
__________
(1) روضة الناظرين 1/ 205.
(2) انظر ترجمته -رحمه الله- في كتاب “مجموع فتاوى ومقالات متنوعة” للشيخ نفسه.

(المقدمة/55)


وقد طلبت من الشيخ عبد الرحمن الفريان رؤية نسخته المعلق عليها، فوعدني بذلك وبحث عنها بحثًا كثيرًا في مكتبته ولم يعثر عليها. ثم إنني حصلت من فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين على نسخة من الكافية الشافية عليها تعليقات ذكر الشيخ أنه نقلها بخطه من نسخة عليها تعليقات الشيخ عبد العزيز بن باز، وبعد اطلاعي على هذه التعليقات وجدتها إشارات إلى بعض فروقات النسخ مع تراجم مختصرة لبعض الأعلام، وفوائد قليلة حول بعض المسائل.
ومن الشروح والتعليقات المطبوعة:
1 – شرح الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى. وسيأتي الكلام عليه مفضلًا.
2 – شرح الشيخ محمد خليل هراس. وسيأتي الكلام عليه مفصّلًا.
3 – شرحان للشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
وهو الشيخ أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي، من قبيلة تميم. ولد في بلدة عنيزة بالقصيم في الثاني عشر من محرم عام 1307 هـ. وتربّى يتيمًا، وحفظ القرآن، وعمره إحدى عشرة سنة، واجتهد في طلب العلم، ولما بلغ ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتعليم. أخذ العلم عن مشايخ عصره كالشيخ إبراهيم بن حمد بن جاسر والشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل والشيخ صالح بن عثمان القاضي وغيرهم. توفي سنة 1376 هـ. من مؤلفاته: تفسير للقرآن الكريم، وحاشية على الفقه الحنبلي، والخطب العصرية القيمة.

(المقدمة/56)


وله رحمه الله شرحان على هذه القصيدة النونية:
الأول: توضيح الكافية الشافية، وهو كتاب من الحجم المتوسط ويقع في 176 صفحة. وقد نشرته دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع بالأحساء سنة 1407 هـ.
والشرح الثاني: الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين من الكافية الشافية. اقتصر فيه المؤلف على شرح الأبيات التي ذكر فيها الناظم أسماء الله تعالى ودلالاتها، وعددها نحو 36 بيتًا. وقد طبع هذا الشرح مفردًا في 62 صفحة، وهو مطبوع أيضًا ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ج 3/ 205.
ونشره مركز صالح بن صالح الثقافي في عنيزة سنة 1412 هـ.
وفي الصفحات الآتية عرض مفصل لثلاثة من شروح النونية، يشتمل على ترجمة موجزة للشارح، وذكر منهجه في الشرح، وبيان مميزات كتابه وحسناته، ثم التنبيه على المآخذ عليه.

2 – شرح الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن -عرض وتقويم-:
التعريف بالمؤلف:
هو الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، من بني تميم، ولد بالدرعية سنة 1225 هـ، طلب العلم وحفظ القرآن وهو صغير، ونفاه إبراهيم باشا مع أبيه وأقاربه إلى مصر فواصل طلب العلم هناك حتى تضلع منه ونبغ فيه. من مشايخه النجديين

(المقدمة/57)


أبوه عبد الرحمن وعمه عبد الله، ومن مشايخه الأزهريين مفتي الجزائر محمد بن محمود الجزائري وغيرهم. ومن أبرز تلاميذه: أخوه الشيخ إسحاق وابنه عبد الله بن عبد اللطيف وسليمان بن سحمان وغيرهم، له شعر رائق، من تصانيفه: مصباح الظلام، رد به على عثمان بن منصور العَمْري، وتأسيس التقديس في الرد على داوود بن جرجيس، وشرح على نونية ابن القيم لم يتمه، توفي رحمه الله سنة 1293 هـ (1).
التعريف بالكتاب:
اسمه: “شرح الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية”.
وصفه: مخطوط بخط يقرأ بصعوبة شديدة، ويقع في 12 ورقة = 23 صفحة، مقاس الصفحة = 13 × 21 سم، في كل صفحة 18 سطرًا تقريبًا، ولم يشرح رحمه الله إلا 40 بيتًا، وآخر ما شرح هو قول الناظم:
جهم بن صفوان وشيعته الألى … جحدوا صفات الخالق المنّان
والمخطوط موجود في مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض – برقم 653 ميكروفيلم. ثم طبع أخيرًا.
طريقة المؤلف في الكتاب:
لم يكتب المؤلف رحمه الله مقدمة لكتابه، ولم يورد مقدمة الناظم النثرية وبالتالي فإنه لم يشرحها، وطريقته أنه يذكر البيت ثم يبدأ في الكلام عليه، وهو قد يذكر البيت كاملًا أو يذكر أوله مشيرًا إليه، فبدأ
__________
(1) روضة الناظرين 1/ 338.

(المقدمة/58)


الكلام بقوله: ” قوله:
حكم المحبة ثابت الأركان … ما للصدود بفسخ ذاك يدان”
ثم شرع في شرحه وشرح ما بعده، وقد استهل شرحه لهذا البيت بالكلام على أهمية الشعر وأثره في النفوس وما جاء أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – استمع إلى الشعر واستنشده من بعض أصحابه.
والمؤلف رحمه الله يهتم بالألفاظ الأدبية البلاغية فتجد شرحه متناسقًا مسجوعًا، وهو يكثر الاستشهاد بأشعار العرب وقصائدهم.
مميزات الكتاب وعرض منهج المؤلف فيه:
تميز الكتاب بعدة ميزات منها:
1 – يفضِّل رحمه الله في شرحه للبيت، ولا يكاد يتجاوز كلمة منه دون أن يوضح معناها ويتكلم على مدلولها.
2 – يهتم رحمه الله ببيان المعاني البلاغية والكلام على طلاوتها وجمالها، ومن ذلك قوله أثناء شرحه لقول الناظم.
فلذاك قاضي الحسن أثبت محضرًا … بفساد حكم الهجر والسلوان
[البيت رقم 8].
قال: “وفي ذكر الهجر والسلوان مع ما تقدم في قوله “قاضي الحسن” استعارة تصريحية .. ” (ق 7).
وقوله عند كلامه على قول الناظم: “لله زائرة بليل”: “ثم انتقل الناظم بعد ذلك إلى نوع آخر من أنواع البديع المسمى بالتورية .. ” الخ (ق 13).

(المقدمة/59)


3 – يهتم رحمه الله ببيان الألفاظ الغريبة وتفصيلها، ومن ذلك قوله أثناء شرحه لقول الناظم: واهًا لقلب لا يفارق طيره .. البيت،: “واهًا”: كلمة توجع وتلهف وتحزن، ولذلك عدي باللام، قال الشاعر:
واها لسلمى ثم واهًا واها … يا ليت عيناها لنا وفاها (ق 11)
وكذلك فصل في معنى قول العرب: لله كذا، وذلك عند كلامه على قول الناظم: “لله زائرة .. ” البيت فقال الشارح: “وقوله لله زائرة بليل” كلمة تعجب ومدح تقال عن استغراب الشيء واستعظامه، قال صاحب التحرير إذا وجد من الولد ما يحمد يقال: لله أبوك، يعني حيث أتى بمثله، وكذا يقال في المدح: لله دره، والدر في اللغة … “الخ (ق 14 – 15).
4 – ينقل عن غيره عند الحاجة، كما في النقطة السابقة حيث نقل عن كتاب التحرير قرابة عشرة أسطر، ونقل أيضًا عن كتاب “السنة والجماعة” لأبي عبد الله محمد بن سلام البيكندي شيخ البخاري الكلام على الجهمية وضلالهم. (ق 17).
5 – يهتم الشارح رحمه الله بالتأصيل أثناء شرحه لمواضيع الأبيات ولا يكتفي بتحليل المعاني وتوضيحها. ومن ذلك أنه لما أتى إلى قول الناظم “فعليك إثم الكاذب الفتان” [البيت رقم 39] لم يتكلم عن الجهمية ومعتقداتهم فقط ثم يتجاوز إلى ما بعده، كلا .. وإنما ذكر منشأ الانحراف في الأمة ملتزمًا بالتسلسل التاريخي ومن هم رؤوسه ومن أين استمدوا بدعتهم وضلالهم، وفصل في الكلام على الجعد بن

(المقدمة/60)


درهم (1) وجهم بن صفوان (2)، وأصل مذهب الجهمية، وزاد على ذلك أن نقل نصوص السلف عنهم، وأطال في ذلك حتى استغرق منه ثماني صفحات.
6 – يهتم رحمه الله بترجمة الأعلام، كما ترجم للجهم بن صفوان عند ذكر الناظم له بقوله: “جهم بن صفوان وشيعته الألى … ” [البيت رقم 40]. ق 15 – 16.
7 – يهتم الشارح رحمه الله بتوضيح بعض المسائل والأصول التي يعتمد عليها الفلاسفة ومن تبعهم من الجهمية وغيرهم ويجعلونها حجة في دينهم، فيعرضها المؤلف مفندًا لها ورادًّا عليها، كما فعل رحمه الله لما تطرق لدليل الفلاسفة في إثبات الصانع (3)، حيث عرضه عرضًا مفصلًا ثم ذكر آراء الفرق فيه من الجهمية والمعتزلة والهشامية والكرامية، وقد أطال رحمه الله فيه حتى استغرق منه 4 صفحات (ق 20 – 23).
الملحوظات على الكتاب:
لا شك أن صغر حجم الكتاب وعدم إكمال المؤلف له يجعل إعطاء تصور واضح عن مميزات الكتاب والملاحظات عليه أمرًا صعبًا. وذلك لأن المؤلف لم يراجعه بعد كتابته أو يعدل فيه ما يرى أنه بحاجة إلى
__________
(1) انظر ترجمته في التعليق على البيت رقم 50.
(2) انظر ترجمته تحت البيت رقم 40.
(3) سيأتي شرح هذا الدليل والرد عليه، في الأبيات 169 وما بعده، والأبيات 998 وما بعده.

(المقدمة/61)


تعديل، لذا لم أستطع بعد دراستي لهذا الشرح أن أخرج إلا بملاحظتين لا تقدحان في الكتاب وإنما لو تفاداهما المؤلف لكان أكمل:
1 – لم يشرح المؤلف مقدمة الناظم النثرية مع ما فيها من المعاني والدلائل الهامة، كأمثلة المعطل وغيرها.
2 – أورد المؤلف الأحاديث والآثار من غير ذكر من رواها من الأئمة فضلًا عن أن يحكم عليها أو يبين درجاتها صحة وضعفًا كما أورد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استنشد عبد الله بن رواحة شعرًا ولم يذكر من روى ذلك (ق 1).
وأورد أن ابن عباس رضي الله عنهما أنشد النبي – صلى الله عليه وسلم – أبياتًا لأمية بن أبي الصلت فيها ذكر حملة العرش فتبسم النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر المؤلف من روى ذلك (ق 2).
وإن كان يعتذر عنه -رحمه الله- بأن هذه الأحاديث والآثار قد لا يتعلق بها معتقد وحكم شرعي، لذا لم يهتم بتخريجها والحكم عليها.

3 – شرح الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى -عرض وتقويم-:
التعريف بالمؤلف:
هو الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى من أهالي المجمعة (بوزن المنفعة) من بلاد سد بنجد، ولد في شقراء وتلقى العلم عن أكابر مشايخ عصره كالعلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، وابنه الشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين. ثم ارتحل إلى الحجاز وسكن مكة المكرمة. وله عدد من المؤلفات منها: “شرح نونية ابن القيم”، والرد على زيني دحلان فيما كتبه في تاريخه خلاصة الكلام

(المقدمة/62)


عن الوهابية، مخطوط، و”الرد على شبهات المستعينين بغير الله”، توفي في المجمعة سنة 1329 هـ (1).
التعريف بالكتاب:
اسمه: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم الموسومة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية.
وصفه: يقع في مجلدين ضخمين الأول في 548 صفحة والآخر في 640 صفحة.
وفي الحواشي تعليقات قليلة جدًا للشيخ محمد بن مانع رحمه الله، وتخريجات لأحاديث معدودة من صنع الناشر زهير الشاويش.
دار النشر: طبع الكتاب عدة طبعات من آخرها الطبعة الثالثة 1406 هـ طبعها المكتب الإسلامي – بيروت.
طريقة المؤلف في الكتاب:
قدم المؤلف رحمه الله شرحه بمقدمة موجزة تكلم فيها عن أهمية القصيدة ومكانتها بين كتب أهل العلم ثم ترجم للناظم ترجمة موجزة،
__________
(1) انظر مشاهير علماء نجد لعبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ ص 185 – 188، علماء نجد خلال ستة قرون لعبد الله بن بسام 1/ 155 – 162، الأعلام 1/ 89، مقدمة محمد بن مانع لكتاب شرح القصيدة النونية لابن عيسى 1/ 17.

(المقدمة/63)


ثم بدأ في شرح المقدمة النثرية ثم شرح الأبيات.
وطريقته في شرح الأبيات أنه يورد الأبيات التي تحتوي على موضوع واحد ثم يبدأ في الكلام عليها، وأحيانًا تزيد الأبيات على عشرين وثلاثين بيتًا متتابعة، مما جعله رحمه الله يقع في بعض الخلل الذي سيأتي التنبيه عليه عند تقويم الكتاب.
ومن نظر في الكتاب علم أن المؤلف رحمه الله له باع طويل في معرفة الكتب والمصنفات وبالأخص كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وذلك لكثرة مراجعه وتنوعها، وتوثيقه لنقولاته حتى من كتب أهل البدع.
مميزات الكتاب وعرض منهج المؤلف فيه:
يمكن تلخيص منهج المؤلف ومميزات كتابه في النقاط الآتية:
1 – يكثر النقولات والاستشهاد بأقوال أهل العلم ونصوصهم على المسائل التي يذكرها الناظم، فلا تكاد تجد الشارح يتفرد بتوضيح مسألة، بل يورد من أقوال أهل العلم ما يوضحها ويجلي معانيها، بل لا تكاد تمر صفحة إلا وفيها نقل من كتب أهل العلم يطول أحيانًا ويقصر بحسب الحاجة، وهو -رحمه الله- يوثق نقولاته غالبًا بذكر المصادر وتسمية الكتب التي استقى منها هذه النصوص، ومن ذلك:
ما ورد في ج 1/ 148 – 164 حيث نقل من كتاب “القول المنبي عن ترجمة ابن عربي” للحافظ شمس الدين السخاوي الكلام على ضلال ابن عربي وكتبه والتحذير منه.

(المقدمة/64)


وفي ج 2/ 243 – 246 نقل عن كتاب “شرح العقائد النسفية” للتفتازاني.
وأكثر الكتب التي ينقل منها كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ويطول هذا النقل أحيانًا.
كما في ج 1/ 293 – 296 حيث نقل عن التسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية. وج 2/ 313 – 318 نقل من شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وقد ينقل عن شيخ الإسلام من غير توثيق (لا يذكر اسم الكتاب الذي نقل منه).
كما في ج 1/ 355 – 358 حيث نقل كلامًا لشيخ الإسلام في مسألة الفعل والحدوث، ولم يذكر اسم الكتاب الذي نقل عنه. وج 2/ 281 – 284 نقل كلامًا لشيخ الإسلام في مسألة دليل أهل الكلام في إثبات الصانع ولم يذكر اسم الكتاب الذي نقل منه.
وهو يكثر النقل أيضا عن ابن القيم رحمه الله، وقد تطول نقوله أيضا، كما في ج 1/ 209 – 224 حيث نقل كلامًا طويلًا من “مختصر الصواعق المرسلة” لابن القيم عن حجية أخبار الآحاد.
وكما في ج 2/ 268 – 271 نقل من مدارج السالكين: كلامًا طويلًا على الشرك والشفاعة ..
وقد ينقل عن ابن القيم من غير توثيق (لا يذكر اسم الكتاب الذي نقل منه)، كما في ج 1/ 489 – 495 نقل كلامًا في معنى قوله تعالى: {فَلَا

(المقدمة/65)


وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء/ 65]. ولم يذكر اسم الكتاب الذي نقل منه.
وكما في ج 2/ 259 – 260 نقل كلامًا في أنواع التوحيد، ولم يذكر اسم الكتاب الذي نقل منه (1).
2 – إذا نقل رحمه الله كلامًا من كتاب عليه مآخذ رد عليه في موضعه، ولا يسكت عنه، كما في ج 1/ 279 – 282 حيث نقل كلامًا للدواني في شرحه لـ”العقائد العضدية” عليه مآخذ فردّ عليه ردًّا مفصلًا.
3 – يورد بعض الاعتراضات والملاحظات المفيدة على الناظم مما يدل على تجرده وعدله كما في ج 1/ 193 حيث ذكر الناظم شيئًا من مذهب إمام الحرمين الجويني فلاحظه الشارح وعقب عليه.
وج 1/ 371 اعترض الشارح على بعض الألفاظ التي ذكرها الناظم (2)، وكذا في ج 2/ 330 ذكر الناظم قولًا للجهمية فتعقبه
__________
(1) ولولا كثرة نقولاته عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لأوردت أرقام الصفحات التي نقل فيها، وبالجملة لا تكاد تخلو مسألة من كلام لهما أو لأحدهما رحمهما الله.
(2) وإن كان الشارح رحمه الله لا يوافَق دائمًا في اعتراضه كما في ج 1/ 379 حيث اعترض على الناظم رحمه الله لما عرض مذهب المعطلة وذكر أنهم ينفون الحوادث عن الله خوف تسلسل الأعيان، فعقب الشارح قائلًا: “هذا فيه تسامح لأن أفعال الرب الاختيارية ليست بحوادث وإنما هي أفعال اختيارية تقوم به بمشيئته وقدرته” ولا يوافق الشارح على هذا التعقيب فإن الناظم أطلق لفظ الحادث حاكيًا لكلامهم=

(المقدمة/66)


الشارح.
4 – يهتم بشرح الألفاظ الغريبة، فلا تكاد تمر كلمة تحتاج إلى توضيح إلا بينها، ومرجعه في ذلك دائمًا -إلا ما ندر- القاموس المحيط للفيروزآبادي.
كما في ج 1/ 36 حيث شرح كلمات قمش -آجن- الوطيس.
وج 2/ 26 حيث شرح كلمة الملاحاة.
وإن كان قد تفوته بعض الكلمات سيأتي التنبيه عليها عند ذكر الملحوظات على الكتاب.
5 – يحرص الشارح على ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض بالإحالة أحيانًا إلى موضع ورود المسألة إذا تكررت في النظم:
كما في ج 2/ 208 حيث كرر الناظم مذهب الجهمية، فلم يعد الشارح شرحه وإنما أحال على ما تقدم.
وج 2/ 209 حيث كرر الناظم مذهب الجهمية الجبرية فلم يعد الشارح شرحه وإنما أحال إلى ما تقدم. وإن كانت إحالاته أحيانًا يكون عليها مآخذ، كما سيتضح ذلك عند ذكر الملحوظات على الكتاب.
6 – يفصل الشارح في بعض المواضع التي يكثر فيها الخلاف.
كما في ج 1/ 98 – 106 حيث فصل تفصيلًا طويلًا في مسألة أرواح
__________
= وليس مقررًا لألفاظهم.

(المقدمة/67)


الشهداء ومستقرها والخلاف فيها.
وج 2/ 133 – 146 حيث فصل تفصيلًا طويلًا في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه.
وإن كان ترك بعض المواضع التي كان من الأكمل التفصيل فيها، وسيأتي ذلك في الملحوظات على الكتاب.
7 – يهتم بشرح المصطلحات الفلسفية والعقدية.
كما في ج 1/ 369 حيث عرف التسلسل بنوعيه. وفي ج 2/ 76 – 77 تكلم بتوسع عن لفظ “الحشوية”.
8 – يهتم بترجمة الأعلام الواردين في النظم، ولا يكاد يمر علم إلا ويترجم له بتوسع، ويذكر أحيانًا المصدر الذي نقل منه الترجمة، وقد يطيل أحيانًا في الترجمة.
كما في ج 1/ 245 – 248 حيث أطال في ترجمة النصير الطوسي، وقد يختصر كما في ج 1/ 370 في ترجمة أبي الحسن الأشعري.
وانظر ج 2/ 90 ترجمة الخليفة المأمون، وج 2/ 194 ترجمة الآمدي (1).
وإن كان رحمه الله فاته عدد لا بأس به من الأعلام لم يترجم لهم،
__________
(1) وانظر ج 1/ 244، 320، 362، 370، 371، 438، 448، 450، 455، 461، 469، 463، 469، 475، 476، 477، 533.

(المقدمة/68)


وسيأتي ذلك في الملحوظات على الكتاب.
9 – يهتم بإيراد نصوص الآيات التي يشير إليها الناظم.
كما في ج 1/ 306 – 307 حيث قال الناظم:
وأتى الندا في تسع آيات له … وصفًا فراجعها من القرآن
فأورد الشارح الآيات المشار إليها.
10 – يهتم بإيراد نصوص الأحاديث التي يشير إليها الناظم أو يستدل بها.
كما في ج 1/ 409، 307.
ج 2/ 77، 105 (1).
11 – لا يورد الحديث إلا ويذكر من أخرجه من أهل العلم إلا ما ندر.
كما في ج 1/ 413، 420.
ج 2/ 477، 468، 434.
12 – وقد يتكلم أحيانًا ويفصل في الحكم على الحديث.
كما في ج 1/ 429، 426.
__________
(1) وانظر ج 1/ 423، 424، 425، 429، 518، 519، 521، 522، 524، 526، 529، 527.
ج 2/ 160، 161، 166، 172، 237، 349، 352، 427، 433، 468، 469، 474، 472، 473، 481.

(المقدمة/69)


ج 2/ 473، 474، 489، 493.
13 – يعتني بإيراد أقوال العلماء التي يشير إليها الناظم.
كما في ج 1/ 406 حيث أشار الناظم إلى كلام للإمام البغوي فوثقه الشارح وساقه بنصه. وفي ج 2/ 417 حيث أشار الناظم إلى كلام للأشعري رحمه الله، فوثقه الشارح وساقه بنصه.
14 – يهتم بنسبة الأقوال التي يوردها الناظم إلى أهلها وإن لم ينسبها الناظم.
كما في ج 1/ 86 حيث ذكر الناظم قولًا لم ينسبه لأحد فنسبه الشارح إلى القائلين به وسماهم.
15 – يعتني بإيراد الحوادث التاريخية التي يشير إليها الناظم.
كما في ج 1/ 362 حيث فصل في حادثة غزو المغول لبغداد.
وفي ج 2/ 3 حيث ذكر معركة الحرة، وج 2/ 9 عرض معركة شقحب.
16 – يهتم بإيراد القصص التي يشير إليها الناظم ويوثقها من أصولها.
كما في ج 2/ 88 حيث أشار الناظم إلى حادثة للجهم بن صفوان في استهزائه بالقرآن، فساقها الشارح بتمامها موثقة. وفي ج 2/ 159 أشار الناظم إلى حادثة للإمام مالك مع أبي جعفر المنصور، فساقها الشارح بتمامها.
17 – يعرف غالبًا بالفرق والمذاهب إما من خلال شرح الأبيات أو يسوق

(المقدمة/70)


تعريفها مجملًا في موضعه.
كما في ج 1/ 507 حيث عرف بمذهب الحاكمية وهم أتباع الحاكم العبيدي.
18 – يصرح الشارح أحيانًا بعجزه عن فهم بعض الأبيات ولا يتكلف -قدس الله روحه- الكلام عليها بغير علم، وهذا من ورعه وأمانته.
كما في ج 1/ 457 حيث قال رحمه الله بعدما ساق الأبيات: “البيت الثاني فيه قلق، ولم يظهر المراد منه” وقد بيّن ذلك أتمّ بيان -والحمد لله- في طبعتنا هذه ص 382 (رقم البيت 1417).
19 – يورد أحيانًا أقوال المخالفين لأهل السنة وإن لم يوردهم الناظم، ثم يرد عليهم.
كما في ج 1/ 414 حيث أشار الناظم إلى أن المعطلة ينكرون نزول الرب جل جلاله في ثلث الليل الآخر مع ثبوته في الحديث، ففصل الشارح قولهم وأورد تأويلات المخالفين وتحريفاتهم للحديث مفصلة ثم رد عليها.
20 – يتميز الشارح رحمه الله بسعة اطلاعه ومعرفته بالكتب والمراجع، وهذا واضح من خلال مراجعه في الشرح، فنجده ينقل مرة عن “الميزان” للذهبي (كما في ج 1/ 45)، ومرة عن “شرح الشواهد الكبرى” للعيني (كما في ج 1/ 43) وعن تاريخ الطبري (كما في ج 1/ 46)، وعن “طبقات الحنابلة” لابن رجب (كما في ج 2/ 153) (1).
__________
(1) وانظر ج 1/ 49 (الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية)، ج 1/ 51 (منازل=

(المقدمة/71)


21 – للشارح رحمه الله عناية بالشعر والأدب فتجد أنه يورد من العبارات البلاغية ما يملح به كلامه وأحيانًا يورد أبياتًا تحاكي أبيات الناظم.
كما في ج 2/ 29 قال رحمه الله عندما تكلم عن مذهب المعطلة وقولهم إن القول بالعلو هو مذهب فرعون: “فلقد استعظم -يعني الناظم- نسبتهم مذهب العلو إلى فرعون، فلو دفع إلى زمن من زاد في الطنبور نغمة وصنف مصنفًا في إيمان فرعون .. “.
وفي ج 2/ 328 لما ذكر الناظم عصيان إبليس في السجود لآدم، ساق الشارح أبياتًا تحاكيها من قول أبي نواس.
وفي ج 2/ 377 ذكر أبياتًا اقتبس منها الناظم، وانظر ج 2/ 433.
الملحوظات على الكتاب:
هذا الكتاب كأي عمل بشري لا يخلو من خلل ونقص، ويكفي مؤلفه فخرًا أنه صبر وصابر حتى أتم شرح هذه القصيدة العظيمة التي
__________
= السائرين لشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري)، ج 1/ 57 (خلق أفعال العباد للبخاري)، ج 1/ 120 (الخطط للمقريزي)، ج 1/ 191 (العلو للذهبي)، ج 1/ 190 (التذكرة للقرطبي)، ج 1/ 235 (السنة لابن أبي عاصم)، وانظر ج 1/ 347، 351، 361، 388، 392، 406، 413، 416، 417، 423، 427، 438، 439، 440، 442، ج 2/ 243 (العقائد للنسفي)، ج 2/ 135 (السنة للخلال)، ج 2/ 141 (الغريب لأبي عبيد)، ج 2/ 139 (الأم للشافعي)، ج 2/ 397 (المعالم للرازي)، ج 2/ 337 (العقيدة الوسطى لابن العربي)، وانظر ج 2/ 385، 397، وغيرها.

(المقدمة/72)


أحجم الكثيرون عن شرحها وبيان معانيها.
وكون القارئ للشرح يلاحظ عليه بعض الملحوظات لا يعني أبدًا الحط من قدر الكتاب أو عيبه.
فمن ذا الذي تحصى مزاياه كلها … كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه
وهذه الملحوظات التي سأوردها لعل أكثرها لا يمس أصل الكتاب وجوهره، وإنما هي أمور لا يكاد يسلم منها مصنف. ومن ذلك:
1 – يكتفي الشارح أحيانًا بنقل كلام العلماء في مسألة معينة ولا يشرح الأبيات أو يبين معانيها، فتجده يسرد عشرين أو ثلاثين بيتًا ثم يقول: قال فلان (من العلماء) ويسوق كلامه دون أن يزيد عليه كلمة واحدة تشرح الأبيات.
كما في ج 2/ 12 – 15 حيث ساق 27 بيتًا ثم نقل كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب “التدمرية” واكتفى به عن الشرح دون أن يحلل معاني الأبيات ويوضحها.
وفي ج 2/ 450 ساق 10 أبيات ثم نقل كلامًا لابن القيم من “بدائع الفوائد” واكتفى به عن الشرح.
2 – عند نقله نصوص العلماء يدخل أحيانًا كلام بعضهم في بعض فلا يدري القارئ أين انتهاء كلام الأول وبداية كلام الثاني، وبالجملة فهو غالبًا لا يضع في نهاية الكلام ما يدل على انتهائه ولكن يفهم ذلك من السياق، وأحيانًا لا يفهم.

(المقدمة/73)


كما في ج 1/ 413 حيث قال رحمه الله: “قال الحافظ الذهبي: وقد ألفت أحاديث النزول في جزء وذلك متواتر أقطع به، قال الحافظ أبو عمر بن عبدالبر في شرح الموطأ .. ” فلا يدري القارئ هل قوله: “قال الحافظ أبو عمر” من كلام الذهبي، أو نقل جديد من الشارح؟ وج 1/ 410 – 411 قال الشارح: “قال ابن القيم”، ثم ساق كلامًا له حول قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} [النجم/ 13] (1) ثم قال: “وجزم ابن كثير” وساق كلامًا لابن كثير ثم قال: “وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري” وساق كلامًا له ثم وضع نقطة وقال: انتهى.
والناظر هنا يظن أن الكلام كله لابن القيم، ولكن بعد التأمل والبحث وجدت أن أول الكلام لابن القيم في مدارج السالكين ج 3/ 300 – منزلة الاتصال، ولم يذكر كلامًا لابن كثير ولا لابن حجر (مع ملاحظة أن الحافظ ابن حجر ولد سنة 773 هـ وتوفي سنة 852 هـ فابن القيم لم ينقل عنه قطعًا) ولكن صنيع الشارح وسياقه الكلام متواصلًا ثم وضعه كلمة “انتهى” بعده يوحي بأن الكلام كله مع النقولات لابن القيم (2).
3 – في مواضع كثيرة من الشرح لا يوثق نقولاته عن العلماء فتجده يقول: قال العالم فلان، ثم لا يذكر اسم الكتاب الذي نقل منه.
كما في ج 1/ 266 حيث نقل عن الإمام البيهقي دون أن يذكر اسم
__________
(1) مع ملاحظة أن الشارح لم يذكر اسم المرجع الذي نقل منه كلام ابن القيم.
(2) وانظر ج 1/ 443، 507، 523، 532، وج 2/ 188 – 190، 355 وغيرها.

(المقدمة/74)


الكتاب الذي نقل منه، وفي ج 1/ 384 نقل عن الحافظ أبي عمر بن عبد البر ولم يذكر المرجع.
وفي ج 2/ 188 نقل عن الحافظ الذهبي ولم يوثق نقله.
وفي ج 2/ 410 نقل عن الإمام مجد الدين ابن تيمية ولم يوثق نقله (1).
وأكثر من ينقل عنه من غير توثيق شيخ الإسلام ابن تيمية كما في:
ج 1/ 225 (حول مسألة كلام الله تعالى)، ج 1/ 318 (حول ما يضاف إلى الله تعالى من الأوصاف والأعيان).
ج 2/ 136 – 139 (حول قول الجبرية).
ج 2/ 281 – 284 (حول دليل الأكوان) (2).
ويكثر النقل أيضًا عن الإمام ابن القيم من غير توثيق كما في:
ج 1/ 410 – 411 (حول قول تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} [النجم: 13]، ج 1/ 489 (حول قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} .. الآية [النساء/ 65]).
__________
(1) وانظر ج 1/ 225، 282، 341، 342، 413، 431، 435، 440، 443، 449، 446، 525، 509، 472، 466، 462، 450، ج 2/ 188، 184.
(2) وانظر ج 1/ 209، 375، 434، 492.
ج 2/ 184، 226، 191، 259، 232، 260، 407، 395، 459.

(المقدمة/75)


ج 2/ 259 – 260 (في أنواع التوحيد)، ج 2/ 480 (مقدار أمة النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجنة) (1).
4 – ينقل -أحيانًا- بعض الأقوال ولا ينسبها لأحد.
كما في ج 1/ 276 حيث بحث مسألة إنزال القرآن، ومسألة اللفظ والمعنى ثم نقل أقوالًا ولم ينسبها لأهلها.
ج 1/ 485 ذكر تفسيرًا لقوله تعالى: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر/ 37] دون نسبته لقائله.
5 – يسرد الأبيات الكثيرة متتابعة ثم يبدأ في شرحها فيفوت عليه بعضها دون شرح أو توضيح، فتبقى مبهمة.
كما في ج 1/ 232 حيث ساق 43 بيتًا ثم شرحها ففات عليه بعضها دون شرح.
وج 2/ 344 ساق 16 بيتًا ثم شرح بإيجاز فوت عليه بعض الأبيات دون شرح.
6 – وإضافة إلى النقطة السابقة فإن الشارح كثيرًا ما يكون كلامه على الأبيات عامّا مجملًا ليس تحليليًّا، فيفهم القارئ المعنى العام للأبيات، أما معاني الأبيات وعباراتها التفصيلية فتبقى غير مفهومة.
كما في ج 1/ 390 حيث ساق 8 أبيات ثم شرحها شرحًا مجملًا دون
__________
(1) وانظر ج 2/ 484، 489.

(المقدمة/76)


توضيح تحليلي لمعاني الأبيات.
وج 2/ 195 – 197 ساق 22 بيتًا ثم شرحها في ثلاثة أسطر، وبقي أكثرها من غير شرح (1).
7 – وإضافة إلى ما سبق، فإن الشارح يسرد أحيانًا الأبيات الكثيرة ثم لا يشرحها بحرف واحد، كما في ج 2/ 52 – 54 حيث ساق 37 بيتًا ولم يشرحها بحرف واحد، مع أن فيها كلامًا على صفات الرؤية والعلو والكلام.
وفي ج 2/ 278 ساق 13 بيتًا ولم يشرحها بحرف واحد مع أن فيها ألفاظًا غريبة تحتاج إلى بيان وتوضيح.
وفي ج 2/ 319 ساق 23 بيتًا ثم شرح منها لفظين غريبين في ثلاثة أسطر وترك شرح الأبيات (2).
8 – يترك الشارح كثيرًا من النقاشات العقلية والأجوبة المنطقية التي يعرضها الناظم دون شرح.
كما في ج 1/ 368 – 372 حيث ساق 20 بيتًا فيها إلزامات من الناظم للمعطلة ونقاش مسألة التسلسل، فانشغل الشارح بترجمة ثلاثة من الأعلام وشرح الأبيات شرحًا عامَّا موجزًا لم يبين فيه هذه المعاني العقلية.
__________
(1) وانظر ج 2/ 343، 164 – 344، وما سيأتي في النقطة رقم 11.
(2) وانظر ج 2/ 85 – 86، 91 – 92، 425 – 428.

(المقدمة/77)


وج 2/ 43 ساق 26 بيتًا ناقش فيها الناظم مسألة التركيب والألفاظ وألزم الخصوم إلزامات عقلية قاطعة، فلم يوضحها الشارح، بل شرحها شرحًا مبهما لا يفهم منه معنى الأبيات.
9 – يفوت عليه بعض الأعلام دون ترجمة.
كما في ج 1/ 462 (ابن أسباط لم يبين حتى اسمه، سفيان بن عيينة لم يترجم له).
ج 1/ 469 (الإمام الطحاوي).
وقد يكتفي ببيان الاسم من غير ترجمة كما في ج 1/ 456 (العبسي)، ج 1/ 458) (الأثرم).
وأحيانًا قد يترجم للعلم مرتين مع أنه كان يمكنه أن يحيل إلى ما سبق ويستغني عن التكرار.
كما في ج 2/ 274 ترجم للفارابي مع أنه قد ترجم له في ج 1/ 249.
15 – يهمل الشارح -رحمه الله- بعض المسائل المهمة دون تفصيل مع أنه قد يفصل فيما هو أقل منها أهمية.
كما في ج 2/ 462 – 463 حيث لم يوضح مسألة: هل يكون بعض المتمسكين بالشريعة في آخر الزمان أفضل من بعض الصحابة؟
وفي ج 2/ 72 – 74، 381 – 382 عند كلام الناظم عن توبته على يد شيخ الإسلام ابن تيمية كان من المناسب أن يتوسع الشارح في بيان حال الناظم من قبل شيخ الإسلام وبعده، لكنه لم يفعل.

(المقدمة/78)


بينما قد يتوسع في بعض التراجم وهي أقل أهمية من هذه المسائل، كما تقدم في النقطة السابقة.
11 – يسرد أحيانًا عددًا من الأبيات ثم يتوسع في تفصيل مسألة جزئية ويغفل عن شرح بقية الأبيات.
كما في ج 1/ 239 – 242 سرد 12 بيتًا ثم توسع في ترجمة علم ولم يشرح الأبيات بحرف واحد.
وفي ج 1/ 319 – 324 سرد 11 بيتًا ثم توسع في ترجمة علم وشرح الأبيات بإيجاز شديد.
12 – أحيانًا لا يورد الأحاديث والآثار التي يشير إليها الناظم – وهذا قليل.
كما في ج 1/ 237 حيث أورد الناظم أثرًا قال عنه: رواه الطبراني، ولم يذكره الشارح.
13 – تفوت عليه بعض الأحاديث دون تخريج وكأنه كتبها من حفظه.
كما في ج 1/ 130، 146، 201، 291، 373، 387.
ج 2/ 135، 428، 349، 466.
14 – أحيانًا لا يورد الآيات التي يشير إليها الناظم.
كما في ج 1/ 254 ذكر الناظم أبياتًا في سعة علم الله تعالى واطلاعه ويدل عليها آيات صريحة في كتاب الله تعالى ولم يشر إليها الشارح.

(المقدمة/79)


15 – يشير الناظم إلى بعض أقوال العلماء وقد يسمي الكتب التي وردت فيها هذه الأقوال ولا يوردها الشارح، وهذا قليل.
كما في ج 1/ 257 حيث أشار الناظم إلى قول للإمام أحمد ولم يسقه الشارح أو يخرجه.
وفي ج 1/ 458 حيث أشار الناظم إلى قول لأبي بكر الأثرم ولم يسقه الشارح أو يخرجه.
وفي ج 1/ 465 حيث أشار الناظم إلى قول للإمام البخاري ولم يسقه الشارح أو يخرجه.
16 – يورد الناظم بعض الكتب ولا يتكلم عنها الشارح أو يعرف بها.
كما في ج 1/ 458 حيث قال الناظم: واقرأ لمسند عمه ومصنف .. البيت.
وقال: واقرأ كتاب الاستقامة .. البيت ولم يعرف الشارح بالكتابين.
17 – يسرد الشارح عددًا من الأبيات ثم يبدأ في شرحها ولا يراعي الترتيب في الشرح فتجده يشرح البيت الأخير قبل الأول، وهذا قليل.
كما في ج 1/ 392 بدأ بشرح قوله: أولا فأعط القوس باريها .. البيت.
قبل قوله: فكِلاكُما ينفي الإله حقيقة .. البيت، مع أنه قبله في الترتيب.

(المقدمة/80)


18 – ملحوظات على إحالات الشارح أثناء شرحه، وهي على خمسة أنواع:
أ – قد يكرر الناظم مسألة أثناء نظمه ويشير إلى أنها قد سبقت في النظم ولا يبين الشارح الموضع مطلقًا لا عنوان الفصل ولا الموضوع الذي سبقت فيه ولا غير ذلك، فيبقى القارئ محتارًا في البحث عنها.
كما في ج 2/ 195 حيث قال الناظم:
ولهم أقاويل ثلاث قد حكيـ … ـــناها وبينا أتم بيان
ولم يوضح الشارح موضع كلامه الأول.
ب – وقد يكرر الناظم المسألة ولا يشير الشارح مطلقًا إلى أنها قد سبقت فضلًا عن أن يحيل إلى موضعها.
كما في ج 2/ 441 حيث أعاد الناظم ذكر قولي الأشاعرة والكلابية في كلام الله -مختصرًا- مع أنه قد عرضهما بالتفصيل فيما سبق، ولم يبين الشارح أنه تم عرضهما فضلًا عن أن يحيل إلى موضعهما، وهما قد مرَّا في كلام الناظم ج 1/ 264.
وفي ج 2/ 447 أعاد الناظم ذكر قولي الجهمية والنجارية في العلو، فلم يشر الشارح إلى أنهما سبقا فضلًا عن أن يحيل إلى موضعهما، وهما قد سبقا بالتفصيل في ج 1/ 185.
ج – وأحيانًا قد يكرر الناظم المسألة فيشير الشارح إلى أنها قد سبقت لكنه لا يبين موضعها. كما في ج 2/ 446 حيث ساق الشارح بيتًا فيها

(المقدمة/81)


الكلام على المعراج وقوله تعالى .. {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)} [النجم/ 8] ثم قال بعد سياقه الأبيات: تقدم الحديث في ذلك. ولم يبين أين سبق، (وهو قد سبق في ج 1/ 410).
وج 2/ 91 حيث قال بعد أبيات فيها لفظ “الهيولى”: تقدم الكلام في تفسير الهيولى، ولم يبين أين سبق.
د – وقد يذكر الناظم المسألة مختصرة وهو سيعيدها مفصلة في موضع قادم، فيشير الشارح إلى أن هذه المسألة ستأتي مفصلة في كلام الناظم لكنه لا يبين الموضع الذي ستأتي فيه.
كما في ج 2/ 80 حيث قال أثناء شرحه لأبيات: قوله “ووردتم القلوط .. البيت،: سيأتي بيان القلوط في الفصل المعقود له” ولم يبين الشارح أين سيأتي بل ولم يذكر عنوان الفصل.
هـ – أحيانًا تكون المسألة واردة في الشرح ولا يبين الشارح أنه قد شرحها من قبل فضلًا عن أن يشير إلى موضعها.
كما في ج 2/ 371 حيث ذكر الناظم أحد الأعلام وهو “جنكسخان” وقد ترجمه الشارح ترجمة موسعة فيما سبق ج 1/ 240 ولم يشر إلى ذلك، فيبقى هذا العلم مجهولًا عند القارئ.
و- وقد يحيل الشارح إلى شرحه السابق إحالة غير واضحة، فلا يستفاد منها.
كما في ج 2/ 453 حيث ساق 12 بيتًا ثم قال: تقدم بسط الكلام في معاني هذه الأبيات بما أغنى عن الإعادة، ولم يبين الموضع.

(المقدمة/82)


وفي ج 2/ 486 ساق أبياتًا ثم قال: تقدمت الأحاديث في طول أهل الجنة، ولم يبين أين تقدمت.
ز – وأحيانًا يكون من المفروض أن يحيل لكنه لا يفعل وذلك أنه يشرح المسألة مرتين في موضعين إذا تكررت مع أنه كان يمكنه أن يستغني عن التكرار بالإحالة إلى ما سبق من شرحه.
كما في ج 1/ 523 حيث ذكر الناظم حديث أطيط العرش فتكلم عليه الشارح ونقل كلام الذهبي في الحكم عليه مع أنه قد ذكر ذلك موسعًا في ج 1/ 234 – 235 فلو أنه أحال لاستغنى عن الإعادة.
19 – تقطيع الشارح وتقسيمه للأبيات عند الشرح -أحيانًا- لا يكون دقيقًا، فتجد أنه يفصل بين الأبيات المرتبطة المعاني في مقطعين ويربط بين أبيات منفصلة المعاني في مقطع واحد.
كما في ج 1/ 201 ذكر في أول المقطع بيتين كان الأولى أن يكونا في المقطع الذي قبله ج 1/ 194 لأنها مرتبطة به ومكملة لمعناه.
وج 1/ 369 البيت الأخير وهو قوله: وتعاقب الآنات .. البيت، كان الأولى أن يجعل في بداية المقطع الذي بعده ج 1/ 372 لأنه مرتبط به في المعنى.
وج 2/ 95 كان الأولى أن يجعل أول بيتين في المقطع في نهاية المقطع الذي قبله ح 2/ 94 لارتباطهما في المعنى.

(المقدمة/83)


4 – شرح الشيخ محمد خليل هراس -عرض وتقويم-:
التعريف بالمؤلف:
هو العلامة الشيخ الدكتور محمد خليل هراس من محافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، ولد بطنطا عام 1916 م، وتخرج في الأزهر، وعمل أستاذًا بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، وأعير إلى المملكة العربية السعودية، ودرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم في جامعة أم القرى. ثم عاد إلى مصر ورأس جماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة. وفي عام 1973 م اشترك مع الدكتور عبد الفتاح سلامة في تأسيس جماعة الدعوة الإسلامية في محافظة الغربية وكان أول رئيس لها. توفي عام 1975 م عن عمر يناهز الستين. له مؤلفات عدة منها: تحقيق كتاب “المغني” لابن قدامة، وتحقيق وتعليق على كتاب “التوحيد” لابن خزيمة، وتحقيق وتعليق على كتاب “السيرة النبوية” لابن هشام، و”شرح القصيدة النونية لابن القيم”، و”شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية” وغيرها (1).
التعريف بالكتاب:
اسمه: شرح القصيدة النونية المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية.
__________
(1) نقلت ترجمته من مقدمة علوي السقاف مُحَقِّقِ كتاب “شرح العقيدة الواسطية” ص 41 – 42، وقد استفادها من الشيخين عبد الرزاق عفيفي وعبد الفتاح سلامة عفا الله عنهما.

(المقدمة/84)


وصفه: يقع في مجلدين، الأول في 435 صفحة، والثاني في 274 صفحة.
دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى 1406 هـ.
طريقة المؤلف في الكتاب:
قدم المؤلف -رحمه الله- شرحه بمقدمة موجزة جدًا تكلم فيها عن أهمية القصيدة في بابها.
وطريقته في شرح الأبيات أنه يورد مجموعة الأبيات المحتوية على موضوع واحد ثم يبدأ في الكلام عليها وتوضيح معانيها، ولا يزيد كل مقطع من الأبيات على عشرة أبيات على الأغلب.
مميزات الكتاب وعرض منهج المؤلف فيه:
يمكن تلخيص منهج المؤلف ومميزات كتابه في النقاط الآتية:
1 – تميز الكتاب في أوله بترتيب جيد لمادته، فالمؤلف يذكر الأبيات، ثم يشرح المفردات والألفاظ الغريبة، ثم يشرح الأبيات شرحًا تحليليًا. لكنه لم يستمر على هذه الطريقة إلا في أول خمس صفحات من الكتاب ج 1/ 16 – 20 ثم بدأ يسوق الأبيات ويتبعها بالشرح مباشرة ويوضح المفردات أثناء شرحه للأبيات، وقد لا يشرحها كما سيأتي عند تقويم الكتاب.
وقد عاود المؤلف هذه الطريقة في ج 2/ 157، 159، 190،

(المقدمة/85)


191، 277.
2 – يؤيد المؤلف رحمه الله شرحه للمسائل -أحيانًا قليلة- بالنقل من كتب أهل العلم، ولكن نقله مختصر جدًا لا يتجاوز الأسطر المعدودة.
كما في ج 1/ 22 حيث نقل من كتاب “خلق أفعال العباد” للإمام البخاري رحمه الله. وج 1/ 226 نقل من كتاب “الكشف عن مناهج الأدلة” لأبي الوليد بن رشد الحفيد (1).
3 – إذا نقل عن أحد من أهل العلم حرص على تمييز النص المنقول فيضعه بين قوسين ويشير إلى انتهائه بوضع رمز ا. هـ في نهايته، ولا يدخله في كلامه أو كلام غيره.
4 – يشير الشارح -أحيانًا قليلة- إلى المسألة ثم يذكر المرجع الذي استقى منه الشرح ليستفيد منه من أراد الاستزادة.
كما في ج 2/ 27 حيث شرح أبياتًا للناظم حول مسألة التركيب، ونقل بعض المذاهب فيها ثم أحال للتوسع إلى كتاب “مقالات الإسلاميين” للأشعري رحمه الله.
5 – يستوعب الشارح جميع الأبيات ولا يكاد يفوت عليه شيء منها دون شرح وتوضيح، وهو -رحمه الله- لا يكتفي بالشرح الإجمالي وإنما يحلل الأبيات ويفصل الكلام على عباراتها.
__________
(1) وانظر ج 1/ 21، 61، 123، 146، 206.
ج 2/ 69، 71، 75، 91، 92، 102، 103، 104، 109، 173، 191، 250، 349، 335، 375، 432.

(المقدمة/86)


6 – يهتم الشارح بتوضيح الأدلة العقلية التي يوردها الناظم محتجًا بها على الخصوم من المتكلمين وغيرهم، ولا يكاد يغفل شيئًا منها.
كما في ج 1/ 126، 175، 190.
ج 2/ 25، 26، 179، 183.
7 – يحرص الشارح على ترتيب شرحه للأبيات، فلا يقدم شيئًا منها على آخر، وأحيانًا يقسم الشرح إلى نقاط متتابعة يكون بها الكلام أكثر وضوحًا وبيانًا.
كما في ج 2/ 250 – 252.
8 – مما يدل على ورع الشارح وأمانته فيما يكتب أنه إذا مر به شيء من كلام الناظم لم يفهمه، لم يتكلف الكلام عليه من غير علم بل يصرح بعجزه عن شرحه.
كما في ج 1/ 252 حيث قال بعد أبيات “وأعتذر للقارئ عن شرح البيت الأخير .. فإني لم أفهمه والله تعالى أعلم”.
9 – يورد الشارح بعض الاعتراضات والملحوظات على بعض المسائل أو الألفاظ التي ترد في أبيات الناظم، مما يدل على حرصه على التأمل والبحث والنظر ونصرة ما يراه صوابًا وعدم التبعية والتقليد من غير فكر وتمحيص.
– وإن كان قد لا يوافق على بعض اعتراضاته -كما في ج 2/ 18 – 21 حيث أورد الناظم بعض الآثار في حياة بعض الناس في القبور وعلم الميت ببعض عمل الحي .. وغيرها فقال الشارح: “واعلم أن المؤلف رحمه الله قد تساهل في قبوله لهذه الآثار، وكان الأولى به أن ينبه على

(المقدمة/87)


ضعفها وأنها لا يمكن أن تقوم بها حجة .. حتى لا يفتح الباب كما فعل المتصوفة بالنسبة إلى مشايخهم المقبورين .. ” (1).
وفي ج 2/ 145 تكلم الناظم على الصحابة ومن بعدهم ممن سلك طريقهم في الزهد والعبادة والجهاد، ثم قال في ختام أبياته:
صوفية سنية نبوية … ليسوا أولي شطح ولا هذيان
فقال الشارح: “وأما قول المؤلف في أول البيت الأخير: “صوفية”، فنحن لا نوافقه على إطلاق هذا اللقب على أهل الحق والجماعة فإنه لفظ مبتدع ويحمل من المعاني الخبيثة ما ننزه القوم عنه، بل نسميهم بما سماهم الله به المسلمين المؤمنين عباد الله” (2) (3).
__________
(1) كان الأجدر بالشارح رحمه الله أن لا يكتفي بهذا الاعتراض بل يخرج هذه الآثار ويحققها تحقيقًا علميًا ويحكم عليها، ثم يذكر ضوابط الأخذ بها إن صحت، مع العلم أن الناظم إمام من الأئمة ولم يجزم خلال نظمه بكل ما أورده من آثار بل عرّض بتضعيف بعضها كما هو واضح من أسلوب النظم كقوله مثلا: (وأتى به أثر فإن صح الحديث به … ) البيت.
(2) انتقاد الشارح هنا على غير وجهه -أيضًا- وإنما يستقيم لو لم يبين الناظم مراده ويقيد إطلاقه، فإنه أطلق عليهم أنهم صوفية لكنه قيدها بأنها سنية نبوية ليس فيها شطح ولا هذيان، وهذا الضابط يخرج أهل التصوف المبتدع من الخرافيين وغيرهم، فإن الصوفية أقسام ومراتب، وإن كان أكثرهم على الضلال والبدعة، ولا يمنع المتكلم من استخدام الألفاظ المجملة إذا فصلها وبين مراده منها، ومراد الناظم رحمه الله أنهم زهاد عباد، وانظر تعريف التصوف في التعليق على البيت 806.
(3) وانظر ج 2/ 118، 242.

(المقدمة/88)


10 – للشارح تعليقات مفيدة في الحواشي وهي قليلة جدًا.
كما في ج 2/ 149 حيث ترجم لثلاثة من الأعلام.
ج 2/ 185 ذكر سبب نزول قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا} الآية [النساء/ 60]. وإن كانت حواشيه -رحمه الله- لا تخلو من مآخذ ستأتي في تقويم الكتاب.
11 – يوضح أحيانًا الألفاظ الغريبة.
كما في أول الكتاب ج 1/ 16 – 21 حيث كان يفصل في توضيح المفردات.
وكذلك في ج 1/ 79 حيث وضح أثناء الشرح معنى قول الناظم (آذنت بحران) وغيرها، وإن كان لا يشرح الألفاظ شرحًا علميًا موثقًا، كما سيأتي عند تقويم الكتاب.
12 – يورد -أحيانًا- الآيات التي يشير إليها الناظم.
كما في ج 1/ 37، 43، 84، 85، 86، 87.
ج 2/ 8، 14، 172، 387.
13 – يورد – أحيانًا الأحاديث التي يشير إليها الناظم، ويسوقها بنصها أو بمعناها. كما في ج 1/ 37، 84، 85، 86، 87، 276، 277، 279، ..
ج 2/ 13، 264، ..
وإن كان عليه هنا مآخذ ستأتي عند تقويم الكتاب.

(المقدمة/89)


14 – يورد -أحيانًا- الآثار التي يشير إليها الناظم.
ج 2/ 369 – 370 حيث أشار الناظم إلى أثر لابن عباس -رضي الله عنهما- فساقه الشارح بنصه. ونحوه في ج 2/ 371.
15 – قد يورد الناظم الحديث ويسكت عن الحكم عليه، فيحكم عليه الشارح، وهذا قليل جدًا.
كما في ج 2/ 19 حيث ذكر الناظم حديث عرض أعمال العباد على النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد موته، فحكم عليه الشارح.
16 – يخرج الحديث أحيانًا بذكر من رواه من الأئمة، خاصة إذا كان في الصحيحين.
كما في ج 1/ 71، 178، 209، 210، 219، ..
ج 2/ 7، 18، 59، 72، 91، 136، 172، 197، 201، 216، 323، ..
وإن كان تفوت عليه أحاديث كثيرة جدًا من غير تخريج، كما سيأتي عند تقويم الكتاب.
17 – قد يترجم الشارح لبعض الأعلام الواردين في النظم.
كما في ج 2/ 149 حيث عرف ببعض الأعلام باختصار في الحواشي.
ج 1/ 93 عرف بإجمال بأرسطو، وجنكيزخان، والنمرود. وقد يكتفي بذكر الاسم وسنة الوفاة كما في ج 1/ 140 حيث ذكر ابن حزم

(المقدمة/90)


وسنة وفاته.
وعليه ملحوظات في التراجم سيأتي الكلام عليها في تقويم الكتاب.
18 – يورد الحوادث والقصص التي يشير إليها الناظم، وهذا قليل جدًا.
كما في ج 1/ 121 حيث أشار الناظم إلى حادثة اعتزال واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري رحمه الله، فساقها الشارح كاملة واضحة ولكن من غير توثيق، وسيأتي الكلام على ذلك في تقويم الكتاب.
الملحوظات على الكتاب:
تقدم أن إبداء الملحوظات والمآخذ على كتاب مثل هذا الشرح المبارك لا يعني أننا نعيبه أو نذم صنيع مؤلفه، لا والله، بل المؤلف رحمه الله عالم من العلماء الذين خدموا عقيدة السلف ونافحوا عنها، وكتبه خير شاهد على ذلك، وهذه الملحوظات التي سأوردها لا تمس أصل الكتاب وجوهره وإنما هي أمور لا يكاد يخلو منها مصنف، فمن الملحوظات على الكتاب:
1 – ساق الشارح رحمه الله مقدمة الناظم النثرية في أول الكتاب واستغرقت منه إحدى عشرة صفحة ومع ذلك لم يشرحها بحرف واحد، بالرغم مما فيها من المسائل والأمثلة والألفاظ الغامضة التي تحتاج إلى توضيح وبيان.
2 – ينقل الشارح رحمه الله نصوص بعض العلماء عند عرضه لبعض المسائل ولكنه لا يوثق نقله.

(المقدمة/91)


كما في ج 1/ 220 حيث نقل في الحاشية كلامًا طويلًا للإمام ابن القيم ولم يسم مرجعه الذي نقل منه.
وفي ج 2/ 63 نقل عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ولم يذكر مرجعه (1).
3 – عند نقله عن أحد من العلماء قد يذكر اسم الكتاب لكنه لا يذكر عنوان الفصل أو المبحث فضلًا عن أن يورد رقم الجزء والصفحة (2).
4 – يمر الشارح ببعض المسائل والمواضع الهامة التي ينبغي أن يفصل القول فيها أكثر من غيرها لأهميتها والتباس أمرها على بعض الناس، لكنه يشرحها شرحًا مختصرًا كغيرها دون أن يميزها بزيادة بيان وتوضيح.
كما في ج 1/ 62 حيث ذكر الناظم كتاب “فصوص الحكم” لابن عربي، ولم يتكلم الشارح عن خطر هذا الكتاب وما فيه، مع انتشاره في العالم الإسلامي وتأثر كثير من الجهال به، بل ذكر الناظم في الأبيات نفسها ابن سبعين والتلمساني وهما من رؤوس الاتحادية ولم يبين الشارح بيانًا كافيًا ما هم عليه من الضلال والزندقة.
وفي ج 1/ 112 ذكر الناظم احتجاج الأشاعرة على إثبات الكلام
__________
(1) وانظر ج 1/ 28، 227، ج 2/ 67، 70، 77.
(2) انظر ج 1/ 21، 206، 146، 123، 61.
ج 2/ 69/ 71، 75، 91، 92، 102، 103، 104، 109، 173، 191، 250، 349، 335، 375، 432.

(المقدمة/92)


النفسي بقول الأخطل النصراني “إن الكلام لفي الفؤاد .. ” البيت وساقه الشارح، ولم يفصل الرد عليه بالرغم من أهمية ذلك خاصة أن الناظم لم يفصل الرد عليه من جميع الوجوه.
5 – مع حرص الشارح رحمه الله على استيعاب كل ما في الأبيات بالشرح إلا أنه تفوت عليه أحيانًا مسائل مهمة.
كما في ج 1/ 88 حيث قال الناظم:
وزعمت أن الناس يوم مزيدهم … كلّ يحاضر ربّه ويداني
بالحاء مع ضاد وجا مَعْ صادها … وجهان في ذا اللفظ محفوظان
ولم يبين الشارح ما الوجهان (وهما يحاضر (بالضاد المعجمة) ويحاصر (بالصاد المهملة) ولم يبين معناهما أو الفرق بينهما (1).
وفي ج 1/ 94 قال الناظم وهو يحكي كلام الملحدين وفخرهم بأصحابهم:
ولنا الملاحدة الفحول أئمة التـ … ــــــعطيل والتسكِين آل سنان
ولم يبين الشارح مراد الناظم بأنهم أئمة التسكين (2).
6 – يذكر الشارح أحيانًا معلومات خاطئة أثناء شرحه للأبيات، ولعل
__________
(1) سيأتي بيانه في التعليق علي البيت 455.
(2) الصواب الذي اعتمدته من النسخ الأخرى: السكين، وسيأتي بيانه في التعليق على البيت 490.

(المقدمة/93)


ذلك لعدم رجوعه إلى أصول المسائل في مظانها.
كما في ج 1/ 94 – 95 حيث ذكر الناظم آل سنان فقال الشارح: “آل سنان وهي أسرة قوية من أهل فارس كان تحكم في خراسان وفي كنفها تربى ابن سينا وعلى كتبهم تخرج .. “. وعلى كلامه ملحوظتان:
الأولى: أن أسرة آل سنان كانت تحكم في الشام وليس في خراسان (1).
الثانية: قوله إن ابن سينا تربى في كنفهم، فيه مغالطة للتاريخ فإن ابن سينا توفي سنة 428 هـ وسنان بن سلمان منشئ مذهب آل سنان ولد سنة 528 هـ وتوفي سنة 588 هـ، فكيف يكون ابن سينا تربى في كنفهم، بل كيف يكون تخرج على كتبهم وهم ما أتوا إلا بعده!
7 – أحيانًا يكون الشارح غير دقيق في عباراته، فيقول عن رجل إنه جهمي وهو ليس جهميًا وإنما هو أشعري.
كما في ج 1/ 70 – 71 حيث أشار الناظم إلى قول لأبي المعالي الجويني (الأشعري) في العلو، فقال الشارح “أورد الشيخ -يعني الناظم- هذه الحكاية التي تدل على جهل ذلك الجهمي .. فانظر إلى حال الجهمي الجاهل الذي يتجرأ على الناس بسخافة حمقاء … ” (2).
ولكن قد يعتذر عن الشارح رحمه الله بأنه لم يعلم من المقصود
__________
(1) انظر ترجمتهم في التعليق على البيت 490.
(2) انظر قصة الجويني في التعليق على البيت رقم 330 وما بعده.

(المقدمة/94)


بكلام الناظم لأن الناظم لم يسمّه، أو أطلق عليه أنه جهمي لأن قوله وافق قول الجهمية في هذه المسألة.
8 – له رحمه الله بعض التشبيهات التي تؤخذ على مثله ولا يصح له إطلاقها.
كما في ج 1/ 18 – 19 لما قال الناظم: “لله زائرة بليل لم تخف .. ” (1) البيت، قال الشارح أثناء كلامه على الأبيات: “ما أشبه زائرة الشيخ هذه بما كان يسميه بعض الصحفيين هنا في مصر “بالجاسوسة الحسناء” التي تأتيه بالأخبار وتوافيه بالأسرار .. “.
والجاسوسة الحسناء في اصطلاح العصر هي امرأة بغي (تعمل في الاستخبارات ونحوها) ترسل إلى صاحب منصب ورئاسة لتبيت معه وتحاول معرفة ما عنده من أسرار ومعلومات.
9 – يهمل الشارح غالبًا توضيح المصطلحات العقدية والعبارات الكلامية.
كما في ج 1/ 91 حيث أهمل تعريف التنزيه والتجسيم.
وفي ج 2/ 28 – 29 أهمل تعريف الهيولى والصورة والجوهر الفرد.
__________
(1) انظر الكلام على المعنى في التعليق على البيت رقم 20.

(المقدمة/95)


10 – الناظر في الكتاب يجد أن الشارح -رحمه الله- يشرح أحيانًا شرحًا مبهمًا.
كما في ج 1/ 81 – 82 حيث أورد قول الناظم أثناء كلامه عن سمع الله تعالى ورؤيته لعباده: (ويراهم من فوق سبع ثمان) فقال الشارح “ويراهم من فوق سبع سماوات بل من فوق ثمان بحيث لا يمتنع على رؤيته أصغر ذرة … ” ولم يبين المراد بالثمان (1).
11 – يجزم الشارح أحيانًا ببعض الأقوال من غير ذكر دليل.
كما في ج 1/ 132 حيث تكلم عن أنواع الوحي وذكر النوع الثاني وهو أن يأتي الملك إلى الرسول على حالته الملكية ثم قال: “وهذا لم يقع إلا لنبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله، وقع له مرتين … ” ا. هـ وهذا الجزم يحتاج إلى دليل يعضده.
12 – كثيرًا ما يورد المسائل أثناء شرحه دون أن يسوق الأدلة عليها.
كما في ج 2/ 211 حيث قال رحمه الله وهو يتكلم عن حرصه – صلى الله عليه وسلم – على حماية جناب التوحيد: “وذلك كنهيه عن اتخاذ القبور مساجد ونهيه عن رفعها وتشييدها وإيقاد السرج عليها ونهيه عن اتخاذ قبره عيدًا ونهيه عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها .. إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من صحيح السنة المطهرة”.
ولو ساق الأدلة الصريحة الصحيحة على ما ذكر لكان كلامه أكمل
__________
(1) انظر الكلام على المعنى في التعليق على البيت رقم 412.

(المقدمة/96)


وأفضل.
13 – يهمل الشارح في كثير من المواضع شرح الألفاظ الغريبة.
كما في ج 1/ 124 ذكر الناظم ألفاظ جعاجع، فراقع، قعاقع. فقال الشارح: “هذه أسماء أصوات”، ولم يذكر معانيها والفرق بينها ولو راجع كتب اللغة لوجدها محررة (1).
وفي ج 2/ 21 قال الناظم: “أمسكت العنان”، ولم يوضح الشارح المراد بها.
14 – لا يورد الشارح -غالبًا- أقوال العلماء التي يشير إليها الناظم.
كما في ج 1/ 140 حيث أشار الناظم إلى قول الإمام ابن حزم في القرآن فلم يورده الشارح بنصه ولم يخرجه من كتب ابن حزم رحمه الله.
وفي ج 1/ 226 أشار الناظم إلى كلام للشيخ عبد القادر الجيلاني ولأبي الوليد بن رشد ولم يسقه الشارح (2).
15 – يهمل الشارح رحمه الله الإحالات وهي مهمة لربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض، وله في الإحالات صورتان:
الأولى: قد يكرر الناظم أحيانًا المسألة فلا يحيل الشارح إلى ما سبق بل لا يشير إلى أنها قد سبقت.
__________
(1) انظر معانيها في التعليق على البيت رقم 648.
(2) وانظر ج 1/ 74، 206، 272.

