الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه
الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه
http://www.shamela.ws تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة |
الكتاب: الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه [آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال (24)]جمع وإعداد: سامي بن محمد بن جاد الله راجعه: سليمان بن عبد الله العمير – جديع بن محمد الجديع الناشر: دار عطاءات العلم (الرياض) – دار ابن حزم (بيروت) الطبعة: الثالثة، 1440 هـ – 2019 م (الأولى لدار ابن حزم) عدد الأجزاء: 2 (في ترقيم مسلسل واحد) قدمه للشاملة: مؤسسة «عطاءات العلم»، جزاهم الله خيرا [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية
لدى تلاميذه
جمع وإعداد
سامي بن محمد بن جاد الله
(1/1)
مقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من أبرز علماء المسلمين الذين عرفهم التاريخ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – تعالى، ومن أهم العلوم التي برز فيها الشيخ علم الفقه, وقد حفظ الله عز وجل لنا الكثير من ثروته الفقهية، وذلك عبر نوعين من المصادر:
الأول: المصادر الأصلية، والمقصود بها المؤلفات والرسائل والفتاوى التي كتبها شيخ الإسلام، فقد اعتنى النساخ بكتابتها، واعتنى أهل العلم وطلابه باقتنائها والمحافظة عليها، حتى ظهرت الطباعة فتسابق الناشرون إلى طبعها ونشرها، وهذا أمر معلوم لا يحتاج إلى إسهاب في بيانه.
الثاني: المصادر الفرعية، وهي المؤلفات والكتب التي نقلت لنا شيئا من فقه هذا الإمام، وهي كثيرة بحمد الله، ويأتي على رأس هذا النوع كتب تلاميذ الشيخ، فقد حوت هذه الكتب الكثير من فقه الشيخ واختياراته، ولكن لما كانت هذه الأقوال متفرقة مبثوثة في بطون هذه الكتب غفل عنها الكثير من طلبة العلم، وحتى مَن عَلِم بها ربما صعب عليه مراجعتها والبحث فيها عن هذه الاختيارات والفوائد.
(1/5)
ومن هنا نشأت فكرة جمع كل ما وصل إلينا مما نقل عن الشيخ في كتب تلاميذه من اختيارات وفوائد فقهية, وترتيبها حسب أبواب الفقه ليسهل تناولها والوقوف على البغية منها (1).
منهج العمل:
تم العمل في هذا المشروع وفق المنهج التالي:
1 – جرد الكتب المطبوعة لتلاميذ الشيخ، واستخراج نقولهم الفقهية عن الشيخ، وجل هذه النقول هي اختيارات فقهية للشيخ, وبعضها فوائد فقهية أخرى كتوضيح نص، أو قول، أو حكاية إجماع، أو نفي العلم بالخلاف، أو إثبات الخلاف، أو تخريج قول, ونحو ذلك، وأدرجت هذه الفوائد في هذا المجموع وإن كانت لا تدخل ضمن مسمى الاختيارات تتميما للفائدة.
2 – نسخ النصوص التي تحتوي على نقل عن الشيخ، ويكتفى بالقدر الذي يحصل به فهم النص, وتدوين اسم المصدر بعد نهاية النص.
3 – اعتمدت في بعض المصادر على أكثر من طبعة لمزيد العناية بضبط النص, وفي هذه الحالة أذكر موضع النص في الطبعة الأولى بعد اسم المصدر مباشرة, وبعده بين قوسين الموضع في الطبعة الثانية، مثال:
_________
(1) سبق الكلام عن أعمال العلماء في جمع اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة تحقيق «اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية» لابن عبد الهادي (ص 6 – 8) , كما سبق فيه الإشارة إلى السبب في عدم تأليف الشيخ لكتاب يذكر فيه اختياراته الفقهية في سائر الأبواب (ص 6).
(1/6)
[الفروع 6/ 290 (10/ 359)] (1).
4 – أشير إلى حذف الكلام بوضع ثلاث نقاط ( … ) في مكان الحذف.
5 – ترتيب المسائل حسب الأبواب، وجعلت أبواب كتاب «الفروع» لابن مفلح هي الأصل في تبويب المسائل الفقهية.
6 – وضع عنوان جانبي لكل نص يشير إلى المسألة التي تضمنها.
7 – وضع رقم متسلسل لكل مسألة.
8 – عند وجود أكثر من نص في مسألة واحدة تذكر جميع النصوص تحت عنوان واحد، وترتب النصوص حسب وفيات النقلة، فإن كان الناقل قد ذكر النص في أكثر من موضع فيقدم المختصر ثم المبسوط, حتى يكون شارحا وموضحا له.
9 – عند وجود أكثر من مسألة في نص واحد، توضع عناوين المسائل متتالية ثم ينقل تحتها النص كاملا، هذا إذا كانت المسائل تندرج تحت باب واحد، أما إذا كانت تندرج تحت أكثر من باب، فتذكر في أنسب المواضع سواء كان متقدما أو متأخرا، ويحال على ذلك الموضع في بقية المواضع.
_________
(1) تم استخراج نصوص «الفروع» من طبعة الشيخ رشيد رضا, ثم أثناء العمل فيه صدرت طبعة مؤسسة الرسالة بإشراف الشيخ عبد الله التركي حفظه الله, فقمت بمقابلة تلك النصوص على هذه الطبعة, وأشرت إلى ما بينهما من الفروق مع الترجيح عند الحاجة, ورمزت للطبعة الأولى بـ (ط 1) , والثانية بـ (ط 2) , وبقيت بعض المواضع محل إشكال حتى وقفت على نسخة خطية للفروع (النسخة الأزهرية) فقمت بمقابلة المواضع المشكلة عليها, وأشرت إلى ذلك في الحاشية.
(1/7)
10 – مراجعة كل مسألة في المصادر الأصلية المطبوعة من كتب شيخ الإسلام، وما وقف عليه في شيء منها فإنه يشار إلى اسم المصدر مع الجزء والصفحة في الحاشية، وما أهمل عزوه فذلك علامة على عدم الوقوف عليه في شيء من المصادر الأصلية، وإذا كان بعض المنقول موجودا في مصدر ما، أو كان هناك بعض الاختلاف بين المنقول وما هو موجود في المصادر الأصلية، فتصدر الإحالة بكلمة: (انظر).
11 – إذا دعت الحاجة إلى نقل نص كلام شيخ الإسلام في الحاشية فإني أنقله بحروفه.
12 – مراجعة كل مسألة في كتاب «الاختيارات» للبعلي, فما وقف عليه منها فيه ذكر موضعها في الحاشية, والغرض من ذلك أمران:
1. تمييز المسائل الزائدة في هذا الجامع على ما في كتاب البعلي.
2. الاستفادة من هذا الجامع في توثيق المسائل التي نقلها البعلي، حيث أن المصادر الأصلية لهذا الجامع أعلى سندا منه.
13 – إذا وجد في بعض المصادر التي يرجع إليها في تحرير المسائل المنقولة ما يفيد في فهم كلام شيخ الإسلام فإنه ينقل في الحاشية، وجل النقول في ذلك كانت من «حاشيتا الفروع» لابن قندس, وابن نصر الله، ومن «تصحيح الفروع» و «الإنصاف» كلاهما للمرداوي.
* * * * *
(1/8)
الموارد:
موارد هذا المجموع هي كتب تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية المطبوعة، وقد حرصت على استقصائها حسب الجهد والطاقة, وهذه ترجمة مختصرة لكل واحد من تلاميذ الشيخ الذين لهم كتب مطبوعة، تتضمن نبذة مختصرة عن حياته، وصلته بالشيخ وثناءه عليه, ومؤلفاته التي نقل فيها عن الشيخ, ومنهجه وموارده في النقل عنه، أما التعريف بطبعات هذه الكتب فمحله فهرس المصادر.
1 – الطوفي (ت: 716):
هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي، الصرصري، ثم البغدادي, الفقيه، الأصولي، الحنبلي.
ولد سنة بضع وسبعين وستمائة.
وقد أخذ عن شيخ الإسلام في دمشق، قال ابن رجب: « … ثم سافر إلى دمشق سنة أربع وسبعمائة، فسمع بها الحديث من القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة وغيره، ولقي الشيخ تقي الدين بن تيمية».
وأما عقيدته فيقول عنه ابن رجب: « … وكان مع ذلك شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى إنه قال في نفسه:
حنبلي رافضي أشعري … ظاهري هذه إحدى العبر»
وقد أطال ابن رجب – رحمه الله – في بيان انحرافه.
وللطوفي شرح لقصيدة شيخ الإسلام ابن تيمية في القدر، وقد حقق
(1/9)
رسالة علمية في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية (1).
وله قصيدة في مدح الشيخ وذم أعداءه, ذكر أبياتا منها ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (254 – 255) , ومما قال فيها:
يا أهل تيمية العالين مرتبة … ومنصبا فرع الأفلاك تبيانا
جواهر الكون أنتم غير أنكم … في معشر أشربوا في العقل نقصانا
لا يعرفون لكم فضلا ولو عقلوا … لصيروا لكم الأجفان أوطانا
يا من حوى من علوم الخلق ما قصرت … عنه الأوائل مذ كانوا إلى الآنا
إني لأقسم والإسلام معتقدي … وإنني من ذوي الإيمان أيمانا
لم ألق قبلك إنسانا أسر به … فلا برحت لعين المجد إنسانا
ويقال في حق الطوفي كما قال الألوسي في «جلاء العينين» (50) ــ عندما ترجم لجملة من تلاميذ الشيخ، ومنهم الطوفي ــ: «وإنما ذكرته لشهرة أقواله والاطلاع على غريب حاله، وإلا فهو ليس من تلاميذ الشيخ المختصين، بل من جملة الملاقين الآخذين».
(تنبيه) جاء في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب «ذيل الطبقات» لابن رجب (4/ 494): «قرأ في العربية أياما على سليمان بن عبد القوي» وهذه العبارة فيها خطأ، فكلمة (سليمان) إما أنها مقحمة أو مصحفة.
والصواب أن شيخ الإسلام ابن تيمية قرأ على محمد بن عبد القوي بن
_________
(1) انظر: «القصيدة التائية في القدر لشيخ الإسلام ابن تيمية» شرح وتحقيق: الشيخ محمد الحمد (ص 63).
(1/10)
بدران المقدسي المرداوي، المتوفى سنة (699)، وهو المقصود في كلام ابن رجب السابق، ويدل على ذلك عدة أمور منها:
1 – أن ابن رجب قال في ترجمة محمد بن عبد القوي (4/ 309): «وممن قرأ عليه العربية الشيخ تقي الدين»، ولم يذكر هذا في ترجمة سليمان بن عبد القوي الطوفي.
2 – أن سياق كلام ابن رجب في نشأة الشيخ العلمية، فبعد أن ذكر تلقي الشيخ للعلوم والمشايخ الذين أخذ عنهم قال: «ومهر في هذه الفضائل، وتأهل للفتوى والتدريس وله دون العشرين سنة».
وشيخ الإسلام ولد سنة (661) وهذا يعني أن قراءته على ابن عبد القوي كانت قبل سنة (681)، وسليمان الطوفي إنما ولد سنة بضع وسبعين وستمائة ببلده طوفى، وهي من أعمال صرصر بالقرب من بغداد, ولم يلتق بالشيخ إلا سنة (704) حين ارتحل إلى الشام، وكان عمر شيخ الإسلام ابن تيمية (43) سنة، فلا يتصور أبدا أن يقرأ عليه في العربية وقد بلغ هذه السن!
3 – أن الحافظ ابن عبد الهادي ذكر في كتابه «طبقات الحفاظ» (4/ 282) نشأة الشيخ العلمية، وكان مما قال: «قرأ أياما في العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه، وبرع في النحو، وأقبل على التفسير إقبالا كليا حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه، وغير ذلك، هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة» ا. هـ.
4 – أن جميع المصادر التي ترجمت لشيخ الإسلام ــ مما وقفنا عليه ــ تذكر ضمن شيوخه (ابن عبد القوي) ولا تسميه، وكثير من هذه المصادر إنما تنقل عن «ذيل الطبقات» لابن رجب.
(1/11)
نقوله عن الشيخ:
وقد تم تتبع ما وُقف عليه من كتبه المطبوعة فوُجد فيها بعض النقول اليسيرة عن ابن تيمية, منها ما هو في العقيدة كما في «الإشارات الإلهية» (3/ 90) , ومنها ما هو في أصول الفقه كما في «شرح مختصر الروضة» (1/ 218) , (3/ 214) , ومنها نقل في الحديث بواسطة ابن تيمية وذلك في «علم الجذل في علم الجدل» (222)، ولم نجد فيها شيئا يتعلق بالفقه.
* وقد بيَّن شيئا من المكانة الفقهية لشيخ الإسلام في كتابه «شرح مختصر الروضة» (3/ 627 – 628) فقال: (ونحن لا يصح لنا أن نجزم بمذهب إمام حتى نعلم أنه آخر ما دونه من تصانيفه ومات عنه، أو أنه نص عليه ساعة موته، ولا سبيل لنا إلى ذلك في مذهب أحمد، والتصحيح الذي فيه، إنما هو من اجتهاد أصحابه بعده، كابن حامد، والقاضي وأصحابه، ومن المتأخرين الشيخ أبو محمد المقدسي رحمة الله عليهم أجمعين.
لكن هؤلاء ــ بالغين ما بلغوا ــ لا يحصل الوثوق من تصحيحهم لمذهب أحمد، كما يحصل من تصحيحه هو لمذهبه قطعا، فمن فرضناه جاء بعد هؤلاء، وبلغ من العلم درجتهم أو قاربهم، جاز له أن يتصرف في الأقوال المنقولة عن صاحب المذهب كتصرفهم، ويصحح منها ما أدى اجتهاده إليه، وافقهم أو خالفهم، وعمل بذلك وأفتى.
وفي عصرنا من هذا القبيل شيخنا الإمام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني حرسه الله تعالى، فإنه لا يتوقف في الفتيا على ما صححه الأصحاب من المذهب، بل يعمل ويفتي بما قام عليه الدليل عنده) ا. هـ.
(1/12)
*وقد ذكر كتابا واحدا من كتب الشيخ وهو «بيان الدليل» , فقال: (وقد صنف شيخنا تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية كتابا بناه على بطلان نكاح المحلل, وأدرج فيه جميع قواعد الحيل, وبين بطلانها بأدلته على وجه لا مزيد عليه) ا. هـ.
2 – ابن عبد الهادي (ت: 744):
هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي، الجماعيلي الأصل، ثم الصالحي، الحنبلي.
ولد سنة (705).
وقد كان – رحمه الله – أحد الأذكياء, وكان عالما متفننا, وصاحب مصنفات محررة.
قال الحسيني في «ذيل العبر» (ص: 132) ــ تحت ترجمة ابن عبد الهادي ــ: «وتفقه بشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية, وكان من جلة أصحابه».
وقال ابن رجب في «ذيل الطبقات» (5/ 116): «ولازم الشيخ تقي الدين مدة».
وقال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (ص: 114): (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (1)، وأعلمهم بالحديث ابن عبد الهادي).
ويصف لنا ابن عبد الهادي جانبا من علاقته بشيخ الإسلام ابن تيمية
_________
(1) أي ابن مفلح.
(1/13)
فيقول في كتابه المفرد في مناقب الشيخ المسمى «العقود الدرية» (395 – 396) ــ بعد أن ذكر سجن الشيخ بالقلعة سنة (720) ــ: (ثم ورد مرسوم السلطان بإخراجه، فأخرج منها يوم الاثنين، يوم عاشوراء، من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وتوجه إلى داره.
ثم لم يزل بعد ذلك يعلم الناس ويلقي الدرس بالحنبلية أحيانا, ويقرأ عليه في مدرسته بالقصاعين في أنواع العلم.
وكنت أتردد إليه في هذه المدة أحيانا, وقرأت عليه قطعة من «الأربعين» للرازي, وشرحها لي, وكتب لي على بعضها شيئا, وكان يقرأ عليه في تلك المدة من كتبه, وهو يصلح فيها, ويزيد وينقص.
ولقد حضرت معه يوما في بستان الأمير فخر الدين بن الشمس لؤلؤ, وكان قد عمل وليمة, وقرأت على الشيخ في ذلك اليوم أربعين حديثا, وكتب بعض الجماعة أسماء الحاضرين, وأخذ الشيخ بعد ذلك في الكلام في أنواع العلوم, فبهت الحاضرون لكلامه واشتغلوا بذلك عن الأكل).
*وقد كان للحافظ ابن عبد الهادي عناية كبيرة بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، يظهر ذلك من مطالعة كتابيه «العقود الدرية» و «اختيارات شيخ الإسلام «.
*وبالإضافة إلى ترجمته المفردة للشيخ التي سبقت الإشارة إليها, فقد ترجم له في آخر كتابه «طبقات الحفاظ» (4/ 279 – 296) , وذكر في ترجمة ابن الجوزي (4/ 121) كثرة مؤلفاته, وقال: (لا أعلم أحدا صنف أكثر من ابن الجوزي إلا شيخنا الإمام الرباني أبا العباس أحمد بن
(1/14)
عبد الحليم الحراني – رضي الله عنه -).
وقال في «العقود الدرية» (37): (ولا أعلم أحدا من متقدمي الأمة ولا متأخريها جمع مثل ما جمع, ولا صنف نحو ما صنف, ولا قريبا من ذلك, مع أن أكثر تصانيفه إنما أملاها من حفظه, وكثير منها صنفه في الحبس, وليس عنده ما يحتاج إليه من الكتب).
*وكان ابن عبد الهادي في كتبه كثير الثناء على شيخه, ومن ذلك قوله في «الصارم المنكي» (98): (وقد علم الخاص والعام أن كلام شيخ الإسلام في سائر أنواع علوم الإسلام فيه من التحرير، والتحقيق، وغاية البيان والإيضاح، وتقريب المعاني إلى الأفهام، وحسن التعليم والإرشاد إلى الطريق القويم = ما يضيق هذا الموضع عن ذكره) ا. هـ.
نقوله عن الشيخ:
سبق بحمد الله ــ ضمن هذا المشروع المبارك ــ طبع كتاب «اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية» لابن عبد الهادي، كما تم إدراج الاختيارات التي ذكرها في «العقود الدرية» في رسالة «اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية لدى مترجميه»، فذكرها في هذا المجموع تكرار لا حاجة إليه, لذا لم يتم إدراجها هنا, واكتفي بهذه الإشارة.
وأما كتب ابن عبد الهادي الأخرى:
فمنها ما أكثر فيه من النقل عن شيخ الإسلام كما تراه في «الصارم المنكي» حتى بلغ مجموع ما نقله عنه (175 صفحة) في (98) موضعًا من الكتاب, وأيضا في «رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة».
(1/15)
وأيضا: قال في «تنقيح التحقيق» تحت مسألة الجد والإخوة: (واعلم أن لشيخنا العلامة أبو العباس في هذه المسألة مصنفا جليلا, فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه, ثم إني بعد أن كتبت هذا الكلام بمدة جمعت الآثار الواردة في هذه المسألة, وذكرت ما جاء عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الاختلاف فيها في عدة كراريس, ثم حكيت كلام شيخنا بحروفه في آخر ذلك) ا. هـ. وهذه الرسالة لم تصلنا حتى الآن, نسأل الله أن يوفق للوقوف عليها.
ومنها ما نقل فيه بعض اختيارات الشيخ ولم يكثر، كـ «تنقيح التحقيق» فقد نقل عنه فيه في (11) موضعا، وكلها مسائل فقهية.
وفي «طبقات الحفاظ» المطبوع باسم «طبقات علماء الحديث» نقل عنه في (4) مواضع كلها في تراجم الرجال.
وفي رسالته في «الكلام على حديث أرحم أمتي بأمتي أبو بكر» , نقل عنه في موضع واحد كلاما في نقد هذا الحديث سندا ومتنا.
وسبب التفاوت في كثرة النقل عن الشيخ عند ابن عبد الهادي هو طبيعة كل كتاب, فكل كتاب له موضوعه وطبيعته الخاصة.
وقد سرد الحافظ ابن عبد الهادي قائمة مطولة بأسماء مؤلفات الشيخ في كتابيه «العقود الدرية» (ص 26 وما بعدها)، و «طبقات الحفاظ» (ص 289).
(1/16)
3 – الذهبي (ت: 748):
هو الحافظ الشهير، مؤرخ الإسلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، صاحب «سير النبلاء» و «تذكرة الحفاظ» و «تاريخ الإسلام» وغيرها من الكتب الفريدة.
ولد سنة (673).
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في «معجم شيوخه» (ص: 25)، وترجم له في أكثر من كتاب من كتبه.
وله كتاب «الدرة اليتيمة في سيرة التيمية» ذكر بعضهم أنه في ترجمة ابن تيمية, وذكر آخرون أنه في ترجمة آل تيمية, وقد لخص ابن الوردي في «تاريخه» (2/ 279) ترجمة ابن تيمية منه.
وله مؤلف آخر في أصحابه، قال السخاوي في «الإعلان بالتوبيخ» (307) وهو يعدد مؤلفات الذهبي التاريخية: (وورقة في أصحاب التقي ابن تيمية سماها «القبان») ا. هـ.
وذكر جملة من أخباره وأحواله في مواضع مفرقة من كتبه (انظر: السير 11/ 364, تاريخ الإسلام 30/ 226, 50/ 69, 51/ 12, 52/ 61, 82, 90, 93, 95, 101, 104, 222, 52/ 426؛ تذكرة الحفاظ 4/ 1499؛ العبر 4/ 11, 20, 52, 56, 59, 75؛ معجم الشيوخ 1/ 36, 48, 324؛ المعجم المختص بالمحدثين 132, 136, 230, 239، ذيل تاريخ الإسلام 27, 65, 86, 93, 127, 156, 157, 195, 278, 306, 309, 333, 341).
(1/17)
وكان الحافظ الذهبي كثيرا ما يثني على شيخ الإسلام ابن تيمية عند ذكره, ومن لطائف ذلك:
قوله في «معرفة القراء» (3/ 1296) تحت ترجمة مجد الدين عبد السلام ابن تيمية: (قال لي حفيده الإمام أبو العباس: كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول: ألين للشيخ مجد الدين الفقه كما ألين لداود الحديد.
قلت: وألين لابن مالك النحو, كما ألين لداود الحديد, وألين لشيخنا أبي العباس العلم, كما ألين لداود الحديد) ا. هـ.
وقال في «الطب النبوي» (228): (ورأيت شيخنا الشيخ إبراهيم الرقي بصيرا بالطب, وكذلك شيخنا الشيخ تقي الدين بن تيمية) ا. هـ.
نقوله عن الشيخ:
الحافظ الذهبي من المتوسطين في النقل عن شيخ الإسلام, فقد نقل عنه في جملة من كتبه, وقد تجد في كتاب موضعا واحدا, وتجد في آخر خمسة عشر موضعا.
وجل هذه النقول تتعلق بالكلام في فن الحافظ الذهبي الأول وهو علم الرجال والتأريخ (انظر: السير 7/ 373, 13/ 15, 21/ 161, 22/ 366, معرفة القراء 3/ 1296، تاريخ الإسلام 17/ 428، 26/ 144, 41/ 156, 46/ 201, 50/ 223, 51/ 71, 362, 425, 52/ 206, 378، معجم الشيوخ 1/ 35, 361, 2/ 114, 121، ذيل تاريخ الإسلام 122, 159).
ومنها ما يتعلق بمسائل عقدية (انظر: السير 11/ 363 – 364, 15/ 88, تاريخ الإسلام 30/ 126)، أو فقهية ــ وهي المقصودة هنا ــ (انظر: السير 14/ 279, تاريخ الإسلام 23/ 284 – 285).
(1/18)
ومنها ما يتعلق بالحكم على بعض الأحاديث (انظر: ميزان الاعتدال 2/ 293).
وإضافة إلى ذلك فإن الحافظ الذهبي اعتنى باختصار بعض كتب الشيخ, وتحديدا كتابا «منهاج السنة» , و «الإيمان».
قال في مقدمة «المنتقى من كتاب منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال» (1): (فهذه فوائد ونفائس اخترتها من كتاب «منهاج الاعتدال … » تأليف شيخنا الإمام العالم أبي العباس أحمد بن تيمية – رحمه الله – تعالى) ا. هـ وهذا المختصر مطبوع ومتداول.
وقال في «السير» (11/ 364): (وهذه مسألة كبيرة جليلة ــ يعني: مسألة الإيمان وأنه يزيد وينقص ــ، قد صنف فيها العلماء كتبا، وجمع فيها الإمام أبو العباس شيخنا (2)، مجلدا حافلا قد اختصرته، نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا إيماننا حتى نوافيه به) ا. هـ. ولم نقف على هذا المختصر.
وبخلاف كتابَي «الإيمان» و «منهاج الاعتدال» فقد صرح الحافظ الذهبي باسم كتاب «الصارم المسلول» في «تاريخ الإسلام» (52/ 223)، و «ميزان الاعتدال» (2/ 293) , و «سير أعلام النبلاء» (7/ 337).
_________
(1) «منهاج الاعتدال … » من أسماء كتاب «منهاج السنة» المطبوع.
(2) علق محقق «السير» بقوله: (يقصد ابن تيمية، وكتابه الذي أشار إليه هو «منهاج السنة»، ومختصره الذي اختصره المؤلف أسماه: «المنتقى من منهاج الاعتدال»، وقد طبع بتحقيق محب الدين الخطيب) ا. هـ. أما أن المقصود ابن تيمية فصحيح, وأما أن الكتاب هو «منهاج السنة» فغير صحيح, كما هو ظاهر من سياق الكلام, بل المقصود هو كتاب «الإيمان».
(1/19)
وذكر أيضا كتاب الشيخ في الرد على السروجي, قال في «ذيل تاريخ الإسلام» (86 – 87): (وله ــ أي السروجي ــ رد على شيخنا ابن تيمية بسكينة وصحة ذهن (1) , ثم رد الشيخ على رده … الخ) ا. هـ.
4 – ابن القيم (ت: 751):
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، ثم الدمشقي، الحنبلي، الشهير بـ (ابن قيم الجوزية).
ولد سنة (691).
وابن القيم – رحمه الله – من كبار علماء المسلمين، وصاحب المصنفات البديعة، وكان – رحمه الله – علما في سائر الفنون.
وهو أشهر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، «حتى لا يكاد يذكر الشيخ ابن تيمية إلا ويذكر معه تلميذه ابن القيم» (2)، وقد لزمه فترة طويلة بلغت ستة عشر عاما، وقد بسط الكلام عن علاقة ابن القيم بشيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ بكر أبو زيد في كتابه «ابن القيم الجوزية حياته وآثاره» بما لا مزيد عليه (78 – 97).
وقد قال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (ص: 114): (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (3)، وأعلمهم بالحديث ابن عبد الهادي،
_________
(1) سيأتي ذكره أيضا في ترجمة ابن كثير, ولكنه قال في وصفه: (وله اعتراضات على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في علم الكلام أضحك فيها على نفسه) ا. هـ.
(2) «ابن قيم الجوزية حياته وآثاره» للشيخ بكر أبو زيد (ص 78).
(3) أي: ابن مفلح.
(1/20)
وأعلمهم بأصول الدين والطرق والمتوسط بين الفقه والحديث وأزهدهم شمس الدين بن القيم).
وكان ابن القيم كثير الثناء على شيخه كلما ذكره, ومن ذلك:
قوله في «الصواعق المرسلة» (2/ 624): (وأقل درجات اختياراته (1) يكون وجها في المذهب, ومن الممتنع أن يكون اختيار ابن عقيل وأبي الخطاب والشيخ أبي محمد وجها يفتى بها, واختيارات شيخ الإسلام لا تصل إلى هذه المرتبة!).
وقال في «إغاثة اللهفان» (1/ 436): (وأسوأ أحواله (2) أن يكون كبعض أصحاب الوجوه في مذهبه, كالقاضي وأبي الخطاب, وهو أجل من ذلك).
نقوله عن الشيخ:
سبق أن ابن القيم من المكثرين جدا في النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقد قام الشيخ الفاضل (الدكتور) وليد بن محمد بن عبد الله العلي ــ وفقه الله لكل خير ــ بجرد كتب ابن القيم واستخراج ما فيها من نقول عن الشيخ, وهذه قائمة بأسماء الكتب التي قام بجردها وبجوار كل اسم عدد المواضع في ذلك الكتاب:
1 – اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية/18.
_________
(1) أي: ابن تيمية.
(2) أي: ابن تيمية.
(1/21)
2 – أحكام أهل الذمة/57.
3 – إعلام الموقعين عن رب العالمين/99.
4 – إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان/3.
5 – إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان/52.
6 – بدائع الفوائد/38.
7 – التبيان في أقسام القرآن/3.
8 – تحفة المودود بأحكام المولود/7.
9 – تهذيب السنن/20.
10 – جلاء الأفهام/5.
11 – جواب في صيغ الحمد/3.
12 – حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح أو صفة الجنة/10.
13 – الداء والدواء/6.
14 – الروح/11.
15 – روضة المحبين ونزهة المشتاقين/9.
16 – زاد المعاد في هدي خير العباد/110.
17 – شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل/17.
18 – الصلاة وحكم تاركها /1.
19 – الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة /21.
(1/22)
20 – وفي «مختصره» (9) مواضع.
21 – الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/40.
22 – طريق الهجرتين وباب السعادتين/11.
23 – عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين/3.
24 – الفروسية/7.
25 – الفوائد/5.
26 – فوائد حديثية/8.
27 – الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية/7.
28 – كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء/5.
29 – مدارج السالكين/92.
30 – مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة/8.
31 – المنار المنيف في الصحيح والضعيف/3.
32 – هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى/2.
33 – الوابل الصيب من الكلم الطيب/15.
وأما «الرسالة التبوكية» و «رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه» فلا يوجد فيهما شيء منقول عن الشيخ.
وهذه النقول موزعة على أنواع الفنون المختلفة, فمنها مسائل في التفسير، وأخرى في العقيدة والحديث والفقه والكلام في الرجال, ومنها جملة من أخبار شيخ الإسلام ابن تيمية وأحواله.
(1/23)
وكان الشيخ /وليد ــ جزاه الله خيرًا ــ قد رتَّب هذه المسائل حسب كتب ابن القيم ترتيبا أبجديا في مجموع واحد سماه «أقوال وأحوال شيخ الإسلام ابن تيمية التي حكاها عنه تلميذه الإمام ابن قيم الجوزية في كتبه» , فقمت بتجريد المسائل الفقهية من هذا المجموع وترتيبها حسب الموضوعات وتوثيقها.
* وكثيرا ما ينقل ابن القيم كلام شيخ الإسلام بنصه (انظر: 53 – 57، 64، 70، 83، 87، وغيرها كثير).
وربما نقل كلام الشيخ بالمعنى مع النص على ذلك (انظر: 227).
وربما اقتصر على الإشارة إلى اختيار الشيخ فيقول:
– وهو اختيار شيخنا (انظر: ص 60، 62، 73، 107، 116، 297 وغيرها).
– أو: هذه طريقة شيخنا (انظر: ص 51، 255، 313، 336).
– أو: وشيخنا يذهب إلى هذا (انظر: ص 98).
– أو: شيخنا يرجح هذا (انظر: ص 162، 260، 326).
– أو: كان شيخنا يقوي هذا (انظر: ص 281).
– أو: يقوي ذلك وينصره (انظر: ص 282).
وينعت الشيخ بعدة ألقاب منها: شيخنا، الشيخ تقي الدين ابن تيمية، شيخ الإسلام ابن تيمية، شيخنا أبو العباس.
وفي موضع واحد ذكر كلاما للمجد ابن تيمية، ثم عقبه بكلام للشيخ فصدره بقوله: (قال حفيده).
(1/24)
* ولعل من أهم ما يميز نقول العلامة ابن القيم عن الشيخ أن الكثير منها تلقاه ابن القيم سماعا، فتجده يقول:
– سمعت شيخ الإسلام يقرر كذا (انظر: ص 88، 89، 90، 136، 140، 164، 170، 183، 184، 185، 191، 192، 210، 217، 226، 250، 253).
– أو: سألت شيخ الإسلام عن كذا (انظر: ص 152، 246).
– أو: قال لي شيخنا كذا (انظر: ص 160، 213).
وتجده أحيانا يسوق ما يحصل بينه وبين شيخه من المناقشات العلمية حول بعض المسائل (انظر: ص 304، 730 – 733).
وأحيانا يجمع فيما ينقله عن الشيخ بين ما وجده في كتبه وما سمعه منه في الدروس (انظر: ص: ح 57 – 58، 132).
وأحيانا يذكر أن الشيخ أفتى بكذا فاعترض عليه بعضهم فأجابه بكذا (انظر: ص 307).
ولم أره يذكر واسطة بينه وبين شيخه إلا في موضع واحد (ص 163) قال: بلغني عن شيخنا كذا.
ومما يميز نقول ابن القيم أيضا عنايته بنقل تقعيدات وتأصيلات الشيخ – رحمه الله -.
ومما يميزها أيضا أنه إذا نقل كلام الشيخ بالمعنى فإنه يسوقه بأساليب أدبية جميلة, مع بعض الإضافات الكاشفة من قبله.
(1/25)
* وأما كتب الشيخ التي نص ابن القيم على النقل منها فهي التالية:
1 – اقتضاء الصراط المستقيم (انظر: ص 568).
2 – إبطال التحليل (انظر: ص 707، 736).
3 – التعليق على المحرر (انظر ص 1108).
4 – ضمان الأشجار مطلقا مع الأرض وبدونها (انظر ص 550).
5 – تأجير الشاة أو البقرة مدة معلومة لأخذ لبنها: (انظر ص 557).
6 – مصنف في مسألة الاستواء على العرش والرد على من تأول استوى باستولى. (انظر: الكافية الشافية: ص 104، 157).
7 – درء تعارض العقل والنقل.
8 – منهاج السنة.
9 – نقض التأسيس.
10 – جواب الاعتراضات المصرية.
11 – الجواب الصحيح.
12 – شرح العقيدة الأصبهانية.
13 – النبوات.
14 – حدوث العالم.
15 – قواعد الاستقامة.
16 – نقض أصول الفلاسفة.
(1/26)
17 – التسعينية.
18 – الفتاوى.
19 – الرسائل.
20 – القواعد.
21 – التفسير.
22 – المسائل المفردة.
وكل هذه العناوين الستة عشر ذكرها في «النونية» (ص 268 – 269) , فقال:
فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة … شيخ الوجود العالم الرباني
أعني أبا العباس أحمد ذلك البـ … حر المحيط بسائر الخلجان
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي … ما في الوجود له نظير ثان
وكذاك منهاج له في رده … قول الروافض شيعة الشيطان
وكذاك أهل الإعتزال فإنه … أرداهم في حفرة الجبان
وكذلك التأسيس أصبح نقضه … أعجوبة للعالم الرباني
وكذاك أجوبة له مصرية … في ست أسفار كتبن سمان
وكذا جواب للنصارى فيه ما … يشفي الصدور وإنه سفران
وكذاك شرح عقيدة للأصبها … ني شارح المحصول شرح بيان
فيها النبوات التي إثباتها … في غاية التقرير والتبيان
والله ما لأولي الكلام نظيره … أبدا وكتبهم بكل مكان
(1/27)
وكذا حدوث العالم العلوي والسـ … فلي فيه في أتم بيان
وكذا قواعد الاستقامة إنها … سفران فيما بيننا ضخمان
وقرأت أكثرها عليه فزادني … والله في علم وفي إيمان
هذا ولو حدثت نفسي أنه … قبلي يموت لكان غير الشان
وكذاك توحيد الفلاسفة الألى … توحيدهم هو غاية الكفران
سفر لطيف فيه نقض أصولهم … بحقيقة المعقول والبرهان
وكذاك تسعينية فيها له … رد على من قال بالنفساني
تسعون وجها بينت بطلانه … أعني كلام النفس ذا الوحدان
وكذا قواعده الكبار وإنها … أوفى من المائتين في الحسبان
لم يتسع نظمي لها فأسوقها … فأشرت بعض إشارة لبيان
وكذا رسائله إلى البلدان والأ … طراف والأصحاب والإخوان
هي في الورى مبثوثة معلومة … تبتاع بالغالي من الأثمان
وكذا فتاواه فأخبرني الذي … أضحى عليها دائم الطوفان
بلغ الذي ألفاه منها عدة الأ … يام من شهر بلا نقصان
سفر يقابل كل يوم والذي … قد فاتني منها بلا حسبان
هذا وليس يقصر التفسير عن … عشر كبار ليس ذا نقصان
وكذا المفاريد التي في كل مسـ … ـألة فسفر واضح التبيان
ما بين عشر أو تزيد بضعفها … هي كالنجوم لسالك حيران
(1/28)
5 – مغلطاي (ت: 762):
هو العلامة علاء الدين أبو عبد الله مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري، التركي، ثم المصري، الحنفي.
ولد سنة (689).
ويُعَدُّ – رحمه الله – من كبار علماء الحديث في زمنه، وقد عرف – رحمه الله – بسعة الاطلاع على الكتب.
نقوله عن الشيخ:
اطلعت على رسالة جامعية قدمت لجامعة أم القرى بعنوان: «الحافظ مغلطاي وآثاره في علوم الحديث» وقد قام الباحث باستقرأ كتبه المطبوعة والمخطوطة استقراء جيدا، وأفاد أنه نقل عن شيخه ابن تيمية في أربعة مواضع:
أحدها: في كتاب «الواضح المبين» (ص 92)، وهو الموضع الذي نسب فيه إلى شيخ الإسلام الفتوى المتعلقة بالعشق التي أوردها ابن القيم في «روضة المحبين» وبين بطلان نسبتها للشيخ.