(المقدمة/97)


كما في ج 1/ 134 أعاد الناظم الكلام على مذهب الاتحادية في صفة الكلام، فأعاد الشارح الكلام عليه، ولم يبين أنه قد سبق فضلًا عن أن يحيل إلى ما سبق.
وفي ج 2/ 49 أعاد الناظم الكلام على مذهب الاتحادية في التوحيد، فأعاد الشارح الكلام عليه، ولم يبين أنه قد سبق.
وفي ج 2/ 53 أعاد الناظم الكلام على مذهب الجهمية في القدر وقولهم بالجبر، فأعاد الشارح الكلام عليه ولم يبين أنه قد سبق.
الثانية: أحيانًا قد يحيل لكنها إحالة غير واضحة.
كما في ج 1/ 151 حيث أعاد الناظم الكلام على مذهب الاتحادية فقال الشارح: “سبق الكلام على مذاهب الاتحادية” ولم يذكر أين الموضع- ثم أعاد شرحه مع أنه قد سبق وكان يمكنه أن يستغني بالإحالة عن التكرار.
وفي ج 2/ 371 قال الشارح عند كلامه على نعيم الجنة: “ولأحمد أثران في هذا الباب وقد تقدم .. ” ولم يذكر أين الموضع (1).
16 – يوافق الشارح الناظم في أمور كان الأولى به أن ينبه على ما فيها.
كما في ج 1/ 74 حيث قال الناظم:
وإليه قد عرج الرسول فقدرت … من قربه من ربه قوسان
__________
(1) وانظر ج 1/ 279، ج / 194، 381.

(المقدمة/98)


فوافقه الشارح على ذلك وقال “وتناهى – أي الرسول – صلى الله عليه وسلم – في القرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى”.
ولم يخالف الشارح ذلك أو يعلق عليه أو ينظر في كتب الناظم الأخرى، مع أن الناظم وافق الجمهور في كتبه الأخرى على أن القرب كان من جبريل وليس من الله عز وجل (1).
وقد أعاد الشارح العبارة نفسها في ج 1/ 83 دون تعليق.
17 – يستعمل الشارح -أحيانًا- في شرحه بعض الألفاظ المجملة التي لم يذكرها السلف لاحتمالها معاني صحيحة وباطلة، فكان الأولى به العدول عنها. كما في ج 1/ 87 حيث قال عن نزول الله تعالى في ثلث الليل الآخر: “فيجب الإيمان بها مع اعتقاد أن نزوله تعالى ليس كنزول المخلوقين فلا يقتضي هبوطًا ولا انتقالًا ولا شغل مكان وخلو آخر، كما أن استواءه ليس كاستواء المخلوق، فلا يقتضي مماسة ولا محايثة ولا اتكاء .. الخ “أ. هـ.
فكان الأولى به رحمه الله أن يتجنب هذا التفصيل في نزول الرب تعالى واستوائه لأنه لم تأت به أدلة شرعية تثبته ولا تنفيه.
وفي ج 1/ 101 قال وهو يتكلم عن صفات الله: “وأنه كذلك بصير ببصر زائد على ذاته .. “. ومسألة “هل الصفات زائدة على الذات أم ليست زائدة عليها” لا يطلق الجواب فيها بإثبات ولا نفي حتى يستفصل
__________
(1) انظر تفصيل هذه المسألة في التعليق على البيت رقم 362.

(المقدمة/99)


من قائلها ويعرف مراده لأنها تحتمل معاني صحيحة وباطلة، لذا فالأولى الابتعاد عن هذا اللفظ المشتبه (1).
18 – للشارح -رحمه الله- حواش مفيدة على الشرح لكنها غير موثقة.
كما في ج 2/ 185 حيث ذكر سبب نزولى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا … } الآية [النساء/ 60] ولم يذكر مرجعه في ذلك.
19 – لا يعرف غالبًا بالفرق والمذاهب.
كما في ج 1/ 89 ذكر الناظم فرقة “الديصانية” ولم يعرف بها الشارح.
ج 1/ 160 أشار الناظم إلى “الماتريدية” فقال الشارح: “هم أتباع الشيخ أبي منصور الماتريدي” ولم يعرف بهم.
20 – كثيرًا ما يغفل الشارح إيراد نصوص الآثار التي يشير إليها الناظم، بل يحولها من نظم إلى نثر ويكتفي بذلك.
كما في ج 1/ 161 – 162 حيث أشار الناظم إلى آثار لابن عباس رضي الله عنهما وجعفر الصادق وأحمد بن حنبل والدارمي رحمهم الله، ولم يسقها الشارح، وإنما ساق معانيها المستقاة من النظم.
__________
(1) في هذه المسألة كلام مفيد لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فليراجع في التعليق على البيت 417.

(المقدمة/100)


21 – يشير الناظم إلى بعض الآيات ولا يوردها الشارح بنصوصها.
كما في ج 1/ 38 حيث أشار الناظم إلى قوله تعالى {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)} [المعارج: 8] وقوله: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)} [الرحمن: 37]. ولم يوردهما الشارح. وج 1/ 42 أشار الناظم إلى قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)} [الزلزلة: 2] ولم يوردها الشارح.
22 – وقد يذكر الشارح معنى الآية التي يشير إليها الناظم، ولو ساقها بنصها لكان أولى.
كما في ج 1/ 83 حيث قال الناظم وهو يحكي مقالة الملحد:
وزعمت أن الله أبدى بعضه … للطور حتى عاد كالكثبان
لما تجلى يوم تكليم الرضا … موسى الكليم مكلم الرحمن
فقال الشارح: وزعمت أنه سبحانه تجلى للجبل المسمى بالطور عندما مسألة موسى عليه السلام الرؤية فقال له: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى سبحانه للجبل وظهر له من نوره مقدار أنملة إصبع كما ورد في الحديث، لم يطلق الجبل ذلك وصار كثيبًا مهيلًا، وخر موسى صعقًا من قوله الموقف، فلما أفاق قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين … “أ. هـ.
ولو أن الشارح ساق قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ

(المقدمة/101)


مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] لكان أفضل وأكمل من أن يتكلم بمعناها.
23 – يسوق الشارح الأحاديث دائمًا من غير أن يحكم عليها صحةً وضعفًا، إلا ما ندر.
24 – يذكر الشارح أحيانًا من أخرج الحديث ولكن الغالب عليه أن لا يذكر من أخرجه.
كما في ج 1/ 166، 209، 270، 277، وغيرها.
ج 2/ 7، 9، 11، 16، 20، 37، .. وغيرها.
25 – وكذلك يورد الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من غير تخريج، إلا ما ندر جدًا.
كما في ج 1/ 37 – 38 حيث ساق أثرين عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ولم يخرجهما أو يذكر مرجعه الذي نقل منه.
وفي ج 1/ 112 ساق أثرين عن الإمام مالك وأحمد رحمهما الله ولم يخرجهما أو يذكر مرجعه فيهما.
وج 2/ 72 ساق أثرًا لابن عباس رضي الله عنهما ولم يخرجه.
ج 2/ 176 ساق أثرًا للشافعي رحمه الله ولم يخرجه (1).
__________
(1) وانظر ج 1/ 112، 259، ج 2/ 209، 257.

(المقدمة/102)


26 – الشارح لا يسوق الأحاديث التي يستشهد بها بنصوصها، وإنما بمعانيها وكأنه يكتبها من حفظه، وهذا يظهر لمن تتبع أحاديث الكتاب، إلا ما ندر.
كما في ج 1/ 127، 129، 218، 235، .. وغيرها.
ج 2/ 13، 16، 38، 64، 290، 321، 322، 323، … وغيرها.
27 – الأحاديث التي يشير إليها الناظم لا يسوقها الشارح بنصوصها من مظانها وإنما قد يشير إلى معناها.
كما في ج 2/ 11 حيث أشار الناظم إلى ماورد في الحديث من أن أعمال العباد تعرض على الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته، ولم يورد الشارح الحديث الذي أراده الناظم، فضلًا عن أن يحكم عليه صحة أو ضعفًا.
وفي ج 2/ 20 أشار الناظم إلى ما ورد من أن أعمال الحي تعرض على الميت، ولم يورد الشارح الحديث أيضًا.
28 – الشارح رحمه الله قد لا يسوق الأحاديث التي يشير إليها الناظم بنصها ولا بمعناها وإنما يشير إشارة إلى أنه قد ورد حديث في المسألة.
كما في ج 1/ 75 حيث ذكر الناظم أدلة العلو ومما قال:
وإليه يصعد روح كل مصدق … عند الممات فينثني بأمان
فقال الشارح: “وكذلك ورد الحديث بأن أرواح المؤمنين تعرج بها ملائكة الرحمة حتى تمثل بين يدي الله عز وجل فيبشرها بما أعد لها من نعيم فترجع آمنة مطمئنة”. ولم يذكر الحديث بنصه ولا

(المقدمة/103)


بمعناه (1).
وج 1/ 84 قال الشارح أثناء كلام له “يوم الحشر يجعل السماوات في إحدى يديه وهي اليمين”أ. هـ ولم يسق الحديث بل لم يشر إلى ورود حديث في المسألة (2).
29 – يمر الشارح بكثير من الأعلام ولا يترجم لهم، وإن عرف ببعضهم فهو تعريف عام مجمل يستشف منه أنه أملاه من ذاكرته من غير توثيق من المراجع.
كما في ج 1/ 62 ذكر الناظم “العفيف التلمساني”. وفي ج 1/ 121 ذكر اللالكائي، وفي ج 1/ 140 ذكر الرازي، وفي ج 1/ 168 ذكر ابن سينا، وفي ج 1/ 169 ذكر الطوسي، وفي ج 1/ 206 ذكر مجاهدًا وابن إسحاق .. الخ وكل هؤلاء لم يترجم لهم الشارح.
وفي ج 2/ 148 – 149 عرف بأربعة من الأعلام تعريفًا يصدق عليه أنه غير دقيق ولا موثق.
35 – قد يذكر الناظم العلم ولا يبين الشارح من المراد به، فضلًا عن أن يترجم له، فيبقى العلم مبهمًا عند القارئ لا يدري من هو.
كما في ج 1/ 48 حيث قال الناظم: … وبراءة المولود من
__________
(1) انظر الحديث بنصه في التعليق على البيت 364.
(2) انظر الحديث بنصه في التعليق على البيت 431.

(المقدمة/104)


عمران (1)، ولم يبين الشارح من المراد به.
وفي ج 2/ 145 ذكر الناظم أسماء أعلام أعاجم وهم طمطم وتنكلوشا ولم يبين الشارح المراد بهم وهل هم ملوك أو حكماء أو فلاسفة أو غير ذلك.
31 – لا يذكر الشارح القصص التي يشير إليها الناظم.
كا في ج 1/ 75 حيث أشار الناظم إلى قصة مقام الجويني ومقالته في العلو، ولم يسقها الشارح أو يبين المقصود بالأبيات (2).
وج 1/ 144 أشار الناظم إلى الخلاف الذي وقع بين الإمامين البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي رحمهما الله، ولم يذكره الشارح رحمه الله.
32 – لا يعرف بالكتب التي يذكرها الناظم.
كما في ج 1/ 62 حيث ذكر الناظم كتاب “فصوص الحكم” (لابن عربي) وفي ج 1/ 94 ذكر الناظم كتب: الشفاء والإشارات (وكلاهما لابن سينا) “ورسائل إخوان الصفا” ولم يعرف الشارح بشيء منها أو يذكر ما فيها من الضلال (3).
__________
(1) انظر البيت 186.
(2) انظر البيت 330.
(3) انظر الكلام عليها في البيتين 280، 490.

(المقدمة/105)


وفي ج 1/ 237 وما بعدها ذكر الناظم كثيرًا من الكتب وفات على الشارح أكثرها من غير تعريف أو توضيح.

(المقدمة/106)


الفصل الثالث
موقف أهل البدع من الكتاب
كانت هذه القصيدة من أبرز الكتب التي قرر فيها اعتقاد السلف مع الرد على أهل الأهواء والبدع، والتي هدمت قواعدهم التي أسسوها لنشر باطلهم، وفضحت تلاعبهم وتلبيسهم وتدليسهم لنصوص الشرع المطهر. ولأجل هذا كله كانت شجى في حلوق المبتدعة أهل الأهواء، وشَرِقوا بها فحاولوا
أولًا: النيل من ناظمها، والحطَّ من قَدْرِه، ونبزه بكل قبيحٍ من القول، ولكن هذا لن يضرّه إن شاء الله.
وثانيًا: القدح في هذه القصيدة كما حانت لهم الفرصة، وكلما جاءت مناسبة لذكرها، وفي بعض الأحيان تجد التكلف واضحًا لذكرها والنيل منها ومن صاحبها.
وكان من أبرز من تصدى لهذه القصيدة والنيل من ناظمها رحمه الله هما:
1 – تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (756).
2 – محمد زاهد الكوثري (1371).
وسوف نتحدث في هذا الفصل عن موقفهما من هذا النظم المبارك.
وسوف يتبين لك أن بين ما كتبه العلامة ابن القيم، وبين ما كتبه

(المقدمة/107)


هذان كما بين السماء والأرض، سواءٌ من الناحية العلمية والتأصيلية للمسائل أو من الناحية الأدبية والأخلاقية في الألفاظ أثناء الرد على الخصوم.
ولكن قبل أن نذكر موقفهما من هذه القصيدة يحسن أن نذكر لكل منهما ترجمة موجزة للتعريف بهما.

1 – تقي الدين السبكي (1):
هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام، أبو الحسن السبكي، تقي الدين صاحب التصانيف، كان مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة في شهر صفر.
أخذ العلم عن كثير من علماء عصره منهم:
– ابن الرفعة وأخذ عنه الفقه، والعَلَم العراقي وأخذ عنه التفسير، والعلاء الباجي وأخذ عنه الأصول، وأبو حيان النحوي وأخذ عنه النحو، والشرف الدمياطي وأخذ عنه الحديث، وسمع من ابن الصواف، والموازيني.
__________
(1) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابنه 10/ 139 (وهي ترجمة مطولة). البداية والنهاية 14/ 264، البدر الطالع 2/ 467، بغية الوعاة 2/ 176، تذكرة الحفاظ 4/ 1507، الدرر الكامنة 3/ 134، ذيل العبر للحسيني 4/ 168، شذرات الذهب 6/ 180، طبقات المفسرين للداودي 1/ 412، تاج العروس للزبيدي 4/ 168، ذيول تذكرة الحفاظ ص 39، 352.

(المقدمة/108)


ولي قضاء الشام، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية والشامية البرانية والمسرورية وغيرها.
وأما تلاميذه فهم كثير منهم:
المزي، وابن كثير، والذهبي، وابن رجب، وابن جماعة، وابن العراقي، وغيرهم.
أكثر من التأليف والتصنيف في شتى الفنون. من أهم مؤلفاته:
– تفسير للقرآن، وشرح المنهاج في الفقه.
وله ردود على شيخ الإسلام منها: رد في مسألة شد الرحل إلى المسجد النبوي، ومسألة وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد.
وكان على مذهب الشافعي في الفروع، وأشعري المعتقد معاديًا لشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، ومن قرأ السيف الصقيل علم ذلك حق العلم.
كانت وفاته سنة ست وخمسين وسبعمائة وله من العمر: ثلاث وسبعون سنة.

2 – محمد زاهد بن الحسن الكوثري (1):
هو محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري، نسبة إلى أحد
__________
(1) انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي 6/ 129، مقدمة مقالات الكوثري ص 5 – 77.

(المقدمة/109)


أجداده “كوثر”، أو إلى قرية “الكواثرة” بضفة نهر “شبز” ببلاد القوقاز.
ولد ونشأ في قرية من أعمال (دوزجة) بشرق الآستانة، وتفقه في جامع الفاتح بالآستانة، ودرس فيه، وتولى رياسة مجلس التدريس.
واضطهده “الاتحاديون” خلال الحرب العالمية الأولى لمعارضته لهم. وأرادوا اعتقاله فركب إحدى البواخر إلى الإسكندرية سنة 1341 هـ، وتنقل زمنًا بين مصر والشام ثم استقر في القاهرة موظفًا في دار المحفوظات، “يترجم فيها من الوثائق التركية إلى العربية”، وكان يجيد اللغة التركية والعربية والفارسية والجركسية.
من مؤلفاته:
* تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب (1).
* النكت الطريفة في التحديث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي
__________
(1) وقد قام العلامة المحدث عبد الرحمن بن يحيى المعلمي بالرد على هذا الكتاب بمؤلف فريد لم يؤلف مثله، ألا وهو كتاب “التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل”، وقد كتب رحمه الله مقدمة لهذا الرد أسماها “الطليعة” طُبِعت في حياته ووصلت للكوثري فرد عليها بكتاب “الترحيب بنقد التأنيب”.
وما أحسن ما قيل في كتاب “التنكيل”:
نكَّلت من جعل الحديث تلاعبًا … تنكيل راعٍ للسفيه مقوِّمِ
ودأبت تدعو للهدى وتَسُنُّه … أكْرِم بِداعٍ للهدى ومُعَلِّمِ

(المقدمة/110)


حنيفة
* الاستبصار في التحدث عن الجبر والاختيار.
* وله الكثير من التحقيقات والتعليق على كثير من الكتب منها:
– تعليقه على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي.
– تحقيقه وتعليقه على كتاب التنبيه والرد للملطي.
– تعليقه على ذيول تذكرة الحفاظ.
– تعليقه على السيف الصقيل المسمى “تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم”.
وكانت وفاته سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف بالقاهرة.

3 – السيف الصقيل وتوثيق نسبته للمؤلف:
عنوان الكتاب: “السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل” (1).
توثيق نسبته للمؤلف:
ذكر في ترجمة السبكي أنَّ له تعقيبًا على نونية ابن القيم باسم “الرد على نونية ابن القيم” (2) والكتاب منه نسخة مخطوطة في المكتبة التيمورية برقم (358) (3).
__________
(1) والكتاب مطبوع مع تكملته وتعليق الكوثري، ط. السعادة سنة 1356، (يقع في 190 صفحة).
(2) انظر: الأعلام 5/ 116، ابن القيم حياته – آثاره ص 31 – 32.
(3) انظر: فهرس الخزانة التيمورية 4/ 47، ط. دار الكتب المصرية سنة =

(المقدمة/111)


ونص على هذا الكتاب بهذا العنوان: “السيف الصقيل” الزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (1/ 8 – 11) (1).
ما مقصود السبكي بتلقيب ابن القيم “ابن زفيل”؟
يقول الشيخ بكر أبو زيد (2): “ولقد تصفحت الكثير من كتب التراجم والمعاجم فلم أر هذا النبز لابن القيم ولا لغيره من أهل العلم، وقد سألت كثيرًا من علماء الأمصار عن هذا النبز المذكور فلم أر من يعيرني عليه جوابًا. وفي حج عام 1397 هـ اجتمعت بالشيخ عبد الله بن الصديق الغماري -صاحب طنجة- فسألته عن ذلك، فأفاد بأنه لما خرج هذا الكتاب بهذا الاسم، صار استغرابه من عامة أهل العلم بمصر، وقال: فكنت ذات يوم في مكتبة الشيخ حسام الدين القدسي بمصر أنا وأخي أبو الفيض أحمد الغماري، فجاء إلينا الكوثري فسأله أخي عن ذلك فقال الكوثري: إن “زفيلًا” اسم لجد ابن القيم من قبل أمه. والمراد نبزه بذلك على عادة العرب حينما يريدون التحقير لشخص ينسبونه إلى جده لأمه ومن ذلك: قول المشركين في حق النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لقد أمرَ ابنُ ابن أبي كبشة” فسأله الشيخ أحمد: أين وجدت ذلك الاسم لجد ابن القيم لأمه” فلم يجب”أ. هـ بتصرف.
__________
=1369 هـ (نقلًا عفا كتبه الشيخ بكر أبو زيد في: ابن القيم حياته آثاره ص 32 تعليق (2).
(1) ط. دار الفكر.
(2) ابن القيم حياته – آثاره ص 33، 32.

(المقدمة/112)


4 – موقف السبكي والكوثري من خلال: “السيف الصقيل وتكملته”:
ومن خلال قراءة الكتاب يمكن أن نخرج بالآتي:
أولًا: الضعف العلمي في هذا الرد:
إن الناظر في حُجَج ابن القيم واستدلاله ليعجب من كثرة الأدلة التي يوردها -رحمه الله- عند تقريره لأي مسألة، وكلام أهل العلم حولها، وبالمقابل انظر لما سطّره السبكي والكوثري في رديهما فتجد أكثر الرد: لعل وعسى وأظنه … إلخ، والاكتفاء بالسب والشتم والسخرية، وإليك الأمثلة:
* قال السبكي (1): “وأما رابعًا فما ذكره عن أبي جهل وغيره أنه لم يكن فيهم منكر للخالق، يكفي في الرد عليه أن كل من سمعه يتخذه ضُحكَةً”أ. هـ.
– ونقول للسبكي هذا ليس قولًا لابن القيم بل قول الله سبحانه وتعالى: {ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87].
وقد تابعه الكوثري (2) وخلّطَ ولبَّس ولم يذكر هذه الآية وأمثالها الصريحة بأن المشركين كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وإنما الخلاف بينهم وبين الرسول كان في توحيد العبادة.
__________
(1) انظر: ص 27.
(2) انظر: ص 27 – 28.

(المقدمة/113)


* قال ابن القيم:
فهناك لا خلقٌ ولا أمرٌ ولا … وحيٌ ولا تكليفُ عبدٍ فانِ
– قال السبكي (1) معقبًا: “ما هذه إلا قِحَة (2) وبلادة يأخذ ما توهمه لازمًا فيستنتج وينكر على الناس إلزام التجسيم”.
– فانظر: أين الرد العلمي؟ ومقابلة الحجة بالحجة.
* قال السبكي (3): “أما كونه لم يزل متكلمًا، وقوله (4) مع ذلك إنه لفظ وإنه غير مخلوق فكلام من لا يدري ما يقول”.
ولم يذكر أي حجة على بطلان كلام الناظم رحمه الله.
* وقال السبكي (5) معقبًا على قول الناظم: “وثامنها رفيع الدرجات-: “ما بقي من تخلف هذا النحس إلا أن يجعل لله سلمًا يصعد وينزل في درجاته تعالى الله عمَّا يقول .. “.
ولم يذكر أي رد علمي على هذا الاستدلال.
* لما ذكر ابن القيم الدليل التاسع عشر من أدلة العلوّ وفيه إلزام
__________
(1) انظر: ص 31.
(2) القِحَة: من الوقاحة وهي قلة الحياء، انظر: القاموس ص 316.
(3) ص 61.
(4) يعني ابن القيم.
(5) ص 91.

(المقدمة/114)


للمعطل بإلزامات كثيرة قال السبكي معلقًا (1): “ثم استمر هذا السفيه في سفهه”.
ولم يذكر أي رد على هذا الإلزام.
* ومن الأمثلة في الحيدة عن الجواب عن الدليل المعارض لهم:
– لما ذكر ابن القيم أدلة السنة على علو الله ذكر منها حديث “إن الله كتب كتابًا بيده فهو عنده فوق العرش” فقال رحمه الله (2):
واذكر حديثًا في الصحيح تضمنت … كلماته تكذيب ذي البهتان
لما قضى الله الخليقة ربنا … كتبت يداه كتاب ذي الإحسان
وكتابه هو عنده وضع على الىـ … ـعرش المجيد الثابت الأركان
إني أنا الرحمن تسبق رحمتي …. غضبي وذاك لرأفتي وحناني
قال السبكي (3) معلقًا: “أين لفظ كتبت يداه؟ “.
– وهذه والله حيدة عن الجواب عن الدليل لأمرين:
الأول: هبْ أن هذه اللفظة لم تثبت ولم تصح، فالدليل بغير هذه اللفظة ثابت في الصحيحين: ووجه الاستدلال أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ذكر أن الكتاب عند الله فوق العرش وهذا تصريح بالعلو ولهذا لم يتعرض
__________
(1) ص 119.
(2) انظر: الأبيات رقم (1694 – 1697).
(3) ص 121.

(المقدمة/115)


السبكي ولا الكوثري (1) لهذا الحديث بأي رد علمي.
الثاني: أن هذه اللفظة في الحديث هي عند ابن ماجه وغيره، وقد صححها أهل العلم كالبوصيري وغيره. وسيأتي الكلام عليها في موضعها (2).
– هذا الذي ذكرنا فيما يخص السبكي والضعف العلمي في رده، أما بالنسبة للكوثري فإليك بعض الأمثلة:
* قال الكوثري (3) معلقًا على حديث الجارية (4): ” .. فلفظ “أين الله” تغيير بعض الرواة على حسب فهمه، والرواية بالمعنى شائعة في الطبقات كلها، وإذا وقعت الرواية بالمعنى من غير فقيه فهناك الطامة الكبرى، وصاحب هذه القصة (5) لم يكن من فقهاء الصحابة ولا له سوى هذا الحديث في التحقيق بل كان أعرابيًّا يتكلم في الصلاة”.
__________
(1) تكلم الكوثري ص 122 حول ثبوت زيادة “كتبت يداه” ولم يتعرض لأصل الدليل كما ذكرنا.
(2) سوف نتكلم على الحديث ومن أخرج هذه الزيادة من أهل العلم ونذكر تصحيحهم لها.
(3) ص 95.
(4) وهو الحديث الذي فيه أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – سألها: “أين الله” فقالت: في السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة.
وسوف يأتي تخريجه عندما يشير الناظم إليه عند البيت رقم 1296.
(5) هو الصحابي الجليل: معاوية بن الحكم السلمي.

(المقدمة/116)


فانظر إلى هذا الضعف في الرد. فمن أين للكوثري أن بعض الرواة غيّرها على حسب فهمه؟
– وقوله: “وإذا وقعت الرواية بالمعنى من غير فقيه كانت الطامة الكبرى” فهل كل أئمة السنة كالإمام مسلم الذي أخرج هذا الحديث في صحيحه وغيره من جهابذة الحفاظ غير فقهاء عندما رووا هذا الحديث، ولم يتنبه لهذا الخطأ إلا الكوثري؟
– وأخيرًا لم يكتف الكوثري بهذا الرد الضعيف المتهافت بل قدح في خيار الأمة في هذا الصحابي الجليل راوي هذا الحديث، وسوف يأتي الكلام عن هذا الأمر لاحقًا (1).
* ومن أمثلة الضعف في الرد على الأدلة الواضحة الصريحة الدالة على علو الله ما قاله الكوثري (2) عند حديث “كان الذي في السماء ساخطًا عليها” (3).
قال: “ولفظ مسلم: ثم ذكر الحديث … وليس في هذا اللفظ التصريح بما يرمي إليه الناظم، ومثل هذا الحديث من أخبار الآحاد يحمل على المحكمات وليس في الحديث ذكر الرب سبحانه، وحمله
__________
(1) عندما نشير إلى قدح الكوثري في بعض أئمة السنة.
(2) ص 126.
(3) الحديث في مسلم وسيأتي تخريجه والكلام عليه عند البيتين (1741 – 1742).

(المقدمة/117)


عليه تقول … “.
فنقول أولًا: ما اللفظ الذي سوف يكون أصرح من قوله: “كان الذي في السماء ساخطًا عليها”؟
ثانيًا: ومن هو الذي يسخط ويرضى عن العباد، والذي يخاف العباد من سخطه؟ إنه الله سبحانه وهو في السماء بنص الحديث.
ثالثًا: احتج الكوثري على إبطال الدليل بالطاغوت الذي اعتمد عليه أسلافه من أهل البدع، ألا وهو رد خبر الآحاد، وهذه حجتهم عندما تنقطع بهم السبل (1).
ثانيًا: التناقض الواضح من السبكي والكوثري:
1 – فأما السبكي فإليك الأمثلة:
قال السبكي (2): “والمتبع للقرآن لا يغيره، ولا يغير لفظه بل يتمسك به من غير زيادة ولا نقصان، وكذلك الأحاديث الصحيحة يقف عند ألفاظها ولا يزيد في معناها ولا ينقص”.
__________
(1) انظر في الرد على منكري حجية خبر الآحاد: مختصر الصواعق المرسلة ص 438 – 515.
وانظر المواضع التي لم يرد عليها السبكي أو الكوثري في السيف الصقيل: ص 90، 91، 136، 137، 138، 140، 144، 149، 155، 170، 175.
(2) ص 65.

(المقدمة/118)


– وهذا الكلام جيد وصحيح، وليته التزم به! ولكن أين التزام السبكي بهذا الكلام، وهو يؤول الصفات ويحرف النصوص ويصرفها عن ظاهر المراد منها، فانظر:
1 – تأويله للاستواء بالاستيلاء (1):
حيث قال (2): “فالمقدم على هذا التأويل لم يرتكب محذورًا، ولا وصف الله تعالى بما لا يجوز عليه … “.
2 – لما انتهى من نقل نصوص العلو التي أشار إليها ابن القيم قال معلقًا (3): “هذه الأحاديث كلها قد ذكرها الأئمة وذكروا تأويلاتها من قديم الزمان وإلى الآن”.
– فأين الوقوف عند ألفاظ الحديث وعدم الزيادة عليها أو النقصان؟
*- مثال آخر يبين تناقض السبكي:
– لقد تجاسر السبكي ووصم ابن القيم بالكفر والإلحاد -والعياذ بالله- في غير ما موضع من هذا الكتاب (4) كما سيأتي.
__________
(1) ص 86 – 87، وهذا هو مذهب الأشاعرة ومن وافقهم في تأويل الصفات والاستواء.
(2) ص 87.
(3) ص 128.
(4) انظر: ص 29، 37، 55.

(المقدمة/119)


– ثم تجده يناقض نفسه فيقول (1) مخاطبًا ابن القيم: “وإن كنا لم نقل بالتكفير، ولا بالقتل؛ فلا أقل من القدر الذي ينكف به ضررك عن المسلمين … “.
– فانظر إلى هذا التناقض مرة يصرح فيها بتكفيره ولعنه، ومرة يتورع ولا يكفره ويدّعي أنه لم يقل بتكفيره.
ب – وأما تناقض الكوثري: فحدث ولا حرج، وإليك بعض الأمثلة:
* انتقد الكوثري الذهبي في أحد المواضع فقال (2): ” … وترى الذهبي كثيرًا ما يقول في رد ما أخرجه الحاكم في مستدركه في فضائله – صلى الله عليه وسلم -، وأهل بيته عليهم السلام”: “أظنه باطلًا” بدون ذكر أي حجة … “.
– ونسي الكوثري أو تناسى أنه قال أكثر من هذا في عدة مواضع من كتابه، منها على سبيل المثال:
– قوله (3) على حديث الجارية: ” … فلعل لفظ (أين الله) من تغيير بعض الرواة … “.
__________
(1) انظر: ص 145.
(2) ص 181.
(3) ص 9، وانظر: ص 126 عند كلامه على حديث صعود الروح إلى السماء.

(المقدمة/120)


* ومن الأمثلة على تناقض الكوثري:
– قال (1) معقبًا على كلام السبكي في ابن القيم “فهو الملحد لعنه الله”: “فالأولى كشف اللسان الآن عن اللعن، وأما استنزال المؤلف اللعنة عليه فكان في حياة الناظم وهو يمضي في زيغه وإضلاله – عامله الله بعدله … “.
– وانظر إلى هذا الورع البارد حينما يقول (2) معقبًا على قول السبكي: “ما لمن يعتقد في المسلمين هذا إلا السيف”:
“لأن ذلك زندقة مكشوفة، ومروق ظاهر وإصرار على اعتقاد الإيمان كفرًا -قبحه الله- … ولينظر القارئ، … إنه إن فكر قليلًا علم العلم القاطع أن هذا الناظم بلغ في كفره مبلغًا لا يجوز السكوت عليه، ولا يحسن للمؤمن أن يغضي عنه ولا أن يتساهل فيه”.
فسبحان الله كيف يتورع في النص الأول، ثم تجده لم يكتف باللعن بل صرح بكفر ابن القيم -والعياذ بالله- فهل بعد هذا التناقض تناقض!.
* وأخيرًا من الأمثلة:
– عاب الكوثري (3) على ابن القيم إطلاقه لفظة
__________
(1) ص 37.
(2) ص 182.
(3) ص 147.

(المقدمة/121)


“القَلُّوط” (1) وقال إنها من الألفاظ القبيحة وإنها لفظة عامية لا ينطق بها إلا العوام.
– ثم تجده يقول (2): “وأما من تعوَّد أن يقول: “عنزة وإن طارت” فليس خطابي معه .. “.
أليس هذا كلام العامة؟ فلماذا تعيب على ابن القيم مع أنّ لفظة ابن القيم ذكرها الزبيدي في تاج العروس (3).
ثالثًا: التدليس، والتلبيس، والغش، والخداع، وعدم الأمانة في النقل:
– وهذه مما يظهر للقارئ حينما يتصفح هذا الرد من غير رجوع إلى مراجع ومن غير بحث في بعض المواضع، وإليك الأمثلة على ذلك:
المثال الأول:
قال الكوثري (4) معقبًا على استدلال الناظم يقول ابن رواحة:
وأن العرش فوق الماء طافٍ … وفوق العرش رب العالمينا
– قال الكوثري: “وهذه قصة تذكر في كتب المحاضرات
__________
(1) انظر تفسيرها في حاشية البيت رقم 2334.
(2) ص 192.
(3) تاج العروس 4/ 438، 5/ 211، وانظر: شرح ابن عيسى 2/ 86.
(4) ص 25.

(المقدمة/122)


والمسامرات دون كتب الحديث المعتمدة، ولم ترد في كتب أهل الحديث بسند متصل ولو في وجه واحد، وأما ما وقع في الاستيعاب من قول ابن عبد البر (رويناه من وجوه صحاح) فسهوٌ واضح من الناسخ وأصل الكلام (من وجوه غير صحاح) فسقط لفظ (غير) فتتابعت النسخ على السهو … “.
– ويتبين التلبيس من عدة أوجه:
1 – قوله إنها لم ترد في كتب الحديث المعتمدة: كذب.
فقد أخرجها (1): الدارمي في الرد على الجهمية، والمقدسي في إثبات صفة العلو، والذهبي في العلو وفي السير له.
وكذلك ممن أخرجها ابن عساكر في تاريخه، وابن السبكي في طبقات الشافعية.
2 – قوله إنها لم تذكر في كتب الحديث المعتمدة غير دقيق، ولعل كلام السبكي في الطبقات أدق من قول الكوثري حيث قال (2): “ولم يخرج هذا الأثر في شيء من الكتب الستة”.
فلعل الكوثري نقل كلام السبكي فزاد فيه ونقص (3).
__________
(1) سيأتي تخريجها كاملًا عندما يشير إليها الناظم في الأبيات (1729 – 1727).
(2) طبقات الشافعية (1/ 265).
(3) وهذا ليس بغريب عليه وسوف تركه من الأمثلة ما يدل على هذا.

(المقدمة/123)


3 – وأما قوله عن قول ابن عبد البر “رويناه من وجوه صحاح” إنه سهو واضح من الناسخ وأن أصل الكلام “من وجوه غير صحاح” وأن النسخ تتابعت عليه – كذب واضح.
لأن الكوثري لم يأت بدليل على ما قاله، بل هو اختلاق من عند نفسه، لأن الكلام لم يوافق هواه ومشربه.
وكذلك هذا الكلام نقله الأئمة عن ابن عبد البر بهذا اللفظ.
فابن قدامة يقول (1): “وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب: رويناه من وجوه صحاح … “.
– والكوثري يدعي أن الأمة على مرِّ هذه القرون قد غفلوا عن هذا السقط ولم يعرفه إلا الكوثري.
– فهل بعد هذا التدليس تدليس؟
المثال الثاني:
قال الكوثري (2) معلقًا على “استدلال الناظم بحديث صعود الروح إلى السماء على إثبات العلو لله” ما نصه:
“أخرجه أحمد وابن خزيمة وفيه لفظ “حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الرب”.
__________
(1) إثبات صفة العلو لابن قدامة ص 99.
(2) ص 126.

(المقدمة/124)


وليس السند إليهما كالسند إلى الأصول الستة، وقد أعرض عن تخريجه أصحاب الأصول الستة، وهذا اللفظ منكر، والظاهر أنه من تغيير بعض الرواة … “.
– ويتبين تلبيس الكوثري من عدة أوجه:
1 – أن هذا الحديث ليس كما زعم الكوثري أنه أخرجه أحمد وابن خزيمة فقط وأن أصحاب الكتب الستة لم يخرجوه بل هو كذب واضح، فالناظم يقول (1):
واذكر حديث للبراء رواه أصـ … ـحاب المساند منهم الشيباني
وأبو عوانة ثم حاكمنا الرضا … وأبو نعيم الحافظ الرباني
فمقصود الناظم هو حديث البراء، وقد أخرجه من أصحاب الكتب الستة: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
والحديث مروي في كثير من كتب الحديث المعتمدة وسيأتي تخريج هذا الحديث كاملًا وأن العلماء صححوه.
2 – أن الكوثري أراد بتخريجه للحديث حديث أبي هريرة وأعرض عن حديث البراء، وعلى فرض أن الناظم لا يريد حديث البراء -مع أنه صرح به- فكذلك حديث أبي هريرة (2) قد أخرجه ابن ماجه وهو من
__________
(1) انظر الأبيات رقم (1735 – 1740) من هذا النظم المبارك.
(2) وهو شاهد صحيح لحديث البراء، وانظر تخريجه عند البيت رقم (1201).

(المقدمة/125)


أصحاب الكتب الستة.
3 – قوله: “وقد أعرض عن تخريجه أصحاب الأصول الستة”:
ومن الذي قال إن الصحاح كلها في الأصول الستة بل هي في غيرها وفي هذا يقول العراقي في ألفيته (1):
ورد لكن قال يحيى (2) البرّ … لم يفت الخمسة (3) إلّا النزر (4)
وفيه ما فيه لقول الجعفي (5) … أحفظ منه عشر ألف ألف
4 – قوله: “والظاهر أنه من تغيير بعض الرواة”.
ولم يذكر لنا الكوثري ما مصدره في هذا القول وهذه الفرية، مع أن الأئمة أطبقوا على روايته في كتبهم، ولم يقل أحد منهم إن فيه تغييرًا من أحد الرواة.
المثال الثالث:
قال الكوثري (6) معلقًا على استدلال الناظم بحديث المعراج على إثبات العلو ما نصه: “نحيل الناظم في حديث المعراج -الذي يريد أن
__________
(1) فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي (1/ 27).
(2) يعني النووي.
(3) يعني الصحيحين والسنن الثلاثة ما عدا ابن ماجه.
(4) أي القليل.
(5) يعني الإمام البخاري.
(6) ص 125.

(المقدمة/126)


يستدل به هنا- على ما كتبه هو نفسه في زاد المعاد (1) في الأوهام الواقعة في حديث شريك في المعراج وقد بسط أهل العلم أغلاطه فيها”.
– وهذا تلبيس من الكوثري:
لأن أوهام شريك في بعض ألفاظ الحديث، أما أصل الحديث فهو ثابت. فقصة عروجه إلى السماء إلى جهة العلو لم ينكرها أحد وهذا بحد ذاته دليل على العلو، وأوهام شريك معلومة معدودة (2).
المثال الرابع:
قال الكوثري (3): “وأما ما يروى عن أبي داود أنه قال: “من أنكر هذا (يعني خبر مجاهد في إجلاس النبي على العرش) فهو عندنا متهم”، فبطريق النقاش -صاحب شفاء الصدور- وهو كذاب عند أهل النقد … “.
وبيان التلبيس هنا من وجوه:
1 – لم ينص أحد ممن نقل كلام أبي داود أن النقاش هو صاحب شفاء الصدور الذي ضعفه أهل العلم في الرواية (4).
__________
(1) انظر: زاد المعاد. (3/ 38).
(2) انظر: فتح الباري (13/ 492 – 494).
(3) ص 129.
(4) انظر الفتح (11/ 435)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/ 311).

(المقدمة/127)


ولكن ما هو السبب في ترجيح الكوثري لهذا النقاش؟
2 – أن هناك نقاشا آخر: اسمه: أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو بن مهدي الأصبهاني الحنبلي (1).
قال عنه الذهبي: “الإمام الحافظ، البارع، الثبت”.
إذا فهو ثقة وثبت في الرواية.
3 – الذي يترجح أنه الأخير لثلاثة أمور:
* الأول: أنه حنبلي، والحنابلة مشهور عنهم الانتصار لخبر مجاهد في إثبات مسألة الإجلاس.
* الثاني: أنه هو الأقرب أن ينقل كلام أبي داود لأنه حنبلي.
* الثالث: أن هذا الأخير كان صاحب عقيدة سليمة، فقد قال عنه الذهبي (2): “كان من أئمة الأثر”. ومن كانت هذه حاله فهو أولى بأن ينقل خبر مجاهد وكلام أبي داود الذي يثبت العلو لله.
4 – على افتراض أنه: النقاش (3) الذي ضعفه أهل العلم فقد وردت مقولة أبي داود من غير طريق النقاش رواها عنه الخلال في السنة
__________
(1) انظر ترجمته في: السير (17/ 357)، وتاريخ أصبهان (2/ 280)، شذرات الذهب (3/ 201)، تذكرة الحفاظ 3/ 1059.
(2) السير (17/ 308).
(3) انظر ترجمته في: السير (15/ 573)، تاريخ بغداد (2/ 201)، وفيات الأعيان (4/ 298)، لسان الميزان (5/ 132)، شذرات الذهب (3/ 8).

(المقدمة/128)


ص 214 برقم (244) (1).
5 – من تلبيس الكوثري كذلك: قوله عن النقاش صاحب شفاء الصدور: “كذّاب عند أهل النقد”.
فإن هذا فيه مبالغة، وانظر إلى كلام أهل العلم فيه:
– قال الخطيب البغدادي (2): “في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة”.
– قال البرقاني (3): “كل حديث النقاش منكر”.
– قال الذهبي (4): “هو عندي متهم، عفا الله عنه”.
– قال الحافظ (5): “وصار شيخ المقرئين في عصره على ضعف فيه”.
وقال أبو عمرو الداني (6): “هو مقبول الشهادة”.
فأين قول أهل النقد عنه إنه كذاب؟
__________
(1) قال محقق الكتاب إن إسنادها إلى أبي داود صحيح.
(2) تاريخ بغداد (2/ 202).
(3) تاريخ بغداد (2/ 205).
(4) سير أعلام النبلاء (15/ 576).
(5) لسان الميزان (5/ 132).
(6) سير أعلام النبلاء (15/ 575).

(المقدمة/129)


– نعم قال طلحة بن محمد الشاهد (1): “كان النقاش يكذب في الحديث والغالب عليه القصص”.
وقول طلحة هذا ليس هو كلام كل أهل النقد حتى يعمم العبارة الكوثري، بل عامة كلامهم أنه ضعيف في الرواية فقط أو منكر الحديث، ولا يصل إلى درجة أن يقال عنه: كذاب، وهي أحط درجات التجريح.
المثال الخامس:
قال الكوثري (2) معلقًا على حديث جابر “يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعدكما يسمعه من قرب” (3) ما نصه:
فهو حديث ضعيف علّقه البخاري بقوله: “ويذكر عن جابر” دلالة على أنه ليس من شرطه. ومداره على “عبد الله بن محمد بن عقيل” وهو ضعيف باتفاق. وقد انفرد عنه “القاسم بن عبد الواحد”، وعنه قالوا: إنه ممن لا يحتج به”.
وهذا والله هو التدليس بعينه، وعدم الأمانة في النقل، وهذا يتبين من وجوه:
1 – احتجاجه بضعف الحديث بأن البخاري علَّقه في صحيحه،
__________
(1) تاريخ بغداد (2/ 205).
(2) ص 63.
(3) سيأتي تخريجه حينما يشير إليه الناظم في البيت رقم (442).

(المقدمة/130)


ولا شك أن هذه حجة باطلة إذ إن البخاري لم يرو كلَّ الصحيح بل بعضه، وسبب عدم تخريجه لهذا الحديث أنه ليس على شرطه لا أنَّه ضعيف وفي هذا يقول العراقي (1):
ولم يعمَّاه، ولكن قَلَّما … عند ابن الأخرم منه قد فاتهما
وردّ لكن قال يحيى البرُّ … لم يفت الخمسة إلّا النزر
قال السخاوي (2) في شرحه لهذه الأبيات:
” (ولم يعمّاه): أي لم يستوعبا كل الصحيح في كتابيهما، بل لو قيل: إنهما لم يستوعبا مشروطهما لكان موجهًا، وقد صرح كل منهما بعدم الاستيعاب، فقال البخاري فيما رويناه من طريق إبراهيم بن معقل عنه: “ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح خشية أن يطول الكتاب ” .. “.
2 – قوله “ومداره على عبد الله بن محمد بن عقيل”:
وهذا فيه تلبيس فإن الحديث ورد من غير طريق عبد الله بن محمد بن عقيل.
* الطريق الأول:
– أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، وتمام في فوائده من طريق
__________
(1) فتح المغيث شرح ألفية الحديث (1/ 27).
(2) فتح المغيث (1/ 33).

(المقدمة/131)


الحجاج بن دينار عن محمد بن المنكدر عن جابر به. نص عليه الحافظ في الفتح (1) وقال: “إسناده صالح”.
* الطريق الثاني:
– أخرجه الخطيب في الرحلة (2) برقم (33) من طريق أبي الجارود العنسي -بالنون الساكنة- عن جابر به.
قال الحافظ في الفتح (3): “وفي إسناده ضعف”.
3 – وهي ثالثة الأثافي: قوله عن عبد الله بن محمد بن عقيل: “إنه ضعيف باتفاق” فهذا كذب صراح لم يقله أحد من الأئمة، وكأن الكوثري أخذ هذه الحجة وتلقاها من أسلافه في المعتقد، وفي هذا يقول ابن القيم (4):
“ولا التفات إلى ما أعلّه به بعض الجهمية ظلمًا منه وهضمًا للحق، حيث ذكر كلام المضعفين لعبدالله بن محمد بن عقيل والقاسم بن عبد الله دون من وثقهما وأثنى عليهما، فيوهم الغِرَّ أنهما مجمع على ضعفهما لا يحتج بحديثيهما … “.
– وعبد الله بن محمد بن عقيل، قال فيه الأئمة ما يلي:
__________
(1) فتح الباري (1/ 209).
(2) ص 115.
(3) فتح الباري (1/ 209).
(4) مختصر الصواعق ص 404.

(المقدمة/132)


– قال الحافظ في التقريب (1): “صدوق في حديثه بين، يقال تغير بأخَرة”.
– وقال الترمذي (2): “صدوق، سمعت محمدًا (يعني البخاري) يقول: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه”.
– وقال العجلي (3): “مدني تابعي ثقة جائز الحديث”.
– وقال ابن عدي (4): “روى عنه جماعة من المعروفين الثقات وهو خير من ابن سمعان يكتب حديثه”.
وقال ابن عبد البر (5): “هو أوثق من كل من تكلم فيه”.
– وقال ابن القيم (6): “صدوق حسن الحديث. وقد احتج به غير واحد من الأئمة”.
* فأين الإجماع على ضعفه؟
4 – قوله ” … وقد انفرد عنه القاسم بن عبد الواحد، وعنه قالوا: إنه ممن لا يحتج به”.
__________
(1) التقريب ص 321.
(2) سير أعلام النبلاء 6/ 205.
(3) الثقات للعجلي (2/ 58).
(4) الكامل لابن عدي (4/ 129).
(5) تهذيب التهذيب (6/ 14).
(6) مختصر الصواعق ص 403.

(المقدمة/133)


فهذا أيضا كذب وزور، وعدم أمانة في نقل كلام أهل العلم.
وانظر كلام الأئمة فيه:
– قال الحافظ (1): “مقبول” يعني تقبل روايته إذا وجد له متابع أو شاهد.
– وقال الذهبي (2): “وثق”.
وقال أبو حاتم (3): “يكتب حديثه”.
– وذكره ابن حبان في الثقات.
– وقال ابن القيم (4): “حسن الحديث. وقد احتج به النسائي مع تشدده في الرجال وأن له فيهم شرطًا أشد من شرط مسلم، وحسن الترمذي حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات”.
المثال السادس:
– قال ابن القيم رحمه الله (5):
وروى ابن ماجة أن أولهم يصا … فحه إله العرش ذو الإحسان
__________
(1) التقريب ص 450.
(2) الكاشف 2/ 391.
(3) الجرح والتعديل 7/ 114.
(4) مختصر الصواعق ص 403 – 404.
(5) الأبيات برقم (5057 – 5059).

(المقدمة/134)


ويكون أولهم دخولًا جنة الـ … ـفردوس ذلك قامع الكفران
فاروق دين الله ناصر قوله … ورسوله وشرائع الإيمان
قال الكوثري (1) معقبًا:
“قاتله الله، حديث موضوع يستدل به، وشأن هذا الخبر في السقوط فوق أن يقال بين رجاله ضعيف …. “.
* وهذا كما سترى جرأة من الكوثري وعدم تورع عن الكذب والتدليس في النقل، وذلك يتضح بالآتي:
1 – صرح الناظم عقب هذه الأبيات بتضعيفه لهذا الحديث وعدم قبوله له فقال (2):
“لكنه أثر ضعيف فيه مجـ … روح يُسمَّى خالدًا ببيان
لو صح كان عمومه المخصوص بالصـ … ـديق قطعًا غير ذي نكران
فهذا نص من الناظم بتضعيف هذا الأثر، فكيف يفتري الكوثري عليه ويقول إنه يستدل به؟
2 – صرح الناظم بتضعيف هذا الحديث وردِّه وعدم قبوله والاحتجاج به في حادي الأرواح حيث قال (3):
__________
(1) ص 183.
(2) توضيح المقاصد 2/ 493.
(3) حادي الأرواح ص 148.

(المقدمة/135)


“وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه (وساق سنده) عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة” فهو حديث منكر جدًا، قال الإمام أحمد: “داود بن عطاء ليس بشيء، وقال البخاري: منكر الحديث”.
فأين احتجاج الناظم واستدلاله بالحديث كما يزعم الكوثري؟
3 – قوله “حديث موضوع” فيه مبالغة وتهويل. فلم ينص أحد من الأئمة على وضعه سوى الكوثري:
– قال البوصيري (1): “هذا إسناد ضعيف فيه داود بن عطاء، وقد اتفقوا على ضعفه، وباقي رجاله ثقات”.
– وقال الذهبي (2): “هذا حديث منكر جدًا”.
– وضعفه الألباني (3).
* وكذلك فإن داود بن عطاء المدني: غاية ما قالوا فيه إنه ضعيف أو منكر الحديث، ولم يصفه أحد بالوضع أو الكذب حتى يحكم على حديثه بأنه موضوع كما فعل الكوثري.
– قال البخاري (4): “منكر الحديث، قال أحمد: رأيته ليس
__________
(1) مصباح الزجاجة (1/ 56) برقم (39).
(2) ميزان الاعتدال (2/ 202).
(3) ضعيف الجامع برقم (2148).
(4) الضعفاء الصغير ص 431 برقم (109) (مطبوع ضمن مجموع).

(المقدمة/136)


بشيء”.
– قال ابن حبان (1): “كثير الوهم لا يحتج به بحال لكثرة خطئه وغلبته على صوابه” (ومعلوم تشدد ابن حبان في الجرح ومع ذلك لم يصفه بالوضع).
– وقال الذهبي (2): “ضعيف”.
– وقال الحافظ (3): “ضعيف”.
رابعًا: مما يمكن ملاحظته على هذا الرد:
– امتلاء الكتاب بالقدح في أئمة أهل السنة والطعن فيهم بكل قبيح من القول، وهذا إذا ما قالوا ما يخالف هوى الكوثري ومشربه. وإليك الأمثلة:
أ – قدحه في صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورضي الله عنهم:
* قال (4) عن “معاوية بن الحكم السلمي (5) ” راوي حديث الجارية (6) الذي فيه إثبات العلو لله سبحانه ما نصه:
__________
(1) المجروحين (1/ 285).
(2) الكاشف (1/ 290).
(3) التقريب ص 199.
(4) ص 95.
(5) انظر ترجمته في: الإصابة 3/ 432.
(6) ستأتي إشارة الناظم إليه في القصيدة عند البيت رقم (1296).

(المقدمة/137)


“وصاحب القصة لم يكن من فقهاء الصحابة، ولا له سوى هذا الحديث في التحقيق (1)، بل كان أعرابيًا يتكلم في الصلاة” (2).
* وقال (3) عن “حصين والد عمران” (4):
“وإسلام حصين -صاحب القصة- مختلف فيه (5)، ووصفهُ بالثقة الرضا مطلقًا مجازفة، وأقل ما يقال فيه: إنه لم يكن ثقة ولا رضا حين المحادثة على تقدير ثبوت الخبر .. “.
ب – قدحه في أئمة الحديث من أهل السنة رحمهم الله:
وهذا الأمر ليس بغريب على الكوثري وأمثاله ممن كتبهم طافحة بالطعن في أئمة الدين وعلماء الإسلام، وكان على رأسهم أهل الحديث الذين حفظ الله بهم السنة (6).
__________
(1) وهذا تلبيس من الكوثري فقد أورد له الحافظ في الإصابة بضعة أحاديث (3/ 432).
(2) يشير إلى الحديث الذي في مسلم في كتاب المساجد برقم (537) وجاء فيه: “بينا أنا أصلي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ عطس رجل من القوم. فقلت: “يرحمك الله” فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إليّ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم … الحديث).
(3) ص 123.
(4) انظر: الإصابة 1/ 337، أسد الغابة 2/ 25.
(5) أورد الحافظ في الإصابة (1/ 337) طرقًا بأسانيد صحيحة لقصة إسلام حصين ونقل عن الطبراني تصحيحه لبعضها فليرجع إليه.
(6) قال الشيخ المعلمي في التنكيل (1/ 12): “القسم الثاني في تراجم=

(المقدمة/138)


وقد كان هذا الرد المتهافت قد حاز قصب السبق في هذا المضمار الدنس -نسأل الله السلامة والعافية- وإليك الأمثلة:
طعنه (1) في:
– الذهبي.
– ابن عدي.
– ابن أبي داود.
– ابن بطة.
– الدارمي.
– ابن خزيمة.
– ابن أبي حاتم.
– عبد الله بن الإمام أحمد.
– أبي يعلى.
__________
= الأئمة الذين طعن فيهم (يعني الكوثري) وهم نحو ثلاثمائة منهم أنس بن مالك، وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام، والأئمة الثلاثة وفيهم الخطيب … “.
(1) انظر: حسب ترتيب التراجم المذكورة: (95، 176، 178)، (97)، (841)، (151)، (123)، (108، 109)، (110)، (110)، (130، 129) (20)، (20)، (20).

(المقدمة/139)


– السجزي.
– السعد الزنجاني.
– الآجري (صاحب الشريعة).
* وكذلك (1):
– الكرجي.
– محمد بن أبي شيبة (صاحب كتاب العرش).
– الهروي.
– الطبراني.
– البرهان الكوراني.
– محمد المنبجي (صاحب الفرج بعد الشدة) الحنبلي.
– خشيش بن أصرم.
– ابن موهب المالكي (شارح رسالة ابن أبي زيد القيرواني).
وغيرهم كثير (2).
__________
(1) * (109)، (128)، (128)، (128)، (135)، (87)، (109).
(2) انظر: التنكيل (1/ 12)، (2/ 224).
وانظر: ذيول التذكرة: 95، 85، 95، 161، 181، 208، 263.
وانظر: تعليقه على الأسماء والصفات للبيهقي: 269، 267، 291، 301، 373، 326.

(المقدمة/140)


* وأما شيخ الإسلام ابن تيمية (1)، فلا يكاد يخلو مؤلف من مؤلفاته، ولا تعليق من تعليقاته إلا ويكيل له أقبح السب والشتم. والله المستعان.
خامسًا: احتواء هذا الرد المتهافت على القبيح من القول، والفاحش من الألفاظ:
ومن أمثلة ذلك:
أ – السبكي:
– قال (2): “وأما هذا النحس المتشبع بما لم يعط … “.
– قال (3): “أبصر هذا الفدم البليد الفهم، ساء سمعًا فساء إجابة … “.
– وقال (4): “ما هذه إلا قِحَة وبلادة .. “.
– وقال (5): “وأطال في أقوالهم لعنه الله ولعنهم”.
__________
(1) انظر: ص 63، 120، 139، 167، 168.
وانظر: ذيول التذكرة: ص (186 – 188)، 252، 316، 320، 338.
وانظر: تعليقه على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي: 301.
(2) ص 23.
(3) ص 26.
(4) ص 31.
(5) ص 34.

(المقدمة/141)


– وقال (1): “وبالغ هذا الخبيث في الإقذاع والسفاهة بما هو صفته … “.
ب – وأما الكوثري: فحدث ولا حرج:
– قال (2): ” … فيدور أمر القائل بما يستلزم الكفر لزومًا بينًا بين أن يكون كافرًا أو حمارًا”.
– وقال (3): ” … لكن الناظم بالغ الجهل، ظاهر البلادة حتى في مثل هذه المسائل الظاهرة لصغار المتعلمين، وحق مثله أن يقرع إيقافًا له عند حده فالمصنف معذور إذا ما قال عنه إنه: “تيس أو حمار” .. “.
– وقال (4): “لم يفهم الناظم كلام القوم فشنع كما شاء، قاتل الله البلادة ما أفتكها”.
وقال (5): “والناظم من أتبع الناس لابن تيمية في سخافاته ….. فيدور أمره بين أن يكون مصابًا في عقله أو دينه، فتبًا لمن يتخذ مثله قدوة”.
__________
(1) ص 116، وانظر كذلك: ص 91، 92، 119، 140، 147.
(2) ص 28.
(3) ص 59.
(4) ص 62.
(5) ص 63. وانظر كذلك: ص 19، 65، 147، 25.

(المقدمة/142)


سادسًا: لقد تجاسر كل من السبكي والكوثري ورميا ابن القيم بهتانًا وعدوانًا وظلمًا بالكفر والزندقة والإلحاد.
– وإليك نص كلامهما حتى لا نتقول عليهما ما لم يقولا:
أ – فأما السبكي:
– فيقول (1): “فهو الملحد لعنه الله، وما أوقحه، وما أكثر تجرؤه أخزاه الله”.
– ويقول (2): ” … انتهى كلام هذا الملحد تبًّا له، وقطع الله دابر كلامه … “.
ب – وأما الكوثري:
– فيقول (3) -معلقًا على كلام للسبكي-: “لأن ذلك زندقة مكشوفة، ومروق ظاهر …. أن هذا الناظم بلغ في كفره مبلغًا لا يجوز السكوت عليه ولا يحسن لمؤمن أن يغضي عنه، ولا أن يتساهل فيه”.
سابعًا: احتواء هذا الردِّ على أصول البدع، وكثير من المعتقدات الفاسدة مثل:
* شبهات الأشاعرة في نفي العلو والصفات مثل: التجسيم
__________
(1) ص 37.
(2) ص 55.
(3) ص 182. وانظر: ص 24، 28، 170.

(المقدمة/143)


والتشبيه (1) والتركيب (2).
* رد خبر الواحد وعدم قبوله في العقائد (3).
* القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه (4).
* جواز التوسل بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم (5).
* جواز التبرك بالأضرحة والقبور (6).
ولا يتسع المقام هنا للرد على كل هذه الضلالات ولكن أحببنا أن نشير ونبرز للقارئ قيمة هذا الرد في ميزان العلم.
* وأخيرًا: فإن هذا الموقف من هذا الكتاب ليس بغريب من أهل البدع لا سيما المتأخرون منهم، لأنهم شعروا بقوة تأثير مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى. ولذلك كثرت الكتب التي نالت منهم ومن مؤلفاتهم، ولكن الله غالب على أمره، والحمد لله رب العالمين (7).
__________
(1) انظر: ص 45.
(2) ص 163 – 164.
(3) انظر: ص 14، 48، 122، 126، 128، 133.
(4) انظر: ص 35.
(5) انظر: ص 143، (155 – 156)، 158.
(6) انظر: ص 162.
(7) انظر ثبتًا باسماء أعداء شيخ الإسلام في (أوراق مجموعة من حياة شيخ الإسلام) للشيباني ص 169. وفي قسم العقيدة بجامعة الإمام رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة بعنوان “دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية”.

(المقدمة/144)


الفصل الرابع الموازنة بين النونية وغيرها من المنظومات
1 – عرض مجمل لمنظومات عقدية على منهج السلف:
لا يخفى ما للشعر من أهمية بالغة في حياة الناس، لما له من أثر في واقعهم، ووقع في نفوسهم، وحفظ لأيامهم.
ولذا كان العرب يقدمونه بين يدي مهمات أمورهم، وعظائم شؤونهم، بل إنه كان ديدنًا لا يكاد ينفك عنه مجلس من مجالسهم.
ولما جاء الإسلام سما به إلى غايات أكمل، ومنازل أعلى، بعيدًا عن نزعات الهوى، ونداءات التصابي، ومرارات العشق والهيام، وعصبيات الجاهلية الممقوتة، ليكون الشاعر في الإسلام صاحب رسالة بيضاء نقية، أسّس بنيانه فيها على تقوى من الله ورضوان، واستقى معانيها من أبلغ كلام وأحسنه وأصدقه.
ومن هنا كان اهتمام سلف الأمة رضوان الله عليهم بالشعر أن ترفع به كلمة الحق، وينصر به أهلها، ويحارب به الباطل، ويردع به أهله.
فتركوا لنا من ذلك ثروة مباركة، تضيء للسالك نورًا في طريق مسراه، وتنبع له من معين المعاني أطيب الحديث وأزكاه.
وحين نستعرض تلك الثروة فإنا نخوض في يمّ لا تكاد ترى ساحله، فلهم أيادٍ في كل فنّ من فنون العلم، فقد نظموا في العقيدة، وفي القراءات والتجويد، وفي الحديث وعلومه، وفي الفقه وأصوله،

(المقدمة/145)


وفي اللغة وقواعدها، إلى غير ذلك من أنواع العلوم والمعارف.
ولما كان علم التوحيد والاعتقاد هو أشرف العلوم وأرفعها، فقد حظي بمكانة مقدّمة في المنظومات العلمية، وكان لسلف الأمة الأبرار أهل السنة والجماعة منظومات مباركة، بيّنوا فيها حقيقة التوحيد، وقرروا فيها مسائله، وردوا فيها على أهل الزيغ والضلال. فكانت بحق أصولًا ثابتة في منهج الحق، وما ذاك إلا ثمرة الاستمساك بهدي الكتاب والسنة.
وفي الصفحات القادمة عرض لجملة من تلك المنظومات العقدية، إذ استيعاب أكثرها مما يطول به المقام، ومما يتطلب بحوثًا خاصة به.
فمن تلك المنظومات:
1 – عقيدة أبي الخطاب الكُلُوذاني: وهو محفوظ بن الحسن الكلوذاني البغدادي (ت 510 هـ).
وقد ذكرها ابن الجوزي في المنتظم (1) عند ترجمة أبي الخطاب.
مطلعها:
دع عنك تذكارَ الخليطِ المنجِدِ … والسَّوقَ نحوَ الآنساتِ الخُرَّد
عدد أبياتها: 48 بيتًا.
__________
(1) المنتظم 17/ 153.

(المقدمة/146)


موضوعاتها:
بدأها بصرف الهمة إلى معالي الأمور، وأن السعادة والنجاة باتباع المنهج الحق. ثم بدأ بذكر مسائل في الاعتقاد، وهي وحدانية الله تعالى وأنه لا مثيل له وأن له الصفات العلى التي تليق بجلاله وعظمته. وضرب أمثلة لذلك كالعلو والاستواء والنزول والكلام وغيرها، ثم قرر أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، ثم أبان أن الإيمان عمل وتصديق، ثم ذكر فضل الخلفاء الأربعة وأن ترتيبهم في الفضل ترتيبهم في الخلافة.
2 – قصيدة أبي مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري (ت 394 هـ) في الأدب والسنة (1):
وهي قصيدة كتبها لبنيه يوصيهم بها.
مطلعها
ألوى بعزمِ تجلُّدي وتصبُّري … نأيُ الأحبَّةِ واعتيادُ تذكّري
عدد أبياتها 219 بيت.
موضوعاتها:
بدأها بذكر الشوق إلى أبنائه وأحبته، وشكوى ألم الفراق -وقد استوعب ذلك تسعة وسبعين بيتًا- ثم أمرهم بتقوى الله عز وجل واتباع
__________
(1) مطبوعة بتحقيق هلال ناجي، ونشرتها دار الغرب الإسلامي في بيروت.

(المقدمة/147)


الصراط المستقيم والعمل بالطاعات والائتمام بالوحي، وسلوك سبيل العلم، والعمل بالعلم، والاستنان بالسنن، وترك البدع والمحدثات، ولزوم الجماعة، والصلاة والجهاد مع الأئمة، والصبر على جورهم إن جاروا، والرضا بالقضاء، والشكر في السراء، والصبر في الضراء، والإخلاص لله سبحانه وتعالى في جميع الأعمال.
ثم ذكر حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة، ثم أبان أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله تعالى يبدو للمؤمنين في الجنة، فيرونه رأي العيان من غير إدراك، ثم أثبت الحوض والشفاعة والميزان والصراط، وفتنة القبر، ثم أبان أن أهل الكبائر تحت مشيئة الله تعالى، ثم أمر بموالاة الصحابة، وذكر فضلهم، وأن أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة رضي الله عنهم أجمعين.
ثم أمر بترك المراء، ثم ذكر بعد ذلك كثيرًا من السنن والآداب، ثم ذكر تقلب الدنيا بأهلها وأنها ليست بدار قرار، وأمر بالزهد فيها والتعلق بالدار الآخرة، ثم أمر بالأخذ بما أوصى به في هذه القصيدة.
3 – حائية ابن أبي داود:
وهو الإمام الحافظ العلاّمة أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني (320 – 316 هـ).
مطلعها:
تَمسكْ بحبلِ اللهِ واتّبعِ الهدى … ولا تكُ بدعيًّا لعلّك تُفلحُ
عدد أبياتها: 33 بيتًا.