الثاني: في كتاب «الإيصال» في أثناء ترجمته للشيخ، والترجمة ضمن «الجامع لسيرة شيخ الإسلام».
الثالث: في كتاب «إكمال تهذيب الكمال» في ترجمة زهرة غير منسوب، وهو في المطبوع (5/ 83).
(1/29)
الرابع: في كتاب «التلويح بشرح الجامع الصحيح» (ق: 168 أ) وهو مخطوط، وساق الباحث نص أول كلامه، وهو: وحدثت من غير وجه أن الشيخ نجم الدين بن الرفعة استفتى شيخنا ابن تيمية في مثل هذا فأجاب … الخ.
6 – ابن مفلح (ت: 763):
هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي الحنبلي.
ولد قريبا من سنة (710).
من كبار علماء الحنابلة، وكتبه من أهم مراجعهم، وخاصة كتابه «الفروع» , حتى قال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (113): (وصنف كتاب «الفروع» في الفقه جمع فيه غالب المذهب, ويقال: هو مكنسة المذهب, سمعت ذلك من شيخنا أبي الفرج) ا. هـ.
وكان من أخبر الناس باختيارات شيخه, قال البرهان ابن مفلح في «المقصد الأرشد» (2/ 519): (وحضر عند الشيخ تقي الدين ونقل عنه كثيرا، وكان يقول له: ما أنت ابن مفلح، أنت مفلح، وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته حتى إن ابن القيم كان يراجعه في ذلك).
وقال يوسف بن عبد الهادي في «الجوهر المنضد» (ص 114) ــ كما سبق ــ: (يقال: أفقه أصحاب الشيخ هو (1) … ).
_________
(1) أي: ابن مفلح.
(1/30)
وقال أيضا (ص 114): (كان معظما لشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، ينقل اختياراته في كتبه كثيرا، وغالب ما ذكره أبو الحسن بن اللحام في اختياراته فإنه من «الفروع»).
وقد جريت في هذه النبذ على ذكر بعض ثناء تلاميذ الشيخ عليه, وإن كنت لم أقف على نص صريح يثني فيه ابن مفلح على شيخه وعلمه, ولكن عنايته الفائقة باختياراته الفقهية وتحريراته العلمية أبلغ من أي كلام, فهي شهادة عملية بالمكانة العلمية العالية لشيخ الإسلام ابن تيمية عنده.
نقوله عن الشيخ:
* ابن مفلح هو أكثر تلاميذ الشيخ نقلا عنه, وله أربعة كتب مطبوعة، هي:
1 – «الفروع»: وقد ذكر فيه الشيخ في (1360) موضعا (1).
2 – «النكت على المحرر»: وذكر الشيخ فيه في (314) موضعا.
3 – «الآداب الشرعية»: وورد ذكر الشيخ فيه في (229) موضعا.
_________
(1) وضع ابن مفلح رموزا خاصة به في كتابه هذا، وقد بين مفاتيحها في مقدمة كتابه، ولوجود بعض هذه الرموز في النصوص المنقولة هنا فسوف أسوق نص كلامه حتى يتسنى للقارئ الوقوف على مفاتيح تلك الرموز بيسر وسهولة، قال رحمه الله: (وأشير إلى ذكر الوفاق والخلاف، فعلامة ما أجمع عليه «ع»، وما وافقنا عليه الأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى أو كان الأصح في مذهبهم «و»، وخلافهم «خ»، وعلامة خلاف أبي حنيفة «هـ»، ومالك «م»، فإن كان لأحدهما روايتان فبعد علامته «ر»، وللشافعي «ش»، ولقوليه «ق»، وعلامة وفاق أحدهم ذلك وقبله «و») ا. هـ.
(1/31)
4 – «أصول الفقه»: ولم أقف فيه على نقل عن الشيخ مع التصريح باسمه، وإنما فيه نقول مبهمة القائل فيقول: (قال بعض أصحابنا) ونحو ذلك ويكون المقصود شيخ الإسلام، وجل هذه النقول من «المسودة»، وقد تتبعها محقق الكتاب، وهي ليست على شرط هذا المجموع.
* ويختلف منهج ابن مفلح في النقل عن الشيخ بحسب طبيعة الكتاب الذي يرد فيه النقل:
ففي «الفروع» يشير إلى اختيار الشيخ أو كلامه إشارة فيقول مثلا:
– واختار شيخنا كذا (انظر: ص 51، 52، 58، 65، 68، وغيرها كثير).
– أو: قال شيخنا كذا (انظر: ص 49، 50، 51، 58، 59، 63، 65، وغيرها كثير أيضا).
– أو: ذكر شيخنا كذا (انظر: ص 69، 85، 95، 109، 110، 111، وغيرها).
– أو: عند شيخنا كذا (انظر: ص 82، 93، 100، 101، 103، 109 وغيرها).
– أو: لم ير شيخنا كذا (انظر: ص 229، 231، 260، 327).
– أو: مال شيخنا إلى كذا (انظر: ص 63، 110، 290).
– أو: كره شيخنا كذا (انظر: ص 92، 169، 218، 314).
(1/32)
– أو: حرم شيخنا كذا (انظر: ص 139، 166، 223، 256).
– أو: استحب شيخنا كذا (انظر: ص 143، 153، 189، 241).
– أو: لم يستحب شيخنا كذا (انظر: ص 164، 187).
– أو: أوجب شيخنا كذا (انظر: ص 224).
– أو: لم يجوز شيخنا كذا (انظر: ص 72، 325).
– أو: خير شيخنا بين كذا وكذا (انظر: ص 183).
– أو: ادعى شيخنا كذا (انظر: ص 194).
– أو: استحسن شيخنا كذا (انظر: ص 286).
– أو: صوب شيخنا كذا (انظر: ص 273).
– أو: صحح شيخنا كذا (انظر: ص 52، 268).
– أو: احتج شيخنا بكذا (انظر: ص 148).
– أو: غَلَّطَهُ شيخنا (انظر: ص 158).
– أو: خالف شيخنا في كذا (انظر: ص 111، 175).
– أو: انفرد شيخنا بكذا (انظر: ص 65).
– أو: وافق شيخنا في كذا (انظر: ص 175).
وربما نقل نص كلام الشيخ باختصار (انظر: ص 49، 69 وغيرها كثير).
(1/33)
وربما ذكر عبارة تشير إلى فهمه من كلام الشيخ ما ينقله عنه فيقول:
– ظاهر كلام شيخنا كذا (انظر: ص 65، 94، 150، 161، 211، 240، وغيرها).
– أو: كلام شيخنا يعطي كذا (انظر ص 275).
– أو: معنى كلام شيخنا كذا (انظر: ص 278).
– أو: كلام شيخنا يدل على كذا (انظر: ص 278).
– أو: كلام الشيخ يدل على أنه اختياره (انظر: ص 1238).
وفي حالات نادرة ينقل نصوصًا طويلة عن الشيخ ولكنه لا يخليها من اختصار أيضا (انظر: ص 271 – 273، 507 – 510).
وربما ذكر أن الشيخ سئل عن كذا فأجاب بكذا (انظر: ص 284، 1017)، أو: قيل للشيخ كذا فقال كذا (انظر: ص 622، 921).
وفي جميع هذه النقول لا ينعت الشيخ إلا بقوله: «شيخنا».
وفي مواضع يسيرة إذا ورد ذكر الشيخ مع المجد ابن تيمية ينعته بـ «حفيده» فيقول: «اختار صاحب المحرر وحفيده» (انظر: ص 64، 102، 140، 161، 701، 1085).
وربما اقتصر على اسم كتاب للشيخ فيقول: في «شرح العمدة» (انظر: ص 58، 100)، أو: في «اقتضاء الصراط المستقيم» (انظر: ص 127).
وأيضا نجد ابن مفلح ينبه على المسألة التي يكون للشيخ فيها أكثر من قول (انظر: ص 391، 531 – 532، 742 – 743، 756، 929، 1114).
(1/34)
ويشير أيضا إلى المسألة التي يتوقف فيها الشيخ (انظر: ص 1006).
كما يشير إلى المسألة التي يتردد فيها (انظر: ص 448).
وأما في «النكت على المحرر»:
ففي الغالب ينقل كلام الشيخ بنصه، ويشير إلى انتهاء الكلام بقوله: «انتهى كلامه».
وجل نقوله عن الشيخ في هذا الكتاب هي من تعليق الشيخ على «المحرر».
وربما اقتصر على الإشارة إلى اختيار الشيخ (انظر: ص 152، 159).
وينعت الشيخ بـ «الشيخ تقي الدين».
وأما في «الآداب الشرعية»:
فطريقته فيه مشابهة لطريقته في «النكت على المحرر» فينقل كلام الشيخ كاملا, ويختمه بقوله: «انتهى كلامه».
وفي بعض المسائل ينقل عن الشيخ من أكثر من كتاب (انظر: ص 238، 252، 254، 425، 676 – 677، 863، 888 – 897).
وينعت الشيخ بقوله: (الشيخ تقي الدين).
*ورغم كثرة نقول ابن مفلح عن الشيخ إلا أنه لا يسمي الموارد التي ينقل منها أقوال الشيخ إلا نادرا ــ وهذه جادة العلماء في ذلك الزمن ــ, وأسماء الكتب التي أشار إليها هي التالية:
1 – الأجوبة المصرية الأصولية (انظر: ص 167).
(1/35)
2 – أقسام القرآن (انظر: ص 179).
3 – الاعتصام بالكتاب والسنة (انظر: ص 469، 743، 929).
4 – اقتضاء الصراط المستقيم (انظر: ص 127، 275، 1081).
5 – بطلان التحليل (انظر: ص 976).
6 – التحفة العراقية (انظر: ص 254).
7 – التعليق على المحرر (انظر: ص 134، 426).
8 – تفضيل مذهب أهل المدينة على الكوفة (انظر: ص 881).
9 – الرد على الرافضي (انظر: ص 182، 318، 635، 679، 856، 868، 882، 885، 894، 911، 914، 915، 929، 1021، 1084).
10 – شرح العمدة (انظر: ص 58، 65، 68، 74، 82، 100).
11 – الصارم المسلول (انظر: ص 198).
12 – الفتاوى (انظر: ص 261).
13 – الفتاوى المصرية (انظر: ص 287، 532).
14 – الفرقان (انظر: ص 254).
15 – قاعدة في الأحكام الشرعية التي تعينت بالنص مطلقا، والتي تعينت بحسب المصلحة (انظر: ص 118).
16 – كتاب الإيمان (انظر: ص 252).
(1/36)
17 – مسائل في العقود (انظر: ص 677).
18 – مسألة العبودية (انظر: ص 238).
19 – المظالم المشتركة (انظر: ص 271).
7 – ابن قاضي الجبل (ت: 771):
هو شرف الدين أبو العباس أحمد بن الحسن بن الخطيب المقدسي، الصالحي، الحنبلي، قاضي الجبل وابن قاضيه.
ولد سنة (693).
قال ابن ناصر الدين في «الرد الوافر» (138): «صحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وسمع منه، وتفقه به، وأخذ عنه».
وقال البرهان ابن مفلح في «المقصد الأرشد» (1/ 93): «قرأ على الشيخ تقي الدين عدة مصنفات في علوم شتى, وذكر لعمي الشيخ برهان الدين: أنه قرأ عليه «المحصل» للرازي, وأفتى في شبيبته, وأذن له في الإفتاء الشيخ تقي الدين وغيره».
وكان يقول:
نبيي أحمد وكذا إمامي … وشيخي أحمد كالبحر طامي
نقوله عن الشيخ:
لابن قاضي الجبل كتاب واحد مطبوع ــ حسب علمي ــ، وهو «المناقلة بالأوقاف» (جزء)، ولم ينقل فيه شيئا عن الشيخ.
وله كتاب آخر مهم وهو «الفائق» ينقل عنه المرداوي في «الإنصاف»
(1/37)
كثيرا، وهو من مصادره في نقل أقوال واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن هذا الكتاب لم يوقف عليه حتى الآن، يسر الله تعالى ذلك.
8 – ابن كثير (ت: 774):
هو العلامة الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، البصري، ثم الدمشقي، الشافعي.
ولد سنة (701).
وهو من مشاهير علماء المسلمين، وكتابه «التفسير» من أكثر الكتب تداولا بين المسلمين عبر القرون، وقد جمع – رحمه الله – بين العلوم فهو مفسر، ومحدث، وفقيه، ومؤرخ.
قال ابن حبيب: (وقد أخذ عن جماعة أجلهم الشيخ ابن تيمية، وقد أكثر عنه).
وقال ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» (3/ 86): (وقال غير الشيخ (1): كانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأوذي) ا. هـ.
وقد وعد بكتابة مؤلف في مناقب الشيخ, قال في «البداية والنهاية» (14/ 160): (وقد أُفردت له تراجم كثيرة، وصنف في ذلك جماعة من الفضلاء وغيرهم، وسألخص من مجموع ذلك ترجمة وجيزة، في ذكر مناقبه، وفضائله، وشجاعته، وكرمه، ونصحه، وزهادته، وعبادته، وعلومه
_________
(1) يعني: ابن حجي.
(1/38)
المتنوعة، الكثيرة، المجودة، وصفاته الكبار والصغار، التي احتوت على غالب العلوم، ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسنة، وأفتى بها.
وبالجملة كان – رحمه الله – من كبار العلماء، وممن يخطئ ويصيب، ولكن خطأه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي، وخطأه أيضا مغفور له، كما في «صحيح البخاري»: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» فهو مأجور.
وقال الامام مالك بن أنس: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر) ا. هـ.
نقوله عن الشيخ:
الحافظ ابن كثير من المتوسطين في نقل أقوال الشيخ, وإن كان من المكثرين في نقل أخباره.
فنقل عنه في «التفسير» في ثمانية مواضع (1/ 39 ط. دار الفكر (1) , 1/ 659، 712؛ 2/ 252, 362؛ 4/ 62, 395؛ 8/ 508).
وذكره في «البداية والنهاية» في (124) موضعا, جلها في ذكر أخباره وأحواله، وبقية المواضع فيها بعض الاختيارات والفوائد العلمية المتعلقة بالعقيدة والرد على المبتدعة (انظر: 2/ 179، 11/ 292، 14/ 41 – 42) , وبالحديث (انظر: 5/ 369؛ 6/ 91، 93، 94، 280، 281؛ 14/ 12)، والفقه (انظر: 14/ 30) , وأخبار الرجال والحكم عليهم (انظر: 9/ 35؛
_________
(1) هذا الموضع يوجد في بعض الطبعات دون بعض.
(1/39)
11/ 216؛ 14/ 6، 92، 217) , وأخبار الأماكن والمواضع (انظر: 9/ 172, 179).
وذكره أيضا في كتابه «اختصار علوم الحديث» (1/ 127؛ 2/ 643) , وفي كتابه «الفصول في سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم -» في موضع واحد (1/ 336).
*وقد ذكر – رحمه الله – جملة من مؤلفات شيخ الإسلام – رحمه الله -، هي:
1 – إبطال التحليل:
قال في «تفسيره» (1/ 712): (وقد صنف الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية كتابا في إبطال التحليل تضمن النهي عن تعاطي الوسائل المفضية إلى كل باطل, وقد كفى في ذلك وشفى, فرحمه الله ورضي عنه) ا. هـ.
2 – الرد على الرافضة (منهاج السنة):
قال في «البداية والنهاية» (14/ 144) تحت وفيات سنة 726: (وممن توفي فيها من الأعيان: ابن المطهر الشيعي، جمال الدين أبو منصور حسن بن يوسف بن مطهر الحلي، العراقي، الشيعي، شيخ الروافض بتلك النواحي … وله كتاب «منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة»، خبط فيه في المعقول والمنقول، ولم يدر كيف يتوجه، إذ خرج عن الاستقامة.
وقد انتدب في الرد عليه الشيخ الإمام العلامة شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية في مجلدات، أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة، وهو كتاب حافل) ا. هـ.
وذكره أيضا في موضعين آخرين (6/ 94؛ 7/ 281).
3 – الرد على فرق النصارى واليهود (الجواب الصحيح).
(1/40)
قال في «البداية والنهاية» (6/ 78): (وما أحسن ما ذكره شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية – رحمه الله – في كتابه الذي رد فيه على فرق النصارى واليهود وما أشبههم من أهل الكتاب وغيرهم، فإنه ذكر في آخره دلائل النبوة، وسلك فيها مسالك حسنة صحيحة منتجة، بكلام بليغ، يخضع له كل من تأمله وفهمه).
4 – الصارم المسلول على ساب الرسول:
قال في «البداية والنهاية» (13/ 396): (وصنف الشيخ تقي الدين بن تيمية في هذه الواقعة (1) كتابه «الصارم المسلول على ساب الرسول»).
وقال في «الفصول» (ص 336): (وقد صنف في ذلك الشيخ الإمام أبو العباس بن تيمية كتابه «الصارم المسلول على من سب الرسول – صلى الله عليه وسلم -» وهو من أحسن الكتب المؤلفة في ذلك، والله أعلم).
5 – الرد على اعتراضات السروجي على الشيخ في علم الكلام:
قال في «البداية والنهاية» (14/ 67): (وله (2) اعتراضات على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في علم الكلام أضحك فيها على نفسه, وقد رد عليه الشيخ تقي الدين في مجلدات وأبطل حجته) ا. هـ.
6 – رسالة في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52].
قال في «تفسيره» (4/ 395): ({ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} تقول:
_________
(1) يقصد واقعة عساف النصراني الذي سب الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
(2) أي: أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي.
(1/41)
إنما اعترفت بهذا على نفسي، ذلك ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر … وهذا القول هو الأشهر، والأليق والأنسب بسياق القصة، ومعاني الكلام، وقد حكاه الماوردي في «تفسيره»، وانتدب لنصره الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية – رحمه الله – فأفرده بتصنيف على حدة) ا. هـ.
7 – جزء في الطريقة الأحمدية:
قال في «البداية والنهاية» (14/ 41): (وصنف الشيخ (1) جزءا في طريقة الأحمدية وبين فيه أحوالهم ومسالكهم وتخيلاتهم, وما في طريقتهم من مقبول ومردود بالكتاب, وأظهر الله السنة على يديه وأخمد بدعتهم, ولله الحمد والمنة) ا. هـ.
8 – فصل فيما وقع في المناظرة حول العقيدة الواسطية.
قال في «البداية والنهاية» (14/ 42): (وقد رأيت فصلا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات (2)) ا. هـ.
9 – مصنف في تحريم إغارة العرب بعضهم على بعض:
قال في «البداية والنهاية» (14/ 200) في وفيات سنة: (735): (الأمير سلطان العرب حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا، أمير العرب بالشام …
وكان يحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية حبا زائدا، هو وذريته وعربه، وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام، يسمعون قوله ويمتثلونه، وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض، وعرفهم أن ذلك حرام، وله في ذلك مصنف جليل) ا. هـ.
_________
(1) أي: ابن تيمية.
(2) يشير إلى المناظرات التي وقعت حول «العقيدة الواسطية».
(1/42)
خاتمة:
بعد هذا العرض المختصر لأصحاب الكتب المطبوعة من تلاميذ الشيخ، أشير إلى بعض الأمور:
1 – أن طلاب الشيخ متفاوتون في كثرة النقل عنه, ويمكن تقسيمهم إلى ثلاث درجات:
الأولى: المكثرون، ومنهم: ابن مفلح، وبلغ مجموع المواضع التي ذكر فيها الشيخ (1903). وابن القيم، وبلغ مجموع عدد المواضع التي ذكر فيها الشيخ (702).
الثانية: المتوسطون، ومنهم: ابن عبد الهادي، والذهبي، وابن كثير.
الثالثة: المقلون، ومنهم: الطوفي، ومغلطاي.
2 – أن طلاب الشيخ كانوا من مذاهب فقهية مختلفة:
فمنهم الحنبلي، كالطوفي، وابن عبد الهادي، وابن القيم، وابن مفلح، وابن قاضي الجبل.
ومنهم الشافعي، كالذهبي، وابن كثير.
ومنهم الحنفي، كمغلطاي.
3 – أن بعض تلاميذ الشيخ كان ينقل عنه في حال حياته كالطوفي ــ الذي توفي قبل الشيخ ــ وغيره, ومنهم من كان ينقل عنه بعد وفاته وهو الغالب.
4 – أن نقول تلاميذ الشيخ عنه كانت متنوعة، فشملت جميع الفنون (التفسير، الحديث، العقيدة، الفقه، اللغة، النحو، والتاريخ والرجال، وغير ذلك).
(1/43)
5 – أن هناك موارد أخرى قد نقلت عن الشيخ ولكنها لم تصل إلينا كما يعلم ذلك من إشارات ابن عبد الهادي السابقة هنا وفي «العقود الدرية» , ومن وصف كتاب «الفائق» لابن قاضي الجبل، وغير ذلك.
وقبل الختام: ألفت النظر إلى أن المقصود الأول من هذا المجموع ــ كما سبق ــ هو تقريب اختيارات الشيخ وفوائده المنقولة في كتب تلاميذه لطلبة العلم, ولكن هناك فوائد أخرى حصلت بالتبع, منها:
1 – تصويب لتصحيفات, واستدراك لسقطات وقعت في بعض مطبوعات كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها: (انظر: ص 79، 82، 128 – 129، 585، 704، 819).
2 – تصويب أخطاء مطبعية وقعت في بعض مصادر هذا المجموع: (انظر: ص 76، 82، 251، 256، 286 – 287، 463، 468، 474، 482، 512، 519، 521، 525، 557، 579، 580, 581، 585، 586، 591، 605، 660، 690، 691، 717، 742، 900، 1094).
3 – التنبيه على بعض الإشكالات التي وقعت في بعض الكتب الناقلة لاختيارات الشيخ: (انظر: ص 93، 104، 128، 300، 301، 327، 428، 438، 506، 591).
4 – توثيق نسبة بعض الكتب لشيخ الإسلام ابن تيمية: (انظر: فهرس كتب شيخ الإسلام الواردة في المجموع).
5 – معرفة بعض المسائل التي للشيخ فيها أكثر من قول: (انظر: ح 85، 161، ح 293، 325، ح 331، 391، 470، ح 471، 476، 531 – 532، 592، ح 654، 742 – 743، 758، ح 770، 860، 929، 1114).
(1/44)
6 – معرفة المسائل التي رجع الشيخ فيها عن قوله الأول (انظر: ص 698).
7 – معرفة بعض المسائل التي توقف فيها الشيخ (انظر: ص 689، 692، 1006).
وغير ذلك من الفوائد التبعية.
وختاما: أحمد الله عز وجل وأشكره أولًا وآخرًا على ما منَّ به من إنجاز هذا العمل, وهو جهد المقل, فما كان فيه من صواب فمن الله, وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان, وأستغفر الله العظيم منه.
وأتوجه بالشكر الجزيل والدعاء الوفير لفضيلة الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبوزيد صاحب فكرة هذا المشروع، والمشرف عليه، فأسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته, وأن يجزل له الأجر والمثوبة, كما أشكر جميع الإخوة الذين ساهموا في إنجاز هذا العمل ماديا ومعنويا, وأسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء.
كما أسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم, متقبلا بقبول حسن, نافعا لسائر المسلمين, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اغفر لي ولوالدي ولمشايخي ولسائر المسلمين.
وكتب
سامي بن محمد بن جاد الله
Sami.jadallh@hotmail.com
(1/45)
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية
لدى تلاميذه
جمع وإعداد
سامي بن محمد بن جاد الله
(1/47)
كتاب الطهارة
باب المياه
1 – الطهارة بالمسكر:
– قال ابن مفلح: (ونص أحمد: لا يسوغ الاجتهاد في حل المسكر، فكيف الطهارة به؟ قاله شيخنا) [الفروع: 1/ 72 (1/ 56)].
2 – الطَّهور من الأسماء المتعدية أم اللازمة؟
– قال ابن عبد الهادي تحت الكلام عن هذه المسألة: (قال شيخنا – رضي الله عنه -: والتحقيق في هذا أن يقال: إن الطَّهور هنا ليس معدولا عن طاهر حتى يشاركه في اللزوم والتعدي بحسب اصطلاح النحاة ــ كما يقال: ضاربٌ وضروبٌ، وآكلٌ وأكولٌ، ونائمٌ ونؤومٌ ــ، ولكن من أسماء الآلات التي تفعل (1) بها.
فإنهم يقولون: طَهُورٌ ووَجُورٌ وسَعُوطٌ ولَدُودٌ وفَطُورٌ وسَحُورٌ: لما يتطهَّر به ويُوجَر به ويُلَدُّ به ويُفْطَر عليه ويُتَسحَّر به.
ويقولون: طُهُورٌ ووُجُورٌ وسُعُوطٌ ولُدُودٌ وفُطُورٌ وسُحُورٌ ــ بالضمِ ــ: للمصدر الذي هو اسمٌ لنفس الفعل.
فيفرقون بين اسم الفعل واسم ما يفعل به: بالضم والفتح، وهذا
_________
(1) في «الفروع»: (يفعل).
(1/49)
معروف مشهورٌ عند أهل العلم بالعربية وغيرهم من الفقهاء والمحدِّثين، وإذا كان كذلك فالطَّهُور: اسم لما يتطهَّر به.
وكذا قال تعالى في إحدى الآيتين: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، وفي الأخرى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11].
وأما اسم طاهر: فإنه صفةٌ محضةٌ لازمةٌ، لا يدل على ما يتطهر به أصلًا.
فصار الفرق بين الطَّاهر والطَّهور من جهة اللزوم والتَّعدية المعنويَّة الحكميَّة الفقهيَّة، لا من جهة اللزوم والتَّعدية النحوية، وبهذا التحرير يزول الإشكال ويظهر قول من فرَّق بين طاهر وطَهور من هذه الجهة، لا كمن سوَّى بينهما من أصحاب أبي حنيفة، ولا كمن فرَّق بينهما بفرق غير جارٍ على مقاييس كلام العرب من أصحاب مالكٍ والشافعيِّ وأحمد ــ رحمهم الله ــ، والله أعلم) [تنقيح التحقيق: 1/ 14 ــ 15].
– وقال ابن مفلح: (قال شيخنا: التحقيق أنه ليس معدولا عن طاهر حتى يشاركه في اللزوم والتعدي بحسب اصطلاح النحاة، كضارب وضروب، ولكنه من أسماء الآلات التي يفعل بها كوجور، وفطور، وسحور، ونحوه، ويقولون ذلك بالضم للمصدر من نفس الفعل (1)، فأما طاهر فصفة محضة لازمة لا تدل على ما يتطهر به) [الفروع: 1/ 73 (1/ 57)] (2).
_________
(1) في ط 2: (للمصدر نفس الفعل).
(2) «الاختيارات» للبعلي (5 – 7)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (14)، «شرح العمدة» (1/ 60). وانظر ما يأتي (ص 71).
(1/50)
3 – من ثمرات الخلاف في المسألة السابقة:
– قال ابن مفلح: (وفائدة المسألة: أن المائعات لا تزيل النجاسة. قاله القاضي وأصحابه، قال شيخنا: وفائدة ثانية: ولا تدفعها عن نفسها، والماء يدفع بكونه مطهرا، كما دل عليه قوله عليه السلام: «خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء». وغيره ليس بطهور، فلا يدفع) [الفروع: 1/ 73 (1/ 58)] (1).
4 – الطهارة بماء زمزم:
– قال ابن القيم: (طريقة شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية كراهة الغسل به (2) دون الوضوء، وفرّق بأن غسل الجنابة يجري مجرى إزالة النجاسة من وجه، ولهذا عم البدن كله لما صار كله جنبا، ولأن حدثها أغلظ، ولأن العباس إنما حجرها على المغتسل خاصة) [بدائع الفوائد: 4/ 48].
– وذكر ابن مفلح مسألة التطهر بماء زمزم، ثم قال: (وقيل: يكره الغسل لا الوضوء «و» واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 77 (1/ 63)] (3).
5 – تغير الماء بما لا يشق صونه عنه:
– قال ابن مفلح: (وإن غَيَّره ــ يعني: الماء الطهور ــ ما شق صونه عنه لم يكره (4) في الأصح، فإن وضع قصدا أو خالطه ما لم يشق ــ وقيل: حتى التراب ــ وغَيَّر كثيرا، وقيل: أو قليلا صفةً، وقيل: أو أكثر= فطاهر، اختاره
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (7 – 8)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 60، 61).
(2) أي: ماء زمزم.
(3) «الاختيارات» للبعلي (9)، وانظر: «الفتاوى» (12/ 600؛ 26/ 144).
(4) أقحم في ط 1 حرف (لا)، والتصويب من ط 2.
(1/51)
الأكثر «و: م، ش» لأنه ليس بماء مطلق، لأنه لو حلف لا يشرب ماء فشربه لم يحنث، ولو وكّله في شراء ماء فاشتراه لم يلزم الموكِّل.
وأجاب شيخنا وغيره: بأن تناول الاسم لمسمّاه لا فرق بين تغير أصلي وطارئ يمكن الاحتراز منه أو لا، وإنما الفرق من جهة القياس، لحاجة الاستعمال، ولهذا لو حلف لا يشرب ماء، أو وكّله في شراء ماء، أو غير ذلك لم يفرّق بين هذا وهذا.
وقال أيضا: لا يتناول ماء البحر، فكذا ما كان مثله في الصفة.
وعنه ــ أي أحمد ــ: طهور … واختاره … شيخنا) [الفروع: 1/ 77 ــ 78 (1/ 64 ــ 65)] (1).
6 – الماء القليل المستعمل في رفع الحدث:
– قال ابن مفلح: (وإن استعمل قليل في رفع حدث فطاهر … وعنه: طهور … واختاره ابن عقيل وأبو البقاء وشيخنا) [الفروع: 1/ 79 (1/ 71)] (2).
7 – ما يصيب الثوب من الماء القليل المستعمل في الطهارة:
– ذكر ابن مفلح ما يصيب الثوب من الماء القليل المستعمل في الطهارة، ثم قال: (ويستحب غسل ذلك في رواية، وفي رواية: لا، صحّحه الأزجيّ وشيخنا) [الفروع: 1/ 79 (1/ 71)] (3).
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 24 – 26).
(2) «الفتاوى» (19/ 236، 20/ 519، 21/ 48)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (رقم: 73)، «الاختيارات» للبعلي (8).
(3) «الاختيارات» للبعلي (9).
(1/52)
8 – تغير الماء وسائر المائعات بالنجاسة:
9 – وتطهير الماء النجس:
– قال ابن القيم: (الذي دلّت عليه سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وآثار أصحابه أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وإن كان يسيرا، وهذا قول أهل المدينة وجمهور السلف وأكثر أهل الحديث، وبه أفتى عطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس وعبد الرحمن بن مهدي، واختاره ابن المنذر، وبه قال أهل الظاهر، ونصُّ أحمد في إحدى روايتيه، واختاره جماعة من أصحابنا منهم ابن عقيل في مفرداته وشيخنا أبو العباس وشيخه ابن أبي عمر) [إغاثة اللهفان: 1/ 179] (1).
– وقال أيضًا نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وأما إزالة النجاسة فمن قال: إنها على خلاف القياس، فقوله من أبطل الأقوال وأفسدها، وشبهته أن الماء إذا لاقى نجاسة تنجس بها، ثم لاقى الثاني والثالث كذلك، وهلم جرا، والنجس لا يزيل نجاسة.
وهذا غلط، فإنه يقال: فلم قلتم: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسة نَجُس؟
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 30 – 35؛ 37 – 40؛ 499 – 502؛ 337 – 338)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 14)، «الاختيارات» للبرهان (رقم: 40)، «الاختيارات» للبعلي (10).
(1/53)
فإن قلتم: الحكم في بعض الصور كذلك، قيل: هذا ممنوع عند من يقول: إن الماء لا ينْجُس إلا بالتغير.
فإن قيل: فيقاس ما لم يتغير على ما تغير، قيل: هذا من أبطل القياس حسًا وشرعا، وليس جَعلُ الإزالة مخالفةً للقياس بأولى من جعل تنجيس الماء مخالفًا للقياس، بل يقال: إن القياس يقتضي أن الماء إذا لاقى نجاسة لا ينجس، كما أنه إذا لاقاها حال الإزالة لا ينجس، فهذا القياسُ أصحُّ من ذلك القياس؛ لأن النجاسة تزول بالماء حسًا وشرعًا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين بالنص والإجماع، وأما تنجيس الماء بالملاقاة فمورد نزاع، فكيف يجعل مورد النزاع حجة على مواقع الإجماع؟ ! والقياسُ يقتضي رد موارد النزاع إلى مواقع الإجماع.
وأيضًا فالذي تقتضيه العقولُ أن الماء إذا لم تغيره النجاسة لا ينجس؛ فإنه باقٍ على أصل خلقته، وهو طيب، فيدخل في قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [لأعراف: 157]، وهذا هو القياس في المائعات جميعها إذا وقع فيها نجاسة فاستحالت بحيث لم يظهر لها لون ولا طعم ولا ريح.
وقد تنازع الفقهاء: هل القياس يقتضي نجاسة الماء بملاقاة النجاسة إلا ما استثناه الدليل، أو القياس يقتضي أنه لا ينجس إذا لم يتغير؟ على قولين، الأول قول أهل العراق، والثاني قول أهل الحجاز، وفقهاء الحديث منهم من يختار هذا ومنهم من يختار هذا.
(1/54)
وقول أهل الحجاز هو الصواب الذي تدل عليه الأصول والنصوص والمعقول؛ فإن الله سبحانه أباح الطيبات وحرَّم الخبائث، والطيب والخبث يثبت للمحَلِّ باعتبار صفات قائمة به، فما دامت تلك الصفة فالحكم تابع لها، فإذا زالت وخلَفتها الصفة الأخرى زال الحكم وخلفه ضده، فهذا هو محْضُ القياس والمعقول، فهذا الماء والطعام كان طيبًا لقيام الصفة الموجبة لطيِبه، فإذا زالت تلك الصفة وخلفتها صفة الخبث عاد خبيثًا، فإذا زالت صفة الخبث عاد إلى ما كان عليه، وهذا كالعصير الطيب إذا تخمَّر صار خبيثًا فإذا عاد إلى ما كان عليه عاد طيبًا، والماء الكثير إذا تغير بالنجاسة صار خبيثًا فإذا زال التغير عاد طيبًا، والرجل المسلم إذا ارتدَّ صار خبيثًا فإذا عاد إلى الإسلام عاد طيبًا، والدليل على أنه طيب: الحس والشرع.
أمّا الحس فلأن الخبث لم يظهر له فيه أثر بوجه ما، لا في لون ولا طعم ولا رائحة، ومُحال صِدْقُ المشتقِّ بدون المشتق منه.
وأمّا الشرع فمن وجوه:
أحدها: أنه كان طيبًا قبل ملاقاته لما يتأثر به، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت رفعه، وهذا يتضمن أنواع الاستصحاب الثلاثة المتقدمة (1): استصحاب براءة الذمة من الإثم بتناوله شربًا أو طبخا أو عجنا، وملابسة استصحاب الحكم الثابت وهو الطهارة، واستصحاب حكم الإجماع في محل النزاع.
الثاني: أنه لو شرب هذا الماء الذي قطرت فيه قطرة من خمر مثل
_________
(1) انظر: «إعلام الموقعين» (1/ 339).
(1/55)
رأس الذبابة لم يُحَدّ اتفاقا، ولو شربه صبي وقد قطرت فيه قطرة من لبن لم تنشر الحرمة؛ فلا وجه للحكم بنجاسته لا من كتاب ولا من سنة ولا قياس.
والذين قالوا: إن الأصل نجاسة الماء بالملاقاة، تناقضوا أعظم تناقض، ولم يمكنهم طرد هذا الأصل: فمنهم من استثنى مقدار القلتين على خلافهم فيها، ومنهم من استثنى ما لا يمكن نزحه، ومنهم من استثنى ما إذا حُرِّكَ أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر، ومنهم من استثنى الجاري خاصة.
وفرّقوا بين ملاقاة الماء في الإزالة إذا ورد على النجاسة وملاقاتها له إذا وردت عليه بفروق:
منها: أنه وارد على النجاسة فهو فاعل وإذا وردت عليه فهو مَوْرود مُنفعل وهو أضعف.
ومنها: أنه إذا كان واردا فهو جار والجاري له قوة.
ومنها: أنه إذا كان واردا فهو في محل التطهير، ومادام في محل التطهير فله عمل وقوة.
والصواب أن مقتضى القياس أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وأنه إذا تغير في محل التطهير فهو نجس أيضا، وهو في حال تغيره لم يزلها وإنما خففها، ولا تحصل الإزالة المطلوبة إلا إذا كان غير متغير.
وهذا هو القياس في المائعات كلها: أن يسير النجاسة إذا استحالت في الماء ولم يظهر لها فيه لون ولا طعم ولا رائحة فهي من الطيبات لا من الخبائث، وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «الماء لا ينجس»، وصح عنه أنه
(1/56)
قال: «إن الماء لا يجنب»، وهما نصان صريحان في أن الماء لا ينجس بالملاقاة، ولا يسلبه طَهُوريته استعماله في إزالة الحدث، ومَن نجَّسه بالملاقاة أو سَلبَ طَهُوريته بالاستعمال فقد جعله ينجس ويجنب.
والنبي – صلى الله عليه وسلم – ثبت عنه في «صحيح البخاري» أنه سئل عن فأرة وقعت في سَمْن فقال: «ألقُوها وما حوله وكُلُوه»، ولم يفصل بين أن يكون جامدًا أو مائعًا، قليلا أو كثيرا، فالماء بطريق الأوْلى يكون هذا حكمه.
وحديث التفريق بين الجامد والمائع حديث معلول، وهو غلط من معمر من عدة وجوه، بيَّنها البخاري في «صحيحه» والترمذي في «جامعه» وغيرهما، ويكفي أن الزهري الذي روى عنه معمر حديث التفصيل قد روى عنه الناسُ كلهم خلاف ما روى عنه معمر، وسئل عن هذه المسألة فأفتى بأنها تُلقَى وما حولها ويؤكل الباقي في الجامد والمائع والقليل والكثير، واستدل بالحديث، فهذه فُتْياه، وهذا استدلاله، وهذه رواية الأئمة عنه.
فقد اتفق على ذلك النص والقياس، ولا يصلح للناس سواه، وما عداه من الأقوال فمتناقض لا يمكن صاحبه طرده كما تقدم، فظهر أن مخالفة القياس فيما خالف النص لا فيما جاء به النص) [إعلام الموقعين: 1/ 391 ــ 394] (1).
_________
(1) هذا الكلام نقله ابن القيم عن شيخ الإسلام ضمن جواب طويل له حول ما يقول فيه بعض الفقهاء إنه بخلاف القياس، وأضاف عليه بعض الإضافات التي تبين كلام شيخ الإسلام وتوضحه، وقد أشار إلى ذلك في أول النقل، فقال (1/ 383 – 384): (وسألت شيخنا ــ قدس الله روحه عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس، لما ثبت بالنص أو قول الصحابة أو بعضهم، وربما كان مجمعا عليه، كقولهم: طهارة الماء إذا وقعت فيه نجاسة على خلاف القياس، وتطهير النجاسة على خلاف القياس، والوضوء من لحم الإبل، والفطر بالحجامة، والسلم، والإجارة، والحوالة، والكتابة، والمضاربة، والمزارعة، والمساقاة، والقرض، وصحة صوم الآكل الناسي، والمضيّ في الحج الفاسد، كل ذلك على خلاف القياس، فهل هذا صواب أم لا؟ فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس، وأنا أذكر ما حصلته من جوابه بخطه ولفظه، وما فتح الله سبحانه لي بيمن إرشاده وبركة تعليمه وحسن بيانه وتفهيمه) ثم ساق الجواب.
وهذا الجواب مطبوع ضمن «مجموع الفتاوى» (20/ 504 – 584)، ويسمى: «رسالة في معنى القياس»، وقد فرقته على الأبواب حسب المسائل الفقهية الواردة فيه، ونص مسألة هذا الباب في «الفتاوى» (20/ 515 – 520) مع اختلاف بينهما في بعض المواضع.
(1/57)
10 – تغير الماء بالنجاسة في محل التطهير:
– وقال ابن مفلح: (ولا يؤثر تغيره ــ أي الماء ــ في محل التطهير، وفيه قول، واختاره شيخنا، قال: والتفريق بينهما بوصف غير مؤثر لغة وشرعا) [الفروع: 1/ 84 ــ 85 (1/ 83)] (1).
11 – نجاسة الماء النجس حكمية:
– قال ابن مفلح: (وظاهر كلامهم ــ أي: الأصحاب ــ أن نجاسة الماء النجس عينية، وذكر شيخنا في «شرح العمدة»: لا؛ لأنه يطهر غيره، فنفسه أولى، وأنه كالثوب النجس) [الفروع: 1/ 87 (1/ 86)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (10)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 518)، وما نقله ابن القيم في المسألة السابقة.
(2) «شرح العمدة» (1/ 64)، «الاختيارات» للبعلي (11).
قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (ما قاله الشيخ تقي الدين هو الصواب، وفي قول المصنف [أي: ابن مفلح]: «إنها عينية» نظر؛ لأن الأصحاب قالوا: النجاسة العينية لا يمكن تطهيرها، وهذا يمكن تطهيره، فظاهر كلامهم أنها حكمية، وهو الصواب، وهو ظاهر ما نقله المصنف عن بعض الأصحاب في كتب الخلاف) ا. هـ.
(1/58)
12 – اللبن كالزيت:
– قال ابن مفلح: (وينجس كل مائع ــ كزيت وسمن ــ بنجاسة … وعنه: حكمه كالماء «و: هـ»، وعنه: إن كان الماء أصلا له، وقال شيخنا: ولبن كزيت) [الفروع: 1/ 93] (1).
13 – اشتباه الأواني الطاهرة بغيرها:
– قال ابن القيم: (أما مسألة اشتباه الأواني، فكذلك ليست من باب الوسواس، وقد اختلف فيها الفقهاء اختلافا متباينا:
فقال أحمد: يتيمم ويتركها، وقال مرة: يريقها ويتيمم، ليكون عادما للماء الطهور بيقين …. ).
وذكر الأقوال في ذلك، إلى أن قال: (وقالت طائفة ــ منهم شيخنا ــ يتوضأ من أيها شاء بناء على أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، فتستحيل المسألة) [إغاثة اللهفان: 1/ 202] (2).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (21/ 528 – 531)، «الاختيارات» لابن عبدالهادي (رقم: 14)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (رقم: 40)، «الاختيارات» للبعلي (11)، «اختيارات شيخ الإسلام لدى مترجميه» (رقم: 14).
(2) انظر: المسألة التالية.
(1/59)
14 – اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة:
15 – والصلاة في الثوب النجس دون علم:
– قال ابن القيم: (ولو اشتبه ثوب طاهر بنجس انتقل إلى غيرهما، فإن لم يجد فقيل: يصلي في كل ثوب صلاة ليؤدي الفرض في ثوب متيقن الطهارة، وقيل: بل يجتهد في أحد الثوبين ويصلي، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: لأن اجتناب النجاسة من باب التروك، ولهذا لا تشترط له النية، ولو صلى في ثوب لا يعلم نجاسته، ثم علمها بعد الصلاة لم يعد، فإن اجتهد فقد صلى في ثوب يغلب على ظن (1) طهارته، وهذا هو الواجب عليه لا غير) [بدائع الفوائد: 3/ 258 ــ 259].
– وقال أيضا: (وأما مسألة الثياب التي اشتبه الطاهر منها بالنجس، فهذه مسألة نزاع:
فذهب مالك ــ في رواية عنه ــ وأحمد إلى أنه يصلي في ثوب بعد ثوب حتى يتيقن أنه صلى في ثوب طاهر.
وقال الجمهور ــ ومنهم أبو حنيفة والشافعي ومالك في الرواية الأخرى ــ: إنه يتحرى فيصلي في واحد منها صلاة واحدة، كما يتحرى في القبلة …
والقول بالتحري هو الراجح الظاهر، سواء كثر عدد الثياب الطاهرة أو قلّ، وهو اختيار شيخنا.
_________
(1) كذا، ولعلها: (ظنه).
(1/60)
وابن عقيل يُفصِّل، فيقول: إن كثر عدد الثياب تحرّى دفعا للمشقة، وإن قلّ عمل باليقين.
قال شيخنا: اجتناب النجاسة من باب المحظور، فإذا تحرّى وغلب على ظنه طهارة ثوب منها فصلّى فيه، لم يحكم ببطلان صلاته بالشك، فإن الأصل عدم النجاسة، وقد شك فيها في هذا الثوب، فيصلي فيه، كما لو استعار ثوبا أو اشتراه ولا يعلم حاله) [إغاثة اللهفان: 1/ 201] (1).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (11)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 77 – 79).
(1/61)
باب الآنية
16 – ضابط الحاجة التي تبيح استعمال الضبة اليسيرة من الفضة:
– ذكر ابن مفلح حكم ضبة الفضة، ثم قال: (والحاجة أن يتعلق به غرض غير الزينة في ظاهر كلام بعضهم، قال شيخنا: مرادهم أن يحتاج إلى تلك الصورة، لا إلى كونها من ذهب وفضة، فإن هذه ضرورة، وهي تبيح المفرد) [الفروع: 1/ 100 (1/ 107)] (1).
17 – الانتفاع بالنجاسات:
– قال ابن القيم ــ في شرح حديث: أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «هو حرام» ــ قال: (وفي قوله: «هو حرام» قولان:
أحدهما: أن هذه الأفعال حرام.
والثاني: أن البيع حرام، وإن كان المشتري يشتريه لذلك.
والقولان مبنيان على: أن السؤال منهم هل وقع عن البيع لهذا الانتفاع المذكور، أو وقع عن الانتفاع المذكور؟ والأول اختيار شيخنا، وهو الأظهر، لأنه لم يخبرهم أولا عن تحريم هذا الانتفاع حتى يذكروا له حاجتهم إليه، وإنما أخبرهم عن تحريم البيع) [إعلام الموقعين: 4/ 324].
– وقال ابن مفلح: (ويجوز الانتفاع بالنجاسات في رواية … وعنه:
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 81)، «الاختيارات» للبعلي (15).
(1/62)
وشحم الميتة «و: ش» أومأ إليه في رواية ابن منصور، ومال إليه شيخنا) [الفروع: 1/ 106 (1/ 117)] (1).
18 – جلد الحيوان غير المأكول:
– قال ابن مفلح: (ولا يطهر جلد غير مأكول ولو آدميا ــ قلنا ينجس بموته «م ر» قاله القاضي وغيره ــ بذبحه … فلا يجوز ذبح الحيوان لذلك «هـ» قال شيخنا: ولو في النزع) [الفروع: 1/ 107 (1/ 118)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (43).
(2) انظر: «شرح العمدة» (1/ 126)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 20)، «الاختيارات» للبعلي (42 – 43).
(1/63)
باب الاستطابة
19 – لا يكفي الانحراف عن الجهة حال قضاء الحاجة:
– ذكر ابن مفلح في حكم استقبال القبلة حال قضاء الحاجة عدة روايات، ثم قال: (ويكفي انحرافه عن الجهة. نقله أبو داود، ومعناه في «الخلاف» … وظاهر كلام صاحب «المحرر» وحفيده: لا يكفي) [الفروع: 1/ 112 (1/ 112)] (1).
20 – عشرة أشياء يفعلها الموسوسون بعد الفراغ من قضاء الحاجة:
– قال ابن القيم ــ في كلامه على الوسوسة ــ: (ومن ذلك ما يفعله كثير من الموسوسين بعد البول، وهو عشرة أشياء: السلت، والنتر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والوجور، والحشو، والعصابة، والدرجة … ).
ثم شرح هذه الأمور، ثم قال: (قال شيخنا: وذلك كله وسواس وبدعة، فراجعته في السلت والنتر فلم يره، وقال: لم يصح الحديث، قال: والبول كاللبن في الضرع إن تركته قرّ، وإن حلبته درّ. قال: ومن اعتاد ذلك ابتلي منه بما عوفي منه من لها عنه. قال: ولو كان هذا سنة لكان أولى الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه، وقد قال اليهودي لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخرأة. فقال: أجل. فأين علمنا صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك أو شيئا منه؟! بلى على المستحاضة أن تتلجّم، وعلى قياسها من به سلس البول أن يتحفظ، ويشد عليه خرقة) [إغاثة اللهفان: 1/ 165 ــ 166].
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (15) وانظر: «الفتاوى» (22/ 207 – 208).
(1/64)
– وقال ابن مفلح: (فإذا فرغ (1) مسح بيساره ذكره من أصله، وهو الدرز (2) ــ أي: من حلقة الدبر إلى رأسه ــ، ثم ينتره ثلاثا. نص على ذلك، وظاهره يستحب ذلك كله ثلاثا، وقاله الأصحاب، وذكر جماعة: ويتنحنح. زاد بعضهم: ويمشي خطوات. وعن أحمد – رضي الله عنه – نحو ذلك، وقال شيخنا: ذلك كله بدعة، ولا يجب باتفاق الأئمة. وذكر في «شرح العمدة» قولا: يكره نحنحة ومشي ولو احتاج إليه لأنه وسواس) [الفروع: 1/ 118 (1/ 136)] (3).
21 – الاستجمار في الصفحتين والحشفة:
– قال ابن مفلح: (ونص أحمد: لا يستجمر في غير المخرج. وقيل: يستجمر في الصفحتين والحشفة «و: ش» واختار شيخنا وغيره ذلك للعموم) [الفروع: 1/ 119 (1/ 137)] (4).
22 – الاستجمار بما نهي عنه:
– قال ابن مفلح: (ولا يجوز بمطعوم ولو طعام بهيمة، صرح به جماعة، منهم أبو الفرج، وروث «هـ، م» وعظم «هـ، م» … وانفرد شيخنا بإجزائه بروث وعظم، وظاهر كلامه: وبما نهي عنه، قال: لأنه لم ينه عنه لأنه
_________
(1) أي: من بوله.
(2) في ط 1: (الدبر)، والمثبت من ط 2، وقال في «المطلع» (12): (قال أبو عبد الله السامري: هو الدرز الذي تحت الأنثيين من حلقة الدبر) ا. هـ.
(3) انظر: «الفتاوى» (21/ 106 – 107)، «شرح العمدة» (1/ 151)، «الاختيارات» للبعلي (16).
(4) «الاختيارات» للبعلي (17).
(1/65)
لا يُنْقي بل لإفساده، فإذا قيل: «يزول بطعامنا مع التحريم» فهذا أولى) [الفروع: 1/ 123 (1/ 141)] (1).
23 – إلزام الصبي بالاستجمار ونحوه:
– قال ابن مفلح: (ويجب الوضوء بموجباته (2) «و»، وجعل شيخنا مثل مسألة الغسل إلزامه باستجمار ونحوه) [الفروع: 1/ 199 (1/ 257)].
24 – استعمال المحتاج إلى الطهارة لمطهرة موقوفة على طائفة معينة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ويحرم منع المحتاج إلى الطهارة ولو وُقِفَت على طائفة معينة ــ كمدرسة ورباط ــ ولو في ملكه، لأنها بموجب الشرع والعرف مبذولة للمحتاج، ولو قدر أن الواقف صرح بالمنع فإنما يسوغ مع الاستغناء، وإلا فيجب بذل المنافع المختصة للمحتاج ــ كسكنى (3) داره، والانتفاع بماعونه ــ ولا أجرة في الأصح) [الفروع: 1/ 125 (1/ 143 ــ 144)] (4).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (17)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 211 – 212، 475).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (1/ 257): (أي: إذا وجد من الصبي شيء من موجبات الوضوء وجب عليه الوضوء).
(3) في ط 1: (كسكين). …
وقال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (كذا في النسخ، ولعله: كسكين، فإن الدار لا تبذل بلا أجرة في العرف) ا. هـ.
ونقل هذا الكلام المرداوي في «تصحيح الفروع» عنه وعن ابن نصر الله، ثم قال: (وهذا محتمل، وليس ببعيد بذل السكنى لمحتاج) ا. هـ.
(4) «الاختيارات» للبعلي (17 – 18).
(1/66)
25 – استعمال أهل الذمة لمطهرة المسلمين:
– قال ابن مفلح: (قال (1): وإن كان في دخول أهل الذمة مطهرة المسلمين تضييق أو تنجيس أو إفساد ماء ونحوه وجب منعهم.
قال: وإن لم يكن ضرر ولهم ما يستغنون به عن مطهرة المسلمين فليس لهم مزاحمتهم) [الفروع: 1/ 125 (1/ 144)] (2).
_________
(1) أي: شيخ الإسلام ابن تيمية.
(2) «الاختيارات» للبعلي (18).
(1/67)
باب السواك وغيره
26 – السواك للصائم بعد الزوال:
– قال ابن مفلح: (ويكره للصائم بعد الزوال «و: ش»، وعنه: يباح، وعنه: يستحب، اختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 125 (1/ 145)] (1).
27 – الاستياك باليسرى:
– قال ابن مفلح: (ويستاك بيساره نقله حرب (2)، قال شيخنا: ما علمت إماما خالف فيه، كانتثاره) [الفروع: 1/ 128 (1/ 148)] (3).
28 – توقيت ترجيل الشعر ودهن البدن:
– قال ابن مفلح: (ويدهن غِبّا، واحتجوا بأنه عليه السلام نهى عن الترجل إلا غِبّا، ونهى أن يمتشط أحدهم كل يوم، فدل أنه يكره غير غِبٍّ، والترجل: تسريح الشعر ودهنه، وظاهر ذلك أن اللحية كالرأس، وفي «شرح العمدة»: ودهن البدن … واختار شيخنا فعل الأصلح بالبلد، كالغسل بماء حار ببلد رطب، لأن المقصود ترجيل الشعر، ولأنه فعل الصحابة – رضي الله عنهم -، وأن مثله نوع اللبس والمأكل، وأنهم لما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده، ويلبس من لباس بلده من غير أن يقصدوا قوت المدينة ولباسها.
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (18)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 266).
(2) ونقله شيخ الإسلام عن الكوسج أيضا.
(3) «الفتاوى» (21/ 108)، «الاختيارات» للبعلي (18).
(1/68)
قال: ومن هذا أن الغالب على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى أصحابه الإزار والرداء، فهل هما أفضل لكل أحد ولو مع القميص، أو الأفضل مع القميص السراويل فقط؟ هذا مما تنازع فيه العلماء، والثاني أظهر، فالاقتداء به تارة يكون في نوع الفعل وتارة في جنسه، فإنه قد يفعل الفعل لمعنى يعم ذلك النوع وغيره، لا لمعنى يخصه، فيكون المشروع هو الأمر العام.
قال: وهذا ليس مخصوصا بفعله وفعل أصحابه، بل وبكثير مما أمرهم به ونهاهم عنه) [الفروع: 1/ 128 (1/ 149 ــ 150)] (1).
29 – تحريم حلق اللحية:
– قال ابن مفلح: (ويحرم حلقها، ذكره شيخنا) [الفروع: 1/ 129 ــ 130 (1/ 151)] (2).
30 – وقت وجوب الختان:
– قال ابن مفلح: (ويجب الختان «هـ»، وعنه: على غير امرأة، وعنه: يستحب، قال شيخنا: يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة) [الفروع 1/ 133 (1/ 156)] (3).
31 – وقت الختان:
– قال ابن القيم: (قال مكحول: ختن إبراهيم ابنه إسحاق لسبعة أيام،
_________
(1) «شرح العمدة» (1/ 227)، «الفتاوى» (22/ 324 ــ 326)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (19).
(2) «الاختيارات» للبعلي (19)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 236).
(3) «شرح العمدة» (1/ 245)، «الاختيارات» للبعلي (19).
(1/69)
وختن إسماعيل لثلاث عشرة سنة؛ ذكره الخلال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فصار خِتان إسحاق سنّة في ولده، وختان إسماعيل سنّة في ولده) [زاد المعاد: 2/ 333] (1).
– وقال أيضا: (قال شيخنا ابن تيمية: ختن إبراهيم إسحاق لسبعة أيام، وختن إسماعيل عند بلوغه، فصار ختان إسحاق سنة في بنيه، وختان إسماعيل سنة في بنيه، والله أعلم) [تحفة المودود: 151].
– وقال ابن مفلح: (وفعله زمن الصغر أفضل «هـ» وقيل: التأخير، وزاد بعضهم على الأول: إلى التمييز، قال شيخنا: هذا المشهور) [الفروع: 1/ 134 (1/ 158)] (2).
_________
(1) لم أقف عليه.
(2) «شرح العمدة» (1/ 245)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (19).
(1/70)
باب الوضوء
32 – التلفظ بالنية:
– قال ابن مفلح: (ومحلها القلب «و»، ويسن نطقه بها سرّا، وقيل: لا «و: م»، قال أبو داود لأحمد: أتقول قبل التكبير شيئا؟ قال: لا. واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 139 (1/ 165)] (1).
33 – الاقتصار على مسح بعض الرأس للعذر:
– قال ابن مفلح في صفة الوضوء: (ثم يمسح رأسه وهو فرض «ع»، ويجب مسح ظاهره «ش» كله «و: م»، وعُفي ــ في «المترجم» و «المبهج» ــ عن يسير للمشقة، وعنه: يجزئ أكثره، وعنه: قدر الناصية «و: هـ، م» … وعنه: وبعضه «و: ش»، وفي «لانتصار» احتمال في التجديد، وفي «التعليق»: للعذر (2). واختاره شيخنا، وأنه يمسح معه العمامة ويكون كالجبيرة فلا توقيت) [الفروع: 1/ 148 (1/ 178 ــ 179)] (3).
34 – الاقتصار في مسح الرأس على ما فوق الأذنيين:
– قال ابن مفلح: (والبياض فوقهما (4) دون الشعر من الرأس كبقيته،
_________
(1) «الفتاوى» (22/ 231، 233، 246)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (20).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: يجزئ مسح بعض الرأس للعذر، مثل أن يحصل له ضرر بمسح الكل).
(3) «الاختيارات» للبعلي (21)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 125).
(4) أي: الأذنين.
(1/71)
بدليل الموضحة، ولم يُجوِّز شيخنا الاقتصار عليه) [الفروع: 1/ 151 (1/ 183)] (1).
35 – حكم وسخ الظفر اليسير ونحوه إذا منع وصول الماء:
– قال ابن مفلح: (وإن منع يسير وسخ ظفر ونحوه وصول الماء ففي صحة طهارته «و: هـ» (2) وجهان «و: ش»، وقيل: تصح ممن يشق تحرزه منه، وجعل شيخنا مثله كل يسير منع حيث كان، كدم، وعجين، واختار العفو) [الفروع 1/ 154 (1/ 187)] (3).
36 – إطالة الغرة (غسل ما زاد على المرفقين والكعبين في الوضوء):
– قال ابن القيم: (هذه المسألة تُلَقَّب بمسألة إطالة الغُرّة، وإن كانت الغرة في الوجه خاصة.
وقد اختلف الفقهاء في ذلك، وفيها روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: يستحب إطالتها، وبها قال أبو حنيفة والشافعي، واختارها
_________
(1) لم أقف عليه في كتب الشيخ ولا في كتب «الاختيارات»، ولكن أشار شيخ الإسلام في «شرح العمدة» (1/ 190) إلى أن البياض الذي فوق الأذن هو من رأس، ثم قال: (لأن الموضحة يثبت حكمها فيه، وهي لا تكون إلا في رأس أو وجه، وليس من الوجه فتكون من الرأس) ا. هـ.
وهذه المسألة فيها بعض الإشكال وهي بحاجة إلى مزيد تحرير، وقال المرداوي في «الإنصاف» (1/ 351): (وقال الشيخ تقي الدين: يجوز الاقتصار على البياض الذي فوق الأذنين دون الشعر، إذا قلنا يجزي مسح بعض الرأس) ا. هـ.
(2) الرمز غير موجود في ط 1، وهو مثبت من ط 2.
(3) «الاختيارات» للبعلي (22).
(1/72)
أبو البركات ابن تيمية وغيره.
والثانية: لا يستحب، وهي مذهب مالك، وهي اختيار شيخنا أبي العباس) [إغاثة اللهفان: 1/ 278] (1).
– وقال أيضا: (وأما قوله: «فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل» هذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة، لا من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم -، بيّن ذلك غير واحد من الحفاظ … وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإن الغرة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالتها غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس، فلا يسمى ذلك غرّة) [حادي الأرواح: 263] (2).
37 – الاقتصار على بعض الأعضاء في الوضوء المستحب:
– قال ابن مفلح: (واختار في «الانتصار»: لا ترتيب في نفل وضوء، وأنه يصح بالمستعمل مع كونه طاهرا، ومعناه في «الخلاف» في المسألة الأولى، وتوضأ علي فمسح وجهه ويديه ورأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث، وأن النبي – صلى الله عليه وسلم – صنع مثله. قال شيخنا: إذا كان مستحبا له أن يقتصر على البعض، كوضوء ابن عمر لنومه جنبا إلا رجليه، وفي «الصحيحين» أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قام من الليل فأتى حاجته ــ يعني الحدث ــ، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام) [الفروع: 1/ 154 (1/ 187 ــ 188)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (22).
(2) انظر: «الفتاوى» (1/ 279 – 280).
(3) «الاختيارات» للبعلي (22).
(1/73)
38 – تجديد الوضوء:
– قال ابن مفلح: (ويسن تجديد الوضوء لكل صلاة للأخبار، وعنه: لا، كما لو لم يُصَلّ بينهما، ويتوجه احتمال (1)، كما لو لم يفعل بينهما ما يستحب له الوضوء، وكتيمم وكغسل، خلافا لـ «شرح العمدة» فيه (2)) [الفروع: 1/ 155 (1/ 189 ــ 190)] (3).
39 – غسل الميت في المسجد:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولا يغسل فيه ميت) [الفروع: 1/ 157 (1/ 191)] (4).
40 – اتخاذ مكان للوضوء في المسجد:
– قال ابن مفلح: (قال (5): ويجوز عمل مكان فيه للوضوء للمصلحة بلا محظور) [الفروع: 1/ 157 (1/ 191)] (6).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (أي: احتمال بأن عدم سنية التجديد لا يختص بما إذا لم يصل بينهما، بل به، وبما إذا لم يفعل بينهما ما يستحب له الوضوء، كالقراءة ونحوها، فإذا لم يفعل بينهما شيئا من ذلك لم يسن بلا خلاف، وإن فعل غير الصلاة كالقراءة جاء الاحتمال المذكور فيسن التجديد عليه لا على الأول … الخ) ا. هـ المقصود.
(2) أي: في الغسل.
(3) «شرح العمدة ــ كتاب الطهارة» (1/ 393)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 376) و «الإنصاف» (1/ 314).
(4) «الفتاوى» (22/ 204).
(5) أي: ابن تيمية.
(6) انظر: «الاختيارات» للبعلي (20).
(1/74)
41 – موجِب الوضوء:
– قال ابن مفلح: (يجب الوضوء بالحدث، ذكره ابن عقيل وغيره؛ وفي «الانتصار» بإرادة الصلاة بعده، قال ابن الجوزي: لا تجب الطهارة عن حدث ونجس قبل إرادة الصلاة، بل تستحب. ويتوجه قياس المذهب: بدخول الوقت، لوجوب الصلاة إذن، ووجوب الشرط بوجوب المشروط، ويتوجه مثله في غسل، قال شيخنا: وهو لفظي) [الفروع: 1/ 157 (1/ 192)] (1).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (20).
(1/75)
باب مسح الحائل
42 – التفضيل بين المسح والغسل:
– قال ابن القيم: (ولم يكن يتكلف ضِدَّ حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف: مسح عليهما، ولم ينزعهما؛ وإن كانتا مكشوفتين: غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في مسألة: الأفضل من المسح والغسل، قاله شيخنا، والله أعلم) [زاد المعاد: 1/ 199] (1).
43 – المسح على القدم ونعلها التي يشق نزعها:
44 – والمسح على الخف المخرق:
45 – والمسح على الملبوس دون الكعب:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا مسح القدم ونعلها التي يشق نزعها إلا بيد أو رجل كما جاءت به الآثار، قال: والاكتفاء ههنا بأكثر القدم نفسها أو الظاهر منها غسلا أو مسحا أولى من مسح بعض الخف، ولهذا لا يتوقت، وكمسح عمامة. وأنه يمسح خفا مخرقا إلا أن يتخرق أكثره فكالنعل، وكذا ملبوس دون كعب (2)) [الفروع: 1/ 160 (1/ 196)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (24)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 94).
(2) في «الإنصاف» (1/ 412) و «مختصره» (48): (النعل) بدل (الكعب)، ونص كلامه: (وقال ــ أي: ابن تيمية ــ: يجوز المسح على الخف المخرق إلا المخرق أكثره فكالنعل، ويجوز المسح أيضا على ملبوس دون النعل. انتهى) ا. هـ.
وقد راجعت نسخة خطية لـ «الفروع» (ص: 11) فوجدتها موافقة للمطبوع.
(3) المسألة الثالثة لم أقف عليها في شيء من كتب الشيخ، وأما المسألة الثانية ففي «الفتاوى» (21/ 172 – 176، 212 – 213)، وأما المسألة الأولى فانظر: «الفتاوى» (21/ 128).
وأما في كتب الاختيارات فالمسألة الثانية عند ابن عبد الهادي (رقم: 41)، وعند البرهان (رقم: 62)، وعند البعلي مع المسألة الأولى (24).
(تنبيه) قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ كما في «الفتاوى» (21/ 192) ــ: ( … فإن … الخف المقطوع لا يدخل في مسمى … الخف عند الإطلاق … فإنما أمر بالقطع أولا ــ يعني قطع الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين ــ لأن رخصة البدل لم تكن شرعت، فأمرهم بالقطع حينئذ؛ لأن المقطوع يصير كالنعلين، فإنه ليس بخف، ولهذا لا يجوز المسح عليه باتفاق المسلمين، فلم يدخل في إذنه في المسح على الخفين، ودل هذا على أن كل ما يلبس تحت الكعبين من مداس وجمجم وغيرهما كالخف المقطوع تحت الكعبين … الخ) ا. هـ المقصود.
وقال الشيخ ابن قاسم في «حاشيته على الروض» (1/ 220): (وأما الخفان المقطوعان والنعلان وكلما يلبس تحت الكعبين من مداس وجمجم وغيرها فلا يجوز المسح عليه، قال شيخ الإسلام: باتفاق المسلمين) ا. هـ ولم ينقل عن الشيخ غير هذا.
(1/76)
46 – المسح على العمامة الصماء:
– قال ابن مفلح: (وفي ذات ذؤابة وجهان، وذكرهما ابن شهاب وجماعة في صمَّاء، وقالوا: لم يفرّق أحمد، وفي «مفردات ابن عقيل»: هو مذهبه، والظاهر ــ إن لم يكن يقينا ــ قد اطّلعوا على كراهة أحمد للبسها، وإنما رأوا أن الكراهة لا تمنع الرخصة … واختار شيخنا وغيره المسح وقال: هي كالقلانس.
(1/77)
وكره أحمد لبس غير (1) المحنكة، ونقل الحسن بن ثواب: كراهية شديدة، ولم يصرح الأصحاب بإباحة لبسها، بل ذكر بعضهم كراهة أحمد، وقال بعضهم: لا تباح مع النهي، فلا يتعلق بها رخصة، وعلله بعضهم بعدم المشقة، كالكلة، وبأنها تشبه عمائم أهل الذمة، وقد نهي عن التشبه بهم … وقال شيخنا: المحكي عن أحمد الكراهة، والأقرب أنها كراهة لا ترتقي إلى التحريم، ومثل هذا لا يمنع الترخص، كسفر النزهة. كذا قال.
ولعل ظاهر من جوّز المسح إباحة لبسها، وهو متجه، لأنه فعل أبناء المهاجرين والأنصار، وتحمل كراهة السلف على الحاجة إلى ذلك (2)، لجهاد أو غيره، واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 163 (1/ 202)] (3).
47 – عدم اشتراط كمال الطهارة لجواز المسح:
– قال ابن مفلح: (يشترط للمسح اللبس على طهارة، ويعتبر كمالها، وعنه: لا، اختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 165 (1/ 205)] (4).
_________
(1) كلمة (غير) استدركت من ط 2 ومخطوطة «الفروع» (ص: 11).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: إنما كرهوا الصماء لأجل الحاجة إلى التحنيك، كالجهاد، فإنه يحتاج فيه إلى التحنيك؛ لأن العمامة تكون به أشد ثبوتا) ا. هـ.
(3) «الاختيارات» للبعلي (25 – 26)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 267 – 271)، «الفتاوى» (22/ 186 – 188).
(4) «الفتاوى» (21/ 210 – 211)، «الاختيارات» للبرهان ابن القيم (رقم: 82)، «الاختيارات» للبعلي (26).
(1/78)
48 – اشتراط لبس العمامة على طهارة للمسح عليها:
– قال ابن مفلح: (وإن لبسها (1) محدثا، ثم توضأ ومسح رأسه ورفعها رفعا فاحشا فكذلك، قال شيخنا: كما لو لبس الخف محدثا، فلو غسل رجله رفعها إلى الساق، ثم أعادها (2)، وإن لم يرفعها فاحشا احتمل أنه كما لو غسل رجله في الخف، لأن الرفع اليسير لا يخرجه عن حكم اللبس، ولهذا لا تبطل الطهارة به، ويحتمل أنه كابتداء اللبس، لأنه إنما عفي عنه هناك للمشقة.
قال: ويتوجه أن العمامة لا يشترط فيها ابتداء اللبس على طهارة، ويكفي فيها الطهارة المستدامة، لأن العادة أن من توضأ رفع العمامة ومسح رأسه، ثم أعادها، فلا يبقى مكشوف الرأس إلى آخر الوضوء، ولا أنه يخلعها بعد وضوئه ثم يلبسها بخلاف الخف) [الفروع: 1/ 165 ــ 166 (1/ 206 ــ 207)] (3).
49 – مدة المسح في حال الضرورة:
– قال ابن مفلح: (ويمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر سفر القصر ثلاثة أيام ولياليهن ثم يخلع «م»: لا توقيت، فإن خاف فوات رفقة أو تضرر
_________
(1) أي: العمامة.
(2) كذا في ط 1 وط 2، وفي «شرح العمدة»: (كما لو لبس الخف محدثا، فلما غسل رجليه رفعه إلى الساق ثم أعاده)، وفي «الإنصاف»: (كما لو لبس الخف محدثا فلما غسل رجليه رفعها إلى الساق ثم أعادها).
(3) «شرح العمدة» (1/ 280)، ووقع في مطبوعة «شرح العمدة» سقط وتحريف يستدرك من هنا.
(1/79)
رفيقه بانتظاره (1) تيمم، فلو مسح وصلى أعاد، نص عليه، وقيل: يمسح كالجبيرة، واختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 167 (1/ 209)] (2).
50 – لا تبطل الطهارة بنزع الحائل:
– قال ابن مفلح: (وإن زالت الجبيرة فكالخف «و: م، ش»، وقيل: طهارته باقية قبل البرء «و: هـ»، اختاره شيخنا مطلقا (3)، كإزالة الشعر) [الفروع: 1/ 173 (1/ 218)] (4).
_________
(1) في ط 2 والنسخة الخطية (ص: 11): (فإن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره ونحوه).
(2) «الفتاوى» (21/ 177 – 178، 215 – 217)، وانظر: «الاختيارات» للبرهان (32)، و «الاختيارات» للبعلي (26).
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: في الخف والعمامة والجبيرة، فإن اختيار أبي العباس إذا نزع الجبيرة أو العمامة أو الخف فطهارته باقية، ولا يلزمه غسل شيء بالكلية) ا. هـ.
كون هذا اختيار الشيخ صحيح، ولكن الذي يبدو ــ والله أعلم ــ أن المراد بقوله: (مطلقا) هنا أي: قبل البرء وبعده بدليل تعليله ذلك بقوله: «كإزالة الشعر» فهذا خاص بالجبيرة دون العمامة والخف، وهذا الذي يفهم من كلام المرداوي فإنه قال في «الإنصاف» (1/ 432): (لو زالت الجبيرة فهي كالخف مطلقا، على ما تقدم خلافا ومذهبا، وقيل: طهارته باقية قبل البرء، واختار الشيخ تقي الدين بقاءها قبل البرء وبعده، كإزالة الشعر) ا. هـ.
(4) «الفتاوى» (21/ 179 – 181، 218)، وانظر: «الاختيارات» للبرهان (51)، وللبعلي (27).
(1/80)
باب نواقض الطهارة الصغرى (1)
51 – خروج النجاسة ــ غير البول والغائط ــ من غير السبيلين لا ينقض الوضوء:
– قال ابن مفلح: (الثاني: خروج بول أوغائط من بقية البدن «ش» وخروج نجاسة فاحشة في نفوس أوساط الناس، في رواية اختارها القاضي وجماعة كثيرة، وجزم به في التلخيص وغيره، ونقل الجماعة وذكره الشيخ المذهب: كل أحد بحسبه. وعنه: ينقض اليسير «و: هـ»، وقال شيخنا: لا ينقض مطلقا «و: م، ش») [الفروع: 1/ 171 (1/ 221 ــ 222)] (2).
52 – النوم الذي ينقض الوضوء:
– قال ابن مفلح: (وعن أحمد: لا ينقض نوم مطلقا، واختاره شيخنا إن ظن بقاء طهره) [الفروع: 1/ 179 (1/ 225 ــ 226)] (3).
53 – الوضوء من مس الفرج:
54 – والوضوء من مس المرأة:
– قال ابن مفلح: (الخامس (4): لمسه أنثى لشهوة «و: م» نص عليه،
_________
(1) ذكر ابن مفلح في خاتمة هذا الباب استطرادا بعض المسائل المتعلقة بأحكام المصحف.
(2) «الفتاوى» (20/ 526؛ 21/ 222، 242؛ 25/ 238؛ 35/ 358)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (35)، وللبرهان (60)، وللبعلي (28).
(3) «الفتاوى» (21/ 230، 394)، «الاختيارات» للبعلي (28).
(4) أي من نواقض الوضوء.
(1/81)
وعنه: مطلقا «و: ش»، وعنه: عكسه، اختاره الآجري وشيخنا، ولو باشر مباشرة فاحشة «هـ» وقيل: إن انتشر نقض، وإذا لم ينقض مس فرج [و] (1) أنثى (2) استحب الوضوء، نص عليه، وعند شيخنا لشهوة) [الفروع 1/ 181 (1/ 230)] (3).
– وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين في «شرح العمدة»: إذا قلنا بالنقض (4) اعتبرنا الشهوة في المشهور، كما نعتبرها في اللامس، حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس، ولا ينتقض إذا لم توجد فيه، وإن وجدت في اللامس، انتهى كلامه) [النكت على المحرر: 1/ 14] (5).
وانظر ما يأتي في المسألة التالية (ص: 84).
_________
(1) استدرك من النسخة الخطية.