(المقدمة/148)


موضوعاتها:
بدأها بالأمر بالتمسك بالسنة وهجر البدعة، ثم قرّر أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ثم تناول الموضوعات الآتية: تجلّي الله تعالى للخلق يوم القيامة، تنزيه الله تعالى عن النقائص، إثبات النزول الإلهي، تفضيل الخلفاء الراشدين وباقي العشرة وسائر الصحابة، وإعطاؤهم قدرهم، الإيمان بالقدر، الإيمان بمنكر ونكير والحوض والميزان، خروج عصاة الموحدين من النار، إثبات الشفاعة، إثبات عذاب القبر، عدم التكفير بالمعصية والتحذير من رأي الخوارج، التحذير من رأي المرجئة، الإيمان قول واعتقاد وعمل يزيد وينقص، تقديم قول النبي – صلى الله عليه وسلم – على رأي الرجال، التحذير من الطعن في أهل الحديث.
4 – نونية القحطاني (1): وهو عبد الله بن محمد القحطاني الأندلسي المالكي:
مطلعها:
يا منزل الآيات والفرقان … بيني وبينك حرمة القرآن
عدد أبياتها: 686 بيت.
موضوعاتها:
بدأها بالتوسل إلى الله تعالى أن يهديه لمعرفة الحق، ثم حدث
__________
(1) لم أعثر له على ترجمة، إلا أن قصيدته مشهورة متداولة، وقد نقل عنها الإمام ابن القيم في نونيته. انظر البيتين: 770 و 771.

(المقدمة/149)


ببعض آلاء الله عليه، ثم عاهد الله على اتباع رضاه ونصرة دينه، ثم ذكر بعض صفات الله تعالى ووجوب إثباتها كالكلام والعلم والاستواء وغيرها، ثم فصل في القرآن وأنه كلام الله حقيقة لا مخلوق ولا عبارة أو حكاية ولا وقف في ذلك. ثم أمر المسالك بالوسطية،، ثم تحدث عن إثبات القدر، ثم عن البرزخ وإثبات عذاب القبر ونعيمه، ثم إثبات ما يكون في القيامة كالصراط والحوض والميزان، وما يكون فيها من أهوال، ثم قرر دوام الجنة والنار، وخروج الموحدين من النار برحمة الله، وبشفاعة الشافعين.
ثم أكد على المحافظة على أركان الإسلام، وتكلم على صلاة الجنائز. ثم حذر من دين الروافض، ثم قرر أفضلية نبينا – صلى الله عليه وسلم – على سائر الأنبياء، وأن خير الأمة بعده الخلفاء الأربعة، وذكر فضل عائشة وحفصة وفاطمة، وفضل العشرة، وأهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة، ثم أمر بترك الخوض فيما جرى بين الصحابة.
ثم أمر بأخذ الحديث عن أهله الثقات، ثم أمر بأن يُحفظ لأهل البيت حقهم، ثم أبان مذهب أهل السنة في الإيمان، ثم أمر باتباع العلم، ثم حذر من علم النجوم وأشباهه وطرق الفلاسفة والطبائعيين، ثم أبان أن التوحيد دين الأنبياء جميعهم، ثم تكلم عن بعض الفرائض والآداب والسنن، وتخلل ذلك بيان أشراط الساعة، وبيان أن السحر كفر، والنهي عن الخروج على الأئمة، والنهي عن الجدل إلا في حالة الضرورة مع بيان طرق ذلك وآدابه، ثم حذّر من فرق الضلال، ثم ذكر بعض الصفات كالوجه واليدين والضحك والنزول، وأنه يجب إثباتها

(المقدمة/150)


لله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل. ثم فصل في القرآن، ثم تكلم على الأشربة وأبان بطلان قولهم، ثم ختم قصيدته بسؤال الله القبول والصلاة والسلام على رسول الله.
5 – تاج القصائد وسراج العقائد (1): للشيخ أبي محمد عبد الواسع بن عبد الرشيد الأنصاري الهروي الحنبلي.
مطلعها:
يا ناعمًا بمتعة الآمال … وساهيًا عن روعة الآجال
عدد أبياتها 332 بيت.
موضوعاتها:
بدأها بالتذكير والتحذير من الغفلة وأن هذه الحياة إلى فناء وزوال، ثم أبان سبيل النجاة وأنه لا يكون إلا باتباع السنة، ثم حذر من الأهواء وأهلها، ثم تكلم في إثبات الصفات وأنه يكون بلا تمثيل ولا تشبيه، وبلا تأويل ولا تعطيل، ثم ضرب أمثلة لبعض الأسماء والصفات، ثم ذكر البعث والمعاد وبعض ما يكون في القيامة كالميزان
__________
(1) وهي مخطوطة مصورة على ميكروفيلم في مكتبة جامعة الإمام برقم 4055/ ف. أما ناظمها فلم أعثر على ترجمته إلا أنه ذكر في منظومته أبا إسماعيل الهروي وهو متوفى سنة 481 هـ، وكتب في آخر المنظومة تاريخ نسخها وهو 695 هـ، فهو من أهل هذه الفترة الزمنية، والله أعلم.

(المقدمة/151)


والصراط ونحو ذلك، ثم قرر إثبات الشفاعة، وإثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة وسماعهم لكلامه.
ثم تكلم عن فضل النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأنه خاتم الأنبياء، وشرعه ناسخ للشرائع قبله، ثم عن أفضل الأمة بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنه أبو بكر الصديق ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم ذكر العشرة المبشرين بالجنة وآل البيت ثم بقية المهاجرين والأنصار ثم التابعين لهم بإحسان، ثم ذكر بعض أعلام السلف بالثناء، ثم ذكر رؤوس أهل الأهواء والبدع وحذر من طريقتهم، ثم أبان فضل الله عليه أن هداه للسنة على مذهب الإِمام أحمد، وختم أرجوزته بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
6 – لامية شيخ الإسلام ابن تيمية (1) (ت 728 هـ) (2):
مطلعها:
يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي … رُزِقَ الهدى مَن للهداية يَسألُ
عدد أبياتها: 16 بيتًا.
موضوعاتها:
هي مرتبة كالآتي: وجوب محبة الصحابة جميعهم، أفضل الصحابة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، القول في القرآن بما جاءت به الآيات، الإيمان بنصوص الصفات وإمرارها كما جاءت، وصيانتها
__________
(1) وقد شكك في نسبتها إليه بعض أهل العلم، لأجل بعض العبارات الواردة فيها.
(2) مطبوعة بشرح أحمد بن عبد الله المرداوي، وتعليق الشيخ الفوزان.

(المقدمة/152)


عن الأوهام الكاذبة، إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، إثبات النزول الإلهي، الإقرار بالميزان والخوض والصراط، النار مثوى الكافرين، والجنة مثوى المؤمنين، مقارنة العمل لصاحبه في القبر، إثبات السؤال في القبر، صحة اعتقاد الأئمة الأربعة لمتابعتهم سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم -.
7 – تائية شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) (1):
وهي قصيدة كتبها في الرد على أبيات قيلت على لسانِ ذِمِّي اعترض فيها على القدر، وقال: إذا كان ضلاله بقضاء الله تعالى فلماذا يعذبه؟
مطلعها:
سؤالُك يا هذا سؤالُ مُعاندٍ … مخاصم ربِّ العرشِ باري البريةِ
عدد أبياتها: 124 بيت.
موضوعاتها:
مجمل الكلام فيها عن إثبات القدر وأن علم الله سابق عام، ومشيئته تعالى شاملة، وقدرته نافذة، وأنه خالق كل شيء، وأنه لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، وأن أصل ضلال الخلق خوضهم في تعليل أفعال الله تعالى. وأن العباد لهم قدرة واختيار في أفعالهم
__________
(1) انظر هذه القصيدة في مجموع الفتاوى 8/ 246.

(المقدمة/153)


يمدحون ويثابون على حسنها، ويذمون ويعاقبون على قبيحها.
من أبياتها:
وأصلُ ضلالِ الخلق من كلِّ فرقةٍ … هو الخوضُ كيفعلِ الإلهِ بعلّةِ
فإنّهُمُ لم يفهموا حكمةٌ له … فصاروا على نوعٍ من الجاهليةِ
فإنّ جميَع الكون أوجَبَ فعلَه … مشيئةُ ربِّ الخلق باري الخليقةِ
8 – تائية علاء الدين الحنفي (المعروف بالجندي) في القدر (1):
__________
(1) مخطوطة مصورة على ميكروفيلم في مكتبة جامعة الإمام برقم 8133/ ف، ولم يذكر فيها عن الناظم إلا ما أثبته، ولم يُذكر تاريخ النسخ، مما جعل التعرف على الناظم غير متيقن.
ولكن يستطاع الجزم أنه كان في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية أو بعده بيسير؛ لأنه نظمه إجابة عن نفس السؤال الذي أجاب عنه شيخ الإسلام، ولقد رأيت في تراجم الحنفية ممن نسبته (الجندي): (أحمد بن محمود بن عمر الجندي)، ذكره في (الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية) 1/ 329، وابن قطلوبغا في (تاج التراجم) ص 125، وتقي الدين الغزي في “الطبقات السنية في تراجم الحنفية) 2/ 103، وحاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1708. وذكروا أنه شارح كتاب المصباح للمطرزي، وتوفي المطرزي سنة 610 هـ وذكر حاجي خليفة أن نسخة الشرح كتبت سنة 751 هـ، ولم يذكره ابن حجر في الدرر الكامنة، فالظاهر أنه من رجال القرن السابع. وقد ذكر البغدادي في هدية العارفين (ص 102) أنه توفي في حدود سنة سبعمائة.

(المقدمة/154)


وهي تتفق مع تائية شيخ الإسلام في الغرض والموضوع كليهما.
مطلعها:
أقول بحمدي حُكم ربي بحكمةِ … وأبرأ من حَولي إليه وحيلتي
عدد أبياتها 167 بيت.
9 – القول الأسنى في نظم الأسماء الحسنى للشيخ حسين بن علي بن حسين بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
مطلعها:
جميع الثنا والحمد بالشكر أكمل … ولله مجموع الثلاثة أجعل
عدد أبياتها: 198 بيت.
موضوعاتها:
نظم فيها ما يقرب من خمسين اسمًا لله تعالى، ثم تكلم عن حال المؤمن التقي وشدة خشيته من ربه عز وجل، ثم ذكر حال من باع دينه بعرض من الدنيا، ثم أوصى بتقوى الله عز وجل واتباع دينه القويم والمسارعة في الخيرات، ثم تكلم عن بعض أحوال البعث وأحوال أهل النار وأحوال أهل الجنة، ثم استغفر الله تعالى من التقصير في حقه، وختم قصيدته بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله – صلى الله عليه وسلم -.
10 – جوهرة التوحيد (1) للشيخ أحمد بن علي بن مشرف (ت 1285 هـ):
__________
(1) ديوان ابن مشرف ص 9.

(المقدمة/155)


مطلعها:
الحمد لله الإله الواحد … المتعالي شأنه عن والد
عدد أبياتها: 238 بيت.
موضوعاتها:
بدأها بالحمد لله والصلاة على رسول الله، ثم تكلم عن الإيمان والإِسلام والإحسان, ثم تكلم عن أنواع التوحيد فبدأ بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، ثم تكلم عن القدر وأفعال العباد، ثم ذكر فضل الرسل والتفاضل بينهم وأن أفضلهم وخاتمهم هو محمد – صلى الله عليه وسلم -، ثم أبان فضل أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – وفضل القرن الأول بعامة وأن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم بقية العشرة ثم البدري ثم الأحدي ثم أهل السمرة، ثم أمر بالكف عما جرى بين الصحابة، ثم تكلم عن الروح والبرزخ وأهوال القيامة ودوام الجنة والنار وأنهما أوجدتا قبل خلق آدم، وأنه لا يخلد موحّد في نار جهنم، ثم ذكر بعض المكفرات، ثم تكلم عن توحيد العبادة وأنواع الشرك، ثم ذكر شروط الإيمان, ثم أبان وجوب نصرة الدين، ثم ختم الأرجوزة بما بدأها.
11 – نظم عقيدة ابن أبي زيد القيرواني لابن مشرف (1):
مطلعها:
الحمد لله حمدًا ليس منحصرًا … على أياديه ما يخفى وما ظهرا
__________
(1) ديوان ابن مشرف ص 9.

(المقدمة/156)


عدد أبياتها: 91 بيتًا.
موضوعاتها:
بدأها بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله، ثم ذكر أن أول واجب على المكلف هو التوحيد، ثم ذكر بعض الصفات، ثم تكلم عن الإيمان بالقدر، ثم الموت وعذاب القبر ونعيمه، ثم البعث والجزاء ومجيء الله تعالى للقضاء، ورؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وبقاء الجنة والنار، والشفاعة، والحوض، والصراط، ثم بيّن حقيقة الإيمان, ثم ذكر وجوب طاعة أولي الأمر، ثم أبان أن أفضل الأمة بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – الخلفاء الأربعة وسائر القرن الأول ثم التابعون لهم بإحسان، ثم أمر بالكف عما جرى بين الصحابة، ثم أمر بالاتباع ونهى عن الابتداع، ثم ختم القصيدة بمثل ما بدأها.
12 – الشهب المرميّة على المعطلة والجهمية لابن مشرف (1):
مطلعها:
نفيتم صفات الله فالله أكمل … وسبحانه عما يقول المعطل
عدد أبياتها: 110 بيت.
موضوعاتها:
بدأها بالإنكار على المعطلة في نفيهم لصفات البارئ عز وجل، ثم جاء بأدلة على ما نفوه من الصفات كالاستواء والعلو والنزول، ثم أمر المعطل بالاتباع وترك الأهواء ورجالها، ثم أبان اعتقاد السلف
__________
(1) المصدر السابق ص 24.

(المقدمة/157)


بمثل ما سبق في نظميه السابقين.
13 – أرجوزة في مسائل التوحيد (1) للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1319 هـ) (2).
مطلعها:
الحمد لله اللطيف الهادي … إلى سلوك منهج الرشاد
عدد أبياتها: 325 بيت.
موضوعاتها:
بدأها بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم وجوب تعلم أصول الدين، ثم تكلم عن توحيد العبادة، ثم ضلال من يدعو الأموات، ثم حق الأولياء الشرعي، ثم أفعال العباد، ثم الأمر بالأخذ بالأسباب، ثم بيّن معنى الإسلام والإيمان, ثم تكلم عن الأسماء والصفات ووجوب إثباتها بلا تعطيل ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل، ثم فصل في بيان توحيد العبادة، ثم ردّ الشبه التي رُمي بها أئمة الدعوة وأبان سداد منهجهم، ثم تكلم عن الزيارة الشرعية، ثم الشفاعة ثم أبان ضلال من يدعو الأموات وتلبيسه بتسمية تركه توسلًا ونحو ذلك، ثم تكلم عن الحياة البرزخية، وأن حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – في قبره ليست كحياته
__________
(1) انظر كفاية الإنسان من القصائد الغرر الحسان، جمع: محمد بن أحمد سيد أحمد ص 105.
(2) انظر في ترجمته: مشاهير علماء نجد ص 95، روضة الناظرين 1/ 73.

(المقدمة/158)


في الدنيا، ثم أبان من أسعد الناس بالشفاعة، ثم تكلم عن سبب وقوع الشرك في العالم وأن شرك المتأخرين أشد من شرك الأولين، ثم ذكر وجوب الكفر بالطاغوت، ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
14 – قصائد الشيخ سليمان بن سحمان (ت 1349 هـ) (1):
ويشتمل كثير منها على بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة والفرائض والآداب والسنن, والتحذير من الأهواء والبدع، وذم أهلها، وقد جمعت أكثر قصائده في ديوان بلغ مجلدًا.
ومن تلك القصائد:
1 – منظومة يبين فيها اعتقاده:
مطلعها:
لك الحمد اللهمَّ يا خيرَ سيّدِ … ويا خيرَ مسؤولٍ مجيبٍ لمجتدِ
عدد أبياتها: 174 بيت.
موضوعاتها:
بدأ بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أمر باتباع الهدى وتجنب الشرك والردى، ثم تكلم عن حال الذين يستغيثون بأهل
__________
(1) انظر في ترجمته: مشاهير علماء نجد ص 200، روضة الناظرين 1/ 125.

(المقدمة/159)


المقابر، ثم أمر بتحقيق توحيد العبادة وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ثم ذكر شروط كلمة التوحيد، ثم ذكر فضل النبي – صلى الله عليه وسلم – ووجوب طاعته، ثم أمر بالمحافظة على أركان الإسلام وتحقيق أركان الإيمان, ثم أبان تكفير عباد القبور ومن على طريقهم، وضلال أهل الابتداع، ثم أظهر البراءة منهم، ثم ذكر وجوب بذل الجهود في نشر السنة، ووجوب التمسك بها، ووجوب تأدية جميع الحقوق الشرعية.
ب – معارضة بدء الأمالي:
وهي قصيدة عارض بها منظومة بدء الأمالي التي نظمها سراج الدين الأويسي في المذهب الماتريدي (ويأتي الكلام عنها في المبحث التالي). وقد بيّن في هذه المعارضة ما في تلك القصيدة من أخطاء في العقيدة وإجمال في العبارات، ففصلها وأبان وجه الحق للأخذ به، ووجه الباطل لرده.
مطلعها:
بحمد الله نبدأ في المقال … ونُثني بالمديح لذي الجلال
عدد أبياتها: 348 بيت.

(المقدمة/160)


2 – عرض مجمل لمنظومات عقدية مخالفة لمنهج السلف:
أشير في هذا المبحث إلى جملة من المنظومات والقصائد التي يقرر فيها أصحابها ما يخالف عقيدة سلف الأمة.
وهي منظومات متفاوتة في شدة المخالفة باختلاف أصحابها، فمنهم الاتحادي، ومنهم الفلسفي، ومنهم الرافضي، ومنهم المعتزلي، ومنهم الأشعري وهكذا.
ولا شك أن بعضهم أقرب للحق من بعض، ومنهم من نطق بالكفر الصريح الذي لامرية فيه، وتفصيل ذلك ليس هذا مقامه وإنما الغرض هو الإشارة إلى أمثلة لتلك المنظومات المخالفة من باب معرفة الشر بغية اتقائه. وستكون الإشارة إليها بذكرها وذكر ناظمها ومطلعها والعقيدة التي تقررها وعدد أبياتها وذكر شيء منها, ولن أستعرض مباحثها كما فعلت في المبحث السابق.
فمن تلك المنظومات:
1 – نظم السلوك (1) لابن الفارض (ت 632 هـ) (2):
وهي قصيدة طويلة في تقرير عقيدة وحدة الوجود.
عدد أبياتها: 761 بيت.
__________
(1) ديوان ابن الفارض ص 86.
(2) انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء 22/ 368.

(المقدمة/161)


مطلعها:
سقتني حُميّا الحبِّ راحةُ مقلتي … وكأسي مُحيّا من عن الحسن جلّت
من أبياتها:
وكل الجهات الست نحوي توجّهت … بما تم من نسك وحج وعمرة
لها صلواتي بالمقام أقيمها … وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصلٍّ واحد ساجد إلى … حقيقته بالجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي ولم تكن … صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
ومنها:
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد … فما بار بالإنجيل هيكل بيعة
وأسفار توراة الكليم لقومه … يناجي بها الأحبار في كل ليلة
وإن خرّ للأحجار في البُدّ عاكف … فلا وجه للإنكار بالعصبية
إلى أن قال:
وما زاغت الأبصار من كل ملة … وما راغت الأفكار في منحلة
وما اختار من للشمس عن غرة صبا … وإشراقها من نور إسفار غرتي
وإن عبد النارَ المجوسُ وما انطفت … كما جاء في الأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غيري وإن كان قصدهم … سواي وإن لم يظهروا عقد نية

(المقدمة/162)


2 – قصيدة ابن سينا في النفس الإنسانية (1):
وهي عشرون بيتًا يقرر فيها مذهب الفلاسفة في النفس.
مطلعها:
هبطتْ إليك من المحلِّ الأرفعِ … ورقاءُ ذاتُ تعزُّز وتمنُّعِ
3 – القصيدة الأزرية لكاظم الأزري من العراق:
وهي قصيدة تمثل رأي الإمامية في النبوة والإمامة.
وقد ردّ عليها محمود الملاح في (الرزية في القصيدة الأزرية) (2)، وذكر أن الذي طبعها ذكر في مقدمتها أنها تبلغ ألف بيت، فأكلت الأرضة جملة منها، وأن الذي بقي منها على التحقيق 587 بيت.
ولم أقف على نص القصيدة، ولكني وقفت على ردّ محمود الملاح السابق، وهو يذكر بعض أبياتها ويرد عليها.
من أبياتها:
يقول في وصف علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وهو الآية المحيطة في الكون … ففي عين كل شيء تراها
الفريد الذي مفاتيح علم الـ … ـواحد الفرد غيره ما حواها
__________
(1) انظرها في آخر كتاب (ابن سينا والنفس البشرية)، تأليف: ألبير نصري نارد ص 109.
(2) مطبوعة سنة 1370 هـ في بغداد.

(المقدمة/163)


وهو طاووس روضة الملك بل نا … موسها الأكبر الذي يرعاها
ويقول -قبحه الله- في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
لم يجيبا نداءَ أحمدَ إلا … لأمور مِن كاهنٍ عقلاها
علمًا أن أحمدًا سيليها … وإذا مات أحمدٌ ولياها
4 – قصائد الصاحب بن عباد (1): وهو أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس (ت 385 هـ) (2):
وأكثرها يقرر فيها مذهب الرفض والاعتزال. ومن أشهرها قصيدته اللامية، وقد جعلها محاورة بينه وبين امرأة تريد منه الغزل، فيجيبها بأن ليس ذلك من همه ولا شغله، ثم جعلها تسأله عن سبيل الرشاد فيجيبها بتقرير مذهب الرفض والاعتزال. وهي 64 بيتًا.
مطلعها:
قالت أبا القاسم استخففتَ بالغزل … فقلتُ ما ذاك من همي ولا شغلي
ومن أبياتها:
قالت فما اخترت من دين تفوز به … فقلت إني شيعي ومعتزلي
__________
(1) انظر: 1 – شرح قصيدة الصاحب بن عباد في أصول الدين للقاضي جعفر بن أحمد البهلولي، اليماني المعتزلي، بتحقيق محمد حسن آل ياسين.
2 – ديوان الصاحب بن عباد، بتحقيق محمد حسن آل ياسين.
(2) انظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء 16/ 511.

(المقدمة/164)


قالت أقلّدت أم قد دِنْتَ عن نظر … فقلتُ كلاّ فإني واحد الجدل
قالت فكيف عرفت الحق هات به … فقلت بالفكر في الأقوال والعلل
وله أرجوزة تبلغ 70 بيتًا يقرر فيها مذهب الاعتزال (1)، ومطلعها:
حمدًا لربي جلَّ عن نديد … وجلّ عن قبائح العبيد
أدينه بالعدل والتوحيد … والصدق في الوعد وفي الوعيد
وعلى كل فأكثر قصائده يقرر فيها المذهبين السابقين، وفي ذلك يقول:
لو شُقَّ عن قلبي يُرى وسطَه … سطران قد خُطَّا بلا كاتب
العدل والتوحيد في جانب … وحبُّ أهل البيت في جانب (2)
5 – القصيدة النونية (3) لخضر بيك بن جلال الدين بن صدر الدين الرومي الحنفي ت 863 هـ (4).
وهي منظومة على المذهب الماتريدي، عدد أبياتها يقرب من 40 بيتًا.
__________
(1) انظر الديوان ص 50.
(2) المصدر السابق ص 184.
(3) مخطوطة في مكتبة جامعة الإمام برقم 1115/ خ.
(4) انظر ترجمته في: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي 2/ 178.

(المقدمة/165)


مطلعها:
الحمد لله عالي الوصف والشان … منزه الحكم عن آثار بطلان
ومن أبياتها:
إلهنا واجبٌ لولاه ما انقطعت … آحاد سلسلة حُفَّت بإمكان
كذا الحوادث والأركان شاهدة … على وجود قديم صانع باني
خلق الخلائق خِلوًا عن مخالفة … إذ لا توارد ينفي القول بالثاني
وذاته ليس مثل الممكنات فما … حكمًا الوجوبِ مع الإمكان سيّان
وليس كلًا ولا خبرًا ولا عرضًا … ولا محلًا لأعراض وأكوان
6 – منظومة المرشد المعين على الضروري من علوم الدين: لعبد الواحد بن أحمد بن علي بن عاشر الأندلسي الفاسي: ت 1023 هـ (1).
وهي منظومة في العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والطريقة الجنيدية.
وقد شرحها محمد بن أحمد بن محمد المالكي الشهير بـ (ميارة).
وأسمى شرحه: (الدر الثمين والمورد المعين في شرح المرشد
__________
(1) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، للمحبي 3/ 96.

(المقدمة/166)


المعين).
ثم اختصره نفس الشارح، وسماه: (مختصر الدر الثمين … ).
وقد بلغت أبيات المنظومة 320 بيت.
مطلع المنظومة:
يقول عبد الواحد بن عاشر … مبتدئًا باسم الإله القادر
ثم قال:
وبعد فالعون من الله المجيد … في نظم أبيات لِلاُمّيِّ تفيد
في عقد الأشعري وفقه مالك … وفي طريقة الجنيد المسالك
ومن أبياتها:
يجب لله الوجود والقدم … كذا البقاء والغنى المطلق عم
وخلقه لخلقه بلا مثال … ووحدة الذات ووصف والفعال
وقدرة إرادة علم حياة … سمع كلام بصر ذي واجبات
7 – جوهرة التوحيد، لإبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني (ت 1040 هـ) (1):
وهي منظومة في تقرير المذهب الأشعري، وقد شرحها إبراهيم بن محمد الباجوري (ت 1277 هـ).
__________
(1) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي 1/ 6.

(المقدمة/167)


مطلعها:
الحمد لله على صلاته … ثم سلام الله مع صلاته
على نبي جاء بالتوحيد … وقد خلا الدين عن التوحيد
ومن أبياتها:
وكل نص للحدوث دلا … إحمل على اللفظ الذي قد دلا
ويستحيل ضد ذي الصفات … في حقه كالكون في الجهات
ومنها:
وعندنا للعبد كسب كلفا … ولم يكن مؤثرًا فلتعرفا
وليس مجبورًا ولا اختيارًا … وليس كلا يفعل اختيارًا
8 – إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة (1)، لأبي العباس أحمد المَقَّري المالكي (ت 1041 هـ) (2):
وهي منظومة في تقرير المذهب الأشعري، تقرب أبياتها من 500 بيت.
مطلعها:
__________
(1) مطبوعة بخط مغربي، وموجودة في مكتبة جامعة الملك سعود كطبعة نادرة، رقم التصنيف 214 م ع أ.
(2) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي 12/ 302، الأعلام 1/ 1237 للزركلي.

(المقدمة/168)


يقول أحمد الفقير المقَّري … المغربي المالكي الأشعري
الحمد لله الذي توحيده … أجلّ ما اعتنى به عبيده
من أبياتها:
أول واجب على المكلف … إعماله للنظر المؤلف
كي يستفيد من هذا الدليل … معرفة المصور الجليل
9 – بدء الأمالي في التوحيد، لأبي الحسن سراج الدين علي بن عثمان الأوشي (ت بعد 569 هـ) (1).
وهي منظومة في تقرير المذهب الماتريدي.
وتبلغ أبياتها 67 بيتًا، وقد شرحها علي القاري باسم (ضوء المعالي شرح بدء الأمالي).
وقد سبقت الإشارة في المبحث الأول إلى أن الشيخ ابن سحمان قد عارضها ردًّا على بعض ما فيها.
مطلعها:
يقول العبد في بدء الأمالي … لتوحيد بنظم كاللآلي
من أبياتها:
صفات الله ليست عين ذات … ولا غيرًا سواه ذا انفصال
__________
(1) انظر في ترجمته: الأعلام 4/ 310.

(المقدمة/169)


صفات الذات والأفعال طُرًّا … قديمات مصونات الزوال
ومنها:
وما القرآن مخلوقًا تعالى … كلام الرب عن جنس المقال
ورب العرش فوق العرش لكن … بلا وصف التمكن واتصال
وما التشبيه للرحمن وجهًا … فصن عن ذاك أصناف الأهالي
ولا يمضي على الديان وقت … وأزمان وأحوال بحال
10 – الخريدة البهية في العقائد السنية، لأحمد الدردير العدوي المالكي الخلوتي (ت 1201 هـ) (1).
وهي في المذهب الأشعري، وقد شرحها الناظم نفسه، وهناك حاشية عليها لمحمد أبو السعود صالح السباعي.
وتبلغ أبياتها 71 بيتًا.
مطلعها:
يقول راجي رحمة القدير … أي أحمد المعروف بالدردير
الحمد لله العلي الواحد … العالم الفرد الغني المساجد
من أبياتها:
فهو الجليل والجميل والولي … والطاهر القدوس والرب العلي
__________
(1) انظر ترجمته في: الأعلام 1/ 244.

(المقدمة/170)


منزه عن الحلول والجهه … والاتصال الانفصال والسفه
ثم المعاني سبعة للرائي … أي علمه المحيط بالأشياء
حياته وقدرة إراده … وكل شيء كائن أراده
وإن يكن بضده قد أمرا … فالقصد غير الأمر فاطرح المرا
فقد علمت أربعًا أقسامًا … في الكائنات فأحفظ المقاما
كلامه والسمع والأبصار … فهو الإله الفاعل المختار

3 – الموازنة بين النونية وغيرها من المنظومات:
قد سبق تقرير ما تحظى به النونية من قدر عظيم، ومكانة عالية، وما تشمله من مادة علمية واسعة تجعلها مرجعًا مهمًا في أبواب الاعتقاد والرد على أهل الزيغ والضلال، بنظم محبب للنفوس ومشوق للأذهان، فكانت فريدة في هذا الباب، لها سبق ظاهر على غيرها من المنظومات في سعة التفصيل والبيان.
وحين نوازن بين نونية الإمام ابن القيم وغيرها من المنظومات فإن تميزها يظهر في أمور منها:
1 – كثرة الأبيات، حيث تقرب من ستة آلاف بيت، ولا تكاد تجد منظومة في موضوعها تقرب من هذا العدد، فضلًا عن أن تساويه.
2 – التوسع في تقرير المسائل الاعتقادية التي تبحثها، والتفصيل في بيانها، وجمع الأدلة الشرعية والعقلية لها، وخاصة فيما يتعلق بأسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله.

(المقدمة/171)


3 – كثرة المصادر والنقول عن الأئمة.
4 – عرض أقوال المخالفين، وإيراد حججهم وتفنيدها.
5 – التكرار في بعض المباحث زيادة في تقريرها.
فهذه ملامح ظاهرة تتجلى لكل من يقرأ هذه المنظومة، ويقارنها بغيرها من المنظومات الموجودة.
ولضرب المثال في ذلك نستعرض في هذا المبحث منظومتين مشهورتين ونعرف بناظميهما، ونجمل مباحثهما، ثم نذكر نتائج الموازنة بينهما وبين النونية، وهما:
1 – الدرة المضية للشيخ محمد السفاريني.
2 – سلم الوصول للشيخ حافظ الحكمي.
أولًا: الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية، للعلامة الشيخ محمد السفاريني:
التعريف بالناظم (1):
هو محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني الشهرة
__________
(1) انظر ترجمته في: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر لأبي الفضل محمد المرادي 4/ 31، السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لمحمد بن عبد الله بن حميد، تحقيق، د. بكر أبو زيد ود. عبد الرحمن العثيمين 2/ 839.

(المقدمة/172)


والمولد النابلسي الحنبلي أبو العون شمس الدين، ولد سنة 1114 هـ بقرية سفارين من قرى نابلس ونشأ بها وتلا القرآن العظيم، ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم فأخذ بها عن الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي والشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي وأبي الفرج عبد الرحمن بن محيي الدين المجلد وغيرهم.
وحصل له من العلم في الزمن اليسير ما لم يحصل لغيره في الزمن الكثير، ورجع إلى بلده ثم توطن نابلس واشتهر بالفضل والذكاء، ودرس وأفتى وصنف التصانيف العديدة منها: شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد، وشرح نونية الصرصري سماها (معارج الأنوار في سيرة النبي المختار)، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب لابن عبد القوي، والبحور الزاخرة في أمور الآخرة، وهذه المنظومة “الدرة المضيّة) وقد شرحها شرحًا مطولًا سماه: (لوامع الأنوار البهية وسواطع الآثار الأثرية بشرح الدرة المضية .. )، وله رحمه الله من الأشعار الشيء الكثير، وكانت وفاته في شوال سنة 1188 هـ بنابلس رحمه الله تعالى.
مطلعها:
الحمد لله القديم الباقي … مسبب الأسباب والأرزاق
عدد أبياتها: 304 بيت.

(المقدمة/173)


مباحثها:
وهي مرتبة كالتالي (1):
– حمد الله تعالى وتمجيده، والصلاة والسلام على الرسول وآله وصحبه.
– أهمية علم التوحيد.
– الإشارة إلى أن هذا العقد نظمه على اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
– الإشارة إلى حديث الافتراق، وأن النجاة باتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – وصحبه، وهذا هو منهج أهل الأثر.
– إثبات نصوص الصفات وإمرارها كما جاءت، وعدم ردها بالعقول والآراء.
– ذم التأويل في الصفات.
– اختلاف أهل النظر في التأويل، ونجاة أهل الأثر من مغبته.
– أول واجب على العبيد معرفة الله تعالى.
– وحدانية الله تعالى.
– صفات الله تعالى قديمة كذاته.
__________
(1) يأتي التعليق في نتائج الموازنة على بعض المباحث التي قرر فيها الناظم -رحمه الله- ما يخالف منهج أهل السنة.

(المقدمة/174)


– الأسماء الحسنى توقيفية.
– ذكر الصفات السبع العقلية التي يثبتها الأشاعرة.
– ذكر كلام الله تعالى وأنه قديم.
– نفي الجوهرية والعرضية والجسمية عن الله تعالى.
– إثبات الاستواء.
– نفي الحد عن الله تعالى.
– لزوم الصفات لله تعالى، وعدم الإحاطة علمًا بذاته.
– ثبوت كل ما جاء في الدليل من غير تمثيل.
– تنزيه الله تعالى عن النقائص.
– النهي عن التقليد في مسائل الأصول.
– جواز الجزم من عوام الناس بالتقليد.
– إثبات أن كل شيء سوى الله تعالى مخلوق، وأن الله تعالى خلقه لحكمة.
– خلق أفعال العباد.
– إثبات الكسب.
– جواز تعذيب الله تعالى للورى من غير ذنب ولا جرم.
– الكلام على الرزق، وأنه كل ما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان.

(المقدمة/175)


– المقتول ميت بأجله المقدر له.
– وجوب عبادة الله تعالى وطاعته.
– وقوع كل مقدر.
– وجوب الرضا بالقضاء، دون المقضي.
– تفسيق صاحب الكبيرة، وعدم تكفيره، ووجوب التوبة عليه.
– من مات على خطايا دون الكفر فهو تحت المشيئة.
– عدم قبول إسلام الزنديق ونحوه ما لم يستبن نصحه للدين.
– الإيمان قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
– الاستثناء في الإيمان من غير شك.
– متابعة أهل الأثر.
– لا يقال للإيمان مخلوق ولا غير مخلوق.
– الإيمان بالكرام الكاتبين.
– الإيمان بالبرزخ وفتنة القبر.
– أرواح العباد مخلوقة، وأنها لا تعدم.
– الإيمان بأشراط الساعة، وذكرها منها:
1 – المهدي.
2 – نزول عيسى عليه السلام.

(المقدمة/176)


3 – خروج الدجال، وقتل عيسى عليه السلام له.
4 – خروج يأجوج ومأجوج.
5 – هدم الكعبة.
6 – الدخان.
7 – ذهاب القرآن.
8 – طلوع الشمس من مغربها.
9 – الدابة.
10 – النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر.
– الإيمان بالنفخ في الصور، والبعث والنشور.
– الإيمان بالحساب والصحف والميزان والصراط والحوض والكوثر.
– إثبات الشفاعة.
– الإيمان بالجنة والنار.
– عدم خلود من يدخل النار من أهل الكبائر فيها.
– وجود الجنة والنار، وعدم فنائهما.
– إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة.
– إرسال الرسل من أعظم نعم الله على عباده ورحمته بهم.

(المقدمة/177)


– شروط النبوة.
– النبوة اصطفاء واختيار.
– ختم النبوة بمحمد – صلى الله عليه وسلم -.
– بعض خصائصه ومعجزاته – صلى الله عليه وسلم -: القرآن، المعراج، انشقاق القمر.
– فضله على سائر العالمين، وبعده أولو العزم ثم سائر الرسل ثم الأنبياء.
– عصمة الأنبياء.
– بشريتهم وحاجتهم للطعام والشراب ونحوهما.
– ذكر الصحابة وفضلهم، وأن أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم باقي العشرة ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة.
– فضل خديجة وعائشة رضي الله عنهما.
– فضل الصحابة عمومًا.
– ذكر بعض فضائلهم.
– السكوت عما جرى بينهم، وأنهم مجتهدون في ذلك.
– التابعون أفضل الأمة بعد الصحابة.
– إثبات كرامات الأولياء.

(المقدمة/178)


– تفضيل صالحي البشر على الملائكة.
– الكلام على الإمامة وشروطها، وما للإمام وما عليه.
– وجوب طاعة الإمام في غير معصية.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودرجاتهما، وفرضيتهما فرض كفاية.
– البدء بالنفس في الأمر والنهي.
– خاتمة تتضمن الكلام على مدارك العلوم.
– الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله.
– الثناء على أئمة الدين كالأئمة الأربعة وغيرهم.
– نتائج الموازنة:
1 – الفارق في عدد الأبيات.
2 – التزام النونية لمنهج السلف في جميع مباحثها، في حين أن الدرة المضية وقع فيها تقرير بعض المسائل المخالفة لمنهج السلف، في أكثرها جرى كلام الناظم على منهج الأشاعرة، وذلك مبني على إدخاله للأشاعرة والماتريدية في أهل السنة والجماعة، كما قرره في شرحه للمنظومة (1).
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 73.

(المقدمة/179)


وسأستعرض فيما يلي ما وقع في هذه المنظومة من مسائل مخالفة لمنهج السلف، مع ذكر ما يردّها ويبين وجه الحق فيها من الكافية الشافية:
1 – قوله في نصوص الصفات:
فكل ما جاء من الآيات … أو صح في الأخبار عن ثقات
من الأحاديث نُمِرُّه كما … قد جاء فاسمع من نظامي واعلما (1)
وحين نتأمل هذين البيتين فلا نلحظ المخالفة فيهما ظاهرة، إذ إطلاق مثل هذا معهود عن سلف الأمة.
ولكن المأخذ يتضح عند شرح الناظم نفسه لهذين البيتين، حيث قرر ما يذهب إليه أهل التفويض، فقال: “فكل ما جاء عن الله تعالى في القرآن من الآيات القرآنية، أوصح مجيئه في الأخبار، بالأسانيد الثابتة المرضية عن رواة ثقات في النقل، وهم العدول الضابطون المرضيون عند أهل الفن العارفين بالجرح والتعديل, من الأحاديث الصحيحة والآثار الصريحة مما يوهم تشبيهًا أو تمثيلًا فهو من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، نؤمن به وبأنه من عند الله تعالى كما جاء … – إلى أن قال: وكل ما أوجب نقصًا أو حدوثًا فالله تعالى منزه عنه حقيقة، فإنه تعالى مستحق الكمال الذي لا غاية فوقه، ومذهب السلف عدم الخوض في مثل هذا، والسكوت عنه، وتفويض علمه إلى
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 93.

(المقدمة/180)


الله” (1).
وهذا تفويض مخالف لمنهج السلف، فإنهم يثبتون كل ما جاء من صفاته تعالى وأفعاله مع العلم بمعانيها ويكلون العلم بالكيف إلى ربهم تبارك وتعالى.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تقرير ذلك (2757، 2758):
واشهد عليهم أنهم قد أثبتوا الـ … أسماء والأوصاف للديان
وكذلك الأحكام أحكام الصفا … ت وهذه الأركان للإيمان
ب – قوله في الصفات أيضًا:
صفاته كذاته قديمة … أسماؤه ثابتة عظيمة (2)
وهذا الكلام مجمل لا بد من التفصيل فيه ليفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال.
ومراد الناظم في هذا البيت عدم التفريق بين أي نوع من أنواع الصفات، فقد قال في الشرح: “صفاته سبحانه وتعالى الذاتية والفعلية والخبرية كذاته عز شأنه، قديمة لا ابتداء لوجودها، إذ لو كانت حادثة
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 95 – 97.
(2) لوامع الأنوار 1/ 112، ويلحق به قوله (1/ 220).
فسائر الصفات والأفعال … قديمة لله ذي الجلال

(المقدمة/181)


لاحتاجت إلى محدث، تعالت ذاته المقدسة وصفاته المعظمة عن ذلك، فإن حقيقة ذاته مخالفة لسائر الحقائق” (1).
فقوله: (قديمة) لفظ مجمل، نفى به أهل الكلام صفات الله تعالى الفعلية، حيث ظنوا أن تعلقها بالإرادة والمشيئة يجعلها خلفا حادثًا يحل في ذات الله تبارك وتعالى فقادهم هذا الظن الكاذب إلى نفي آحادها وجعلها قديمة كقدم الذات.
والحق هو التفريق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية، فالذاتية أزلية مطلقا، أما الفعلية فهي أزلية النوع حادثة الآحاد، بمعنى أنها تتعلق بإرادة الله تعالى ومشيئته.
يقول الإمام ابن القيم في تقرير هذا التفريق (3396 – 3398):
فهما إذًا نوعان أوصاف وأفـ … ـعال فهذي قسمة التبيان
فالوصف بالأفعال يستدعي قيا … م الفعل بالموصوف بالبرهان
كالوصف بالمعنى سوى الأفعال ما … إن بين ذينك قط من فرقان
ج – تقريره في بداية النظم للصفات السبع التي يثبتها الأشاعرة دون غيرها من الصفات يوهم الاقتصار عليها، أو أن لها شأنًا في الإثبات دون غيرها.
وقد ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- أن الدافع لابتدائه بهذه
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 116.

(المقدمة/182)


الصفات هو الاتفاق عليها. فقال: “ولما كانت صفاته تعالى منها ما اتفق عليه كالصفات السبع، ومنها ما اختلف فيه كصفات فعله تعالى ورحمته وغضبه ونحوها، بدأ بما اتفق عليه فيها، وهي السبع صفات الثبوتية .. ” (1).
ولا يُفهم من هذا أن الناظم لا يثبت غيرها, ولكن المأخذ أنه جعل مخالفة أهل الكلام لأهل السنة فيما يثبتونه من الصفات معتبرة.
أما في نونية ابن القيم فلا اعتبار لأي مخالفة لأهل الكلام في صفات البارئ تبارك وتعالى، ونرى ذكر الصفات فيها مفصلًا كما هو منهج القرآن الكريم في تقريرها.
وقد عقد الإمام ابن القيم في النونية فصلًا كاملًا ذى فيه كثيرًا من أسماء الله تعالى وصفاته، وتكلم عن معانيها (2).
د – قوله في كلام الله تعالى:
وأن ما جاء مع جبريل … من محكم القرآن والتنزيل
كلامه سبحانه قديم … أعيا الورى بالنص يا عليم (3)
فقوله “قديم” مبني على اعتقاد أزلية صفات الأفعال: نوعها
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 130.
(2) البيت رقم 3223 وما بعده.
(3) لوامع الأنوار 1/ 130. ويلحق به قوله (1/ 439):
ففعلنا نحو الركوع محدث … وكل قرآن قديم فابحثوا

(المقدمة/183)


وآحادها. وقد سبق بيان الحق في ذلك بأنها أزلية النوع دون الآحاد.
ومن تأمل كلام الناظم -رحمه الله- في صفة الكلام يلحظ فيه بعض التردد والاختلاف.
فقد رد في الشرح على المعتزلة في قولهم بخلق القرآن (1). ورد على الأشاعرة في قولهم بالكلام النفسي، ونقل نصوصًا في إبطال ذلك (2). وأورد نقولًا في تقرير مذهب السلف من أن كلامه سبحانه وتعالى منه بدأ وإليه يعود، وأنه بحرف وصوت، وأنه داخل تحت إرادة الله تعالى ومشيئته فالله تعالى يتكلم إذا شاء متى شاء (3).
ثم إنه قال في تحرير مذهب السلف في ذلك: “وتحرير مذهب السلف أن الله تعالى متكلم كما مرّ، وأن كلامه قديم، وأن القرآن كلام الله، وأنه قديم حروفه ومعانيه” (4).
وقال أيضًا: “بل هذا القرآن هو كلام الله، وهو مثبت في المصاحف، وهو كلام الله مبلغًا عنه مسموعًا من القراء ليس هو مسموعًا منه تعالى، فكلامه قديم، وصوت العبد مخلوق” (5).
فظاهر كلامه في النظم موافقة القائلين بالكلام النفسي، إلا أنه
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 133.
(2) لوامع الأنوار 1/ 165.
(3) لوامع الأنوار 1/ 134.
(4) لوامع الأنوار 1/ 137.
(5) لوامع الأنوار 1/ 138.

(المقدمة/184)


خالف ذلك في الشرح، واختار أن يكون كلام الله تعالى حروفًا وأصواتًا مسموعة، وأنه قديم أيضًا حروفه ومعانيه.
أما في نونية الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- فإن هذه المسألة قد قررت على منهج السلف رضوان الله عليهم بأوضح بيان وأجلى حجة، ورُدّت أقوال المخالفين فيها، ودحضت حججهم.
يقول الإمام ابن القيم في تقرير منهج السلف في هذه المسألة (2739 – 2741):
واشهَدْ عليهم أنّه سبحانه … متكلمٌ بالوحي والقرآنِ
سمع الأمينُ كلامَه منه وأدّ … اه إلى المبعوث بالفرقان
هو قولُ ربِّ العالمينَ حقيقةً … لفظًا ومعنى ليس يفترقان
هـ – ذكره لبعض الألفاظ المحدثة في الصفات، وفي ذلك يقول:
وليس ربنا بجوهر ولا … عرض ولا جسم تعالى ذو العلا
سبحانه قد استوى كما ورد … من غير كيف قد تعالى أن يُحَد (1)
والأصل في هذه الألفاظ الاستغناء عنها بما في الكتاب والسنة، وأن لا يتكلم فيها لا نفيًا ولا إثباتًا، وحين تذكر -لضرورة تقوم لذلك- فإنه لا بد من التفصيل فيها.
وقد عقد الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في النونية فصلًا في
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 181.

(المقدمة/185)


أن أصل بلاءً أهل التعطيل هو الألفاظ المحدثة المشتملة على حق وباطل، وقبولهم لها بلا تفصيل ولا بيان (1).
و- إثباته للكسب في قوله:
أفعالنا مخلوقة لله … لكنّها كسبٌ لنا يا لاهي
وكل ما يفعله العبادُ … مِن طاعةِ أو ضدِّها مرادُ
لِربِّنا من غيرِ ما اضطرارِ … منه لنا فافهَمْ ولا تُمارِ
وظاهر كلام الناظم -رحمه الله تعالى- تقرير مذهب الأشاعرة في أفعال العباد، حيث قال في تعريف الكسب: “والكسب في اصطلاح المتكلمين ما وقع من الفاعل مقارنًا لقدرة محدثة واختيار، وقيل: هو ما وجد في قدرة محدثة في المكتسب” (2)، ثم نقل نقولًا في تعريفه.
ثم إنه قرر أن لقدرة العبد تأثيرًا في إيجاد الفعل منه فقال: “فلقدرة العبد تأثير في إيجاد فعله لا بالاستقلال والاستبداد، بل بالإعانة والإذن والتمكين من الفاعل المختار الجواد” (3).
وإثبات هذا التأثير لقدرة العبد مخالف لمعنى الكسب المقرر عند الأشاعرة فحصل في كلامه رحمه الله تعالى بعض الاختلاف؛ لذلك حين حكى قول المخالفين في هذا الباب وردّ عليهم ذكر أنهم الجبرية
__________
(1) انظر البيت رقم (3694) وما بعده.
(2) لوامع الأنوار 1/ 291.
(3) لوامع الأنوار 1/ 296.

(المقدمة/186)


الغلاة من جهة، والقدرية (المعتزلة) من جهة أخرى، أما أهل السنة فهم الوسط في ذلك وحكى لهم قولين، وجعل قول الأشاعرة أحد القولين، فقال: “وأما المتوسطون فهم أهل السنة والجماعة، فلم يفرطوا تفريط القدرية النفاة، ولم يفرطوا إفراط الجبرية المحتجين بالقدر على معاصي الله، وهؤلاء على مذهبين، مذهب الأشعري ومن وافقه من الخلف، ومذهب سلف الأمة، وأئمة السنة .. “- إلى أن قال: “ثم إن الأشعري ومن وافقه منهم أثبت للعبد كسبًا ومعناه أنه قادر على فعله وإن كانت قدرته لا تأثير لها في ذلك” (1).
أما في النونية فقد حكى الإمام ابن القيم قولًا واحدًا لأهل السنة في هذه المسألة، وهو أن أفعال العباد داخلة تحت إرادة الله تعالى ومشيئته، وأنها منسوبة إليهم على أنهم فاعلوها حقيقة.
وفي ذلك يقول -رحمه الله تعالى- عن أهل السنة (2787 – 2788):
واشهد عليهم أنهم هم فاعلو … نَ حقيقةَ الطاعات والعصيانِ
والجبر عندهُمُ مُحالٌ هكذا … نفيُ القضاءِ فبئست الرأيان
ز – قوله في نفي تعليل أفعال الله تعالى:
وجاز للمولى يعذبُ الورى … من غيرِ ما ذنبٍ ولا جُرمٍ جرى
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 311.

(المقدمة/187)


فكلّ ما منه تعالى يجمُلُ … لأنّه عن فعله لا يُسْأَل (1)
وهذا الكلام مبني على نفي الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، فلا فرق في فعله أن يثيب المطيعين ويضاعف لهم إحسانهم، أو أن يعذبهم على تلك الطاعات وذلك الإحسان. فالظلم منه ليس له حقيقة يمكن وجودها، بل هو من الأمور الممتنعة لذاتها، فلا يجوز أن يكون مقدورًا له، ولا أن يقال إنه تارك له باختياره ومشيئته (2).
وعلى هذا فلا يكون لنفي الظلم عنه فائدة، إذ إنه ليس متصورًا إذا كان تعذيبه العباد بجرم أو بغير جرم سواء.
والحق أنه سبحانه وتعالى كتب على نفسه الرحمة، وحرم على نفسه الظلم، وهذا منه سبحانه على نفسه، فلا أحد يوجب عليه شيئًا، أو يحرم. وتعذيب العباد من غير جرم ولا استحقاق للعذاب ظلم نفاه عن نفسه عز وجل كما قال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)} [فصلت: 46] وقال سبحانه: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] (3).
والناظم -رحمه الله تعالى- قد قرر في أبيات قبل هذه إثبات الحكمة في أفعال الله تعالى حيث قال:
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 320.
(2) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 18/ 138 وما بعدها.
(3) انظر تعليقًا منسوبًا للشيخ عبد الله أبا بطين على هذه المسألة في حاشية لوامع الأنوار 1/ 320.

(المقدمة/188)


وربُّنا يخلُقُ باختيار … مِن غير حاجة ولا اضطرار
لكنه لا يخلُق الخلقَ سدى … كما أتى في النصِّ فاتْبَعِ الهدى (1)
ثم حكى في الشرح قول من يقول بنفي العلة في أفعال الله تعالى وأبان أنه قول مرجوح، ورجّح قول من أثبت الحكمة، ونقل عن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم نقولًا في ذلك.
وكان مما قاله الناظم في هذا: “والحاصل أن شيخ الإسلام وجمعًا من تلامذته أثبتوا الحكمة والعلة في أفعال الباري جل وعلا، وأقاموا على ذلك من البراهين ما لعله لا يبقي في مخيلة الفطين السالم من ربقة تقليد الأساطين أدنى اختلاج وأقل تخمين” (2).
وحين حكى قول المعتزلة في إيجاب الصلاح والأصلح على الله تعالى، وقولَ الأشاعرة في تجويز ما ينافي حكمة الله تعالى وعدله، أثنى على الفرقة الوسط بين ذلك وهم أهل السنة فقال: “الفرقة الثالثة: هم الوسط بين هاتين الفرقتين، فإن الفرقة الأولى أوجبت على الله شريعة بعقولها وحرّمت عليه وأوجبت ما لم يحرمه على نفسه ولم يوجبه على نفسه. والفرقة الثانية جوّزت عليه ما يتعالى ويتنزه عنه لمنافاته حكمته وكماله. والفرقة الوسط أثبتت له ما أثبته لنفسه من الإيجاب والتحريم الذي هو مقتضى أسمائه وصفاته الذي لا يليق به نسبته إلى ضدّه؛ لأنه موجب كماله وحكمته وعدله، ولم تدخله تحت
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 276.
(2) لوامع الأنوار 1/ 286.

(المقدمة/189)


شريعة وضعتها بعقولها كما فعلت الفرقة الأولى، ولم تجوّز عليه ما نزّه نفسه عنه كما فعلت الفرقة الثانية” (1).
فمن تأمل كلامه -رحمه الله تعالى- في الموضعين يلحظ الاختلاف الذي فيه.
أما في النونية فقد ردّ الإمام ابن القيم -رحمه الله- قول من لا ينفي الظلم عن الله لامتناعه أصلًا إذ هو عنده كالجمع بين النقيضين، فقال في معرض حكايته لمذهب الجهمية (57 – 58):
والظلم عندهم المحال لذاته … أنّى ينزه عنه ذو السلطان
ويكون مدحًا ذلك التنزيه ما … هذا بمعقول لدى الأذهان
3 – اشتمال النونية على أكثر مباحث الدرة المضية، وتميزها عنها بزيادة التفصيل والبيان، ولم تنفرد الدرة إلا في مسائل معدودة وهي:
أ – ذكر أشراط الساعة الكبرى.
ب – الكلام في عصمة الأنبياء.
جـ – الكلام على كرامات الأولياء.
د – مسألة التفضيل بين الملائكة وصالحي البشر.
هـ – الإمامة، وما للإمام وما عليه.
و- المسائل المنطقية التي تضمنتها الخاتمة.
__________
(1) لوامع الأنوار 1/ 288.

(المقدمة/190)


ثانيًا: سلم الوصول إلى علم الأصول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي:
التعريف بالناظم:
هو الشيخ العلامة حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، من أعلام منطقة الجنوب (تهامة)، ولد في رمضان سنة 1342 هـ، ونشأ في كنف والديه نشأة صالحة طيبة، وكان آية في الذكاء وسرعة الحفظ والفهم. وقد بدأ بالطلب في من مبكرة، وتتلمذ على الشيخ عبد الله القرعاوي، حتى تفوق على أقرانه، وكان الشيخ عبد الله القرعاوي حريصًا عليه ويوليه كبير الاهتمام، وكان يكلفه ببعض الدروس، والتنقل في منطقة الجنوب للدعوة والتعليم.
وكان للشيخ حافظ اهتمام بالتصنيف، فقد صنف في التوحيد، ومصطلح الحديث، وفي الفقه وأصوله، والسيرة، والفرائض، والوصايا والآداب، وغير ذلك نظمًا ونثرًا.
ومن أعماله أن عينه الشيخ عبد الله القرعاوي مديرًا لمدرسة سامطة السلفية، وفي عام 1373 هـ عُيّن مديرًا لأول ثانوية تفتح في جازان، ثم عين مديرًا لمعهد سامطة العلمي ولم يزل مديرًا للمعهد حتى وافته المنية بعد أدائه لمناسك الحج في الثامن عشر من شهر ذي الحجة عام 1377 هـ (1).
__________
(1) الترجمة مستفادة من ابنه أحمد في مقدمة معارج القبول.

(المقدمة/191)


التعريف بالمنظومة:
هي أرجوزة في التوحيد، نظمها الشيخ تلبية لطلب شيخه الشيخ عبد الله القرعاوي (1)، وهي مطبوعة متداولة بين طلاب العلم، وقد شرحها الشيخ نفسه شرحا وافيًا أسماه: (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول).
مطلعها:
أبدأ باسم الله مستعينًا … راضٍ به مدبِّرًا معينًا
عدد أبياتها: 290 بيتًا.
مباحثها وهي مرتبة كالتالي:
– الحمد لله والصلاة على رسول الله.
– شهادة الحق أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
– الحكمة من خلق الخلق وهي عبادة الله تعالى.
– أخذ العهد علي بني آدم وهم في ظهور آبائهم أمثال الذر.
– إرسال الرسل مبشرين ومنذرين.
– أول واجب على العبيد: التوحيد.
– نوعا التوحيد:
__________
(1) انظر ترجمة ابنه له في المصدر السابق 1/ 14.

(المقدمة/192)


النوع الأول: الإثبات والمعرفة.
– ذكر بعض الأسماء والصفات:
1 – الرب الخالق البارئ المصور.
2 – الأول والآخر.
3 – الأحد الفرد القدير الأزلي الصمد البر المهيمن العلي.
4 – إثبات العلو بأنواعه.
5 – إثبات المعية والقرب، وأنهما لا تنافيان العلو.
6 – الحي القيوم.
7 – يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
8 – إثبات الحكمة.
9 – رؤيته تعالى لكل شيء.
10 – علمه تعالى بكل شيء.
11 – وسع سمعه تعالى الأصوات.
12 – الغني.
13 – الرزاق.
14 – افتقار العبيد كلهم إليه.
15 – صفة الكلام.

(المقدمة/193)


16 – صفة النزول.
17 – مجيئه يوم القيام لفصل القضاء.
18 – رؤية المؤمنين لربهم في الجنة.
– التسليم والقبول لكل ما ثبت في النص من الصفات.
– إمرار نصوص الصفات كما جاءت مع الاعتقاد لمقتضاها.
– إثباتها من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
– النوع الثاني من أنواع التوحيد: توحيد الألوهية.
– حقيقة هذا التوحيد وأنه أصل دعوة الرسل.
– معنى الشهادة.
– شروطها.
– تعريف العبادة وأن منها الدعاء.
– الشرك ونوعاه: الأكبر والأصغر.
– الكلام على التمائم والودع ونحوهما.
– شرعية الرقية من العين والحمة.
– النهي عن الرقى المجهولة المعاني.
– الاختلاف في التمائم المعلقة من القرآن.
– بعض أعمال أهل الشرك.

(المقدمة/194)


– أقسام زيارة القبور:
1 – شرعية.
2 – بدعية.
3 – شركية.
– النهي عن إيقاد السرج على المقابر، واتخاذها مساجد.
– الأمر بتسوية كل قبر مشرف.
– تحذير النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته من إطرائه.
– عاقبة مخالفة ذلك، وكيف أفضى إلى الشرك.
– السحر، وأن له حقيقة.
– تكفير الساحر، وأن حده القتل.
– النهي عن تصديق الكاهن والمنجم.
– حقيقة الإيمان وأنه نية وقول وعمل.
– تفاضل أهل الإيمان فيه.
– مراتب الدين ثلاثة:
1 – الإسلام وأركانه.
2 – الإيمان وأركانه.
3 – الإحسان وتعريفه.

(المقدمة/195)


– زيادة الإيمان ونقصانه.
– عدم تكفير صاحب الكبيرة.
– قبول التوبة قبل الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها.
– ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأنه بلغ الرسالة وأدّى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده.
– ختم النبوة به، وفضله على سائر العالمين.
– تفضيل الخلفاء الراشدين على سائر الأمة، وأن ترتيبهم في الفضل ترتيبهم في الخلافة.
– ثم بعدهم بقية العشرة، ثم سائر الصحابة وأهل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم -.
– خاتمة في الأمر بالتمسك بالكتاب والسنة.
– شرطا القبول: الإخلاص والمتابعة.
– الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله.
نتائج الموازنة:
1 – الفارق في عدد الأبيات، والاختصار في عرض المسائل.
ومن الأمثلة التي توضح ذلك مسألة العلو، فتقريرها في سلم الوصول لم يبلغ عشرة أبيات، بينما في النونية قد تكلم عليها الإمام ابن القيم في موضع واحد بما يزيد على ستمائة بيت، إضافة إلى ما يذكره في ثنايا فصول القصيدة.

(المقدمة/196)


ومرجع هذا إلى طبيعة المنظومتين، فالنونية نهج فيها الناظم التفصيل والتوسع في المباحث، أما سلم الوصول فقد بناها الناظم على الاختصار تسهيلًا لحفظها واستيعاب جميع مباحثها.
2 – أكثر مباحث النونية عرضًا بالنسبة إلى عدد أبياتها هو توحيد الإثبات والمعرفة، أما في سلم الوصول فأكثر المباحث عرضًا بالنسبة لعدد الأبيات هو توحيد الألوهية، فقد زاد ذلك على الكلام على توحيد الإثبات والمعرفة وغيره من المباحث.
3 – لم تأت منظومة (سلم الوصول) على كثير من تفصيلات المباحث التي تعرضت لها النونية، بينما شملت النونية أكثر مباحث السلم، ولم ينفرد عنها إلا ببعض المسائل وهي:
أ – أخذ العهد علي بني آدم وهم في ظهور آبائهم.
ب – الكلام على التمائم والودع ونحوهما.
ج – الكلام على السحر والكهانة.
د – التنصيص على الشروط السبعة لشهادة التوحيد (لا إله إلا الله)، وإن كان الإمام ابن القيم قد قررها معنىً وإن لم ينص عليها.

(المقدمة/197)


الفصل الخامس نسخ الكتاب ومنهج التحقيق والتعليق
1 – نسخ الكتاب الخطية والمطبوعة:
أولًا: النسخ الخطية:
قد اعتمدنا في إخراج هذا الكتاب على سبع نسخ خطية منه، وفيما يلي وصفها:
النسخة الأولى (الأصل):
هذه النسخة محفوظة في دار الكتب الظاهرية بدمشق في مجموع برقم 2943 عام، يضمّ هذا الكتاب وكتاب “اجتماع الجيوش الإسلامية” لابن القيم. المجموع ليس بين أيدينا، فنرجع إلى فهرس المجاميع من مخطوطات الظاهرية الذي جاء فيه أن عدد أوراق المجموع 191 ورقة. وكتاب “اجتماع الجيوش الإسلامية” في 79 ورقة (1 – 79) وتليه “النونية” في 111 ورقة (81 – 191). وإذا كنا لا نملك التثبت مما ذكر عن أوراق الكتاب الأول، فإننا نستطيع أن نصحح ما قيل عن أوراق النونية، فهي في 122 ورقة، لا 111 ورقة. وقد أخطأ من رقم أوراق المجموع حينما وصل إلى ق 174 فكتب في الورقة التالية: 165، بدلًا من 175، فنقص العدد. والترقيم المذكور ترقيم حديث. ونسخة “النونية” في أصلها مقسّمة إلى كراريس، وجاءت في 12 كراسًا، وعدد الأسطر في كل صفحة 25 سطرًا.

(المقدمة/199)


وذكر في الفهرس أن أطراف الأوراق العلوية الأولى من المجموع مخرومة، وكذلك بعض الأوراق الأخيرة منه، يعني أطرافها. وهي في ثلاث ورقات من النونية (ق 120 – 122)، فذهبت أجزاء من أسطرها الخمسة الأولى. أما بعد ذلك فالنسخة كاملة لا نقص فيها، إلاّ اضطرابًا في ترتيب الأوراق 15 – 18 لكون الورقة 16 قد وضعت خطأ بعد ق 13، فرددناها إلى مكانها في مصورتنا.
وذكر في الفهرس أيضًا أنّ على المجموع وقف أحمد بن يحيى النجدي، ومكانه المدرسة العمرية في الصالحية. أما الواقف فهو أحمد بن يحيى بن عطوة بن زيد التميمي النجدي المتوفى سنة 948 هـ. وقد ترجم له صاحب “السحب الوابلة”. فذكر أنه ولد في العيينة، ونشأ بها فقرأ على فقهائها، ثم رحل إلى دمشق لطلب العلم، فأقام فيها مدّة، وقرأ على أجلاء مشايخها. منهم العلامة الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله العسكري شيخ الشيخ موسى الحجّاوي، وتخرّج به وانتفع، وقرأ على غيره كالجمال يوسف بن عبد الهادي، والعلاء المرداوي، وتفقه ومهر في الفقه فأجازه مشايخه وأثنوا عليه، فرجع إلى بلده فصار المرجوع إليه في قطر نجد، والمشار إليه في مذهب الإمام أحمد. من مؤلفاته “الروضة” و”التحفة”. وله تحقيقات نفيسة وتدقيقات لطيفة (1).
أما المدرسة العمرية فكانت من المدارس الحنبلية المشهورة
__________
(1) السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة 1/ 274 – 275.