(2) في ط 1: (وإذا لم ينقض مس فرج أثنى)، وفي ط 2: (وإذا لم ينتقض مس فرج أنثى)، وجاء في حاشية ط 2 أنه وقع في نسخة: (انتقض بمس فرج وأنثى)، ولعل الصواب: (وإذا لم ينقض مس فرج وأنثى) كما وقع في «المبدع» للبرهان ابن مفلح (1/ 166) غير مصرح بنقله عن صاحب «الفروع»، والله أعلم.
ثم وجدته في النسخة الخطية من «الفروع» (ص: 13) كما جاء في «المبدع»، والحمد لله.
(3) مسألة مس الأنثى في: «الفتاوى» (20/ 222، 526؛ 21/ 222؛ 25/ 238؛ 35/ 357 – 358)، وانظر: (20/ 369؛ 21/ 236).
ومسألة مس الفرج في: (20/ 526؛ 21/ 222، 35/ 358).
وانظر: «الاختيارات» لابن عبد الهادي (37، 38)، وللبرهان (80، 81)، وللبعلي (28).
(4) أي: أن وضوء اللامس ينتقض، والكلام هنا عن الملموس هل ينتقض وضوءه أم لا؟
(5) «شرح العمدة» (1/ 319).
(1/82)
55 – الوضوء من أكل لحم الجزور، وأكل ما مسته النار:
– قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ (وأما قولهم: إن الوضوء من لحوم الإبل على خلاف القياس، لأنها لحم، واللحم لا يتوضأ منه، فجوابه أن الشارع فرق بين اللحمين، كما فرق بين المكانين، وكما فرق بين الراعيين: رعاة الإبل ورعاة الغنم، فأمر بالصلاة في مرابض الغنم دون أعطان الإبل، وأمر بالتوضؤ من لحوم الإبل دون الغنم، كما فرق بين الربا والبيع، والمذكى والميتة، فالقياس الذي يتضمن التسوية بين ما فرق الله بينه من أبطل القياس وأفسده، ونحن لا ننكر أن في الشريعة ما يخالف القياس الباطل.
هذا مع أن الفرق بينهما ثابت في نفس الأمر، كما فرق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال: «الفخرُ والخيلاء في الفدَّادين أصحاب الإبل، والسكينة في أصحاب الغنم»، وقد جاء أن على ذروة كل بعير شيطان، وجاء أنها جنٌّ خلقت من جن، ففيها قوة شيطانية، والغاذي شبيه بالمغتذي، ولهذا حرم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، لأنها دواب عادية، فالاغتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي من العُدْوان ما يضره في دينه، فإذا اغتذى من لحوم الإبل وفيها تلك القوة الشيطانية والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء ــ هكذا جاء الحديث، ونظيره الحديث الآخر: «إن الغضب من الشيطان؛ فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» ــ فإذا توضأ العبد من لحوم الإبل كان في وضوئه ما يطفئ تلك القوة الشيطانية فتزول تلك المفسدة.
(1/83)
ولهذا أُمرْنا بالوضوء مما مسَّت النار إما إيجابًا منسوخًا، وإما استحبابًا غير منسوخ، وهذا الثاني أظهر لوجوه: منها: أن النسخ لا يُصار إليه إلا عند تعذر الجمع بين الحديثين، ومنها: أن رُواة أحاديث الوضوء بعضهم متأخر الإسلام كأبي هريرة، ومنها: أن المعنى الذي أمرنا بالوضوء لأجله منها هو اكتسابها من القوة النارية وهي مادة الشيطان التي خلق منها، والنار تطفأ بالماء، وهذا المعنى موجود فيها، وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب، ومنها: أن أكثر ما مع من ادعى النسخ أنه ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة أنه – صلى الله عليه وسلم – أكل مما مسَّت النار ولم يتوضأ، وهذا إنما يدل على عدم وجوب الوضوء، لا على عدم استحبابه، فلا تنافي بين أمره وفعله، وبالجملة فالنسخ إنما يصار إليه عند التنافي، وتحقق التاريخ، وكلاهما منتفٍ.
وقد يكون الوضوء من مس الذكر ومس النساء من هذا الباب، لما في ذلك من تحريك الشهوة، فالأمر بالضوء منهما على وفق القياس.
ولما كانت القوة الشيطانية في لحوم الإبل لازمة كان الأمر بالوضوء منها لا مُعارض له من فعل ولا قول، ولما كان في ممسوس النار عارضةً صح فيها الأمر والترك، ويدل على هذا أنه فرّق بينها وبين لحوم الغنم في الوضوء، وفرّق بينها وبين الغنم في مواضع الصلاة؛ فنهى عن الصلاة في أعطان الإبل وأذن في الصلاة في مرابض الغنم، وهذا يدل على أنه ليس ذلك لأجل الطهارة والنجاسة، كما أنه لما أمر بالوضوء من لحوم الإبل دون لحوم الغنم علم أنه ليس ذلك لكونها مما مسَّتْه النار، ولما كانت أعطانُ الإبل مأوى الشيطان لم تكن مواضع للصلاة كالحُشوش، بخلاف مباركها
(1/84)
في السفر؛ فإن الصلاة فيها جائزة؛ لأن الشيطان هناك عارض، وطردُ هذا المنعُ من الصلاة في الحمّام لأنه بيت الشيطان، وفي الوضوء من اللحوم الخبيثة كلحوم السباع إذا أبيحت للضرورة روايتان، والوضوء منها أبلغ من الوضوء من لحوم الإبل؛ فإذا عقل المعنى لم يكن بُدٌّ من تعديته، ما لم يمنع منه مانع، والله أعلم) [إعلام الموقعين: 1/ 396] (1).
56 – إعادة الصلاة لمن لم يتوضأ من أكل لحم الجزور ونحوها من المسائل:
– قال ابن مفلح: (السادس (2): أكل لحم الجزور على الأصح، وعنه: إن علم النهي، اختاره الخلال وغيره، قال: وعليه استقر قوله، لخفاء الدليل، وعنه: لا يعيد مع الكثرة، وعنه: متأوّل، وقيل: فيه مطلقا روايتان، ويتوجه مثله فيما اختلف فيه الأثر، بخلاف ترك الطمأنينة، وتوقيت مسح، نص عليه، ومعناه كلام شيخنا، وذكر جماعة: لا يعيد متأوّل مطلقا، وذكره شيخنا وجها في: الماء من الماء، وأن نص أحمد خلافه، قال أحمد: لا أعنف من قال
_________
(1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص: 57 – 58)، وهذا النص في «الفتاوى» (20/ 522 – 525) مع بعض الاختلاف.
(فائدة) قال ابن عبد الهادي في «الاختيارات» (39): (وأمَّا لحم الإبل فذهب إلى أنَّه يستحب منه الوضوء أيضًا، ومال في موضعٍ إلى وجوب الوضوء منه، ومرَّةً توقَّف في الوجوب).
وقال البعلي في «الاختيارات» (28): (ويستحب الوضوء من أكل لحم الإبل … وفي المسائل: يجب الوضوء من لحم الإبل، لحديثين صحيحين. لعله آخر ما أفتى به) ا. هـ.
(2) أي: من النواقض.
(1/85)
شيئا له وجه وإن خالفناه) [الفروع: 1/ 183 (1/ 233)] (1).
57 – الوضوء من أكل اللحم الخبيث المباح للضرورة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الخبيث المباح للضرورة، كلحم السباع أبلغ من لحم الإبل، فالوضوء منه أولى. قال: والخلاف فيه بناء على أن لحم الإبل تعبدي، أو عقل معناه) [الفروع 1/ 184 (1/ 236)] (2).
58 – الطهارة للطواف:
– قال ابن القيم: (وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين:
أحدهما: أنها شرط، كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد.
والثاني: ليست بشرط، نص عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره، بل نصه في رواية عبد الله يدل على أنها ليست بواجبة، فإنه قال: أحب إلي أن يتوضأ، وهذا مذهب أبي حنيفة.
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: وهذا قول أكثر السلف. قال: وهو الصحيح، فإنه لم ينقل أحد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر المسلمين بالطهارة، لا في عمره ولا حجته، مع كثرة من حج معه واعتمر، ويمتنع أن يكون ذلك واجبا
_________
(1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 334 – 335)، «الفتاوى» (21/ 10، 161؛ 22/ 100 – 101).
(2) «الفتاوى» (20/ 525)، «الاختيارات» للبعلي (28)، وسبق نص كلامه ضمن النقل عن ابن القيم (ص: 84 – 85).
(1/86)
ولا يبينه للأمة، وتأخير البيان عن وقته ممتنع) [تهذيب السنن: 1/ 66] (1).
– وقال أيضًا: (وقد نص أحمد ــ في إحدى الروايتين عنه ــ على أن الرجل إذا طاف جنبًا ناسيا صح طوافه ولا دم عليه، وعنه رواية أخرى: عليه دم، وثالثة: أنه لا يجزيه الطواف.
وقد ظن بعض أصحابه أن هذا الخلاف عنه إنما هو في المحدِثِ والجُنب، فأما الحائض فلا يصح طوافها قولا واحدا.
قال شيخنا: وليس كذلك، بل صرَّح غير واحد من أصحابنا بأن الخلاف عنه في الحيض والجنابة، قال: وكلام أحمد يدل على ذلك، ويبين أنه كان متوقفا في طواف الحائض وفي طواف الجنب.
قال عبد الملك الميموني في «مسائله»: قلت لأحمد: من طاف طواف الواجب على غير وضوء وهو ناس ثم واقع أهله، قال: أخبرك مسألة فيها وهم مختلفون، وذكر قول عطاء والحسن، قلت: ما تقول أنت؟ قال: دعها، أو كلمة تشبهها (2).
وقال الميموني في «مسائله» أيضًا: قلت له: من سعى وطاف على غير طهارة ثم واقع أهله، فقال لي: مسألة (3) الناس فيها مختلفون، وذكر قول ابن عمر، وما يقول عطاء مما يسهل فيها (4)، وما يقول الحسن، وأن عائشة
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 273؛ 26/ 199، 205، 212).
(2) هذا النص المنقول عن الميموني غير موجود في مطبوعة «الفتاوى».
(3) في «الفتاوى»: (هذه مسألة).
(4) قال ابن القيم بعد نهاية هذا النص: (وأشار أحمد إلى تسهيل عطاء إلى فتواه أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف فإنها تتم طوافها، وهذا تصريح منه أن الطهارة ليست شرطا في صحة الطواف) ا. هـ.
(1/87)
قال لها النبي – صلى الله عليه وسلم – حين حاضت: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت»، ثم قال لي: إلا أن هذا أمر بليت به نزل عليها ليس من قبلها، قلت: فمن الناس من يقول عليها (1) الحج من قابل؟ فقال لي: نعم كذا أكبر علمي، وقلت: ومنهم من يذهب إلى أن عليها دما؟ فذكر تسهيل عطاء فيها خاصة ــ قال لي أبو عبد الله أولا وآخرا: هي مسألة مشتبهة فيها موضع نظر، فدعني حتى أنظر فيها. قال ذلك غير مرة ــ، ومن الناس من يقول: وإن رجع إلى بلده يرجع حتى يطوف، قلت: والنسيان؟ قال: والنسيان أهون حكما بكثير، يريد أهون ممن يطوف على غير طهارة متعمدا. هذا لفظ الميموني) [إعلام الموقعين: 3/ 36 ــ 37] (2).
وانظر: ما يأتي برقم (106).
59 – الوضوء لمس المصحف:
– قال ابن القيم ــ في الكلام على قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]ــ: (وسمعت شيخ الإسلام يقرر الاستدلال بالآية على أن المصحف لا يمسه المحدث بوجه آخر، فقال: هذا من باب التنبيه والإشارة، إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر) [التبيان: 290 ــ 291].
_________
(1) في «الفتاوى» (عليه) وكذا ما بعدها.
(2) «الفتاوى» (26/ 207)، وقد نقل شيخ الإسلام كلام الميموني بواسطة: «الشافي» لأبي بكر عبد العزيز، وأما ابن القيم فيبدو أنه نقله من نفس «مسائل الميموني»، والله أعلم.
(1/88)
– وقال أيضا: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ يقول: الصحيح منها (1) ما يدل عليه اللفظ بإشارته من باب قياس الأولى.
قلت: مثاله، قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79].
قال: والصحيح في الآية، أن المراد به: الصحف التي بأيدي الملائكة، لوجوه عديدة (2):
منها: أنه وصفه بأنه مكنون، والمكنون: المستور عن العيون، وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.
ومنها: أنه قال: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] وهم الملائكة، ولو أراد المتوضئين لقال: لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فالملائكة: مطهرون، والمؤمنون: متطهرون.
ومنها: أن هذا إخبار، ولو كان نهيًا لقال: لا يمسسه، بالجزم؛ والأصل في الخبر: أن يكون خبرًا، صورة ومعنى.
ومنها: أن هذا رد على من قال: إن الشيطان جاء بهذا القرآن، فأخبر تعالى: أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه، كما قال
_________
(1) أي: الإشارات.
(2) لست بمتحقق هل هذه الوجوه من كلام ابن تيمية، أم أنها كلام مستأنف لابن القيم؟ فإنه قد ذكر نحو هذه الأوجه مع البسط والبيان في كتابه «التبيان» (287 – 290) ولم ينسبها إلى ابن تيمية، والله أعلم.
(1/89)
تعالى في آية الشعراء: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 210 ـ 211] وإنما تناله الأرواح المطهرة، وهم الملائكة.
ومنها: أن هذا نظير الآية التي في سورة عبس: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 12 ـ 16] قال مالك في «موطئه»: أحسن ما سمعت في تفسير قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]: أنها مثل هذه الآية التي في سورة عبس.
ومنها: أن الآية مكية، من سورة مكية تتضمن: تقرير التوحيد، والنبوة، والمعاد، وإثبات الصانع، والرد على الكفار، وهذا المعنى أليق بالمقصود من فرع عملي، وهو: حكم مس المحدث المصحف.
ومنها: أنه لو أريد به: الكتاب الذي بأيدي الناس، لم يكن في الإقسام على ذلك بهذا القسم العظيم كثير فائدة، إذ من المعلوم أن كل كلام: فهو قابل لأن يكون في كتاب، حقًا أو باطلًا، بخلاف ما إذا وقع القسم على أنه في كتاب مصون مستور عن العيون عند الله، لا يصل إليه شيطان، ولا ينال منه، ولا يمسه إلا الأرواح الطاهرة الزكية، فهذا المعنى: أليق وأجل وأخلق بالآية وأولى بلا شك.
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: لكن تدل الآية بإشارتها على أنه: لا يمس المصحف إلا طاهر، لأنه إذا كانت تلك الصحف لا يمسها إلا المطهرون لكرامتها على الله: فهذه الصحف أولى أن لا يمسها إلا طاهر) [مدارج السالكين: 2/ 433 ـ 435] (1).
_________
(1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 383).
(1/90)
60 – استفتاح الفأل في المصحف:
61 – وتحريم كتابته حيث يهان:
– قال ابن مفلح: (واستفتاح الفأل فيه (1)، فعله ابن بطة، ولم يره غيره، وذكره شيخنا، واختاره.
ويحرم كتبه حيث يهان ببول حيوان، أو جلوس، ونحوه، وذكره شيخنا إجماعا، فتجب إزالته) [الفروع 1/ 193 (1/ 247)] (2).
62 – القيام للمصحف:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض فهو أحق) [الفروع 1/ 196 (1/ 251)] (3).
_________
(1) أي: المصحف.
(2) «الاختيارات» للبعلي (29)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 66).
(3) «الفتاوى» (23/ 65 – 66)، «الاختيارات» للبعلي (29).
ونص كلامه ــ كما في «الفتاوى» ــ: (القيام للمصحف … لا نعلم فيه شيئا مأثورا عن السلف … ولكن السلف وإن لم يكن من عادتهم القيام له فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض، اللهم إلا لمثل القادم من مغيبه ونحو ذلك … والأفضل للناس أن يتبعوا طريق السلف في كل شيء، فلا يقومون إلا حيث كانوا يقومون، فأما إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض، فقد يقال: لو تركوا القيام للمصحف مع هذه العادة لم يكونوا محسنين في ذلك ولا محمودين، بل هم إلى الذم أقرب، حيث يقوم بعضهم لبعض ولا يقومون للمصحف الذي هو أحق بالقيام، حيث يجب من احترامه وتعظيمه ما لا يجب لغيره، حتى ينهى أن يمس القرآن إلا طاهر، والناس يمس بعضهم بعضا مع الحدث، لاسيَّما وفي ذلك من تعظيم حرمات الله وشعائره ما ليس في غير ذلك، وقد ذكر من ذكر من الفقهاء الكبار قيام الناس للمصحف ذكر مقرر له غير منكر له) ا. هـ.
(1/91)
باب الغسل
63 – انتقال دم الحيض من مكانه بدون خروجه:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قياس المني انتقال حيض) [الفروع: 1/ 197 (1/ 254)] (1).
64 – إذا وجد من الكافر ما يوجب الغسل قبل إسلامه:
– قال ابن مفلح: ( … فلو اغتسل في كفره أعاد، واختار شيخنا: لا، إن اعتقد وجوبه، قال: بناء على أنه يثاب على طاعته في الكفر إذا أسلم، وأنه كمن تزوج مطلقته ثلاثا معتقدا حلها، وفيه روايتان) [الفروع: 1/ 199 (1/ 258)] (2).
65 – الذِّكْر للجنب والحائض:
– قال ابن مفلح: (وكره شيخنا الذكر له، لا لحائض) [الفروع: 1/ 201 (1/ 261)] (3).
66 – الغسل لدخول مكة والوقوف بعرفة والطواف والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار:
– قال ابن مفلح: (ويستحب (4) لدخول مكة، قال في «المستوعب»:
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (30)، وعلق الشيخ ابن عثيمين على هذا الموضع من «الاختيارات» بقوله: (يريد أن القياس يقتضي ذلك، وهذه العبارة لا تدل على أن الشيخ – رحمه الله – كان يختار ذلك، أعني ترتب أحكام خروج المني على انتقاله … الخ) ا. هـ.
(2) «الاختيارات» للبعلي (30).
(3) «الفتاوى» (21/ 460 – 461؛ 26/ 190 – 191)، «الاختيارات» للبعلي (30).
(4) أي: الغسل.
(1/92)
حتى لحائض. وعند شيخنا: لا (1)، ومثله أغسال (2) الحج، والوقوف بعرفة، وطواف زيارة ووداع «و» في الكل، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار، وخالف شيخنا في الثلاثة (3) …. وقيل: ولدخول المدينة، وقال شيخنا: نص عليه (4)) [الفروع: 1/ 203 (1/ 264)] (5).
_________
(1) أي: لا يستحب للحائض الغسل لذلك، كما في «الإنصاف» (2/ 124)، ولم أقف على هذا في كتب الشيخ التي بين يدي.
(2) في ط 1: (اغتسال)، والمعنى: أنه مثل غسل دخول مكة في الاستحباب، والله أعلم.
(3) أي الثلاثة الأخيرة، كما سيأتي في نص كلام الشيخ.
(4) لم أقف عليه.
(5) «الفتاوى» (26/ 132)، ونصه: (ولم ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال: غسل الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة، وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار وللطواف والمبيت بمزدلفة فلا أصل له، لا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه، ولا استحبه جمهور الأئمة ــ لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد ــ، وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه، بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب، مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها، فيغتسل لإزالتها) ا. هـ. …
(تنبيه) وقع في «الاختيارات» للبعلي (22): (ولا يستحب الغسل لدخول مكة والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار ولطواف الوداع.
ولو قلنا باستحبابه لدخول مكة كان الغسل للطواف بعد ذلك فيه نوع عبث لا معنى له) ا. هـ
وقال المرداوي في «الإنصاف» (2/ 124): (واختار الشيخ تقي الدين عدم استحباب الغسل للوقوف بعرفة وطواف الوداع والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار، وقال: ولو قلنا باستحباب الغسل لدخول مكة … الخ) ا. هـ
وعليه فيكون البعلي قد تفرد بذكر أن الشيخ لا يستحب الغسل لدخول مكة، وأخشى أن يكون قد فهم ذلك من عبارة ابن مفلح السابقة (وعند شيخنا: لا)، وقد سبق أن المراد هو غسل الحائض خاصة ــ لا مطلق الغسل ــ كما فهمه المرداوي.
وأما ما ذكراه من عدم استحباب الغسل للوقوف بعرفة، فهو مخالف لنص كلامه المنقول من «الفتاوى»، ولم يذكره صاحب «الفروع»، ولكنهما ذكرا زيادة على ما في «الفروع» وهي: (وقال: ولو قلنا باستحبابه … الخ)، وهي مشعرة بعدم قوله بذلك، فهل للشيخ في هذه المسألة قولان؟ الله أعلم.
(1/93)
67 – إذا نوى بغسله الحدثين أو الأكبر:
– قال ابن مفلح: (وإن نوى الحدثين، وقال شيخنا: أو الأكبر، وقاله الأزجي= ارتفعا) [الفروع: 1/ 205 (1/ 269)] (1).
68 – إذا أراد الجنب أن ينام قبل الاغتسال:
– قال ابن مفلح: (ويستحب للجنب ــ وعنه: الرجل ــ غسل فرجه ووضوء … لنوم، وفي كلامه (2) ما ظاهره وجوبه، قاله شيخنا) [الفروع: 1/ 206 (1/ 269)] (3).
69 – إذا أحدث الجنب بعد أن توضأ للنوم:
– قال ابن مفلح: (ومن أحدث بعده لم يعده في ظاهر كلامهم، لتعليلهم بخفة الحدث، أو بالنشاط، وظاهر كلام شيخنا: يتوضأ لمبيته على إحدى الطهارتين) [الفروع: 1/ 206 (1/ 270)] (4).
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 396 – 397)، «الاختيارات» للبعلي (31).
(2) أي: الإمام أحمد.
(3) «شرح العمدة» (1/ 395)، «الاختيارات» للبعلي (31).
(4) «الفتاوى» (21/ 343 – 345؛ 26/ 178 – 179)، «الاختيارات» للبعلي (31).
(1/94)
70 – لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب إلا إذا توضأ:
– قال ابن مفلح: (ذكر شيخنا: لا تدخل الملائكة عليه إلا إذا توضأ) [الفروع: 1/ 354 (2/ 76)] (1).
71 – بناء الحمَّام وبيعه وإجارته:
– قال ابن مفلح: (وكره أحمد – رحمه الله – بناء الحمَّام وبيعه وإجارته، وحرّمه القاضي، وحمله شيخنا على غير البلاد الباردة) [الفروع: 1/ 206 (1/ 270)] (2).
72 – الاغتسال في المستحم والماء عريانا:
– قال ابن مفلح: (ويكره الاغتسال في مستحم وماء عريانا، قال شيخنا: عليه أكثر نصوصه) [الفروع: 1/ 208 (1/ 272)] (3).
73 – الإسراف في استعمال الماء في الغسل والوسوسة في ذلك:
– قال ابن القيم: (فهديُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي من رغب عنه فقد رغب عن سنته: جواز الاغتسال من الحياض والآنية، وإن كانت ناقصة غير فائضة؛ ومن انتظر الحوض حتى يفيض ثم استعمله وحده، ولم يمكن أحد أن يشاركه في استعماله: فهو مبتدع مخالف للشريعة.
قال شيخنا: ويستحق التعزير البليغ الذي يزجره وأمثاله عن أن يشرعوا
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 344؛ 26/ 178 – 179)، «الاختيارات» للبعلي (31).
(2) «الفتاوى» (21/ 300 – 313)، «الاختيارات» للبعلي (32 – 34).
(3) «شرح العمدة» (1/ 403)، «الاختيارات» للبعلي (31)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 338 – 339).
(1/95)
في الدين ما لم يأذن به الله، ويعبدوا الله بالبدع لا بالاتباع) [إغاثة اللهفان: 1/ 199] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 55)، «الاختيارات» للبعلي (32).
(1/96)
باب التيمم
74 – قبول عادم الماء له أو لثمنه قرضا:
– قال ابن مفلح: (يلزمه قبول الماء قَرْضًا وكذا ثمنه، والمراد: وله ما يُوَفِّيه، وقاله شيخنا) [الفروع: 1/ 213 (1/ 280)] (1).
75 – مراعاة الترتيب للجريح إذا تيمم لبعض الأعضاء وتوضأ للباقي:
– قال ابن مفلح: (وهل يلزمه عن حدث أصغر مراعاة ترتيب وموالاة أم لا، فلا يعيد غسل الصحيح ما لم يحدث؟ (2) فيه وجهان، وقال شيخنا: ينبغي أن لا يرتب (3)) [الفروع: 1/ 217 (1/ 287)] (4).
76 – إذا لم يخف من مسح الجرح:
– قال ابن القيم: (وسألوه (5) عن الجرح يكون بالإنسان يخاف عليه
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (34)، وانظر: «شرح العمدة» (1/ 432).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فيتيمم للعضو عند غسله، وللرأس عند مسحه، وموالاة، يعني: لا يؤخر تيمم العضو حتى ينشف ما قبله، أم لا يلزمه ترتيب ولا موالاة؟ فيجوز تأخير التيمم عن غسل العضو ومسحه، وكذلك إذا تيمم ثم خرج الوقت، وبطل التيمم، فإنه يجدد التيمم ولا يبطل الوضوء، إذا قلنا: لا يجب مراعاة ترتيب ولا موالاة، وهذا معنى قوله: «فلا يعيد غسل الصحيح ما لم يحدث» يعني: يكفيه تجديد التيمم، ولا يبطل غسل الصحيح، فلا يعاد غسله، لعدم بطلانه، والله أعلم) ا. هـ.
(3) في ط 1: (لا ترتيب).
(4) «الفتاوى» (21/ 426، 466 – 467)، «الاختيارات» للبعلي (36).
(5) أي: الإمام أحمد.
(1/97)
كيف يمسح عليه؟ قال: ينزع الخرقة ثم يمسح على الجرح نفسه.
قلت: هذا النص خلاف المشهور عند الأصحاب فإنهم يقولون: إذا كان مكشوفا لم يمسح عليه حتى يستره، فإن لم يكن مستورا تيمم له، ونص أحمد صريح في أنه يكشف الخرقة ثم يباشر الجرح بالمسح، وهذا يدل على أن مسح الجرح البارز أولى من مسح الجبيرة، وأنه خير من التيمم، وهذا هو الصواب الذي لا ينبغي العدول عنه، وهو المحفوظ عن السلف من الصحابة والتابعين، ولا ريب أنه بمقتضى القياس فإن مباشرة العضو بالمسح الذي هو بعض الغسل المأمور به أولى من مباشرة غير ذلك العضو بالتراب، ولم أزل أستبعد هذا حتى رأيت نص أحمد هذا بخلافه، ومعلوم أن المسح على الحائل إنما جاء لضرورة المشقة بكشفه، فكيف يكون أولى من المسح على الجرح نفسه بغير حائل؟ ! فالقياس والآثار تشهد بصحة هذا النص، والله أعلم.
وقد ذكرت في «الكتاب الكبير الجامع بين السنن والآثار» من قال بذلك من السلف، وذكرت الآثار عنهم بذلك، وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية – رحمه الله – يذهب إلى هذا ويضعف القول بالتيمم بدل المسح) [بدائع الفوائد: 4/ 67 ــ 68].
– وقال ابن مفلح: (وإن لم يخف من مسحه فهل هو فرضه «و: م» أو التيمم «و: ش»؟ فيه روايتان، وعنه: هما، وظاهر نقل ابن هانئ: مسح البشرة لعذر كجريح، واختاره شيخنا، وأنه أولى) [الفروع: 1/ 218 ــ 219 (1/ 288 ــ 289)] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 178؛ 453 – 454)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (30)، وللبعلي (35).
(1/98)
77 – التيمم لخوف فوت الوقت:
– قال ابن مفلح: (ولا يتيمم لخوف فوت الفرض «م» نقله الجماعة، خلافا لشيخنا، إن انتبه أول الوقت (1)، وقال فيمن يمكنه الذهاب إلى الحمَّام لكن لا يمكنه الخروج حتى يفوت الوقت كالغلام، والمرأة التي معها أولادها ولا يمكنها الخروج حتى تغسلهم، ونحو ذلك: فالأظهر يتيمم ويصلي (2) خارج الحمَّام، لأن الصلاة في الحمَّام وبعد الوقت منهي عنها) [الفروع: 1/ 220 (1/ 290)] (3).
وانظر ما يأتي برقم (121).
78 – التيمم لخوف فوات الجمعة:
– ذكر ابن مفلح الخلاف في من خاف فوات الجنازة وأن فيها قولين: أحدهما: أنه لا يتيمم لها، والثاني: أنه يتيمم ثم قال: (اختار شيخنا: وجمعة (4)، وأنه أولى من الجنازة لأنها لا تعاد) [الفروع: 1/ 220 (1/ 290)] (5).
_________
(1) قال في «الإنصاف» (2/ 262): (واختار أيضا ــ أي: ابن تيمية ــ إن استيقظ أول الوقت وخاف إن اشتغل بتحصيل الماء يفوت الوقت أن يتيمم ويصلي) ا. هـ.
(2) في ط 2: (تتيمم وتصلي).
(3) «الفتاوى» (21/ 431، 446 – 447، 454، 463؛ 22/ 30، 35)، «الاختيارات» للبعلي (35 – 36).
(4) أي اختار جواز التيمم لخوف فوات الجمعة.
(5) «الفتاوى» (21/ 439، 456، 471)، وانظر: «الاختيارات» للبرهان (76 – 78) وللبعلي (35).
(1/99)
79 – إذا تعذر استعمال الماء والتراب:
– قال ابن مفلح: (وإن تعذر استعمال ماء وتراب ــ وهو معنى قولهم: من لم يجد ماء ولا ترابا، وقيل للقاضي في التيمم في حضر عذر نادر وغير متصل فأعاد كما لو منع من الطهارة بالماء والتراب؟ فأجاب بالروايتين في مسألة العدم ــ صلَّى فرضا فقط ولا يزيد على ما يجزئ، وعند شيخنا: يتوجه فعل ما شاء، لأنه لا تحريم مع العجز، ولأن له أن يزيد على ما يجزئ في ظاهر قولهم. كذا قال) [الفروع: 1/ 222 (1/ 292 ــ 293)] (1).
80 – فرض من تعذر عليه استعمال الماء والتراب ــ وقلنا عليه الإعادة ــ:
– ذكر ابن مفلح الخلاف في من كان عادما للماء والتراب، وصلى على حاله، فهل عليه الإعادة أم لا؟ ثم قال: (فعليها (2) إن قدر فيها خرج، وإلا فكمتيمم يجد الماء، وكذا متيمم زال عذره فيها، في إعادته خلاف، وفرضه الثانية، وقال أبو المعالي: وقيل: الأولى، وقيل: هما، واختاره شيخنا في «شرح العمدة») [الفروع: 1/ 222 (1/ 293 ــ 294)] (3).
_________
(1) «شرح العمدة» (1/ 455).
(2) في ط 1: (فعليه).
وقال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: على رواية الإعادة إن قدر فيها، أي: الصلاة، وإلا فكمتيمم يجد الماء، أي: وإن لم نقل بالإعادة ثم قدر في الصلاة، فهو كمتيمم يجد الماء) ا. هـ.
(3) «شرح العمدة» (1/ 436) ونصه: (ويتوجه أن يكون كل منهما فرضا، وإنما وجب عليه صلاتان لاشتمال كل واحدة على نوع من النقص ينجبر بالأخرى) ا. هـ.
(1/100)
81 – حمل التراب للتيمم:
– قال ابن مفلح: (وأعجب أحمد حمل تراب للتيمم، وعند شيخنا وغيره: لا، وهو أظهر) [الفروع: 1/ 224 (1/ 297)].
82 – إذا نوى بتيممه استباحة واجب بالنذر:
– قال ابن مفلح: (ومن نوى شيئا استباحه ومثله ودونه «و: م ش» فالنذر دون ما وجب شرعا. وقال شيخنا: ظاهر كلامهم: لا فرق) [الفروع: 1/ 227 (1/ 302)] (1).
83 – صلاة النافلة بتيمم الجنازة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يتخرّج: لا يصلي نافلة بتيمم جنازة، لأن أحمد جعل الطهارة لها أوكد) [الفروع: 1/ 227 (1/ 302)] (2).
84 – الطواف لمن تيمم بنية النافلة:
– قال ابن مفلح: (ويباح الطواف بنية النافلة في الأشهر، كمس المصحف، قال شيخنا: ولو كان الطواف فرضا) [الفروع: 1/ 227 (1/ 302)] (3).
85 – التيمم للجنازة الثانية:
– قال ابن مفلح: (وعنه (4): إن تيمم لجنازة ثم جيء بأخرى فإن كان
_________
(1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 446).
(2) «شرح العمدة» (1/ 446).
(3) «شرح العمدة» (1/ 446).
(4) أي الإمام أحمد.
(1/101)
بينهما وقت يمكنه التيمم لم يصل عليها حتى يتيمم لها، وإلا صلى، قال القاضي: هذا للاستحباب، وقال ابن عقيل: للإيجاب، لأن التيمم إذا تعدد بالوقت فوقت كل صلاة جنازة قدر فعلها، وكذا قال شيخنا، لأن الفعل المتواصل هنا كتواصل الوقت للمكتوبة، قال: وعلى قياسه ما ليس له وقت محدود، كمس المصحف (1)، وطواف) [الفروع: 1/ 229 (1/ 306)] (2).
86 – لا يبطل التيمم بخروج الوقت:
– قال ابن مفلح: (وعنه (3): يصلي به (4) إلى حدثه «و: هـ» اختاره أبو محمَّد الجوزي وشيخنا) [الفروع: 1/ 231 (1/ 309)] (5).
87 – إذا بذل الماء للأَولى من حي وميت:
88 – وإذا كان الماء مشتركا:
– قال ابن مفلح: (وإن بذل ماء للأولى من حيٍّ وميِّت، فالميِّت أحق «و: ش»، وعنه: الحي، فتقدم الحائض، وقيل: الجنب «و: هـ»، وقيل: الرجل، وقيل: يقسم بينهما، وقيل: يقرع، ومن عليه نجاسة أحق، وقيل: الميت، واختاره صاحب «المحرر» وحفيده «و: ش» (6).
_________
(1) في ط 2: (كمس مصحف).
(2) «شرح العمدة» (1/ 445).
(3) أي: الإمام أحمد.
(4) أي: التيمم.
(5) «الفتاوى» (21/ 360 – 361، 436)، «الاختيارات» للبعلي (37).
(6) الخلاف الأخير فيما إذا اجتمع جنب وحائض وميت ومن عليه نجاسة.
قال شيخ الإسلام في «شرح العمدة» (ومن عليه نجاسة أولى منهما ــ أي الحائض والجنب ــ، وهو أولى من الميت في أحد الوجهين، وإن قلنا: الميت أولى من الجنب، والصحيح أن الميت أولى به بكل حال، لأنه لا ترجى له الطهارة بالماء بعد ذلك) ا. هـ والله أعلم.
(1/102)
ويقدم الجنب على محدث، وقيل: سواء، وقيل: المحدث، إلا أن يكفي من تطهَّر به منهما، وإن كفاه فقط قدّم، وقيل: الجنب، وإن تطهر به غير الأولى أساء وأجزأه، وعند شيخنا: أن هذه المسائل في الماء المشترك أيضا، وأنه ظاهر ما نقل عن أحمد، لأنه أولى من التشقيص (1)) [الفروع: 1/ 233 ــ 234 (1/ 313)] (2).
_________
(1) قال شيخ الإسلام في «شرح العمدة» (1/ 456): (هذا فيما إذا كان الماء مشتركا لأن نصيب كل واحد لا يكفيه لطهوره ولا يستبيح به شيئا، بل لا بد من تيممه، فكان تخصيص واحد بالماء وآخر بالتيمم أولى من تيمم كل واحد وتشقيص طهارته) ا. هـ.
والتشقيص هو: التفصيل والتجزئة، ومنه: تشقيص الذبيحة، أي: تفصيل أعضائها سهاما معتدلة بين الشركاء. انظر: «القاموس» (802).
(2) «شرح العمدة» (1/ 455 – 456)، «الاختيارات» للبعلي (37).
(1/103)
باب ذكر النجاسة وإزالتها
89 – نجاسة المذي:
– قال ابن القيم ــ ضمن ذكره لبعض الأشياء التي سهل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة وشدد فيها بعض الناس ــ: (ومن ذلك: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل عن المذي، فأمر بالوضوء منه؛ فقال: كيف ترى بما أصاب ثوبي منه؟ قال: «تأخذ كفًا من ماء، فتنضح به حيث ترى أنه أصابه» رواه أحمد والترمذي والنسائي، فجوّز نضح ما أصابه المذي، كما أمر بنضح بول الغلام.
قال شيخنا: وهذا هو الصواب، لأن هذه النجاسة يشق الاحتراز منها لكثرة ما يصيب ثياب الشاب العزبِ، فهي أولى بالتخفيف من بول الغلام؛ ومن أسفل الخف والحذاء) [إغاثة اللهفان: 1/ 238 ــ 239] (1).
90 – المِدَّة والقيح والصديد:
– قال ابن القيم ــ ضمن ذكره لبعض الأشياء التي سهل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة وشدد فيها بعض الناس ــ: (ومن ذلك: نص أحمد على أن الودي يعفى عن يسيره كالمذي، وكذلك يعفى عن يسير القيء؛ نص عليه أحمد.
وقال شيخنا: لا يجب غسل الثوب ولا الجسد من المِدَّة والقيح والصديد؛ قال: ولم يقم دليل على نجاسته) [إغاثة اللهفان: 1/ 239] (2).
_________
(1) «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 74) وللبرهان (رقم: 85) وللبعلي (43).