(المقدمة/200)


بالصالحية. بناها ووقفها الشيخ أبو عمر الكبير محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (528 – 607 هـ) (1). وكان بها خزانة كتب لا نظير لها، فلعبت بها أيدي المختلسين، ونقل ما بقي إلى خزانة الكتب في قبة الملك الظاهر في مدرسته (2). وكان ذلك سنة 1295 هـ (3). فكانت هذه النسخة أيضًا من الكتب التي آلت إلى دار الكتب الظاهرية بعد ما استقرت في المدرسة العمرية أكثر من 350 سنة.
كتب على وجه الورقة الأولى من نسخة النونية عنوان الكتاب واسم المؤلف على هذا الوجه:
“كتاب الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية نظم الشيخ الإمام العالم العلامة العامل الأكمل الورع الزاهد المحقق شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر بن أيوب السلمي الزرعي الحنبلي الشهير ابن قيم الجوزية رحمه الله وغفر له وللمسلمين”.
وقد ورد مثل هذه العبارة مع الزيادة في الألقاب في آخر النسخة. والعبارتان تثيران إشكالين: إشكالًا في عنوان الكتاب، وقد سبقت مناقشته في فصل التعريف بالكتاب. والإشكال الآخر في نسبة “السلمي” التي انفردت بها هذه النسخة، فلم يذكر هذه النسبة أحد
__________
(1) انظر الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 2/ 100 – 102.
(2) منادمة الأطلال ص 244.
(3) المرجع السابق ص 120.

(المقدمة/201)


ممن ترجم لابن القيم.
كتبت هذه النسخة بخط نسخي واضح، ولكن الناسخ لم يذكر اسمه ولا تاريخ كتابة النسخة (1). غير أنه قال في خاتمتها:
“نقلتُ غالب هذه النسخة من نسخة عليها طبقة صورتها: سمعتها على ناظمها بقراءة والدي (2) في مجالس عدّة، وهو مقابل معنا بأصله -رضي الله عنه-. وآخر المجالس يوم الأربعاء ثالث عشرين محرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة بالجوزية بدمشق. كتب عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن بن محمد الحنبلي عفا الله عنه. مات الشيخ شمس الدين بن القيم ناظمها في شهر رجب سنة إحدى وخمسين وسبعمائة (3) “.
الحافظ ابن رجب من تلامذة ابن القيم، وقد ذكر في ترجمة شيخه أنه لازم مجالسه قبل موته أزيد من سنة، وسمع عليه قصيدته النونية في السُّنّة وأشياء من تصانيفه وغيرها (4). ولد ابن رجب في بغداد سنة
__________
(1) في فهرس دار الكتب الظاهرية أن ناسخ المجموع عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي، وأنه نسخ الكتاب الأول -وهو اجتماع الجيوش الإسلامية- سنة 760 هـ، والنونية سنة 761 هـ. لم أجد شيئًا من هذا في مصورة النونية. وعبد الرحمن بن أحمد الحنبلي هو الحافظ ابن رجب، وليس هو كاتب النسخة كما سترى.
(2) في المخطوطة: “ولدي” وهو خطأ.
(3) لم تتضح الكلمتان “سنة” و”سبعمائة” في الصورة.
(4) الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 448.

(المقدمة/202)


736 هـ، وتوفي ابن القيم في شهر رجب من سنة 751 هـ، فحينما سمع ابن رجب النونية عليه كان عمره 15 سنة.
وقد دلت خاتمة هذه النسخة على أن الأصل الذي نقلت عنه سمعه الحافظ ابن رجب على الناظم بقراءة والده (1)، والناظم ممسك بأصله يقابل، وتمت القراءة في 23 محرم أي قبل وفاة الناظم بستة أشهر. فالنسخة التي بين أيدينا نسخة عالية نفيسة.
وقد ينقص من قيمتها تصريح الناسخ بأنه نقل “غالب هذه النسخة” من ذلك الأصل. فلم ينقلها منه كاملة، ثمَّ لم يحدّد هذا الغالب. ولكن الذي تدارك هذا النقص أنها قوبلت على الأصل، يشهد بذلك بلاغات كثيرة وتصحيحات دونت في طرر النسخة، ومنها:
– ق 41/ أ: “بلغ إلى هنا مقابلة بأصل الشيخ”.
– وفي 19/ أ:
إلَّا لمن قام الكلام به فذا … ك كلامه المعقول في الأذهان
وكتب في الحاشية: “للإنسان”، وتحته: “صح”، وفوقه: “نسخة الشيخ” وذلك يدلّ على أن الناظم غيّر القافية في هذا البيت لأنها سبقت قبل بيت واحد. ومثله في ق 103/ أ.
والظاهر أن المقصود بأصل الشيخ أو نسخته: النسخة التي قرئت على الشيخ، كما في المواضع الآتية:
__________
(1) انظر ترجمته في الدرر الكامنة 1/ 130.

(المقدمة/203)


– ق 74/ 3: “بلغ إلى هنا مقابلة [على] نسخة الشيخ المقروءة عليه”.
– ق 99/ ب: “بلغ مقابلة على نسخة عليها طبقة سماع وقرئت على الشيخ”.
– ق 100/ أ: “بلغ إلى هنا مقابلة في نسخة قرئت على الشيخ”.
ومن خلال عبارات هذه المقابلة يمكن أن نعرف زيادات الناظم في نسخته الأخيرة. ومن أمثلة ذلك أن البيت الآتي (ق 83/أ):
وتمام هذا قولهم إنَّ النبو … ة ليس وصفًا قام بالإنسان
كتب بإزائه في الحاشية: “من هنا زائد من نسخة الشيخ” ثمَّ في ق 84/أ كتب: “إلى هنا من نسخة الشيخ زائد” وذلك بإزاء البيت:
هذي بضاعتكم فمن يستامها … فقد ارتضى بالجهل والخسرانِ
ودلّت الحاشيتان على أن 14 بيتًا زادها الناظم أخيرًا. وكذلك في ق 86/ ب حاشية حدد فيها عدد الأبيات الزائدة: “من هنا زيادة من نسخة الشيخ 41 بيتًا”. وانظر 84/ أ، 85/ أ، 85/ ب، 86/ أ.
هذه الأبيات الزائدة موجودة في النسخ الأخرى أيضًا، ولكنها تشتمل أيضًا على الأبيات المنسوخة التي خلت عنها هذه النسخة والنسخة الآتية.
ويظهر أن النسخة قوبلت على نسخة أخرى غير الأصل أيضًا، فورد بيت في ق 81/ أهكذا:

(المقدمة/204)


وعداكم أجران أجر الصدق وَالْـ … إيمان حتى فاتكم حظّان
وفي حاشيته: “نسخة: وعدمتم حظين حظ الصدق والإيمان”. وانظر ق 2/ ب، 55/ أ، 86/ أ، 89/ ب، 99/ أ، 117/ ب، 119/ أ.
وبجانب بلاغات المقابلة توجد في النسخة بلاغات القراءة، فقلما تخلو ورقة من “بلغ قراءة” أو “بلغ قراءة إلى هنا”.
وكتب في الصفحة الأخيرة بجانب الخاتمة طولًا: “وعدة (1) أبياتها على ما حسبته – والله أعلم – 5870 خمسة آلاف وثمانمائة وسبعون”. ولعله أخطأ في العدّ، فإنّ أبياتها في نشرتنا هذه التي شملت الأبيات المنسوخة الواردة في النسخ الأخرى أيضًا لم يتجاوز عددها 5843 بيتًا.
قد سبق أن النسخة كتبت بخط نسخي واضح. واهتم الناسخ أحيانًا بضبط النص. ويضبط السين المهملة بوضع ثلاث نقط تحتها، ومن أمثلته ضبط السين في الكلمات: “تجسيمًا، جسمًا، جسر، استواء، محبوسون، السجان، الجسم، التجسيم” وكلها في صفحة واحدة (ق 80/ أ). وقد يهمل نقط حرف المضارع، وتاء التأنيث لا ينقطها عمومًا. ويضطرب قلمه أحيانًا، فلا يتضح رسم الكلمة، أو خطئ في كتابتها، فيحاول تصحيحها، فتختلط الحروف، فيكتبها في الحاشية بصورة واضحة تحت كلمة “بيان” أو مسبوقة بها. ومن أمثلته أنه كتب كلمة في المتن (22/ أ): “بالضليين” كذا، فكتب بإزائه في الحاشية: “الضدين”
__________
(1) في المخطوطة: “عدت” بالتاء المفتوحة.

(المقدمة/205)


وفوقها: “بيان صح”. وانظر بيانات أخرى في ق 5/ ب، 24/ أ، 54/ ب، 58/ ب، 70/ أ، 82/ ب، 92/ أ، 92/ ب، 104/ ب.
والأخطاء والتصحيفات في هذه النسخة قليلة، إلَّا خطأ واحدًا كثر في القوافي، وهو أنّ الكلمات التي لا ياء فيها كتبت بالياء، ومن الأمثلة على ذلك -وهي كثيرة جدًا- محذوراني، ذي برهاني (42/ أ)، في الأعياني، من هذه الخلجاني، الميزاني، الأكواني (43/ أ)، يا أولي النقصاني، من الديداني، بلا عدواني (43/ ب). وأحيانًا نجد العكس، نحو: “الحاجز الوسطانِ” (66/ أ) وصوابه: الوسطاني. و”فمن يلحانِ” (68/ أ) وصوابه يلحاني. وكذلك “عاليه مع التحتان” (70/ ب)، “الحافظ الطبران” (73/ أ) “أحمد الشيبانِ” (103/ أ). ولم تصحح هذه الأخطاء في المقابلة والتصحيح لأن أمرها كان سهلًا، فلا يخفى الغلط فيها على القارئ إلَّا قليلًا. ومن الأخطاء الشائعة في النسخة كتابة “لدى” في صورة “لذي”. ويكتب الضاد أحيانًا ظاءً.
ويظهر أن بعض الأخطاء التي وقعت في النسخة انتقلت إليها من الأصل، والدليل على ذلك أنها موجودة في نسخة ف الآتية وغيرها أيضًا.
النسخة الثانية (ف):
هذه النسخة من مخطوطات مكتبة الرياض السعودية بدار الإفتاء بالرياض. ورقمها فيها 347/ 86. وقد سجلت فيها بتاريخ 14/ 4/ 1392 هـ، كما يظهر من ختم المكتبة عليها. وعليها ختم آخر كتب فيه: “وقف الشيخ محمد بن إبراهيم” وتاريخه سنة 1391 هـ.

(المقدمة/206)


وفي أعلى صفحة العنوان: “وقف الإمام عبد الله بن فيصل”. وهو الإمام عبد الله بن فيصل بن تركي آل سعود من أئمة الدولة السعودية الثانية، وقد توفي بالرياض سنة 1307 هـ (1). والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ هو المفتي الأول للبلاد العربية السعودية، ولد سنة 1311 هـ في الرياض، وتوفي فيها سنة 1389 هـ، وهو الذي أنشأ المكتبة السعودية سنة 1373 هـ (2) فكانت هذه النسخة عند الإمام عبد الله بن فيصل، ثمَّ انتقلت إلى الشيخ محمد بن إبراهيم، ودخلت بعد وفاته بثلاث سنوات في المكتبة السعودية. ومخطوطات هذه المكتبة توجد الآن في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض.
عدد أوراق هذه النسخة 125 ورقة، وفي كل صفحة 25 سطرًا، وفي أولها خرم قدره ورقتان، وسدّ الخرم بخط متأخر، والناسخ الذي كتب الورقتين لم يشر إلى النسخة التي نقل منها. وأثبت عنوان الكتاب على الصفحة الأولى: “هذا كتاب الكافية الشافية للفرقة الناجية” كذا، مع أن العنوان الصحيح ثابت في خاتمة النسخة. وفي النسخة خرم آخر وهو سقوط الورقة 119 منها.
لم يذكر كاتب النسخة اسمه، ولكنه ذكر أنه أنجز نسخها في 8 ربيع الآخر سنة 782 هـ بالقاهرة، فجاء في خاتمتها:
“نجزت الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية من نظم شيخ
__________
(1) انظر ترجمته في الأعلام للزركلي 4/ 113.
(2) المرجع السابق 5/ 306 – 307.

(المقدمة/207)


الإسلام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية في ثامن ربيع الآخر سنة اثنين (كذا) وثمانين وسبعمائة بالقاهرة المعزية. علقتها من نسخة بخط الإمام العالم عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم (1) بن أمين الدولة الحلبي الحنبلي، وكتب بآخرها في الهامش ما صورته: (انتهت مقابلة ثانية بنسخة مقابلة بنسخة المؤلف التي حرّرها أخيرًا، وكلّ ما ترى عليه النسخة أو ما صورته خ أو الأخيرة فالمراد به هذه النسخة الأخيرة) فتبعتُ رسمَه وضبطَه في هذه النسخة، ولله الحمد أولًا وآخرًا. . .”.
دلّت هذه الخاتمة على أمور، أولها: أن هذه النسخة نقلت من نسخة بخط زين الدين أبي حفص ابن أمين الدولة الحلبي الحنبلي (710 – 771 هـ)، وقد ترجم له الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة، فقال: “باشر ديوان الإنشاء مدّة، ثمَّ أعرض عنه. وقال ابن حبيب: تعلّق بمذهب أحمد، ولازم التواضع، واشتغل بالكتابة والأدب والحديث وقدم دمشق ومصر، ورجع إلى حلب فمات بها” (2).
ولعلّ ابن أمين الدولة نسخ نسخته من النونية في دمشق، وحملها معه إلى مصر. ثمَّ رجع إلى حلب ولكن نسخته بقيت في القاهرة حتى نقلت منها هذه النسخة هناك سنة 782 هـ أي بعد خمس سنوات من وفاة ابن أمين الدولة في حلب.
__________
(1) في ترجمته في الدرر الكامنة 3/ 148: “عبد المؤمن” مكان “عبد المنعم”.
(2) الدرر الكامنة: 3/ 148.

(المقدمة/208)


والأمر الثاني أن نسخة ابن أمين الدولة قد قوبلت مرتين على نسخة مقابلة بنسخة المؤلف الأخيرة.
والأمر الثالث أن كاتب نسختنا تبع في رسم الكلمات وضبطها أصله المكتوب بخط ابن أمين الدولة.
هذه الأمور الثلاثة -ولا سيما الأمر الأول- قد رفعت درجة هذه النسخة، ورشحتها لوضعها بجانب النسخة السابقة.
ولما كانت النسختان كلتاهما تنتميان إلى نسخة المؤلف الأخيرة: الأولى لكونها نقلت من نسخة قرئت على المؤلف قبل ستة أشهر من وفاته، والثانية لكونها منقولة من نسخة قوبلت مرتين بنسخة مقابلة بأصل المؤلف الذي حرّره أخيرًا = تشابهت النسختان في عدد الأبيات وترتيبها، ورسم الكلمات وضبطها، وبعض الأخطاء أيضًا.
وقد كتبت هذه النسخة بخط نسخي متقن جميل. وقوبلت على أصلها، تدلّ على ذلك البلاغات الموجودة في مواضع مختلفة منها نحو ق 9/ ب، 19/ ب، 20/ ب، 34/ ب، 62/ أ، 92/ أ. وكذلك التصحيحات والاستدراكات التي أدّت إليها المقابلة، كما في ق 21/ أ، 47/ ب، 50/ أ، 58/ ب.
وتوجد في النسخة تعليقات منقولة من أصلها. ومنها: “إلى هنا حرّر على حكم النسخة الجديدة” (91/ ب). ولم يصرّح الناسخ بأن هذه الحاشية من حواشي الأصل، وقد صرّح بذلك في ق 98/ أ: “إلى هنا حرر على النسخة الأخيرة، كذا كتب في الأصل”.

(المقدمة/209)


وجاء في ق 111/ ب بيت انفردت به هذه النسخة:
أتظنها محلوبةً من باقر … أو ناقةٍ أو ماعزٍ أو ضانِ
وعليه حاشية: “هذا البيت أسقط من النسخة الأخيرة”.
ومنها ما علّق به على الأبيات الآتية:
فهناك هنّأ نفسه متذكرًا … ما قاله المشتاق منذ زمان
والمستهام على المحبة لم يزل … حاشا لذكراكم من النسيان
لو قيل ما تهوى لقال مبادرًا … أهوى زيارتكم على الأجفان
تالله إن سمح الزمان بقربكم … وحللتُ منكم بالمحل الداني
لأعفرنّ الخدّ شكرا في الثرى … ولأكحلنّ بتربكم أجفاني
التعليق على البيت الثالث (لو قيل ما تهوى … ): “هذا البيت والذي قبله من النسخة الأخيرة، وكأنهما بدل عن البيتين بعدهما” (ق 92/ أ).
الأبيات الأربعة الأخيرة للصرصري الذي أشار إليه الناظم بلفظة “المشتاق” في البيت الأول، وضمّن أبياته مع تصرّف في البيت الرابع (1). وأفادتنا هذه الحاشية المنقولة من الأصل بأن الناظم ضمّن أوّلًا بيتين فقط وهما الثالث والرابع، ثمَّ أضاف إليهما بيتين آخرين أيضًا. وكان بيت الصرصري الرابع قبل تصرف الناظم:
__________
(1) انظر فوات الوفيات 4/ 304 – 305.

(المقدمة/210)


لأقبلّنّ لأجلكم ذاك الثرى … وأعفّر الخدّين بالصّوّانِ
وقد غيّره كما رأينا، فأصبحت قافيته بعد التغيير: “أجفاني”، فلما زاد في النسخة الأخيرة البيتين الأولين، وجاءت في البيت الثاني قافية “الأجفان” تكررت القافية، ولاحظ كاتب الأصل هذا التكرار، فذهب في تعليقه إلى أن البيتين الأولين كأنهما بدل من البيتين الأخيرين.
هذه الحواشي والحواشي الأخرى التي رمزها خـ -وكلّها تشير إلى نسخة المؤلف الأخيرة- تصدّق ما ورد في النسخة الأولى المنقولة من نسخة الحافظ ابن رجب. وفي النسخة حواش أخرى تدلّ على مقابلتها بنسخة أو نسخ أخرى، وكتب الناسخ عليها حرف خ أيضًا ولكن بصورة غير صورة رمز النسخة الأخيرة. انظر مثلًا الأوراق 21/ ب، 34/ ب، 43/ ب، 44/ أ، 49/ أ، 50/ أ.
وناسخ هذه النسخة أيضًا إذا أخطأ في كتابة كلمة فصارت غامضة أعاد كتابتها في الحاشية تحت كلمة “بيان”. وكثرت البيانات في هذه النسخة، وأعجبها بيان في ق 4/ ب، إذ وردت كلمة “نمقوه” في مقدمة المؤلف، وتصحفت في النسخ الأخرى إلى “تمموه”، وكذا كانت في النسخة الأولى، فصححت في المقابلة على الأصل. فضبط ناسخ ف الكلمة ثمَّ كتب في الحاشية تحت لفظ “بيان”: وَنَ مَّ قُ وْ هُ. وانظر البيانات الأخرى في ق 8/ أ، 9/ ب، 12/ أ، 13/ ب، 15/ ب، 17/ ب، 19/ ب، 26/ ب وغيرها. وفي ق 107/ ب لم يكتب كلمة “بيان” كاملة بل اكتفى بحرف “ب”.
هذا، وفي النسخة تصحيحات وتعليقات كثيرة بخط متأخر جدًا،

(المقدمة/211)


كتبها بعض من قرأها وقابلها بنسخة بل بأكثر من نسخة، كما قال في تعليقه على كلمة “غدا” في ق 30/ أ: “في عدد نسخ: عدا”. وعلّق على “رأس الملأ” في ق 63/ ب: “خ عدد: روس”. وعلّق على “غرور ثاني” في ق 90/ أ: “أمان في جملة نسخ”.
وقد صحح هذا القارئ أخطاء النسخة، ولكنه أساء إليها بعض الأحيان إساءة بالغة، حينما لم يقتصر على تصحيح الخطأ في الحاشية، بل حاول إصلاحه في المتن،، فتعدّى على النص وشوهه تشويهًا. ثمَّ ما زعمه خطأ قد يكون صوابًا محضًا أو هو الوارد في الأصل. ومن أمثلة ذلك أن كلمة “البهتان” في البيت الآتي:
والتاركين لأجلها آراء من … آراؤهم ضرب من البهتان
ضرب عليها هذا المصحح عدة مرات، ثمَّ كتب في الحاشية: “الهذيان صح” (ق 56/ أ)، مع أن كلمة البهتان هي الواردة في نسخة الظاهرية المنقولة عن نسخة ابن رجب أيضًا. فاتفقت عليها النسختان العاليتان.
ومن ذلك أنه ضرب على كلمة “بالقانون” في البيت الآتي (ق 76/ أ):
فتعيّن الإعمال للمعقول والإلغاء … للمنقول بالقانون ذي البرهان
هذا البيت فيه زيادة اختلّ بها وزنه، فأراد المصحح أن يحذف “بالقانون” ليستقيم الوزن، فشطبه عدة مرات، مع أن البيت كذا ورد في النسخة الأولى وغيرها، وحذف الكلمة المذكورة مفسد لمعنى

(المقدمة/212)


البيت، أمّا الزيادة أو النقصان في الوزن فلها نظائر متعددة في هذه المنظومة. وانظر أيضًا ق 88/ أ، 102/ أ، 116/ أ.
بالإضافة إلى هذه التصحيحات علّق في حاشية النسخة جميع الأبيات التي وجدها في النسخ الأخرى وخلت منها هذه النسخة، وكتب في آخرها علامة صح، كأنها ساقطة من هذه النسخة، وهي ليست ساقطة، بل الظاهر أن الناظم أسقطها من النسخة الأخيرة.
النسخة الثالثة (ب):
هذه النسخة محفوظة في مكتبة برلين بألمانيا. ولها فُلَيم (ميكروفيلم) بالمكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض برقم 7087. وهي في 17 كرّاسًا و 166 ورقة. تتراوح الأسطر في كل صفحة بين 17 و 20 سطرًا. ومن الورقة 120 بدأ الناسخ يكتب الأبيات في الحاشية اليسرى أيضًا من كل صفحة في طولها. اسم ناسخها: إسماعيل بن حاجي، وهو فقيه شافعي من علماء بغداد، قدم دمشق في حدود السبعين ودرّس في المدرسة العينية وغيرها. وتوفي سنة 792 هـ (1).
وتاريخ نسخها: مستهل ذي القعدة من سنة 770 هـ كما جاءت في خاتمتها:
“نجزت الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية. علّقها لنفسه إسماعيل بن حاجي عفا الله عنه بمنّه وكرمه. وكان الفراغ في مستهل
__________
(1) انظر ترجمته في الدرر الكامنة 1: 365، وشذرات الذهب 3: 323.

(المقدمة/213)


ذي القعدة من سنة سبعين وسبعمائة. والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا”.
لم يذكر الناسخ شيئًا عن الأصل الذي نقل منه نسخته، غير أنها نسخة كاملة بخط نسخي واضح. وقوبلت على أصلها كما يعرف من البلاغات والتصحيحات الموجودة في ق 7/ أ، 11/ أ، 12/ أ، 16/ ب، 18/ أ، 44/ أ، 51/ أوغيرها. وفيها إشارات قليلة تدل على أنها قوبلت بنسخة أخرى أيضًا.
النسخة الرابعة (د):
من مخطوطات الخزانة التيمورية، في دار الكتب المصرية والوثائق القومية برقم 170 عقائد تيمور، وهي في 157 ورقة، وعدد الأسطر في كل صفحة 20 سطرًا. كتبها محمد بن أحمد بن الحسين الشافعي بمدرسة ابن الجوزي بدمشق سنة 768 هـ.
النسخة بخط النسخ، ومقابلة على أصلها، وعناوين الفصول مكتوبة بالحمرة ولذلك لم تتضح في التصوير. وقد ضاعت الورقة الأولى منها فاستكملت بخط متأخر. وعلى النسخة آثار البلل في مواضع مختلفة. وختمت النسخة بالعبارة الآتية.
“نجزت الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية بحمد الله وحسن توفيقه يوم الاثنين رابع عشرين رمضان المعظم سنة ثمان وستين وسبعمائة على يد العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن أحمد بن الحسين الشافعي بدمشق بمدرسة ابن الجوزي بدمشق المحروسة”.

(المقدمة/214)


وعليها عبارة تملك نصّها: الحمد لله رب العالمين. ساقته مقادير الملك إلى ملك الفقير زين العابدين بن عبد الكريم الجراعي سنة 1158 في غرة جمادى أول (كذا) ” وتحت هذه العبارة ستة أبيات في تقريظ الكتاب.
هذه النسخة كتبت بدمشق بعد وفاة الناظم فيها بسبعة عشر عامًا، ولكنها لم تنقل عن أصل قريب من نسخة المؤلف، بل لم يشر الناسخ البتة إلى النسخة التي نقل منها.
النسخة الخامسة (ظ):
هذه النسخة محفوظة في دار الكتب الظاهرية بدمشق ورقمها 2973/ ن. ويوجد لها مصورة بالمكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم 2993/ ف. وهي في الأصل جزء من “الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري” لأبي الحسن علي بن حسين بن عروة المعروف بابن زكنون (قبل 760 – 838 هـ) (1). وقد ورد في صفحة العنوان من هذه النسخة: “وقف علي ابن زكنون”، كما جاء في آخرها: “آخر المجلد الخمسون (كذا) من الكواكب الدراري والحمد لله رب العالمين. . . يتلوه إن شاء الله تعالى قول الشيخ شمس الدين أيضًا في كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة … “.
وقد وقف ابن زكنون مكتبته بعد موته على المدرسة العمرية
__________
(1) انظر ترجمته في الضوء اللامع 5/ 214.

(المقدمة/215)


الشيخية. وذكر صاحب السحب الوابلة أنه في رحلته إلى الشام سنة 1281 هـ رأى كتبًا كثيرةً منها في مدرسة الشيخ أبي عمر، ومنها كتاب الكواكب الدراري مكتوب عليه: “وقف شَيخنا المؤلف في مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر رحمه الله” (1). وقد سبق أنّ ما بقي من كتب المدرسة العمرية نقلت سنة 1295 هـ إلى خزانة الكتب في قبة الملك الظاهر.
هذه النسخة في 142 ورقة منها 130 ورقة بخط ناسخ لا نعرف اسمه، غير أنه لم يتم كتابة النسخة، فأتمّها ناسخ آخر وهو إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحنبلي في شهر صفر سنة 828 هـ. جاء في خاتمة النسخة:
“وكان الفراغ من تتمته يوم الخميس مستهل شهر صفر سنة ثمان وعشرين وثمان مائة من الهجرة النبوية على يد أفقر عباد الله إلى رحمته ومغفرته ورضوانه إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحنبلي غفر الله لمؤلفه ولكاتبه ولقارئه ولمن نظر فيه ولجميع المسلمين وجعله خالصًا لوجهه الكريم … “.
الناسخ المذكور ترجم له السخاوي في الضوء اللامع (2). ولد سنة 810 هـ، فكان عمره حين كتابة تتمة هذه النسخة 18 سنة. وقد توفي سنة 900 هـ. قال السخاوي: “واختص بالعلاء ابن زكنون، وقرأ عليه القرآن وغيره، وتزوّج ابنته، ثمَّ فارقه وتحوّل شافعيًّا. . والثناء عليه
__________
(1) السحب الوابلة 2/ 735.
(2) الضوء اللامع 1/ 166.

(المقدمة/216)


مستفيض، ووصفه الخيضري بأنه شيخ عالم فاضل محدث محرر متقن … “. وذكر صاحب السحب الوابلة أنه رأى بخطه جانبًا من الكواكب الدراري مؤرخًا سنة 829، وهو خط حسن” (1).
هذه التتمة التي كتبها إبراهيم بن محمد الحنبلي أوراقها في النسخة في وضعها الراهن 12 ورقة. وبين الأصل والتتمة خرم كبير ذهب بنحو 972 بيتًا مع عناوين الفصول، وهذا يعني أنه فقلت نحو 25 ورقة من النسخة، ولا سبيل إلى معرفة عددها من الأصل أو التتمة بالتحديد. وعدد الأسطر في كل صفحة من الأصل 19 سطرًا، وفي التتمة 23 سطرًا.
والنسخة مكتوبة بخط النسخ، وخط التكملة أحسن من خط الأصل. وقد اضطرب ترتيب الأوراق 2 – 8 منها. وعليها تصحيحات وبيانات وإشارات إلى نسخ أخرى ولكنها قليلة جدًا. والجدير بالذكر أن الإشارات الموجودة في التكملة تدلّ على أنها قوبلت بنسخة مشابهة لنسخة الظاهرية الأولى المنقولة من نسخة ابن رجب. وقد سبق أن مستقرها أيضًا كانت في المدرسة العمرية.
النسخة السادسة (س) (2):
من مخطوطات مكتبة برلين، وتوجد لها مصورة في المكتبة المركزية
__________
(1) السحب الوابلة 1/ 66.
(2) هذه النسخة والنسخة التالية لم أطلع عليهما، واعتمدت في وصفهما على ما كتبه الباحثون (ص).

(المقدمة/217)


بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض برقم 7101/ ف. وهي في 137 ورقة، وعدد الأسطر في كل صفحة 23 سطرًا.
ناسخها: عبد القادر بن شمس الدين محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي. وقد فرغ من نسخها يوم الخميس لستّ خلت من ربيع الأول سنة 1207 هـ (1).
والنسخة في حالة جيدة، وخطها نسخي مقروء، وعليها تصحيحات، وبآخرها أشعار فيها تضرع ودعاء (2).
__________
(1) أبوه مسند الشام الحافظ الكبير شمس الدين السفاريني (1114 – 1189 هـ). وقد ذكره صاحب السحب الوابلة في ترجمة الشيخ موسى الكفيري النابلسي فقال: “وتزوج ابنته (؟) الشيخ عبد القادر السفاريني ابن العلامة المشهور” هكذا نقل محقق السحب الوابلة النصّ في حاشيته في ص 840 وعلّق عليه: “والصحيح أنه حفيده”.
وهذا خطأ، فالحفيد عبد القادر بن مصطفى بن محمد، وقد ترجم له صاحب السحب الوابلة في ص 585 وذكر أنه ولد بعد 1200 هـ ومات سنة 1257 هـ. أما عبد القادر الابن الذي فرغ من كتابة هذه النسخة من النونية سنة 1207 هـ كما في خاتمتها، فلا يمكن أن يكون ذلك الحفيد الذي ولد بعد 1200 هـ. ومن الغريب أن المحقق أثبت النص في موضعه الأصلي في ص 1143 هكذا: “وتزوج ابنة (؟) الشيخ عبد القادر السفاريني حفيد العلاّمة المشهور” فغيّر في النص ظنًّا، ثمَّ لم يشر إلى ما جاء في الأصل. ولولا حاشيته السابقة لما عرفنا نصّ السحب الوابلة على حقيقته (ص).
(2) وهي كثيرة السقط والأخطاء، كما تبيَّن لي من فروق النسخ التي دوّنها =

(المقدمة/218)


النسخة السابعة (ح):
صورة منها في المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم 6580/ ن وهي بخط الشيخ سليمان بن سحمان (1266 – 1349 هـ) رحمه الله. وتم نسخها يوم الخميس لست خلت من المحرم. وهي في 153 ورقة، وعدد الأسطر في كل صفحة 20 سطرًا. وهي أيضًا في حالة جيدة، وخطها مقروء. وعليها بعض التصحيحات.
ثانيًا: النسخ المطبوعة:
طبعات النونية التي تيسر لنا الاطلاع عليها نذكرها فيما يلي:
(1) طبعة المتقدم (طت):
هذه الطبعة صدرت في القاهرة سنة 1344 – 1345 هـ، وكان طبعها بمطبعة التقدم العلمية لصاحبها ومديرها السيد محمد عبد الواحد بك الطوبي بجوار الأزهر الشريف. وتولّى تصحيحها الشيخ عبد الرحيم بن يوسف الأزهري الحنفي، كما في خاتمة الطبع. ولم يشر المصحح إلى النسخة التي اعتمد عليها. وهي في 256 صفحة.
(2) النونية مع شرح ابن عيسى (طع):
صدرت النونية مع شرح الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى (ت 1329 هـ) رحمه الله عن المكتب الإِسلامي في بيروت سنة 1382 هـ، وبين أيدينا الطبعة الثالثة منها التي صدرت سنة 1406 هـ. وقد ذكر
__________
= الباحثون في تعليقاتهم وقد حذفت أكثرها في المراجعة (ص).

(المقدمة/219)


الأستاذ زهير الشاويش في مقدمة الناشر أنه “قد كان في النظم بعض الأخطاء استدركناها من نسخة خطية ثانية قدّمها لنا أستاذنا الشيخ محمد بن مانع جزاه الله خيرًا” (1).
وهذا أمر محمود، ولكن في خاتمة الكتاب ذكر آخر نسخة الأصل المخطوطة التي طبع عنها الشرح وجاء في هامشها: “إلى هنا بلغ التصحيح حسب الطاقة والإمكان على نسخة عليها خط المؤلف، والتصحيح المذكور في حلقة التدريس، على يد شيخنا الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، نسأ الله في أجله، وختم له بصالح عمله، غير أنا لم نتعرض لما فيه من التحريف من جهة الإعراب، وتكسر الأوزان، بل أبقيناه على ما في الأصل”
يهمنا من هذا الهامش آخره، وهو النصّ على عدم التعرض لما فيه من التحريف من جهة الإعراب وتكسّر النظم، وإبقائه على ما في الأصل. أما التحريف من جهة الإعراب فقد يشترك فيه المتن والشرح، ولكن تكسر النظم خاص بالمتن. وإن ما ذكر في الهامش لهو منهج العلماء الأثبات، ومقتضى أداء الأمانة على وجهها، ولكن الناشر -سامحه الله- علّق على ذلك بقوله:
هذا، وقد قمنا بتصحيح ذلك حسب الطاقة والجهد. وعذر الشيخ العنقري رحمه الله واضح، حيث إن النسخة الخطية لا تقع غالبًا -إلا بيد عالم عارف بما فيها من خطأ. وعذرنا أن النسخة المطبوعة تقع في
__________
(1) شرح ابن عيسى 1/ 5.

(المقدمة/220)


كل يدٍ، فلابد من التصحيح. وقد قمنا بإجراء التصحيحات الكثيرة في طبعته الأولى 1382 وفي طبعته الثانية 1383، وفي هذه الطبعة الثالثة مطلع سنة 1406 … ” (1).
إجراء التصحيحات -مهما كانت كثيرة- يمكن قبوله إذا نبّه على ما في الأصل، لكن المواضع التي نبه الناشر فيها على الخطأ الوارد في النسخة وعلى إصلاحه مواضع قليلة (2). ومن ثم يصعب الاعتماد على متن النونية المصاحب لهذا الشرح. هذا وقد كانت بين يدي الشارح الشيخ ابن عيسى عدة نسخ من النونية كما ذكر في شرحه.
(3) النونية مع شرح محمد خليل هراس (طه):
من مطبوعات دار الكتب العلمية في بيروت. لم يشر الشارح في مقدمته إلى النسخة الخطية أو المطبوعة التي اعتمد عليها في إثبات متن النونية. وقد اتضح في أثناء المقابلة أنه يعتمد على طبعة التقدم، ولكنه يتصرف أيضًا في المتن لإصلاح ما يراه خطأ. وستأتي الأمثلة في التعليقات.
(4) طبعة دار ابن خزيمة:
صدرت هذه الطبعة بعناية الأستاذ عبد الله بن محمد العمير عن دار ابن خزيمة بالرياض سنة 1416 هـ. وقد اعتمد على المتن الذي نشر
__________
(1) شرح ابن عيسى 2/ 621.
(2) المرجع السابق 1/ 232، 313، 324، 334، 343، 380، 394، 398، 2/ 60.

(المقدمة/221)


مع شرح ابن عيسى طبعة المكتب الإِسلامي، مع مقابلته على نسختي ب، ف. وميزتها أنها أول طبعة للنونية ضبطت ضبطًا كاملًا. والنسخة التي بين يدي من هذه الطبعة هي نسخة فضيلة الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله. وقد علّق عليها في مواضع، ثم نقل في حواشيها تصحيحات سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله من نسخته من الطبعة الهندية. وقد قرأ هذه النسخة الأستاذ سعد بن شعيلان، وله تصحيحات كثيرة عليها.
وقد ذكرنا هذه الطبعة هنا لأجل التعليقات المدونة على هوامشها، فقد نقلنا بعضها في نشرتنا هذه.

2 – منهج التحقيق والتعليق:
قد اتبعنا في تحقيق النص وضبطه المنهج الآتي:
1 – اعتمدنا في إثبات النص على نسخة الظاهرية الأولى المنقولة عن نسخة ابن رجب المقروءة على الناظم (1)، ثم على نسخة المكتبة السعودية المنحدرة عن نسخة الناظم التي حررها أخيرًا. وأشرنا إلى
__________
(1) لم تكن نسخة الأصل هذه بين أيدي الباحثين عندما حققوا الكتاب في رسائلهم العلمية. فاعتمدوا على نسخة (ب)، وقابلوا النص بالنسخ الأخرى مع شرحي ابن عيسى وهراس. ولمّا راجعت النص قابلته مرة أخرى بالنسخ (ف، ب، د، ظ) أما نسختا السفاريني وابن سحمان فلم أرجع إليهما. واكتفيت بذكر الفروق المهمة مما قيّده الباحثون في تعليقاتهم (ص).

(المقدمة/222)


الأولى بالأصل، والثانية بالرمز (ف). وسميناهما أحيانًا “الأصلين”. والكلمات أو الأبيات التي وردت في غير الأصل وضعناها بين حاصرتين [].
2 – ضبطنا الأبيات بالشكل، وإذا رأينا الكلمة مضبوطة في الأصلين المذكورين اتبعناهما إلّا أن يكون ضبطهما خطأ.
3 – في ذكر فروق النسخ، كان اهتمامنا بالأصلين، ثم بالنسخ (ب، د، ظ) والمطبوعات الثلاث (طت، طع، طه. وعند اتفاقها أشير إليها بحرف ط فقط) ولم نذكر إلا الفروق المهمة. أما الأخطاء والتصحيفات الظاهرة والكلمات الساقطة في غير الأصلين فلم نشر إلى كثير منها لإثقالها الحواشي دون فائدة. أما المطبوعات ولا سيما الشرحان (طع، طه) فأشرنا إلى أخطائهما المهمة لتداولهما بين طلبة العلم.
4 – بالإضافة إلى ما سبق رقمّنا الأبيات، ترقيمًا متسلسلًا.
5 – الأبيات التي ضمنها الناظم في شعره وضعناها بين الأقواس ().
بعد توثيق النص على هذا النهج خدمنا النص بشرحه والتعليق عليه وفهرسته من الجوانب الآتية:
1 – نقل نصوص الآيات التي يشير إليها الناظم وعزوها إلى سورها، وذكر شيء من تفسيرها عند الحاجة.
2 – نقل نصوص الأحاديث التي يشير إليها الناظم، وتخريجها،

(المقدمة/223)


وبيان درجتها صحة وضعفًا، وذكر شواهدها إن كانت ضعيفة، مع نقل حكم العلماء عليها إن وجد.
3 – نقل نصوص الآثار التي يشير إليها الناظم، وتخريجها والحكم عليها إن وجد، ونقل كلام العلماء في ذلك.
4 – تحرير نسبة الأقوال والآراء التي يشير إليها الناظم، ونسبتها إلى قائليها، مع نقل نصوصهم وعزوها إلى كتبهم ما أمكن ذلك.
5 – التعليق على المسائل والمواضع التي رأينا أنها تحتاج إلى بيان وتوضيح، ونقل نصوص كلام العلماء عليها.
6 – نقل آراء أصحاب المذاهب وتوثيقها من كتبهم الأصلية المعتمدة عندهم ما أمكن ذلك مع الردّ عليها. وإذا لم يتيسر الوقوف على كتبهم ننقل عمن نقل عنهم ونشير إلى ذلك.
7 – ترجمة الأعلام الواردة في النظم.
8 – التعريف بالكتب الواردة فيه.
9 – التعريف بالأماكن والبلدان الواردة فيه.
10 – التعريف بالفرق المذكورة فيه.
11 – شرح المصطلحات العلمية والألفاظ الغريبة.
12 – وضع فهارس عامة شاملة للكتاب.

(المقدمة/224)


هذا وقد بقيت مواضع في متن النونية أشكلت علينا لتحريف في بعض ألفاظها، فلم نتمكن من تحريرها أو تفسيرها، ولعل بعض القراء يوفق إلى حلّ إشكالها ويهدينا مشكورًا إلى صوابها.
وفي الختام فإننا نحمد الله تعالى ونشكره على ما يسّر وأعان من إتمام تحقيق هذا الكتاب الجليل النافع. ونسأله سبحانه أن يجعل النية فيه خالصة لوجهه الكريم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

(المقدمة/225)


الرموز المستعملة في الحواشي
الأصل: نسخة الظاهرية المنقولة من نسخة ابن رجب.
ف: نسخة المكتبة السعودية بدار الإفتاء بالرياض.
الأصلان: النسختان المذكورتان.
ب: نسخة برلين.
د: نسخة دار الكتب.
ظ: نسخة الظاهرية من الكواكب الدراري.
س: نسخة ابن السفاريني.
ح: نسخة ابن سحمان.
طت: طبعة التقدم من النونية.
طع: النونية مع شرح ابن عيسى.
طه: النونية مع شرح هراس.
ط: المطبوعات الثلاث المذكورة.
ص: الإصلاحي (مُراجع الكتاب).

(المقدمة/227)


نماذج مصوّرة من الأصول الخطّية المعتمدة

(المقدمة/229)


صفحة العنوان من (الأصل)

(المقدمة/231)


الورقة الأولى من (الأصل) وفيها أول الكتاب

(المقدمة/232)


الصفحة الأخيرة من (الأصل)

(المقدمة/233)


صفحة العنوان من النسخة (ف)

(المقدمة/234)


أول الكتاب في النسخة (ف) بخط متأخر

(المقدمة/235)


الورقة الثالثة من النسخة (ف) بخط ناسخها

(المقدمة/236)


الصفحة التي قبل الصفحة الأخيرة من النسخة (ف)

(المقدمة/237)


الصفحة الأخيرة من النسخة (ف)

(المقدمة/238)


أول الكتاب في النسخة (ب)

(المقدمة/239)


الصفحة الأخيرة من النسخة (ب)

(المقدمة/240)


الورقة الأولى من النسخة (د)

(المقدمة/241)


الورقة الأخيرة من النسخة (د)

(المقدمة/242)


الورقة الأولى من النسخة (ظ)

(المقدمة/243)


الصفحة الأخيرة من النسخة (ظ)

(المقدمة/244)


خاتمة الكتاب في النسخة (س)

(المقدمة/245)


أول الكتاب في النسخة (ح)

(المقدمة/246)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي شهدتْ له بالربوبيةِ (1) جميعُ مخلوقاته. وأقرَّتْ له بالعبوديةِ جميعُ مصنوعاتِه. وأدّت له الشهادةَ جميعُ الكائنات أنّه الله الذي لا إله إلّا هو بما أودعها مِن لطيفِ صُنْعِه وبديع آياته. وسبحان الله وبحمده عددَ خلقِه، ورضا نفسِه، وزِنةَ عرشِه (2)، ومِدادَ كلماتِه (3) (4). ولا إله إلَّا الله، الأحد
__________
(1) في د (بخط غير خط الأصل)، طع: “بربوبيته”. وفي ف (بخط حديث غير خط الأصل) وغيرها: “شهدت بربوبيته”.
(2) “زنة عرشه” أي أسبحه وأحمده بثقل عرشه أو بمقدار عرشه. عون المعبود شرح سنن أبي داود 4/ 369.
(3) مداد كلماته: المداد مصدر مثل المدد وهو الزيادة والكثرة أي بمقدار ما يساويها في الكثرة، وكلماته تعالى لا تعد ولا تحصر وهي كلامه وهو صفته، فإن المراد مبالغة في الكثرة لأنه ذكر أولًا ما يحصره العدد الكثير من عدد الخلق ثم ارتقى إلى ما هو أعظم منه أي ما لا يحصيه عد كما لا تحصى كلمات الله. عون المعبود 4/ 369 – 370، صحيح مسلم بشرح النوويّ ج 17/ 44 – كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار – باب التسبيح أول النهار وعند النوم -.
(4) هذا اقتباس من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن جويرية أم المؤمنين -رضي الله عنها – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعدما أضحى وهي جالسة فقال: مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه =

(1/3)


الصمد (1)، الذي لا شريك له في ربوبيته، ولا شبيه له في أفعالِه ولا في صفاتِه، ولا في ذاته. والله أكبر، عددَ ما أحاط به علمُه، وجرى به قلمُه، ونفذ فيه حكمُه من جميع بريّاته (2). ولا حول ولا قوة إلا بالله، تفويضَ (3) عبدٍ لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا، ولا حياةً، ولا نشورًا، بل هو بالله (4) وإلى الله (5) في مبادئِ أمره ونهاياتِه. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له (6)، ولا صاحبة له (7)، ولا ولد له، ولا
__________
= ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته”. رواه مسلم (17/ 44) نووي – كتاب الذكر والدعاء – باب التسبيح أول النهار وعند النوم.
(1) الصمد: اسم من أسماء الله تعالى، قال ابن القيم رحمه الله: “الصمد من تصمد نحوه القلوب بالرغبة والرهبة وذلك لكثرة خصال الخير فيه لهذا قال جمهور السلف منهم ابن عباس: الصمد الذي كمل سؤدده وهو العالم الذي كمل علمه، القادر الذي كملت قدرته، الحليم الذي كمل حلمه، الرحيم الذي كملت رحمته، الجواد الذي كمل جوده”. مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن قيم الجوزية ج 1/ 158، وانظر تفسير الطبري مجلد 15/ ج 30/ 342، مجاز القرآن لأبي عبيدة 2/ 316، اشتقاق الأسماء للزجاج ص 252.
(2) برياته: مخلوقاته، جمع البريّة يقال: برأ الله الخلق أي خلقهم. اللسان 1/ 31.
(3) تفويض: من فوّض أمره إليه إذا ردّه إليه وجعله الحاكم فيه. اللسان 7/ 210.
(4) بالله: أي معتصم به لاجئ إليه متقوٍّ بنصره.
(5) إلى الله: عائد إليه، واقف في منتهاه بين يديه.
(6) “له”: سقطت من ب.
(7) “له”: سقطت من ب.

(1/4)


كفؤ له، الذي هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه أحدٌ مِن جميع بريّاتِه.
وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأمينُه على وحيه، وخِيرتُه من بريّته، وسفيرُه بينه وبين عباده، وحجّتُه على خلقِه. أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة (1) بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا (2). أرسله على حينِ فَترةٍ (3) من الرّسُل، وطُموسٍ (4) من السّبُل، ودُروسٍ (5) من الكتب. والكفرُ قد اضْطَرَمت (6) نارُه، وتطايرَ في الآفاق شرارُه. وقد استوجبَ أهلُ الأرضِ أن يَحِلَّ بهم العقابُ، وقد نظر الجبّارُ تبارك وتعالى إليهم فمَقَتَهم عربَهم وعجمَهم إلّا بقايا من أهل الكتاب (7). وقد استند كلُّ قوم إلى ظُلَم آرائِهم، وحكموا على
__________
(1) مبعثه – صلى الله عليه وسلم – من علامات قرب الساعة كما جاء في حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال عليه الصلاة والسلام: “بُعثت أنا والساعة كهاتين، ويشير بأصبعيه فيمدهما”.
رواه البخاري 11/ 347 – فتح.
(2) يشير إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45 – 46].
(3) الفترة: ما بين كل رسولين من رسل الله عز وجل من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، اللسان 5/ 44.
(4) الطموس: مصدر طمسَ الطريقُ يطمُس: درَس وامّحَى أثره. اللسان 6/ 126.
(5) الدروس: مصدر درس الشيءُ يدرُس، أي عفا وامحى. اللسان 6/ 79.
(6) اضطرمت: اشتعلت والتهبت. اللسان 12/ 354.
(7) هذا اقتباس من حديث عياض بن حمار -رضي الله عنه- قال: قال – صلى الله عليه وسلم -: =

(1/5)


اللهِ سبحانه بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم. وليلُ الكفرِ مُدْلَهِمٌّ (1) ظلامُه، شديدٌ قتامُه (2). وسبيلُ (3) الحقِّ عافيةٌ آثارُه، مطموسةٌ أعلامُه (4). ففلَقَ اللهُ سبحانه بمحمّد – صلى الله عليه وسلم – صبحَ الإيمان، فأضاء حتى ملأ الآفاقَ نورًا، وأطلع به شمسَ الرسالة في حَنادِسِ (5) الظُّلَمِ سراجًا منيرًا، فهدَى (6) به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وبصَّرَ به من العمَى، وأرشدَ به من الغيّ، وكثَّرَ به بعد القلّة، وأعزَّ به بعد الذلّة، وأغنَى به بعد العَيْلة (7)، واستنقذ به من الهَلَكة، وفتح به أعيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفا (8).
__________
= ” … وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب”. رواه مسلم 17/ 203، نووي، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
(1) المدلهم: الأسود، ادلهم الليل والظلام: كثف سواده، وليلة مدلهمة: مظلمة، وأسود مدلهم: مبالغ به، اللسان 12/ 206.
(2) القتام: هو الغبار. اللسان 12/ 461.
(3) ط: “سبل … آثارها … أعلامها”.
(4) أعلامه: جمع العلَم، وهو ما ينصب في الطريق ليهتدى به، القاموس ص 1472.
(5) الحِنْدِس: الظلمة وليل حندس: مظلم، وأسود حندس: شديد السواد، والحنادس: ثلاث ليال من الشهر لظلمتهن. اللسان 6/ 58.
(6) ط: “فهدى الله”.
(7) العَيلة والعالة: الفاقة، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة: 28] اللسان 11/ 488.
(8) غُلْفا أي مغلفة، يقال: قلب أغلَف بيّن الغُلفة، كأنه غشي بغلاف فهو لا=

(1/6)


فبلّغَ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصَحَ الأمّة (1) وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، وعَبَد اللهَ حتى أتاه اليقين من ربّه (2). وشرح الله له (3) صدرَه، ورفع له ذكرَه، ووضع عنه وِزرَه (4)، وجعل الذلّةَ والصَّغارَ على من خالف أمرَه (5).
وأقسم بحياته (6) في كتابه المبين. وقرَنَ اسمَه باسمِه، فإذا ذُكِر ذُكِر معه، كما في الخطب والتشهد والتأذين. فلا يصحّ لأحد خطبةٌ ولا تشهدٌ ولا أذانٌ ولا صلاةٌ (7)، حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين. فصلّى اللهُ وملائكتُه وأنبياؤه ورسلُه وجميعُ خلقِه عليه، كما
__________
= يعي شيئًا، ومنه قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوُبُنَا غُلْفُ} [البقرة/ 88] اللسان 9/ 271.
(1) في ح، ط زيادة: “وكشف الغمة”.
(2) فكان – صلى الله عليه وسلم – مطيعًا لأمر الله تعالى له {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 99] واليقين: الموت.
(3) في ب: وشرح له.
(4) كما قال تعالى ممتنًّا على رسوله – صلى الله عليه وسلم -: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 1 – 4].
(5) كما قال – صلى الله عليه وسلم -: “جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري”. رواه البخاري عن ابن عمر معلقًا 6/ 98 فتح، كتاب الجهاد باب 88 ما قيل في الرماح، والإمام أحمد 4/ 29.
(6) كما قال تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)} [الحجر: 72] وإقسام الله تعالى به تشريف له – صلى الله عليه وسلم – وتكريم.
(7) يعني أن الأمور المذكورة لا تصح إلا بالجمع بين الشهادتين، فلا تكفي شهادة التوحيد حتى يقرن بها شهادة الرسالة لمحمد – صلى الله عليه وسلم -.

(1/7)


عرّفنا بالله وهدانا إليه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبده بمعرفته، ويجمع قلبه على محبته، شرح صدره لقبول صفاته العلا، وتلقيها من مِشكاة الوحي (1). فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول، وتلقّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد. فاستنار به قلبه، واتسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة. وعَلِم (2) أنه تعريف من تعريفات الله تعالى، تعرَّفَ به إليه على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة من قلبه منزلةَ الغذاء أعظمَ ما كان إليه فاقة (3)، ومنزلةَ الشفاء أشدَّ ما كان إليه حاجة. فاشتدّ بها فرحُه، وعظم بها غناه (4)، وقويت بها معرفته، واطمأنّت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه. فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام (5) عينَ
__________
(1) المشكاة: كل كوة غير نافذة، ومنه قوله تعالى: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] والمشكاة أيضًا قصبة الزجاجة التي يستصبح فيها، وهي موضع الفتيلة. اللسان 14/ 441، القاموس 167. ومراد المؤلف بالمشكاة نور الوحي من الكتاب والسنة.
(2) ط: “فعلم”.
(3) الفاقة: الفقر والحاجة.
(4) في ح، ط: “غناؤه”.
(5) أسام: من سامت الماشية تسوم سومًا: رعت حيث شاءت، وأسامها إذا أخرجها إلى الرعي وخلّاها ترعى. اللسان 12/ 311، ومراد المصنف رحمه الله: أن هذا الناظر أرعى عين بصيرته في هذه الرياض والبساتين حتى استفاد منها واقتبس معرفة وعلمًا.

(1/8)


بصيرتِه بين (1) رياضها وبساتينها، لِتيقّنه بأنّ شرفَ العلم تابعٌ لِشرفِ معلومِه (2)، ولا معلومَ أعظمُ وأجلُّ (3) ممّن هذه صفتُه، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا؛ وأنَّ (4) شرَفه أيضًا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجةُ الأرواح قطُّ إلى شيء أعظمَ منها إلى معرفة بارئها (5) وفاطرها، ومحبته، وذكره، والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزلْفى (6) عنده. ولا سبيل إلى هذا إلّا بمعرفةَ أوصافه وأسمائه، فكلّما كان العبد بها أعلَم كان بالله أعرَف، وله أطلَب، وإليه أقرَب. وكلّما كان لها أنكَر كان بالله أجهَل، وإليه أكرَه، ومنه أبعَد. والله تعالى يُنْزِل العبد من نفسه حيث يُنزِله العبدُ من نفسه.
فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضًا، وعنها مُعرضًا (7) نافرًا ومنفِّرًا، فالله له أشدُّ بغضًا، وعنه أعظمُ إعراضًا، وله أكبرُ مقتًا، حتى تعود القلوب على (8) قلبين:
__________
(1) في ح، ط: “في رياضها”.
(2) في د، ظ (الحاشية) زيادة بعد (معلومه): “فكلما كان المعلوم أشرف كان العلم به أشرف”.
(3) ب: “أجلّ وأعظم”.
(4) في ب، د: “وكذلك”.
(5) في س: “ربها”.
(6) الزلفى: القربة والدرجة والمنزلة، قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ: 37].
(7) كلمة (معرضًا) في الأصل وحده، وفوقها: خ صح.
(8) ط: “إلى”.

(1/9)


قلبٌ (1) ذكرُ الأسماءِ والصفاتِ (2) قوتُه وحياتُه، ونعيمُه وقُرّةُ عينِه، لو فارقه ذكرُها (3) ومحبّتُها ساعةً (4) لاستغاث: يا مقلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك. فلسان حاله يقول:
يُرادُ مِن القلبِ نسيانُكم … وتأبَى الطباعُ على الناقل (5)
ويقول:
وإذا تقاضيتُ الفؤادَ تناسِيًا … ألفيتُ أحشائي بذاك شِحاحًا (6)
ويقول (7):
إذا مرِضنا تداوَينا بذكركم … فنتركُ الذكرَ أحيانًا فننتكِسُ (8)
__________
(1) كذا ضبط في الأصل بالضم، ويجوز بالكسر (ص).
(2) ب، د، ظ: “الصفات والأسماء”.
(3) طع: “ذكرها طرفة عين”.
(4) في ب، د، ظ: “ذكرها ومحبتها لاستغاث”. وفي طت: “ومحبتها لحظًا”.
وفي ح، ف، طه: “لحظة”. وفي طع: “لحظات”.
(5) البيت لأبي الطيب المتنبي ومعناه أن قلبي مطبوع على حبكم فلا يستطيع الاستجابة للعاذل. انظر ديوان المتنبي 2/ 17.
(6) البيت لابن الفارض، وصدره في ديوانه (ص 125): وإذا دُعيتُ إلى تناسي عهدكم (ص). ومعناه أنّي إذا طلبت من القلب أن ينساك أيها الحبيب أبى ذلك علي أشد الإباء، بل إن حبك قد خالط أحشائي فهي لا تستطيع أن تفارقه.
(7) في الأصل: “ويقول الآخر”.
(8) البيت لم أقف على قائله، ومعناه أن القلب يمرض ويغطيه الران وتحيط به القسوة فنذكركم فيذهب ما به، فإذا غفلنا عن ذكركم به انتكس القلب ورجع إلى حاله =

(1/10)


ومن المحال أن يذكر القلب مَن هو محاربٌ لصفاته، نافرٌ من (1) سماعها، معرضٌ بكلّيته عنها، زاعمٌ أنّ السلامة في ذلك (2). كلّا والله، إنْ هو إلّا الجهالة والخِذْلان (3)، والإعراض عن العزيز الرحيم، فليس القلب الصحيح قطُّ إلى شيء أشوقَ منه إلى معرفة ربه (4) تعالى، وصفاته وأفعاله وأسمائه، ولا أفرحَ بشيء قطُّ كفرحه بذلك. وكفى بالعبد (5) خِذلانًا أن يُضرَبَ على قلبه سُرادِقُ (6) الإعراضِ عنها والنَّفرةِ والتنفيرِ (7)، والاشتغالِ بما لو كان حقًّا لم ينفع إلا بعد معرفة الله تعالى والإيمان به وبصفاته وأسمائه.
والقلب الثاني: قلبٌ مضروبٌ بسِياط الجهالة، فهو عن معرفة ربه ومحبّته مصدود، وطريقُ معرفةِ أسمائه وصفاته كما أُنزِلتْ عليه
__________
= الأول من المرض والقسوة، لذلك لا ينبغي أن نغفل عن ذكركم طرفة عين.
(1) في ح: “عن”.
(2) المراد أنه يستحيل أن يكون القلب ذاكرًا لله، وهو منكر لصفاته معرض عنها.
(3) يقال خذَله وخذَل عنه يخذُله خَذْلا وخِذلانًا: ترك نصرته وعونه، وخِذلان الله العبد أن لا يعصمه من الشبه فيقع فيها، نعوذ بالله من ذلك. اللسان 11/ 202.
(4) في د: “تبارك وتعالى”.
(5) في ط: “عمى وخذلانًا”.
(6) السرادق بضم السين وكسر الدال: كل ما أحاط بالشيء من حائط أو مضرب أو خباء، والجمع سرادقات. اللسان 10/ 157.
(7) النفرة: التفرق، ويقال نفر الظبي أي شرد، والتنفير عن الشيء: التشريد والتفريق عنه، اللسان 5/ 225. القاموس 624.

(1/11)


مسدود، قد (1) قَمَشَ شُبَهًا من الكلام الباطل، وارتوَى من ماءٍ آجن (2) غير طائل، تَعُجُّ منه آياتُ الصّفاتِ وأحاديثُها إلى الله عجيجًا (3)، وتضِجُّ منه إلى مُنْزِلها (4) ضجيجًا (5)، مما يسومها تحريفًا (6) وتعطيلًا (7)،
__________
(1) في طع: “وقد”. ومعنى القمش: جمع الشيء الردئ الوضيع من ههنا وههنا. اللسان 6/ 338.
(2) آجن: هو الماء المتغير الطعم واللون. اللسان 13/ 8.
(3) عجَّ يعُجّ عَجًّا وعَجيجًا: رفع صوته وصاح، وقيده في التهذيب فقال: بالدعاء والاستغاثة. اللسان 2/ 318.
(4) منزلها: بضم الميم وهو الله عز وجل.
(5) ضجَّ: يضِجُّ ضجيجًا إذا فزِع من شيء وغُلب وصاح مستغيثًا. اللسان 2/ 312.
(6) التحريف في اللغة من حرّف الشيء: أماله. وفي الاصطلاح العدول بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غيره. وهو نوعان: تحريف لفظه وتحريف معناه، والنوعان مأخوذان في الأصل عن اليهود فهم الراسخون فيهما وهم شيوخ المحرفين وسلفهم، فإنهم حرفوا كثيرًا من ألفاظ التوراة وما غلبوا عن تحريف لفظه حرّفوا معناه. ودرج على آثارهم الرافضة فهم أشبه بهم من القذة بالقذة، والجهمية فإنهم سلكوا في تحريف النصوص الواردة في الصفات مسالك إخوانهم من اليهود، ولما لم يتمكنوا من تحريف نصوص القرآن حرّفوا معانيه. الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 215 – 216.
(7) التعطيل: مأخوذ من العطل الذي هو الخلو والفراغ والترك، والمراد به هنا نفي الصفات الإلهية وإنكار قيامها بذاته تعالى. والفرق بين التحريف والتعطيل أنّ التعطيل نفي للمعنى الحق الذي دلّ عليه الكتاب والسنة، أما التحريف فهو تفسير النصوص بالمعاني الباطلة التي لا تدل عليها. والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق، فإنّ التعطيل أعمّ مطلقًا من التحريف =

(1/12)


ويُولي (1) معانيها تغييرًا وتبديلًا. قد أعدّ لدفعها أنواعًا من العُدَد، وهيّأ لردّها ضروبًا من القوانين، وإذا دُعي إلى تحكيمها أبى واستكبر، وقال: تلك أدلّة لفظية لا تفيد شيئًا من اليقين (2). قد اتّخذ (3) التأويلَ (4)
__________
= بمعنى أنه كلما وجد التحريف وجد التعطيل دون العكس، وبذلك يوجدان معًا فيمن أثبت المعنى الباطل ونفى المعنى الحق، ويوجد التعطيل بدون التحريف فيمن نفى الصفات الواردة في الكتاب والسنة وزعم أنّ ظاهرها غير مراد، ولكنه لم يعيّن لها معنى آخر وهو ما يسمونه بالتفويض. انظر درء تعارض العقل والنقل 5/ 4 وما بعدها، التنبيهات اللطيفة على العقيدة الواسطية للسعدي ص 17، شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس ص 20 – 21، الكواشف الجلية عن معاني الواسطية للسلمان ص 89 – 90.
(1) ط:: يؤول”.
(2) قوله: “تلك أدلة لفظية لا تفيد شيئًا من اليقين” قائل هذه العبارة هو المعطل نافي الصفات الذي لا يثبت من الصفات إلا ما ثبت عنده بالعقل ويعتبره ثبوتًا يقينيًّا. أما ما دلّ عليه النقل فلا يثبته ويعتبره ظنيًّا. وإن تعارض -فيما يظهر له- عقل ونقل قدّم العقل على النقل. انظر درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 1/ 4، أساس التقديس للرازي ص 220.
(3) في سائر النسخ وط: أعدّ، وقد أشار إلى ذلك في حاشية الأصل.
(4) التأويل في اللغة: أصله من الأول أي الرجوع، وأوّل إليه الشيءَ: رجعه.
أمّا في الاصطلاح فله ثلاثة معان:
الأول في كلام الله ورسوله: حقيقة الأمر الذي يؤول إليه اللفظ. الثاني في اصطلاح المفسرين: التفسير والبيان. الثالث في اصطلاح المتكلمين: صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره. انظر =

(1/13)


جُنّةً (1) يَتترَّسُ (2) بها من مواقع سهام السنّة والقرآن، وجعل إثباتَ صفاتِ ذي الجلال تجسيمًا (3) وتشبيهًا يَصُدُّ به القلوبَ عن طريق
__________
= اللسان 11/ 32، الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 177 – 178، التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 91، النونية بشرح ابن عيسى 2/ 3. ومراد الناظم هنا التأويل المذموم وهو الذي يتبعه المتكلمون لنفي صفات الله تعالى عنه، وسيأتي في كلام الناظم مزيد بيان عن معنى التأويل وخطره في فصل في جناية التأويل على ما جاء به الرسول والفرق بين المردود والمقبول.
(1) الجُنّة: ما واراك من السلاح واستترتَ به منه. اللسان 13/ 94.
(2) والتترّس: التستّر بالتُّرْس وهو ما يُتوفَّى به من السلاح. اللسان 6/ 32.
(3) التجسيم: هو القول بأن الله تعالى جسم من الأجسام، وهو والتشبيه شيء واحد على قول كثير من أهل العلم، والمشبهة هم الذين شبهوا الله تعالى بخلقه فقالوا: له يد كيد المخلوق ورجل كرجل المخلوق. تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. والمشبهة صنفان:
صنف منهم يشبه ذاته بغيره من الذوات، وصنف: يشبه صفاته بصفات غيره، وأول من أفرط في التشبيه من هذه الأمة هم السبئية من الروافض الذين قالوا بإلاهية علي رضي الله عنه، ومن رؤوس المشبهة هشام بن سالم الجواليقي، وداود الجواربي الذي كان يثبت لمعبوده جميع أعضاء الإنسان ويقول: أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وغيرهما، وعامتهم من رؤوس الروافض. وقد جاء ذم التشبيه والتحذير منه عن جمع من أهل العلم كالإمام نعيم بن حماد (ت 228 هـ) حيث قال: من شبّه الله بخلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله، تشبيه. وقال الإمام إسحاق بن راهويه (ت 238 هـ): إنما التشبيه إذا قال: يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع. وسئل الإمام أحمد (ت 241 هـ) من المشبهة؟ فقال: من قال: بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي، فقد =

(1/14)


العلم والإيمان. مزْجَى (1) البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتمِ الرسل والأنبياء، لكنه مليء بالشكوك والشُّبَه والجدال والمِراء. خلع عليه الكلامُ الباطلُ خِلعةَ (2) الجهلِ والتجهيل، فهو يتعثرّ في (3) أذيالِ التكفير لأهل الحديث والتبديع لهم والتضليل. قد طاف على أبواب الآراء والمذاهب، يتكفّفُ (4) أربابَها، فانثنى (5) بأخسِّ المواهِب (6) والمطالِب. عَدَلَ (7) عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية (8) المراد وغاية الإحسان، فابتلي بالوقوف على الأبواب السافلة المليئة (9) بالخيبة والحرمان. قد (10) لبس حُلّةً
__________
= شبّه الله بخلقه. انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 92، الفرق بين الفرق للبغدادي ص 237، التبصير في الدين للإسفرائيني ص 107، درء تعارض العقل والنقل 2/ 32، العلو للذهبي ص 126.
(1) المزجى: القليل، وبضاعة مزجاة: قليلة أو لم يتم صلاحها. ومنه قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف: 88]، القاموس 1666.
(2) الخلعة من الثياب: ما خلعتَه فطرحتَه على آخر أو لم تطرحه، اللسان 8/ 76.
(3) في ط: “بأذيال”.
(4) يتكفف: يمدّ كفّه يسأل الناس. اللسان 9/ 303.
(5) انثنى: رجع. القاموس 1636.
(6) المواهب: جمع الموهَبة، وهي العطية. القاموس 183.
(7) عدَل عنه يعدِل عُدولًا: حاد. القاموس 1332.
(8) في ب “لنهاية”.
(9) طت، طه: “الملآنة”.
(10) ط: “وقد”.