(2) «الاختيارات» للبعلي (43)، ووقع في مطبوعته: (ولا يجب غسل الثوب والبدن من المذي)، وصوابه: (من المِدَّة).
(1/104)
91 – ريق الطفل ولعابه:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا ابن تيمية وغيره من الأصحاب: بل ريق الطفل يطهّر فمه للحاجة، كما كان ريق الهرة مطهرا لفمها، وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها ليست بنجس مع علمه بأكلها الفأر وغيره … الخ) [تحفة المودود: 176] (1).
92 – يسير أرواث البغال والحمير والسباع:
– قال ابن القيم: ــ ضمن ذكره لبعض الأشياء التي سهل فيها المبعوث بالحنيفية السمحة وشدد فيها بعض الناس ــ (ومن ذلك: أنه يعفى عن يسير أرواث البغال والحمير والسباع، في إحدى الروايتين عن أحمد، اختارها شيخنا، لمشقة الاحتراز) [إغاثة اللهفان: 1/ 239] (2).
93 – شعر الكلب والخنزير:
– قال ابن مفلح: (المذهب نجاسة كلب وخنزير وما تولد من أحدهما «م»، وعنه: غير شعر، اختاره أبو بكر وشيخنا «و: هـ») [الفروع: 1/ 235 (1/ 314)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (44).
(2) انظر: «الفتاوى» (21/ 520 – 521)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (43).
(3) «الفتاوى» (21/ 38 – 39، 520، 530، 616)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (رقم: 22) وللبعلي (38).
(فائدة) قال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (21/ 619) ــ: (وكل حيوان قيل بنجاسته فالكلام في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب) ا. هـ.
(1/105)
94 – المنفصل عن المحل النجس:
– قال ابن مفلح: (والمنفصل عن محلٍّ طاهرٍ طاهرٌ على الأصح «هـ»، وقيل: طهورٌ، وقيل: بطهارته عن محلٍّ نجس مع عدم تغيره، لأنه وارد، وذكر القاضي: أن كلام أحمد يحتمل روايتين فيما أزيلت به النجاسة: يحتمل أنه طاهر، لأنه قال: إذا غسل ثوبه في إجَّانة طهر، وقال: المنفصل عن محلٍّ نجس من الأرض طاهر، وقال: يغسل ما يصيبه من ماء الاستنجاء، فعلى هذا: إنما حكمنا بنجاسته لأنه ماء قليل حلَّته نجاسة، والمستعمل في رفع الحدث لم يحلَّه غير العضو الذي لاقاه، فلم نحكم بنجاسته.
قال شيخنا: هذا من القاضي يقتضي أن الخلاف في نجاسة المزال به النجاسة مطلقا حال اتّصاله وانفصاله قبل طهارة المحل) [الفروع: 1/ 238 (1/ 319)].
95 – طهارة النجاسات بالشمس والريح والجفاف:
– قال ابن القيم: (قال أبو البركات ابن تيمية: وهذا كله يقوي طهارة الأرض بالجفاف، لأن الإنسان في العادة لا يزال يشاهد النجاسات في بقعة طرقاته التي يكثر فيها تردده إلى سوقه ومسجده وغيرهما، فلو لم تطهر إذا أذهب الجفاف أثرها للزمه تجنب ما يشاهده من بقاع النجاسة بعد ذهاب أثرها، ولما جاز له التحفي بعد ذلك.
وقد علم: أن السلف الصالح لم يتحرزوا من ذلك، ويعضده: أمره – صلى الله عليه وسلم – بمسح النعلين بالأرض لمن أتى المسجد ورأى فيهما خبثًا، ولو نجست الأرض بذلك نجاسة لا تطهر بالجفاف: لأمر بصيانة طريق المسجد عن ذلك، لأنه يسلكه الحافي وغيره.
(1/106)
قلت: وهذا اختيار شيخنا – رحمه الله -) [إغاثة اللهفان: 1/ 237 ــ 238].
– وقال ابن مفلح: (ولا تطهر أرض بشمس أو ريح أو جفاف، واختار صاحب «المحرر» وغيره: بلى «و: هـ»، وقيل: وغيرها، ونص عليه في حبل غسيل، واختاره شيخنا، وقال: وإحالة التراب لها ونحوه كشمس، وقال: إذا أزالها التراب عن النعل، فعن نفسه إذا خالطها أولى. كذا قال) [الفروع: 1/ 241 (1/ 324)] (1).
96 – إزالة النجاسة بكل مائع طاهر مزيل:
– قال ابن مفلح: (ولا يجوز إزالة نجاسة إلا بماء طهور «و: م ش»، وقيل: مباح «خ»، وقيل: أو طاهر، وعنه: بكل مائع طاهر مزيل كخل، اختاره ابن عقيل وشيخنا «و: هـ»، قال: ويحرم استعمال طعام أو شراب في إزالتها، لإفساد المال) [الفروع: 1/ 259 (1/ 351)] (2).
97 – استحالة النجاسة:
– قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وعلى هذا الأصل (3) فطهارة الخمر بالاستحالة على وَفْق القياس، فإنها نجسة لوصف الخبث، فإذا زال الموجِبُ زال الموجَبُ، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها، بل وأصل
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 322 – 323، 479، 480 – 481، 510 – 511)، «منهاج السنة» (3/ 429)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (16، 17) وللبعلي (39، 41).
(2) «الفتاوى» (21/ 475 – 476، 508 – 509)، «الاختيارات» للبعلي (39).
(3) يشير إلى ما تقدم في المسألة رقم (8).
(1/107)
الثواب والعقاب، وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت، وقد نبش النبي – صلى الله عليه وسلم – قبورَ المشركين من موضع مسجده، ولم ينقل التراب، وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فَرْث ودَمٍ، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا عُلفتْ بالنجاسة ثم حُبست وعُلفت بالطاهرات حل لبنها ولحمها، وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب.
وعكس هذا أن الطيب إذ استحال خبيثًا صار نجسًا كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة، فكيف أثّرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثًا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبًا؟ ! والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل، بل بوصف الشيء نفسه، ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودًا وعدمًا؛ فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزروع والثمار والرماد والملح والتراب والخل لا لفظًا ولا معنى ولا نصًا ولا قياسًا. والمفرقون بين استحالة الخمر وغيرها قالوا: الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة، فيقال لهم: وهكذا الدم والبول والعذرة إنما نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة، فظهر أن القياس مع النصوص وأن مخالفة القياس في الأقوال التي تخالف النصوص) [إعلام الموقعين: 1/ 394] (1).
_________
(1) هذا النص ضمن الجواب الذي سبقت الإشارة إليه (ص 57 – 58)، وبعضه في «الفتاوى» (20/ 522)، ويبدو أن ابن القيم أضاف عليه بعض الإضافات، والله أعلم.
(1/108)
– وقال ابن مفلح: (أطلق جماعة روايتين في نجاسة وجه تنُّور سُجِرَ بنجاسة، ونقل الأكثر: يغسل، ونقل ابن أبي حرب: لا بأس، وعليهما يخرّج عمل زيت نجس صابونا ونحوه، وتراب جبل بروث حمار، فإن لم يستحل عفي عن يسيره في رواية، ذكره شيخنا، وذكر الأزجي: إن تنجس التنور بذلك، طهر بمسحه بيابس، فإن مسح برطب تعيّن الغسل، وكذا قال الشافعية، وحمل القاضي قول أحمد: «يُسْجَرُ التنُّور مرة أخرى» على ذلك، وذكر شيخنا: أن الرواية صريحة في التطهير بالاستحالة، وأن هذا من القاضي يقتضي أن يكتفى بالمسح إذا لم يبق للنجاسة أثر، كقول الحنفية في الجسم الصقيل) [الفروع: 1/ 241 ــ 242 (1/ 325 ــ 326)] (1).
98 – خفاء موضع النجاسة:
– قال ابن مفلح: (وإن خفيت نجاسة غسل حتى يتيقَّن غسلها، نص عليه «و» وعنه: يكفي الظن في مَذْي، وعند شيخنا: وفي غيره، ولا يلزم تطهير ما شكّ في نجاسته بالنضح «م») [الفروع: 1/ 245 (1/ 330)] (2).
99 – طهارة أسفل الرِّجْل أو الخف أو النعل بالدلك والحك:
100 – وطهارة ذيل المرأة المتنجس بمروره على طاهر:
– قال ابن مفلح: (وعنه: وتطهر به «خ» … وقيل: يجزئ من اليابسة لا الرطبة، وقيل: وكذا الرِّجْل، ذكره شيخنا واختاره.
_________
(1) «الفتاوى «(21/ 70 – 72، 481 – 482، 610 – 611)، «الاختيارات» للبعلي (39 ــ 41).
(2) انظر: «الفتاوى» (21/ 78 – 79)، «الاختيارات» للبعلي (41).
(1/109)
وذيل المرأة، قيل: كذلك، وقيل: يغسل «و»، ونقل إسماعيل بن سعيد: يطهر بمروره على طاهر يزيلها، اختاره شيخنا) [الفروع 1/ 245 (1/ 331 ــ 332)] (1).
101 – إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شيء رطب ولا يعلم ما هو:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: وكذلك إذا أصاب رجله أو ذيله بالليل شيء رطب، ولا يعلم ما هو: لم يجب عليه أن يشمه، ويتعرف ما هو، واحتج بقصة عمر – رضي الله عنه – في الميزاب؛ وهذا هو الفقه، فإن الأحكام إنما تترتب على المكلف بعد علمه بأسبابها، وقبل ذلك هي على العفو، فما عفا الله عنه فلا ينبغي البحث عنه) [إغاثة اللهفان: 1/ 244] (2).
102 – ما يأكل النجاسة من الطير:
– قال ابن مفلح: (وعنه في الطير: لا يعجبني عرقه إن أكل الجيف، فدل أنه كرهه لأكله النجاسة فقط، ذكره شيخنا، ومال إليه) [الفروع: 1/ 246 (1/ 333)] (3).
103 – الدم الذي يبقى في العروق:
– قال ابن مفلح: (قال ابن الجوزي: المحرّم من الدم: المسفوح، ثم قال: قال القاضي: فأما الدم الذي يبقى في خلل اللحم بعد الذبح، وما يبقى
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 18، 510 – 511؛ 22/ 121)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (29) وللبعلي (39).
(2) انظر: «الفتاوى» (21/ 607).
(3) «الاختيارات» للبعلي (41).
(1/110)
في العروق فمباح. ولم يذكر جماعة إلا دم العروق، قال شيخنا: لا أعلم خلافا في العفو عنه، وأنه لا ينجس المرقة، بل يؤكل معها) [الفروع: 1/ 254 – 255 (1/ 245)] (1).
104 – العفو عن يسير النجاسة في الأطعمة:
– قال ابن مفلح: (ولا يعفى عن يسير نجاسة في الأطعمة، ولا غير ما تقدم (2) «و: م، ش»، وخالف شيخنا وغيره فيها، وذكره قولا في المذهب، لأن الله تعالى إنما حرم الدم المسفوح، وما الفرق بين كونه في مرقة القدر أو مائع آخر، أو في السكين أو غيرها؟ وكانت أيدي الصحابة تتلوث بالجرح والدمل، ولم ينقل عنهم التحرز من المائع حتى يغسلوه (3)، ولعموم البلوى ببعر الفأر وغيره.
وقال أيضا (4): نص عليه أحمد في الدم، وهو نص القرآن) [الفروع: 1/ 275 ــ 258 (1/ 249 – 250)] (5).
105 – غسل اللحم الذي يشترى من القصاب:
– ذكر ابن مفلح حكم آنية وثياب لابس النجاسة كثيرا، ثم قال:
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 522 – 523).
(2) يشير إلى قوله 1/ 253 (1/ 242): (ويعفى على الأصح عن يسير دم وما تولد منه … إلخ).
(3) في ط 2: (يغسلوها).
(4) لم أقف عليه.
(5) «الفتاوى» (21/ 523 – 524، 534)، «الاختيارات» للبعلي (43).
(1/111)
(وسأله (1) أبو الحارث: اللحم يشترى من القصاب؟ قال: يغسل. وقال شيخنا: بدعة) [الفروع: 1/ 101 (1/ 108)] (2).
_________
(1) أي: أحمد.
(2) «الفتاوى» (21/ 521).
(1/112)
باب الحيض
106 – طواف الحائض:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: فإذا طافت حائضا مع عدم العذر توجه القول بوجوب الدم عليها، وأما مع العجز فهنا غاية ما يقال عليها دم، والأشبه أنه لا يجب الدم؛ لأن الطهارة واجب تؤمر به مع القدرة لا مع العجز، فإن لزوم الدم إنما يكون مع ترك المأمور أو مع فعل المحظور، وهذه لم تترك مأمورا في هذه الحال ولا فعلت محظورًا، فإنها إذا رمَتِ الجمرة وقصرت حل لها ما كان محظورا عليها بالإحرام غير النكاح، فلم يبق بعد التحلل الأول محظور يجب بفعله دم، وليست الطهارة مأمورا بها مع العجز فيجب بتركها دم.
فإن قيل: لو كان طوافها مع الحيض ممكنا أمرت بطواف القدوم وطواف الوداع، فلما سقط عنها طواف القدوم والوداع علم أن طوافها مع الحيض غير ممكن.
قيل: لا ريب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أسقط طواف القدوم عن الحائض، وأمر عائشة لما قدمت وهي متمتعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة وتحرم بالحج، فعلم أن الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد أو للطواف أو لهما، والمحظورات لا تباح إلا في حالة الضرورة، ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم، لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد، ولا إلى طواف الوداع فإنه ليس من تمام الحج، ولهذا لا يودع المقيم بمكة، وإنما يودع المسافر عنها فيكون آخر عهده بالبيت، فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما ــ إما أمر إيجاب
(1/113)
فيهما، أو في أحدهما، أو استحباب، كما هي أقوال معروفة ــ وليس واحد منهما ركنا يقف صحة الحج عليه، بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه، وهذا كما يباح لها الدخول إلى المسجد واللبث فيه للضرورة، ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه وإن كان منذورا، ولو حاضت المعتكفة خرجت من المسجد إلى فنائه فأتمت اعتكافها ولم يبطل، وهذا يدل على أن منع الحائض من الطواف كمنعها من الاعتكاف، وإنما هو لحرمة المسجد لا لمنافاة الحيض لعبادة الطواف والاعتكاف، ولما كان الاعتكاف يمكن أن يفعل في رحبة المسجد وفنائه جوّز لها إتمامه فيها لحاجتها، والطواف لا يمكن إلا في المسجد، وحاجتها في هذه الصورة إليه أعظم من حاجتها إلى الاعتكاف، بل لعل حاجتها إلى ذلك أعظم من حاجتها إلى دخول المسجد واللبث فيه لبرد أو مطر ونحوه). [إعلام الموقعين: 3/ 40 ــ 41] (1).
– وقال ابن مفلح: (ويمنع الحيض الطواف «و»، وعند شيخنا: بلا عذر (2)) [الفروع: 1/ 260 ــ 261 (1/ 354)] (3).
وانظر: ما تقدم برقم (58) وما يأتي برقم (520).
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 214 – 216).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (العذر الذي لا يمنع الحائض الطواف: هو أن يفوتها الطواف بالتأخير إذا سافرت مع الرفقة، بخلاف من لا تضرر بالإقامة حتى تطهر ثم تطوف، هذا هو المعروف في كلام الشيخ، وظاهر كلام المصنف يدخل فيه هذا العذر وغيره من الأعذار) ا. هـ.
(3) «الفتاوى» (26/ 127، 205 ــ 206، 224 – 225، 242 – 245)، «الاختيارات» للبرهان (15) وللبعلي (45).
(1/114)
107 – قراءة القرآن للحائض:
– قال ابن مفلح: (ويمنع الحيض الطواف … ومس المصحف «و» [والقراءة] (1)، وقيل: لا، وحكي رواية [«و: م ر»] (2)، اختاره شيخنا، قال (3): إن ظنت نسيانه وجبت) [الفروع: 1/ 261 (1/ 355)] (4).
108 – كفارة وطء الحائض:
– قال ابن مفلح: (وله أن يستمتع من الحائض بغير الوطء في الفرج … وإن وطئ فيه بحائل أو لا= لزمه دينار أو نصفه، نقله الجماعة، [وعنه: نصفه] (5)، وعنه: نصفه في إدباره، وعنه: بل في أصفر، وذكر أبو الفرج: بل لعذر، واعتبر شيخنا كونه مضروبا (6)) [الفروع: 1/ 262 (1/ 358)] (7).
109 – الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج:
– قال ابن مفلح: (لا إشكال أن المذهب عدم الكراهة، وقد صرح في رواية أبي طالب أنه لا بأس أن يأتيها دون الفرج، وصرح قاطعا صاحب «النهاية» وغيرها، قال الشيخ تقي الدين: ومع هذا فالمستحب تركه) [النكت
_________
(1) استدرك من ط 2.
(2) استدرك من ط 2.
(3) لم أقف عليه.
(4) «الفتاوى» (21/ 460 – 461؛ 26/ 179 – 180، 191)، «الاختيارات» للبرهان (65)، وللبعلي (45).
(5) استدرك من ط 2.
(6) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: الدينار الذي يكفر به) ا. هـ.
(7) «شرح العمدة» (1/ 469)، «الاختيارات» للبعلي (44).
(1/115)
على المحرر: 1/ 25 (1/ 66)] (1).
110 – أقل الطهر زمن الحيض:
– قال ابن مفلح: (وأقلُّه (2) زَمَنَ الحيض أن يكون النقاء خالصا لا تتغيّر معه القطنة إذا احتشت بها في ظاهر المذهب، ذكره صاحب «المحرر»، وجزم به القاضي وغيره، نقل أبو بكر: هي طاهر إذا رأت البياض، وذكر شيخنا: أنه قول أكثر أصحابنا إن كان الطهر ساعة) [الفروع: 1/ 267 (1/ 365)].
111 – الحيض مع الحمل:
– قال ابن القيم: ( … ومن ها هنا لم تحض الحامل، بل ما تراه من الدم يكون دم فساد ليس دم الحيض المعتاد، هذه إحدى الروايتين عن عائشة – رضي الله عنها -، وهو المشهور من مذهب أحمد، الذي لا يعرف أصحابه سواه، وهو مذهب أبي حنيفة، وذهب الشافعي في رواية عن عائشة (3)، والإمام أحمد في رواية عنه، اختارها شيخنا إلى أن ما تراه من الدم في وقت عادتها يكون حيضا) [تحفة المودود 167].
– وقال ابن مفلح: (ولا حيض مع الحمل نص عليه «و: هـ»، وعنه: بلى، ذكرها أبو القاسم التميمي والبيهقي وشيخنا واختارها) [الفروع: 1/ 267 (1/ 365)].
_________
(1) انظر: «شرح العمدة» (1/ 463).
(2) أي: الطهر.
(3) كذا، ثم وجدته في طبعة أخرى هكذا: (وعائشة في رواية عنها).
(1/116)
– وقال أيضا: (واختار شيخنا أنها تحيض، رواه البيهقي عن إمامنا أحمد – رضي الله عنه -) [النكت على المحرر: 1/ 26] (1).
112 – أقل سن تحيض له المرأة وأكثره:
113 – وأقل الحيض وأكثره:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: وليس للنساء في ذلك عادة مستمرة، بل فيهن من لا تحيض وإن بلغت، وفيهن من تحيض حيضًا يسيرًا يتباعد ما بين أقرائها حتى تحيض في السنة مرة، ولهذا اتفق العلماء على أن أكثر الطهر بين الحيضتين لا حدّ له، وغالب النساء يحضن كل شهر مرة، ويحضن ربع الشهر، ويكون طهرهن ثلاثة أرباعه، ومنهن من تطهر الشهور المتعددة لقلة رطوبتها، ومنهن من يسرع إليها الجفاف فينقطع حيضها وتيأس منه وإن كان لها دون الخمسين، بل والأربعين، ومنهن من لا يسرع إليها الجفاف فتجاوز الخمسين وهي تحيض.
قال: وليس في الكتاب ولا السنة تحديد اليأس بوقت، ولو كان المراد بالآيسة من المحيض من لها خمسون سنة أو ستون سنة، أو غير ذلك، لقيل: واللائي يبلغن من السن كذا وكذا، ولم يقل: يئسن) [زاد المعاد: 5/ 662].
– وقال ابن مفلح: (وعند شيخنا: ما أطلقه الشارع عمل بمطلق مسمَّاه ووجوده، ولم يجز تقديره وتحديده بعدَه، فلهذا عنده الماء قسمان: طاهر طهور ونجس، ولا حد لأقل الحيض وأكثره ما لم تصر مستحاضة، ولا لأقل سنِّه وأكثره، ولا لأقل السفر، لكن خروجه إلى بعض عمل أرضه وخروجه
_________
(1) «الفتاوى» (19/ 239)، «الاختيارات» للبرهان (66)، وللبعلي (47).
(1/117)
عليه السلام إلى قباء لا يسمى سفرا ولو كان بريدا، ولهذا لا يتزوّد ولا يتأهّب له أهبته، هذا مع قصر المدة، فالمسافة القريبة في المدة الطويلة سفر، لا البعيدة في المدة القليلة، ولا حد للدرهم والدينار، فلو كان أربعة دوانق أو ثمانية خالصا أو مغشوشا لا درهما أسود عُمل به في الزكاة والسرقة وغيرهما، ولا تأجيل في الدية وأنه نص أحمد فيها (1)، والخلع فسخ مطلقا، والكفارة في كل أيمان المسلمين، وله في ذلك قاعدة معروفة (2).
وقال في «قاعدة في الأحكام الشرعية التي تعينت بالنص مطلقا، والتي تعينت بحسب المصلحة» (3): وينبغي أن يقال تأجيل الدية على العاقلة من هذا فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – يؤجلها، وعمر أجلها، فأيهما رأى الإمام فعل، وإلا فإيجاب أحدهما لا يسوغ.
وله في تقدير الديات وأنواعها كلام يناسب هذا: فإن حكمه عليه السلام في القضية المعينة تارة يكون عاما في أمثالها، وتارة يكون مقيدا بقيد يتعلق بالأئمة والاجتهاد، كحكمه في السلب هل هو مطلق أم معين في تلك الغزاة استُحق بشَرْطه؟ ) [الفروع: 1/ 267 ــ 268 (1/ 366 ــ 367)] (4).
_________
(1) نص شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (19/ 256) ــ: (والصحيح أن تعجيلها وتأجيلها بحسب الحال والمصلحة، فإن كانوا مياسير ولا ضرر عليهم في التعجيل أخذت حالة، وإن كان في ذلك مشقة جعلت مؤجلة، وهذا هو المنصوص عن أحمد: أن التأجيل ليس بواجب) ا. هـ، وسينقل عنه ابن مفلح نحو هذا في الفقرة التالية.
(2) وهي مطبوعة ضمن «مجموع الفتاوى» (19/ 235 – 259)، وقد اختصر ابن مفلح أهم المسائل التي تضمنتها.
(3) لم أقف عليها.
(4) المسائل المتعلقة بالحيض عند البرهان في «الاختيارات» (43، 44)، والبعلي (45)، والمسائل الأخرى تأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى.
(1/118)
114 – كيفية ثبوت العادة في حق المبتدأة:
115 – ولا تعيد ما أدته من العبادات قبل انقطاع الدم:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: لم يسبق أحمد بن حنبل إلى الحكم بإسلام أولاد أهل الذمة الصغار بموت آبائهم أحدٌ، ولم يسبقه إلى إقعاد المرأة أول ما ترى الدم يومًا وليلة، ثم تصلي وهي ترى الدم أحدٌ) [الصواعق المرسلة: 2/ 618] (1).
– وقال ابن مفلح: (وإن جاوز أقله (2) اغتسلت (3) عند انقطاعه في مدة الحيض، ولم تجلس ما جاوزه حتى يتكرر ثلاثا، فتجلس في الرابع، نص على ذلك، وقيل: في الثالث، وعنه: حتى يتكرر مرتين، فتجلس في الثالث، وقيل: في الثاني، واختاره شيخنا، وأن كلام أحمد يقتضيه، ويصير عادة (4).
وتعيد واجب صوم ونحوه، نص عليه، وعنه: قبل تكراره، احتياطا، واختار شيخنا: لا يجب إعادة) [الفروع: 1/ 269 (1/ 368)] (5).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (19/ 238 – 239).
(2) أي أقل الحيض.
(3) أي المبتدأة.
(4) قال في «شرح العمدة» (1/ 486): (قال القاضي وابن عقيل: إذا أثبتنا العادة بثلاث مرات فإنا نتبعها في الثالثة، وإن أثبتناها بمرتين عملت بها في المرة الثالثة، وكلام أحمد يقتضي هذا، وهو أشبه، لأن العادة في المرة الثالثة كأقل الحيض في أول مرة فوجب العمل به من أول زمنه) ا. هـ.
(5) «الفتاوى» (21/ 632).
(1/119)
116 – تناول الدواء لحصول الحيض:
– قال ابن مفلح: (ويجوز (1) لحصول حيض، ذكره شيخنا، إلا قرب رمضان لتفطره، ذكره أبو يعلى الصغير) [الفروع: 1/ 281 (1/ 393)] (2).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي يجوز شرب دواء مباح).
(2) «الفتاوى» (34/ 23 – 24)، وفي مطبوعة «الاختيارات» للبعلي (47): (ويجوز التداوي لحصول الحيض إلا في رمضان لئلا تفطر) وذكر المحقق أنه في نسخة: (إلا قرب رمضان لتفطر)، وما في النسخة هو الموافق لما في «الفروع» وهو الصواب.
(1/120)
كتاب الصلاة
117 – لا قضاء على من ترك الصلاة قبل بلوغ الشرع:
– قال ابن مفلح: (ويقضيها مسلم قبل بلوغ الشرع (1) «و: ش»، وقيل: لا، ذكره القاضي، واختاره شيخنا بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، وقيل: حربي «و: هـ».
وقال شيخنا: والوجهان في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع، كمن لم يتيمم لعدم الماء لظنه عدم الصحة به، أو لم يُزَكِّ، أو أكل حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود لظنِّه ذلك (2)، أو لم تُصلِّ مستحاضة ونحوه، والأصح لا قضاء. قال: ولا إثم (3) اتفاقا، للعفو عن الخطأ والنسيان. ومراده (4) ولم يُقَصِّر، وإلا أثم، وكذا لو عامل بربا، أو أنكح فاسدا، ثم تبين له التحريم ونحوه) [الفروع 1/ 287 ــ 288 (1/ 405 ــ 406] (5).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: المسلم إذا لم يبلغه أحكام الشرع ففاتته صلوات، ثم علم أحكام الشرع، فإنه يقضي الصلاة التي فاتته، وهذا يتصور فيمن أسلم ببادية بعيدة، أو بدار الحرب) ا. هـ.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: إذا ظن أن المراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود، الخيط المعروف عند الناس، ولم يعرف أن المراد سواد الليل وبياض النهار، كالقصة المذكورة في الحديث الصحيح) ا. هـ.
(3) في «الاختيارات» للبعلي (ولا إثم إذا لم يقصّر).
(4) في ط 1: (ومعناه)، والمثبت من ط 2.
(5) «الفتاوى» (11/ 406 – 407؛ 22/ 100 – 103)، «منهاج السنة» (5/ 122 – 125)، «الاختيارات» للبعلي (48 – 49)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 430 – 431).
(1/121)
118 – قضاء من زال عقله بمحرم للصلاة الفائتة:
– قال ابن مفلح: (وتلزم (1) من زال عقله بمحرم «و» خلافا لشيخنا) [الفروع 1/ 289 (1/ 409)] (2).
119 – ثواب عمل الصبي المميز له:
– قال ابن مفلح: (وثواب فعله له، ذكره الشيخ في غير موضع، وذكره شيخنا) [الفروع 1/ 291 (1/ 411)] (3).
120 – إذا بلغ الصبي في الوقت، وكان قد صلى الصلاة:
– قال ابن مفلح: (اختار الشيخ تقي الدين عدم وجوب إعادتها، وذكر أن بعضهم حكاه وجها لنا، وهو مذهب الشافعي.
وقاس أبو الخطاب على الحج، فقيل له: الحج لو بلغ في أثنائه أجزأه، فيجب إذا بلغ في أثناء الصلاة أن تجزئه.
فأجاب: بأن كل وقت من عرفة وقوفُه يجزئ في الحج، وليس كل ركعة من الصلاة تجزئ عن بقية الصلاة، فنظيره: أن ينصرف من عرفة قبل البلوغ، ثم يبلغ، فإنه لا يجزئه حتى يعود فيقف بعرفة.
قال: والصحيح أن الحج مثل الصلاة، فعلى الرواية التي تقول: لا تجزئ الصلاة= نقول: لا يجزئ الحج إذا بلغ بعد إحرامه.
_________
(1) في ط 1: (ويلزم)، والمثبت من ط 2.
(2) «الاختيارات» للبعلي (50).
(3) «الاختيارات» للبعلي (50)، وانظر: «شرح العمدة» (2/ 42).
(1/122)
قال الشيخ تقي الدين: هذا قول منه بروايتين في الصلاة قبل وجوبها.
قال الشيخ تقي الدين: فيصير لنا في الصلاة والحج جميعا ثلاثة أقوال، وفي الصوم روايتان، أعني إذا بلغ في نفس الفعل، فأما إذا بلغ بعد الفعل وبقاء الوقت فلا خلاف في وجوب الحج، ويمتنع مثل ذلك في الصوم. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 30 ــ 31] (1).
121 – تقديم الوقت على الشرط:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: «أو شرط قريب» ليس مذهبا لأحمد وأصحابه، وأن الوقت يقدّم، واختار تقديم الشرط إن انتبه قرب طلوعها) [الفروع 1/ 293 (1/ 415)] (2).
وانظر ما سبق (رقم: 77).
122 – المصر على ترك الصلاة:
– قال ابن مفلح: (وإن تركها تهاونا وكسلا، دعاه إمام أو من في حكمه، فإن أبى حتى ضاق وقت الثانية، اختاره الأكثر، وعنه: الأولى، اختاره صاحب «المحرر» وغيره، وهي أظهر «و: م ش»، وقال أبو أسحاق: إن لم يجمع، وحسّنه الشيخ، وعنه: إن ترك ثلاثا، وعنه: ويضيق وقت الرابعة، قدّمه في «التلخيص»، وفي «المبهج» و «الواضح» و «تبصرة» الحلواني رواية: ثلاثة أيام= قتل (3) (هـ) وجوبا بضرب عنقه. نص عليه «و: م ش» كفرا،
_________
(1) انظر: «منهاج السنة» (5/ 180).
(2) «الفتاوى» (22/ 56 – 60)، «الاختيارات» للبعلي (51 – 52).
(3) هذا جواب: فإن أبى حتى ضاق وقت الثانية.
(1/123)
اختاره الأكثر فحكمه كالكفار … وعنه: حدا «و: م ش» فحكمه كأهل الكبائر، قال شيخنا: كذا فرض الفقهاء، ويمتنع أن يعتقد أن الله تعالى فرضها ولا يفعلها ويصبر على القتل، هذا لا يفعله أحد قط) [الفروع 1/ 294 (1/ 417)] (1).
123 – الإشاعة عن تارك الصلاة بتركها وهجره:
– قال ابن مفلح: (وينبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي. قاله شيخنا، قال: ولا ينبغي السلام عليه، ولا إجابة دعوته) [الفروع 1/ 294 (1/ 417)] (2).
124 – المرتد بترك الصلاة يصير مسلما بفعل الصلاة:
– قال ابن مفلح: (قال ابن عقيل في «الفنون» فيمن ترك الصلاة تهاونا ــ وقيل: بكفره ــ: إذا كان كافرا، فبماذا يكون مسلما: بالشهادتين، أم بفعل الصلاة؟ … ) وساق كلام ابن عقيل، ثم قال:
(قال الشيخ تقي الدين: الأصوب: أنه يصير مسلما بنفس الصلاة، من غير احتياج إلى إعادة الشهادتين، لأن هذا كفره بالامتناع من العمل، ككفر إبليس بترك السجود، وكفر تارك الزكاة بمنعها والمقاتلة عليها، لا بكفره بسكوت، فإذا عمل صار مسلما، كما أن المكذّب إذا صدّق صار مسلما، ومثل هذا الكافر تصحّ صلاته، كما أن المكذّب تصحّ شهادته، فإن صلاته هي توبته من الكفر، أما تصييره مسلما على أصلنا بالصلاة فظاهر، فإن الكافر
_________
(1) «الفتاوى» (7/ 219)، «الاختيارات» للبعلي (50).
(2) «الاختيارات» للبعلي (50)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 252؛ 28/ 220 – 221؛ 34/ 217).
(1/124)
الأصلي والمرتد بالتكذيب لو صلى: حكم بإسلامه، وإنما الكلام في صحة صلاته قبل تجديد الشهادتين، والمسألة مذكورة في المرتد، لا سيما والكافر يصير مسلما بالشهادة لمحمد – صلى الله عليه وسلم – بالرسالة، لتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد.
وأيضًا فلو قال: أنا مسلم، صار مسلما. وما ذكره في الزنديق فالأشبه أيضا: أن الزنديق إذا قبلت توبته فلابد من أن يذكر: أنه تائب منها في الباطن. وإن لم يقل فلعل باطنه تغير. انتهى كلامه.
وكلام ابن عقيل يقتضي الحكم بإسلامه بالشهادتين فقط، كما يكتفى بهما في الزنديق، فيكون كالبينة أولا.
فظهر من هذا ثلاثة أقوال: بالصلاة، أم بالشهاديتن، أم بهما؟
وقول الشيخ تقي الدين: والمسألة مذكورة في المرتد، قال في المرتد الأصلي، وهل صلاته صحيحة؟ : قال القاضي: الصلاة باطلة، ويحكم بإسلامه بها، كالشهادتين إذا وجدتا حكمنا بإسلامه بهما، ولا يستدل بهما على إسلام سابق.
وقال أبو الخطاب: هي صلاة صحيحة مجزئة في الظاهر …
قال الشيخ تقي الدين: شرط الصلاة تقدم الشهادة مسبوقة بالإسلام، فإذا تقرّب بالصلاة يكون بها مسلما، وإن كان محدثا، ولا يصح الإئتمام لفقد شرطه، لا لفقد الإسلام، وعلى هذا عليه أن يعيدها. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 34 ــ 36] (1).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (50).
(1/125)
– واختصر ابن مفلح هذا الكلام في «الفروع» فقال: (قال شيخنا: الأصوب أنه يصير مسلما بالصلاة، لأن كفره بالامتناع، كإبليس وتارك الزكاة، وصحتها قبل الشهادتين كمرتدّ (1)، قال: والأشبه أيضا أن الزنديق لا بدّأن يذكر أنه تائب باطنا، وإن لم يقل، فلعل باطنه قد تغير) [الفروع (1/ 419 ــ 421)].
125 – المحافظ على الصلاة أقرب إلى الرحمة:
– قال ابن مفلح: (والمحافظ عليها أقرب إلى الرحمة ممن لا يصليها، ولو فعل ما فعل، ذكره شيخنا) [الفروع (1/ 421)] (2).
_________
(1) في ط 1: (مرتد)، والمثبت من ط 2.
(2) «الاختيارات» للبعلي (51).
(1/126)
باب المواقيت
126 – أسماء الصلوات وما يكره منها:
– قال ابن مفلح: (ولا تكره تسميتها (1) عتمة، والفجر بصلاة الغداة في الأصح فيهما «ش»، وقيل: يكره في الأخيرة، وقيل: في الأوّلة، وفيها في «اقتضاء الصراط المستقيم»: أن الأشهر عندنا إنما يكره الإكثار حتى يغلب على الاسم الآخر، وأن مثلها في الخلاف المغرب بالعشاء) [الفروع (1/ 424)] (2).
127 – التأخير الشديد للصلاة من المحدثات:
انظر ما يأتي في باب صفة الصلاة برقم (193).
128 – اختلاف وقت الفجر ووقت العشاء في الشتاء والصيف:
– قال ابن مفلح: (ووقت العشاء في الطول والقصر يتبع النهار، فيكون في الصيف أطول، كما أن وقت الفجر يتبع الليل، فيكون في الشتاء أطول، قال شيخنا: ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف فقد غلط غلطا بينا باتفاق الناس، وسبب غلطه أن الأنوار تتبع الأبخرة، ففي الشتاء يكثر البخار في الليل فيظهر النور فيه (3)، وفي الصيف تقلّ الأبخرة بالليل، وفي الصيف يتكدّر الجوّ بالنهار بالأغبرة (4)، ويصفو
_________
(1) أي العشاء.
(2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 408 – 409).
(3) في «الفتاوى»: (فيه أولا).
(4) في «الفتاوى»: (بالأبخرة).
(1/127)
في الشتاء (1)، ولأنّ النورين تابعان للشمس، هذا يتقدّمها، وهذا يتأخر عنها (2)، فإذا كان في الشتاء طال زمن مغيبها فيطول زمن الضوء التابع لها، وإذا كان في الصيف طال زمن ظهورها فيطول زمن الضوء التابع لها (3)، وأمّا جعل هذه الحصّة بقدر هذه، وأن الفجر في الصيف (4) أطول، والعشاء في الشتاء أطول، وجعل الفجر تابعا للنهار يطول في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجعل الشفق تابعا لليل، يطول في الشتاء ويقصر في الصيف، فهو قلب للحسِّ والعقل والشرع) [الفروع 1/ 304 ــ 305 (1/ 435 ــ 436)] (5).
129 – العمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قال بعض أصحابنا: لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت، وهو خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين، وخلاف ما شهدت به النصوص. كذا قال) [الفروع 1/ 306 (1/ 437)] (6).
_________
(1) في «الفتاوى» زيادة: (لأن الشمس مزقت البخار، والمطر لبد الغبار).
(2) في «الفتاوى»: (فيجب أن يكونا تابعين للشمس).
(3) من قوله: (وإذا كان في الصيف) إلى هنا سقط من مطبوعة «الفتاوى».
(4) في ط 1: (وأن الفجرين).
(5) «الفتاوى» (22/ 93 – 94)، «الاختيارات» للبعلي (52).
(6) «الاختيارات» للبعلي (52)، وانظر: «شرح العمدة» (2/ 251 – 252).
تنبيه: وقع في طبعتي «الإنصاف» ــ طبعة الفقي، وطبعة التركي ــ: (قال الشيخ تقي الدين: لا يعمل بقول المؤذن في دخول الوقت، مع إمكان العلم بالوقت، وهو مذهب أحمد، وسائر العلماء المعتبرين، كما شهدت بذلك النصوص، خلافا لبعض أصحابنا. انتهى) ا. هـ
وهذا عكس ما جاء هنا، وما وقع في «شرح العمدة»، والذي يبدو ــ والله أعلم ــ أن كلمة (لا) مقحمة في مطبوعة «الإنصاف»، وأن الصواب: (يعمل بقول المؤذن)، والمرداوي فيما يظهر قد نقل هذا النص من «الاختيارات» للبعلي، والنص فيه على الصواب: (ويعمل بقول المؤذن … الخ).
(1/128)
130 – من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس:
– قال ابن القيم: (المثال الثامن والعشرون (1): رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في أن من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح= بكونها خلاف الأصول وبالمتشابه من نهيه – صلى الله عليه وسلم – عن الصلاة وقت طلوع الشمس، قالوا: والعام عندنا يعارض الخاص، فقد تعارض حاظر ومُبيح، فقدمنا الحاظر احتياطًا، فإنه يوجب عليه إعادة الصلاة، وحديث الإتمام يجوِّز له المُضيّ فيها، وإذا تعارضا صرنا إلى النص الذي يوجب الإعادة لتتيقن براءة الذمة.
فيقال: لا ريب أن قوله – صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته» حديث واحد، قاله – صلى الله عليه وسلم – في وقت واحد، وقد وجبت طاعته في شطره، فتجب طاعته في الشطر الآخر، وهو مُحْكم خاص لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، لا يحتمل غيره ألبته، وحديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي عام مجمل قد خُصّ منه عصر يومه بالإجماع، وخُصّ منه قضاء الفائتة والمنسية بالنصّ، وخُصَّ منه ذوات الأسباب بالسنة كما قضى النبي – صلى الله عليه وسلم – سُنة الظهر بعد العصر، وأقر من قضى سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وقد أعلمه أنها
_________
(1) أي من أمثلة رد بعض الناس للنص بنص آخر.
(1/129)
سنة الفجر، وأمر من صلّى في رَحْله ثم جاء مسجد جماعة أن يصلي معهم وتكون له نافلة، وقاله في صلاة الفجر، وهي سبب الحديث، وأمر الداخلَ والإمام يخطب أن يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس.
وأيضا فإن الأمر بإتمام الصلاة وقد طلعت الشمس فيها أمر بإتمام لا بابتداء، والنهي عن الصلاة في ذلك الوقت نهيٌ عن ابتدائها لا عن استدامتها، فإنه لم يقل: لا تتموا الصلاة في ذلك الوقت، وإنما قال: لا تصلوا، وأين أحكام الابتداء من الدوام وقد فرق النص والإجماع والقياس بينهما؟ ! فلا تؤخذ أحكام الدوام من أحكام الابتداء، ولا أحكام الابتداء من أحكام الدوام في عامة مسائل الشريعة، فالإحرام ينافي ابتداء النكاح والطيب دون استدامتهما، والنكاح ينافي قيام العدة والردة دون استدامتهما، والحدث ينافي ابتداء المسح على الخفين دون استدامته، وزوال خوف العَنَت ينافي ابتداء النكاح على الأمة دون استدامته عند الجمهور، والزنا من المرأة ينافي ابتداء عقد النكاح دون استدامته عند الإمام أحمد ومن وافقه، والذهول عن نية العبادة ينافي ابتداءها دون استدامتها، وفقد الكفاءة ينافي لزوم النكاح في الابتداء دون الدوام، وحصول الغنى ينافي جواز الأخذ من الزكاة ابتداء ولا ينافيه دواما، وحصول الحَجْر بالسفه والجنون ينافي ابتداء العقد من المحجور عليه ولا ينافي دوامه، وطَريَان ما يمنع الشهادة من الفسق والكفر والعداوة بعد الحكم بها لا يمنع العمل بها على الدوام ويمنعه في الابتداء، والقدرة على التكفير بالمال تمنع التكفير بالصوم ابتداء لا دوامًا، والقدرة على هدي التمتع تمنع الانتقال إلى الصوم ابتداء لا دوامًا، والقدرة على الماء تمنع ابتداء التيمم اتفاقًا، وفي منعه لاستدامة الصلاة بالتيمم خلاف بين أهل العلم، ولا يجوز إجارة العين المغصوبة ممن لا يقدر على تخليصها،
(1/130)
ولو غَصَبَها بعد العقد مَن لا يقدر المستأجر على تخليصها منه لم تنفسخ الإجارة وخير المستأجر بين فسخ العقد وإمضائه، ويمنع أهل الذمة من ابتداء إحداث كنيسة في دار الإسلام ولا يمنعون من استدامتها، ولو حلف لا يتزوج ولا يتطيب أو لا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث وإن ابتدأه حنث،
وأضعاف أضعاف ذلك من الأحكام التي يفرق فيها بين الابتداء والدوام، فيحتاج في ابتدائها إلى ما لا يحتاج إليه في دوامها، وذلك لقوة الدوام وثبوته واستقرار حكمه، وأيضًا فهو مستصحب بالأصل، وأيضا فالدافع أسهل من الرافع، وأيضًا فأحكام التّبَع يثبت فيها ما لا يثبت في المتبوعات، والمستدام تابع لأصله الثابت.
فلو لم يكن في المسألة نصّ لكان القياس يقتضي صحة ما ورد به النص، فكيف وقد توارد عليه النص والقياس! ؟
فقد تبين أنه لم يتعارض في هذه المسألة عام وخاص، ولا نص وقياس، بل النص فيها والقياس متفقان، والنص العام لا يتناول مورد الخاص ولا هو داخل تحت لفظه، ولو قدر صلاحية لفظه له فالخاص بيان لعدم إرادته، فلا يجوز تعطيل حكمه وإبطاله، بل يتعين إعماله واعتباره، ولا تضرب أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعضها ببعض، وهذه القاعدة أولى من القاعدة التي تتضمن إبطال إحدى السنتين وإلغاء أحد الدليلين، والله الموفق.
ثم نقول: الصورة التي أبطلتم فيها الصلاة ــ وهي حالة طلوع الشمس ــ وخالفتم السنة أولى بالصحة من الصورة التي وافقتم فيها السنة، فإنه إذا ابتدأ العصر قبل الغروب فقد ابتدأها في وقت نهي، وهو وقت
(1/131)
ناقص، بل هو أولى الأوقات بالنقصان، كما جعله النبي – صلى الله عليه وسلم – وقت صلاة المنافقين حين تصير الشمس بين قَرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، وإنما كان النهي عن الصلاة قبل ذلك الوقت حريما له وسدًّا للذريعة، وهذا بخلاف من ابتدأ الصلاة قبل طلوع الشمس، فإن الكفار حينئذ لا يسجدون لها، بل ينتظرون بسجودهم طلوعها فكيف يقال: تبطل صلاة من ابتدأها في وقت تام لا يسجد فيه الكفار للشمس، وتصح صلاة من ابتدأها وقت سجود الكفار للشمس سواء، وهو الوقت الذي تكون فيه بين قَرْنَي الشيطان فإنه حينئذ يقارنها ليقع السجود له كما يقارنها وقت الطلوع ليقع السجود له؟ فإذا كان ابتداؤها وقت مقارنة الشيطان لها غير مانع من صحتها فلأن تكون استدامتها وقت مقارنة الشيطان غير مانع من الصحة بطريق الأولى والأحرى، فإن كان في الدنيا قياس صحيح فهذا من أصحه، فقد تبين أن الصورة التي خالفتم فيها النص أولى بالجواز قياسًا من الصورة التي وافقتموه فيها.
وهذا مما حصلته عن شيخ الإسلام ــ قدس الله روحه ــ وقت القراءة عليه، وهذه كانت طريقته، وإنما يقرر أن القياس الصحيح هو ما دل عليه النص، وأن من خالف النص للقياس فقد وقع في مخالفة القياس والنص معًا، وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 2/ 341 ــ 344 (2/ 322 ــ 323)] (1).
131 – إذا طرأ المانع بعد دخول الوقت:
– قال ابن مفلح: (وإن دخل الوقت بقدر تكبيرة، وأطلقه أحمد، فلهذا قيل: بجزء، وعنه: وأمكنه الأداء، اختاره جماعة «و: ش»، واختار شيخنا: أن
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (22/ 297؛ 23/ 178 ــ 217).
(1/132)
يضيق «و: م» ثم طرأ جنون أو حيض= وجب القضاء «هـ») [الفروع 1/ 306 (1/ 438)] (1).
132 – إذا طرأ التكليف آخر الوقت:
– قال ابن مفلح: (ذكر شيخنا الخلاف عندنا فيما إذا طرأ مانع أو تكليف، هل يعتبر بتكبيرة أو ركعة، واختار بركعة في التكليف «و: م») [الفروع 1/ 306 (1/ 438)] (2).
133 – إذا عجز من عليه فوائت قد تاب من تركها عن قضائها قبل موته:
134 – وعدم سقوط الفوائت بحج وغيره:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إن عجز فمات بعد التوبة غفر له.
قال: ولا تسقط بحج، ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة، ولا غير ذلك «ع») [الفروع 1/ 308 (1/ 441)] (3).
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 334؛ 20/ 363)، «الاختيارات» للبعلي (53).
(2) «الفتاوى» (23/ 255 – 256).
(3) «الاختيارات» للبعلي (53).
(1/133)
باب الأذان والإقامة
135 – أخذ الأجرة على الأذن:
انظر ما يأتي برقم (781).
136 – أذان الصبي المميز للبالغين:
– قال ابن مفلح: (ولا يصح من مميّز لبالغ في رواية اختارها جماعة «و: م» لأنه فرض كفاية، وفعله نفل، وعلّله صاحب «المغني» و «المحرّر» بأنه لا يقبل خبره، كذا قالا، وذكره جماعة في أصول الفقه، وقال شيخنا: يتخرج فيه روايتان كشهادته وولايته، كذا قال (1)) [الفروع 1/ 319 (2/ 18)] (2).
137 – أذان الفاسق:
– قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين بن تيمية في «تعليق المحرر»: وفي أذان الفاسق روايتان، أي (3) في الإجزاء، فأما ترتيب الفاسق مؤذنا فلا ينبغي أن يجوز قولا واحدا، كما قيل في نفوذ حكم الفاسق إذا حكم بالحق وجهان وإن لم تجز توليته قولا واحدا ….
ورأيت في كلام الشيخ تقي الدين ما يدل على أن ولاية الفاسق مبنية على صحة إمامته، وقال: لم يتنازعوا فإنه (4) لا ينبغي توليته) [النكت على
_________
(1) بعدها في ط 1: (وولايته).
(2) «الاختيارات» للبعلي (57).
(3) هذا البيان لا أدري هل هو للشيخ تقي الدين أو لابن مفلح؟
(4) كذا، ولعلها: (في أنه) كما في «الاختيارات» للبعلي (107 – 108).
(1/134)
المحرر 1/ 108 (1/ 182 – 183] (1).
138 – إجابة المؤذن الثاني فأكثر:
– قال ابن مفلح: (ظاهر كلامهم: يجيب مؤذنا ثانيا فأكثر، ومرادهم حيث يستحب، واختاره شيخنا) [الفروع 1/ 324 (2/ 26)] (2).
139 – إجابة المصلي للمؤذن:
– قال ابن مفلح: (ويجيبه (3) إذا فرغ، وكذا المتخلِّي، قاله أبو المعالي وغيره، وعند شيخنا: يجيبه فيها) [الفروع 1/ 325 (2/ 28)] (4).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (57، 107 – 108) ونصه: (وفي إجزاء الأذان من الفاسق روايتان أقواهما عدمه).
(2) «الاختيارات» للبعلي (60).
(3) أي المصلي.
(4) «الاختيارات» للبعلي (60).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في موضع آخر ــ كما في «الفتاوى» (22/ 72) ــ: (إذا سمع المؤذن يؤذن وهو في صلاة فإنه يتمها، ولا يقول مثل ما يقول عند جمهور العلماء) ا. هـ.
(1/135)
باب ستر العورة وأحكام اللباس
140 – الأمر بأخذ الزينة في الصلاة:
– قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – يقول: أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة، وهو أخذ الزينة، فقال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] فعلق الأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة: إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة.
وكان لبعض السلف حلة بمبلغ عظيم من المال، وكان يلبسها وقت الصلاة، ويقول: ربي أحق من تجملت له في صلاتي؛ ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيما إذا وقف بين يديه، فأحسن ما وقف بين يديه: بملابسه ونعمته التي ألبسه إياها، ظاهرًا وباطنًا) [مدارج السالكين 2/ 400 ـ 401] (1).
141 – عورة المرأة الحرة في الصلاة:
– قال ابن مفلح: (والحرة البالغة كلها عورة حتى ظفرها، نصّ عليه، إلا الوجه، اختاره الأكثر، وعنه: والكفين «و: م ش» وقال شيخنا: والقدمين «و: هـ») [الفروع 1/ 330 (1/ 35)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (65)، وانظر: «الفتاوى» (22/ 113 – 120)، «شرح العمدة» (2/ 258 – 260).
(2) «الفتاوى» (22/ 114).
(1/136)
142 – حكم صلاة العبد الآبق:
– قال ابن مفلح: (ولا يصح نفل آبق، ذكره ابن عقيل وغيره، لأنّ زمن فرضه مستثنى شرعا فلم يغصبه، وقال شيخنا: وبطلان فرضه قويٌّ) [الفروع 1/ 333 (2/ 42)].
– وقال أيضاً: (فرع: هل تصح صلاة من غصب نفسه، وهو العبد الآبق؟ …. ذكر ــ أي ابن عقيل ــ في كتابه «الواضح» هذه المسألة، وقال آخر كلامه: والذي يتحقق غصبه لنفسه فيها من الصلاة تكون عندنا باطلة، وهي النافلة …
وقال الشيخ تقي الدين ــ بعد ذكره لكلام ابن عقيل في «الواضح» ــ: لكنه غاصب للمكان الذي حلّ فيه، مقامه فيه يحرم كمقام الغاصب في ملك المغصوب، فبطلان الصلاة أقوى. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 48] (1).
143 – إذا غصب مسجدا ومنع الناس من الصلاة فيه، ثم تلف في يده:
– قال ابن مفلح: (ولا يضمنه بمنعه (2) كجزء، وقال شيخنا: قياس المذهب يضمنه) [الفروع 1/ 334 (2/ 44)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (65).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الضمير في قوله: «بمنعه» يعود إلى المسجد الذي منعه غيره ولم يغيّر هيئته، وإنما وجد منه المنع فقط، ولهذا قال: «بمنعه» احترز به عمّا إذا غيّر هيئته، والمعنى: أنه لو منع غيره من المسجد لم يضمنه بذلك، أشبه ما لو غصب جزءا، فإنه لا يضمنه، وقوله «كجزء» يحتمل أنه أراد به إذا منع جزءا من المسجد) ا. هـ.
(3) «الاختيارات» للبعلي (64)، وانظر: «الآداب الشرعية» (3/ 394).
(1/137)
144 – لباس الشهرة:
– قال ابن مفلح: (ويكره شهرة، وخلاف زي بلده، وقيل: يحرم، ونصه: لا، قال شيخنا: تحرم شهرة، وهو ما قصد به الارتفاع، وإظهار التواضع، كما كان السلف يكرهون الشهرتين من اللباس (1) المرتفع والمنخفض، ولهذا في الخبر: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة»، فعاقبه بنقيض قصده) [الفروع 1/ 345 (2/ 61 ــ 62)].
– وقال أيضا: (قال في «الرعاية الكبرى»: يكره في غير حرب إسبال بعض لباسه فخرا وخيلاء وبطرا وشهرة، وخلاف زي بلده بلا عذر، وقيل: يحرم ذلك، وهو أظهر، وقيل: ثوب الشهرة ما خالف زي بلده وأزرى به ونقص مروءته. انتهى كلامه.
والقول بتحريم ذلك خيلاء هو ظاهر كلام الإمام أحمد، وقطع به في «المستوعب» و «الشرح»، وهو الذي وجدته في كلام الشيخ تقي الدين) [الآداب الشرعية 3/ 496] (2).
145 – الامتناع من فعل المباحات مطلقًا:
– قال ابن مفلح: (قيل لأحمد: يؤجر في ترك الشهوات؟ قال: نعم. ومراده: لا أن يمتنع منها مطلقا. قال شيخنا: من فعل هذا، فجاهل ضال)
_________
(1) في ط 1: (يكرهون الشهرة من اللين)، والمثبت من ط 2.
(2) لم أقف عليه، وفي «الفتاوى» (22/ 138): (وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمتخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين: المترفع والمتخفض، وفي الحديث: «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة»، وخيار الأمور أوسطها) ا. هـ
(1/138)
[الفروع 1/ 346 (2/ 63)] (1).
146 – الإسراف في المباحات:
– قال ابن مفلح: (فأما الإسراف في المباح فالأشهر لا يحرم … وحرّمه شيخنا) [الفروع 1/ 347 (2/ 64 ــ 65)] (2).
147 – الشكر على نعمة اللباس ونحوها:
– قال ابن مفلح: (فأما شكر الله على ذلك فمستحب، ويأتي في الوليمة (3) خلاف في الحمد على الطعام، فيتوجه مثله في اللباس، ثم إن وجب فعدمه لا يمنع الحل على ما يأتي في الأطعمة (4).
وقال شيخنا ــ بعد أن ذكر: من امتنع من فعل المباحات، كأكل ولبس، ويظن أن هذا مستحب جاهل ضال ــ قال: أمر الله بالأكل من الطيب والشكر له، وهو العمل بطاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، فمن أكل ولم يشكر، كان معاقبا على ما تركه من فعل الواجبات، ولم تحل له الطيبات، فإن الله إنما أحلّها لمن يستعين بها على طاعته، كما قال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا
_________
(1) «الفتاوى» (22/ 134) ونص كلامه: (الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم، وترك فضولها هو من الزهد المباح، وأما الامتناع من فعل المباحات مطلقا كالذي يمتنع من أكل اللحم، وأكل الخبز، أو شرب الماء، أو لبس الكتان والقطن، ولا يلبس إلا الصوف، ويمتنع من نكاح النساء، ويظن أن هذا من الزهد المستحب، فهذا جاهل ضال من جنس زهاد النصارى) ا. هـ.
(2) «الفتاوى» (22/ 134).
(3) «الفروع» (8/ 321. ط 2).
(4) «الفروع» (10/ 331. ط 2).
(1/139)
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93]، ولهذا لا يجوز أن يعان الإنسان بالمباحات على المعاصي، وقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] أي: عن الشكر، فطالب العبد بأداء شكر الله عليه، فإنّ الله لا يعاقب إلا على ترك مأمور وفعل محظور) [الفروع 1/ 347 (2/ 65)] (1).
148 – لبس الرجل للذهب اليسير تبعا:
149 – وبيع الحرير للكافر ليلبسه، وبيع آنية الذهب والفضة له:
– قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام يقول: حديث معاوية في إباحة الذهب مقطعًا (2): هو في التابع غير المفرد، كالزر والعلم ونحوه، وحديث الخريصة (3): هو في الفرد، كالخاتم وغيره، فلا تعارض بينهما. والله أعلم) [تهذيب السنن 6/ 202].
– وقال ابن مفلح: (ويحرم يسير ذهب تبعا، نص عليه، كالمفرد «و»، وعنه: لا «و: هـ م» (4) اختاره أبو بكر وصاحب «المحرر» وحفيده.
وقال: يجوز بيع حرير لكافر، ولبسه له، لأن عمر بعث بما أعطاه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أخ له مشرك. رواه أحمد والبخاري ومسلم …
_________
(1) «الفتاوى» (22/ 135 – 137) باختصار.
(2) أي: حديث: «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ركوب النمار وعن لبس الذهب إلا مقطعا».
(3) أي: حديث: «من تحلى بخريصة كوي بها يوم القيامة».
(4) في ط 1: (و: هـ)، والمثبت من ط 2.
(1/140)
وقال شيخنا: وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة للكفار، وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعها (1) لبيعها منهم، وعملها لهم بالأجرة. كذا قال) [الفروع 1/ 352 (2/ 73)] (2).
150 – لبس الفضة والتحلي بها:
– قال ابن مفلح: (ولم أجد أحدا احتج لتحريم لباس الفضة على الرجال في الجملة، ودليل ذلك فيه إشكال، وحكي عن الشيخ تقي الدين أنه كان يستشكل هذه المسألة، وربما توقف فيها، وكلامه في موضع يدل على إباحة لبس الفضة للرجال إلا ما دلّ دليل شرعي على تحريمه.
وقال في موضع آخر: لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق .. إلى أن قال: فلما كانت ألفاظه صلوات الله وسلامه عليه عامة في آنية الذهب والفضة، وفي لباس الذهب والحرير= استثني من ذلك ما خصته الأدلة الشرعية، كيسير الحرير ويسير الفضة في الآنية للحاجة، ونحو ذلك.
فأما لباس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان هذا دليلا على إباحة ذلك، وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 139 ــ 140] (3).
_________
(1) في ط 1: (صبغها)، والمثبت من ط 2.
(2) انظر: «الفتاوى» (21/ 82، 87؛ 25/ 64)، «الاختيارات» للبعلي (116).
(3) «الفتاوى» (25/ 64 – 65)، «الاختيارات» للبعلي (115 – 116)، وما يأتي برقم (401).
(1/141)
151 – صلاة المسبل ومن لبس المزعفر والمعصفر ونحوها:
– قال ابن مفلح: (نقل صالح: ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر والأحمر المصمت، وقيل: لا، ونقله الأكثر في المزعفر، وهو مذهب ابن عمر وغيره «و: م» وذكر الآجري والقاضي وغيرهما تحريم التزعفر له «و: هـ ش»، وقيل: يعيد من صلى به أو بمعصفر أو مسبلا، ونحوه، واختار أبو بكر هذا المعنى …
وحمل الخلال النهي عن التزعفر على بدنه في صلاته، وحمله صاحب «المحرر» على التطيب به، والتخلق به، لأن خير طيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه.
قال شيخنا: بناء على أنه هل يلزم من عدم القبول عدم الصحة أو عدم الثواب فقط؟) [الفروع 1/ 354 ــ 355 (2/ 77 ــ 78)] (1).
152 – الحكمة من ذؤابة العمامة:
– قال ابن القيم: (وكان شيخنا أبو العباس ابن تيمية ــ قدس الله روحه في الجنة ــ: يذكر في سبب الذؤابة شيئًا بديعًا، وهو: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما اتخذها صبيحة المنام الذي رآه في المدينة، لما رأى رب العزة تبارك وتعالى، فقال: «يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفي، فعلمت ما بين السماء والأرض … » الحديث. وهو في الترمذي، وسئل عنه البخاري فقال: صحيح.
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ويحتمل أن يكون كلام شيخنا ــ كذا ــ عائدا إلى قوله: وقيل: يعيد من صلى به، أو بمعصفر، أو مسبلا) ا. هـ.
(1/142)
قال: فمن تلك الحال أرخى الذؤابة بين كتفيه. وهذا من العلم الذي تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم، ولم أر هذه الفائدة في إثبات الذؤابة لغيره) [زاد المعاد 1/ 136 ـ 137].
153 – إطالة ذؤابة العمامة:
– قال ابن مفلح: (ويسن إرخاء ذؤابة خلفه، نص عليه، قال شيخنا: إطالتها كثيرا من الإسبال) [الفروع 1/ 356 (2/ 79)].
154 – لبس السراويل مع القميص:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الأفضل مع القميص السراويل من غير حاجته إلى الإزار والرداء، وسبق كلامه في باب السواك (1)) [الفروع 1/ 356 (2/ 80)].
155 – حكم إلباس الدابة الحرير ونحوه:
– قال ابن مفلح: (ويحرم إلباسها (2) ذهبا وفضة، وقال شيخنا: وحريرا) [الفروع 1/ 356 (2/ 82)].
156 – الصلاة في النعل:
– قال ابن مفلح: (واستحب شيخنا وغيره الصلاة في النعل) [الفروع 1/ 358 (2/ 83)] (3).
_________
(1) انظر: رقم (28).
(2) أي الدابة.
(3) «الفتاوى» (22/ 121).
(1/143)
157 – التشبه بالكفار:
– قال ابن مفلح: (وقال (1) في مكان آخر: يكره لبس ما يشبه زي الكفار دون العرب، وقاله أيضا غيره، وعن ابن عمر مرفوعا: «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه أحمد وأبو داود، وإسناده صحيح.
قال شيخنا: وقد احتج أحمد وغيره بهذا الحديث (2). قال شيخنا: أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]). [الفروع 1/ 360 (2/ 85)] (3).
وانظر ما يأتي برقم: (1049).
_________
(1) إما ابن عقيل أو القاضي أبو يعلى.
(2) من قوله: (قال شيخنا) إلى هنا غير موجود في ط 1.
(3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 270).
(1/144)
باب اجتناب النجاسة ومواضع الصلاة
158 – الحكمة من النهي عن اتخاذ المساجد على القبور:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور= هي التي أوقعت كثيرًا من الأمم إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب ونحو ذلك؛ فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر؛ ولهذا نجد أهل الشرك كثيرًا يتضرعون عندها، ويخشعون، ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها في بيوت الله، ولا وقت السحر؛ ومنهم من يسجد لها، وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه في المساجد.
فلأجل هذه المفسدة: حسم النبي – صلى الله عليه وسلم – مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقًا، وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد؛ كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس، فنهى أمته عن الصلاة حينئذ، وإن لم يقصد المصلي ما قصده المشركون، سدا للذريعة.
قال: وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركًا بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله؛ فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – = أن الصلاة عند القبور منهي عنها، وأنه لعن من اتخذها مساجد)
(1/145)
[إغاثة اللهفان 1/ 288 ــ 289] (1).
159 – الصلاة عند القبر والقبرين:
– قال ابن مفلح: (ولا يضر قبر أو قبران، وقيل: بلى، واختاره شيخنا) [الفروع 1/ 375 (2/ 111)] (2).
وانظر ما يأتي برقم (360).
160 – الصلاة في الكنيسة:
– قال ابن مفلح: (وله دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما، وعنه: يكره، وعنه: مع صور (3)، وظاهر كلام جماعة تحريم دخوله معها، وقاله شيخنا، وأنها كالمسجد على القبر، وقال: وليست ملكا لأحد، وليس لهم منع من يعبد الله، لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا) [الفروع 5/ 308 (8/ 372)] (4).
161 – الصلاة في معاطن الإبل ومرابض الغنم وفي الحمام:
– قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (ولما كانت القوة الشيطانية في لحوم الإبل لازمة كان الأمر بالوضوء منها لا مُعارض له من فعل ولا قول، ولما كان في ممسوس النار عارضةً صح فيها الأمر والترك، ويدل على هذا أنه
_________
(1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 192 – 193).
(2) «شرح العمدة» (2/ 460 – 461)، «الاختيارات» للبعلي (67).
(3) في ط 1: (صورة)، والمثبت من ط 2.
(4) «الفتاوى» (22/ 162)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (68).
(1/146)
فرّق بينها وبين لحوم الغنم في الوضوء، وفرّق بينها وبين الغنم في مواضع الصلاة؛ فنهى عن الصلاة في أعطان الإبل وأذن في الصلاة في مرابض الغنم، وهذا يدل على أنه ليس ذلك لأجل الطهارة والنجاسة، كما أنه لما أمر بالوضوء من لحوم الإبل دون لحوم الغنم علم أنه ليس ذلك لكونها مما مسَّتْه النار، ولما كانت أعطانُ الإبل مأوى الشيطان لم تكن مواضع للصلاة كالحُشوش، بخلاف مباركها في السفر؛ فإن الصلاة فيها جائزة؛ لأن الشيطان هناك عارض، وطردُ هذا المنعُ من الصلاة في الحمَّام لأنه بيت الشيطان) [إعلام الموقعين 1/ 396] (1).
_________
(1) هذا الكلام ضمن نص سبق ذكره بتمامه تحت المسألة رقم (55)، وهو في «الفتاوى» (20/ 524 – 525).
(1/147)
باب النية
162 – النية تتبع العلم:
– قال ابن مفلح: (نقل أبو طالب وغيره: إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نية، أتراه كبّر وهو لا ينوي الصلاة؟! واحتج به شيخنا وغيره على أن النية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة) [الفروع 1/ 393 (2/ 138)] (1).
163 – الخروج من الصلاة إذا شك في النية:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يحرم خروجه لشكه في النية، للعلم بأنه ما دخل إلا بالنية، وكشكه هل أحدث؟) [الفروع 1/ 397 (2/ 142)] (2).
164 – انتقال المنفرد إماما أو مأموما:
– قال ابن مفلح: (ولا ينتقل منفردا مأموما على الأصح «و: هـ م ق» (3) ولا إماما، اختاره الأكثر، وعنه: يصح، اختاره الشيخ وشيخنا) [الفروع 1/ 400 (2/ 150)] (4).
_________
(1) «شرح العمدة» (2/ 587 – 588)، «الفتاوى» (22/ 219 – 220، 228)، «الاختيارات» للبعلي (74).
(2) «الاختيارات» للبعلي (74).
(3) في ط 2: (هـ م ق).
(4) «الفتاوى» (22/ 257)، «الاختيارات» للبعلي (74).
(1/148)
165 – إذا عين الإمام أو المأموم ثم تبين أنه غير المعين:
166 – وإذا عين في صلاة الجنازة المصلى عليه، ثم تبين أنه آخر:
– قال ابن مفلح: (وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم صحّ، لا مع الشك، فإن لم يحضر، أو أحرم بحاضر فانصرف قبل إحرامه، أو عيّن إماما أو مأموما، وقيل: أو ظنهما ــ وقلنا: لا يجب تعيينهما في الأصح ــ فأخطأ، لم يصحّ، وقيل: بلى، منفردا، كانصراف الحاضر بعد دخوله معه، قال بعضهم: وإن عيّن جنازة فأخطأ فوجهان، قال شيخنا: إن عيّن وقصده خلف من حضر، وعلى من حضر، صحّ، وإلا فلا) [الفروع 1/ 400 (2/ 150)] (1).
167 – التلفظ بالنية:
انظر ما سبق برقم (32).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (75)، وانظر: «الفتاوى» (22/ 220؛ 23/ 391 – 392).
(1/149)
باب صفة الصلاة
168 – تسوية الصفوف:
– قال ابن مفلح: (ويتوجه يجب (1) تسوية الصفوف وهو ظاهر كلام شيخنا، لأنه عليه السلام رأى رجلا باديا صدره فقال: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم») [الفروع: 1/ 408 (2/ 162)] (2).
169 – بعض البدع التي يفعلها بعض الناس في ابتداء الصلاة:
170 – والوسوسة ومفاسدها:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: ومن هؤلاء من يأتي بعشر بدع لم يفعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا أحد من أصحابه واحدة منها، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نويت أصلي صلاة الظهر، فريضة الوقت، أداء لله تعالى، إماما ــ أو مأمومًا ــ، أربع ركعات، مستقبل القبلة؛ ثم يزعج أعضاءه، ويحني جبهته، ويقيم عروق عنقه، ويصرخ بالتكبير كأنه يكبر على العدو، ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش هل فعل رسول الله أو أحد من أصحابه شيئًا من ذلك، لما ظفر به، إلا أن يجاهر بالكذب البحت؛ فلو كان في هذا خير لسبقونا إليه ولدلونا عليه، فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذي كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
قال: ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة، مثل: تكرير بعض
_________
(1) في ط 1: (لخبر)! والمثبت من ط 2.
(2) «الاختيارات» للبعلي (75).
(1/150)
الكلمة، كقوله في التحيات: ات ات، التحي التحي، وفي السلام: اس اس، وقوله في التكبير: أكككبر، ونحو ذلك؛ فهذا الظاهر: بطلان الصلاة به، وربما كان إمامًا فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة ــ التي هي أكبر الطاعات ــ أعظم إبعادا له عن الله من الكبائر، وما لم تبطل به الصلاة من ذلك: فمكروه، وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهديه، وما كان عليه أصحابه؛ وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه، وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس، ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه، وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له، وتعريض نفسه لطعن الناس فيه، وتغرير الجاهل بالإقتداء به؛ فإنه يقول: لولا أن ذلك أفضل لما اختاره لنفسه، وإسأة الظن بما جاءت به السنة، وأنه لا يكفي وحده، وانفعال النفس وضعفها للشيطان، حتى يشتد طمعه فيه، وتعريضه نفسه للتشديد عليه بالقدر عقوبة له، وإقامته على الجهل، ورضاه بالخبل في العقل؛ كما قال أبو حامد الغزالي وغيره: الوسوسة سببها: إما جهل بالشرع، وإما خبل في العقل؛ وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب) [إغاثة اللهفان 1/ 216 ـ 217].
171 – إسماع المصلي نفسه تكبيرة الإحرام والذكر الواجب والفاتحة:
– قال ابن مفلح: (وهو ركن بقدر ما يسمع نفسه، ومع العذر بحيث يحصل السماع مع عدمه، واختار شيخنا الاكتفاء بالحروف وإن لم يسمعها، وذكره وجها «و: م» وكذا ذِكْرٌ واجب، والمراد: إلا أن الإمام يسر التحميد، كما هو ظاهر كلام القاضي، وقال بعض الحنفية كقول شيخنا) [الفروع 1/ 410 ــ 411 (2/ 166)].
(1/151)
– وقال أيضاً: (واختار الشيخ تقي الدين أنه يكفي محصل الحروف، وإن لم يسمع نفسه) [النكت على المحرر 1/ 54] (1).
172 – دعاء الاستفتاح:
– قال ابن مفلح: (ثم يستفتح «م» سرّا «و» بـ «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» «و: هـ» نص عليه … وليس: «وجهت وجهي … » والآية بعدها أفضل «ش» لخبر عليّ، واختار الآجري قول ما في خبر عليّ كلِّه، واختار ابن هبيرة وشيخنا جمعهما (2) ….
وقال شيخنا أيضا: الأفضل أن يأتي بكل نوع أحيانا، وكذا قاله في أنواع صلاة الخوف وغير ذلك، وأن المفضول قد يكون أفضل لمن انتفاعه به أتمّ) [الفروع: 1/ 412 ــ 413 (2/ 169 ــ 170)] (3).
173 – معنى «اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد»:
– قال ابن القيم: (وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: «اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة تخصيص التطهير بذلك؟ وقوله في لفظ آخر: «والماء البارد» والحار أبلغ في الإنقاء؟
فقال: الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفًا، وترخي القلب،
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (76).
(2) «الفتاوى» (22/ 394 – 395).
(3) «الفتاوى» (22/ 347 ــ 348، 336 – 337، 69 – 70، 287، 403 – 404)، «شرح العمدة» (باب صفة الصلاة: 79 – 94)، «الاختيارات» للبعلي (76 – 77).
(1/152)
وتضرم فيه نار الشهوة وتنجسه، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث ويطفئ النار، فإن كان باردًا أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا. هذا معنى كلامه) [إغاثة اللهفان 1/ 94].
174 – التعوذ في أول كل قربة:
– قال ابن مفلح: (واستحب شيخنا التعوذ في أول كل قربة (1)) [الفروع: 1/ 413 (1/ 170)] (2).
175 – الجهر بالتعوذ والبسملة والفاتحة في الجنازة أحيانا:
176 – والجهر بالبسملة للتأليف:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجهر بها (3) وبالتعوذ وبالفاتحة في الجنازة ونحو ذلك أحيانا، فإنه المنصوص عن أحمد تعليما للسنة، وأنه يستحب (4) أيضا للتأليف، كما استحب أحمد ترك القنوت في الوتر تأليفا للمأموم) [الفروع: 1/ 413 (2/ 170 ــ 171)] (5).
_________
(1) في «الاختيارات» للبعلي: (قراءة)، وفي بعض نسخها: (قربة).
(2) «الاختيارات» للبعلي (77).
(3) أي البسملة.
(4) أي الجهر بالبسملة.
(5) «الفتاوى» (22/ 274 – 275، 405، 420 – 421، 406 – 407، 436 – 437)، «الاختيارات» للبعلي (77).
(1/153)
177 – كتابة البسملة في أوائل الكتب:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وتكتب أوائل الكتب كما كتبها سليمان، وكتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلح الحديبية، وإلى قيصر وغيره، نص عليه) [الفروع 1/ 414 (2/ 171 ــ 172)] (1).
178 – الفاتحة أفضل سورة:
– قال ابن مفلح: (وهي أفضل سورة. قاله شيخنا) [الفروع: 1/ 415 (2/ 172)] (2).
179 – من لا يحسن القراءة ولا الذكر:
– ذكر ابن القيم قول من قال: أن المولود إذا ولد مختونا أنه يمر بالموسى على موضع الختان، وضعف هذا القول، ثم قال: (ونظير هذا … قول بعض المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم: أن الذي لا يحسن القراءة بالكلية ولا الذكر، أو أخرس: يحرك لسانه حركة مجردة.