(1/15)


منسوجةً من الجهل والتقليد والشبه والعناد، فإذا بُذِلت له النصيحةُ، ودُعِيَ إلى الحقّ، أخذته العزّة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد (1).
فما أعظم المصيبةَ بهذا وأمثاله على الإيمان! وما أشدَّ الجنايةَ به على السنّة والقرآن! وما أحبَّ جهادَه بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن! وما أثقلَ أجرَ ذلك الجهاد في الميزان!
والجهاد، بالحجّة والبيان مقدّم (2) على الجهاد بالسيف والسنان. ولهذا أمر به تعالى في السور المكية حيث لا جهاد باليد إنذارًا وتعذيرًا (3). فقال تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان: 52]. وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة (4) عليهم مع كونهم بينَ أظهُرِ المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} [التوبة: 73]. فالجهادُ بالعلم والحجّة جهادُ
__________
(1) اقتباس من قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا .. إلي قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} [البقرة: 204 – 206].
(2) د: “يتقدم”.
(3) كذا بالعين في جميع النسخ. فهل استعمل المؤلف التعذير بمعنى الإعذار، وهما ضدّان، فالإعذار: المبالغة في الأمر، والتعذير: التقصير فيه. ويرى الشيخ سعود العريفي أنّ الصواب: “تحذيرًا” بالحاء، وهو أشبه (ص).
(4) ب: الغلظ.

(1/16)


أنبياءِ (1) الله ورسله وخاصّته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغزُ، ولم يحدِّثْ نفسَه بغزو (2) مات على شعبة من النفاق.
وكفى بالعبد عَمًى وخِذلانًا أن يرى عساكرَ الإيمان، وجنودَ السنّة والقرآن، قد (3) لبِسُوا للحرب لأمتَه، (4) وأعدُّوا (5) له عُدّتَه، وأخذوا مصافَّهم، ووقفوَا مواقفَهم، وقد حمِي الوطيسُ، (6) ودارت رحى الحرب، واشتدّ القتال، وتنادت (7) الأقرانُ نَزَالِ نَزَالِ (8)، وهو في
__________
(1) ط: “أنبيائه ورسله”.
(2) ط: “بالغزو”. ويشير ابن القيم رحمه الله هنا إلى ما جاء عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بغزو، مات على شعبة من نفاق”. رواه مسلم 6/ 49 كتاب الجهاد – باب من لم يغز ولم يحدث به نفسه.
(3) ط: “وقد”.
(4) اللامة: الدرع وقيل: السلاح، ولأمة الحرب: أداتها. اللسان 12/ 532.
(5) د: “واتخذوا”.
(6) الوطيس: من وطَس الشيء وَطْسًا: كسره ودقّه، والوطيس: المعركة لأن الخيل تطِسها بحوافرها، وقولهم حمي الوطيس: أي حمي الضراب وجدّت الحرب واشتدّت. اللسان 6/ 255.
(7) ب: نادت.
(8) ح، ط د: “النزال .. النزال”. ونَزالِ مثل قَطامِ وحَذارِ بمعنى انزِلْ، وهي من المنازلة لا من النزول إلى الأرض، والمنازلة في الحرب أن ينزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فيتضاربوا. اللسان 11/ 657، القاموس 1372.

(1/17)


المَلْجأ والمغارات (1) والمُدَّخَل (2) مع الخوالف (3) كمين (4). وإذا ساعد القدرُ (5) وعزم على الخروج قعد فوق (6) التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون إليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يقسم بالله جَهدَ أيمانه: إنّي كنتُ معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين (7).
__________
(1) المَغارات: جمع مَغارة وهي الكهف في الجبل وهي الغار. اللسان 5/ 35.
(2) المُدَّخَل: شبه الغار يُدخَل فيه، وهو مفتعَل من الدخول، ومنه قوله تعالى: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا} [التوبة: 57]. اللسان 11/ 240.
(3) الخوالف: النساء المتخلفات في البيوت. وقوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 87] قيل: مع النساء، وقيل: مع الفاسد من الناس. اللسان 9/ 91.
(4) كمين: فعيل من كمَن يكمُن كُمونًا: استخفى واستتر. وكمين بمعنى كامن: وهو المختفي. اللسان 13/ 359.
(5) يعني إذا قدر الله تعالى له ذلك ويسره له ووفقه إليه.
(6) طع: “على”.
(7) يشير -رحمه الله- إلى حال المنافقين في المعارك، وهي الحال التي ذكرها الله تعالى بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)} [النساء: 71 – 73] وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} [النساء: 141].

(1/18)


فحقيق بمن لنفسه عنده قَدْر وقيمة أن لا يبيعَها بأَخسِّ (1) الأثمان، وأن لا يعرضها غدًا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبِّت قدمَه (2) في صفوف أهل العلم والإيمان، وأن لا يتحيّزَ إلى مقالةٍ سوى ما جاء في السنّة والقرآن.
فكأنْ قد كُشِف (3) الغِطَاء، وانجلى الغبار، وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة (4)، وعن وجوه أهل البدعة عليها غَبَرة، ترهقها قَتَرة، يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه (5). قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيضُّ وجوهُ أهل السنة والجماعة، (6) وتسودُّ وجوهُ أهل البدعة والفرقة (7) (8).
__________
(1) في ط: “بأبخس”، وفي ح: “بأخسر”.
(2) في ط: “قدميه”.
(3) في ح “انكشف”.
(4) يشير إلى قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)} [عبس: 38 – 41].
(5) يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)} [آل عمران: 106].
(6) “والجماعة” سقطت من ط.
(7) في طت، طع: “والفرقة الضالة”، وفي طه: “والفرقة والضلالة”.
(8) أثر ابن عباس رضي الله عنه رواه ابن أبي حاتم بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة، وذكر محقق تفسير ابن أبي حاتم أن إسناده ضعيف جدًا لأن فيه مجاشع بن عمرو – متروك ورماه بعضهم بالكذب. تفسير ابن أبي حاتم ج 2/ =

(1/19)


فوالله لَمُفَارَقةُ أهلِ الأهواءِ والبدع (1) في هذه الدار أسهلُ مِن مرافقتهم إذا قيل (2): {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعده الإمام أحمد (3) رحمه الله تعالى: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم (4). وقد قال تعالى:
__________
= ص 464/ ح 1139 – 1140.
(1) في د: “البدع والأهواء”.
(2) “قيل” سقطت من ب.
(3) هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني أبو عبد الله. ولد سنة 164 هـ ببغداد، وطلب العلم وهو صغير، ورحل إلى سائر الأقطار، وأخذ عن علمائها حتى اشتهر بالحفظ والإتقان. وبلغت شهرته الآفاق خاصة بعدما وقف أمام بدعة القول بخلق القرآن. والإمام أحمد هو إمام المذهب الحنبلي في الفقه، وله مؤلفات أشهرها المسند في الحديث، توفي رحمه الله سنة 241 هـ. البداية والنهاية لابن كثير 10/ 325 – 343.
(4) الأثر رواه الحاكم رحمه الله بسنده عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت عمر يقول: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قال: أمثالهم الذين هم مثلهم، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. ورواه أحمد بن منيع -بسنده- في مسنده -كما في المطالب العالية لابن حجر- عن النعمان بن بشير أنه سمع عمر يقول في قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قال: أشباههم، قال ابن حجر: إسناده صحيح. ورواه عبد الرزاق في تفسيره بسنده إلى النعمان بن بشير قال: أمثالهم الذين مثلهم. انظر مستدرك الحاكم ج 2/ ص 467/ ح 3609 – تفسير سورة الصافات، المطالب العالية لابن حجر 2 ق 45 أكتاب التفسير- تفسير سورة الصافات، تفسير عبد الرزاق الصنعاني ج 2/ ص 148 تفسير سورة الصافات، أضواء البيان للشنقيطي 6816، تفسير ابن كثير 4/ 4، تفسير القرطبي 15/ 73، تفسير =

(1/20)


{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)} [التكوير: 7]، فجُعِل (1) صاحبُ الحق مع نظيره في درجته، وصاحبُ الباطل مع نظيره في درجته. هنالك والله يعضُّ الظالم على يديه، إذا حصلت له حقيقة ما كان في هذه الدار عليه {يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} [الفرقان: 27 – 29].
__________
= الطبري مجلد 12/ ج 23/ 47. ولم أقف على الأثر من قول الإمام أحمد إلا أن الناظم ساقه في طريق الهجرتين ص 396 ونسبه إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والإمام أحمد رحمه الله، كما هنا.
(1) في ط: “قالوا فيجعل”.

(1/21)


فصل
وكان مِن قدر الله وقضائه أن جمع مجلسُ المذاكرة بين مُثبتٍ (1) للصفات والعلو ومعطّلٍ (2) لذلك، فاستطعم المعطّلُ المثبتَ الحديثَ (3) استطعامَ غيرِ جائعٍ إليه، ولكن غرضه عرض بضاعته عليه، فقال له: ما تقول في القرآن ومسألة الاستواء؟ فقال المثبت: نقول فيهما (4) ما قال (5) ربنا تبارك وتعالى وما قاله نبينا محمد (6) – صلى الله عليه وسلم -. نصف الله تعالى بما وصف به نفسَه وبما (7) وصفه به رسولُه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه (8) ولا تمثيل (9). بل نثبت له
__________
(1) ذكر الناظم رحمه الله في هذا الفصل صورة لمناظرة وقعت بين مثبت للصفات ومعطل لها. وقد بنى منظومته على هذه المناظرة وعرض أقوالهما ومحاكمتهما في النظم. وقد اجتهدت في البحث عنها، ولعلها وقعت لشيخ الإسلام ابن تيمية أو لابن القيم نفسه رحمهما الله. فوقفت على مناظرات عدة ولكن صورها تختلف عن هذه المناظرة. والله أعلم.
(2) في ط: “وبين معطل”.
(3) “الحديث” سقطت من د، س.
(4) كذا في ب. وفي سائر النسخ وط: “فيها”.
(5) في ف، ح، ط: “قاله”.
(6) كلمة “محمد” لم ترد إلّا في الأصل وب.
(7) “بما” سقطت من ب.
(8) التشبيه: إقامة شيء مقام شيء لصفات جامعة بينهما ذاتية أو معنوية، فالذاتية نحو: هذا الدرهم كهذا الدرهم، وهذا السواد كهذا السواد. والمعنوية نحو: زيد كالأسد أو كالحمار، أي في شدته وبلادته. انظر التوقيف على مهمات التعريف ص 176، التعريفات للجرجاني ص 81.
(9) التمثيل: إثبات حكم واحد في جزئي لثبوته في جزئي آخر لمعنى مشترك =

(1/22)


سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه النقائص (1) ومشابهة المخلوقات، إثباتًا بلا تمثيل (2) وتنزيهًا (3) بلا
__________
= بينهما. والفقهاء يسمونه قياسًا، والجزء الأول: فرعًا، والثاني: أصلًا، والمشترك؛ علة وجامعًا. انظر: التعريفات ص 91، التوقيف ص 204، كشاف اصطلاحات الفنون 6/ 1344 – 1345. والصحيح أن التشبيه غير التمثيل، لأن التشبيه في اللغة قد يقال بدون تماثل في شيء من الحقيقة، كما يقال للصورة المرسومة في الحائط إنها تشبه الحيوان، وإن كانت الحقيقتان مختلفتين. ولهذا كان أئمة السنة يمنعون أن يقال عن الله: “لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه” لأن مقتضى هذا أن يكون معدومًا. انظر: بيان تلبيس الجهمية 1/ 476 – 477، والتدمرية (ضمن مجموع الفتاوى 3/ 73 – 71).
(1) في حاشية ب زيدت بعد “النقائص”: “والعيوب”.
(2) لم يكتف المصنف رحمه الله بأن قال “إثباتًا بلا تمثيل” بل قدم على ذلك أنه ينفي النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقين، وذلك لأن الإثبات بلا تشبيه أو تمثيل لا يكفي في نفي النقائص عن الله تعالى وأنه قد يثبت نقصًا دون تشبيه ولا تمثيل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: معلوم أن المثبت لا يكفي في إثباته مجرد نفي التشبيه إذ لو كفى في إثباته مجرد نفي التشبيه لجاز أن يوصف سبحانه من الأعضاء والأفعال بما لا يكاد يحصى مما هو ممتنع عليه مع نفي التشبيه، وأن يوصف بالنقائص التي لا تجوز عليه مع نفي التشبيه كما لو وصفه مفترٍ عليه بالبكاء والحزن والجوع والعطش مع نفي التشبيه، وكما لو قال المفتري: يأكل لا كأكل العباد ويشرب لا كشربهم ويبكي ويحزن لا كبكائهم وحزنهم كما يقال يضحك لا كضحكهم ويفرح لا كفرحهم ويتكلم لا ككلامهم. أ. هـ التدمرية ص 136.
(3) أصل التنزه: رفعة النفس عن الشيء تكرمًا ورغبة عنه، ونزَّه الرجلَ: باعده =

(1/23)


تعطيل. فمن شبه الله تعالى (1) بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسَه أو وصفه (2) به رسولُه تشبيهًا. فالمشبّه يعبد صنمًا، والمعطّل يعبد عدمًا، والموحّد يعبد إلهًا واحدًا صمدًا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما أنا نثبت ذاتًا لا تشبه الذوات، فكذا نقول في صفاته (3) إنّها لا تشبه الصفات. فليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. فلا نشبّه صفاتِ الله بصفات المخلوقين.
ولا نزيل عنه سبحانه صفةً (4) من صفاته لأجل شناعة (5) المشنِّعين، وتلقيب المفترين. كما أنّا لا نبغض أصحابَ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – لتسمية الروافض (6) لنا
__________
= عن القبيح، والتنزيه في الاصطلاح: تبعيد الرب تعالى عما لا يليق به من العيوب والنقائص مع إثبات صفات الكمال له سبحانه. درء تعارض العقل والنقل 7/ 86 – 88، التعريفات للجرجاني ص 97.
(1) “تعالى” من ب وحدها.
(2) في طت، طه: “أو ما وصفه”.
(3) في ب، د: صفاتها.
(4) في ف، ب: “عنه صفة”.
(5) في طه “تشنيع”، والشناعة بفتح الشين هي الفظاعة، يقال شنع الأمر: قبح فهو شنيع، وشنع عليه الأمر: قبحه. اللسان 8/ 186.
(6) الرَّوافِضُ: هم الرافضة وهو لقب أطلقه زيد بن علي بن الحسين على الذين تفرقوا عنه ممن بايعوه بالكوفة لإنكاره عليهم الطعن في أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأطلق الأشعري في المقالات هذا اللقب على من يرفض خلافة أبي بكر وعمر من الشيعة، وأكثر الشيعة يسبون معظم أصحاب =

(1/24)


نواصب (1)، ولا نكذّب بقدر الله تعالى ونجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية (2) لنا مُجْبِرة (3)،
__________
= رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويتنقصونهم حتى صار هذا الوصف علمًا عليهم. انظر مقالات الإسلاميين 1/ 88، البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ص 36، الملل والنحل 1/ 144، أصول مذهب الشيعة للقفاري 1/ 107، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام لناصر الشيخ 3/ 892، بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود لعبد الله الجميلي 1/ 85، مسألة التقريب بين السنة والشيعة للقفاري 1/ 119.
(1) النَّواصبُ: مأخوذ من النصب وهي لغةً: إعلان العداوة، يقال ناصبه الشر والبغض: أظهره، واصطلاحًا: هم قوم يتدينون ببغض علي رضي الله عنه وهم على النقيض من الروافض، والشيعة يسمون من قدم أبا بكر وعمر على علي في الخلافة ناصبيًّا. انظر تاج العروس للزبيدي 487، أساس البلاغة للزمخشري ص 635، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 25/ 301. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام 3/ 1203، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ليوسف البحراني (ت 1183 هـ) ج 10/ 360.
(2) القَدَريّة: سموا بذلك لإنكارهم القدر وهم يزعمون أن العبد هو الذي يخلق فعله استقلالًا، فأثبتوا خالقًا مع الله، فأشبهوا بذلك المجوس، لأن المجوس قالوا بإثبات خالقين: النور والظلمة، وأول القدرية هو على الأرجح معبد الجهني المقتول سنة 80 هـ، وتبعه على ذلك غيلان بن مسلم الدمشقي المقتول في عهد عبد الملك بن مروان، والقدرية يزعمون أن الله لا يقدر على مقدوراتِ غيره، وهذا هو مذهب المعتزلة في القدر. انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 54، البرهان في عقائد أهل الأديان ص 26، الفرق بين الفرق ص 70، شرح صحيح مسلم للنووي 1/ 150 – 151.
(3) المُجْبِرَة: هم الجبرية وسمّوا بذلك نسبة إلى الجبر، فهم لا يثبتون للعبد =

(1/25)


ولا (1) نجحد صفاتِ ربنا تبارك وتعالى (2) لتسمية الجهمية (3) والمعتزلة (4)
__________
= فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، بل يضيفون الفعل إلى الله تعالى، والعبد عندهم لا فعل له فهو كالريشة في مهب الريح وحركاته كحركات المرتعش ليس له إرادة ولا قدرة على الفعل وممن قال بذلك: الجهم بن صفوان. والجبرية أصناف: الجبرية الخالصة: وهي التي لا تثبت للعبد فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، والجبرية المتوسطة: وهي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة. انظر تفاصيل مذهبهم في الملل والنحل للشهرستاني 1/ 108، الفرق بين الفرق 126 – 130، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص 103.
(1) في ح، طع: “فلا”.
(2) في الأصل وف: “ربنا لتسمية”.
(3) الجَهْميّة: سُمّوا بذلك نسبة إلى جهم بن صفوان الذي قتله سلم بن أحوز سنة 128 هـ. وقد تطلق الجهمية أحيانًا بالمعنى الخاص ويقصد بها متابعو جهم بن صفوان على آرائه، وقد تطلق بالمعنى العام ويقصد بها نفاة الصفات عامة -وهو الأغلب- والجهمية يقولون بنفي الأسماء والصفات عن الله تعالى، وأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة فقط والكفر هو الجهل بالله فقط، وأن الفاعل هو الله وحده والإنسان مجبور على أفعاله، وأن الناس إنما تنسب أفعالهم إليهم مجازًا. ومن أصولهم: تقديم العقل على النقل، كما قالوا بخلق القرآن، وقيل إن الجهمية لا تعتبر فرقة قائمة بذاتها كالمعتزلة، ولذا لم تذكر كفرقة عند كثير ممن كتب في الملل والنحل وإنما تذكر ضمن فرق المعتزلة أو المرجئة. انظر الفصل في الملل والنحل لابن حزم 4/ 204، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 27 – 130، البرهان في عقائد أهل الأديان 17 – 18، مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري 1/ 338.
(4) المعتزلة: هم أتباع واصل بن عطاء الغزال وعمرو بن عبيد سموا بذلك لاعتزالهم الحسن البصري لما اختلفوا معه في حكم مرتكب الكبيرة في أوائل =

(1/26)


لنا مجسّمةً (1) مشبّهةً (2) حَشْويةً (3)، كما
__________
= المائة الثانية وكانوا يجلسون معتزلين، فيقول قتادة وغيره: أولئك المعتزلة. وقيل إن واصل بن عطاء هو الذي وضع أصول مذهب المعتزلة وتابعه عمرو بن عبيد تلميذ الحسن البصري. فلما كان زمن هارون الرشيد صنف لهم أبو الهذيل كتابين وبيّن مذهبهم وبناه على الأصول الخمسة وهي:
1 – العدل وحقيقته: نفي القدر، 2 – التوحيد وحقيقته: نفي صفات الله، 3 – إنفاذ الوعيد: ويوجبون على الله إنفاذ وعيده فيمن أوعده، 4 – المنزلة بين المنزلتين وحقيقته: أن مرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، 5 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحقيقته: إلزام غيرهم ما التزموه وضمنوا ذلك جواز الخروج على الأئمة. ولبسوا الحق بالباطل في هذه الأصول. انظر الفرق بين الفرق ص 129، مقالات الإسلاميين 1/ 235، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز 2/ 403، مجموع الفتاوى 13/ 31، 131.
(1) المجسمة: سبق بيان مذهبهم.
(2) المشبهة: سبق بيان مذهبهم.
(3) الحشوية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما لفظ الحشوية فليس فيه ما يدل على شخص معين ولا مقالة معينة فلا يدرى من هم هؤلاء، وقد قيل إن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد فقال: كان عبد الله بن عمر حشويًّا، وكان هذا اللفظ في اصطلاح من قاله يريد به العامة الذين هم حشوة كما تقول الرافضة عن مذهب أهل السنة: مذهب الجمهور. منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية 2/ 520. ومن أمثلة تسمية الجهمية ومن تبعهم لأهل الإثبات حشوية قول التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون: “الحشوية بسكون الشين وفتحها هم قوم تمسكوا بالظواهر فذهبوا إلى التجسيم وغيره وهم من الفرق الضالة، قال السبكي في شرح أصول ابن الحاجب: الحشوية طائفة ضلوا عن سواء السبيل يجرون آيات الله على ظاهرها ويعتقدون أنه المراد، سموا بذلك لأنهم كانوا في حلقة الحسن البصري فوجدهم يتكلمون كلامًا، فقال: ردوا هؤلاء إلى حشاء الحلقة، =

(1/27)


قيل (1):
فإن كان تجسيمًا ثبوتُ صفاتِه … تعالى (2) فإنّي اليومَ عبدٌ مجسِّمُ (3)
__________
= فنسبوا إلى حشاء فهم حشَوية بفتح الشين، وقيل سموا بذلك لأن منهم المجسمة أوهم هم، والجسم حشو فعلى هذا القياس فالحشوية بسكون الشين نسبة إلى الحشو، وقيل: المراد بالحشوية طائفة لا يرون البحث في آيات الصفات التي يتعذر إجراؤها على ظاهرها، بل يؤمنون بما أراده الله مع جزمهم بأن الظاهر غير مراد، ويفوضون التأويل إلى الله … “. كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 396، وانظر مادة الحشوية بدائرة المعارف الإسلامية. وسيأتي في كلام الناظم بيان هذا اللفظ والرد عليهم في فصل: “في تلقيبهم أهل السنة بالحشوية وبيان من أولى بهذا اللقب .. “.
(1) لم يرد “كما قيل” في غير الأصل وف. ومكانها في ط: “ورحمة الله على القائل” ثم هذه الزيادة الغريبة قبل البيت المذكور في المتن:
“فإن كان تجسيمًا ثبوت صفاته … فإني بحمد الله لها مثبت
إلى … “.
(2) في ب، ط: لديكم.
(3) لعل القائل هو ابن القيم رحمه الله، وقد أورد هذا البيت بلفظ قريب من هذا اللفظ في كتابه الصواعق المرسلة 3/ 940، ضمن أبيات لم ينسبها لأحد، ولفظه هناك:
فإن كان تجسيمًا ثبوتُ استوائه … على عرشه إني إذًا لمجسِّمُ
وجاءت في ب الحاشية الآتية: “ومن كلام المصنف:
فإن كان تجسيمًا ثبوتُ صفاته … وتنزيهُها عن كل تأويلِ مُفترِ
فإنّي بحمد الله كنتُ مجسِّمًا … هلمّوا شهودًا واملأوا كل محضرِ”
وانظر مدارج السالكين 2/ 91. وقد أورد فيه بيت الشافعي وبيت شيخ الإسلام وبيتيه هذين. وصدر البيت الثاني فيه:
فإني بحمد الله ربّي مجسِّمُ

(1/28)


ورضي الله عن (1) الشافعي (2) إذ يقول (3):
إن كان رفضًا حبُّ آلِ محمَّدٍ … فَلْيشهدِ الثَّقلانِ أنّي رافضي (4)

وقدَّس الله روح القائل [وهو شيخ الإسلام ابن تيمية] (5) إذ يقول:
إن كان نَصْبًا حبُّ صَحْبِ محمّدٍ … فَلْيشهَدِ الثَّقَلانِ أنّي ناصبي (6)
__________
(1) في د: “رضي الله تعالى عن الإمام”.
(2) محمد بن إدريس الشافعي: الإمام المشهور أحد الأئمة الأربعة. ولد بغزة بفلسطين ثم سافرت به أمه إلى مكة، كان ذكيًا فطنًا برع في الأدب واللغة ثم أقبل على الحديث والفقه. وله مصنفات أشهرها: “الأم” و”الرسالة”، توفي بمصر سنة 204 هـ. تاريخ بغداد 2/ 56، التذكرة ص 367.
(3) في طع: “حيث قال”. وفي طت، طه: “حيث يقول”.
(4) البيت في ديوان الشافعي ص 117.
(5) زيادة من ب. وقد وردت في ح، ط أيضًا. وشيخ الإسلام ابن تيمية هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام المعروف بابن تيمية الحراني نزيل دمشق وصاحب التصانيف الكثيرة التي لم يسبقه أحد إلى مثلها، ولد يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأول من سنة 661 هـ بحران وتوفي وهو سجين في قلعة دمشق ليلة الاثنين لعشرين خلت من شهر ذي القعدة من سنة 728 هـ، فخرجت دمشق كلها في جنازته رحمه الله. انظر النجوم الزاهرة 9/ 271 – 272، فوات الوفيات 1/ 74 – 80، الدرر الكامنة لابن حجر 1/ 154 – 170. البداية والنهاية لابن كثير 14/ 35 – 140.
(6) ورد بيت في درء تعارض العقل والنقل 1/ 240 بلفظ قريب من هذا اللفظ وهو قوله:
إذا كان نصبًا وَلاءُ الصِّحابِ … فإنّي كما زعموا ناصبي
وإن كان رفضًا وَلاءُ الجميعِ … فلا برِحَ الرفضُ من جانبي

(1/29)


و (1) أما القرآن فإني أقول إنّه كلام الله، منزَّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به صدقًا، وسمِعَه جبريل منه (2) حقًا، وبلّغه محمدًا (3) – صلى الله عليه وسلم – وحيًا. وأنّ {كهيعص (1)} [مريم: 1]، {حم (1) عسق (2)} [الشورى الآيتان/ 1 – 2] (4)، و {ق} [ق/ 1] , و {ن} [القلم/ 1] عين (5) كلام الله تعالى (6) حقيقة. وأنّ الله تكلم بالقرآن [4/ أ] العربي الذي سمعه الصحابة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. جميعُه (7) كلامُ الله وليس قولَ البشر، ومن قال إنه قول البشر فقد كفر، والله يصليه سقر (8)، ومن قال ليس لله (9) في الأرض كلام فقد جحد رسالة محمد – صلى الله عليه وسلم -، فإن الله بعثه يُبلِّغ (10) عنه كلامَه، والرسول إنما يبلِّغ كلامَ مُرسِله. فإذا انتفى كلام المرسِل انتفت رسالة الرسول (11).
__________
(1) هنا زيدت كلمة “فصل” في حاشية ب. وكذا في ح، ط.
(2) في ف، ب: “منه جبريل”. وسقطت “منه” من ح، طه.
(3) ف، د: محمد.
(4) وزيد بعدها في ب فوق السطر: “والر”. وهي الآية الأولى من سورة إبراهيم والحجر ويوسف، وكذا في ط.
(5) عين الشيء: نفسه وشخصه وأصله، والجمع أعيان. وعين كل شيء: نفسه وحاضره وشاهده. اللسان 13/ 305.
(6) لم يرد في غير الأصل.
(7) في ب فوق السطر: وأنّ جميعه. وكذا في ح، ط.
(8) “سقر” سقطت من ف.
(9) في حاشية ب زيادة “بيننا”. وكذا في س، ح، ط.
(10) في طع: “ليبلغ”.
(11) هذا مما يترتب على القول بخلق القرآن وأن القرآن ليس كلام الله تعالى =

(1/30)


ونقول: إن الله تعالى فوق سماواته مستوٍ على عرشه، بائنٌ مِن خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وإنّه تعالى إليه يصعَد الكلم الطيّب (1)، وتعرُج الملائكة والروح إليه (2). وإنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرُج إليه (3).
__________
= حقيقة، إذ إن القول ببدعة خلق القرآن ونفي صفة الكلام عن الله تعالى يؤدي إلى نفي الرسالة وتعطيلها، وسيأتي تفصيل ذلك في كلام الناظم، في “فصل في إلزامهم القول بنفي الرسالة إذا انتفت صفة الكلام” [الأبيات 694 وما بعده].
(1) كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]وهذا من أدلة علو الله تعالى على خلقه فإنّ الصعود يكون من الأسفل إلى الأعلى. القاموس 374 والكلم الطيب هو: ذكر العبد وتسبيحه وتحميده وتكبيره وثناؤه على ربه تعالى. كما جاء عن ابن عباس وكعب الأحبار رضي الله عنهم. تفسير الطبري مجلد 12/ ج 22/ ص 120. وانظر البيتين 359، 1189 وما بعده.
(2) كما قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج: 4] وهذا أيضا من أدلة علو الله تعالى على خلقه، والعروج هو الصعود. وانظر الأبيات: 360 و 1159 وما بعده.
(3) كما قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة: 5] ومعنى الآية إجمالًا: أن الله تعالى يتنزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] وقال قتادة ومجاهد والضحاك: ما بين السماء والأرض خمسمائة عام فينزل الملك ويرقى لكنه يقطعها في طرفة عين. تفسير ابن كثير 1/ 457، الطبري 11/ 28/ 91.

(1/31)


وإن المسيح رُفِع بذاته إلى الله (1) (2) وإن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – عُرِج به إلى الله حقيقة (3). وإن أرواح المؤمنين تصعد إلى الله عند الوفاة (4)، فتُعرَض عليه، وتقف بين يديه (5). وإنه تعالى هو القاهر فوق
__________
(1) ب: الله تعالى.
(2) كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)} [النساء: 157، 158]، وقد ذكر المفسرون رحمهم الله في تفسير هاتين الآيتين وكيفية رفعه عليه السلام أقوالًا عديدة لعل أقربها ما رجحه الطبري رحمه الله في تفسيره وهو أن عيسى عليه السلام لما اجتمع مع الحواريين في البيت وحاصره اليهود ليقتلوه ألقي شبهه على أحد الحواريين، ورفع عيسى إلى ربه تعالى، وخرج هذا الشبيه إلى اليهود، فظنوه عيسى فأمسكوه وقتلوه وصلبوه. تفسير الطبري 6/ 14، ابن كثير 1/ 574. وانظر البيتين 363، 1200.
(3) يشير إلى عروجه – صلى الله عليه وسلم – إلى السماء في حادثة الإسراء والمعراج، وحديث الإسراء والمعراج أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه: “ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابًا من أبوابها”، 13/ 478 – فتح- كتاب التوحيد باب 37 ما جاء في قوله عز وجل {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] وقول المؤلف رحمه الله: “حقيقة”: تعريض بالرد على من قال إن عروجه – صلى الله عليه وسلم – كان لروحه دون جسده، والصحيح أنه لجسده وروحه. انظر شرح الطحاوية 1/ 270، وسيأتي الكلام على المعراج في كلام الناظم [تحت البيت 362]، وانظر البيت 1157.
(4) في ف، ب، ظ، س: الموافاة.
(5) كما جاء في الحديث الطويل عن البراء بن عازب رضي الله عنه في ذكر =

(1/32)


عباده (1) وإن المؤمنين والملائكة المقربين يخافون ربَّهم من فوقهم (2).
أيدي السائلين تُرفَع إليه (3)، وحوائجَهم تُعرَض عليه. وإنه
__________
= حال المؤمن والكافر عند الموت. وفيه قال – صلى الله عليه وسلم – عن المؤمن: “فإذا خرجت نفسه صلَّى عليه كل ملك بين السماء والأرض إلا الثقلين ثم يصعد به إلى السماء”، الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده 4/ 295 وأبو داود في السنن ج 3/ ص 213/ ح 3212، كتاب الجنائز باب الجلوس عند القبر، وابن ماجه في السنن ج 1/ ص 283/ ح 1549، أبواب ما جاء في الجنائز – باب ما جاء في الجلوس في المقابر، والحديث أشار ابن القيم إلى صحته في حاشيته على سنن أبي داود كما في عون المعبود مع حاشية ابن القيم ج 9/ 31. وصححه الألباني كما في صحيح سنن ابن ماجه ج 1/ 259 ح 1259.
(1) زيدت هنا في حاشية ب: “وهو العلي الأعلى” وكذا في ط. وهذه الزيادة لا تصح، فإنها ستأتي في آخر الفقرة.
(2) كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} [النحل: 49، 50].
(3) السائلون جمع سائل وهو الداعي، ومن السنة في الدعاء أن يرفع الداعي يديه وهذا من أسباب الإجابة، كما جاء عن سلمان رضي الله عنه قال: قال – صلى الله عليه وسلم – “إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صِفرًا”، رواه الترمذي وحسنه ج 9/ ص 544/ ح 3627 تحفة، وأبو داود في سننه 2/ 78، كتاب الوتر- باب الدعاء، وابن ماجه في سننه 2/ 349 أبواب الدعاء- باب رفع اليدين في الدعاء، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. ووافقه الذهبي كما في المستدرك 1/ 674 كتاب الدعاء، وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ج 1/ ص 201/ ح 2066.

(1/33)


سبحانه (1) العلي الأعلى بكل اعتبار (2).
فلما سمع المعطل منه ذلك أمسك، ثم أسرّها في نفسه، وخلا بشياطينه وبني جنسه، وأوحى بعضهم إلى بعض (3) أصناف المكر والاحتيال، ورامُوا (4) أمرًا يستحمِدون (5) به إلى نُظَرائهم من أهل البدع والضلال، وعقدوا مجلسًا بَيَّتُوا (6) في مساء ليلته (7) ما لا يرضاه الله من القول، والله بما يعملون محيط (8).
وأتوا في مجلسهم ذلك (9) بما قدَروا عليه من الهذَيان واللَّغْط (10)
__________
(1) ف، ب: سبحانه وتعالى. وفي ط: “فإنه سبحانه هو العلي”.
(2) قوله: “بكل اعتبار” يشير إلى أنواع علو الله تعالى وستأتي في مبحث العلو مفصلة.
(3) في ب زاد بعضهم في الحاشية: “زخرف القول” وفي ط: “زخرف القول غرورًا”.
(4) راموا: طلبوا وأرادوا.
(5) يستحمدون: أي يطلبون أن يحمدوهم عليه.
(6) بيتوا: أي دبّروا ومكروا، يقال: بيّت الأمرَ: عمله ليلًا أو دبره ليلًا ومنه قوله تعالى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 108] وقوله {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} [النساء: 81]، اللسان 2/ 16.
(7) في ح، ط: “يومه”.
(8) اقتباس من قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)} [النساء: 108].
(9) “ذلك” سقطت من طع.
(10) اللغْط واللغَط: الصوت والجلبة أو أصوات مبهمة لا تفهم. القاموس 885.

(1/34)


والتخليط، ورامُوا استدعاءَ المثبتِ إلى مجلسهم الذي عقدوه، ليجعلوا نُزُلَه (1) عند قدومه عليهمَ ما لفّقوه من الكذب (2) ونمّقوه. فحبَس الله سبحانه عنه (3) أيديَهم وألسنتَهم، فلم يتجاسروا عليه، وردّ الله كيدهم في نحورهم فلم يصلوا بالسوء إليه، وخذلهم المُطَاعُ (4) فمزّق (5) ما كتبوه من المحاضر، وقلَبَ الله قلوب أوليائه وجندِه عليهم من كلِّ بادٍ وحاضر. وأخرج الناس (6) لهم من المخبَّآتِ كمائنَها، (7) ومن
__________
(1) النزل: ما هيئ للضيف إذا نزل عليه، ويقال: إن فلانًا لحسن النزل أي الضيافة. اللسان 11/ 658.
(2) متن الأصل: “من المكر وتمموه” وكذا في ح، ط وصحح في الحاشية من نسخة الأصل، وكذا على الصواب في ف، س. بل لتوكيد الصواب كتبت كلمة “ونمقوه” في حاشية ف بحروف مفردة مضبوطة هكذا: “بيان: وَنَ مَّ قُ وْ هُ” أما نسخ ب، د. ظ فهي فيها “تمموه” محرفة.
(3) في طع: “عن” خطأ.
(4) المُطاع: الكبير والزعيم الذي يطيعه قومه وقد عبر بهذه اللفظة ذاتها شيخ الإسلام رحمه الله عندما تكلم عن مناظرته مع طائفة البطائحية فذكر أنهم بعدما وعظهم كادوا أن يتوبوا ويتراجعوا حتى: “جاءهم بعض غلمان المطاع وذكر أنه لابد من حضورهم لموعد الاجتماع فأطاعوا وحضروا” مجموع الفتاوى 11/ 455.
(5) في ح، ط: “فمزقوا”.
(6) في د: “لهم الناس”.
(7) المخبّآت: الأمور المستورة، والكمائن: الخفايا. والمقصود أن الناس غضبوا على المعطلة لما افتضح أمرهم، وأخرجوا لهم البغضاء والكراهية التي كانت كامنة في النفوس لهم. وسياق كلام المؤلف ربما يدل على أنهم انهالوا عليهم ضربًا، لأنه ذكر ألفاظًا تدلّ على الجراحات.

(1/35)


الجَوائفِ (1) والمُنقِّلات (2) دفائنَها (3). وقوَّى اللهُ جأشَ (4) المُثْبتِ، وثبَّت (5) لسانه، وشيّد بالسنة المحمدية بنيانه. فسعى في عقد مجلس بينه وبين خصومه عند السلطان، وحكّم على نفسه كتب شيوخ القوم السالفين (6)، وأئمتهم المتقدمين (7). وأنّه لا يستنصر من أهل مذهبه بكتاب ولا إنسان، وأنّه جعل بينه (8) وبينكم أقوالَ من قلّدتموه، ونصوص من على غيره من الأئمة قدّمتموه. وصرّح (9) المثْبِتُ بذلك بين ظهرانيْهم حتى بلّغه دانيهم لقاصيهم فلم يُذعِنوا لذلك
__________
(1) الجوائف: جمع جائفة وهي من أنواع الجراحات، وهي الجراحة التي تصل إلى الجوف من بطن أو ظهر أو ثغرة نحر أو ورك. وفيها ثلث الدية انظر المغني لابن قدامة 9/ 648، شرح الزركشي على مختصر الخرقي للزركشي 6/ 173.
(2) المنقِّلات أيضًا من أنواع الجراحات، وهي التي تكسر العظم وتنقله عن موضعه، وفيها خمس عشرة من الإبل. انظر المغني 9/ 646، شرح الزركشي 6/ 172.
(3) الدفائن: جمع دفينة وهي ما يدفن كالكنز. القاموس 1544، والمراد أعظمها وأشدها وأبلغها.
(4) في ط: “جأش عقد”، ومعنى الجأش: النفس وقيل القلب، وفلان قوي الجأش: أي القلب، ويقال رجل رابط الجأش: يربط نفسه عن الفرار ويكفها لجرأته وشجاعته. اللسان 6/ 269.
(5) في ح، ط: “قلبه ولسانه”.
(6) سقطت من د، س.
(7) في ف: “المقدمين”. ولعل المؤلف يشير هنا إلى متقدمي أئمة الأشاعرة، فإن المتأخرين منهم خالفوهم في إثبات كثير من الصفات.
(8) في ف، د: “بينكم وبينه”.
(9) ضبط في ف بتشديد الراء. وفي د، ط: “صرخ”.

(1/36)


واستعفَوا (1) من عقْدِه فطالبهم المُثْبتُ بواحدة من خِلال ثلاث:
مناظرة في مجلس عام (2) على شَريطةِ العلم والإنصاف، تُحضَر فيه النصوصُ النبوية والآثارُ السلفية، وكتبُ أئمتكم المتقدمين من أهل العلم والدين. فقيل لهم: لا مراكبَ (3) لكم تسابقون بها في هذا الميدان، ومالكم بمقاومة فُرسانه يدان (4).
فدعاهم إلى مكاتبةٍ (5) بما (6) يدعون إليه، فإن كان حقًّا قبلَه وشكركم عليه، وإن كان غير ذلك سمعتم جوابَ المثبت، وتبيّن لكَم حقيقةُ ما لديه. فأبَوا ذلك أشدّ الإباء، واستعفَوا غاية الاستعفاء.
فدعاهم إلى القيام بين الركن والمقام (7) قيامًا في
__________
(1) استعفوا: أي طلبوا الإعفاء من ذلك.
(2) “عام” سقطت من ب. وفي ط: “عالم”، وهو خطأ.
(3) مراكب: جمع مَركب وهي الدابة.
(4) أي لا طاقة لكم بمقاومتهم. يقال: مالي بفلان يدانِ، أي طاقة. الصحاح 6/ 2540. وقد تكرر هذا التعبير في كلام الناظم، انظر مثلًا البيت الأول، والأبيات 36، 108، 122 وغيرها.
(5) في د، ح، طع، طه: “مكاتبته”، ويعني بالمكاتبة هنا: المراسلة، ليقيم الحجة عليهم -بعدما ضعفوا عن المقابلة والمناظرة- بالمراسلة والمكاتبة، فيكتبون له ما يرون، ثم يجيبهم كتابة.
(6) في طع، طه: “فيما”.
(7) أي عند الكعبة بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام. واختار هذا المكان لما يحدث للقلب من الخوف والوجل والرهبة وتعظيم قدر الله تعالى فيه.

(1/37)


مواقف (1) الابتهال، حاسري (2) الرؤوس نسأل (3) الله أن يُنزل بأسَه بأهل البدع والضلال (4). وظنّ المثبتُ واللهِ أن القوم يجيبون (5) إلى هذا، فوطّن (6) نفسه عليه غاية التوطين، وبات يحاسب نفسه ويعرض ما يثبته وينفيه على (7) كلام رب العالمين، وعلى (8) سنة خاتم المرسلين (9)، ويتجرد عن كل هوى يخالف الوحي المبين، ويهوي بصاحبه في (10) أسفل السافلين. فلم يجيبوا إلى ذلك أيضًا، وأتوا من الاعتذار، بما دلّ (11) على أن القوم ليسوا من أولى الأيدي والأبصار.
__________
(1) في طع، طه: “موقف”.
(2) قوله: “حاسري الرؤوس” أي كاشفي الرؤوس.
(3) في ب: يسأل.
(4) وهذا الفعل بين الخصوم يسمى “مباهلة” وهي الملاعنة. وصورتها أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منّا. اللسان 113/ 72. ومنه قوله تعالى – صلى الله عليه وسلم -: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران: 61].
(5) في ط: “يجيبونه”.
(6) وطن نفسه على الشيء وله فتوطنت: حملها عليه فتحملت وذلّت له. اللسان 13/ 451.
(7) في طع: “عن” وهو خطأ.
(8) “وعلى” سقطت من ف.
(9) في ط: “الأنبياء والمرسلين”.
(10) في ب، ح، ط: إلى.
(11) في ط: “دله”.

(1/38)


فحينئذ شمّر المثبتُ عن ساق عزمه، وعقد لله مجلسًا بينه وبين خصمه. يشهده القريب والبعيد، ويقف على مضمونه الذكيّ والبليد. وجعله عقدَ مجلس التحكيم بين المعطِّل الجاحد والمُثبِت المرمي بالتجسيم.
وقد خاصم في هذا المجلس بالله وحاكمَ إليه، وبرِئَ إلى الله من كل هوى وبدعة وضلالة، وتحيُّزٍ إلى فئةٍ غيرِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما كان أصحابه عليه. والله سبحانه المسؤول (1) أن لا يكِلَه إلى نفسه ولا إلى شيء مما لديه، وأن يوفقه في جميع حالاته لما يحبه ويرضاه، فإنّ أزِمّةَ الأمور بيدَيه.
وهو يرغب إلى من يقف على هذه الحكومة (2) أن يقومَ لله قيامَ متجرِّدٍ عن هواه، قاصدًا لرضا مولاه؛ ثم يقرأها متفكرًا، ويعيدَها ويبدئَها متدبرًا؛ ثم يحكمَ فيها بما يرضي الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يقابلَها بالسبِّ والشتم كفعل الجاهلين والمعاندين.
فإن رأى حقًّا قَبله (3) وشكَر عليه، وإن رأى (4) باطلًا ردّه على قائله وأهدى الصواب إليه، فإنّ الحقّ لله ورسولِه، والقصدُ أن تكون كلمةُ
__________
(1) في ح، ط: “هو المسؤول”.
(2) يعني هذه المنظومة المباركة التي بيّن فيها -رحمه الله- آراء أصحاب المذاهب ثم حكم بينهم وردَّ على أهل الباطل باطلَهم بأقوى حجة وأوضح عبارة.
(3) في طع، طه: “تبعه”.
(4) من هنا سقطت ورقة من ب.

(1/39)


السنة (1) هي العليا، جهادًا في الله وفي سبيلِه. واللهُ عندَ لسانِ كلِّ قائل وقلبه، وهو المطّلع (2) على نيتهِ وكسبِه. وما كان أهلُ التعطيل أوليَاءَه، إن أولياؤه إلّا المتقون المؤمنون المصدّقون. {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} (3) [التوبة: 105].
__________
(1) كذا في جميع النسخ وط إلّا نسخة د التي فيها: “سنة الله”.
(2) في د: “مطلع”.
(3) وجاء بعد الآية في الأصل: “وقد سميت هذا المجلس بالكافية الشافية في اعتقاد (كذا) الفرقة الناجية”. ثم خُطَّ على العبارة، وكتبت حاشية لم تتضح جيدًا في الصورة. ولعلها أشارت إلى أنّ هذه العبارة ليست في نسخة الشيخ.

(1/40)


فصل
وهذه أمثال حسان مضروبة (1) للمعطِّل والمشبِّه والموحِّد ذكرتُها (2) قبل الشروع في المقصود، فإن ضربَ الأمثال مما يأنس به العقلُ لتقريبها المعقول من المشهود (3).
وقد قال تعالى (4) – وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين- {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43]. وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلًا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلًا لم (5) يفهمه اشتدّ (6) بكاؤه، ويقول: لست من العالمين (7). وسنفرد لها إن شاء الله كتابًا مستقلاًّ متضمنًّا لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من فنون (8) العلم وحقائق الإيمان.
__________
(1) ف: “مضروبة حسان”.
(2) طه: “ذكرناها”.
(3) المعقول: هو الأمر المتصور بالعقل والذهن، والمشهود: هو المائل المشاهد بالعين.
(4) ف: “الله”.
(5) ف: “ولم يفهمه”.
(6) ما عدا الأصل: “يشتد”.
(7) ومن ذلك ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني لأني سمعت الله يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43]. ذكره ابن كثير في التفسير 3/ 414، والسيوطي في الدر المنثور 5/ 278.
(8) ف: “مكنون”. وفي غيرهما: “كنوز”.

(1/41)


وبالله (1) المستعان وعليه التكلان (2).
المثل الأول: ثيابُ المعطِّل ملطَّخةٌ بعَذِرَةِ (3) التحريف، وشرابه متغيّر بنجاسة التعطيل. وثيابُ المشبِّهَ متضمِّخَةٌ (4) بدم التشبيه، وشرابه متغيّر بفَرْث (5) التمثيل. والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين (6).
المثل الثاني: شجرةُ المعطِّل مغروسةٌ على شفا جُرُفٍ هارٍ (7).
__________
(1) طت، طه: “والله”.
(2) ذكر عامة المترجمين لابن القيم رحمه الله أن له مصنفًا بعنوان “أمثال القرآن”، وفي “كشف الظنون” لحاجى خليفة (1/ 168) ذكر ذلك وقال: أوله: “الحمد لله نحمده ونستعينه”، وفي كتاب “اعلام الموقعين” مبحث مهم في أمثال القرآن من 1/ 150 إلى 1/ 190، وقد أفردها بعض علماء نجد في رسالة سماها: “درر البيان في تفسير أمثال القرآن” وطبعت في المطبعة السلفية بمصر بلا تاريخ ولم يذكر اسم جامعها.
وانظر ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 448، وطبقات المفسرين للداودي 2/ 93، ابن قيم الجوزية لبكر أبو زيد ص 135.
(3) العَذِرة: الغائط. اللسان 4/ 554.
(4) متضمخة: متلطخة.
(5) كذا في الأصل. وفي سائر النسخ: “بدم”، وقد أشير إليه في حاشية الأصل أيضًا، كما أشير في حاشية ف إلى ما في الأصل.
(6) اقتباس من قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)} [النحل: 66].
(7) اقتباس من قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 109].

(1/42)


وشجرةُ المشبِّه قد اجتُثث من فوق الأرض ما لها من قرار. وشجرةُ الموحّد أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربّها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (1).
المثل الثالث: شجرةُ المعطّل شجرةُ الزَّقُّوم (2)، فالحلوق السليمة لا تبلعُها. وشجرةُ المشبِّه شجرةُ الحنظَل، (3) فالنفوس المستقيمة (4) لا تتبعُها. وشجرةُ الموحِّد طُوبَى (5) يسير الراكب في ظلّها مائةَ عام لا يقطعُها (6).
__________
(1) اقتباس من قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)} [إبراهيم: 24 – 26].
(2) الزّقوم: طعام أهل النار، وهي شجرة في جهنم، والعياذ بالله، كما قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} [الدخان: 43 – 46]. وكما قال تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} [الصافات: 64، 65] تفسير ابن كثير 4/ 10.
(3) الحنظل: الشجر المر وواحدته حنظلة، قال الجوهري: هو: الشري اللسان 11/ 183.
(4) د: “السقيمة”، تحريف.
(5) طوبى: اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها. النهاية 3/ 141.
(6) يشير إلى قوله – صلى الله عليه وسلم – “إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها”. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ج 6/ 319/ ح 3252 فتح -كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، ومسلم- =

(1/43)


المثل الرابع: المعطِّل (1) قد اتخذ (2) قلبَه لوقاية الحر والبرد بيتَ (3) العنكبوت. والمشبّه قد خُسِف بعقله، فهو يتَجلْجَلُ (4) في أرض التشبيه إلى البَهْمُوت (5). وقلبُ الموحّد يطوف حول العرش ناظرًا إلى الحيّ الذي لا يموت (6).
__________
= واللفظ له -عن سهل بن سعد ج 167/ 17 نووي- كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
(1) “المعطل” سقطت من: س.
(2) ظ، ح، ط: “أعد”.
(3) في ط: “كبيت”.
(4) تجلجل في الأرض: ساخ فيها ودخل. اللسان 11/ 121.
(5) يعني إلى آخر أعماق الأرض. وبهذا المعنى استعمل كلمة البهموت صاحب النجوم الزاهرة (15/ 400) فقال عن أبي الخير النحاس: “لأنه كان بالأمس في البهموت من الفقر والذل والإفلاس، وصار اليوم في الأوج من الرئاسة والمال والتقرب من السلطان”. فقابل البهموت بالأوج، كما يقابلون الأوج بالحضيض. ومنه قول ابن التعاويذي (ت 583 هـ):
كلّما زاد رفعًة حطَّنا … اللَّهُ بتغفيله إلى البهموت
(البداية والنهاية 16/ 748). ولم يذكر هذا الاستعمال في كتب المعرب والدخيل. ولعله مأخوذ مما زعمت الإسرائيليات أن البهموت اسم الحوت الذي يحمل الأرض. (تفسير القرطبي 18/ 147). ونقله الزبيدي في التاج (يهت) عن الخفاجي وأنّه غلط من ضبطه بالموحّدة. والحقّ أنّ ما غلّطه هو الصواب. وهي كلمة دخيلة في العربية من العبرانية، ولها صلة بالكلمة العربية (بهيمة). وانظر سواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل للدكتور ف. عبد الرحيم ص 209 – 210. (ص).
(6) كناية عن شدة قربه من ربه تعالى بالخشية والتعظيم والعبادة. كما قال =

(1/44)


المثل الخامس: مصباح المعطّل قد عصَفت عليه أهوِيةُ التعطيل، فطَفِئَ وما أنار. ومصباحُ المشبّه قد غرِقتْ فتِيلتُه في عَكَر (1) التشبيه، فلا يقتبس (2) منه الأنوار. ومصباحُ الموحّد يتوقَّدُ (3) من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقيّة ولا غربيّة، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسَسْه نار (4).
المثل السادس: قلب المعطِّل متعلّق بالعدَم، فهو أحقرُ الحقير. وقلب المشبِّه عابدُ الصنم (5) الذي قد نُحِتَ بالتصوير والتقدير. والموحّدُ (6) قلبُه متعبّدٌ لمن ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير (7).
المثل السابع: نقودُ المعطّل كلُّها زُيوف (8) فلا تروج علينا. وبضاعةُ
__________
= تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} [العلق: 19].
(1) عكر الشراب والماء والدهن: آخره وخاثره. اللسان 4/ 600.
(2) د، ظ، ح، ط: “تقتبس” ولم ينقط حرف المضارع في ف.
(3) ب، ط: يوقد.
(4) اقتباس من قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35].
(5) ط: “للصنم”.
(6) في ف: “وقلب الموحد”.
(7) يشير إلى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11].
(8) زُيوف: رديئة مغشوشة جمع زَيف. اللسان 9/ 142.

(1/45)


المشبِّه (1) كاسدةٌ، فلا تَنْفقُ لدينا. وتجارةُ الموحِّد ينادى عليها يومَ العَرْض على رؤوس الأشهاد: هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا (2).
المثل الثامن: المعطِّل كنافخ الكِير (3) إما أن يُحرِق ثيابَك، وإمّا أن تجد منه ريحًا خبيثة. والمشبهُ كبائع الخَمر إمّا أن يُسكِرك، وإمّا أن يُنجِّسك. والموحد كبائع المسك إما أن يُحذِيَكَ، وإمّا أن يبيعَك، وإمّا أن تجدَ منه رائحةً طيبة (4).
المثل التاسع: المعطّل قد تخلّف عن سفينة النجاة (5)، ولم يركبها، فأدركه الطوفان. والمشبّه قد انكسرت به في اللُّجّة (6)، فهو يشاهد الغرَق بالعيَان. والموحّد قد ركِب سفينةَ نوح، وقد صاح به
__________
(1) ب: كلها كاسدة.
(2) اقتباس من قوله تعالى عن إخوة يوسف: {قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف: 65]، ومراد المؤلف رحمه الله أن من قدم بين يديه بضاعة صالحة وهي الأعمال الصالحة ردت له يوم القيامة خيرًا مما قدم فيفرح بها على رؤوس الأشهاد.
(3) الكير: الزق الذي ينفخ فيه الحدّاد، القاموس 608.
(4) يشير إلى ما جاء عن أبي موسى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “مثل جليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن نجد منه ريحًا خبيثة” رواه البخاري 9/ 660 – فتح كتاب الذبائح والصيد – باب المسك.
(5) يعني -رحمه الله- بسفينة النجاة سفينة السنّة، وقد جاء عن كثير من السلف تشبيه السنة واتباعها بسفينة نوح فمن ركبها وانحاز إليها نجا من الأهواء والبدع والضلالات، ومن تخفف عنها غرق في البدع والمخالفات.
(6) لُجّة البحر: حيث لا يدرك قعره، ولجة الماء: معظمه. اللسان 2/ 354.

(1/46)


الرُّبّان: (1) {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41].
المثل العاشر: مَنْهلُ (2) المعطِّل كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، (3) فرجع خاسئًا (4) حسيرًا. ومشربُ المشبّه من ماء قد تغير طعمه ولونه وريحه بالنجاسة تغييرًا. ومشربُ الموحّد من كأس كان مزاجها كافورًا، عينًا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرًا (5).
وقد سميتها بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (6) وهذا حين الشروع في المحاكمة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله (7).
__________
(1) الربان: قائد السفينة الذي يُجريها. اللسان 13/ 175.
(2) د: “مثل” تحريف. ومعنى المنهل: الموضع الذي فيه المشرب. اللسان 11/ 681.
(3) اقتباس من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: 39].
(4) ف: “خائبًا”.
(5) اقتباس من قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)} [الإنسان: 5، 6].
(6) “وقد سميتها … الناجية”. هذه العبارة جاءت في حاشية الأصل بإزاء البيت الأول، ولم تظهر علامة اللحق في المتن، فاتبعنا في إثباتها في هذا الموضع سائر النسخ. (ص).
(7) زاد في ب: “وهو حسبي وإياه أسأل إنه قريب مجيب”. وفي س، ط: “بالله العلي العظيم”.

(1/47)


1 – حُكْمُ المَحَبَّةِ ثابتُ الأَركانِ … مَا لِلصُّدُودِ بِفَسْخِ ذاكَ يَدانِ
2 – أنَّى وقاضي الحُسْنِ نَفَّذَ حُكمَها … فَلِذَا أَقرَّ بِذلك الخَصْمانِ
__________
1 – المحبة: المراد بالمحبة هنا محبة الله تعالى الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه، لأن موضوعات هذه القصيدة جالبة لمن تمسك بها محبة الله تعالى، وهذه هي المحبة الوحيدة التي تثبت أركانها لاجتماع جميع أوصاف المحبة وشروطها في المحبوب. انظر: شرح الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ -مخطوط- ق 3، شرح الشيخ السعدي ص 5.
ما للصدود: أشار في حاشية د إلى أن في نسخة: “ما للوشاة”.
– أي: لا يقدر الصدود على فسخ ذلك الحكم. وقد تقدم تفسير قولهم: “ما لي بفلان يدان” في مقدمة الناظم.
2 – في د: “قاضي الحكم”. ولعلّ المقصود بقوله “قاضي الحسن”: العقل المحسن والمقبح، لأن أدلة الإثبات ضرورية، والتحسين والتقبيح العقلي ثابت عند أهل السنة والجماعة. وقد يراد بقاضي الحسن أئمة أهل السنة والحديث من سلف الأمة وأئمتها، انظر شرح النونية للشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ ق 4 – مخطوط، درء تعارض العقل والنقل 8/ 22، شرح النونية للشيخ أحمد بن عيسى 1/ 39.

(1/49)


3 – وأَتَتْ شُهودُ الوَصْلِ تَشْهدُ أَنّهُ … حَقًّا جَرَى في مَجْلسِ الإِحسانِ
4 – فَتأكَّد الحُكْمُ العَزِيزُ فَلَمْ يَجِدْ … فَسْخُ الوُشاةِ إلَيْهِ مِنْ سُلْطانِ
5 – ولأَجلِ ذا حُكْمُ العَذولِ تَداعَتِ الْـ … أَرْكَانُ مِنْهُ فَخَرَّ للأَرْكانِ
6 – وأتى الوشاةُ فَصَادَفُوا الحُكْمَ الذي … حَكَمُوا به مُتَيَقَّنَ البُطلانِ
7 – ما صادفَ الحُكمُ المَحَلَّ ولا هُوَ اسْـ … ــــتَوْفَى الشُّرُوطَ فَصارَ ذا بُطلانِ
8 – فلِذاكَ قَاضِي الحُسنِ أَثْبتَ مَحْضَرًا … بِفسَادِ حُكمِ الهَجْر والسُّلْوانِ
9 – وحَكَى لك الحُكْمَ المُحَالَ ونَقْضَه … فاسْمَعْ إذًا يا مَنْ لَهُ أُذنَانِ
10 – حَكَمَ الْوشَاةُ بغير ما بُرهانِ … أنَّ المحبَّةَ والصُّدودَ لِدانِ
__________
3 – شهود الوصل: أي الشهود التي تشهد برجحان وأحقية حكم الوصل وعدم القطع والهجران. شرح النونية للشيخ محمد خليل هراس 1/ 17.
– في الأصل وطت: “حقٌّ”.
4 – ب، د، طع: “تجد”. في ف، ظ لم ينقط حرف المضارع.
الوُشاة: الواشي هو: النمام. والمعنى أنه لقوة هذا الحكم -حكم المحبة وعدم الهجر- ورجحانه لم يستطع الوشاة أن يفسدوه.
5 – العَذول: كثير العَذْل أي: اللَّوم. ويعني الناظم رحمه الله أن هذه المحبة لا يلام المحب على الوقوع فيها وأن العذول الذي لامه على ذلك وحكم عليه بقطعها والإقلاع عنها غير مصيب في حكمه ولا عادل، لذا لم يثبت حكمه أمام هذه المحبة فخر للأركان.
للأركان: في طت وطع: للأذقان، والبيت ساقط من طه.
7 – صار حكم الوشاة باطلًا لسببين: الأول: لم يصادف محله. الثاني: لم يستوف شروط الحكم الصحيح.
8 – السلوان: مصدر سلا يسلو الشيء وعنه: نسيه.
9 – في ح: “يحكي”.
10 – لِدَة الرجل: تِرْبه وسِنّه، وهما لِدان، والجمع لِدات ولِدُون، اللسان 3/ 469. ومراد الناظم: أن الوشاة أرادوا من هذا المحب أن يهجر من يحب وظنوا =

(1/50)


11 – واللهِ ما هذا بِحُكْمٍ مُقْسِطٍ … أين الغرامُ وصَدُّ ذِي هِجرَانِ
12 – شَتَّان بَينَ الحالَتَيْن فَإنْ تُرِد … جَمْعًا فَما الضِّدَّانِ يَجْتَمعانِ
13 – يَا وَالِهًا هانَتْ عَلَيهِ نَفْسُهُ … إذْ بَاعَها غَبْنًا بِكلِّ هَوَانِ
14 – أتَبيعُ مَنْ تَهْواهُ نَفْسُك طائِعًا … بالصَّدِّ والتَّعذِيبِ والهِجْرانِ
15 – أجَهِلْتَ أوصافَ المَبِيعِ وقَدْرَهُ … أمْ كُنتَ ذَا جَهْلٍ بِذِي الأَثْمانِ
16 – واهًا لِقَلْبٍ لا يُفارِقُ طَيرُه الْـ … أَغْصانَ قائمةً على الكُثبانِ
__________
= أن هذا الهجر لا يشق على هذا المحب لأن المحبة والهجر عندهم مستويان.
11 – ف: “ذي الهجران”.
12 – يعني بالحالتين: الأولى: حالة المحبة والقرب، والثانية: حالة الصدود والإعراض.
الضدان: هما اللذان لا يجتمعان وقد يرتفعان كالسواد والبياض. التعريفات للجرجاني ص 179.
13 – الولَه: الحزن وذهاب العقل لفقدان الحبيب، يقال رجل واله وامرأة واله ووالهة. اللسان 13/ 561.
غبَنه في البيع يغبِنه غَبْنًا: خدعه. القاموس 1573.
15 – المقصود بالمبيع هو ما يناله الإنسان بمحبة الله تعالى من رضى الله وجنته بدليل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] فإذا فرط الإنسان في محبة الله تعالى وهان عليه هذا المبيع الذي هو الرضا والجنة فقد خسر وهان.
16 – “واهًا” هنا للتلهّف.
– المقصود بالطائر هنا: الهم والكسب والإرادة، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]. شرح الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ – ق 11. وسيأتي إيضاحه في حاشية البيت 19.
كثبان: جمع كثيب، وهو الرمل المجتمع المحدودب.