قال شيخنا: ولو قيل: إن الصلاة تبطل بذلك كان أقرب، لأنه عبثٌ ينافي الخشوع، وزيادة عمل غير مشروع) [تحفة المودود 161 ــ 162] (3).
180 – آية الكرسي أعظم آية:
– قال ابن مفلح: (وآية الكرسي أعظم آية، كما رواه مسلم عنه عليه السلام، وروى أحمد ذلك، فظاهره أنه يقول به، وللترمذي وغيره: «إنها
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (78).
(2) «الفتاوى» (14/ 6)، «الاختيارات» للبعلي (79).
(3) «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/154)
سيدة آي القرآن»، وقاله إسحاق بن راهويه وغيره، وقاله شيخنا، قال: كما نطقت به النصوص، لكن عن إسحاق وغيره أنها بالنسبة إلى كثرة الثواب وقلته) [الفروع: 1/ 415 (2/ 172)] (1).
181 – فضل سورة الإخلاص:
– قال ابن مفلح: (وفي «الصحيحين» في قل هو الله أحد: «ثلث القرآن، وتعدل ثلث القرآن». ورواه أحمد.
قال شيخنا: معاني القرآن ثلاثة أصناف: توحيد، وقصص، وأمر ونهي، و «قل هو الله أحد» مضمّنة ثلث التوحيد، وإذا قيل: ثوابها يعدل ثلث القرآن، فمعادلة الشيء للشيء تقتضي تساويهما في القدر، لا تماثلهما في الوصف، كما في قوله: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95]، ولهذا لا يجوز أن يستغنى بقراءتها ثلاث مرات عن قراءة سائر القرآن، لحاجته إلى الأمر والنهي والقصص كما لا يستغني من ملك نوعا من المال شريفا عن غيره) [الفروع: 1/ 415 (2/ 173)] (2).
182 – ترجمة معاني القرآن:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يحسن للحاجة ترجمته لمن يحتاج إلى تفهمه (3) إياه بالترجمة، وذكر غيره هذا المعنى، وحصل الإنذار بالقرآن دون
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (79).
(2) «الفتاوى» (17/ 134، 206 – 208)، «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 393 – 394)، «الاختيارات» للبعلي (79 – 80).
(3) كذا، وفي «الفتاوى»: (تفهيمه).
(1/155)
تلك اللغة، كترجمة الشهادة) [الفروع: 1/ 418 (2/ 177)] (1).
183 – ترتيب الآيات والسور:
– قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: ترتيب الآيات واجب، لأن ترتيبها بالنص «ع» وترتيب السور بالاجتهاد، لا بالنص في قول جمهور العلماء، منهم المالكية والشافعية، قال شيخنا: فيجوز قراءة هذه قبل هذه، وكذا في الكتابة، ولهذا تنوّعت مصاحف الصحابة – رضي الله عنهم – في كتابتها، لكن لمّا اتفقوا على المصحف في زمن عثمان صار هذا مما سنّه الخلفاء الراشدون، وقد دلّ الحديث على أن لهم سنّة يجب اتباعها) [الفروع: 1/ 421 (2/ 182)] (2).
184 – معنى الحرف في الحديث الوارد في فضل قراءة القرآن:
– قال ابن مفلح: (وإن كان في قراءة زيادة حرف ــ مثل: فأزلهما وأزالهما، ووصّى وأوصى ــ فهي أولى لأجل عشر الحسنات، نقله حرب، واختار شيخنا أن الحرف الكلمة) [الفروع: 1/ 423 (2/ 185)] (3).
185 – القراءة بما خالف المصحف وصح سنده:
– قال ابن مفلح: (وتكره بما خالف المصحف، وصح سنده، نص عليه، وتصح في رواية، لصلاة الصحابة بعضهم خلف بعض، وذكر شيخنا أنها أنصُّهما، وأن قول أئمة السلف وغيرهم أن مصحف عثمان أحد الحروف
_________
(1) «الفتاوى» (3/ 306)، «الاختيارات» للبعلي (80).
(2) انظر: «الفتاوى» (13/ 396).
(3) «الفتاوى» (10/ 232 – 233؛ 12/ 103 – 107؛ 17/ 420 – 421)، «الرد على المنطقيين» (129 – 130)، «الاختيارات» للبعلي (80).
(1/156)
السبعة) [الفروع: 1/ 423 (2/ 185)] (1).
186 – قول المأموم مع إمامه: (إياك نعبد وإياك نستعين) ونحوه:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو قال مع إمامه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ونحوه كره، وإن قاله وهو يسمع بطلت في وجه) [الفروع: 1/ 425 ــ 426 (2/ 188)] (2).
187 – قراءة المأموم خلف الإمام:
– قال ابن مفلح: (وفي السكتات لا تكره «هـ» ولو لتنفس، نقله ابن هانئ، واختاره بعضهم، وقال شيخنا: لا «ع» (3).
كذا قال، وقال (4): هل الأفضل قراءته الفاتحة؛ للاختلاف في وجوبها، أم غيرها؛ لأنه استمعها؟ ومقتضى نصوص أحمد وأكثر أصحابه أن القراءة بغيرها أفضل) [الفروع: 1/ 427 ــ 428 (2/ 190 ــ 191)] (5).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (80)، وانظر: «الفتاوى» (13/ 392 – 395، 403).
(2) «الاختيارات» للبعلي (81).
(3) قال المرداوي في «الإنصاف» (4/ 310): (قال الشيخ تقي الدين: لا يقرأ في حال تنفسه إجماعا. قال في «الفروع»: كذا قال) ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (23/ 277) ــ: (وكان بعض من أدركنا من أصحابنا يقرأ عقب السكوت عند رؤوس الآي، فإذا قال الإمام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وهذا لم يقله أحد من العلماء) ا. هـ.
(4) «الفتاوى» (22/ 339 – 340).
(5) «الاختيارات» للبعلي (81 – 82).
(1/157)
– وقال أيضا: (واختار ابن المنذر في «الإشراف» أنه يقرأ في سكتات الإمام، فإن بقي من الفاتحة شيء قرأ عند وقفات الإمام، فإن بقي شيء فإذا ركع الإمام.
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية: هذا لم يقله أحد من العلماء) [النكت على المحرر 1/ 61].
188 – إذا سمع همهمة ولم يفهم:
– قال ابن مفلح: (وإن سمع همهمة ولم يفهم لم يقرأ، نقله الجماعة، وعنه: بلى، اختاره شيخنا) [الفروع: 1/ 428 (1/ 192 ــ 193)] (1).
189 – استفتاح المأموم واستعاذته وبسملته:
– قال ابن مفلح: (ذكر ابن الجوزي: أن قراءته وقت مخافتته أفضل من استفتاحه وغلّطه شيخنا، وقال: قول أحمد وأكثر أصحابه: الاستفتاح أولى، لأن استماعه بدل عن قراءته) [الفروع: 1/ 430 (2/ 194 ــ 195)] (2).
190 – من جهل ما قرأ به إمامه:
– قال ابن مفلح: (ومن جهل ما قرأ به إمامه لم يضرّ، وقيل: يتمها وحده، وقيل: تبطل، نقل ابن أصرم: يعيد، فقال أبو إسحاق (3): لأنه لم يدر هل قرأ «الحمد» أم لا؟ ولا مانع من السماع، وقال شيخنا: بل لتركه الإنصات الواجب) [الفروع: 1/ 430 ــ 431 (2/ 195)].
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 268 – 269)، «الاختيارات» للبعلي (81).
(2) «الفتاوى» (23/ 280 – 281)، «الاختيارات» للبعلي (82).
(3) هو ابن شَاقلا كما في «الاختيارات» للبعلي.
(1/158)
– وقال أيضا: (وقال القاضي في «الجامع الكبير»: فرع، في رواية أحمد بن أصرم في رجل صلّى خلف إمام، فقيل له: ما قرأ؟ فقال: لا أدري: عليه إعادة الصلاة.
قال أبو إسحاق في «تعليقه»: بيانها عندي ــ والله أعلم ــ إذا لم يدر هل قرأ فاتحة الكتاب أو غيرها؟ لا يجهر فيما يجهر فيه بالقراءة، وليس يمنعه مانع من السماع، لأن قراءة الإمام له قراءة. انتهى كلامه.
واختار الشيخ تقي الدين: أن هذا النص معلل بأن المأموم يجب عليه الإنصات لقراءة إمامه، ولم يفعل، فقد ترك واجبا، وأما علمه بقراءة الإمام الفاتحة فلا يعتبر، لأنه لا يجب على المأموم تحصيل العلم بأن الإمام قد أتى بما يعتبر للصلاة، بل يكفي الظاهر، حملا للأمور على الصحة والسلامة، إلى أن يقوم دليل الفساد، عملا بحديث عائشة – رضي الله عنها – في شكهم في التسمية على الذبيحة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «سموا الله أنتم وكلوا»، ولما في ذلك من الحرج والمشقة) [النكت على المحرر 1/ 70 ــ 71] (1).
191 – ما يقوله المأموم عند الرفع من الركوع:
– قال ابن مفلح: (والمأموم يحمد فقط «و: هـ، م»، وعنه: ويزيد: «ملء السماء»، اختاره صاحب «النصيحة» و «الهداية» و «المحرر» وشيخنا) [الفروع: 1/ 433 (1/ 198)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (82 – 83).
(2) «الاختيارات» للبعلي (83).
(1/159)
192 – القنوت في الفجر:
– قال ابن القيم: (وأما حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس قال: ما زال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. وهو في «المسند» والترمذي وغيرهما، فأبو جعفر: قد ضعّفه أحمد وغيره، وقال ابن المديني: كان يخلط. وقال أبو زرعة: كان يهم كثيرًا. وقال ابن حبّان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير.
وقال لي شيخنا ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ: وهذا الإسناد نفسه هو إسناد حديث: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: 172] حديث أبي بن كعب الطويل، وفيه: «وكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق في زمن آدم، فأرسل تلك الروح إلى مريم عليها السلام حين انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا، فأرسله الله في صورة بشر، فتمثل لها بشرًا سويًا. قال: فحملت الذي يخاطبها، فدخل من فيها».
وهذا غلط محض، فإن الذي أرسل إليها الملك، الذي قال لها: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] ولم يكن الذي خاطبها بهذا هو عيسى بن مريم، هذا محالٌ) [زاد المعاد 1/ 275 ـ 276].
193 – تقصير القيام بعد الركوع والجلسة بين السجدتين وترك إتمام التكبير من المحدثات:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: وتقصير هذين الركنين مما تصرف فيه أمراء بني أمية في الصلاة، وأحدثوه فيها، كما أحدثوا فيها ترك إتمام التكبير، وكما أحدثوا التأخير الشديد، وكما أحدثوا غير ذلك مما يخالف هديه – صلى الله عليه وسلم -،
(1/160)
ورُبِّيَ في ذلك مَنْ رُبِّي، حتى ظن أنه من السنة) [زاد المعاد 1/ 222] (1).
194 – رفع اليدين عند القيام من التشهد الأول:
– قال ابن مفلح: (ثم ينهض في ثلاثية أو رباعية مكبّرا «و» لا بعد قيامه «م»، ولا يرفع يديه «و»، وعنه: بلى، اختاره صاحب «المحرر» وحفيده (2)) [الفروع 1/ 442 (2/ 211)] (3).
195 – المراد بآل النبي – صلى الله عليه وسلم -:
196 – وأفضل أهل بيته – صلى الله عليه وسلم -:
– قال ابن مفلح: (وآله، قيل: أتباعه على دينه، وقيل: أزواجه وعشيرته، وقيل: بنو هاشم، وقال شيخنا: أهل بيته، وأنه نص أحمد، واختيار الشريف أبي جعفر وغيره، فمنهم بنو هاشم، وفي بني المطلب روايتا زكاة.
قال: وأفضل أهل بيته عليٌّ وفاطمة، وحسن وحسين، الذين أدار عليهم النبي – صلى الله عليه وسلم – الكساء، وخصّهم بالدعاء.
وظاهر كلامه في موضع آخر (4): أن حمزة أفضل من حسن وحسين، واختاره بعضهم) [الفروع: 1/ 444 (2/ 215)] (5).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (22/ 576 – 600).
(2) أقحمت في ط 1 كلمة: (وشيخنا) وهي تكرار لا معنى له.
(3) «الفتاوى» (22/ 452)، «الاختيارات» للبعلي (83).
(4) انظر: «منهاج السنة» (7/ 126).
(5) انظر: «الفتاوى» (3/ 407؛ 22/ 460 – 462)، «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/161)
197 – الصلاة والسلام على غير النبي – صلى الله عليه وسلم –:
– قال ابن مفلح: (وله الصلاة على غيره منفردا، نص عليه، وكرهها جماعة «و: م ش» وحرّمها أبو المعالي، واختاره شيخنا مع الشِّعار (1)) [الفروع: 1/ 444 (2/ 215)].
– وقال أيضا: (وقال بعض أصحابنا: المنصوص عن أحمد – رضي الله عنه – ــ في رواية أبي داود ــ: أنه يصلى على غيره منفردًا. واحتج أحمد بأن عليًا قال لعمر: صلى الله عليك … واختار الشيخ تقي الدين منصوصَ أحمد، قال: وذكره القاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر، قال: وإذا جازت أحيانًا على كل أحدٍ من المؤمنين، فأما أنْ يتخذ شعارًا لذكرِ بعض الناس، أو يقصد الصلاة على بعض الصحابة دون بعض فهذا لا يجوز. وهو معنى قول ابن عباس. قال: والسلام على غيرهِ باسمه جائزٌ من غير تردد) [الآداب الشرعية: 1/ 350 ــ 351] (2).
198 – الدعاء دبر الصلاة:
– قال ابن القيم: (وأوصى معاذًا أن يقول في دبر كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك».
ودبر الصلاة: يحتمل قبل السلام وبعده؛ وكان شيخنا يرجّح أن يكون
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (كالروافض فإنهم يتخذون الصلاة على علي – رضي الله عنه – شعارا) ا. هـ.
(2) «الفتاوى» (4/ 497؛ 22/ 473 – 474)، «الاختيارات» للبعلي (84)، وانظر: «الفتاوى» (27/ 410 – 411).
(1/162)
قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دبر كل شيء منه، كدبر الحيوان) [زاد المعاد 1/ 305] (1).
199 – قراءة آية الكرسي سرا بعد المكتوبة:
– قال ابن القيم: (بلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية ــ قدس الله روحه ـ أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة) [زاد المعاد 1/ 304].
– وقال ابن مفلح: (قال في «المستوعب» وغيره: ويقرأ آية الكرسيّ ولم يذكره جماعة، وظاهر الأول: ولو جهرا، ولعله غير مراد، لعدم نقله، واختار شيخنا سرّا) [الفروع: 1/ 452 (2/ 228)] (2).
200 – الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير ونحوه دبر الصلوات:
– قال ابن مفلح: (وهل يستحب الجهر بذلك (3)، كقول بعض السلف والخلف، وقاله شيخنا، أم لا؟) [الفروع 1/ 454 (2/ 231)] (4).
201 – دعاء الإمام بعد الصلوات المكتوبة:
– قال ابن مفلح: (ويدعو الإمام بعد الفجر والعصر، لحضور الملائكة
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (22/ 377 – 379، 480 – 481، 492، 513 – 514، 517 – 518).
(2) «الفتاوى» (22/ 508 – 509)، «الاختيارات» للبعلي (85).
(3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع» (يعني: بالتسبيح والتحميد والتكبير ونحوه في دبر الصلوات) ا. هـ.
(4) «الاختيارات» للبعلي (84)، «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/163)
فيهما، فيؤمّنون على الدعاء، والأصح: وغيرهما، جزم به صاحب «المحرر» وغيره، ولم يستحبه شيخنا بعد الكلّ، لغير أمر عارض، كاستسقاء واستنصار، وقال: ولا الأئمة الأربعة) [الفروع 1/ 454 (2/ 231 ــ 232)] (1).
202 – تخصيص الإمام نفسه بالدعاء:
– قال ابن القيم: (وروى الإمام أحمد – رحمه الله – وأهل «السنن» من حديث ثوبان عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم … ».
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين، ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه، والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 264].
– وقال ابن مفلح: (ولا يكره أن يخص نفسه بالدعاء في المنصوص، ويتوجّه احتمال بالمنع، وفي «الغنية»: خانهم، لخبر ثوبان: «ثلاثة لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حاقن حتى يتخفف» إسناده جيد، رواه أبو داود والترمذي وحسّنه، من رواية إسماعيل بن عياش عن حبيب بن صالح الحمصي، وروى ابن ماجه فضل (2) الدعاء من رواية بقية عن حبيب، ولأبي داود من حديث
_________
(1) «جامع المسائل» (4/ 316 – 317)، «الفتاوى» (22/ 512 – 513)، «الاختيارات» للبعلي (85).
(2) كذا بـ ط 1 وط 2، ولعل الصواب: (فعل).
(1/164)
أبي هريرة معناه بإسناد حسن، إلا فضل النظر (1)، وفيه: «ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤمّ قوما إلا بإذنهم» والمراد وقت الدعاء عقيب الصلاة بهم، ذكره في «الغنية»، قال شيخنا: المراد به الدعاء الذي يؤمّن عليه، كدعاء القنوت، فإن المأموم إذا أمّن كان داعيا، قال تعالى لموسى وهارون: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89]، وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمّن، فإن المأموم إنما أمّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما، فإن لم يفعل فقد خان الإمامُ المأمومَ) [الفروع 1/ 455 ــ 456 (2/ 232 ــ 233)] (2).
203 – كيفية رفع اليدين في دعاء الاستسقاء:
204 – والتفريق بين دعاء الرهبة وغيره:
– قال ابن مفلح: (ومن آداب الدعاء …. ورفع يديه، وجعل ظهورهما مما يلي وجهه، وقد رواه الحاكم ولأحمد عن يزيد عن حماد عن ثابت عن أنس أنه عليه السلام كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض. حديث صحيح، ومراده: أحيانا، لرواية أبي داود عنه (3): رأيته عليه السلام يدعو هكذا بباطن كفّيه وظاهرهما.
أو (4) في الاستسقاء، وهو ظاهر كلام شيخنا.
_________
(1) قوله: (إلا فضل النظر) غير موجود في ط 1، وهو مثبت من ط 2، ولعل الصواب: (فعل النظر)، والله أعلم.
(2) «الفتاوى» (23/ 118)، «الاختيارات» للبعلي (85 – 86).
(3) في ط 1: (وعنه)، والمثبت من ط 2.
(4) في ط 1: (و)، والمثبت من ط 2.
(1/165)
أو مراده دعاء الرهبة على ما ذكر ابن عقيل وجماعة: أن دعاء الرهبة بظهر الكفّ، كدعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – في الاستسقاء، مع أن بعضهم ذكر فيه وجها، وأطلق جماعة الرفع فيه، فظاهره: كغيره، واختاره شيخنا، وقال: صار كفّهما نحو السماء لشدّة الرفع لا قصدا له، وإنما كان يوجّه بطنهما مع القصد، وأنه لو كان قصده فغيره أكثر وأشهر. قال: ولم يقل أحد ممن يرى رفعهما في القنوت أنه (1) يرفع ظهورهما، بل بطونهما) [الفروع 1/ 457 (2/ 234)] (2).
205 – ختم الدعاء بالحمد والثناء:
– قال ابن مفلح ــ ضمن ذكره لآداب الدعاء ــ: (والبدأة بحمد الله والثناء عليه، قال شيخنا وغيره: وختمه به) [الفروع 1/ 457 (2/ 235)] (3).
206 – الاعتداء في الدعاء:
– قال ابن مفلح: (وظاهر كلام بعضهم يكره الاعتداء في الدعاء، وحرّمه شيخنا، واحتج بقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [لأعراف: 55]، وبالأخبار فيه، قال: ويكون في نفس الطلب، وفي نفس المطلوب (4)) [الفروع 1/ 458 (2/ 237)] (5).
_________
(1) في ط 1: (أن)، والمثبت من ط 2.
(2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (86).
(3) «الاختيارات» للبعلي (86).
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: قال شيخنا: ويكون الاعتداء في الطلب وفي نفس المطلوب، مثل أن يسأل شيئا لا يشرع له سؤاله، كإهلاك من لا يستحق ذلك، أو يسأل شيئا ليس من أهله) ا. هـ.
(5) «الاختيارات» للبعلي (87).
(1/166)
207 – ختم الدعاء بالتأمين:
– قال ابن مفلح ــ ضمن ذكره لآداب الدعاء ــ: (ويؤمّن المستمع، وتأمينه في أثناء دعائه وختمه به متّجه للأخبار، وذكر شيخنا أيضا ختمه به) [الفروع 1/ 459 (2/ 239)] (1).
208 – رفع البصر إلى السماء عند الدعاء:
– قال ابن مفلح: (ويكره رفع بصره، ذكره في «الغنية» من الأدب، وهو قول شريح وآخرين، وظاهر كلام جماعة: لا (2)، واختاره شيخنا في «الأجوبة المصرية الأصولية» لفعله عليه السلام «و: م ش»، قال: وذكر بعض أصحابنا خلافا بيننا في كراهته. قال شيخنا: وما علمت أحدا استحبّه، كذا قال) [الفروع 1/ 459 ــ 460 (2/ 239)].
209 – تبعد إجابة متناول الحرام:
210 – والمفاضلة بين ذكر القلب وذكر اللسان:
– قال ابن مفلح: (وشرطه (3) الإخلاص، قال الآجري: واجتناب الحرام، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره أنه من الأدب، وقال شيخنا: تبعد إجابته، إلا مضطرا أو مظلوما.
قال: وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده) [الفروع 1/ 460 (2/ 240)] (4).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (86).
(2) كلمه (لا) سقطت من ط 1، واستدركت من ط 2.
(3) أي الدعاء.
(4) انظر: «الاختيارات» للبعلي (87).
(1/167)
211 – الخشوع في الصلاة:
– قال ابن مفلح: (والخشوع سنة، ذكره الشيخ وغيره، ومعناه في «التعليق» وغيره، وذكر أبو المعالي وغيره وجوبه، ومراده ــ والله أعلم ــ في بعضها، وإن أراد في كلها، فإن لم تبطل بتركه ــ كما يأتي في كلام شيخنا (1) ــ فخلاف قاعدة ترك الواجب، وإن أبطل به، فخلاف «ع»، وكلاهما خلاف الأخبار) [الفروع 1/ 467 (2/ 251)].
_________
(1) انظر: رقم (218).
(1/168)
باب ما يستحب في الصلاة أو يباح،
أو يكره، أو يبطلها
212 – السجود على الصورة:
– قال ابن مفلح: (وكره شيخنا السجود عليها (1)، وسبق في اللباس من ستر العورة (2)) [الفروع 1/ 485 (2/ 277)].
213 – من بان منه حرفان في الصلاة لعذر:
214 – والقهقهة في الصلاة:
– قال ابن مفلح: (وإن نام فتكلم أو سبق على لسانه حال قراءته أو غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب ونحوه فبان حرفان لم تبطل «و»، وقيل: هو كالناسي، وإن لم يغلبه بطلت، وقال شيخنا: هي كالنفخ بل أولى، بأن لا تبطل، وأن الأظهر: تبطل بالقهقهة فقط، وإن لم يبن حرفان) [الفروع (2/ 287)] (3).
215 – اللحن في القراءة مع العجز:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولا بأس بقراءته عجزا (4). ومراده غير
_________
(1) أي الصورة.
(2) «الفروع» (1/ 353).
(3) «الفتاوى» (22/ 621 – 624)، «الاختيارات» للبعلي (89).
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: إذا عجز عن إصلاح اللحن لا بأس أن يقرأ ملحونا).
(1/169)
المصلي) [الفروع 1/ 491 (2/ 288)] (1).
216 – رفع البصر إلى السماء في الصلاة:
– قال ابن القيم: (ومن الأدب: نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – المصلي أن يرفع بصره إلى السماء.
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا من كمال أدب الصلاة، أن يقف العبد بين يدي ربه مطرقًا، خافضًا طرفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق.
قال: والجهمية لما لم يفقهوا هذا الأدب، ولا عرفوه، ظنُّوا أن هذا دليل أن الله ليس فوق سمواته على عرشه، كما أخبر به عن نفسه، واتفقت عليه رسله وجميع أهل السنة.
قال: وهذا من جهلهم؛ بل هذا دليل لمن عقل عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – على نقيض قولهم؛ إذ من الأدب مع الملوك أن الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض، ولا يرفع بصره إليهم، فما الظن بملك الملوك سبحانه) [مدارج السالكين 2/ 401] (2).
217 – حكمة النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود:
– قال ابن القيم: (وسمعته (3) يقول في نهيه عن قراءة القرآن في الركوع والسجود:
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (91).
(2) انظر: «الفتاوى» (6/ 577 – 578).
(3) أي: ابن تيمية.
(1/170)
إن القرآن هو أشرف الكلام، وهو كلام الله؛ وحالتا الركوع والسجود حالتا ذل وانخفاض من العبد؛ فمن الأدب مع كلام الله: أن لا يقرأ في هاتين الحالتين، ويكون حال القيام والانتصاب أولى به) [مدارج السالكين 2/ 401 ــ 402] (1).
218 – عمل القلب في الصلاة:
– قال ابن مفلح: (وعمل القلب لا يُبْطل، نص عليه «و: م ش» (2)، وعند ابن حامد: بلى إن طال، وذكره ابن الجوزي، قاله شيخنا، قال: وعلى الأول: لا يثاب إلا على ما عمله بقلبه، فلا يكفَّر من سيئاته إلا بقدره، والباقي يحتاج إلى تكفير، فإنه إذا ترك واجبا استحق العقوبة، فإذا كان له تطوّع سدّ مسدّه فكمل ثوابه، ويأتي تتمة كلامه في صوم النفل (3)، واحتجّ بقوله عليه السلام: «إلا ما عمله بقلبه»، وقوله: «رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع» يقول: لم يحصل له إلا براءة ذمّته، والصوم شرع لتحصيل التقوى. كذا قال، والمذهب: أنه لم يترك واجبا وإلا بطل (4)،
ولهذا احتجوا بخبر: «إن الشيطان يخطر بينه وبين نفسه»، وبصلاته
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (89)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 58 – 59).
(2) في ط 1: (و: هـ ش).
(3) انظر: «الفروع» (4/ 104).
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: المذهب أن المتروك في هذه المسألة ليس واجبا، وإلا لو كان واجبا لبطل العمل بترك الواجب، فعدم بطلان العمل دليل على عدم وجوب المتروك، لأن المصنف لما ذكر كلام أبي العباس ذكر من جملته قوله: «فإنه ترك واجبا» ففهم من كلامه أن هذا المصلي ترك واجبا، فبيّن المصنف أنه لم يترك واجبا على المذهب، لأنه لو ترك واجبا بطل العمل، والمذهب أن العمل لم يبطل، فيكون المذهب أنه لم يترك واجبا، ولعل اللام سقطت من «بطل» فلو قيل: والمذهب أنه لم يترك واجبا وإلا لبطل، التقدير: وإلا لو كان المتروك واجبا لبطل، هذا الذي ظهر لي في هذا المقام، والله أعلم) ا. هـ.
وقال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (كذا في غالب النسخ، وصوابه: إن لم يترك ــ بإسقاط الهاء ــ وهو في بعض النسخ) ا. هـ.
(فائدة) قال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» (7/ 141 – 142): (وأنكر أحمد أن يسمى شيء من أفعال الصلاة وأقوالها سنة، وجعل تقسيم الصلاة إلى سنة وفرض بدعة، وقال: كل ما في الصلاة واجب، وإن كانت الصلاة لا تعاد بترك بعضها.
وكذلك أنكر مالك تقسيم الصلاة إلى فرض وسنة، وقال: هو كلام الزنادقة …
وكذلك ذكر الآبري في «مناقب الشافعي» بإسناده عن الواسطي قال: سمعت الشافعي يقول: كل أمور الصلاة عندنا فرض.
وقال أيضا: عن الحسين بن علي قال: سئل الشافعي عن فريضة الحج، قال الحج من أوله إلى آخره فرض، فمنه ما إن ترك بطل حجه، فمنه الإحرام، ومنه الوقوف بعرفات، ومنه الإفاضة.
وقال الإمام أحمد ــ في رواية ابنه عبد الله ــ: كل شيء في الصلاة مما ذكره الله فهو فرض.
وهذا قيد حسن) ا. هـ.
(1/171)
عليه السلام في خميصة لها أعلام، وقال: «إنها ألهتني آنفا عن صلاتي»، وفي رواية للبخاري: «أخاف أن تفتنني»، وبأن عمل القلب ولو طال أشق احترازا من عمل الجوارح، لكن مراد شيخنا بالنسبة إلى الآخرة، وأنه يثاب على ما أتى به من الباطل (1)، ويأتي في صوم النفل) [الفروع 1/ 492 ــ 493
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (صوابه: لا يثاب، مثل المرائي، فإن عمله باطل لا ثواب له عليه بل يأثم، لأنه حرام) ا. هـ.
وقال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (كذا في النسخ، وصوابه: وأنه لا يثاب، بزيادة «لا»، أي: لا يثاب، مثل المرائي، كذا قال شيخنا ــ يعني: ابن قندس ــ.
وأجراه ابن نصر الله على ظاهره، وقال: لأن الباطل في عرف الفقهاء ضد الصحيح، والصحيح ما أبرأ الذمة، فقولهم: بطل صومه وحجّه، بمعنى: لم تبرأ ذمّته منه، لا بمعنى: أنه لا يثاب عليها في الآخرة، بل جاءت السنة بثوابه على ما فعله، وبعقابه على ما تركه، ولو كان باطلا. انتهى وهو أولى من الأول) ا. هـ.
(1/172)
(2/ 291 ــ 292)] (1).
219 – قراءة الغافل:
– قال ابن مفلح: (وقد سبق أن ذكر القلب أفضل من ذكر اللسان (2)، ويأتي (3) قول شيخنا أول صلاة التطوع أن الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب. وهذا يدل على أنه يثاب وقلبه غافل) [الفروع 1/ 494 (2/ 294)].
220 – الرياء:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: لا يثاب على عمل مشوب «ع».
وقال أيضا: من صلّى لله، ثم حسّنها وأكملها للناس، أثيب على ما أخلصه لله، لا على عمله للناس {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].
وقال أيضا: لا يمكن أن يقال: لم لا يأخذ نصيبه منه؟ لأنه مع الإشراك يمتنع أن يكون له شيء، كما أنه بتقدير الإشراك (4) في الربوبية يمتنع (5) أن
_________
(1) «منهاج السنة النبوية» (5/ 193 – 207)، «الاختيارات» للبعلي (90).
(2) انظر ما تقدم رقم (210).
(3) انظر: رقم (236).
(4) في ط 1: (الاشتراك)، والمثبت من ط 2.
(5) في ط 1: (يمنع)، والمثبت من ط 2.
(1/173)
يصدر عنه شيء، فإن الغير لا وجود له، وهو لم يستقلّ بالفعل، كذا هنا هو لم يستقلّ بالقصد، والغير لا ينفع قصده، ولهذا نظائر كثيرة في الشرعيات والحسيات، إذا خلط بالنافع الضار أفسده، كخلط الماء بالخمر، يبيّن هذا: أنه لو سأل الله شيئا فقال: اللهم افعل كذا أنت وغيرك، أو دعا الله وغيره، فقال: افعلا كذا، لكان هذا طلبا ممتنعا، فإن غيره لا يشاركه، وهو على هذا التقدير لا يكون فاعلا له، لأن تقدير وجود الشريك يمنع أن يكون هو أيضا فاعلا، فإذا كان يمتنع هذا في الدعاء والسؤال، فكذلك يمتنع في العبادة والعمل أن يكون له ولغيره.
وذكر الأصحاب فيمن حجّ بأجرة أنه لا يجوز الاشتراك في العبادة، فمتى فعله من أجل أخذ الأجرة خرج عن كونه عبادة، فلم تصح، واعتمد شيخنا على هذا في القراءة للميت بأجرة كما يأتي (1)) [الفروع 1/ 496 (2/ 299)] (2).
_________
(1) انظر: رقم (382).
(2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (90).
(1/174)
باب سجدتي التلاوة والشكر
221 – سجود التلاوة والشكر ليسا صلاة:
– قال ابن مفلح: (وهما (1) كنافلة فيما يعتبر (2)، واحتج الأصحاب بأنه صلاة، فيدخل في العموم، وخالف شيخنا، ووافق على سجود السهو) [الفروع 1/ 505 (2/ 313)] (3).
222 – السجود للدعاء وللآيات:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو أراد الدعاء فعفّر وجهه لله في التراب وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه، وابن عباس سجد سجودا مجردا لما جاء نعي بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقد قال عليه السلام: «إذا رأيتم آية فاسجدوا». قال: وهذا يدل على أن السجود يشرع عند الآيات، فالمكروه هو السجود بلا سبب) [الفروع 1/ 505 (2/ 314)] (4).
_________
(1) أي سجدتي التلاوة والشكر.
(2) في ط 1 زيادة رمز (و).
(3) «الفتاوى» (21/ 270، 279، 287، 293؛ 23/ 165 – 171)، «الاختيارات» للبعلي (91 – 92)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 194 – 195).
(4) «الاختيارات» للبعلي (92)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 283 – 284).
(1/175)
باب سجود السهو
223 – أحكام سجود السهو أحكام الصلاة:
انظر ما سبق رقم (221).
224 – من شك في عدد الركعات:
– قال ابن مفلح: (من شك في عدد الركعات أخذ باليقين، اختاره الأكثر …. وعنه: بظنه «و: هـ» وزاد: يستأنفها من يعرض له أولا، اختاره شيخنا (1)، قال: وعلى هذا عامة أمور الشرع، وأن مثله يقال في طواف وسعي ورمي جمار وغير ذلك) [الفروع 1/ 513 (2/ 326)] (2).
225 – محل سجود السهو وحكمه:
– قال ابن مفلح: (ومحل سجود السهو ــ ندبا «و» ذكره القاضي وأبو الخطاب وجزم به صاحب «المحرر» وغيره …. وقيل: وجوبا، واختاره شيخنا (3)، وأن عليه يدل كلام أحمد …. ــ قبل السلام (4) إلا إذا سلم عن نقص أو أخذ بظنّه، هذا المذهب، وأطلق أكثرهم النقص، وقال صاحب «الخلاف» و «المحرر» وغيرهما: نقص ركعة، وإلا قبله. نص عليه، وقد
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: اختار الأخذ بالظن، والأخذ بالظن عليه عامة أمور الشرع) ا. هـ.
(2) «الفتاوى» (23/ 7 – 15)، «الاختيارات» للبعلي (93).
(3) «الفتاوى» (23/ 36)، «الاختيارات» للبعلي (94).
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وهو في موضع خبر المبتدأ، والمبتدأ قوله: (ومحل)، التقدير: ومحل سجود السهو قبل السلام) ا. هـ.
(1/176)
سبق (1)، وعنه: كلُّه قبله «و: ش» اختاره أبو محمد الجوزي وابنه أبو الفرج (2)، قال في «الخلاف» وغيره: وهو القياس، وعنه: عكسه «و: م»، وعنه: من نقص بعده، ومن زيادة قبله، وعنه: عكسه «و: م» (3) فيسجد من أخذ باليقين قبله (4) «م» لأمره عليه السلام الشاك أن يدع الرابعة ويسجد ــ قيل: احتج به أحمد ــ، ومن أخذ بظنه بعده، اختاره شيخنا (5)) [الفروع 1/ 516 (2/ 331 ــ 332)].
226 – إذا نسي سجود السهو:
– قال ابن مفلح: (وإن نسي سجود السهو، فعنه: يقضيه مع قصر الفصل «و: ش»، وعنه: وبقائه بالمسجد، ولعله أشهر، وعنه: ولم يتكلم «و: هـ»، وعنه: لا يسجد مطلقا «و: م» فيما بعده، وإن بعد فيما قبله (6) أعاد، وعنه: عكسه (7)، اختاره شيخنا) [الفروع 1/ 518 (2/ 334)] (8).
_________
(1) «الفروع» (2/ 326).
(2) في ط 1: (وأبو الفرج)، والمثبت من ط 2.
(3) في ط 1: (و: هـ) والمثبت من ط 2 ويحرر.
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا تفريع على قوله: «ومحل سجود السهو … قبل السلام، إلا إذا سلم عن نقص، أو أخذ بظنه» فالأخذ باليقين ليس من الصورتين، فيسجد قبل السلام، والأخذ بظنه من الصورتين، فيسجد بعده) ا. هـ.
(5) «الفتاوى» (23/ 17 – 24)، «الاختيارات» للبعلي (93).
(6) يعني قبل السلام.
(7) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (أنه يسجد مطلقا، سواء قصر الفصل أو طال، خرج من المسجد أو لا) ا. هـ، وانظر التعليق التالي.
(8) «الاختيارات» للبعلي (94).