(1/51)


17 – وَيظلُّ يشجَعُ فَوقَهَا ولغيرِه … منهَا الثِّمارُ وكلُّ قِطْفٍ دَانِ
18 – وَيبيتُ يَبْكِي والمُواصِلُ ضاحِكٌ … وَيَظَلُّ يَشْكُو وهْوَ ذُو شُكْرانِ
19 – هَذا ولو أنَّ الجَمَال معلَّقٌ … بالنَّجمِ هَمَّ إليهِ بالطَّيَرانِ
__________
17 – سجَع الحمام يسجَع سَجْعًا: هدل على جهة واحدة، وسجعت الحمامة إذا
دعت وطربت في صوتها. اللسان 8/ 150.
القِطف: ما قطع من الثمر وقطف، وهو أيضًا العنقود ساعة يقطف. والداني: القريب. قال تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [لحاقة: 23] أي: ثمارها قريبة التناول يقطفها القاعد والقائم. اللسان 9/ 285.
18 – في طه: “ذو هجران”.
19 – قال الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ -رحمه الله- في شرحه لهذه الأبيات الأربعة من قوله: “واهًا لقلب .. ” إلى قوله: “بالطيران”: “أراد الناظم الاستعارة والتشبيه لقلب قعدت إرادته على الرسوم والأطلال فلم يظفر بنيل ما وراء ذلك من حقائق الإيمان وصادق الأعمال، بطير لازم الأغصان ووقف على تلك الأفنان والكثبان ولم يصل إلى ما عليها من يانع الثمار والفواكه الشهية، فهو دائمًا يسجع فوقها ويحن عليها، والوصول تعذر عليه. وغيره قد فاز به واستحوذ عليه ونال ما فيه من المقاصد والثمار واللطائف. ولذلك بات المحروم يبكي والمواصل ضاحك، وظل يشكو والمواصل شاكر، ومع هذا الحرمان والحال هو شديد التعلق بالجمال والكمال حتى لو كان معلقًا بالثريا لهمّ بالطيران إليه، ومع ذلك قد قيد نفسه ولم يتجاوز رسوم تلك المعاهد ولم ينهض لنيل تلك المطالب والفوائد. فما أحسن هذه الاستعارة وما اشتملت عليه من دقيق المعنى ولطيف العبارة، وما أكره أصحاب هذه القلوب، وما أعزّ من نفذ في سيره وقصده إلى عين المراد والمطلوب.
وأنت خبير بأن الناظم قصد تشبيه قلوب أهل الكلام في حال وقوفهم على نصوص الكتاب والسنة مع عدم الانتفاع بما فيها من حقائق العلم والإيمان ومقاصد التوحيد والإحسان وحالهم في هذا مع أهل العلم والقرآن وورثة =

(1/52)


20 – للهِ زَائِرةٌ بلَيلٍ لَمْ تَخَفْ … عَسَسَ الأميرِ ومَرْصَدَ السَّجَّانِ
__________
= الرسل وخلاصة الإنسان الذين أدركوا أنواع المعارف والأحكام وفازوا بخلع الإيمان والإسلام، وخُصّوا بخالصة من الملك العلام. فهذه الاستعارة انتظمت حال الفريقين بالطف إشارة”. اهـ، شرح الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ق 13.
20 – اللام في قوله: “لله زائرة” للتعجب.
أراد المؤلف رحمه الله بالزائرة: العلوم الإلهية والتوفيق لاتباع السنة، قال الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ رحمه الله في شرحه لهذا البيت: “عرض بذكر محبوبة زارت على تلك الحال الموصوف والشأن المخصوص على ما جرت به عادتهم في أشعارهم ومطالع إنشادهم بذكر ما تشتاق إليه النفوس وتميل إليه الطباع من ذكر الحب والمحبوب، والوصل والمواصل، والتوجع على الهجر والفراق والتشتيت والبعاد، كما قال كعب بن زهير:
بانت سعادُ فقلبي اليوم متبولُ … متيَّمٌ إثرَها لم يُفْدَ مكبولُ
… ولا عبرة هنا بمن كثف طبعه وغلظ فهمه حتى خرج عما ركب الله عليه بني آدم وجبلهم عليه من الميل الطبيعي إلى هذا النوع الذي هو محل الشهوة ومستراح النفوس، والمراد حقيقة هو ما أفيض على تلك النفوس المطمئنة من العلوم الإلهية والمواهب الربانية التي أعظمها وأجلّها إلهامه وتوفيقه للتصدي للانتصار للفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. يؤيد هذا قوله: “قطعت بلاد الشام البيت” وكذا قوله: “وأتت على وادي العقيق … ” وما بعده من ذكر وادي الأراك وعرفة ومحسر والصفا، كل هذه دالة على ما تقدم ذكره من أن المراد ما أفيض على النفوس المطمئنة ولا بد لمريد النسك من الوقوف بتلك المشاعر والمرور في هاتيك الفجاج والموارد .. ” اهـ. شرح الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ق 13 – 14.
العَسَس: من عسَّ يعُسّ عَسَسًا وعَسًّا أي: طاف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة، والعسس اسم منه كالطلب، وقد يكون جمعًا لعاسٍّ. اللسان 6/ 139.
المرصد: موضع الرصد والمراقبة. والسجّان: قيّم السجن.

(1/53)


21 – قَطعتْ بِلادَ الشَّامِ ثُمَّ تَيمَّمَت … مِن أَرْضِ طَيْبَةَ مَطلِعَ الإِيمانِ
22 – وأتَتْ على وادِي العَقيقِ فَجاوزَتْ … مِيقَاتَهُ حِلًّا بِلَا نُكرانِ
23 – وأَتَتْ عَلى وَادِي الأَرَاكِ ولَمْ يَكنْ … قَصْدًا لَهَا فَأْلًا بأنْ سَتَراني
24 – وأتتْ على عَرَفَاتِ ثُم مُحسِّرٍ … وَمِنىً فَكم نَحَرَتْه من قُربَانِ
__________
21 – تيممت: قصدت.
طيبة: اسم مدينة الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
22 – وادي العقيق: يقع غرب المدينة، ويخترقه الطريق إلى مكة، وقد اتصل به بنيان المدينة، والعقيق أشهر أودية المدينة، وكان قديمًا يقع في بلاد مزينة وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أقطعه لبلال بن الحارث المزني، وفي كتاب الحج من صحيح البخاري باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “العقيق واد مبارك” وفيه جملة أحاديث تدل على فضله. معجم ما استعجم ص 952، معجم البلدان 4/ 156، والمغانم المطابة في معالم طابة ص 454، وفتح الباري 3/ 458، وتاريخ معالم المدينة ص 199.
حِلًّا: سني: من غير إحرام بعمرة ولا حج.
23 – وادي الأراك: موضع بعرفة، ومن مواقفها من ناحية الشام. معجم ما استعجم ص 134، معجم البلدان 1/ 164.
الفأل: حسن الظن بالله وتوقع الخير، ومثال الفأل: أن يكون الرجل مريضًا فيسمع آخر يقول يا سالم فيتفاءل بذلك أنه يبرأ من مرضه، والفأل ضد الطيرة. اللسان 11/ 513.
24 – عرفات: المشعر المعروف من مشاعر الحج، وهي فسيح من الأرض محاط بقوس من الجبال يكون وتره وادي عرنة. معجم البلدان 4/ 117، معالم مكة التاريخية والأثرية لعاتق بن غيث البلادي ص 182. [ضبطنا “عرفاتِ” بكسر التاء من غير تنوين كما في ظ، د. وفيه وجه آخر، وهو فتحها في النصب والجر. أما في قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] فأجمع القراء على تنوينه، وهو قياس العربية. انظر: مشكل إعراب القرآن لمكي 1/ 124] (ص). =

(1/54)


25 – وأتتْ على الجَمَراتِ ثُم تَيمَّمتْ … ذاتَ السُّتور وربَّةَ الأرْكانِ
26 – هذا وما طافَتْ ولا اسْتلَمَتْ ولا … رَمَتِ الجِمَارَ ولا سَعَتْ لِقِرَانِ
27 – وعَلَتْ على أَعْلَى الصَّفَا فَتَيمَّمتْ … دَارًا هُنَالِك للمحِبِّ العَاني
__________
= محسر: واد صغير يأتي من الجهة الشرقية لثبير الأعظم من طرف ثقبة ويذهب إلى وادي عرنة، فإذا مرّ بين منى ومزدلفة كان الحد بينهما فيتجه جنوبًا، وهو اليوم من أحياء مكة والمعروف منه للعامة ما يمر فيه الحاج بين مزدلفة ومنى. معجم ما استعجم ص 1190، معجم البلدان 5/ 74، معالم مكة ص 248.
منى: بالكسر والتنوين أحد مشاعر الحج وأقربها إلى مكة، وفيه الجمَرات الثلاث، ومسجد الخَيف وغيره، معجم البلدان 5/ 229. معالم مكة ص 290.
قربان: ما يتقرب به إلى الله من الذبائح وغيرها. اللسان 1/ 665.
25 – الجمرَات: موضع رمي الجمار بمنى، وهي تلك المشاعر الثلاث في منى: جمرة العقبة، والجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى. معجم البلدان 2/ 188، معالم مكة ص 66.
ذات الستور: يعني: الكعبة المشرفة.
26 – القِران: أحد أنواع الإحرام الثلاثة، وصفته أن يجمع بين العمرة والحج في إحرام واحد، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف. المغني والشرح الكبير 3/ 238، منسك شيخ الإسلام ابن تيمية وهو في مجموع الفتاوى 26/ 100.
27 – علت: في سائر النسخ: “رَقَتْ”. واخترنا ما في الأصل لأنه صحيح لا غبار عليه إلّا الزيادة في تكرار العين واللام في البيت، أما الفعل “رقي” فهو في معنى الصعود بكسر القاف. وهذا هو الفصيح المعلوم الذي ثبت في كتب اللغة إلّا إذا ذهب إلى لغة طيئ. ثم إنّه يتعدى بحرف “إلى” كما سيأتي في البيت 235. (ص).
العاني: الأسير والخاضع والعبد. اللسان 15/ 101.

(1/55)


28 – أَتُرى الدَلِيلَ أعارَها أَثْوابَهُ … والرِيحَ أَعْطتْها مِنَ الخَفَقَانِ
29 – وَاللَّهِ لَو أنَّ الدَليلَ مكَانَها … ما كانَ ذلِكَ مِنهُ في إِمكَانِ
30 – هَذا ولَوْ سَارتْ مَسِيرَ الريحِ مَا … وَصَلتْ بِه لَيْلًا إلى نَعْمانِ
31 – سَارَتْ وكانَ دَلِيلَها فِي سَيْرِها … سَعْدُ السُعودِ وليسَ بالدَّبَرانِ
__________
28 – الخففان: بالفتح، اضطراب الشيء العريض يقال راياتهم تخفِق وتختفق، وقال الأزهري: خفقت الريح خفقانًا، وهو حفيفها أي دويّ جريها قال الشاعر:
كأن هُوِيَّها خفقانُ ريحٍ … خريقٍ بين أعلامٍ طوالِ
وريح خيفَق: سريعة. اللسان 10/ 80، 81، ومراد الناظم رحمه الله أن هذه الزائرة لشدة شوقها سارت مسيرًا سريعًا حثيثًا إليه، ولم تحتج إلى دليل يرشدها إلى الطريق.
30 – نَعمان: هو نعمان الأراك، وهو واد فحل من الأودية التي تحيط بمكة، ويبعد عنها (24 كيلًا) شرقًا تقريبًا فإذا اجتمع مع عرنة مر على حدود الحرم على بعد (12 كيلًا)، جنوب مكة. معجم ما استعجم ص 1316، معجم البلدان 5/ 339، أودية مكة ص 30.
31 – كذا ضبط البيت في ف، على أن “دليل” خبر مقدّم لكان، و”سعد” اسمها؛ خلافًا لضبطه في د. (ص).
سعد السعود: من كواكب الجوزاء، وهما كوكبان أحدهما نير والآخر دونه، وقيل له سعد السعود لتيمنهم به، وطلوعه لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شباط وسقوطه لأربع عشرة تمضي من آب، يقول ساجع العرب: (إذا طلع سعد السعود، نضر العود، ولانت الجلود، وذاب كل مجمود، وكره الناس في الشمس القعود). الأنواء في مواسم العرب لابن قتيبة ص 82، الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب ص 28، 24، المخصص لابن سيده 9/ 16، الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1/ 195.
الدبران: كوكب أحمر منير يتلو الثريا ويسمى تابع النجم وتالي النجم، وباستدباره الثريا سُمّي دبرانًا، ونوؤه ثلاث ليال، ويقال: ليلة، وكان العرب يبغضونه. الأنواء في مواسم العرب ص 41، الأزمنة لقطرب ص 25، المخصص 9/ 10، والأزمنة للمرزوقي 1/ 188.

(1/56)


32 – [وَرَدَتْ جِفَارَ الدَمْع وهي غَزِيرَةٌ … فَلِذَاك مَا احتَاجَتْ وُرُودَ الضَّانِ]33 – وَعَلَتْ عَلَى مَتْنِ الهَوَى وتَزَوَّدَتْ … ذكْرَ الحَبيبِ ووصْلَهُ المتدَانِي
34 – وَعَدَتْ بِزَوْرَتِهَا فأَوْفَتْ بالّذي … وَعَدَتْ وكانَ بِمُلتَقَى الأجْفَانِ
35 – لَم تَفْجَأِ المُشْتاقَ إلا وهْي دا … خِلَةُ السُّتُورِ بِغَير مَا اسْتِئذانِ
36 – قالتْ وقدْ كَشَفَتْ نِقابَ الْحُسْنِ ما … بالصَبرِ لي عَنْ أنْ أَرَاكَ يَدانِ
37 – وَتحَدّثَتْ عِندِي حَديثًا خِلْتُه … صِدْقًا وقَد كَذَبتْ به العَينَانِ
__________
32 – الجِفار: جمع جُفْرة، وهي الحفرة الواسعة المستديرة. اللسان 4/ 143.
– قوله: “ورود الضان”: قال الشيخ محمد خليل هراس في معنى ذلك: أنها وردت آبار الدمع غزارًا فاكتفت بها عن كل ورد سواها”. شرح النونية 1/ 20. [وكلمة “الضان” كتبت بالصاد المهملة والياء (الصاني) في د، ظ، وبدون ياء في ف، وذكر أن في نسخة بالمعجمة] (ص).
– لم يرد هذا البيت في المتن إلا في د. وفي غيرها كتب في الحاشية. أما في الأصل وف، فكتب بخط مختلف عن خط النسخ والمقابلة، ومن غير علامة صح في آخره. ويبدو لي والله أعلم أنه من الأبيات المنسوخة. (ص).
33 – مراد الناظم رحمه الله بيان شدة شوق هذه الزائرة، وأنها لشدة شوقها ما احتاجت إلى ركوب دابة تنقلها ولا إلى حمل زاد من طعام وشراب لتتغذى به، وإنما حملها هواها وحبها لهذا الحبيب واغتنت بذكره وقرب وصله عن الطعام والشراب.
34 – ب: “غدت بزورتها”، تصحيف.
“ملتقى الأجفان”: يعني: أن هذا اللقاء حصل في المنام.
– س، ط: “يفجأ” بالتحتية.
36 – النقاب: القناع على مارن الأنف. اللسان 1/ 768.
37 – طع: “فتحدثت”.
خِلته: ظننته.
– لأنه لم يكن لقاء في الحقيقة وإنما في المنام. قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عند كلامه على هذا البيت: “المقصود نوم الغفلة لا نوم الجسم” ق 14.

(1/57)


38 – فَعَجِبتُ مِنهُ وقُلتُ من فَرَحِي بِهِ … طَمَعًا وَلكِنَّ المَنامَ دهَاني
39 – (إنْ كُنتِ كاذبةَ الذِي حَدَّثْتِني) … فَعَلَيكِ إثمُ الكاذِبِ الفتَّانِ
40 – جَهْمِ بنِ صفوانٍ وشيعتِه الأُلى … جَحدُوا صِفاتِ الخَالِق المنّانِ
__________
38 – دهاه الأمر: أصابه من حيث كان يأمن.
39 – الشطر الأول مأخوذ من قول حسان بن ثابت:
إن كنت كاذبةَ الذي حدّثتني … فنجوتِ مَنْجَى الحارثِ بن هشامِ
– هذه الزائرة التي يتصورها الناظم ما حدثته إلا بالكتاب والسنة، كما سبق في حاشية البيت رقم 20. فقول الناظم لها: “إن كنت كاذبة” ليس تكذيبًا لها أو شكًّا في كلامها، وإنما هو من باب التقدير والمجاراة في الكلام، كما قال تعالى لرسوله – صلى الله عليه وسلم -: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94].
الكاذب الفتان: يعني جهم بن صفوان كما في البيت الذي بعده، وفي هذا حسن تخلص.
40 – الجهم بن صفوان: أبو محرز السمرقندي، مولى بني راسب، الكاتب المتكلم، إليه تنسب الفرقة المعروفة بـ “الجهمية”. قال عنه الذهبي: “الضال المبتدع، رأس الجهمية هلك في زمان صغار التابعين، وما علمته روى شيئًا لكنه زرع شرًّا عظيمًا” اهـ. قتله نصر بن سيار سنة 128 هـ. سير أعلام النبلاء 6/ 26، ميزان الاعتدال 2/ 426، لسان الميزان 2/ 142. وسيأتي تفصيل أقواله وضَلالته فيما يأتي من أبيات.
شِيعة الرجل: أولياؤه وأنصاره، وكلّ قوم اجتمعوا على أمر فهم شِيعة. اللسان 8/ 188.
الألى: الذين.
الجَحد والجُحود: الإنكار مع العلم. الصحاح 2/ 451.
– في غير الأصل: “الخالق الديان”. افتتح الناظم رحمه الله بذكر مذهب الجهمية لأنّه أغلظ الفرق وأشدها، ولأن مذهب الجهم في التعطيل أصل تفرع عنه كثير من الفرق الضالة كالمعتزلة والفلاسفة ومتأخري الأشاعرة =

(1/58)


41 – بَلْ عطَّلوا منهُ السَّماواتِ العُلَى … والعَرْشَ أَخْلَوهُ مِنَ الرَّحْمنِ
42 – ونَفَوْا كَلَامَ الرَّبِّ جلَّ جلَالُهُ … وقَضَوْا له بالخَلْقِ والحِدْثَانِ
43 – قَالُوا ولَيْسَ لربِّنَا سَمْعٌ وَلَا … بَصَرٌ وَلَا وَجْهٌ فَكَيف يَدانِ
44 – وكَذاكَ لَيسَ لِربِّنا مِنْ قُدرةٍ … وإرادةٍ أَو رحْمَةٍ وحَنَانِ
45 – كلَّا ولا وصْفٌ يقومُ به سِوَى … ذاتٍ مُجرَّدَةٍ بِغَيْرِ مَعَانِ
46 – وحياتُهُ هِيَ نفسُه وكلامُه … هوَ غَيرُهُ فاعْجَبْ لِذَا البُهْتانِ
__________
= وغيرهم. وللمصنفين في الفرَق طرق في ترتيبها، فمنهم من يبدأ بالأخف ثم الأغلظ كما فعل عبد الله بن الإمام أحمد وابن بطة وغيرهما، ومن المصنفين من يبدأ بذكر الأغلظ ثم الأخفّ كما فعل الناظم هنا. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 13/ 49 – 55.
41 – العرش: في اللغة: السرير الذي للملك كما قال تعالى عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] وفي الاصطلاح: سرير ذو قوائم تحمله الملائكة وهو كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات. انظر: مجموع الفتاوى 16/ 402، تفسير ابن كثير 1/ 309، شرح العقيدة الطحاوية 2/ 366، وسيأتي إن شاء الله في فصل قادم تفصيل مسألة العلو والاستواء على العرش وعرض أدلة إثباتها والرد على المخالفين. (انظر البيت 1046 وما بعده).
42 – أي: قالوا إن كلام الله تعالى ليس صفة قائمة بذاته سبحانه وإنما هو مخلوق من المخلوقات. وإضافته إلى الله تعالى إضافة تشريف كما يقال: بيت الله وناقة الله، وقالوا أيضًا: إن كلام الله تعالى حادث بعد أن لم يكن، وأن الله صار متكلمًا بكلام مخلوق بعد أن لم يكن كذلك. وسيأتي إن شاء الله تفصيل صفة الكلام والرد على المخالفين وبيان عقيدة السلف في ذلك. انظر البيت 829 وما بعده.
43 – أي: الجهمية ومن سلك سبيلهم من نفاة الصفات.
44 – الحنان: الرحمة والعطف. اللسان 13/ 128.
45 – أي: مجردة عن الصفات.
46 – من تناقض الجهمية أنهم يفرقون بين المتماثلات فيقولون: صفة الحياة قائمة بذاته، أما الكلام فهو مغاير لذاته منفصل عنها، وسيأتي في كلام=

(1/59)


47 – وَكَذاكَ قَالوا مَا لَهُ مِنْ خَلْقهِ … أحدٌ يَكونُ خلِيلَهُ النَّفْسَانِي
__________
= الناظم تفصيل ذلك. انظر: البيت 878 وما بعده.
– قوله: “كلامه هو غيره”: قال شيخ الإسلام رحمه الله عند حكايته قول الجهمية في كلام الله: يقولون أولًا إن الله تعالى لا يتكلم، بل خلق كلامًا في غيره، وجعل غيره يعثر عنه. وأن قوله تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء: 10] وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة إذا بقي ثلث الليل، فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ” معناه أن ملكًا يقول ذلك عنه. مجموع الفتاوى 12/ 309، وقال في موضع آخر: يقولون: كلام الله مخلوق يخلقه في بعض الأجسام فمن ذلك الجسم ابتدأ لا من الله، ولا يقوم عندهم بالله كلام ولا إرادة. مجموع الفتاوى 12/ 163، والحديث الذي ذكره سيأتي تخريجه موسعًا، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث الكلام. انظر البيت 829 وما بعده.
البهتان: الكذب والباطل الذي يتحير من بطلانه، والبهتان: الافتراء، وبهت فلان فلانًا أي: كذب عليه. اللسان 2/ 13.
47 – الخليل من الخُلّة وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه، والخليل: المحب الذي ليس في محبته خلل، ومنه قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]. اللسان 11/ 218. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والخُلّة هي كمال المحبة المستلزمة من العبد كمال العبودية لله، ومن الربّ سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه. ولفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب فإنهم يقولون: قلب متيَّم إذا كان متعبدًا للمحبوب، والمتيم: المتعبد، وتَيْم الله: عبده، وهذا على الكمال حصل لإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام ولهذا لم يكن له من أهل الأرض خليل، إذ الخلة لا تحتمل الشركة فإنه كما قيل في المعنى:
قد تخلّلت مسلكَ الروح منّي … وبذا سُمِّي الخليلُ خليلا
والخلة بخلاف أصل الحب، فالله أخبر أنه يحب المتقين والمحسنين. أما الخلة فخاصة. انتهى ملخصًا. مجموع الفتاوى 10/ 203 – 204.
وقال في موضع آخر: “وأنكرت الجهمية حقيقة المحبة بين الطرفين زعمًا منهم أنّ =

(1/60)


48 – وخَلِيلُهُ المُحْتَاجُ عِندَهُمُ وفِي … ذَا الوَصْفِ يَدْخلُ عَابِدُ الأَوْثَانِ
49 – فالكُلُّ مُفْتَقِرٌ إليهِ لِذاتِهِ … في أَسْرِ قَبضتِهِ ذليلٌ عانِ
55 – ولأَجلِ ذَا ضَحَّى بِجَعْدٍ خالِدُ الـ … ـقَسْرِيُّ يومَ ذَبائِحِ القُرْبَانِ
__________
= المحبة لا تكون إلّا لمناسبة بين المحب والمحبوب، وأنه لا مناسبة بين القديم والمحدَث توجب المحبة”. ثم قال: “فالخلة تنافي المزاحمة وتقدم الغير بحيث يكون المحبوب محبوبًا لذاته محبة لا يزاحمه فيها غيره وهذه محبة لا تصلح إلا لله فلا يجوز أن يشركه غيره فيما يستحقه من المحبة وهو محبوب لذاته وكل ما يحب غيره -إذا كان محبوبًا بحق- فإنما يحب لأجله وكل ما أحب لغيره فمحبته باطلة، فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله تعالى، وإذا كانت الخلة كذلك فمن المعلوم أن من أنكر أن يكون الله محبوبًا لذاته ينكر مخالّته، وكذلك أيضًا إن أنكر محبته لأحد من عباده فهو ينكر أن يتخذه خليلًا بحيث يحب الرب ويحبه العبد على أكمل ما يصلح للعباد” اهـ. مجموع الفتاوى 10/ 66 – 69.
48 – خليله المحتاج: من الخَلّة بفتح الخاء بمعنى الحاجة والفقر. قال شيخ الإسلام رحمه الله: “ونعتقد أن الله اتخذ إبراهيم خليلًا وأنّ الخُلَّة غير الفقر كما قال أهل البدع”. اهـ. انظر: مجموع الفتاوى 5/ 77.
عابد: كذا في الأصل ود. وفي غيرهما: “عابدو” جمع.
50 – الجعد بن درهم من الموالي، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا ولم يكلم موسى تكليمًا، وقال بخلق القرآن، وكان الجعدُ مؤدّبَ مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة. أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القرآن، فتطلّبه بنو أمية، فهرب منهم، وسكن الكوفة. وبها قتله خالد بن عبد الله القسري نحو سنة 118 هـ يوم النحر. ميزان الاعتدال 1/ 399، البداية والنهاية (ط. التركي) 13/ 147، الأعلام 2/ 120.
خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري من بَجِيلة أبو الهيثم ولد سنة 66 هـ يماني الأصل من أهل دمشق، وكان فيه مروءة وكرم وشدة على أهل البدع، إلا أنه كان يقع في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان أمير العراقين، قتل في أيام الوليد بن يزيد سنة 126 هـ. تهذيب التهذيب 3/ 101 – 102، وفيات الأعيان 2/ 226، الأعلام 2/ 297. =

(1/61)


51 – إذْ قَالَ: إبْرَاهيمُ لَيْسَ خَليلَهُ … كَلَّا وَلَا مُوسى الكَليمَ الدَّانِي
52 – شكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صَاحِبِ سُنَّةٍ … للهِ دَرُّكَ مِنْ أَخِي قُرْبَانِ
* * *

فصلٌ
53 – وَالعَبْدُ عنْدهُمُ فَلَيسَ بفَاعِلٍ … بَلْ فِعْلُه كَتَحرُّكِ الرَّجْفَانِ
54 – وهُبُوبِ رِيحٍ أو تَحرُّكِ نائِمٍ … وتَحَرُّكِ الأَشجارِ للمَيَلانِ
__________
= يشير إلى قصة قتل خالد القسري -رحمه الله- للجعد بن درهم وفيها أن خالد القسري خطب الناس يوم عيد الأضحى بالكوفة فقال: أيها الناس ضَحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مُضَحٍّ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلّم موسى تكليمًا، تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوًا كبيرًا، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.
القصة رواها البخاري في خلق أفعال العباد ص 8، ورواها أيضًا في التاريخ الكبير 1/ 64، والبيهقي في السنن 10/ 205 – 206، والدارمي في الرد على الجهمية ص 113. وذكر الألباني بعدما ساق طريقين لهذه القصة أنّ الإسنادين يشذ أحدهما الآخر ويقويه. ولعله لذلك جزم العلماء بهذه القصة. مختصر العلو للذهبي ت الألباني ص 133 – 134. وانظر: مجموع الفتاوى 12/ 350، الصواعق المرسلة لابن القيم 3/ 1071.
51 – الداني: القريب.
52 – عندهم: أي: عند الجهمية.
الرَّجْفان: يعني المرتعش، من رجَفت يدُه ترجُف: ارتعشت من مرض أو كبر (المصباح المنير) وهذا كما قال في موضع آخر: “مثل ارتعاش الشيخ ذي الرجَفان” (2654) ويحتمل أن يضبط هنا أيضًا بفتح الجيم.
54 – هذا مجمل قول الجهمية في أفعال العباد فإنهم يقولون إن العبد مجبور على أفعاله ليس له فيها اختيار، وإن أفعاله تصدر منه على سبيل الاضطرار، وقالوا: إن الأفعال هى في الحقيقة أفعال الله وليست للعبد وإنما تنسب إليه=

(1/62)


55 – وَاللهُ يُصْليهِ عَلى مَا لَيْس مِنْ … أفْعَالِهِ حَرَّ الحَمِيمِ الآنِي
56 – لكِنْ يُعاقِبُهُ عَلى أَفْعَالِهِ … فِيهِ تَعالَى اللهُ ذو الإحسَانِ
57 – وَالظُلْمُ عِندَهُمُ المُحَالُ لِذاتِهِ … أنَّى يُنزهُ عَنهُ ذو السُّلطانِ
58 – وَيكونُ مَدْحًا ذَلِكَ التَّنْزِيهُ مَا … هَذا بِمَعْقولٍ لدى الأذْهَانِ
* * *
__________
= مجازًا، كما يقال: سقط الجدار وجرى الماء. وضرب المؤلف أمثلة لذلك بتحرّك الرجفان وهبوب الريح وحركة النائم وتمايل الأشجار، ومن المعلوم أن كل هذه أفعال اضطرارية. التبصير في الدين ص 97. مجموع الفتاوى 8/ 444، الغنية للجيلاني 1/ 94، شفاء العليل ص 287، الفرق بين الفرق ص 221، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 73، مقالات الإسلاميين 1/ 338.
55 – “الحميم الآني”: من أنى الماءُ: سخن وبلغ في الحرارة، وأنى الحميم أي: انتهى حره ومنه قوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44]. اللسان 14/ 48.
56 – وهذا من قول الجهمية أيضًا: أن الله يعاقب العبد على ما ليس من فعله من المعاصي والذنوب وأن الله يعاقبه على فعله فيه، وقالوا: إن هذا ليس ظلمًا لأنه تصرف في محض ملكه وسلطانه، لأن الظلم منه ممتنع لذاته فكل ممكن يدخل تحت القدرة ليس فعله ظلمًا، وقالوا: الظلم التصرف في ملك الغير أو الخروج من طاعة من تجب طاعته، وكل من هذين ممتنع في حق الله تعالى، وقد أوضح الناظم قولهم بقوله: والظلم عندهم المحال لذاته. مجموع الفتاوى 8/ 508، طريق الهجرتين لابن القيم ص 92، مختصر الصواعق المرسلة 1/ 221 – 222.
58 – التنزيه: سبق الكلام على معناه في التعليق على المقدمة.
– طه: “بمقبول”.
– ب، د، ط: لذي الأذهان.
– هذا ردّ من الناظم رحمه الله على قول الجهمية، فإذا كان الظلم محالًا على الله تعالى فكيف يمدح نفسه بأنه لا يظلم كما في قوله تعالى: (وَلَا=

(1/63)


فصلٌ
59 – وَكَذاكَ قَالُوا مَا لهُ مِنْ حِكْمَةٍ … هِي غَايةٌ لِلأَمْرِ والإِتْقَانِ
60 – مَا ثَمَّ غَيْرُ مشِيئةٍ قَدْ رجَّحَتْ … مِثْلًا عَلى مِثْلٍ بِلا رُجْحَانِ
__________
= يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] وقوله: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29] إذ كيف يمدح نفسه بترك شيء محال عليه أصلًا وليس له اختيار في فعله أو تركه، وكيف ينزه عن شيء لا يعقل؟ قال شيخ الإسلام رحمه الله بعدما حكى قول الجهمية المتقدم: “وقال كثير من أهل السنة والحديث والنظار: بل الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، ومن ذلك أن يبخس المحسن شيئًا من حسناته أو يحمل عليه من سيئات غيره وهذا من الظلم الذي نزه الله نفسه عنه كقوله تعالى .. ” ثم ذكر الأدلة على نفي الظلم عن الله، ثم قال: ومثل هذه النصوص كثيرة ومعلوم أن الله تعالى لم ينف بها الممتنع الذي لا يقبل الوجود كالجمع بين الضدين فإن هذا لم يتوهم أحد وجوده وليس في مجرد نفيه ما يحصل به مقصود الخطاب، فإن المراد بيان عدل الله وأنه لا يظلم أحدًا كما قال تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] ثم قال: ومثل هذه النصوص كثيرة وهي تبين أن الظلم الذي نزه الله نفسه عنه ليس هو ما تقوله القدرية ولا ما تقوله الجبرية ومن وافقهم. اهـ. مجموع الفتاوى 8/ 557 – 509.
وقال ابن القيم رحمه الله: “والجبرية عندهم لا حقيقة للظلم الذي نزّه الرب نفسه عنه البتة بل هو المحال لذاته، وكل ممكن عندهم فليس بظلم حتى إنه لو عذَّب رسله وأنبياءه وأولياءه أبد الآبدين وأبطل جميع حسناتهم وحملهم أوزار غيرهم وعاقبهم عليها .. لكان ذلك عدلًا محضًا فإنّ الظلم من الأمور الممتنعة لذاتها في حقه وهو غير مقدور له”. ثم قال: “وأصحاب هذا القول إنما نزّهوا الله عن المستحيل لذاته الذي لا يتصور وجوده ومعلوم أن هذا التنزيه يشترك فيه كل أحد ولا يمدح به أحد أصلًا”. مختصر الصواعق 1/ 222 – 223. وانظر البيت 1594.
60 – أنكرت الجهمية أن لله تعالى حكمة وقالوا إنه يفعل بلا حكمة، قال شيخ الإسلام بعدما حكى بعض مذهب القدرية: “وكذلك من قابلهم فنفى حكمة=

(1/64)


61 – هَذا وَما تِلْكَ المَشِيئَةُ وصفَهُ … بَلْ ذَاتُهُ أو فِعْلُهُ قَولَانِ
62 – وَكَلَامُهُ مُذْ كانَ غَيْرًا كَانَ مَخْـ … ـلُوقًا لَهُ منْ جُمْلَةِ الأكْوَانِ
63 – قَالُوا وإقْرارُ العِبَادِ بأَنَّه … خلَّاقُهم هُوَ مُنْتَهَى الإيْمَانِ
__________
= الرب الثابتة في خلقه وأمره وما كتب على نفسه من الرحمة وما حرمه على نفسه من الظلم”. ثم قال: فإن هذه الأقاويل أصلها مأخوذ من الجهم بن صفوان إمام غلاة المجبرة وكان ينكر رحمة الرب ويخرج إلى الجذمى فيقول: أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟! يريد بذلك أنه ما ثم إلا إرادة رجح بها أحد المتماثلين بلا مرجح لا لحكمة ولا رحمة”. مجموع الفتاوى 11/ 777. وقد ردّ الناظم على هذه الشبهة في شفاء العليل ص 417.
61 – الجهم لا يثبت المشيئة وصفًا لله تعالى قائمًا به، بل يجعلها تارة نفس الذات وتارة يفسرها بالفعل، وليس لله تعالى عند الجهم فعل يقوم به وإنما مراده بالفعل المفعول، فهما قولان للجهم في المشيئة: الأول: تفسيرها بالذات، الثاني: تفسيرها بالفعل.
وسيأتي تفصيل قول الجهم في أفعال الله تعالى. انظر البيت 169 وما بعده.
62 – قالت الجهمية: لما كان الكلام غير الذات كان مخلوقًا، وسيأتي إن شاء الله بيان قولهم مفصلًا. انظر البيت 837 وما بعده.
63 – هذا قول الجهم في الإيمان، قال البغدادي: “وزعم -أي الجهم- أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط”. الفرق بين الفرق ص 221. وقال الشهرستاني في معرض كلامه عن معتقدات الجهم: “ومنها قوله: من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده لأن العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد فهو مؤمن، قال: والإيمان لا يتبعض، أي: لا ينقسم إلى عقد وقول وعمل، قال: ولا يتفاضل أهله فيه فإيمان الأنبياء وإيمان الأمة على نمط واحد، إذ المعارف لا تتفاضل”. الملل والنحل 1/ 74. وقال ابن حزم: “فإن جهمًا والأشعري يقولان: إن الإيمان عقد بالقلب فقط، وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه، وعبد الصليب في ديار الإسلام بلا تقية”. الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/ 266، وقال الجيلاني عن الجهم: “وكان يقول: الإيمان هو المعرفة بالله ورسوله وجميع ما جاء من عنده فقط”=

(1/65)


64 – وَالنَّاسُ فِي الإيمَانِ شَيْءٌ وَاحِدٌ … كَالمُشطِ عنْدَ تَمَاثُلِ الأسْنانِ
65 – فَاسْألْ أبَا جَهْلٍ وَشيعَتَهُ وَمَنْ … وَالَاهُمُ مِنْ عَابِدي الأوْثانِ
66 – وسَلِ اليَهودَ وكُلَّ أَقْلَفَ مُشْرِكٍ … عَبَدَ المَسِيحَ مُقَبِّلَ الصُّلْبَانِ
67 – واسْأَلْ ثَمُودَ وَعادَ بَلْ سَلْ قَبْلَهُمْ … أعْدَاءَ نُوحٍ أُمّةَ الطُّوفَانِ
68 – واسْألْ أَبَا الجِنِّ اللعِينَ أَتَعْرِفُ الـ … ـخلَّاقَ أَمْ أَصْبَحْتَ ذَا نُكْرانِ
__________
= اهـ. الغنية ص 1/ 90. والذي يظهر لمن يطالع سيرة الجهم وواقع عصره أنه ركب هذا القول من كلام المتفلسفة من الزنادقة الذين لا يعدو الإيمان عندهم مجرد الإقرار النظري بوجود الله، ومن كلام المرجئة الفقهاء الذين أصروا على نفي دخول الأعمال في الإيمان.
انظر ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي ص 273 – 279 رسالة دكتوراه مطبوعة على الآلة الكاتبة مقدمة لقسم العقيدة بجامعة أم القرى.
65 – كان أبو جهل وقومه يعبدون الأصنام ولكنهم يعترفون بالله ويقرّون به، والدليل قوله تعالى عنهم في بيان حجتهم في عبادة الأصنام: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] فمع إقرارهم بالله لم ينفعهم هذا الإقرار بسبب شركهم في عبادته.
66 – أقلف: غير مختون، ويعني الناظم بهذا الوصف: النصارى فإنهم لا يختتنون كما روى البخاري أنّ هرقل (ملك النصارى في عهد النبوة) قال لبطارقته: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود .. الحديث رواه البخاري 1/ 33/ ح 6 فتح- كتاب بدء الوحي، فهذا يدل على أن النصارى لا يختتنون. انظر فتح الباري 1/ 42، والمغني لابن قدامة 1/ 100.
– اليهود والنصارى على مذهب الجهم مؤمنون لأنهم يقرون بالله ويعرفونه كما قال تعالى عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18].
68 – إبليس على مذهب الجهم من المؤمنين لأنه عارف لله مُقِرٌّ بهِ كما قال تعالى حاكيًا عنه: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39].

(1/66)


69 – واسألْ شِرَارَ الخَلْقِ أَعْنِي أُمَّةً … لُوطِيَّة هُمْ ناكِحُو الذُكْرَانِ
70 – واسألْ كَذاكَ إمَامَ كُلِّ مُعَطِّلٍ … فِرعَونَ مَعْ قَارُونَ مَعْ هَامَانِ
71 – هلْ كانَ فِيهِمْ مُنكرٌ لِلْخالِقِ الرَّ … بِّ العَظيمِ مُكوِّنِ الأَكْوانِ
72 – فَلْيُبْشِرُوا مَا فِيهِمُ مِنْ كافِرٍ … همْ عنْدَ جَهمٍ كَامِلو الإيمانِ
* * *

فصلٌ
73 – وَقَضَى بِأَن اللهَ كانَ مُعطَّلًا … والفِعلُ مُمتَنِعٌ بِلَا إمْكَانِ
74 – ثُمَّ اسْتحَالَ وصَارَ مَقْدُورًا لَهُ … مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ قَامَ بالدَّيَّانِ
__________
69 – قوم لوط كذلك كانوا يقرون بالله ويعرفونه كما أخبر تعالى أن لوطًا قال لقومه: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166] فهم لم ينكروا عليه إقراره بالرب وإنما نهيهم عن فاحشتهم.
70 – وانظر البيت 479، والبيت 1517.
قارون: تاجر بني إسرائيل وهو الذي قال الله تعالى فيه: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} [القصص: 76].
هامان: وزير فرعون، وقد ذكره الله تعالى بقوله: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)} [غافر: 36].
– فرعون وقومه على مذهب الجهم من المؤمنين لأنهم يقرون بالله ويعرفونه كما قال تعالى عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
73 – يدعي الجهم أن الحوادث يجب أن يكون لها مبدأ لامتناع حوادث لا أول لها، وبناءً على هذا المبدأ قال: إنه تعالى صار قادرًا على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادرًا عليه لكونه صار الفعل والكلام ممكنًا بعد أن كان ممتنعًا وأنه انقلب من الامتناع الذاتى إلى الإمكان الذاتي. شرح الطحاوية 2/ 103، وسيأتي في كلام الناظم تفصيل هذه المسألة. انظر البيت 956 وما بعده.

(1/67)


75 – بَل حَالُهُ سُبحَانَهُ فِي ذَاتِهِ … قبْلَ الحُدُوثِ وَبَعْدَهُ سِيَّانِ
76 – وَقَضَىَ بِأَن النَّارَ لَم تُخلَقْ وَلا … جَنَّاتُ عَدْنٍ بَلْ هُمَا عَدَمَانِ
77 – فَإذَا هُمَا خُلِقَا لِيَومِ مَعادِنَا … فَهُمَا عَلى الأَوْقَاتِ فانِيَتَانِ
78 – وَتَلَطَّفَ العَلَّافُ مِنْ أَتْبَاعِهِ … فأَتى بضُحْكَةِ جاهلٍ مَجَّانِ
79 – قَالَ: الفَناءُ يَكونُ في الحَرَكاتِ لَا … فِي الذَّاتِ واعجَبَا لِذَا الهَذَيانِ
__________
75 – سيان: مثلان مستويان. القاموس 1673.
76 – يزعم الجهم أن الجنة والنار غير موجودتين الآن وإنما تخلقان يوم القيامة. قال الجيلاني في الغنية لما ذكر مقالة الجهمية: “وأنكروا الموازين وعذاب القبر، وكون الجنة والنار مخلوقتين”. الغنية لعبد القادر الجيلاني ص 90، وانظر: شرح صحيح مسلم للنووي 31/ 13، فتح الباري 419/ 11 وما بعدها، البعث والنشور للبيهقي ص 112.
77 – هذا أيضًا من بدع الجهمية وهي قولهم إن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهليهما فيهما وتلذذ أهل الجنة بنعيمها وتألم أهل النار بجحيمها. انظر: الملل والنحل 1/ 74، الفرق بين الفرق ص 221، التبصير في الدين 98، الغنية 95، مقالات الإسلاميين 2/ 167، مختصر الصواعق 1/ 187.
78 – التلطف للأمر: الترفق له. قاله تهكّمًا.
العلّاف: هو أبو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبيد الله بن مكحول، شيخ المعتزلة في عصره ومصنف الكتب في مذاهبهم، قال الذهبي: أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل تلميذ واصل بن عطاء الغزال، وقال الخطيب: وكان خبيث القول فارق إجماع المسلمين، ت سنة 227 هـ وقيل 235 هـ. تاريخ بغداد 3/ 363، سير أعلام النبلاء 10/ 542، لسان الميزان 5/ 413.
مجّان: مبالغة الماجن وهو الذي يخلط الجدّ بالهزل، وقيل: الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له لقلة استحيائه. اللسان 13/ 400.
79 – هذا قول العلاف وهو أن نعيم الجنة وعذاب النار ينتهي، بحيث إن حركات أهل الجنة وحركات أهل النار تسكن سكونًا تامًا، لأن الحركات كلها لا تبقى، بل لها آخر تنتهي إليه، مقالات الإسلاميين 2/ 47، 167، سير أعلام النبلاء 10/ 542، مختصر الصواعق 1/ 187.

(1/68)


80 – أَيَصِيرُ أَهْلُ الخُلْدِ فِي جَنَّاتِهمْ … وجَحِيمِهِمْ كَحِجَارَةِ البُنْيَانِ
81 – مَا حَالُ مَنْ قَدْ كَانَ يَغْشَى أَهلَهُ … عِنْدَ انْقِضَاءِ تَحَرُّك الحَيَوانِ
82 – وَكَذاكَ مَا حَالُ الذي رفَعَتْ يَدَا … هُ أُكْلَةً مِنْ صَحْفَةٍ وخِوَانِ
83 – فَتَنَاهتِ الحَرَكَاتُ قَبلَ وصُولِهَا … لِلْفَم عِنْدَ تَفَتُّحِ الأَسْنَانِ
84 – وكذاكَ ما حَالُ الذِي امتَدَّتْ يَدٌ … مِنْهُ إلى قِنْوٍ مِنَ القِنْوانِ
85 – فتَنَاهَتِ الحَرَكَاتُ قَبلَ الأخْذِ هلْ … يَبْقَى كذلِكَ سَائِرَ الأزْمَانِ
86 – تَبًّا لِهَاتِيكَ العُقُولِ فَإنَّها … واللهِ قد مُسِخَتْ عَلى الأَبْدانِ
87 – تَبًّا لِمَنْ أضْحَى يُقَدِّمُهَا على الْـ … آثارِ والأَخبَارِ والقُرآنِ
* * *

فصلٌ
88 – وَقَضَى بِأنَّ اللهَ يَجْعلُ خَلْقَهُ … عَدَمًا وَيقْلِبُه وُجُودًا ثَاني
__________
80 – هذا شروع من المصنف رحمه الله في مناقشة مذهب العلاف.
82 – الأُكْلة: اللقمة من الطعام. اللسان 11/ 19.
الصَّحْفة: طبق يوضع فيه الطعام وجمعها صِحاف وقد قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: 71]. اللسان 9/ 187.
الخوان: بكسر الخاء وضمها: المائدة وما يوضع عليه الطعام عند الأكل. اللسان 13/ 146.
84 – القِنْوان: جمع القِنْو، وهو العِذق بما فيه من الرطب. اللسان 15/ 204.
86 – التبّ: الخسار، وتبًا له: دعاء عليه، ومعناه: ألزمه الله خسرانًا وهلاكًا. اللسان 1/ 226.
المسخ: في الأصل تحويل صورة إلى صورة أقبح منها اللسان 3/ 55، ومراد الناظم أن عقولهم ممسوخة قد ركبت على أبدان سليمة.
88 – ثاني: أصله ثانيًا، نعت لـ “وجودًا”. يرى الجهم أن العالم كله علويّه وسفليه سيفنى يوم القيامة ويصير عدمًا مخضًا، والذي أوقع الجهم وأتباعه في هذه=

(1/69)


89 – العَرْشُ والكُرْسِيُّ والأَرْوَاحُ والْـ … أَمْلاكُ والأَفْلاكُ والقَمرَانِ
90 – والأَرْضُ والبَحْرُ المُحِيطُ وسَائرُ الْـ … أكوانِ منْ عَرَضٍ ومِنْ جُثْمَانِ
__________
= الجهالات أنهم بنوا دينهم في إثبات الخالق والمعاد على إثبات الجوهر الفرد وهو الذي لا يقبل التجزؤ ولا القسمة، فصاروا على قولين: فمنهم من يقول: تعدم الجواهر ثم تعاد، كما هو قول الجهم، ومنهم من قال: بل تفرق الأجزاء ثم تجمع .. وقولهم هذا في المعاد قاد المتفلسفة إلى إنكار معاد الأبدان.
والقول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء: أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال فتستحيل ترابًا ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظامًا ولحمًا، ثم أنشأه الله خلقًا سويًا. وكذلك الإعادة يعيده الله تعالى بعد أن يبلي كله إلا عجب الذنب. مجموع الفتاوى 17/ 248، شرح الطحاوية 2/ 597 – 598، التذكرة للقرطبي ص 184، شرح النونية لهراس 1/ 33 – 34.
89 – العرش: تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 41.
الكرسي: قيل هو العرش والصحيح أنه غيره، وجاء عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] أنه قال: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى. أخرجه الذهبي في العلو ص 102، وقال: “رواته ثقات”، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. المستدرك ج 2 /ص 310 / ح 3116، والهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 323 وقال: رواه الطبراني ورجالى رجال الصحيح، وانظر: تفسير ابن كثير 1/ 309، شرح العقيدة الطحاوية 2/ 369، مجموع الفتاوى 16/ 402.
90 – العَرَض: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى محلّ يقوم به كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به، والأعراض على نوعين: قارّ الذات وهو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود كالبياض والسواد، وغير قارّ الذات وهو الذي لا تجتمع أجزاؤه في الوجود كالحركة والسكون. التعريفات للجرجاني ص 193، ومراد المصنف: الأول.

(1/70)


91 – كُلٌّ سَيُفْنِيهِ الْفَنَاءَ المَحْضَ لَا … يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ كَظِلٍّ فَانِ
92 – ويُعِيدُ ذَا المَعْدومَ أَيضًا ثانيًا … مَحْضَ الوُجُودِ إعَادَةً بِزَمَانِ
93 – هَذَا المعَادُ وَذَلِكَ المَبْدَا لَدَى … جَهْمٍ وقَدْ نَسَبُوهُ لِلْقْرآنِ
__________
91 – المحض: الخالص الذي لا يخالطه غيره. اللسان 7/ 227، والمراد أنهم قالوا: إن هذه الأشياء تفنى فناء تامًا ليس فيه أدنى بقاء.
93 – المعاد: يعني البعث الذي بعد الموت.
المبدا: يعني الذي قبل الظهور للحياة.
– تقدم حكاية قول الجهم وشيعته وأنهم بنوا قولهم في المعاد على أصل فاسد وهو القول بالجوهر الفرد وأن أجزاء العالم ومنه الإنسان عند موته تعدم وتتفرق ثم تعود يوم القيامة بأعيانها يعني بكامل الصفات والأعراض حتى قالوا جهلًا بإعادة الزمان الأول الذي كان مقارنًا للوجود الأول بعينه. وهذا معنى قول الناظم: “إعادة بزمان” يعني إعادة مقرونة بالزمان الذي كان مقارنًا للأشياء حتى يكون الثاني عين الأول. وقد أورد عليهم أن الإنسان قد يأكله حيوان وذلك الحيوان يأكله إنسان آخر فإذا أعيدت تلك الأجزاء من هذا لم تعد من هذا، وأورد عليهم أن الإنسان يكبر ويتحلل ويتغير جسمه في أثناء حياته فما الذي يعاد أهو الذي كان وقت الموت فيلزم من ذلك أن يعاد على صورة ضعيفة وهو خلاف ما جاءت به النصوص، وإن كان غير ذلك فليس بعض الأبدان أولى من بعض، ويستدل الجهم على قوله بالفناء بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، وزعم أن الهلاك هنا هو الفناء المحض، ويستدل على قوله بأن الإعادة تكون من عدم محض بقوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] وقال: كما أن الله تعالى بدأ الأشياء من عدم محض فكذلك يعيدها من عدم محض. وقد بسط شيخ الإسلام رحمه الله الرد عليه من وجوه من ذلك:
1 – أبطل أصلهم وهو القول بالجوهر الفرد.
2 – أن النشأة الثانية بعد الموت تختلف عن النشأة الأولى التي قبله. فالأولى كائنة فاسدة والثانية كائنة لا فاسدة بل باقية دائمة. ودلت النصوص على أن نشأة الإنسان الثانية فيها من الطبائع كعدم البول والغائط ما يختلف عن الأولى. =

(1/71)


94 – هَذا الذِي قادَ ابنَ سِينَا والأُلى … قَالُوا مَقَالتَهُ إِلى الكُفْرانِ
95 – لم تَقْبلِ الأذْهانُ ذَا وَتَوَهَّمُوا … أنَّ الرَّسُولَ عَنَاهُ بالإيمَانِ
__________
= 3 – قوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ} [الأعراف: 29] قال الحسن ومجاهد: كما بدأكم فخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئًا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء وقال قتادة: بدأهم من التراب وإلى التراب يعودون.
4 – لا يلزم من لفظ الإعادة الاتفاق في جميع الوجوه بين ما قبلها وما بعدها … إلى آخر ما ذكر من الحجج رحمه الله. مجموع الفتاوى 17/ 246 – 260، وانظر: بيان تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام 1/ 280 وما بعدها، شرح النونية لهراس 1/ 34 – 35.
94 – ابن سينا: هو الفيلسوف المشهور أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا (370 – 428 هـ)، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة من أشهرها: القانون في الطب، والشفاء والإشارات في المنطق والفلسفة. وقد تتبع سقطاته وردّ عليها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه “درء تعارض العقل والنقل”. وقال عنه ابن القيم: “إمام الملحدين، المعلم الثالث للفلاسفة المشائين. وهو الذي حاول تقريب الفلسفة من دين الإسلام فلم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم، فإنهم في غلوهم ومذهبهم أسدّ وأصح مذهبًا منه. إغاثة اللهفان 2/ 261، وانظر سير أعلام النبلاء 17/ 531، لسان الميزان 2/ 291، مجموع الفتاوى 11/ 571، 12/ 22.
قول ابن سينا في المعاد إنه للنفس وحدها، وأنكر بعث الأجساد وحشرها، وخالف بذلك نصوص الكتاب والسنة فقد قال في كتابه الأضحوية في المعاد: “فإذا بطل أن يكون المعاد للبدن وحده وبطل أن يكون للبدن والنفس جميعًا وبطل أن يكون للنفس على سبيل التناسخ فالمعاد إذًا للنفس وحدها على ما تقرر”. الأضحوية في المعاد لابن سينا، ص 126. وانظر ما يأتي في البيت 1083 وما بعده.
95 – أي أنّ ابن سينا وأصحابه لما تصوروا أن معنى البعث هو أن المعدوم يعاد بعينه صفة وعرضًا وزمانًا يوم القيامة لم تتحمل عقولهم وأذهانهم تصديق ذلك فأنكروه، وهم يظنون أن هذا هو معنى البعث الثابت في الكتاب والسنة.

(1/72)


96 – هَذَا كِتَابُ اللهِ أنَّى قَالَ ذَا؟ … أوْ عَبْدُه المَبْعوثُ بالبُرْهَانِ؟
97 – أوْ صَحْبُه مِنْ بَعْدِه أو تَابِعٌ … لَهُمُ عَلى الإِيمَانِ والإِحْسَانِ؟
98 – بَلْ صَرّحَ الوَحْيُ المُبِيْنُ بأَنَّهُ … حقًّا مُغيِّرُ هذِه الأكْوانِ
99 – فيُبَدِّلُ اللهُ السَّمَاواتِ العُلَى … والأَرْضَ أيْضًا ذَانِ تَبْدِيلانِ
100 – وهُما كتبديلِ الجُلودِ لِساكِني النَّـ … ـيرانِ عندَ النُّضجِ مِن نِيرَانِ
__________
98 – يعني -رحمه الله- أنّ الذي صرّحت به نصوص الكتاب والسنة ليس هو إعدام هذه الأكوان كما يقول الجهم ولكن تغييرها وتبديلها في الكيفية مع بقاء الذوات والأعيان، وسيأتي إيراد النصوص الدالة على ذلك فيما يأتي من أبيات.
99 – ذانِ: طع، طه: ” ذات”، تحريف.
قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد وضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “يُحشَر الناسُ يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقُرصة النَّقِيّ ليس فيها معلم لأحد”، وفيهما عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “تكون الأرضُ يوم القيامة خبزةً واحدةً يتكفؤُها الجَبّار بيده” رواهما البخاري 11/ 372 – الفتح- كتاب الرقاق باب يقبض الله الأرض يوم القيامة، مسلم 17/ 135 – النووي- كتاب صفة القيامة باب صفة الأرض يوم القيامة. وهذه الأحاديث نص في أنّ الأرض تبدل، أما معنى تبديل السماوات: فهو أن تطوى كطي السجل للكتاب، كما قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]. التذكرة للقرطبي ص 218، وسيأتي تفصيل ذلك في الأبيات 155 وما بعدها.
100 – يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56]، أي: كلّما انشوت جلودهم فاحترقت بدلناهم بغيرها أي جلودًا أخرى. تفسير ابن جرير 4/ 142، تفسير ابن كثير 1/ 514.

(1/73)


101 – وَكَذَاكَ يَقْبِضُ أرضَه وَسَمَاءَه … بِيدَيْهِ ما العَدَمانِ مَقبُوضَانِ
102 – وتُحدِّثُ الأرضُ التي كُنَّا بِها … أخبارَها في الحَشرِ للرّحمنِ
103 – وتَظَلُّ تَشهدُ وَهْيَ عَدْلٌ بالذي … من فوقِهَا قد أحدَث الثَّقَلانِ
104 – أَفَيَشْهَدُ العَدمُ الذي هُو كاسْمِهِ … لَا شيءَ، هَذَا ليْسَ في الإمكانِ
105 – لَكِنْ تُسَوَّى ثم تُئسَطُ ثم تَشْـ … ـهَدُ ثم تُبْدَلُ وَهْيَ ذاتُ كِيانِ
106 – وتُمَدُّ أيضًا مثلَ مَدِّ أدِيمِنَا … مِنْ غيرِ أوْدِيَةٍ ولا كُثْبَانِ
__________
101 – “ما” هنا نافية مهملة على لغة بني تميم، وستأتي كثيرًا في آخر الأبيات لحاجة القافية إليها (ص).
– في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن الله يطوي السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون؟ ” وفي لفظ البخاري: ” .. يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه .. “، رواه البخاري 13/ 393/ ح 7412 كتاب التوحيد باب قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}. رواه مسلم ج 17/ 131 – النووي- كتاب المنافقين باب 24. واللفظ لمسلم. ومعلوم أن الطي والقبض والأخذ لا يقع إلا على شيء موجود.
102 – يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، قال: “أتدرون ما أخبارها؟ ” قالوا: الله ورسوله أعلم قال: “فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، وتقول: عمل كذا وكذا، فهذه أخبارها”، رواه الترمذي ج 7 / ص 116 /ح 2546 تحفة، أبواب صفة القيامة باب 7، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبي في التلخيص: في سنده يحيى بن أبي سليمان منكر الحديث. المستدرك ج 2 / ص 580/ ح 3965.
105 – مراد الناظم أن الأرض مع تغير صفتها لا تزال ذات ماهية ووجود ولم تعدم كما يزعم الجهم.
106 – الأديم: الجلد، وهو يشير إلى قوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق: 3] =

(1/74)


107 – وتَقِيءُ يَومَ العَرْض ذا أكْبَادَهَا … كالأُسْطُوَانِ نفائسَ الأثْمَانِ
108 – كلٌّ يَرَاهُ بِعَينِهِ وعِيَانِهِ … مَا لامْرئٍ بالأخْذِ منْه يَدانِ
109 – وَكَذَا الجِبَالُ تُفَتُّ فتًّا مُحْكَمًا … فَتَعودُ مِثْلَ الرملِ ذِي الكُثْبانِ
__________
= وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ذكر خبر يأجوج ومأجوج قال: قال – صلى الله عليه وسلم -: “ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم .. ” الحديث رواه ابن ماجه في سننه – أبواب الفتن باب 32 ج 1/ ص 402 / ح 4132، وقال البوصيري في الزوائد 3/ 262: إسناده صحيح رجاله ثقات. وصححه الحاكم 2/ 416.
– في الشطر الثاني يشير إلى قوله تعالى: {لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 107].
107 – “ذا”: إشارة إلى يوم العرض. و”أكبادها”: مفعول به، وقد ضبط في الأصل بفتح الدال. وفي ح، ط: “من أكبادها”.
الأسْطوان: جمع أسطوانة، وهي السارية والعمود. شرح مسلم للنووي 7/ 98. وفي ب: “كالأصطوان” بالصاد.
108 – أي ينظر إليه ويشاهد، ورآه عيانًا: لم يشك في رؤيته، ورأيت فلانًا عيانًا أي: مواجهة. اللسان 13/ 302.
– قوله: “ما لامرئ … ” أي لا يقدر أحد على الأخذ منه. ودليل ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “تقيء الأرض أفلاذ كبادها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت؛ ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي؛ ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا”، رواه مسلم ج 7/ 98 نووي، كتاب الزكاة.
109 – في الأصل وف: “تُفَتُّ فَتَّ التُّرب كي تبقى كمثل الرمل”. وأشار في حاشية الأصل إلى أنّ في نسخة الأصل: “فتًّا محكمًا فتعود مثل” وهو الذي ورد في النسخ الأخرى.
الفَتُّ: الدق والكسر بالأصابع. القاموس 200.
– يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)} [المزمل: 14].

(1/75)


110 – وتَكُونُ كَالعِهْنِ الَّذِي أَلْوَانُهُ … وَصِبَاغُهُ منْ سَائِر الألْوَانِ
111 – وتُبَسُّ بسًّا مثْلَ ذَاكَ فَتنْثَنِي … مثْلَ الهَبَاءِ لِنَاظِر الإِنسَانِ
112 – وَكَذَا البحَارُ فإنَّها مَسْجُورَةٌ … قَدْ فُجِّرتْ تَفْجِيرَ ذِي سُلْطانِ
113 – وَكَذَلِك القَمَرانِ يأذَنُ ربُّنَا … لهُمَا فيجْتَمِعَانِ يلتَقِيَانِ
114 – هَذِي مكوَّرَةٌ وَهَذَا خَاسِفٌ … وَكِلَاهُمَا فِي النَّار مَطْروحَانِ
__________
110 – يشير إلى قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)} [القارعة: 5] والعهن هو: الصوف المصبوغ ألوانًا. اللسان 13/ 297.
111 – يشير إلى قوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)} [الواقعة: 4 – 6]، وبسَّ الشيءَ: فتّته، والهباء: شعاع الشمس يدخل من الكوة كهيئة الغبار، وقيل: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له، وقيل: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح. ومنبثًا: أي مفرقًا. تفسير الطبري 13/ 168 – 169.
112 – يشير إلى قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} [التكوير: 6]، ومعنى سجرت: ملئت حتى فاضت فانفجرت وسالت كما وصفها الله تعالى في موضع آخر بقوله: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)} [الانفطار: 3] والعرب تقول للنهر أو للركي المملوء: ماء مسجور، وقيل سجرت: أوقدت نارًا. تفسير الطبري مجلد 15 / ج 30 / ص 68، تفسير ابن كثير 4/ 481.
113 – القمران: أي: الشمس والقمر.
أي: يأذن لهما ربنا يوم القيامة فيجتمعان بعد أن كانا لا يجتمعان كما قال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40] ودليل اجتماعهما قوله تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} [القيامة: 9] وانظر: في تفسير الجمع: تفسير الطبري مجلد 114 ج 29 / ص 180، تفسير القرطبي 19/ 96.
114 – يشير إلى قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} [التكوير: 1] والتكوير أصله الجمع مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي: لفها وجمعها، فالشمس يوم القيامة تكور ويمحى ضوؤها ثم يرمى بها. تفسير القرطبي 19/ 227، تفسير الطبري مجلد 15 / ج 30 / ص 65، تفسير ابن كثير 4/ 475.=

(1/76)


115 – وَكَوَاكِبُ الأفْلَاكِ تُنثَرُ كُلُّهَا … كَلاَلئٍ نُثِرَتْ عَلَى مَيْدانِ
116 – وكَذا السَّمَاءُ تُشَقُّ شَقًّا ظَاهِرًا … وَتَمُورُ أَيْضًا أيَّمَا مَوَرَانِ
117 – وتصيرُ بعدَ الانشِقَاقِ كَمثلِ هـ … ـذَا المُهْلِ أو تَكُ وردةً كَدِهانِ
__________
= ويشير إلى قوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} [القيامة: 8] أي: ذهب ضوء القمر. تفسير ابن جرير مجلد 14 / ج 29 / ص 180.
– ودليله ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الشمس والقمر مكوران يوم القيامة”، رواه البخاري 6/ 297 فتح، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر، وفي بعض الروايات أنهما يجعلان في النار كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة”. أخرجه الطحاوي في “مشكل الآثار” 1/ 66 – 67، والطيالسي في مسنده (2103) بلفظ: “ثوران عقيران” والحديث صححه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 192 / ح 124.
115 – يشير الناظم هنا إلى قوله تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)} [الانفطار: 2] أي: تساقطت. تفسير الطبري 15/ 85، تفسير ابن كثير 4/ 481.
116 – يشير إلى قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} [الانشقاق: 1] أي: تصدّعت. تفسير الطبري مجلد 15/ 29 / 112.
– ويشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)} [الطور: 9] أي: تتحرك تحركًا وتدور دوَرانًا، تفسير الطبري مجلد 13 / ج 27 / ص 20، ابن كثير 4/ 240.
117 – يشير إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)} [المعارج: 8] أي: كالشيء المذاب أو كدُرديّ الزيت وهو ما ركد في أسفله. تفسير الطبري 14/ 73، تفسير ابن كثير 4/ 420.
– ويشير إلى قوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)} [الرحمن: 37] أي: انشقت السماء وتصدعت وتفطرت يوم القيامة وذابت من حرارة جهنم حتى صارت في حمرة الورد وجريان الدهن. تفسير الطبري 13/ 141 – 142، تفسير القرطبي 17/ 173، فتح القدير للشوكاني 5/ 137 – 138.

(1/77)


118 – والعرشُ والكُرسيُّ لا يُفْنِيهمَا … أيْضًا وإنَّهُما لَمخْلُوقَانِ
119 – والحُورُ لا تَفْنَى كَذلِكَ جَنَّةُ الْـ … ـمأْوَى ومَا فِيهَا مِنَ الوِلْدَانِ
120 – ولأَجْلِ هَذَا قَالَ جَهْمٌ إنَّهَا … عَدَمٌ ولمْ تُخْلَقْ إلى ذَا الآنِ
__________
118 – العرش: تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 41.
الكرسي: تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 89.
– في ح: “يغنيهما”، وفي س: “تفنيهما” بالمثناة الفوقية.
– العرش من المخلوقات التي لا يتطرق إليها الفناء لأنه سقف الجنة والله سبحانه وتعالى – صلى الله عليه وسلم – عليه ولم يأت ما يدل على فنائه، بل ومما يستدل به على عدم فنائه ما جاء في حديث الصور الطويل عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أخبر أن الله تعالى يقول يوم القيامة بعدما يميت جبريل وغيره من الملائكة: “إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي ويأمر الله تعالى العرش فيقبض الصور من إسرافيل” الحديث رواه الطبراني وغيره، وسيأتي الكلام على تخريجه مفصلًا في حاشية البيت رقم 140. والكرسي أيضًا هو موضع قدمي الرحمن جلَّ جلاله ولم يأت ما يدل على فنائه. التذكرة للقرطبي ص 188 وما بعدها، فتح الباري لابن حجر 6/ 444، 11/ 370 – 371، تفسير الطبري مجلد 12/ج 24/ 29، الروح لابن القيم ص 50، مجموع الفتاوى 16/ 33 – 36، معارج القبول للحكمي 2/ 216، التنبيه والرد للملطي ص 137.
119 – الجنة وما فيها من حور عين وولدان لا تفنى، لأن الجنة خلقت للبقاء لا للفناء، ومن يدخلها لا يموت فيها أبدًا، وجاء في بعض روايات حديث الصور الطويل بعدما ذكر أن الله تعالى يقبض جميع الأرواح يوم القيامة قال: “لا موت على أهل الجنة ولا موت لأهل النار” الحديث رواه أبو الشيخ في العظمة 3/ ص 826/ح 386 وغيره، وسيأتي الكلام على تخريج الحديث مفصلًا في حاشية البيت 140. وقد أجملت التخريج هنا وفصلته هناك متابعة لإجمال الناظم هنا وتفصيله هناك، وانظر المراجع السابقة.
120 – تقدم عرض مذهب الجهم في ذلك تحت البيت 77.

(1/78)


121 – والأنبياءُ فإنَّهُمْ تَحْتَ الثَّرَى … أجسَامُهُمْ حُفِظَتْ منَ الدَّيدَانِ
122 – ما لِلبلَى بلحُومِهِمْ وجُسُومِهِمْ … أبَدًا وَهُم تَحْتَ التُّرَابِ يَدَانِ
123 – وَكَذاكَ عَجْبُ الظَّهْرِ لَا يَبلى بَلَى … مِنْهُ تُركَّبُ خِلْقَةُ الإنسانِ
__________
122 – البلى: الفناء، وهو هنا يشير إلى ما جاء عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال – صلى الله عليه وسلم – “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ”، قالوا: يا رسول الله وكيف تُعَرض صلاتُنا عليك وقد أَرِمْتَ؟ قال: يقولون بليت، قال: “إنّ الله حرّم على الأرض أجساد الأنبياء”. رواه ابن ماجه ج 1 /ص 195/ ح 1071 أبواب إقامة الصلاة باب 79 في فضل الجمعة، وأبو داود ج 1/ ص 275 /ح 1047 كتاب الصلاة – باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة والنسائي ج 3/ 91 – 92 وصححه الألباني كما في صحيح الجامع برقم 2208.
– ووجد أيضًا من الشهداء من بقي جسده بعد دفنه دون تغير، فيحتمل أنه لا يفنى أو أن جسده يبقى مدة لا يفنى بحسب شهادته ثم يفنى، وقد وقعت حوادث تدل على ذلك، ومن ذلك ما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليّ منك غيرَ نفس رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وإن عليّ دينًا فاقضِ، واستوص بأخواتك خيرًا، فأصبحنا، فكان أول قتيل، ودُفن معه آخرُ في قبر، ثم لَم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته هيئتَه غيرَ أذنه” رواه البخاري 3/ 214 – 215 – فتح- كتاب الجنائز – باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟، وقد ورد في بقاء أجساد الشهداء مدة آثار كثيرة. انظر شرح الطحاوية 2/ 558، معارج القبول للحكمي 2/ 217 – 218.
123 – العَجب: العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب عند العجز وهو رأس العصعص. النهاية 3/ 184، شرح مسلم للنووي 18/ 92.
– قول الناظم “بلى” وقع هنا في موقع “بل” وكذا في البيت 341 فلينظر. (ص).=

(1/79)


124 – وكَذَلِكَ الأرْوَاحُ لَا تَبْلَى كَمَا … تَبْلَى الجُسُومُ ولَا بِلَى اللُّحْمَانِ
125 – ولأجْلِ ذَلِكَ لم يُقِرّ الجَهْمُ بالْ … أرْوَاحِ خَارجَةً عنْ الأَبْدَانِ
126 – لكِنَّها مِنْ بَعْضِ أعْراضٍ بِهَا … قَامَتْ وَذا في غَايَةِ البُطْلَانِ
__________
= يشير إلى ما رواه أبو هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “مما بين النفختين أربعون”، قالوا: يا أبا هريرة أربعون يومًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، “ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلاّ عظمًا واحدًا وهو عَجْب الذنَب ومنه يركَّب الخلق يوم القيامة”. رواه البخاري 8/ 689 فتح، كتاب التفسير باب يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجًا، ورواه مسلم 18/ 91 – 92 نووي كتاب الفتن – باب ما بين النفختين.
124 – لُحمان: جمع لَحم. ومما يعمه البقاء ولا يفنى: الأرواح فهي لا تموت بموت الجسد ولا تفنى بفنائه، قال ابن القيم رحمه الله عند كلامه على الروح: “فإن العبد كلما نام خرجت منه، فإذا استيقظ رجعت إليه، فإذا مات خرجت خروجًا كليًا، فإذا دفن عادت إليه فإذا سئل خرجت، فإذا بعث رجعت إليه”. الروح ص 49، 291، 292.
وقال شارح الطحاوية ابن أبي العز رحمه الله بعدما عرض مذاهب الناس في الروح: “والصواب أن يقال موت النفوس مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت وإن أريد أنها تعدم وتفنى بالكلية فهي لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب”. شرح الطحاوية 2/ 570 – 571، وانظر: شرح مسلم للنووي 13/ 31.
126 – أعراض: جمع عَرَض، وقد تقدم تعريفه في حاشية البيت رقم 90.
ف: “لها قامت”، تحريف.
– ينكر الجهم وجود الأرواح المستقلة عن الأبدان ويقول: ليس هناك روح تنزل إلى البدن عند الولادة وتصعد منه عند الموت، ولكن الحياة عنده عرض من الأعراض القائمة بالبدن، فإذا مات الحي بطل ذلك العرض وفني كما يفنى السمع والبصر بفناء الجسد. والذي يدل عليه الكتاب والسنة=

(1/80)


127 – فالشَّأنُ للأرواح بعدَ فِراقِها … أبدانَنا واللهِ أعظمُ شَانِ
128 – إمَّا عَذابٌ أوْ نَعيمٌ دَائمٌ … قَدْ نُعِّمتْ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ
129 – وتصيرُ طَيْرًا سَارحًا مع شَكْلِهَا … تَجْنِي الثِّمَارَ بجَنَّةِ الحَيَوانِ
130 – وتظَلُّ واردةً لأنْهارٍ بهَا … حَتَّى تَعُودَ لِذَلك الجُثْمَانِ
131 – لَكنَّ أرْوَاحَ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا … فِي جَوْفِ طَيْرٍ أخْضَرٍ رَيَّانِ
__________
= وإجماع الصحابة وأدلة العقل أن النفس جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان النار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف ساريًا في هذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة، والإرادة. وإذا فسدت هذه الأعضاء وآثارها فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الروح. الروح لابن القيم ص 49 – 52، شرح الطحاوية 2/ 565، معارج القبول 2/ 219 – 225. شرح النونية هراس 1/ 40.
127 – ط: “أبدانها”.
128 – يشير إلى قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)} [الواقعة: 88 – 94].
129 – يشير إلى ما رواه كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال – صلى الله عليه وسلم -: “إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يبعثه الله إلى جسده يوم يبعثه”. رواه الإمام أحمد 3/ 455، والنسائي 1/ 29، والترمذي 1/ 309 وقال حديث حسن صحيح، والحديث صححه الألباني كما في صحيح الجامع برقم 2369.
130 – ط، س، ح: “بأنهار”.
131 – يشير إلى ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال في الشهداء: “أرواحهم في جَوف طير خُضر لها قناديل معلقة بالعرش=

(1/81)


132 – فَلهُمْ بذَاكَ مزيَّةٌ في عَيشِهِمْ … وَنَعِيمُهمْ للرُوحِ والأبْدانِ
133 – بَذَلُوا الجُسُومَ لربِّهم فأعَاضَهُمْ … أجسامَ تلكَ الطيرِ بالإحْسانِ
134 – وَلهَا قَناديلٌ إِلَيْهَا تَنْتَهِي … مَأوىً لَهَا كمسَاكِنِ الإنْسَانِ
135 – فالرُّوحُ بعدَ الموتِ أكملُ حالةً … منهَا بهَذِي الدَّارِ في جُثْمَانِ
136 – وَعَذَابُ أشقَاهَا أشَدُّ مِنَ الَّذِي … قَدْ عايَنتْ أبصَارُنَا بعِيَانِ
__________
= تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل”، الحديث رواه مسلم 13/ 31- نووي، كتاب الأمارة- باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة.
133 – قال ابن القيم رحمه الله لما ذكر ما اختص به الشهيد في الجنة من أن روحه تكون في جوف طير خضر: “ويدل على هذا أن الله سبحانه جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ أبدانًا خيرًا منها تكون فيها إلى يوم القيامة ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتامل لفظ الحديثين فإنه قال: “نسمة المؤمن طير” فهذا يعم الشهيد وغيره ثم خص الشهيد بأن قال: “هي في جوف طير” ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير” اهـ الروح ص 136.
134 – قناديل: جمع قنديل وهو السراج أو المصباح.
135 – ف: “جسمان”.
136 – تنعم الروح أو تعذبها يوم القيامة أعظم منه في الدنيا، وذلك أن النعيم أو العذاب يقع في الدنيا على الجسد وفي البرزخ يقع على الروح أما في القيامة فيقع على الروح والبدن وهي أكمل الحالات أن يشترك الجسد مع الروح في النعيم أو العذاب. قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله- عند كلامه على هذا البيت: “ذلك لأنه يكون الخبر عيانًا والغيب شهادة والمستور مكشوفًا والمخبأ ظاهرًا فليس الخبر كالمعاينة ولا علم اليقين كعين اليقين=

(1/82)


137 – والقائلُونَ بِأنَّها عَرَضٌ أبَوْا … ذَا كلَّه تبًّا لِذِي نُكْرانِ
138 – وإذا أرَادَ اللهُ إخْرَاجَ الوَرَى … بَعْدَ الْمَمَات إلَى المعادِ الثَّانِي
139 – أَلقَى على الأرْضِ التي هُمْ تَحتَها … وَاللهُ مقتَدِرٌ وذُو سُلطانِ
140 – مطرًا غليظًا أبيضًا متتابِعًا … عَشْرًا وعشرًا بعدَها عَشْرَانِ
__________
= فالمصدق يرى ويجد مصداق ما جاء به النص كما علمه وتيقنه فيزداد بشرى وفرحًا وسرورًا، والمكذب يرى ويجد حور تكذيبه بذلك، وغب ما جناه على نفسه ويذوق وبال أمره”. معارج القبول 2/ 225.
137 – تقدم تعريف العرض في حاشية البيت 90.
– القائلون بأن الروح تعدم وتتلاشى بموت البدن وأنها عرض (وصف) يفنى بفناء البدن كسائر الأعراض أنكروا أنها تقوم بنفسها وأنها تفارقه ثم تعود إليه وأنها تعذب وتنعم. ومن هؤلاء أبو الهذيل العلاف وجعفر بن حرب وغيرهما، وقد ساق مقالات الناس في الروح الأشعري في مقالات الإسلاميين 2/ 28 – 30.
140 – دليله حديث الصور الطويل الذي روي من طرق متعددة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – النفخ في الصور وخروج الناس من قبورهم وأحوال يوم القيامة، وقال: “ثم ينزل الله عليكم ماء من تحت العرش كمني الرجال، ثم يأمر الله السماء أن تمطر أربعين يومًا حتى يكون فوقهم اثنا عشر ذراعًا، ويأمر الله الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث أو كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت .. ” الحديث، والطراثيث جمع طرثوث كبرغوث وهو نبت على طول الذراع لا ورق له كأنه من جنس الكمأة. اللسان 2/ 165، النهاية 3/ 117.
وقد روى الحديث البيهقي في كتاب البعث والنشور ص 326 / ح 669، والطبراني بلفظ قريب من هذا في الأحاديث الطوال ص 94 / ح 36، وأبو الشيخ في العظمة 3 / ص 821 / ح 386، وابن جرير الطبري في تفسيره مجلد 10/ج 17/ 110، 15/ج 30/ 186، مطولًا ومختصرًا. وذكر ابن كثير في نهاية البداية 1/ 223 – 224 أن للحديث طرقًا متعددة ومدار الجميع على=

(1/83)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة وقد تكلم فيه بسببه. اهـ، وقال في التفسير 2/ 149: وقد اختلف فيه أي: إسماعيل بن رافع: فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه، ونص على إنكار حديثه غير واحد من الأئمة كأحمد وأبي حاتم الرازي وعمرو الفلاس. ومنهم من قال فيه: هو متروك، وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء. اهـ. وصرح الحافظ ابن حجر في فتح الباري 11/ 368 – 369 بترجيح من ضعف هذا الحديث ورماه بالاضطراب في السند فقال: مداره على إسماعيل بن رافع واضطرب في سنده مع ضعفه فرواه عن محمد بن كعب القرظي تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل مبهم، ومحمد عن أبي هريرة تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل من الأنصار مبهم، اهـ. وصرح الشيخ الألباني في تعليقه على شرح الطحاوية ص 265 بتضعيفه فقال: “إسناده ضعيف لأنه من طريق إسماعيل بن رافع عن يزيد بن أبي زياد وكلاهما ضعيف عن رجل من الأنصار لم يسم “. ولكن يشهد لكلام الناظم -رحمه الله- ما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم إلا وفي الأرض منه شيء، قال: فيرسل الله ماء من تحت العرش منيًا كمني الرجل، فتنبت أجسادهم ولحمانهم من ذلك”. أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد 2/ 428 / ح 252، والطبراني في الكبير 9/ 4213 / ح 9761، والطبري في التفسير مجلد 12 / ج 22 / ص 119، والحاكم في المستدرك 4/ 641/ ح 8772 وقال: صحيح على شرط الشيخين، فتعقبه الذهبي بقوله: ما احتجّا بأبي الزعراء، وذكره ابن الملقن في مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم ج 7 / ص 3564 / ح 1178، والبيهقي وقال ابن حجر عن إسناد البيهقي: قوي. فتح الباري 11/ 369 – 370، والعقيلي في الضعفاء في ترجمة عبد الله بن هانئ 2/ 314، كلهم من طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود، وسفيان الثوري أبو عبد الله: ثقة حافظ فقيه عابد حجة. التقريب 244، وسلمة بن كهيل=

(1/84)


141 – فتظلُّ تَنبُتُ منهُ أجسامُ الوَرَى … وَلحُومهُمْ كمنابِتِ الرَّيحانِ
142 – حَتَّى إذَا مَا الأمُّ حَانَ وِلَادُهَا … وتمخَّضَتْ فَنِفَاسُهَا مُتَدَانِ
143 – أَوْحَى لها ربُّ السَّما فتشقَّقتْ … فَبدَا الجَنينُ كأكملِ الشُّبَّانِ
__________
= الحضرمي ثقة. التقريب 248، وأبو الزعراء هو عبد الله بن هانئ الكندي وثقه ابن سعد والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات يروي عن عمر وابن مسعود فحديثه لا ينزل عن درجة الحسن. أما قول البخاري عنه: لا يتابع في حديثه، فلعله قصد حديثه هذا عن ابن مسعود فإن بعض ألفاظه فيها مخالفة لما جاء في الأحاديث الصحيحة، وعلى هذا يكون إسناد أثر ابن مسعود حسنًا. تهذيب التهذيب لابن حجر 6/ 56، تهذيب الكمال للمزي ج 16/ 240، كتاب الثقات لابن حبان 5/ 14، تقريب التهذيب 327.
تنبيه: قال الشيخ الألباني في حاشيته على شرح الطحاوية عن هذا الأثر: له حكم المرفوع لكنه منقطع بين أبي الزعراء واسمه يحيى بن الوليد لم يرو عن أحد من الصحابة بل عن بعض التابعين. شرح العقيدة الطحاوية ص 464، وتابع الشيخ على ذلك الشيخ سعد بن عبد الله الحميد في تحقيقه لكتاب ابن الملقن المتقدم الذكر حيث ضعف الأثر وأعلّه بالانقطاع. مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك الحاكم ج 7/ ص 3564 /ح 1178، وهذا وهم منهما، والصواب أن أبا الزعراء هذا هو عبد الله بن هانئ الكندي من أصحاب ابن مسعود وكبار التابعين، وقد ذكر العقيلي الحديث في ترجمته كما تقدم، وعلى هذا يزول الانقطاع الذي بسببه ضعف هذا الأثر.
141 – الريحان: نبت طيب الريح من أنواع المشموم. النهاية 2/ 288.
142 – متدانٍ: قريب.
143 – كذا في الأصل وف وط. وفي غيرها: “ربّ الورى”، وأشير إلى هذا في حاشية الأصل.
ف: “كأجمل الشبان”.
– يشير إلى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر: 68].

(1/85)


144 – وتخلَّتِ الأمُّ الوَلودُ وأخرَجَتْ … أثْقَالَها أُنْثَى ومِنْ ذُكْرَانِ
145 – واللهُ ينشِئُ خَلْقَهُ فِي نَشْأةٍ … أخْرَى كَمَا قَدْ قَالَ في الفُرقانِ
146 – هَذَا الَّذِي جَاءَ الكتابُ وَسنةُ الـ … ـهَادِي بهِ فاحْرِصْ عَلَى الإيمَانِ
147 – مَا قَالَ إنَّ اللهَ يُعْدِمُ خَلْقَهُ … طُرًّا كَقَولِ الجَاهلِ الحيرانِ
* * *

فصلٌ
148 – وَقَضَى بِأنَّ اللهَ لَيْسَ بفَاعِلٍ … فعْلًا يَقومُ بِهِ بِلا برهَانِ
__________
144 – يشير إلى قوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)} [الانشقاق: 4] {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)} [الزلزلة: 2] أي: أخرجت الأرض ما في بطنها من الموتى أحياء وألقتهم على ظهرها. تفسير الطبري 12/ 266، ابن كثير 3/ 539.
145 – ط: ” القرآن “. وهو هنا يشير إلى قوله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [العنكبوت: 20]، وقوله: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [النجم: 47].
147 – طرّا: جميعًا.
– الجاهل الحيران هو الجهم بن صفوان ومن وافقه، قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله عند كلامه على هذا البيت: أي لم يقل الله تعالى ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – إنه يعدمهم العدم المحض ويأتي بغيرهم ولا إنّ المثاب غير من عمل الطاعات في الدنيا، ولا إنّ المعذب غير من تمرد على المعاصي .. بل قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} [طه: 55] فالذين خلقهم من الأرض هم الذين أعادهم فيها وهم الذين يخرجون منها ليسوا غيرهم كما يقوله الزنادقة قبحهم الله. معارج القبول 2/ 223، وقد تقدم حكاية مذهب الجهم في المعاد والرد عليه. راجع البيت 88 وما بعده.
148 – قوله: “بلا برهان” متعلق بقضى، يعني: حكم من غير حجة له عليه ولا دليل، وقد تقدّم كلام الناظم رحمه الله عن مذهب الجهمية في أفعال العباد إجمالًا، وقد عرض هنا مذهبهم تفصيلًا، فذكر أن الجهم ينفي الصفات فلا =

(1/86)


149 – بَلْ فِعْلُه المفعُولُ خارجَ ذاتِهِ … كَالْوَصْفِ غيرِ الذَّاتِ في الحُسْبانِ
150 – وَالجَبرُ مَذْهَبُهُ الَّذِي قَرَّتْ بهِ … عَيْنُ العُصَاةِ وشيعةِ الشَّيطانِ
151 – كانُوا على وَجَلٍ من العِصْيانِ إذْ … هوَ فِعلهُم والذَّنْبُ للإِنسَانِ
__________
= وصف عنده قائم بذات الله، لذا فهو يزعم أن الله ليس فاعلًا بفعل هو وصف له قائم به، بل فعله هو مفعوله الخارج عن ذاته، ونفى جهم أن يقوم بالله فعل لأنه ليس محلًا للأفعال ولا للصفات، وأفعاله مخلوقة من جملة المخلوقات، وقال بأن أفعال العباد هي عين أفعال الله ولا تنسب إلى العبد إلا على سبيل المجاز، لأن العبد مجبر عليها والله هو فاعلها في الحقيقة. انظر: شفاء العليل ص 109، شرح النونية لهراس 1/ 44.
150 – يزعم الجهم أن العبد مجبور على أفعاله وهو مقهور عليها ولا تأثير له في وجودها البتة، بل الأفعال والحركات التي تصدر منه هي بمثابة الرعدة والرعشة لا اختيار له في إحداثها ولا في دفعها. انظر: شفاء العليل 109، الإرشاد للجويني 195، معارج القبول لحافظ الحكمي 2/ 354.
151 – لما قال الجهم بأن العبد مجبور على أفعاله قرت بمذهبه أعين العصاة وأولياء الشيطان الذين كانوا على خوف من عاقبة المعاصي والذنوب، لعلمهم بأنها أفعالهم الصادرة عنهم بقدرتهم وإرادتهم، حتى أراحهم جهم وشيعته من عودهم باللائمة على أنفسهم كلّما أحدثوا ذنبًا. فأخذوا بعد مقالة الجهم يحمّلونها ربهم جلّ شأنه، ويتبرؤون منها، ويقولون إنها من أفعاله لا أفعالنا ولا حيلة لنا في دفعها إذ لا قدرة لنا ولا اختيار. شفاء العليل ص 109، شرح النونية لهراس 1/ 44 – 45.
قال ابن القيم رحمه الله لما حكى مذهبهم: “حتى إن من هؤلاء من يعتذر عن إبليس ويتوجع له ويقيم عذره بجهده، وينسب ربه تعالى إلى ظلمه بلسان الحال والمقال، ويقول: ما ذنبه، وقد صان وجهه عن السجود لغير خالقه؟ وقد وافق حكمه ومشيئته فيه وإرادته منه، ثم كيف يمكنه السجود وهو الذي منعه منه وحال بينه وبينه؟ وهل كان في ترك السجود لغير الله إلا محسنًا؟ ولكن!
إذا كان المحبُّ قليلَ حظٍّ … فما حسناتُه إلا ذنوبُ

(1/87)


152 – واللَّومُ لا يعْدُوه إذ هو فَاعلٌ … بإرادةٍ وَبِقُدْرةِ الحيَوَانِ
153 – فأراحَهُمْ جهمٌ وشِيعَتُه مِنَ اللَّـ … ـومِ العَنيفِ ومَا قَضَوْا بأمَانِ
154 – لكنَّهمْ حَمَلوا ذُنُوبَهُمُ عَلَى … رَبِّ العِبَادِ بِعزَّةٍ وأمَانِ
155 – وتبرَّؤُوا مِنْها وقالُوا إنَّهَا … أفْعَالُهُ مَا حيلَةُ الإنْسَانِ
156 – مَا كَلَّفَ الجبَّارُ نفسًا وُسْعَها … أنَّى وَقَدْ جُبِلَتْ عَلَى العِصْيَانِ
__________
= وهؤلاء أعداء الله حقًا، وأولياء إبليس وأحباؤه وإخوانه، وإذا ناح منهم نائح على إبليس رأيت من البكاء والحنين أمرًا عجبًا .. ” اهـ. مدارج السالكين 1/ 408.
152 – أي: اللوم على الذنب لا يعدو العاصي لأنه فعله لإرادته وقدرته.
153 – كذا في الأصل وف، د، ظ. وفي غيرها: “جبرت” وجَبَله وأجبلَه على الشيء: جبره عليه. القاموس ص 1259. (ص).
– يزعم الجهم أن الله تعالى قد كلف عباده ما لا يطيقون إذ نزع منهم القدرة والاختيار وجبرهم على الطاعات والمعاصي ثم أمرهم بفعل الطاعات وترك المعاصي وهذا لا قدرة للعبد ولا اختيار له فيه. سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن العبد هل يقدر أن يفعل الطاعة إذا أراد أم لا؟ وإذا أراد أن يترك المعصية يكون قادرًا على تركها أم لا؟ فأجاب: “الحمد لله، نعم، إذا أراد العبد الطاعة التي أوجبها الله عليه إرادة جازمة كان قادرًا عليها وكذلك إذا أراد المعصية التي حرمت عليه إرادة جازمة كان قادرًا على ذلك، وهذا مما اتفق عليه المسلمون وسائر أهل الملل حتى أئمة الجبرية، بل هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وإنما ينازع في ذلك بعض غلاة الجبرية”. مجموع الفتاوى 8/ 437، وقال في موضع آخر: “واتفقوا (يعني السلف رحمهم الله) على أن العبادات لا تجب إلا على مستطيع، وأن المستطيع يكون مستطيعًا مع معصيته وعدم فعله كمن استطاع ما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج ولم يفعله فإنه مستطيع باتفاق سلف الأمة وأئمتها وهو مستحق للعقاب على ترك المأمور الذي استطاعه ولم يفعله، لا على ترك ما لم يستطعه”. مجموع الفتاوى 8/ 479 – 480.

(1/88)


157 – وَكَذا عَلَى الطَّاعاتِ أيضًا قَدْ غَدتْ … مَجبُورةً فَلَهَا إذًا جَبْرَانِ
158 – وَالعَبْدُ في التَّحْقيقِ شِبْهُ نَعَامَةٍ … قَدْ كُلِّفتْ بالحَمْلِ وَالطيَرا
159 – إذْ كَانَ صُورَتُها تَدُلُّ عَلَيْهِمَا … هَذَا وَلَيْسَ لَهَا بِذَاكَ يَدَانِ
160 فلِذَاكَ قَال بأنَّ طَاعَاتِ الوَرَى … وَكَذَاكَ مَا فَعَلُوهُ منْ عِصْيا
161 – هِيَ عَينُ فِعْلِ الربِّ لَا أفْعَالُهُمْ … فَيصِحُّ عَنْهُمْ عِنْدَ ذَا نَفْيا
162 – نَفْيٌ لِقُدْرتِهِمْ عَلَيْهَا أوَّلًا … وَصدورِهَا مِنْهُمْ بِنَفْيٍ ثَانِ
163 – فَيقالُ مَا صَامُوا ولَا صَلَّوْا وَلَا … زَكَّوْا ولَا ذَبَحُوا مِنَ القُرْبَانِ
164 – وَكَذَاكَ مَا شرِبُوا ومَا قَتَلُوا وَلا … سَرَقُوا وَلَا فِيهِمْ غَوِيٌّ زَانِ
165 – وَكذاكَ لم يأتُوا اخْتِيارًا مِنْهُمُ … بالكُفْرِ والإسْلامِ والإيْمَانِ
__________
157 – يعني أنّ الجهم لما قال إن العبد لا قدرة له على الفعل ولا اختيار له فيه، أوقع على العبد جبرَين: الأول: الجبر على الطاعة. الثاني: الجبر على المعصية. انظر: المراجع السابقة.
161 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض ذكر رده على القائلين بالجبر: “وقد علم بصريح المعقول أن الله تعالى إذا خلق صفة في محل كانت صفة لذلك المحل .. وإذا خلق فعلًا لعبد كان العبد هو الفاعل فإذا خلق كذبًا وظلمًا وكفرًا كان العبد هو الكاذب الظالم الكافر، وإن خلق له صلاة وصومًا وحجًا كان العبد هو المصلي الصائم الحاج، والله تعالى لا يوصف بشيء من مخلوقاته بل صفاته قائمة بذاته، وهذا مطرد على أصول السلف وجمهور المسلمين من أهل السنة وغيرهم”. اهـ. مجموع الفتاوى 8/ 126، وانظر: شفاء العليل 109.
162 – هذا أصل قول الجهم في الجبر حيث ينفي عن العبد شيئين: الأول: نفي قدرته على الفعل لأنه مجبور عليه أصلًا. الثاني: نفي لفعل العبد لأن الفعل في الحقيقة هو فعل الله وإنما ينسب إلى العبد على سبيل المجاز. انظر: شفاء العليل ص 112.
164 – ط: “وما سرقوا”.

(1/89)


166 – إلَّا عَلَى وجْهِ المَجازِ لأنَّهَا … قَامَتْ بِهِمْ كالطَّعْمِ والألْوَانِ
167 – جُبِرُوا عَلَى ما شَاءَهُ خَلَّاقُهمْ … مَا ثَمَّ ذُو عَوْنٍ وَغَيْرُ مُعَانِ
168 – الكلُّ مَجْبُورٌ وَغَيْرُ ميَسَّرٍ … كَالْمَيتِ أُدْرجَ داخلَ الأكْفَانِ
169 – وَكَذَاكَ أفْعَالُ المهَيْمنِ لَمْ تَقُمْ … أيْضًا بِهِ خَوْفًا مِنَ الحَدَثَانِ
__________
166 – المجاز: ما جاز وتعدى عن محله الموضوع له إلى غيره لمناسبة بينهما، إما من حيث الصورة أو من حيث المعنى اللازم المشهور أو من حيث القرب والمجاورة. التعريفات 256.
– يزعم الجهم أنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده وأنه هو الفاعل وأن الناس تنسب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل وخلق له إرادة للفعل واختيارًا له منفردًا بذلك كما خلق له طولًا كان به طويلًا ولونًا كان به متلونًا وهو ليس له في شيء من ذلك اختيار الفعل أو الترك. انظر: شرح الطحاوية 2/ 638، مقالات الإسلاميين 1/ 338، شفاء العليل ص 109.
167 – أي العباد كلهم مجبورون فليس فيهم من يعينه الله ومن لا يعينه، بل الكل سواء في الجبر والقهر ونفي الاختيار.
168 – يشير الناظم بقوله: “غير ميسر” إلى أنهم خالفوا ما جاء في حديث علي رضي الله عنه قال – صلى الله عليه وسلم -: “ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار”، قالوا: يا رسول الله: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: “لا، اعملوا فكل ميسَّر لما خلق له”. رواه البخاري 8/ 494
-فتح- كتاب القدر باب {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}.
169 – الجهمية ينفون الصفات الفعلية عن الله تعالى كالكلام والاستواء والنزول، وشبهتهم في ذلك أن هذه من الحوادث والحوادث لا تقوم إلا بحادث. قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في معرض كلامه عن شبهة نفاة الصفات الاختيارية الفعلية: “فإن قالت النفاة: إنما نفينا الصفات لأنّ دليلنا على=

(1/90)


170 – فَإذَا جَمعْتَ مَقَالَتَيْهِ أنْتَجَا … كَذِبًا وزُورًا واضِحَ البُهْتَانِ
171 – إذ لَيْسَتِ الأَفْعَالُ فِعْلَ إلهنَا … وَالرَّبُّ لَيْسَ بِفَاعِلِ العِصْيَانِ
172 – فَإذَا انْتَفَتْ صفَةُ الإلهِ وَفِعْلُه … وَكَلَامُهُ وفعَائِلُ الإنْسَانِ
173 – فهُنَاكَ لَا خَلْقٌ وَلَا أمْرٌ وَلَا … وَحْيٌ وَلَا تَكْلِيفُ عَبْدٍ فَانِ
174 – وَقَضَى عَلَى أسْمَائِه بحُدوثِهَا … وبِخَلْقِهَا مِنْ جُمْلَةِ الأَكْوَانِ
__________
= حدوث العالم وإثبات الصانع دلّ على نفيها. فإن الصانع أثبتناه بحدوث العالم، وحدوث العالم إنما أثبتناه بحدوث الأجسام، والأجسام إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الصفات التي هي الأعراض. أو قالوا: إنما أثبتنا حدوثها بحدوث الأفعال التي هي الحركات، وأن القابل لها لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. أو أن ما قبل المجيء والإتيان والنزول كان موصوفًا بالحركة، وما اتصف بالحركة لم يخل منها أو من السكون الذي هو ضدها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. فإذا ثبت حدوث الأجسام قلنا إن المحدَث لا بد له من محدِث فأثبتنا الصانع بهذا. فلو وصفناه بالصفات أو بالأفعال القائمة به لجاز أن تقوم الأفعال والصفات بالقديم، وحينئذ فلا يكون دليلًا على حدوث الأجسام فيبطل دليل إثبات الصفات … “. مجموع الفتاوى 6/ 49 – 50، وسيأتي دليلهم مفصلًا في البيت 1008 وما بعده.
170 – يعني بالمقالتين: المقالة الأولى: أن العبد مجبور مقهور لا فعل له في الحقيقة. المقالة الأخرى: أن الفعل ليس فعلًا للرب ولا قائمًا به.
فإذا جمعت هاتين المقالتين تبين كذبهما وزورهما، إذ يلزم من ذلك إما عدم الفعل والخلق أو فعل وخلق بلا فاعل ولا خالق.
173 – المعنى: أنه إذا نفى صفات الرب وفعله وكلامه ونفى مع ذلك فعل العبد أنتج ذلك أن لا خلق ولا أمر ولا وحي ولا تكليف، سيأتي تفصيل هذا موسعًا في كلام الناظم رحمه الله، انظر البيت رقم 694 وما بعده.
174 – قال شيخ الإسلام: “الجهمية يقولون: أسماء الله مخلوقة، والاسم غير=

(1/91)


175 – فَانظُرْ إلَى تعطِيلهِ الأوْصَافَ وَالْـ … أفْعَالَ وَالأَسْمَاءَ للرحمنِ
176 – مَاذَا الذِي في ضِمْنِ ذا التَّعطِيل مِنْ … نَفْيٍ ومنْ جَحدٍ ومنْ كُفْرَانِ
177 – لَكنَّه أبْدَى المَقَالَة هَكَذَا … فِي قَالَبِ التَّنْزِيهِ لِلرحمنِ
178 – وآتَى إلَى الكفرِ العَظِيمِ فصَاغَهُ … عِجْلًا ليفتِنَ أُمّةَ الثِّيرَانِ
179 – وَكسَاهُ أنْوَاعَ الجواهِرِ والحُلي … منْ لُؤلؤ صَافٍ ومنْ عِقْيانِ
180 – فرآهُ ثِيرانُ الوَرَى فأصابَهُمْ … كَمُصَابِ إخْوَتِهِمْ قَديمَ زَمَانِ
__________
= المسمى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق .. ويقولون إنه سمّى نفسه بهذه الأسماء بمعنى أنه خلقها في غيره”. اهـ. مجموع الفتاوى 6/ 186.
177 – القالب: بفتح اللام وكسرها، الشيء الذي تفرغ فيه الجواهر ليكون مثالًا لما يصاغ منها لتشكيلها. اللسان 1/ 689.
– تقدم أن مذهب الجهم إنكار الصفات والأسماء زعمًا منه أن في هذا تنزيهًا لئه تعالى عن التشبيه والتجسيم والحدوث، وهذا دأب أهل البدع دائمًا يظهرون باطلهم في صورة حسنة سليمة ليتبعهم عليها عوام الناس، كما سموا نفي الصفات تنزيهًا والتحريف تأويلًا.
178 – أمة الثيران: أي: أهل الجهل والضلال.
179 – العقيان: الذهب الخالص، وقيل: هو ما ينبت نباتا وليس مما يحصّل من
الحجارة. اللسان 15/ 81.
180 – يعني أن الجهلة من الناس لما رأوا حسن الكلام والتزيين من الجهم وشيعته لمذهبهم الباطل اتبعوهم عليه وافتتنوا به كافتتان اليهود بالعجل الذي صاغه لهم السامري، لما غاب عنهم موسى عليه السلام وذهب لموعد ربه تعالى. وقد حكى الله تعالى ذلك عنهم فقال: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)} [الأعراف: 148]، ثم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)} [الأعراف: 152]، تفسير ابن كثير 1/ 247، تفسير الطبري=

(1/92)


181 – عِجْلَانِ قَدْ فَتَنَا العِبَادَ: بصوْتِهِ … إحْدَاهُمَا وبحَرفِهِ ذَا الثَّاني
182 – والنَّاسُ أكثرُهُم فأهْلُ ظَوَاهِرٍ … تَبْدُو لَهمْ ليْسُوا بأهْلِ مَعَانِ
183 – فهُمُ القُشورُ وبالقُشورِ قِوَامُهُم … وَاللُّبُّ حظُّ خُلَاصَةِ الإنْسَانِ
184 – وَلِذَا تقسَّمَتِ الطوَائِفُ قَولَهُ … وتوارَثُوهُ إِرْثَ ذِي السُّهْمَانِ
185 – لَمْ يَنْجُ مِنْ أقوَالِه طُرًّا سِوَى … أَهلِ الحَدِيثِ وشِيْعةِ القرآنِ
__________
= مجلد 6/ ج 9 /ص 62، وسيأتي تفصيل الناظم لخبرهم مع العجل. انظر حاشية البيت رقم 302.
181 – استعمل الناظم رحمه الله كلمة “إحدى” هنا للمذكر، وهو العجل. وقد تكرر ذلك في المنظومة. انظر مثلًا الأبيات الآتية: 262، 280، 866، 1148، 1225، 2990. (ص).
– يعني بالعجلين: العجل الحسّي الذي صاغه السامري ففتن اليهود بصوت خواره كما قال تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)} [طه: 88].
والعجل الثاني: عجل معنوي وهو تعطيل الأسماء والصفات وتحريفها بدعوى تنزيه الرحمن صاغه الجهم. فلما رآه جهال الناس افتتنوا بحَرْفه أي تحريفه وتمويهه.
183 – لبّ كلِّ شيء ولبابه: خالصه وخياره، ولب الجوز واللوز ونحوهما: ما في جوفه.
184 – من تأمل في معتقدات الفرق التي تنتسب إلى الإسلام وجد أن مذهب الجهم في التعطيل والجبر أصل تفرع عنه كثير من فرق الضلال كالمعتزلة والفلاسفة ومتأخري الأشعرية والقرامطة الباطنية وملاحدة الصوفية القائلين بالحلول والوحدة، شرح النونية لهراس 1/ 23.
-يعني: اقتسمت فرقُ الضلال فيما بينها قول الجهم في الأسماء والصفات والجبر والإيمان والجنة والنار وغيرها، ولم يبق من أقواله قول إلا وقد قلدته فيه فرقة من الفرق، فورثوا أقواله منه ولم يتركوا منها شيئًا كما يورث مال الميت. والسُّهمان: جمع سَهْم أي النصيب.
185 – طرًا: جميعها.

(1/93)


186 – فتبرَّؤوا منهَا براءةَ حَيْدَرٍ … وَبَرَاءةَ المَوْلُودِ منْ عِمْرانِ
187 – مِنْ كُلِّ شِيعِيٍّ خَبِيثٍ وَصْفُهُ … وَصْفُ اليهُودِ مُحَلِّلي الْحِيتَانِ
* * *
__________
186 – حيدر هو لقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد غلا فيه فريق من الناس، وتشيعوا له، وقدموه على أبي بكر وعمر رضي الله عنه، وتنقصوهما، وسبّوهما، ورفضوا إمامتهما، واشتد غلو بعضهم فادعى فيه الإلهية. وقد تبرأ رضي الله عنه من هؤلاء جميعًا، وأمر بإحراق الذين ادعوا فيه الإلهية. فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا: أنت هو، قال: من أنا؟ قالوا: أنت الله الذي لا إله إلا هو، فقال: ويحكم هذا كفر ارجعوا عنه وإلاّ ضربت أعناقكم، فصنعوا به في اليوم الثاني والثالث كذلك، فأخرهم ثلاثة أيام. فلما لم يرجعوا أمر بأخاديد من نار فخدت عند باب كندة، وقذفهم في تلك النار. وروي عنه أنه قال:
لما رأيتُ الأمر أمرًا منكرا … أجّجتُ ناري ودعوتُ قَنْبَرا
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 1/ 306.
عمران: في جميع النسخ: “عثمان”، إلاّ نسخة ب التي كتب فيها فوق عثمان: “نسخة” ثم أثبت في الحاشية: “عمران”، وفوقه. “نسخ صح” وكذا “عمران” في طع، والظاهر أنه هو الصواب، والمقصود موسى بن عمران عليه السلام، ولكن اتفاق النسخ ولا سيما الأصل وف على “عثمان” أمر غريب! (ص).
والمعنى أن أهل الحق تبرؤوا من الجهم وأقواله أشد البراءة، كما تبرأ علي رضي الله عنه من الشيعة الذين غلوا فيه، وكما تبرأ موسى عليه السلام من اليهود الذين عبدوا العجل، وقد تقدم حكاية خبر عبادة اليهود للعجل في حاشية البيت رقم 180.
187 – الشيعة في اللغة: جماعة الرجل وحزبه وأنصاره وهم الذين يجتمعون على رأي واحد. وهي إذا أُطلقت أريد بها فرقة الشيعة، وهم الذين شايعوا عليًا رضي الله عنه وقالوا بإمامته وخلافته نصًّا ووصيةً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو تقية من عنده.=

(1/94)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= وقالوا: إن الإمامة قضية أصولية لا تناط باختيار العامة، ولا يجوز للرسل أن يكلوها إلى العامة. ويقولون بعصمة الأنبياء والأئمة وجوبًا عن الكبائر والصغائر بالتولي والتبري قولًا وفعلًا وعقدًا إلا في حالة التقية. الملل والنحل 1/ 144، مقالات الإسلاميين 1/ 65، أصول مذهب الشيعة للقفاري 1/ 40، دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين للدكتور أحمد محمد جلي ص 151.
– الشيعة اسم جنس يشمل جميع فرق الشيعة، لكن الناظم رحمه الله وصفهم بأن لهم وصف اليهود، وهذا ينصرف إلى غلاتهم وهم الرافضة. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أوجهًا كثيرة للشبه بين الرافضة واليهود، ومن ذلك: قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي.
وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيف من السماء. وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء.
واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم. وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم.
واليهود تزول عن القبلة شيئًا، وكذلك الرافضة.
واليهود تسدل أثوابها في الصلاة، وكذلك الرافضة.
واليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة.
واليهود تبغض جبريل ويقولون: هو عدونا من الملائكة. وكذلك الرافضة يقولون: غلط جبريل بالوحي على محمد – صلى الله عليه وسلم -.
وفضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين: سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواريو عيسى، وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم -. منهاج السنة 125 – 27، وانظر بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود – لعبد الله الجميلي.=

(1/95)


فصلٌ في مقدمةٍ نافعةٍ قبلَ التَّحكيمِ
188 – يَأَيُّهَا الرجلُ المُريدُ نَجَاتَهُ … اِسْمَعْ مَقَالَةَ نَاصِحٍ مِعْوَانِ
189 – كُنْ في أمورِك كلِّها متمسّكًا … بالوَحْي لَا بزخَارفِ الهَذَيانِ
190 – وَانْصُرْ كِتَابَ اللهِ والسُّنَنَ الَّتي … جَاءتْ عَنِ المبْعُوثِ بالفُرْقَانِ
__________
= محللي الحيتان: يشير إلى قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)} [الأعراف: 163]، وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)} [البقرة: 65]، وفي هاتين الآيتين ذكر الله تعالى خبر اليهود الذين كانوا في قرية عند البحر، قيل: إنها بين أيلة والطور تسمى مدين، وكانوا يصطادون السمك فيأكلون ويتجرون، فحرم الله تعالى عليهم صيد السمك في يوم السبت ابتلاء منه وامتحانًا بسبب فسقهم وعصيانهم. ثم جعل السمك يكثر في يوم السبت ويقلّ في غيره فلم يصبروا، فاحتال بعضهم لصيده، فجعل ينصب الشباك، ويحفر الحفر في يوم الجمعة، ثم يأخذها يوم الأحد وقد امتلأت بالحيتان، فاحتالوا على الصيد فنهاهم صالحوهم فلم ينتهوا، فغضب الله تعالى عليهم ومسخهم قردة وخنازير كما قال سبحانه: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} [الأعراف: 166]، انظر تفسير الطبري 1/ 329 – 333، تفسير ابن كثير 1/ 105 – 107.
188 – المِعْوان: الحسن المعونة أو كثيرها. القاموس ص 1571.
189 – الزُّخْرُف: الزينة، قال ابن سيده: الزخرف: الذهب، هذا الأصل ثم سمّي كل زينة زخرفًا، ثم شبّه كلّ مموّه مزوّر به. اللسان 9/ 132 – 133.
الهذَيان: كلام غير معقول مثل كلام المعتوه، يقال: هذَى يهذي هَذْيًا وهذيانًا: أي: هذى بكلام لا يفهم. اللسان 15/ 360.

(1/96)


191 – وَاضرِبْ بِسيفِ الوحْيِ كلَّ مُعَطِّلٍ … ضرْبَ المُجاهِدِ فَوْقَ كُلِّ بَنَانِ
192 – واحمِلْ بعزْمِ الصِّدْقِ حَمْلةَ مُخْلِصٍ … متَجرِّدٍ لِلَّه غَيْرِ جَبَانِ
193 – وَاثبُتْ بِصبرِكَ تَحْتَ أَلْوِيَة الهُدَى … فإذَا أُصِبْتَ فَفِي رضَا الرحمنِ
194 – واجْعَل كِتَابَ اللهِ والسُّنَنَ الَّتِي … ثَبتَتْ سِلَاحَكَ ثمَّ صِحْ بجَنانِ
195 – مَنْ ذَا يُبارِزُ فلْيقدِّمْ نفسَهُ … أوْ مَنْ يسَابِقْ يَبْدُ فِي الميْدَانِ
196 – واصدَعْ بِمَا قَالَ الرَّسُولُ وَلَا تَخَفْ … مِنْ قلَّةِ الأَنْصَارِ وَالأعْوَانِ
197 – فالله نَاصرُ دينِهِ وكتَابِهِ … واللهُ كَافٍ عَبْدَه بأَمَانِ
198 – لَا تَخشَ مِن كَيْدِ العدُوِّ ومكرِهِمْ … فقتَالُهُمْ بالكِذْبِ والبُهْتَانِ
199 – فجُنودُ أتْبَاعِ الرَّسُولِ ملائِكٌ … وَجنودُهُمْ فعَسَاكِرُ الشَّيْطَانِ
__________
191 – يشير إلى قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال: 12]، والبنان: أطراف أصابع اليدين والرجلين. تفسير الطبري (شاكر) 13/ 431.
194 – الجَنان: القلب. و”صِحْ”: فعل أمر من صاح يصيح. ومراد الناظم: اصرخ بهم صرخة الأبطال بقلب قوي جريء غير واهن ولا خائف.
197 – ب، د: “كافي”.
198 – ب: “بالزور والبهتان”.
199 – أي: أن الله تعالى ينزل الملائكة لتقاتل مع المؤمنين كما قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} [الأنفال: 12].
– قوله: “وجنودهم … ” كما قال تعالى عن الكافرين يوم بدر: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ} [الأنفال: 48].

(1/97)


200 – شَتَّانَ بَينَ العسْكَرينِ فَمنْ يَكُنْ … مُتحَيِّزًا فَلْينظُرِ الفئَتَانِ
201 – واثْبُتْ وقَاتِلْ تَحتَ رَاياتِ الهُدى … واصبِرْ فنصرُ اللهِ رَبِّك دَانِ
202 – وَاذْكُرْ مَقاتِلَهُمْ لفُرسَانِ الهُدى … لِلَّه دَرُّ مَقاتِلِ الفُرسَانِ
203 – وادْرَأْ بِلفظِ النَّصِّ فِي نَحْرِ العِدَا … وارجُمْهُمُ بثَواقِبِ الشُّهْبَانِ
204 – لَا تَخشَ كَثْرَتَهُم فهمْ هَمَجُ الوَرَى … وذُبابُه أَتَخافُ مِنْ ذِبَّانِ
__________
200 – طت، طه: “متحيرًا” بالراء المهملة، تصحيف. وتحيز الرجل إلى فئة: انضمّ إليها.
الفئتان: الأصل لغة أن يقول: “فلينظر الفئتين”، لأن لفظ الفئتين مثنى مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء، ولكنه جاء به على لغة من يلزم المثنى الألف مطلقًا، وهي لغة مشهورة تنسب إلى كنانة وبني الحارث بن كعب وبني العنبر وغيرهم من العرب، وخرجت عليها قراءة: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63]، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “لا وتران في ليلة” رواه الترمذي ج 2 / ص 574 / ح 468 – تحفة- كتاب الوتر، باب 113، وقال: حسن غريب؛ والإمام أحمد 4/ 528، وأبو داود ج 2 / ص 67 / ح 1439، كتاب الوتر، باب في نقض الوتر 344، وصححه ابن خزيمة (1101) ومن هذه اللغة قول الشاعر:
تزوَّدَ منّا بين أذناه طعنةً … دعته إلى هابي التراب عقيمِ
شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 1/ 58 – 59 أوضح المسالك لابن هشام 1/ 46 وستتكرر هذه اللغة في النونية. انظر مثلًا الأبيات 568، 657، 979، 2099.
202 – أي: دل جند الحق على مقاتل هؤلاء الأعداء أي: المواضع التي يقتلون منها، ومراد الناظم: أخبِرْ أهلَ الحق بعيوب أهل البدع والمداخل التي يدخل عليهم من خلالها لهزيمتهم وردّ كيدهم.
203 – درأه في نحره: دفعه في أعلى صدره. وخصّ النحر لأنه أسرع وأقوى في الدفع والتمكن من المدفوع. النهاية 2/ 109.
204 – الهَمَج: أصله جمع همجة وهي: ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحُمُر وأعينها، والهمج: رَعاع الناس ورُذالهم. اللسان 2/ 392 – 393.

(1/98)


205 – واشْغَلْهُمُ عنْدَ الجِدَالِ ببعْضِهِمْ … بعضًا فَذَاكَ الْحَزْمُ للْفُرسَانِ
206 – وإِذا هُمُ حَمَلُوا عَلَيْكَ فَلَا تَكُنْ … فَزِعًا لِحَمْلَتِهِمْ وَلَا بجَبَانِ
207 – وَاثبُتْ وَلَا تحمِلْ بِلَا جُنْدٍ فَما … هَذَا بمحْمُودٍ لدَى الشُّجْعَانِ
208 – فإذَا رأيتَ عِصَابَةَ الإسْلامِ قَدْ … وَافَتْ عسَاكِرُهَا مَعَ السُّلْطَانِ
209 – فهنَاكَ فاخْتَرِقِ الصُّفُوفَ وَلَا تَكُنْ … بالعَاجِزِ الوَانِي وَلَا الفَزْعَانِ
210 – وتعرَّ منْ ثوبَيْنِ مَنْ يَلبَسْهُما … يَلْقَ الرَّدَى بمذمَّةٍ وهَوَانِ
211 – ثوبٌ من الجهْلِ المركَّبِ فَوْقَهُ … ثَوبُ التعَصُّب بئْسَتِ الثَّوبَانِ
212 – وتَحَلَّ بالإنْصَافِ أفْخرِ حُلَّةٍ … زِينَتْ بهَا الأعطافُ والكَتِفَانِ
213 – واجعَلْ شعارَكَ خشيةَ الرَّحمنِ مَعْ … نُصْحِ الرَّسُولِ فحَبَّذا الأمْرَانِ
214 – وتَمَسَّكَنَّ بِحَبْلِهِ وَبِوَحْيِهِ … وتَوَكَّلَنَّ حَقيقَةَ التُّكْلَانِ
215 – فالحَقُّ وَصْفُ الرَّبِّ وَهْوَ صِراطُهُ الىـ … ـهَادِي إِلَيْهِ لصَاحِبِ الإيمَانِ
__________
208 – وافت: أتت وأقبلت.
209 – الواني: الضعيف.
210 – في جميع النسخ وط: “يلقى” والصواب ما أثبتنا.
211 – ثوبٌ: كذا مضبوط في الأصل بالرفع. ويجوز جرّه.
الجهل المركب: هو الجهل الذي يحسب صاحبه أنه على علم وهدى وهو من أهل الجهل والضلال فيجتمع له جهلان: جهله الأصلي وجهله أنه جاهل. اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص 55.
“بئست الثوبان”: أنث الفعل للفاعل المذكر -وهو الثوب- للضرورة. ومثله في البيت 3754. وتكرر ذلك في المنظومة. انظر مثلًا: 2372، 2462، 2788، 3559، 3755، 3763 وفي كل هذه المواضع جاء فعل “بئست” للمذكر (ص).
212 – الأعطاف: جمع عِطْف، وعطفا الرجل: جانباه عن يمين وشمال، وشِقّاه من لدن رأسه إلى وركه. اللسان 9/ 250.
215 – كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25] فوصف الله سبحانه نفسه بأنه الحق.=

(1/99)


216 – وهُوَ الصِّراطُ عَلَيْهِ رَبُّ العَرْشِ أَيْ … ضًا ذِا وَذَا قَدْ جَاءَ فِي الْقرْآنِ
217 – والحَقُّ منْصُورٌ ومُمْتَحَنٌ فَلَا … تَعْجَبْ فهَذِي سنَّةُ الرَّحمنِ
218 – وَبِذَاكَ يظهرُ حِرْبُهُ مِنْ حَرْبِهِ … وَلأجْل ذَاكَ النَّاسُ طَائِفَتَانِ
219 – ولأجْلِ ذَاكَ الحربُ بَيْنَ الرُّسْلِ وَالْـ … ـكُفَّارِ مُذْ قَامَ الوَرَى سَجْلانِ
220 – لكنَّمَا العُقْبَى لأهْلِ الحَقِّ إنْ … فَاتَتْ هُنَا كَانَتْ لَدَى الدَّيَّانِ
221 – واجعَلْ لقلْبِكَ هِجْرَتَينِ وَلَا تَنَمْ … فهُما عَلَى كلِّ امْرِئٍ فَرْضانِ
222 – فالهِجْرةُ الأُولى إلَى الرَّحْمنِ بالْـ … إِخلَاصِ فِي سِرٍّ وفِي إعْلَانِ
223 – فالقصدُ وجهُ الله بالأقْوَالِ والْـ … أعْمالِ والطاعَاتِ والشُّكْرَانِ
__________
= -يعني: أن الحق هو صراط الله وطريقه الذي يهدي إليه من شاء من عباده، قال تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} [يونس: 35].
216 – يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56]، أي: إن الله تعالى على الحق في قوله وفعله وحكمه جلّ جلاله. انظر تفسير ابن كثير 2/ 450، تفسير الطبري مجلد 7 /ج 12/ 60.
218 – في د، ط: “من حزبه”، تصحيف.
219 – السجل: الدلو الضخمة المملوءة ماءً وجمعه سِجال. يقال: الحروب سجال، أي: سَجل منها على هؤلاء وآخر على هؤلاء، أي: ينتصر هؤلاء مرة وهؤلاء مرة. اللسان 11/ 325.
220 – الديان: المحاسب المجازي. يقول: إنّ العقبى دائمًا لأهل الحق إن لم يحصلوها في الدنيا فهي لهم في الآخرة، كما قال سبحانه: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]. وقال: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
221 – مراد الناظم بهجرة القلب: أن يترك العمل الذي يشوبه الرياء أو البدعة إلى العمل الصالح الذي توفر فيه شرطا قبول العمل: الإخلاص، والمتابعة.
223 – ب، د، س: “في الأقوال”.

(1/100)


224 – فبِذاكَ ينْجُو العَبْدُ منْ إشْراكِهِ … ويصيرُ حقًّا عَابدَ الرَّحمنِ
225 – والهِجرةُ الأخْرَى إلى المبعوثِ بالـ … ـحَقِّ المُبينِ وواضحِ البُرْهَانِ
226 – فيَدورُ معْ قَوْلِ الرَّسُول وفعْلِه … نفيًا وإثباتًا بِلَا رَوَغانِ
227 – ويُحكِّمُ الوحيَ المُبينَ عَلى الَّذِي … قَالَ الشيوخُ فعندهُ حَكَمَانِ
228 – لَا يحْكُمانِ بباطِلٍ أبدًا وكلُّ م … العدلِ قَدْ جَاءتْ بِهِ الحَكَمانِ
229 – وهُما كِتَابُ اللهِ أعْدلُ حاكمٍ … فِيهِ الشِّفا وهدايةُ الحيْرَانِ
230 – والحَاكِمُ الثاني كلامُ رسولِهِ … مَا ثَمَّ غيرْهما لِذي إيمَانِ
231 – فإذا دَعَوْكَ لغَيرِ حُكمِهِما فَلا … سَمْعًا لِدَاعِي الكُفْرِ والعِصْيانِ
232 – قُلْ: لَا كرامةَ لَا وَلَا نُعْمَى وَلَا … طَوْعًا لِمنْ يَدْعُو إِلَى طُغْيَانِ
233 – وإذا دُعِيتَ إلَى الرَّسُولِ فَقلْ لهُمْ … سَمعًا وطَوعًا لسْتُ ذَا عِصْيانِ
234 – وإذا تكَاثَرتِ الخُصُومُ وصيَّحُوا … فاثبُتْ فصَيْحَتُهم كَمِثلِ دُخانِ
__________
224 – أي: ينجو من جميع أنواع الشرك الخفي منها والأصغر والأكبر.
226 – ف، ب، د، س: “فتدور”.
227 – ف، د: “وتحكّم”.
– أي: عند صاحب الحق حكمان: الكتاب، والسنة.
228 – “جاءت الحكمان”: فيه تأنيث الفعل للفاعل المذكر، وهو الحكم، وستراه مرة أخرى في البيت 262، وانظر التعليق على البيت 211 (ص).
230 – س: “الإيمان”.
232 – “نعمى”: من نُعمَى عين: قُرّتها، أي أفعل ذلك كرامة لك وإنعامًا بعينك. اللسان 12/ 581، ومراد الناظم: لا أكرمك ولا أقرّ عينَكَ ولا أطيعك يا داعي الكفر والطغيان.
233 – يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} [النور: 51].

(1/101)


235 – يَرْقَى إِلَى الأوْجِ الرَّفِيع وَبعْدَه … يَهوِي إِلَى قَعْرِ الحَضِيضِ الدَّانِي
236 – هَذَا وَإنّ قِتَالَ حزبِ اللهِ بالْـ … أَعْمَالِ لَا بكتَائِبِ الشُّجْعَانِ
237 – واللهِ مَا فتَحُوا البلَادَ بكثرةٍ … أنَّى وأعدَاهُمْ بِلَا حُسْبَانِ
238 – وَكَذَاكَ مَا فَتحُوا القلوبَ بهذِهِ الْـ … آراءِ بَلْ بالعلْمِ والإيمَانِ
239 – وشَجَاعَةُ الفُرْسَانِ نَفسُ الزُّهْدِ في … نَفْسٍ وذَا مَحْذُورُ كُلِّ جَبَانِ
240 – وشَجَاعَةُ الحُكّامِ والعُلَماءِ زُهْـ … ـدُ فِي الثَّنَا مِنْ كلِّ ذِي بُطلَانِ
__________
235 – الأوج: فارسي معرّب، من اصطلاحات المنجمين، قال الخوارزمي: “هو أرفع موضع من الفلك الخارج المركز، أعني أبعده من الأرض. ومقابله الحضيض”. مفاتيح العلوم ص 244 (دار الكتاب العربي بيروت 1409 هـ) ومن هنا استعمله الشعراء والكتاب بمعنى أقصى درجات الارتفاع. (ص).
الحضيض: قرار الأرض عند سفح الجبل، وقيل: هو في أسفله والسفح: من وراء الحضيض. اللسان 7/ 136، والداني: القريب.
236 – كتائب: جمع كتيبة وهي القطعة العظيمة من الجيش. اللسان 1/ 701.
237 – أعداهم: أعداؤهم، قصر الممدود للضرورة، ومثله في البيت الآتي (240).
238 – يريد -رحمه الله- أن أهل الحق لا يعولون في قتال أعدائهم على كثرة عددهم أو تنوع عدتهم بل على جليل الأعمال وصالح العبادة والذل لرب العالمين، ولو اعتمدوا على قوتهم لما استطاعوا أن يفتحوا البلاد وهم ما يكادون يواجهون عدوًا إلا وهذا العدو يفوقهم في العدد والعدة، لكن الأمر كما قال الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
د: “بكثرة الآراء”.
-يعني: الآراء المخالفة لما جاء في الكتاب والسنة، وهي جميع آراء أهل البدع، فإن أهل الحق لم يهدوا الناس بها، ولم يدعوا الناس إلى الإسلام بالطرق الكلامية أو المناهج الفلسفية بل بالعلم والإيمان.
239 – في متن الأصل: “عين الزهد”، وصححه في الحاشية بما أثبتنا، وكذا في جميع النسخ.

(1/102)


241 – فإذا هُما اجْتَمَعَا لِقلْبٍ صَادِقٍ … شَدَّتْ ركائبُهُ إلَى الرَّحمنِ
242 – واقصِدْ إلَى الأقْرَانِ لَا أطْرَافِهَا … فالعِزُّ تَحْتَ مَقَاتِلِ الأَقْرانِ
243 – واسمَعْ نَصِيحةَ مَنْ لهُ خُبْرٌ بمَا … عند الورَى مِنْ كَثْرة الجَوَلَانِ
244 – مَا عِنْدَهُمْ واللهِ خَيْرٌ غَيرَ مَا … أخَذُوهُ عمَّنْ جَاءَ بالقُرْآنِ
245 – والكُلُّ بَعدُ فبِدْعةٌ أو فِرْيةٌ … أوْ بحثُ تشْكِيكٍ ورأيُ فُلَانِ
246 – فاصْدَعْ بأمرِ اللهِ لَا تَخْشَ الورَى … في الله واخْشَاهُ تَفُزْ بأمَانِ
__________
241 – يعني -رحمه الله- بالأمرين المجتمعين:
الأول: الزهد في النفس والاستهانة بالموت والقتل ما دام على الحق.
الثاني: الزهد في ثناء الناس ومدحهم ما دام الذي في السماء جلّ جلاله راضيًا.
الركائب: جمع رِكاب، وهي الإبل المركوبة. و”شدّت”: ضبط في الأصل بفتح الشين فيكون بمعنى: أسرعت. وإذا ضبطناه بضمها كان المعنى: هُيِّئت رواحلُه للسفر. (ص).
242 – الأقران: جمع قِرن وقِرنك: المقاوم لك في أي شيء كان. وقيل: في شدة الباس فقط. اللسان 13/ 337. يعني: أنك إذا توفرت لديك القوة والشجاعة فلا ينبغي أن تنشغل بقتال الضعفاء والجبناء الذين يكونون غالبًا في أطراف الصفوف لا في مركزها ووسطها، بل اقذف بنفسك في قلب صف العدو الذي يكون فيه الأبطال والشجعان ثم قاتلهم لتشرِّد بهم من خلفهم.
243 – الخُبر: العلم بالشيء والدراية التامة به، والخبير: العالم. اللسان 4/ 227.
– بيّن الناظم -رحمه الله- في موضع آخر من قصيدته أنه قد وقع في بعض المذاهب المنحرفة وجرّب ما فيها من الباطل، حتى أتاح له الله تعالى بمنّه وكرمه الاتصال بالعلَم العالم شيخ الإسلام ابن تيمية -قدّس الله روحه- فدلّه على الطريق وأراه طرق الهدى. انظر البيت: 2287 وما بعده.
245 – أي: بحث يقصد منه إثارة الشكوك والشبه ضد العقيدة الصحيحة.
246 – كما قال الله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)} [الحجر: 94].

(1/103)


247 – واهجُرْ وَلَوْ كُلَّ الورى فِي ذاتِهِ … لَا فِي هَوَاك ونَخْوةِ الشَّيطَانِ
248 – واصبِرْ بغَيرِ تَسَخُّطٍ وَشِكَايَةٍ … واصفَحْ بغيْرِ عِتَابِ مَنْ هُوَ جَانِ
249 – واهجُرهُمُ الهَجرَ الجَميلَ بِلَا أذىً … إنْ لَمْ يكنْ بدٌّ مِنَ الهِجْرانِ
250 – وانظُرْ إلَى الأقدَارِ جَارِيَةً بِمَا … قَدْ شَاءَ مِنْ غَيٍّ وَمِنْ إيمَانِ
251 – واجعَلْ لقلْبِكَ مُقْلَتين كِلاهُما … بالحَقِّ فِي ذَا الخَلقِ باصرتَانِ
252 – فانظُرْ بِعَينِ الحُكْمِ وارحَمْهُم بِهَا … إذْ لَا تُرَدُّ مشيِئَةُ الدَّيَّانِ
253 – وانظُرْ بعينِ الأمْرِ واحْمِلْهُمْ عَلَى … أَحْكَامِهِ فَهُمَا إذًا نَظَرانِ
__________
= – الأصل أن يقول: “واخشه” بحذف حرف العلة لأنه فعل أمر، ولكن اضطرّ، فأجرى المعتلّ مجرى الصحيح.
– أي: تفز بالأمن والسلامة من العذاب يوم القيامة كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام: 82].
247 – في ذاته: أي لأجل الله تعالى وفي سبيله وطلب رضاه.
النخوة: العظمة والكبر والفخر. اللسان 15/ 312، ومراد الناظم بنخوة الشيطان: ما يلقيه الشيطان في قلب العامل من تعاظم وكبر ليفسد نيته ويحبط عمله.
248 – الجاني: من الجناية، وهي الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العقاب أو القصاص في الدنيا والآخرة. اللسان 14/ 154.
251 – المقلة: العين. وكان الصواب: كلتاهما، ولكنه ذكّر المؤنث للضرورة.
وسيأتي مرة أخرى في البيتين: 254، 1174 (ص).
باصرتان: كذا في الأصل وف. وكتب ناسخ ف صادًا صغيرة تحت صاد الكلمة تأكيدًا لها. وفي غيرهما: ناظرتان. مراد الناظم: تدبر وتفكر بقلبك وعين بصيرتك في حال هذا الخلق واجعل لك فيه نظرين.
253 – يعني -رحمه الله- بعين الحكم “الإرادة الكونية” وعين الأمر “الإرادة الشرعية”، وأهل الحق يفرقون بين الإرادتين، فيقولون: الإرادة نوعان:
الأول: إرادة كونية (وهي المقصودة بقوله: عين الحكم) ترادفها المشيئة وهما تتعلقان بكل ما يشاء الله فعله وإحداثه. فهو سبحانه إذا أراد شيئًا وشاءه حدث ووقع عقب إرادته له كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ =

(1/104)


254 – واجْعَلْ لوجْهِكَ مُقْلَتينِ كِلاهُما … مِنْ خَشيْةِ الرحمنِ بَاكيتانِ
255 – لَوْ شاء رَبُّكَ كُنتَ أيْضًا مِثلَهمْ … فالقلبُ بين أَصابعِ الرَحمنِ
__________
= شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82]، فهذه الإرادة شاملة لجميع الحوادث من خير وشر.
الثاني: إرادة شرعية (وهي المقصودة بقوله: عين الأمر) تتعلق بما يأمر الله به عباده مما يحبه ويرضاه وهي المذكورة في مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وهذه الإرادة لا تكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه من الخير، وهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله أي: ما لا يحبه ولا يرضاه.
ولا تلازم بين الإرادتين بل قد تتعلق كل منهما بما لا تتعلق به الأخرى فبينهما عموم وخصوص من وجه، وقد تجتمع هاتان الإرادتان كما في إيمان أبي بكر فهو مراد كونًا لأنه وقع ومراد شرعًا لأنه محبوب مرضي عند الله تعالى. وقد تفترقان ككفر أبي جهل فهو مراد كونًا لأنه وقع، وغير مراد شرعًا لأنه مبغوض غير مرضي عند الله تعالى.
ومعنى كلام الناظم -رحمه الله-: أنك تنظر إليهم بعين الحكم فترحمهم لأن مشيئة الله وإرادته فيهم لا ترد، وتنظر إليهم بعين الأمر فتحملهم على أحكام الله فقد حرم عليهم الزنا والسرقة وإن أرادهما منهم كونًا. فإذا وقعا فحد الزاني واقطع السارق ولا تعطل الحكم الشرعي بحجة أن هذا مراد كونًا. شرح الطحاوية 1/ 80، المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص 121، شرح الواسطية لهراس ص 51 – 52 شرح ابن عيسى 1/ 131 – 132، الماتريدية للشمس السلفي الأفغاني 1/ 448.
254 – كلاهما: انظر التعليق على البيت 251.
255 – اهتداء الإنسان إلى الطريق السوي ونجاته من الطرق المنحرفة فضل ومنّة من الله تعالى وحده كما قال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء: 94] فلا ينبغي للعبد أن يُدِلّ =

(1/105)


256 – واحذَرْ كَمائنَ نفسِكَ اللَّاتي مَتَى … خرجتْ عَليكَ كُسِرتَ كَسرَ مُهانِ
257 – وإذا انتصرتَ لها تكونُ كَمنْ بَغَى … طَفْيَ الدُّخانِ بمُوقَدِ النِّيرانِ
258 – واللهُ أخْبرَ وَهْوَ أصدقُ قَائِلٍ … أنْ ليسَ يَنصرُ عَبْدَهُ بأمَاني
__________
= على الله تعالى أو يعجب بعمله.
– يشير إلى ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن قلوب بني آدم كلَّها بين إصْبَعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء” ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “اللهم مصرّفَ القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك” رواه مسلم 16/ 203 – 204 كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاءَ.
256 – يعني: خفاياها وغرائزها وشهواتها المحرمة، كالعجب والكبر وحب الظهور والشهوة والرياء وحب الدنيا وغير ذلك. وهذه متى غلبت على الإنسان فقد الإخلاص والالتجاء إلى الله تعالى والعمل من أجل نصرة دين الله، فيصبح يجادل ولقاتل من أجل هواه. وهنا لا ينصره الله لأن الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40] وهو هنا لم ينصر الله وإنّما نصر نفسه.
257 – طفي: بتسهيل الهمزة، وأصله: طَفْء، من طفئت النار: ذهب لهبها (ص). تكون: في ط: “فأنت”.
بمُوقَد: كذا ضبطت في ف بضم الميم وفتح القاف. وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. ويجوز أن يكون مصدرًا ميميًّا. (ص) ومعنى البيت: أن الواجب على المسلم أن يحارب هوى نفسه ويدافع طغيانها فإذا ولجت في باطل أو وقعت في تقصير فلا ينتصر لها بل يردعها ويخذلها عن ذلك، فإن انتصر لها فهو كمن زاد الطين بلّة ويكون شأنه كمن أراد أن يطفئ الدخان بموقد النيران.
258 – في ح، ط: “سوف ينصر” ولعله تغيير من ناسخ رأى كلمة “بأمان” مكتوبة في بعض النسخ بدون ياء، فظنّها من الأمن (ص).
الأماني: جمع أمنية من التمني وهو تشهي حصول المرغوب فيه وحديث النفس بما يكون وما لا يكون. اللسان 15/ 294.

(1/106)


259 – مَن يعملِ السُوأى سُيجزَى مِثلَها … أو يعملِ الحُسنى يَفُزْ بجِنَانِ
260 – هَذِي وَصِيّةُ نَاصِحٍ ولِنفْسِهِ … وَصَّى وبعدُ لِسائرِ الإِخْوَانِ
* * *

فصلٌ وهذا أوَّلُ عقدِ (1) مجلسِ التَّحكيمِ
261 – فاجلِسْ إذًا فِي مَجلسِ الحَكَمَيْنِ لِلرّ … حْمنِ لا لِلنَّفْسِ والشَّيطانِ
262 – إحداهُما النقلُ الصحيحُ وبَعدَه الـ … ـعَقلُ الصَّريحُ وفِطرةُ الرحمنِ
__________
259 – حذف الفاء من جواب الشرط للضرورة (ص).
بجنان: يعني: الجَنّات. ويشير -رحمه الله- إلى قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء: 123، 124].
قال ابن كثير في تفسير الآية: “المعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئًا حصل له بمجرد دعواه ولا كل من قال إنه على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان لهذا قال تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ} أي ليس لكم نجاة بمجرد التمني بل العبرة بطاعة الله سبحانه واتباع شرعه” أ. هـ. تفسير ابن كثير 1/ 557 بتصرف يسير، انظر تفسير الطبري مجلد 4/ج 5/ 288.
(1) كلمة “عقد” ليست في الأصل.
261 – أي: بعدما تتحلى بالصفات التي تقدمت من العدل والإنصاف والإخلاص وغيرها فاجلس للحكم بين هذه الطوائف لأنك بصفاتك هذه قد أصبحت أهلًا لذلك.
262 – ط: “الأول النقل”، وهو مخالف لجميع النسخ، ولعلّه تغيير لما جاء في المتن من تأنيث المذكر، وقد مرّ مثله في البيت 228 (ص).
– يعني بالنقل الصحيح: القرآن وما ثبت من السنة. =

(1/107)


263 – واحكُمْ إذًا فِي رُفْقةٍ قَدْ سافروا … يَبغُونَ فاطرَ هَذِهِ الأكوانِ
264 – فترافقُوا فِي سَيْرِهمْ وتفارقُوا … عِند افتراقِ الطُّرْقِ بالحَيْرانِ
265 – فأتَى فَريقٌ ثُم قَالَ وجدتُه … هَذَا الوجودَ بِعَينِهِ وَعِيَانِ
__________
= العقل الصريح: هو العقل السالم من الشبهات والشهوات.
الفطرة: الجبلة المتهيئة لقبول الدين، التعريفات للجرجاني ص 215. وقال العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي: “أما الفطرة فأريد بها ما يعم الهداية الفطرية والشعور الفطري والقضايا التي يسميها أهل النظر ضروريات وبديهيات والنظر العقلي العادي وأعني به ما يتيسر للأميين ونحوهم ممن لم يعرف علم الكلام ولا الفلسفة”. التنكيل بما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل 2/ 218.
وقال ابن القيم -رحمه الله- بعدما عرض أقوال الناس في الفطرة: “فقد تبين دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أن الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له، وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها يجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه، وأن حصول ذلك يقف على انتفاء المانع”. شفاء العليل ص 592 باختصار يسير، وانظر الصواعق المرسلة لابن القيم 4/ 1277، التنكيل للمعلمي 2/ 191.
264 – ضرب الناظم -رحمه الله- مثلًا للطوائف وأهل المذاهب واعتزاز كل منهم بقوله برفقة شرعوا في السفر، وقصدهم واحد، لا يطلبون إلا الحق، فسلكوا طريقًا واحدًا في مبتدأ سيرهم، فلما جدّ بهم السير وصلوا إلى مفترق الطرقات، فحينئذ سلك كلّ فريق من هذا الركب طريقًا غير طريق صاحبه. ثم رجعوا من سفرهم آئبين وعرضوا تجارتهم وما حصلوه في سفرهم وثمرات سعيهم على العالم العادل ليحكم بينهم بالحكم الموافق للنقل والعقل والفطرة. شرح النونية – السعدي ص 22.
265 – هذا الفريق الأول هم القائلون بوحدة الوجود ويسمَّون أيضًا بالاتحادية.
وهم قوم يزعمون أن الخالق اتحد بالمخلوق حتى صار هو هو، وعندهم من الضلال والكفر العظيم ما لا يخفى على من عرف مذهبهم وقرأ في كتبهم. وقد بدأ الناظم -رحمه الله- بهم لأنهم أشدّ الفرق ضلالًا وزيغًا =

(1/108)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= والعياذ بالله. ومن كبارهم ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والعفيف التلمساني، وكلّهم تجمعهم الضلالة والزندقة. وحقيقة قولهم تعطيل الصانع بالكلية، والقول بقول الدهرية الطبيعية. وهم يقولون: إن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره ولا شيء سواه ألبتة. حتى وجود الجن والشياطين والكافرين والفاسقين والكلاب والخنازير والنجاسات والكفر والفسوق والعصيان عين وجود الرب، لا أنه منفصل عن ذاته وإن كان مخلوقًا له مربوبًا مصنوعًا له وقائمًا به. انظر مجموع الفتاوى 2/ 142، درء تعارض العقل والنقل 6/ 118، الاستقامة 1/ 113، التبصير في الدين 116، الفرق بين الفرق 273، 3/ 75.
ومن أقاويل كبيرهم محيي الدين بن عربي: “ومن عرف ما قررناه .. علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه .. ” فصوص الحكم ص 78.
وقال أيضًا: “وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله .. رأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية، وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها، وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله ” الفصوص 328. وقال: ” .. فإن شهد النفس كان مع التمام كاملًا فلا يرى إلا الله في عين كل ما يرى فيرى الرائي عين المرئي” الفصوص ص 349، وزعم: أن الله تعالى كلمه فقال له: “ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي .. فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم فيقرون لي بالربوبية وعلى أنفسهم بالعبودية، فهم لعلامتهم عابدون .. فمن قيدني بصورة دون صورة فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستووة فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني والعارفون .. لا يظهر لهم عندهم سوائي ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي فكل شيء ظهر لهم وتجلى قالوا: أنت المسبح الأعلى”. الفتوحات المكية 1/ 49. ومن شعر ابن عربي:
فلا تنظر إلى الحق … وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق … وتكسوه سوى الحق
الفصوص ص 115. =

(1/109)


266 – مَا ثَمَّ مَوجُودٌ سِواهُ وإنَما … غَلِطَ اللّسانُ فقالَ موجُودانِ
267 – فهُو السَّماءُ بعينِها ونجُومُها … وكذلِكَ الأفلاكُ والقَمرانِ
268 – وهُو الغَمامُ بِعَينِه والثَلجُ والْـ … أمْطارُ مَعْ بَرَدٍ ومَعْ حُسْبَانِ
269 – وهُو الهواءُ بِعينِه والماءُ وَالتُّـ … ـرْبُ الثقيلُ وَنَفسُ ذِي النِّيرانِ
270 – هَذي بَسائطُه ومنهُ تركَّبتْ … هَذي المَظَاهِرُ مَا هُنا شَيئانِ
271 – وَهُو الفقِيرُ لها لأجلِ ظهُورهِ … فِيهَا كفَقْرِ الروحِ لِلأبدانِ
272 – وهِي الَّتي افتقرَتْ إِلَيهِ لأنه … هُوَ ذاتُها ووُجودُها الحَقَّانِي
__________
= ومن رؤوسهم أيضًا البلياني من مشايخ شيراز، ومن شعره:
وما أنت غير الكون بل أنت عينه … ويفهم هذا السرَّ من هو ذائقه
مجموع الفتاوى 2/ 473.
268 – البرَد: الماء الجامد ينزل من السحاب قطعًا صغارًا ويسمّ حبّ الغمام وحبّ المزن (المعجم الوسيط).
الحُسبان: الصواعق والبرد والعجاج. القاموس: 95.
269 – يزعم القائلون بوحدة الوجود: أن هذه البسائط الأربع (الماء والهواء والتراب والنار) منها تتركب سائر الموجودات (كقول الطبيعيين القدماء). ويزعمون أيضًا أنّ الله تعالى قبل إيجاد المخلوقات كان في عماء (فضاء) فأوجد من هذا العماء جميع صور العالم، وفيه الملائكة والعقل والنفس والطبيعة. ومادة هذا العماء عناصر أربعة: الماء والهواء والتراب والنار، فتَنفس الرحمن، فدخل ما كان في هذا العماء في ذات الله ولم يبقَ إلا عماء، ثم أخرجها الرحمن، فمن الطبيعة ظهر كل جسم وجسد جسماني من عالم الأجسام العلوي والسفلي، وهي من نفس الرحمن ظهرت في الكون، فهو بخار الرحمن، فيه الرحمة، بل هو عين الرحمة. انظر الفتوحات المكية لابن عربي 1/ 56، 723، 2/ 420، 430.
272 – الحقاني: منسوب إلى الحق، كالربّاني إلى الربّ. تاج العروس 6/ 319.
يزعم القائلون بوحدة الوجود: أن الله تعالى محتاج إلى هذه المظاهر والعوالم لأنه يظهر فيها، وهي محتاجة وفقيرة إليه لأنه هو جوهرها =

(1/110)


273 – وتَظلُّ تلبَسُهُ وتَخلَعُهُ وذَا الْـ … إيجادُ والإعدامُ كُلَّ أوَانِ
274 – ويَظلُّ يَلبَسُها وَيخلَعُها وَذَا … حُكمُ المَظاهِرِ كَيْ يُرَى بِعيانِ
__________
= وروحها. قال شيخ الإسلام وهو يحكي أقاويل هؤلاء: “ويقولون: “إن الله يعبد أيضًا كل شيء لأن الأشياء غذاؤه بالأسماء والأحكام، وهو غذاؤها بالوجود، وهو فقير إليها وهي فقيرة إليه” مجموع الفتاوى 2/ 468.
وقال ابن عربي: “وإذا كان الحق هوية العالم فما ظهرت الأحكام كلّها إلا منه وفيه .. فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم لأنه على صورة الرحمن، أوجده الله أي ظهر وجوده تعالى بظهور العالم، كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية. فنحن صورته الظاهرة، وهويته تعالى روح هذه الصورة المدبرة لها، فما كان التدبير إلا فيه، كما لم يكن إلا منه” الفصوص 303، 304.
وقال شيخ الإسلام وهو يحكي كلام ابن عربي: “جعل وجوده مشروطًا بوجود العالم وإن كان له وجود ما غير العالم كما أن نور العين مشروط بوجود الأجفان وإن كان قائمًا بالحدقة. فعلى هذا يكون الله مفتقرًا إلى العالم محتاجًا إليه كاحتياج نور العين إلى الجفنين. وقد قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181] فإذا كان هذا قوله فيمن وصفه بأنه فقير إلى أموالهم ليعطيها الفقراء فكيف قوله فيمن جعل ذاته مفتقرة إلى مخلوقاته بحيث لولا مخلوقاته لانتشرت ذاته وتفرقت وعدمت كما ينتشر نور العين ويتفرق ويعدم إذا عدم الجفن” مجموع الفتاوى 2/ 186 – 187.
273 – “وتظل تلبسه … “: يعني العوالم والمظاهر والمخلوقات.
274 – في الأصل: “ترى”، ولم ينقط حرف المضارع في ف.
– قال الشيخ محمد خليل هراس: “يعني أن تلك المظاهر والتعينات باعتبار أن ذلك الوجود المطلق هو قوامها الحامل لها فهي لا تزال تتوارد عليه في عملية إيجاد وإعدام مستمر كلما فنيت صورة خلعت ذلك الوجود ولبسته أخرى، وكذلك هو يظل يلبسها ويخلعها بلا انقطاع، وهذا حكم اقتضاه ظهور هذا الوجود فإنه لو دام على إطلاقه لما أمكن رؤيته وظهوره للعيان” شرح النونية 1/ 61.

(1/111)


275 – وَتكَثُّرُ المَوجودِ كالأعضاءِ في الْـ … ـمَحسوسِ مِنْ بَشَرٍ ومِنْ حَيَوانِ
276 – أوْ كالقُوى في النَّفْسِ ذلِك وَاحدٌ … متكثِّرٌ قَامتْ بِهِ الأمْرانِ
277 – فَيَكونُ كُلًّا هذِه أجزَاؤه … هَذِي مَقالةُ مُدَّعي العِرفانِ
278 – أو أنَّها كَتَكثُّرِ الأنواعِ فِي … جِنْسٍ كَما قالَ الفَريقُ الثَّاني
279 – فيكونُ كلِّيًّا وجزئيَّاتُه … هَذَا الوجُودُ فهذِهِ قَوْلَانِ
__________
275 – لما احتج على القائلين بوحدة الوجود بأن الموجودات المشاهدة كثيرة متنوعة متعددة فكيف تقولون: إن الوجود واحد؟ قالوا: إن الموجود واحد وهذه الموجودات أجزاء له وهي بالنسبة لهذا الوجود المطلق كنسبة الأعضاء المختلفة لجسم الإنسان والحيوان إليه أو كنسبة قوى النفس المختلفة إليها أي: أنها كنسبة الجزء إلى كله. انظر شرح النونية – هراس 1/ 61.
وقال ابن عربي: “فالعالِمُ بالله يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود” الفصوص ص 72. وانظر مجموع الفتاوى 2/ 467.
276 – أنث لفظ “الأمر” -وهو مذكر- للضرورة، وانظر التعليق على البيت 228 (ص).
– مراده بالأمرين: الأمر الأول: أنه واحد بذاته غير متعدد، الأمر الثاني: أنه مركب من أعضاء وقوى كثيرة فالإله عندهم قد قام به هذان الأمران فهو كل واحد غير متعدد ولكن له أجزاء.
277 – هذا قول ابن عربي.
278 – وهو ابن سبعين ومن وافقه. وفي ب، طه: “لتكثر”، تصحيف.
279 – “فهذه قولان ” كذا في جميع النسخ، وفيه تأنيث المذكر وإفراد المثنى للضرورة. وانظر مثله في إفراد اسم الإشارة 3263، 5509، 5750 (ص).
– بعد أن اتفق القائلون بوحدة الوجود على أن الوجود في نفسه شيء واحد وأن الكثرة هي في التعيّنات اختلفوا في نسبة ذلك الوجود الواحد إلى تلك التعينات، فذهب ابن عربي -كما تقدم- إلى أنها من نسبة الكل إلى أجزائه =

(1/112)


280 – أولاهما نَصُّ الفُصوصِ وبعدَه … قولُ ابن سَبعينٍ وما القولانِ
__________
= كنسبة أعضاء الجسم إليه أو كنسبة قوى النفس إليها. وذهب ابن سبعين إلى أنها من نسبة الكلي إلى جزئياته يعني بذلك: أن هذا الوجود المطلق الكلي جنس، وهذه الموجودات المتعينة أنواع له فتكون هذه الكثرة البادية في الموجودات كثرة نوعية كما يقال مثلًا: “إن الحيوان جنس تحته أنواع هي الإنسان والفرس والجمل .. إلخ “. انظر بغية المرتاد لشيخ الإسلام ص 418، مقدمة ابن خلدون ص 471، شرح النونية – هراس 1/ 62.
280 – “أولاهما” كذا في ف وحاشية الأصل بخط من قابله على النسخة المقروءة على المؤلف. وفي غيرهما: “إحداهما”. وأنث الناظم لفظ القول للضرورة. ومثله في: 1682، 2927، 4898، وانظر التعليق على البيت 228 (ص).
– وقد نقلنا نصق الفصوص آنفًا تحت البيت 275.
وكتاب “فصوص الحكم” ألفه محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عربي، أبو بكر الحاتمي الطائي الأندلسي، المعروف بمحيي الدين بن عربي، ولد سنة 560 هـ، وهو من رؤوس القائلين بوحدة الوجود وله مقالات في وجود الله تعالى وفي التصوف والولاية والنبوة، لا يقولها مؤمن بالله واليوم الآخر- وقد تقدم بعض ذلك عند حكاية مذهب القائلين بوحدة الوجود.
وقد حكى شيخ الإسلام كفره في عدة مواضع وشارح الطحاوية أيضًا وغيرهما من أهل العلم. ولابن عربي مؤلفات كثيرة منها: الفتوحات المكية، وديوان شعر، توفي في دمشق سنة 638 هـ.
سير أعلام النبلاء 23/ 48، 49، الأعلام للزركلي 6/ 281، 282، مجموع الفتاوى 2/ 342، شرح الطحاوية 2/ 744 – 745.
وكتابه: فصوص الحكم يقع في مجلد قرابة الأربعمائة صفحة -وهو مطبوع- جمع فيه كفرياته وضلالاته ويزعم أنه ألّفه بأمر من النبي – صلى الله عليه وسلم – لما رآه في المنام. وقد ذمّ العلماء هذا الكتاب وفنّدوا ما كتبه فيه وردوا عليه، قال الذهبي -رحمه الله-: ومن أردأ تواليفه كتاب “الفصوص” فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر. أ. هـ. السير 23/ 48 – 49. =

(1/113)


281 – عِنْد العَفِيفِ التلْمِسَانِيِّ الذي … هو غايةٌ في الكُفرِ وَالبُهتانِ
__________
= وممن ردّ عليه: شيخ الإسلام ابن تيمية في “الرد الأقوم على ما في فصوص الحكم” (مجموع الفتاوى 2/ 362 – 451)، والإمام أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي المعروف بابن شيخ الحزاميين في كتابه “أشعة النصوص في هتك أستار الفصوص”، والإمام شمس الدين محمد بن محمد العيزري تلميذ التاج السبكي في كتابه “تسورات النصوص على تهورات الفصوص”، والعلامة الملا علي بن محمد القاري، والحافظ جمال الدين ابن الخياط اليمني، والفقيه محمد بن علي المعروف بابن نور الدين الموزعي الحماني، وغيرهم. شرح النونية – ابن عيسى 1/ 167.
ابن سبعين: عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر ابن سبعين الإشبيلي الرَّقوطي. ولد سنة 614 هـ، من زهّاد الفلاسفة ومن رؤوس القائلين بوحدة الوجود. قال فيه ابن كثير: “اشتغل بعلم الأوائل والفلسفة فتولد من ذلك نوع من الإلحاد” أ. هـ. وأقواله أقبح وأكفر من أقوال ابن عربي، من كتبه: “كتاب اللهو”، “أسرار الحكمة المشرقية”، “النصيحة”، وله رسائل مطبوعة، وأتباعه يعرفون بالسبعينية، توفي سنة 669 هـ. البداية والنهاية 3/ 261، لسان الميزان 3/ 392، الأعلام 3/ 285، مجموع الفتاوى 2/ 131.
281 – العفيف التلمساني: سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الكوفي ثم التلمساني عفيف الدين أبو الربيع. شاعر له مشاركة في كثير من العلوم في النحو والأدب والفقه والأصول، وله في ذلك مصنفات، وهو من رؤوس القائلين بوحدة الوجود. وله من الأقوال في الضلال والزندقة ما لا يقوله مؤمن بالله واليوم الآخر. قال شيخ الإسلام -رحمه الله- بعدما ذكر ابن سبعين وابن عربي: “والتلمساني أعظمهم تحقيقًا لهذه الزندقة والاتحاد التي انفردوا بها، وأكفرهم بالله، وكتبه، ورسله، وشرائعه، واليوم الآخر .. لكن ما رأيت فيهم من كفر هذا الكفر الذي ما كفره أحد قط مثل التلمساني ” أ. هـ ومشى مرة مع الشيرازي تلميذه فمرّا بكلب أجرب ميت فقال الشيرازي: هذا أيضًا من ذات الله؟ فقال: وثم خارج عنه؟ ومرّ التلمساني ومعه شخص بكلب، فركضه الآخر برجله، فقال: لا تركضه فإنه منه. من كتبه: شرح الفصوص، =

(1/114)


282 – إلّا منَ الأغلاطِ فِي حِسٍّ وَفِي … وَهْمٍ وَتِلكَ طَبيعةُ الإنْسانِ
283 – والكُلُّ شيءٌ واحدٌ فِي نفسِه … ما لِلتعدُّدِ فِيهِ مِنْ سُلطانِ
284 – فَالضيفُ والمأكولُ شيءٌ واحدٌ … والوَهْمُ يَحسَبُ ههنا شيئانِ
285 – وكذلكِ الموطوءُ عينُ الواطِ وَالْـ … ـوَهْمُ البعِيدُ يقولُ ذَانِ اثنانِ
__________
= والعروض، وديوان شعر. البداية والنهاية 3/ 326، فوات الوفيات 2/ 72، وشذرات الذهب 5/ 412، والأعلام 3/ 130، مجموع الفتاوى 2/ 175، 309، 472.
283 – ذهب التلمساني إلى أن الوجود كله شيء واحد في نفسه لا تكثر ولا تعدّد فيه أصلًا. وهذه الكثرة التي نراها بأعيننا أو نتخيلها في نفوسنا لا حقيقة لها، بل هي من أغلاط الحس الذي قد يرى الشيء الواحد كثيرًا، والوهم الذي قد يتخيل الصورة الواحدة صورًا متعددة. وذلك الغلط في الحس والوهم من طبيعة الإنسان. انظر شرح النونية – هراس 1/ 62، 63.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “وأما التلمساني ونحوه فلا يفرّق بين ماهية ووجود ولا بين مطلق ومعين، بل عنده ما ثم سوى ولا غير بوجه من الوجوه، وإنما الكائنات أجزاء منه وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر وأجزاء البيت من البيت .. ولا ريب أن هذا القول هو أحذق في الكفر والزندقة”. مجموع الفتاوى 2/ 169.
285 – ط: “عين الوطء”. وهو مخالف لما في جميع النسخ. ولعل ذلك للتخلص من الضرورة التي فيها. وهي تسهيل الهمزة في الواطئ ثم حذف الياء. (ص).
– قال ابن عربي: “فإن الله أحب من خلقه على صورته وأسجد له ملائكته .. فحبّب إليه ربه النساء كما أحبّ الله من هو على صورته فما وقع الحب إلا لمن تكون عنه، وقد كان حبه لمن تكون عنه وهو الحق .. ولما أحب الرجل المرأة طلب غاية الوصلة وهي النكاح، ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها ولذلك أمر بالاغتسال منه فعمّت الطهارة كما عمّ الفناء فيها عند حصول الشهوة فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذ بغيره، فإذا شاهد الرجل =

(1/115)


286 – وَلَرُبّما قالا مَقالَتَه كما … قد قالَ قولَهما بِلا فُرقانِ
287 – وأبَى سِواهمْ ذَا وَقال مَظاهرٌ … تجْلُوه ذاتُ تُوَحُّدٍ ومثَانِ
288 – فَالظاهِرُ المَجْلوُّ شيءٌ وَاحدٌ … لكنْ مَظَاهِرُه بِلا حُسْبانِ
__________
= الحق في المرأة كان شهودًا في منفعل وإذا شاهده في نفسه .. شاهده في فاعل .. فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل … فمن أحب النساء على هذا الحد فهو حب إلهى ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية الخاصة .. غاب عنه روح المسألة، فلو علمها لعلم بمن التذ ومن التذ وكان كاملًا”. الفصوص 433 – 438 باختصار.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه ويدعي أنه الله رب العالمين .. فقنح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطوءها الذي تفترشه” اهـ مجموع الفتاوى 2/ 378.
286 – يعني: قال ابن عربي وابن سبعين مقالة التلمساني.
وذلك لأن هذه الأقوال الثلاثة جدّ متقاربة ومهما كان الفرق بينها فإنها مشتركة في القول بوحدة الوجود. قال شيخ الإسلام: “وأما ابن سبعين فتارة يجعله -أي الحق تبارك وتعالى- بمنزلة المادة الجسمية .. وتارة يجعله الوجود المطلق الذي تتعاقب عليه الموجودات المعينات ويجعل الموجودات المعينة بمنزلة الماهيات وإن لم يجعلها ثابتة في العدم”، السبعينية ص 147، 152، وقد ذكر شيخ الإسلام قول التلمساني ونسبه إلى جميع القائلين بوحدة الوجود. انظر السبعينية ص 154.
288 – بلا حسبان: أي كثيرة لا يحصرها عد. وهذا قول رابع للاتحادية، وهي أن هذه الموجودات إنما هي مظاهر وتجليات لشيء واحد، وهذه المظاهر ذات توحد أي انفراد وذات مثان أي تعدد. وقد أورد شيخ الإسلام هذا القول في معرض حكايته لأقوال أهل وحدة الوجود، ونسبه إلى الصدر الفخر الرومي وهو محمد بن إسحاق القونوي، من كبار تلامذة ابن عربي وأئمة الاتحادية. وقد تزوج ابن عربي أمه ورتاه. وبينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية. الأعلام 6/ 30. وهو يقول: “إن الله هو الوجود المطلق الذي =

(1/116)


289 – هذي عباراتٌ لهمْ مضمونُها … ما ثَمَّ غَيرٌ قَطُّ في الأَعْيانِ
290 – فَالقومُ مَا صَانوه عن إنْسٍ ولا … جِنٍّ ولا شَجَرٍ وَلَا حَيَوانِ
291 – كلّا ولا عُلْوٍ وَلَا سُفْلٍ ولا … وَادٍ ولا جبلٍ وَلَا كُثْبانِ
292 – كلَّا ولا طَعْمٍ وَلَا ريحٍ وَلَا … صَوتٍ وَلَا لونٍ من الألوانِ
293 – لكنه المطعومُ والمَلموس وَالْـ … ـمَشمومُ وَالمسموعُ بالآذانِ
294 – وكذاك قالوا إنه المنكوحُ وَالـ … ـمَذبوحُ بَلْ عينُ الغَوِيِّ الزاني
__________
= لا يتعين ولا يتميز وأنه إذا تعين وتميز فهو الخلق سواء تعين في مرتبة الإلهية أو غيرها” مجموع الفتاوى 2/ 161، شرح النونية – هراس 1/ 142.
289 – القائلون بوحدة الوجود وإن تنوعت عباراتهم واختلف ظاهر كلامهم فإن مقصودهم وحاصل كلامهم شيء واحد وهو أنه ما ثَمّ غير الله في هذا الوجود.
290 – قال ابن عربي: “فيقال: هذا سماء وأرض وصخرة وشجر وحيوان وملك ورزق وطعام، والعين واحدة من كل شيء وفيه” الفصوص ص 354.
292 – ب، د، ظ: “صوت ولا ريح”، وفي ح قدم هذا البيت على الذي قبله.
293 – الملموس: في س: “الممسوس”. وفي ح، ط: “الملبوس”، وهو تحريف.
294 – قال ابن عربي: “ومن عرف ما قررناه .. علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه .. كل ذلك من عين واحدة لا بل هو العين الواحد وهو العيون الكثيرة، {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] والولد عين أبيه فما رأى يذبح سوى نفسه {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [الصافات: 107] فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان” أ. هـ. فصوص الحكم ص 78 – 79.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أثناء حكايته قولهم: “ويقولون ومن أسمائه العلي عن ماذا وما ثم إلا هو؟ وعلى ماذا وما ثم غيره؟ فالمسمى محدثات وهي العلية لذاتها وليست إلا هو، وما نكح سوى نفسه، وما ذبح سوى نفسه” أ. هـ مجموع الفتاوى 2/ 468. وانظر التعليق على البيت رقم 285.

(1/117)


295 – والكفرُ عِندَهُمُ هُدًى وَلَوَ انَّهُ … دينُ المجُوسِ وعابدي الأوثانِ
296 – قالوا وما عبدُوا سواهُ وإنَّما … ضلُّوا بِمَا خصُّوا منَ الأعْيانِ
297 – وَلَوَ أنَّهم عَمُّوا وَقالُوا كلُّها … معبودَةٌ ما كان مِنْ كُفرانِ
__________
295 – يرى أصحاب وحدة الوجود أن جميع أهل الملل على حقّ، حتى المجوس عبَدَة النار والمشركين عباد الأوثان والأصنام ليسوا كفارًا ولا ضلاّلًا، لأنهم حينما عبدوا النار والحجارة وغيرها ما عبدوا إلا الله، لأن الله يتجلى في صورة الحيوان وفي صورة النار وكل صورة، قال ابن عربي:
كنار موسى رآها عين حاجته … وهي الإله ولكن ليس يدريه الفصوص ص 419، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق كلامه على مذهب الاتحادية: “ومن كلماتهم ليس إلا الله، فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم، لأنه ما عندهم غير، ولهذا جعلوا قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] بمعنى حكم وقدر لا بمعنى أمر، إذ ليس عندهم غَيْرٌ له تتصور عبادته فكل عابد صنم إنما عبد الله” مجموع الفتاوى 2/ 124، 129، 467 وانظر مدارج السالكين 3: 479.
297 – يزعم أصحاب وحدة الوجود: أن الهدى والإيمان أن تعبد وتعظم كل شيء ولا تخصص منها شيئًا، وأنك إن خصصت منها شيئًا دون شيء وقعت في الضلال. قال شيخ الإسلام رحمه الله: “ولهذا حدثني الثقة أن ابن سبعين كان يريد الذهاب إلى الهند، وقال: إن أرض الإسلام لا تسعه لأن الهند مشركون يعبدون كل شيء حتى النبات والحيوان، وهذا حقيقة قول الاتحادية” الفتاوى 2/ 478، وقال في موضع آخر أثناء حكاية قولهم: “فإن النصارى إنما كفروا لأنهم خصصوا وإن عباد الأصنام ما أخطؤوا إلا من حيث اقتصارهم على عبادة بعض المظاهر والعارف يعبد كل شيء”. مجموع الفتاوى 2/ 467 – 468.
وقال ابن القيم رحمه الله عند حكايته لمذهبهم: “والشرك عندهم وجود قديم وحادث وخالق ومخلوق ورب وعبد”. المدارج 3/ 479.

(1/118)


298 – فالكفرُ سَتْرُ حقيقةِ المَعبودِ بالتَّـ … ـخْصِيص عندَ مُحَقِّقٍ رَبَّاني
299 – قالوا ولم يكُ كافِرًا في قولِه … أنا رَبُّكمْ فرعونُ ذو الطُّغيانِ
305 – بل كان حقًّا قولُه إذْ كان عَيْـ … ـنُ الحق مضطَلِعًا بهذا الشانِ
301 – ولذا غَدا تغْريقُه في البحرِ تَطـ … ـهيرًا من الأوهامِ والحُسْبانِ
__________
298 – قال ابن عربي: “فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا الله فما عبد شيء لعينه إلا الله وإنما أخطأ المشرك حين نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق فشقي لذلك” أ. هـ الفتوحات المكية 1/ 405.
299 – يشير إلى ما حكاه الله تعالى عن فرعون لما جاءه موسى عليه السلام رسولًا من عند الله وعرّفه بربه ودعاه إليه فكذب بالله وكفر وادعى الربوبية وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] وقال: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] وقال لموسى: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29].
قال ابن عربي: “ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] أي: وإن كان الكل أربابًا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم. ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه وأقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقضِ ما أنت قاض فالدولة لك، فصحّ قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون”. أ. هـ الفصوص ص 413 – 414، مجموع الفتاوى 2/ 113 ، 124، السبعينية لشيخ الإسلام 129.
300 – “مضطلعًا”: من اضطلع بالأمر: نهض به وقوي عليه. اللسان 8/ 228.
301 – يقول ابن عربي أثناء كلام طويل في بيان صحة إيمان فرعون: ” .. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به، فآمن بالذي آمن به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد، فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه ونجى بدنه كما قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92] لأنه لو =

(1/119)


302 – قالوا ولم يكُ منكِرًا مُوسَى لِما … عبدُوه مِن عِجْلٍ لَدى الخَوَرانِ
303 – إلا على منْ كَانَ ليسَ بعابدٍ … معَهمْ وأَصبحَ ضَيِّقَ الأعْطانِ
304 – ولذاكَ جرَّ بِلحيةِ الأخِ حيثُ لمْ … يكُ واسعًا في قومِهِ لِبِطَانِ
__________
= غاب بصورته ربما قال قومه: احتجب، فظهر بالصورة المعهودة ميتًا ليعلم أنه هو، فقد عفته النجاة حسًا ومعنى، ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم أي يذوقوا العذاب الأخروي، فخرج فرعون من هذا الصنف” أ. هـ. فصوص الحكم 417 – 418.
302 – كذا في ف “لدى” مضبوطًا بفتح الدال، وفي ظ أيضًا “لدى”. وفي غيرهما: “لذي”، ولعله تصحيف.
الخوَران: يعني الخُوار، وهو صوت البقر. ولم أجد “الخوران” في المعجمات (ص).
– يشير إلى ما وقع من بني إسرائيل لما تركهم موسى عليه السلام أيامًا، واستخلف عليهم هارون عليه السلام، وذهب إلى لقاء ربه جلّ وعلا. وكان معهم من حلي المصريين شيء كبير، فعمد إليها السامري وصاغها عجلًا، ونصبه لهم، وكان العجل إذا مرّ به الهواء خرج له خوار، كما قال تعالى {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه: 88] فلما رجع موسى عليه السلام إليهم ورأى ما هم عليه من الشرك غضب من فعلهم فكان ما حكى الله تعالى عنه إذ قال سبحانه: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150] انظر تفسير ابن كثير 2/ 247، تفسير الطبري مجلد 6/ج 9/ 32، تفسير القرطبي 7/ 284.
303 – ضيق العطَن كناية عن ضيق الصدر وقفة الاحتمال (ص).
304 – يعني: لحية هارون عليه السلام، كما حكى تعالى أن هارون قال لموسى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} [طه: 94].
البطان: الحزام الذي يلي البطن. يقال: رجل عريض البطان أي: رخي البال. اللسان 13/ 52، وهو هنا بمعنى واسع الصدر.

(1/120)


305 – بل فَرَّقَ الإنكارُ منهُ بينهمْ … لمَّا سرَى في وَهْمه غَيْرانِ
306 – ولقدْ رأى إبليسَ عارِفُهُمْ فأَهْـ … ـوَى بالسجودِ هُوِىَّ ذِي خُضْعانِ
307 – قالوا له ماذا صنعتَ؟ فقالَ هل … غيرُ الإلهِ وأنتُما عَمِيَانِ
308 – مَا ثَمَّ غَيْرٌ فاسجدُوا إن شئتمُ … لِلشمسِ والأصنامِ والشّيطانِ
__________
305 – ف، ب: فهمه.
– يزعم أهل الاتحاد: أن موسى لام هارون -عليهما السلام- وجره بلحيته لأنه لم يتسع صدره لما فعله قومه وإنما أنكر عليهم، وقالوا: إن هارون أنكر على عباد العجل عبادتهم لأنه لم يصل إلى درجة العارفين التي وصل إليها موسى فيدرك أن الإله تجلى في هذا العجل، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا: قال ابن عربي بعدما ذكر ما وقع من موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه من إلقائه الألواح وجره للحية هارون: “فكان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه وإن الله قد قضى ألا يعبد إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن، ولذا لما قال هارون ما قال، رجع إلى السامري فقال: {فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ} [طه: 95] يعني: فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص وقال له: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} [طه: 97] فسماه إلهًا بطريق التنبيه للتعليم لما علم أنه بعض المجالي الإلهية” أ. هـ. فصوص الحكم ص 360 – 362، مجموع الفتاوى 2/ 124، 468.
306 – الخُضعان: مصدر خضع، كالخضوع. اللسان 8/ 72.
307 – عَمِيانِ: تثنية “عَم” بمعنى الأعمى. وكذا وردت التثنية هنا للجماعة، وسيأتي مثله في البيت 1496 (ص).
308 – هذا الساجد هو ابن عربي الذي يسمونه العارف والشيخ الأكبر، ذكر الشيطان في مجلسه فخرَّ ساجدًا، فقيل له في ذلك فقال: وهل ثمّ غير الله؟ شرح النونية – هراس 1/ 66، ابن عيسى 1/ 165.

(1/121)


309 – فالكلُّ عينُ اللهِ عند مُحقِّقٍ … والكلُّ معبودٌ لِذِي العِرْفَانِ
310 – هذا هوَ المعبودُ عِندَهُمُ فَقُلْ … سبْحَانَكَ اللهمّ ذَا السُّبْحانِ
311 – يا أُمَّةً مَعبودُها مَوْطُوؤُها … أينَ الإلةُ وثُغْرَةُ الطَّعَّانِ
312 – يا أمَّةً قَدْ صارَ منْ كُفرانِها … جُزْءًا يسيرًا جملةُ الكُفْرانِ
* * *

فصلٌ في قدومِ ركبٍ آخرَ
313 – وأتى فريقٌ ثُم قالَ وجدتُه … بالذاتِ موجودًا بكلِّ مكانِ
__________
311 – ثغرة: كذا ضبط في ف بالضم ومعناها: نقرة النحر. وبالفتح: الفرجة، والثلمة. اللسان 4: 103 – 104 ولعلها كناية عن موضع الوطء. وأراد بالطعان: الواطئ.
312 – يعني: لشدة كفر أهل وحدة الوجود صار جميع الكفر والضلال جزءًا يسيرًا من كفرهم.
313 – لما فرغ الناظم رحمه الله من بيان مقالة أهل وحدة الوجود شرع في بيان مقالة أهل الحلول.
وهم قسمان:
الأول: قسم يقول بالحلول الخاص وهم النسطورية من النصارى ونحوهم ممن يقول: إن اللاهوت حلّ في الناسوت وتدرع به كحلول الماء في الإناء، وهو قول من وافق النصارى من غالية الرافضة كالسبئية الذين يقولون: إنه حلّ في علي وأئمة أهل بيته، والخطابية الذين يقولون: حلّ في جعفر الصادق، وغالبية النساك الذين يقولون بالحلول في الأولياء ومن يعتقدون فيه الولاية.
الثاني: قسم يقول بالحلول العام وهو قول طائفة من الجهمية المتقدمين كالنجارية وهو قول عوامهم وعبادهم الذين يقولون: إن الله بذاته في كل =

(1/122)


314 – هُوَ كالهَواءِ بِعَينِه لا عَينُهُ … مَلأَ الخُلُوَّ ولا يُرى بعِيَانِ
315 – والقومُ مَا صانوهُ عن بِئرٍ ولا … قَبرٍ وَلَا حُشٍّ ولا أعْطانِ
316 – بل منهُمُ مَن قَدْ رأى تشبيهَهُ … بالرُّوحِ داخِلَ هذهِ الأبدانِ
317 – ما فيهمُ منْ قال ليسَ بداخلٍ … أو خارجٍ عن جُملةِ الأكوانِ
318 – لكنّهمْ حامُوا على هذا ولمْ … يتجاسَرُوا مِن عَسكرِ الإيمانِ
319 – وعليهمُ ردَّ الأئِمةُ أحمدٌ … وَصِحَابُهُ من كلِّ ذِي عِرْفَانِ
__________
= مكان. وهذا القسم هو الذي حكى الناظم -رحمه الله- قولهم في هذا الفصل. مجموع الفتاوى 2/ 171، 172، الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 334.
314 – في ف: “مِلءَ الخلوّ”.
– يزعم هؤلاء: أن الله تعالى في كل مكان من دون أن يرى كالهواء الذي يملأ الخلاء ولا يراه أحد.
315 – الحش: مثلثة، المخرج وسمي حشّا لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، والجمع حشوش وهي أماكن قضاء الحاجة. اللسان 6/ 286، القاموس 761، والأعطان: مبارك الإبل. اللسان 13/ 287.
316 – منهم من يقول: إن هذا العالم جسم كبير والله تعالى هو الروح الكامنة في هذا الجسم المدبرة له، فهو سارٍ في جميع أجزائه كحلول الروح في البدن الإنساني والحيواني. شرح النونية -هراس 1/ 68، شرح النونية- السعدي ص 24.
317 – هذا القول: “إن الله ليس في داخل العالم ولا خارجه ولا هو فوقه ولا حال فيه” هو قول جمهور الجهمية والمعتزلة والضرارية وغيرهم، وسيأتي تفصيل مذهبهم في الفصل التالي.
318 – حاموا على هذا: يعني قصدوه وطلبوه، ولكن لم يجرؤوا بالتصريح به خوفًا من عسكر الإيمان.
319 – يعني: الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وقد تقدمت ترجمته في التعليق على المقدمة.
– ب، ظ، س، طه: “صحابهم”. =

(1/123)


325 – فَهُمُ الخصومُ لِكلِّ صاحبِ سُنَّةٍ … وهمُ الخصومُ لمُنزِلِ القُرآنِ
321 – ولهمْ مقالاتٌ ذكرتُ أصولَها … لمَّا ذكرتُ الجَهمَ في الأوزانِ
* * *

فصلٌ في قدوم ركبٍ آخر
322 – وأتى فريقٌ ثمّ قاربَ وَصفُه … هذا ولكنْ جدَّ في النُّكرانِ
323 – فَأَسرَّ قَولَ مُعطِّلٍ ومكذِّبٍ … في قالَبِ التَّنْزِيهِ للرَّحْمنِ
__________
= – ممن ردّ عليهم إمام أهل السنّة أبو عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله- (ت 241 هـ) في كتابه: “الرد على الجهمية والزنادقة” والإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 327 هـ) في كتابه: “الرد على الجهمية”، والإمام الحافظ أبو عبد الله بن مندة (ت 395 هـ) في كتابه: “الرد على الجهمية” والإمام الحجة عثمان بن سعيد الدارمي (ت 285 هـ) في كتابه: “الرد على الجهمية”، والإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 هـ) في كتابه: “الرد على الجهمية” وغيرهم. وكثير من العلماء كانوا يفردون فصولًا من كتبهم للرد عليهم وبيان كفرهم وكشف ضلالهم.
321 – يشير -رحمه الله- إلى كلامه في أول القصيدة على الجهم ومقالاته في الصفات والقدر وأفعال العباد وغير ذلك، فهؤلاء الجهمية مع ضلالهم في قولهم بالحلول وقعوا في تعطيل الصفات وغيره. راجع البيت: 40 وما بعده.
322 – كذا في الأصل وف. وفي غيرهما: “في الكفران”. لما بيّن الناظم رحمه الله في الفصل الماضي مذهب عوام الجهمية وعبادهم عقد هذا الفصل ليبين مذهب نظارهم ومتكلميهم. وقولهم قريب من قول عوامهم لكنهم صرحوا بالكفر الذي لم يصرح به العوام.
323 – تقدم تعريف التعطيل والتنزيه في التعليق على المقدمة. =

(1/124)


324 – إذ قالَ ليس بدَاخلٍ فينا ولا … هوَ خارجٌ عنْ جُملةِ الأكوانِ
325 – بل قال لَيسَ ببائنٍ عنها ولا … فيها ولا هو عيْنُها بِبَيانِ
326 – كلَّا ولا فوْقَ السمواتِ العُلى … والعرشِ من ربٍّ ولا رَحمنِ
327 – والعرشُ ليس عليه معبودٌ سِوَى الْـ … ـعَدَمِ الذِي لا شيءَ فِي الأَعيانِ
328 – بل حَظُّهُ مِنْ رَبِّهِ حَظُّ الثَّرَى … مِنْهُ وحَظُّ قَوَاعِدِ البُنيانِ
__________
= – هذا الفريق هم نظّار الجهمية والمعتزلة وبعض متأخري الأشاعرة، ويقولون: إن الله ليس داخل العالم ولا خارجه ولا حالًّا فيه ولا فوقه وليس في مكان من الأمكنة، فرارًا من وصف الله بالجسم أو الحيّز والحاجة إلى مكان. مجموع الفتاوى 5/ 272، مقالات الإسلاميين 1/ 237، أساس التقديس للرازي ص 48 وما بعدها، المحصل للرازي ص 360 وما بعدها. وسيأتي الرد عليهم مفصلًا.
324 – ف: “خارجًا”.
– يعني الناظم: أن هذا الفريق يبطن التكذيب والتعطيل لله عزّ وجل ويظهر أنه ما أراد بذلك إلا تنزيه الله تعالى ونفي النقائص عنه. وسيأتي في كلام الناظم رحمه الله الرد على هذا القول بتوسع في البيت: 1047 وما بعده.
325 – أي: ليس بمفارق ولا منفصل.
327 – حقيقة قولهم أته ليس فوق السموات العلى والعرش رب ولا رحمن، بل ليس فوق العرش إلا العدم الذي لا حقيقة له في الخارج. مجموع الفتاوى 3/ 218.
328 – الثرى: هو التراب النديّ، أو الذي إذا بُلّ لم يصر طينًا لازبًا. اللسان 14/ 111.
– لما وصفوا الله تعالى بوصفهم هذا قالوا: ليس بعض المخلوقات أحظى به من بعض، بل هي سواء بالنسبة إليه، فحظُّ العرش من ربّه كحظ التراب وقواعد البنيان.

(1/125)


329 – لو كَانَ فَوْقَ العَرْشِ كَانَ كَهَذِهِ الْـ … أَجْسَامِ سُبحَانَ العَظِيمِ الشَّانِ
330 – ولقد وجدتُ لِفاضلٍ مِنْهُمْ مَقَا … مًا قَامَهُ فِي النَّاسِ مُنْذُ زَمَانِ
__________
329 – هذا بيان لشبهتهم في إنكار أن الله تعالى فوق العرش وهو: أنه لو كان فوق العرش لكان محصورًا وجسمًا مركبًا محدودًا، وهذا تشبيه له بخلقه، ولا يجوز لله تعالى. انظر مجموع الفتاوى 5/ 112.
وسيأتي رد الناظم على شبهتهم، في البيت: 1084 وما بعده.
330 – في ب تحت كلمة “لفاضل”: “هو الجويني”، وهو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجُوَيني ت 478 هـ أعلم المتأخرين من أصحاب الإمام الشافعي. سمع من أبيه وأبي سعيد النصروبي وغيرهما، وروى عنه أبو عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي وغيرهما، اشتغل بعلم الكلام ثم ندم، وله هفوات هجر بسببها ثم تاب. له مصنفات من أشهرها: غياث الأمم والتياث الظلم.
انظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 165، سير أعلام النبلاء 18/ 468، الأعلام 4/ 165، وفيات الأعيان 3/ 167، تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص 278 – 285.
وقصة مقامه المذكور أنه سئل: هل الباري في جهة؛ فقال: لا هو متعالٍ عن ذلك، قيل له: ما الدليل عليه؟ قال: الدليل عليه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا تفضلوني على يونس بن متى” فقيل له: ما وجه الدليل من هذا الخبر؟ فقال: لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينًا، فقام رجلان فقالا: هي علينا. فقال: لا يتبع بها اثنين لأنه يشق عليه. فقال واحد: هي علي، فقال: إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت وصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ونادى: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] كما أخبر الله، ولم يكن محمد – صلى الله عليه وسلم – حين جلس على الرفرف الأخضر وارتقى به صعدًا حتى انتهى به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام وناجاه ربه بما ناجاه به وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله من يونس في ظلمة البحر. أ. هـ ساق القصة القرطبي في التذكرة ص 193 نقلًا عن القاضي أبي بكر بن العربي، ولعلّه ذكرها في تفسيره المخطوط. ولم أقف عليها في شيء من كتب الجويني، ولم أرَ أحدًا ذكرها ممن ترجم له أو كتب عنه استقلالًا.

(1/126)


331 – قَالَ اسْمَعُوا يَا قَوْمِ إنَّ نَبِيَّكُمْ … قَدْ قَالَ قَوْلًا وَاضِحَ البُرْهَانِ
332 – لَا تحْكُمُوا بالفَضْلِ لِي أَصْلًا عَلَى … ذِي النُّونِ يُونُسَ ذَلِكَ الغَضْبَانِ
333 – هَذَا يَرُدُّ عَلَى المجَسِّمِ قَوْلَهُ … أللَّهُ فَوْقَ العَرْشِ والأكْوَانِ
__________
331 – يشير إلى ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رجل من اليهود يعرض سلعته أعطي بها شيئًا كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه، قال تقول: والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أظهرنا؟ قال: فذهب اليهودي إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهدًا، وقال: فلان لطم وجهي، فقال رسول الله: لطمت وجهه؟ قال: قال: يا رسول الله، والذي اصطفى موسى عليه السلام على البشر، وأنت بين أظهرنا، فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال: “لا تفضلوا بين أنبياء الله”، وفي رواية: قال: “لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه” رواه البخاري ومسلم.
رواه البخاري 6/ 450 / ح 3413 /ح 3414 فتح، كتاب أحاديث الأنبياء، باب 35 قول الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 139] ومسلم 15/ 130، 134، كتاب الفضائل، باب فضائل موسى عليه السلام.
332 – يشير إلى قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء: 87] وسبب غضب يونس عليه السلام أنه مكث يدعو قومه فلم يؤمنوا به ولم يستجيبوا له فغضب ودعا عليهم وخرج من عندهم. انظر تفسير ابن كثير 3/ 192، الدر المنثور للسيوطي 4/ 598.
333 – قوله “هذا”: يشير به إلى الحديث المتقدم زاعمًا أنه دليل على ما قال.
– يعني بالمجسم هنا: المثبت أن الله تعالى فوق السموات مستوٍ على عرشه. وقد تقدم أن أهل البدع ينبزون أهل السنة المثبتين للصفات بألفاظ ينفرون بها الناس عنهم كالمجسمة والحشوية، وسيأتي تفصيل ذلك في التعليق على البيت 375.

(1/127)


334 – وَيَدُلُّ أنّ إلهنَا سُبْحَانَهُ … وَبحْمِدهِ يُلْفَى بِكلِّ مَكَانِ
335 – قَالُوا لَهُ بَينْ لَنَا هَذَا فَلمْ … يَفعَلْ فأعطَوهُ مِنَ الأثْمَانِ
336 – أَلفًا مِنَ الذَّهَبِ الْعَتِيقِ فَقَالَ فِي … تِبْيَانِهِ فاسْمَعْ لِذَا التِّبْيانِ
337 – قَدْ كَانَ يُونُسُ في قَرارِ البحْرِ تَحْـ … ـتَ الماءِ في قَبرٍ مِنَ الحِيتَانِ
338 – ومحَمَّدٌ صَعِدَ السَّماءَ وجاوزَ السّـ … ـبْعَ الطِّبَاقَ وَجَازَ كُلَّ عَنَانِ
339 – وَكِلَاهُمَا فِي قُرْبهِ مِنْ رَبِّهِ … سُبْحَانَهُ إِذْ ذَاكَ مُسْتَويَانِ
340 – فالعُلْوُ والسُّفْلُ اللذانِ كِلَاهُمَا … فِي بُعْدِهِ مِنْ ضدِّه طَرَفَانِ
__________
334 – يُلفَى: كذا بالفاء في الأصل وف. ومعناه: يوجد. ولم ينقط الحرف في ظ، وفي غيرها: “يُلقى” بالقاف. (ص).
إمام الحرمين الجويني وأصحابه الأشاعرة ينكرون أن الله تعالى عال على خلقه فوق سماواته مستو على عرشه لأن هذا يقتضي -في زعمهم- تنقيص الله بوصفه بالجسم أو الحاجة إلى الحيز والمكان، -كما تقدم- ومن عبارات الجويني في ذلك قوله: “الباري قائم بنفسه متعال عن الافتقار إلى محل يحله أو مكان يقلُّه” أ. هـ الإرشاد ص 53، وقال: “الرب تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات والاتصاف بالمحاذاة لا تحيط به الأقطار ولا تكتنفه الأقتار، ويجل عن قبول الحد والمقدار” أ. ص لمع الأدلة ص 107.
وكلامه هذا -عفا الله عنه- يتضمن على أصولهم نفي العلو الذاتي لله تعالى، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه. وسيرد الناظم على هذا المذهب في الأبيات 1046 وما بعده.
336 – العتيق: البالغ النهاية في الجودة والحسن. اللسان. 10/ 236.
337 – العنان بالفتح: السحاب. اللسان 13/ 295، وهو هنا يعني: عندما أسري به – صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي تفصيل حادثة الإسراء والمعراج في البيت 362 والتعليق عليها.
340 – أي: أن العلو والسفل متباعدان متضادان فكل منهما في طرف بعيد عن الآخر.

(1/128)


341 – إنْ يُنْسَبَا للهِ نُزِّهَ عَنْهُمَا … بالاخْتِصَاصِ بَلَى هُمَا سِيَّانِ
342 – فِي قُربِ مَنْ أضْحَى مُقيمًا فِيهمَا … مِنْ رَبِّهِ فكلَاهُمَا مِثْلَانِ
343 – فَلأِجْلِ هَذَا خُصَّ يُونُسُ دُونَهُمْ … بالذكْرِ تَحْقيقًا لِهَذَا الشَّانِ
344 – فأَتى النِّثارُ عَلَيْهِ مِنْ أصْحَابِهِ … مِنْ كُلِّ نَاحِيةٍ بِلَا حُسْبَانِ
345 – فاحْمَدْ إلهَكَ أيُّهَا السُّنِّيُّ إِذْ … عَافَاكَ مِنْ تَحْرِيفِ ذِي بُهْتَانِ
346 – واللهِ مَا يَرْضَى بهَذا خَائِفٌ … مِنْ رَبِّهِ أَمسَى عَلَى الإِيمَانِ
347 – هَذَا هُوَ الإلْحَادُ حقًا بَلْ هُوَ الـ … ـتَّحْرِيفُ محْضًا أبردُ الهذَيَانِ
__________
341 – وقع “بلى” موقع “بل” للضرورة. وقد سبق مثله في البيت 123 (ص).
ومراد هذا القائل: أن الله تعالى ينزه أن يختص به علو أو سفل بل هما سواء في حقه سبحانه وتعالى.
342 – أي: من كان في العلو يتماثل ويتساوى مع من كان في السفل في القرب من الله تعالى كما تساوى قرب يونس عليه السلام وهو في السفل مع قرب محمد عليه السلام وهو في العلو.
343 – كذا ضبط في الأصل “خُصّ يونسُ” بضم الخاء والسين.
– يزعم هذا القائل: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خصّ يونس عليه السلام بالذكر من جملة الأنبياء لأجل بيان أن قربهما من ربهما متساوٍ لم يفضل أحدهما الآخر، وأن العلو والسفل مستويان في حق الله، وهذا الكلام باطل كما تقدم، مع العلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يخص يونس من جملة الأنبياء بل نهى أن يفضل على موسى أيضًا -بالنص- وعلى جملة الأنبياء، وقد تقدم بيان ذلك في التعليق على البيت رقم 331.
344 – النِّثار: بكسر النون، وكذا ضبط في ف. وهو مصدر نثر الشيء بيده: رمى به متفرّقًا مثل نثر الجوز واللوز وغيرهما. اللسان 5/ 191. ويعني الناظم هنا بالنثار: الذهب الذي كافؤوه به. وفي طه: “الثناء”، تحريف.
347 – الإلحاد: في الأصل الميل عن الشيء، وسمي اللحد لحدًا لأنه ميل به إلى أحد جوانب القبر، ومن مال عن الشرع القويم إلى جهة من جهات الكفر فهو ملحد. ومنه قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ … } =

(1/129)


348 – واللهِ مَا بُلِيَ المجسِّمُ قطُّ ذِي الـ … ـبَلْوَى وَلَا أَمْسَى بِذِي الخِذْلَانِ
349 – أمثَالُ ذَا التَّأويلِ أفْسَدَ هَذِهِ الْـ … أَدْيَانَ حِينَ سرَى إلى الأدْيَانِ
350 – واللهِ لَوْلَا اللهُ حَافِظُ دِينهِ … لَتَهدَّمتْ منْهُ قُوَى الأركانِ
* * *
__________
= [الأعراف: 180]. جمهرة اللغة لابن دريد 2/ 125، تفسير الطبري 6 /ج 9/ ص 134.
التحريف: تقدم تعريفه في التعليق على المقدمة.
المحض: الخالص الصافي الذي لا يشوبه شيء من غيره. اللسان 7/ 227، ومراد الناظم رحمه الله: أن ما قالوه إلحاد وتحريف وباطل خالص لا يخالطه أدنى قدر من الحق.
348 – يعني: أن المجسّم الغالي في تحديد صفات ربه وتصوير كيفياتها وهيئاتها -مع فساد طريقته وكونه في الحقيقة يعبد وثنًا صوّرته له نفسه الضالة- لم يُبْتَلَ بمثل بلوى هؤلاء المعطلة، بل هم أشد بلوى منه، كما قال شيخ الإسلام: “مرض التعطيل شر من مرض التجسيم” مجموع الفتاوى 13/ 154.
وقد يقال: إنه يعني المجسم بمفهوم أهل البدع وهو المثبت للصفات من أهل السنة والجماعة لأن الناظم هنا في معرض الانتصار لأهل الحق.
التجسيم: قد تقدم بيان معناه في التعليق على المقدمة، وسيأتي الكلام على نبز أهل البدع لأهل السنة بالمجسمة والحشوية في التعليق على البيت 375.
349 – تقدم بيان معنى التأويل لغة واصطلاحًا في التعليق على المقدمة.
– تكلم الناظم رحمه الله في كتابه “الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة” على التأويل وفصل فيه تفصيلًا قد لا يوجد عند غيره. ومما ذكر رحمه الله فصل بعنوان “جنايات التأويل على أديان الرسل وأن خراب العالم وفساد الدنيا والدين بسبب فتح باب التأويل”. ثم ذكر رحمه الله: أن التأويل كان سبب ضلال اليهود في تغييرهم لكتبهم وعبادتهم العجل وقتل الأنبياء وغير ذلك، وسبب ضلال النصارى في قولهم بالتثليث وإبطالهم للشريعة وغير=

(1/130)


فصلٌ في قدومِ ركبٍ آخرَ
351 – وأَتَى فرِيقٌ ثم قاربَ وَصْفُهُ … هَذَا وَزَادَ عَلَيْه فِي الميزَانِ
352 – قَالَ: اسْمَعُوا يَا قَوْمُ لَا تُلهيكُمُ … هَذِي الأمَانِي هُنَّ شَرُّ أمَانِي
353 – أتعبْتُ رَاحِلَتِي وَكَلَّ مَطِيَّتِي … وبذلْتُ مَجهُودِي وقدْ أعْيَانِي
354 – فتَّشْتُ فَوْقُ وتحتُ ثُمَّ أمَامَنَا … وَوَرَاءُ ثم يسَارُ مَعْ أَيْمَانِ
355 – مَا دلَّنِي أحَدٌ عَلَيْهِ هُنَاكُمُ … كَلَّا وَلَا بَشَرٌ إِلَيْهِ هَدَانِي
356 – إلا طَوَائِفُ بِالحَدِيث تَمسَّكَتْ … تُعزَى مذاهِبُهَا إلَى القُرْآنِ
__________
= ذلك، وسبب لهدم أصول الإيمان والإسلام، وسبب لطرد إبليس ولعنه، وسبب لخروج آدم من الجنة، وسبب لكثير من الحوادث والحروب التي وقعت بعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى يومنا هذا.
ثم قال رحمه الله: “فقاتل الله التأويل الباطل وأهله، وأخذ حق دينه وكتابه ورسوله وأنصاره منهم، فماذا هدموا من معاقل الإسلام وهدوا من أركانه وقلعوا من قواعده؛ ولقد تركوه أرقّ من الثوب الخلق البالي الذي تطاولت عليه السنون وتوالت عليه الأهوية والرياح. لو بسطنا هذا الفصل وحده وما جناه التأويل على الأديان والشرائع وخراب العالم لقام فيه عدة أسفار” أ. هـ. الصواعق المرسلة 1/ 348 – 381، وقد عقد الناظم رحمه الله في هذه القصيدة فصلًا بعنوان “جناية التأويل على ما جاء به الرسول والفرق بين المردود والمقبول” وبين جناية التأويل على الإسلام والمسلمين.
352 – يا قومُ: كذا ضبط في الأصل بالضم، وضبط في ف بالكسر.
353 – كَلَّ: تعب وأعيا.
– ح، ط: “وكلت مهجتي” وهو تحريف.
355 – يعني: أنه بحث في كل مكان وكل الجهات فلم يجد أحدًا يدله على إلهه إلا أهل الحديث، كما سيأتي في البيت بعده.
356 – تعزى: تنسب.

(1/131)