وقال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (23/ 32 – 35) ــ: (وإذا كان واجبا ــ أي سجود السهو ــ فتركه عمدا أو سهوا … ففيه أقوال متعددة في مذهب أحمد وغيره:
قيل: إن ترك ما قبل السلام عمدا بطلت صلاته، وإن تركه سهو لم تبطل …. وقيل: إن ترك ما قبل السلام يبطل مطلقا، فإن تركه سهوا فذكر قريبا سجد، وإن طال الفصل أعاد الصلاة، وهو منقول رواية عن أحمد، وهو قول مالك وأبي ثور وغيرهما، وهذا القول أصح من الذي قبله ….. وأما الواجب بعده فالنزاع فيه قريب …. والمقصود أنه لا بد منه أو من إعادة الصلاة؛ لأنه واجب أمر به النبي – صلى الله عليه وسلم – لتمام الصلاة، فلا تبرأ ذمة العبد إلا به، وإذا أمر به بعد السلام من الصلاة، وقيل: إن فعلته وإلا فعليك إعادة الصلاة = لم يكن ممتنعا …. ونحن قلنا: لا بد منه أو من إعادة الصلاة، فإذا قيل: إنه يفعل وإن طال الفصل ــ كالصلاة المنسية ــ فهذا متوجه قوي، ودونه أن يقال: وإن تركه عمدا يفعله في وقت آخر وإن أثم بالتأخير، كما لو أخر الصلاة المنسية بعد الذكر عمدا … فهكذا السجدتان يصليهما حيث ذكرهما ويستغفر الله من التأخير، فهذا أيضا قول متوجه، فإن التحديد بطول الفصل وبغيره غير مضبوط بالشرع، وكذلك الفرق بين المسجد وغيره ليس عليه دليل شرعي، وكذلك الفرق بين الحدث وبعده، بل عليه أن يسجدهما بحسب الإمكان، والله أعلم) ا. هـ.
وانظر: «الفتاوى» (23/ 43).
(1/177)
227 – التشهد لسجود السهو:
– قال ابن مفلح: (ومتى سجد بعد السلام تشهّد «و: هـ م» التشهد الأخير، ثم في توركه إذا في أثنائه وجهان، وقيل: لا يتشهد، واختاره شيخنا، كسجوده قبل السلام، ذكره في «الخلاف» «ع») [الفروع (2/ 335)] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 48 – 51)، «الاختيارات» للبعلي (94).
(1/178)
باب صلاة التطوع
228 – أفضل تطوعات البدن:
229 – وفضل العمل في عشر ذي الحجة:
230 – وأفضل الأيام يوم النحر:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم تذهب فيه نفسه وماله، وهي في غيره تعدله، للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد، ولعل هذا مراد غيره، وقال: العمل بالقوس والرمح أفضل في الثغر، وفي غيره نظيرها) [الفروع 1/ 522 (2/ 338)] (1).
– وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: يقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأخير من رمضان، وليالي ذاك أفضل من ليالي هذا، وقد يقال: مجموع عشر ذي الحجة أفضل من مجموع العشر الأخير من رمضان. قال: وهو الأظهر.
ويوم النحر من جملة عشر ذي الحجة، صرح به جماعة منهم الشيخ وجيه الدين بن المنجا والمصنف (2) في «شرح الهداية»، وقال: وهو الأفضل. وكذا ذكر حفيده الشيخ تقي الدين في «أقسام القرآن» أن أفضل الأيام يوم النحر) [النكت على المحرر 1/ 169 ــ 170] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (95).
(2) يعني المجد ابن تيمية.
(3) انظر: «الفتاوى» (25/ 287 – 288)، «الاختيارات» للبعلي (124).
(1/179)
وانظر: ما يأتي برقم (472).
231 – عمل ما فيه خير في نفسه لأجل محبته له:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من فعل هذا (1) أو غيره مما هو خير في نفسه لما فيه من المحبة له، لا لله ولا لغيره من الشركاء، فليس مذموما، بل قد يثاب بأنواع من الثواب: إما بزيادة فيها وفي أمثالها، فيتنعم بذلك في الدنيا، ولو كان كل فعل حسن لم يفعل لله مذموما، لما أطعم الكافر بحسناته في الدنيا، لأنها تكون سيئات، وقد يكون من فوائد ذلك وثوابه في الدنيا، أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه، وهذا معنى قول بعضهم: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، وقول الآخر: طلبهم له نية، يعني: نفس طلبه حسنة تنفعهم.
وهذا قيل في العلم، لأنه الدليل المرشد، فإذا طلبه بالمحبة وحصله، عرّفه الإخلاص، فالإخلاص لا يقع إلا بالعلم، فلو كان طلبه لا يكون إلا بالإخلاص لزم الدور، وعلى هذا ما حكاه أحمد (2)، وهو حال النفوس المحمودة، ومن هذا قول خديجة للنبي – صلى الله عليه وسلم -: كلا، والله لا يخزيك الله أبدا. فعلمت أن النفس المطبوعة على محبة الأمر المحمود وفعله لا يوقعها الله فيما يضاد ذلك) [الفروع 1/ 524 (2/ 340)] (3).
_________
(1) أي طلب العلم.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي حكاه هو قوله: حبب إلي فجمعته، والله أعلم) ا. هـ.
وقد ذكر شيخ الإسلام هذا في المصدر من رواية أبي داود أنه قال له: طلبتَ هذا العلم ــ أو قال: جمعته ــ لله؟ فقال: لله عزيز، ولكن حبب إلي أمر ففعلته.
(3) «جامع المسائل» (5/ 191، 196 – 197)، «الاختيارات» للبعلي (95).
(1/180)
232 – تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد:
233 – والجهاد الذي يكون في حق منشئه تطوعا:
– قال ابن مفلح: (وقد ذكر شيخنا أن تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد، وأنه من نوع الجهاد من جهة أنه من فروض الكفايات.
قال: والمتأخرون من أصحابنا أطلقوا القول: أفضل ما تُطوّع به الجهاد، وذلك لمن أراد أن ينشئه تطوّعا باعتبار أنه ليس بفرض عين عليه، باعتبار أن الفرض قد سقط عنه، فإذا باشره وقد سقط الفرض فهل يقع فرضا أو نفلا؟ على وجهين كالوجهين في صلاة الجنازة إذا أعادها بعد أن صلاها غيره، وانبنى على الوجهين جواز فعلها بعد العصر والفجر مرة ثانية، والصحيح أن ذلك يقع فرضا، وأنه يجوز فعلها بعد العصر والفجر، وإن كان ابتدأ الدخول فيه تطوعا كما في التطوع الذي يلزم بالشروع، فإنه كان نفلا ثم يصير إتمامه واجبا) [الفروع 1/ 526 (2/ 343)] (1).
234 – ذنب العالم الذي لم ينفعه علمه من جنس ذنب اليهود:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، فذنبه من جنس ذنب اليهود، والله أعلم) [الفروع 1/ 526 (2/ 243)] (2).
235 – الطواف في المسجد الحرام أفضل من الصلاة فيه:
– قال ابن مفلح: (ظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: أن الطواف أفضل
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (95 – 96).
(2) «الفتاوى» (7/ 586)، «الاختيارات» للبعلي (95).
(1/181)
من الصلاة فيه (1)، [وقاله] (2) شيخنا، وذكره عن جمهور العلماء للخبر) [الفروع 1/ 528 (2/ 346)] (3).
236 – اختلاف أفضلية الأعمال باختلاف الأشخاص:
– قال ابن مفلح ــ بعد أن ساق الخلاف في تفضيل بعض الأعمال على بعض ــ: (واختار شيخنا (4): أن كل واحد بحسبه، وأن الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب (5)، وهو معنى كلام ابن الجوزي، فإنه قال: أصوب الأمور: أن ينظر إلى ما يطهر القلب ويصفيه للذكر والأنس فيلازمه.
وفي رد شيخنا على الرافضي ــ بعد أن ذكر تفضيل أحمد للجهاد، والشافعي للصلاة، وأبي حنيفة ومالك للعلم ــ: والتحقيق لا بد لكلٍّ من الآخرين، وقد يكون كل واحد أفضل في حال، كفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفائه – رضي الله عنهم – بحسب الحاجة والمصلحة) [الفروع 1/ 531 (2/ 350 ــ 351)] (6).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: في المسجد الحرام).
(2) في ط 1: (وقال)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 54).
(3) «الاختيارات» للبعلي (96)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (300)، و «الفتاوى» (10/ 427؛ 26/ 196).
(4) «الفتاوى» (23/ 59 – 60).
(5) في ط 1: (فإن الذكر بالقلب أفضل من الغزاة بلا قلب)! والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 55).
(6) «الفتاوى» (17/ 139)، «منهاج السنة النبوية» (6/ 75)، «الاختيارات» للبعلي (96).
(1/182)
237 – الفصل والوصل في الوتر:
– قال ابن مفلح: (وأدنى كماله ثلاث بتسليمتين … وبتسليمة يجوز، وقيل: ما لم يجلس عقب الثانية، وقيل: بل كالمغرب، وخيّر شيخنا بين الفصل والوصل) [الفروع 1/ 538 (2/ 360)] (1).
238 – دعاء القنوت في الوتر:
– قال ابن مفلح: (وخيَّر شيخنا في دعاء القنوت بين فعله وتركه، وأنه إن صلّى بهم قيام رمضان، فإن قنت جميع الشهر، أو نصفه الأخير، أو لم يقنت بحال فقد أحسن) [الفروع 1/ 539 ــ 540 (2/ 362)] (2).
239 – إفراد الضمير للمنفرد في الوتر عند دعاء القنوت:
– قال ابن مفلح: (ويفرد المنفرد الضمير، وعند شيخنا: لا، لأنه يدعو لنفسه وللمؤمنين) [الفروع 1/ 542 (2/ 365)] (3).
240 – قضاء الوتر:
– قال ابن القيم: (ولم يكن – صلى الله عليه وسلم – يدع قيام الليل حضرًا ولا سفرًا، وكان إذا غلبه نوم أو وجع= صلّى من النهار ثنتي عشر ركعة.
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: في هذا دليل على أن الوتر لا
_________
(1) «الفتاوى» (22/ 271)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (77)، «الاختيارات» للبعلي (96).
(2) «الفتاوى» (22/ 271)، «الاختيارات» لابن عبد الهادي (77).
(3) «الاختيارات» للبعلي (88).
(1/183)
يقضى لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاة الكسوف، والاستسقاء، ونحوها، لأن المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وترًا، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل وصليت الصبح لم يقع الوتر موقعه. هذا معنى كلامه) [زاد المعاد 1/ 324].
– وقال أيضا: (وقد توقف الإمام أحمد في قضاء الوتر، وقال شيخنا: لا يقضى، لفوات المقصود منه بفوات وقته.
قال: وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. ولم يذكر الوتر) [إعلام الموقعين 2/ 374] (1).
241 – المفاضلة بين سنة الفجر والوتر:
– قال ابن القيم: (وقد اختلف الفقهاء أي الصلاتين آكد: سنة الفجر، أو الوتر؟
على قولين، ولا يمكن الترجيح باختلاف الفقهاء في وجوب الوتر، فقد اختلفوا أيضًا في وجوب سنة الفجر.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، ولذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصلي سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد. انتهى) [زاد المعاد 1/ 316].
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (96)، انظر: «الفتاوى» (17/ 473؛ 23/ 89 – 91).
(1/184)
242 – فضل صلاة الفجر وسنتها:
– قال ابن القيم: (وأما حديث نعيم بن همار: «ابن آدم، لا تعجز لي عن أربع ركعات في أول النهار أكفيك آخره». وكذلك حديث أبي الدرداء وأبي ذر.
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذه الأربع عندي هي: الفجر وسنتها) [زاد المعاد 1/ 359 ــ 360].
243 – الاضطجاع بعد راتبة الفجر:
– قال ابن القيم: (وذكر الترمذي من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح، فليضطجع على جنبه الأيمن». قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
وسمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل، وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل، لا الأمر به، والأمر تفرّد به عبد الواحد بن زياد، وغلط فيه) [زاد المعاد 1/ 318 ــ 319].
244 – سنة الظهر القبلية:
– قال ابن مفلح ــ وهو يعدد السنن الرواتب ــ: (وثنتان قبل الظهر، وعند شيخنا: أربع) [الفروع 1/ 544 (2/ 369)] (1).
245 – عدد ركعات صلاة التراويح:
– قال ابن مفلح: (وتسن التراويح في رمضان «و»، عشرون ركعة «و:
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (98)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 124؛ 22/ 280 – 281).
(1/185)
هـ ش» لا ست وثلاثون «م»، … ولا بأس بالزيادة (1). نص عليه، وقال: روي في هذا ألوان. ولم يقض فيه بشيء، وقال شيخنا: إن ذلك كله، أو إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، حسن، كما نص عليه أحمد، لعدم التوقيت، فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره) [الفروع 1/ 546 (2/ 372)].
– وقال أيضا: (قال ــ أي أحمد ــ: لا بأس بالزيادة على عشرين ركعة (2). وكذا ذكر الشيخ تقي الدين: أنه لا يكره شيء من ذلك، وأنه قد نصّ على ذلك غير واحد من الأئمة ــ كأحمد وغيره ــ.
قال: والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، والقيام بعشر ركعات، وثلاث بعدها، هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملون، فالقيام بعشرين هو الأفضل) [النكت على المحرر 1/ 90] (3).
246 – صلاة التراويح قبل العشاء:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة) [الفروع 1/ 547 (2/ 373)] (4).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: على عشرين ركعة).
(2) يعني في التراويح.
(3) «الفتاوى» (22/ 272؛ 23/ 113)، «الاختيارات» للبعلي (97).
(4) «الفتاوى» (23/ 121)، «الاختيارات» للبعلي (97).
(1/186)
247 – قراءة سورة «القلم» في العشاء من أول ليالي رمضان:
– قال ابن مفلح: (واستحب أحمد أن يبتدئ التراويح بسورة «القلم» لأنه أول ما نزل، وآخر ما نزل المائدة، فإذا سجد قام فقرأ من «البقرة»، والذي نقله إبراهيم بن محمد بن الحارث: يقرأ بها في عشاء الآخر. قال شيخنا: وهو أحسن) [الفروع (2/ 374 ــ 375)] (1).
248 – قراءة سورة «الأنعام» في ركعة واحدة من صلاة التراويح:
– قال ابن مفلح: (وقراءة «الأنعام» في ركعة ــ كما يفعله بعض الناس ــ بدعة «ع». قاله شيخنا) [الفروع 1/ 548 (2/ 375)] (2).
249 – التكبير عقب قراءة سورة «الضحى» وما بعدها:
– قال ابن مفلح: (وهل يكبر لختمه من «الضحى» أو «ألم نشرح» (3)، آخر كل سورة؟ فيه روايتان، ولم يستحبه شيخنا لقراءة (4) غير ابن كثير) [الفروع 1/ 553 ــ 554 (2/ 383)].
– وقال أيضًا: (وقال الشيخ تقي الدين ــ وسئل عن جماعة قرؤوا بغير تهليل ولا تكبير ــ قال: إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل، بل المشروع المسنون) [الآداب الشرعية 2/ 296] (5).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (97).
(2) انظر: «الفتاوى» (23/ 121).
(3) قال المرداوي في «تصحيح الفروع»: (كلام المصنف هنا غير محرر فيما يظهر)، وقد بين وجه ذلك.
(4) في ط 1: (كقراءة) والمثبت من ط 2.
(5) «الفتاوى» (13/ 417).
(1/187)
250 – قراءة الإدارة:
– قال ابن مفلح: (وكره أصحابنا قراءة الإدارة، وقال حرب: حسنة. وحكاه شيخنا عن أكثر العلماء، وأن للمالكية وجهين كالقراءة مجتمعين بصوت واحد، وجعلها أيضا شيخنا قراءة (1) الإدارة (2)، وذكر الوجهين في كراهتها، قال: وكرهها مالك) [الفروع 1/ 554 (2/ 384 ــ 385)] (3).
251 – قراءة القرآن بصفة التلحين:
– قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين: قراءة القرآن بصفة التلحين الذي يشبه تلحين الغناء مكروه مبتدع، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة) [الآداب الشرعية 2/ 427].
252 – إذا غلّط القراء في المسجد المصلين:
– قال ابن مفلح: (وإن غلّط القراء المصلين، فذكر صاحب «الترغيب» وغيره: يكره، وقال شيخنا: ليس لهم القراءة إذن) [الفروع 1/ 555 ـ 556 (2/ 386)].
_________
(1) في ط 1: (كقراءة) والمثبت من ط 2.
(2) قال ابن قندس في «حاشية الفروع»: (فعلى الأول قراءة الإدارة: أن يقرأ قارئ ثم يقطع ويقرأ غيره، وعلى قول شيخنا: قراءة الإدارة تجمع الصورتين، الصورة الأولى، والقراءة بصوت مجتمعين).
(3) «الاختيارات» للبعلي (98)، انظر: «الفتاوى» (31/ 50)، وفيها: (قراءة الإرادة) خطأ.
(1/188)
253 – المفاضلة بين القيام والسجود:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: الصواب أنهما سواء، والقيام أفضل بذكره، وهو القراءة، والسجود أفضل بهيئته، فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام، وذكر القيام أفضل من ذكر السجود؛ وهكذا كان هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان إذا أطال القيام= أطال الركوع والسجود، كما فعل في صلاة الكسوف، وفي صلاة الليل؛ وكان إذا خفف القيام= خفف الركوع والسجود؛ وكذلك كان يفعل في الفرض، كما قاله البراء بن عازب: كان قيامه، وركوعه، وسجوده، واعتداله قريبًا من السواء. والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 237] (1).
– وقال ابن مفلح: (وكثرة الركوع والسجود أفضل، وقال في «الغنية» وابن الجوزي: نهارا، وعنه: طول القيام «و: هـ ش»، وعنه: التساوي، اختاره صاحب «المحرر»، وحفيده) [الفروع 1/ 562 (2/ 402)].
254 – قيام الليل كله في بعض الليالي:
– قال ابن مفلح: (ولا يقوم الليل كله … وظاهر كلامهم (2): ولا ليالي العشر، فيكون قول عائشة: إنه عليه السلام أحيا الليل. أي: كثيرا منه، أو: أكثره، ويتوجه بظاهره احتمال، وتخريج من ليلة العيد، ويكون قولها: ما علمت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قام ليلة حتى الصباح. أي: غير العشر، أو لم يكثر ذلك منه، واستحبه شيخنا، وقال: قيام بعض الليالي كلها مما جاءت به السنة) [الفروع 1/ 560 (2/ 392)] (3).
_________
(1) «الفتاوى» (14/ 6؛ 22/ 273)، «الاختيارات» للبعلي (99)، وانظر: «الفتاوى» (22/ 273؛ 23/ 69 – 81، 114 – 115).
(2) في ط 1: (كلامه)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 59).
(3) «الفتاوى» (22/ 304)، «الاختيارات» للبعلي (99).
(1/189)
255 – التطوع مضطجعا:
– قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: التطوع مضطجعا لغير عذر لم يجوزه إلا طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد، وهو قول شاذ، لا أعرف له أصلا في السلف، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه صلى مضطجعا بلا عذر، ولو كان هذا مشروعا لفعلوه، كما كانوا يتطوعون قعودا.
والحديث الذي ذكروه بيَّن فيه أن المضطجع له نصف أجر القاعد، وهذا حق، وذلك لا يمنع أن يكون معذورا، فإن المعذور ليس له بالعمل إلا على ما عمله، فله به نصف الأجر، وأما ما يكتبه الله تعالى له من غير عمل ليثيبه إياه فذلك شيء آخر، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: «كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم» فلو لم يصل النافلة التي كان يصليها لكتبت له، ولا يقال: إنه صلى) [النكت على المحرر 1/ 87] (1).
256 – ما تقول المرأة في سيد الاستغفار:
– قال ابن مفلح: (وسيد الاستغفار: «اللهم أنت ربي .. » الخبر، فظاهر كلامهم: يقوله كل أحد، وكذا ما في معناه، وقال شيخنا: تقول المرأة: «أمتك بنت عبدك» أو: «بنت أمتك»، وإن كان قولها «عبدك» له مخرج في العربية بتأويل: شخص) [الفروع 1/ 561 ــ 562 (2/ 395 ــ 396)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (98)، انظر: «الفتاوى» (7/ 36؛ 23/ 235، 242).
(2) «الفتاوى» (22/ 488)، «الاختيارات» للبعلي (99).
(1/190)
257 – الصلاة قبل العصر:
– قال ابن القيم: (وأما الأربع قبل العصر فلم يصح عنه عليه السلام في فعلها شيء، إلا حديث عاصم بن ضمرة عن علي، الحديث الطويل: أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي في النهار ست عشرة ركعة، يصلي إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا لصلاة الظهر= أربع ركعات؛ وكان يصلي قبل الظهر أربع ركعات، وبعد الظهر ركعتين، وقبل العصر أربع ركعات.
وفي لفظ: كان إذا زالت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند العصر= صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر= صلى أربعًا، ويصلي قبل الظهر أربعًا، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعا، ويفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ينكر هذا الحديث، ويدفعه جدًا؛ ويقول: إنه موضوع؛ ويذكر عن أبي إسحاق الجوزجاني إنكاره) [زاد المعاد 1/ 311] (1).
258 – صلاة الضحى:
259 – وصلاة الفتح:
– قال ابن القيم: (وكذلك صلاة الفتح، إذا فتح الله على الإسلام بلدًا للكفَّار أو حصنًا يستحب له أن يصلي ثمان ركعات، كما كان أمراء المسلمين قديمًا يفعلون ذلك، ويسمونها صلاة الفتح، اقتداءً برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فإنه ثبت
_________
(1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (98).
(1/191)
عنه في «الصحيحين»: أنه صلّى يوم فتح مكة في بيت أم هانئ ثمان ركعات.
قال شيخنا: وظنَّ بعض الناس أن هذه كانت صلاة الضحى، وأخذه من قولها: وذلك ضحى. أي: وذلك الفعل كان في وقت الضحى.
قلت: ويدل على ذلك قول أم هانئ: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها. ولو كانت تلك صلاة الضحى لم يخصها بذلك اليوم، ويدل عليه قول عائشة في «صحيح مسلم»: وما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلى صلاة الضحى قط.
قال شيخنا: كان – صلى الله عليه وسلم – يستغني عنها بقيام الليل، فمن لم يقم الليل: فالضحى بدل له عن قيام الليل) [الفوائد الحديثية 114 ــ 115].
– وقال ابن مفلح: (ونص أحمد: تفعل (1) غبّا، واستحب الآجري وأبو الخطاب وابن عقيل وابن الجوزي وصاحب «المحرر» وغيرهم: المداومة، ونقله موسى بن هارون «و: ش»، واختاره شيخنا لمن لم يقم في ليله) [الفروع 1/ 567 (2/ 403)] (2).
260 – صلاة التوبة:
– قال ابن القيم: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – يقول: يستحب لكلِّ من أذنب أن يتوضأ ويصلي ركعتين، ويدل عليه حديث علي بن أبي طالب الذي رواه عن أبي بكر الصديق عن النبي – صلى الله عليه وسلم -:
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن
_________
(1) أي صلاة الضحى.
(2) «الاختيارات» للبعلي (98)، انظر: «الفتاوى» (17/ 473 – 474؛ 22/ 283 – 284).
(1/192)
عثمان بن المغيرة قال: سمعت علي بن ربيعة ــ من بني أسد ــ يحدث عن أسماء ــ أو ابن أسماء، من بني فزارة ــ قال: قال علي: كنت إذا سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، حدثني أبو بكر ــ وصدق أبو بكر ــ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يذنب ذنبًا، ثم يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب، إلا غفر له» وقرأ هاتين الآيتين: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135]) [الفوائد الحديثية 113] (1).
261 – موضع دعاء الاستخارة:
– قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: يدعو قبل السلام أفضل) [الفروع 3/ 274 (5/ 298)] (2).
262 – صلاة التسبيح:
– قال ابن مفلح: (وعند جماعة: وصلاة التسبيح (3)، ونصه: لا، لخبر ابن عباس: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – علّمها لعمّه العباس أربع ركعات: «يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وسورة، ثم يسبح ويحمد ويهلّل ويكبّر خمس عشرة مرة، ثم يقولها في ركوعه ثم في رفعه منه، ثم في سجوده، ثم في رفعه، ثم في سجوده، ثم
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 215).
(2) «الفتاوى» (23/ 177).
(3) أي أنها تستحب.
(1/193)
في رفعه، عشرا عشرا، ثم كذلك في كل ركعة مرة في كل يوم، ثم في الجمعة، ثم في الشهر، ثم في العمر» رواه أحمد ــ وقال: لا يصح ــ وأبو داود وابن خزيمة والآجري ــ وصحّحوه ــ والترمذي وغيرهم، وادّعى شيخنا: أنه كذب. كذا قال.
قال: ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام، واستحبّها ابن المبارك على صفة لم يرد بها الخبر، لئلا تثبت سنة بخبر لا أصل له.
قال: وأما أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوها بالكلية) [الفروع 1/ 568 (2/ 404 ــ 405)] (1).
263 – إذا عمل الجاهل عبادة منهيا عنها، ولكن لها أصل في الشرع:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: كل من عبد عبادة نهي عنها ولم يعلم بالنهي لكن هي من جنس المأمور به مثل هذه الصلوات (2) والصلاة في أوقات النهي وصوم يوم العيد أثيب على ذلك. كذا قال، ويأتي في صحته خلاف، ومع عدمها لا يثاب على صلاة وصوم، ويأتي في صوم التطوع (3).
قال: وإن كان فيها نهي من وجه لم يعلمه، ككونها بدعة تتخذ شعارا، ويجتمع عليها كل يوم، فهو مثل أن يحدث صلاة سادسة، ولهذا لو أراد مثل هذه الصلاة بلا حديث لم يكن له ذلك، بخلاف ما لم يشرع جنسه ــ مثل
_________
(1) «الفتاوى» (11/ 579)، «منهاج السنة» (7/ 434)، «الاختيارات» للبعلي (100).
(2) يشير إلى صلاة ليلة عاشوراء ونصف شعبان وأول رجب.
(3) انظر: «الفروع» (4/ 104).
(1/194)
الشرك ــ فإن هذا لا ثواب فيه، وإن كان الله لا يعاقب صاحبه إلا بعد بلوغ الرسالة، لكن قد يَحْسِب بعض الناس في بعض أنواعه أنه مأمور به، وهذا لا يكون مجتهدا، لأن المجتهد لا بد أن يتبع دليلا شرعيا، لكن قد يفعله باجتهاد مثله، فيقلد من فعله من الشيوخ والعلماء، وفعلوه هم لأنهم رأوه ينفع أو لحديث كذب سمعوه، فهؤلاء إذا لم تقم عليهم الحجة بالنهي لا يعذّبون، وقد يكون ثوابهم أرجح ممن هو دونهم من أهل جنسهم، وأما الثواب بالتقرب إلى الله، فلا يكون بمثل هذه الأعمال) [الفروع 1/ 569 ــ 570 (2/ 406 ــ 407)] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (20/ 31 – 33).
(1/195)
باب أوقات النهي
264 – صلاة التطوع وقت الزوال يوم الجمعة:
– قال ابن القيم: (لا يكره فعل الصلاة فيه (1) وقت الزوال عند الشافعي – رحمه الله – ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية، ولم يكن اعتماده على حديث ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: أنه كره الصلاة نصف النهار، إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر، إلا يوم الجمعة.
وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام) [زاد المعاد 1/ 378].
– وقال ابن مفلح: (وعند قيامها إلى زوالها (2)، وفيه وجه «و: م» واختاره شيخنا في يوم الجمعة «و: ش») [الفروع 1/ 572 (2/ 410)] (3).
265 – فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي:
– قال ابن مفلح: (وما له سبب كتحية مسجد، وسجدة تلاوة، وقضاء سنن، وصلاة كسوف ــ قال شيخنا: واستخارة فيما يفوت (4) ــ وعقب الوضوء، فعنه: يجوز «و: ش» اختاره صاحب «الفصول» و «المذهب»
_________
(1) أي يوم الجمعة.
(2) أي عند قيام الشمس، وذكر هذا وهو يعدد أوقات النهي.
(3) «الفتاوى» (23/ 205 – 208)، «الاختيارات» للبعلي (101).
(4) «الفتاوى» (23/ 215).
(1/196)
و «المستوعب» وشيخنا وغيرهم، كتحية المسجد حال خطبة الجمعة، وليس عنها جواب صحيح) [الفروع 1/ 573 (2/ 413)] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (1/ 164؛ 23/ 191 – 199، 210 – 217؛ 22/ 297 – 298)، «الاختيارات» للبعلي (101).
(1/197)
باب صلاة الجماعة
266 – أجر صلاة المنفرد:
– قال ابن مفلح: (وهي واجبة (1)، نص عليه، فلو صلّى منفردا لم ينقص أجره مع العذر، وبدونه في صلاته فضلٌ، خلافا لأبي الخطاب وغيره في الأولى (2)، ولنقله عن أصحابنا في الثانية …. واختار شيخنا كأبي الخطاب فيمن عادته الانفراد مع عدم العذر، وإلا تمّ أجره (3).
وقال في «الصارم المسلول»: خبر التفضيل في المعذور الذي تباح له الصلاة وحده، لقوله عليه السلام: «صلاة الرجل قاعدا على النصف، ومضطجعا على النصف»، فإن المراد به المعذور، كما في الخبر: أنه خرج وقد أصابهم وعك، وهم يصلون قعودا، فقال ذلك (4) ….
وذكر شيخنا في مواضع: أن من صلّى قاعدا لعذر له أجر القائم) [الفروع 1/ 576 (2/ 419)] (5).
وانظر: ما تقدم برقم (255)، وما يأتي برقم (293).
_________
(1) يعني صلاة الجماعة.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الأولى هي قوله: (لم ينقص أجره مع العذر)، والثانية: هي قوله: (وبدونه في صلاته فضل)، والفضل المراد به الفضيلة والثواب … الخ).
(3) «الفتاوى» (23/ 234 – 237، 242).
(4) هذا النص لم أقف عليه في «الصارم المسلول»، وهو في كتاب «الإيمان» (فتاوى ــ 7/ 36) فأخشى أن ذكر «الصارم المسلول» سبق قلم من ابن مفلح، والله أعلم.
(5) «الاختيارات» للبعلي (102 – 103).
(1/198)
267 – حكم صلاة الجماعة:
– قال ابن مفلح: (وعنه (1): الجماعة سنة «و: هـ م ق» وذكر شيخنا وجها: فرض كفاية «و: ق» ومقاتلة تاركها كالأذان، وذكره ابن هبيرة «و»، وفي «الواضح» و «الإقناع» رواية: شرط، وذكر القاضي كذلك، واختاره ابن أبي موسى وشيخنا للمكتوبة) [الفروع 1/ 577 (2/ 420)] (2).
– وقال أيضا: (واختار الشيخ تقي الدين الاشتراط، واحتج الأصحاب بتفضيل الشارع عليه أفضل الصلاة والسلام صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولا يصح حمل ذلك على المعذور، لأنه يكتب له أجر ما كان يفعله لولا العذر، كما دلت عليه نصوص صحيحة، ولأنها لا يشترط لها بقاء الوقت، فكذا الجماعة كالفائتة، بعكس الجمعة، ووجوب الجماعة لها لا يوجب أن لا تصح عند عدمها، كواجبات الحج، وكترك وقتها عمدا، فإنها تصح بعده وإن كانت قضاء.
وأجاب الشيخ تقي الدين عن قولهم: «لا يصح حمله على المعذور» بأن المعذور ينقسم على قسمين: معذور من عادته في حال صحته الصلاة جماعة، ومعذور عكسه، فالأول هو الذي لا ينقص أجره عن حال صحته، وهو مراد الشارع، ولهذا قال: «إلا كتب له ما كان يعمل مقيما صحيحا» وهذا من التفضيل والخير، لأنه لما كمل الخدمة في حال الصحة ناسب أن
_________
(1) أي: عن أحمد في حكم صلاة الجماعة.
(2) «الفتاوى» (11/ 615؛ 24/ 101)، «الاختيارات» للبعلي (103)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 222 – 238، 239 – 243)، «جامع المسائل» (4/ 127 – 132؛ 6/ 335).
(1/199)
يكمل له الأجر في حال العجز، وهذا بخلاف القسم الثاني من المعذور، وهو الذي أراد الشارع بالتفضيل …
وقد يجاب عما تقدم من جواب الشيخ تقي الدين بأن فيما ذكره قصر اللفظ العام على صورة قليلة نادرة في حال زمن المتكلم، لأن المعذور المنفرد الذي ليس من عادته في حال صحته إيقاع الصلاة جماعة قليل ونادر في ذلك الزمان بلا إشكال، ولهذا قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، وإن كان المريض ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. فهذا هو المعهود المعروف بينهم في ذلك الزمان، بل كلام ابن مسعود يدل على أنه لم يكن يتخلف عنها صحيح، لكن معذور أو منافق، وهذا وإن كان واقعا في ذلك الزمان فلا ريب في قلته وندرته، ولا يخفى بُعد قصر العام على الأمور النادرة والوقائع البعيدة، وقد صرح الشيخ تقي الدين وغيره بعدم جوازه، وقد كتبت كلامه في شهادة الشروطي وغيره) [النكت على المحرر 1/ 95] (1).
268 – صلاة الجماعة في المسجد:
– قال ابن مفلح: (وفعلها في المسجد سنة «و: هـ م»، وعنه: فرض كفاية «و: ق» قدمه في «المحرر» لاستبعاده أنها سنة، ولم أجد من صرح به غيره. وعنه: واجبة مع قربه، وقيل: شرط، قال شيخنا: ولو لم يمكنه إلا بمشيه في ملك غيره فعل، وإن كان بطريقه منكر كغناء لم يدع المسجد وينكره، نقله يعقوب) [الفروع 1/ 577 ـ 578 (2/ 420)] (2).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (23/ 236 – 238).
(2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (103).
(1/200)
269 – اعتياد الإمام أداء الفريضة مرتين:
– قال ابن مفلح: (وليس للإمام [اعتياد] (1) الصلاة مرتين، وجعل الثانية عن فائتة أو غيرها، والأئمة متفقون على أنه بدعة مكروهة، ذكره شيخنا) [الفروع 1/ 584 (2/ 432)] (2).
270 – إعادة الصلاة مع جماعة أخرى:
271 – ومن نذر أنه يصلي مع كل صلاة فريضة أخرى:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا يعيدها من بالمسجد وغيره بلا سبب، وهو ظاهر كلام بعضهم، وذكره بعض الحنفية وغيرهم.
وقال أيضا فيمن نذر متى حفظ القرآن صلّى مع كل صلاة فريضة أخرى، وحفظه: لا يلزمه الوفاء، فإنه منهيٌّ عنه، ويكفِّر كفارة يمين، ويعيد الصلاة حيث تشرع الإعادة، مثل أن تقام الصلاة وهو في المسجد، فيصليها معهم، وإن كان صلّى، ويتطوّع بما يقوم مقام ذلك) [الفروع 1/ 585 (2/ 434)] (3).
272 – ما تدرك به صلاة الجماعة:
– قال ابن مفلح: (وظاهر كلام ابن أبي موسى: تدرك (4) بركعة «و: م»،
_________
(1) في ط 1 وط 2: (إعادة)، والمثبت من النسخة الخطية (ص: 61) و «الاختيارات» للبعلي، وهو ما يفهم من جواب شيخ الإسلام في «الفتاوى».
(2) «الفتاوى» (23/ 382 – 383)، «الاختيارات» للبعلي (104).
(3) «الفتاوى» (23/ 260 – 262)، «الاختيارات» للبعلي (104).
(4) في ط 1: (يدركه)، والمثبت من ط 2.
(1/201)
وذكره شيخنا رواية، واختارها، وقال: اختاره جماعة. وقال: وعليهما (1) إن تساوت الجماعتان فالثانية من أولها أفضل.
ولعل مراد شيخنا ما نقله صالح وأبو طالب وابن هانئ في قوله: «الحج عرفة» أنه مثل قوله: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»، إنما يريد بذلك فضل الصلاة، وكذلك يدرك فضل الحج) [الفروع 1/ 587 (2/ 436 ــ 437)].
– وقال أيضا: (وظاهر كلام ابن أبي موسى: أن الجماعة لا تدرك إلا بركعة. قاله بعضهم، وحكاه في «الرعاية» قولا، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين، قال: وهو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، اختارها جماعة من أصحابه. قال: وهو وجه في مذهب الشافعي، واختاره أبو المحاسن الروياني (2) وغيره) [النكت على المحرر 1/ 157 ــ 158] (3).
273 – ائتمام المفترض بالمتنفل:
– قال ابن مفلح: (ولا يصح ائتمام مفترضٍ بمتنفِّلٍ، اختاره الأكثر «و: هـ م»، وعنه: بلى، اختاره صاحب «النصيحة» و «التبصرة» والشيخ وشيخنا «و: ش» وذكر وجها: لحاجة، نحو كونه أحقَّ بالإمامة) [الفروع 1/ 590 (2/ 441)] (4).
_________
(1) كذا في ط 2 والنسخة الخطية (ص: 62)، وفي ط 1: (وعليه)، وفي «الاختيارات» للبعلي: (على الروايتين).
(2) في مطبوعة «الفتاوى»: (الرياني) خطأ.
(3) «الفتاوى» (23/ 330 – 331، 255 – 258)، «الاختيارات» للبعلي (104).
(4) «الفتاوى» (23/ 384 – 386، 389)، «الاختيارات» للبعلي (104).
(1/202)
274 – إذا كانت صلاة المأموم أقل من صلاة الإمام:
– قال ابن مفلح: ( … وقيل: أو كانت صلاة المأموم أقل (1)، اختاره شيخنا وصاحب «المحرر» وقال: على نص أحمد «و: ش») [الفروع 1/ 591 (2/ 443)] (2).
275 – مراعاة الإمام للمأمومين:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يلزمه مراعاة المأموم إن تضرر بالصلاة أول الوقت أو آخره ونحوه. وقال: ليس له أن يزيد على القدر المشروع، وأنه ينبغي أن يفعل غالبا ما كان عليه السلام يفعله غالبا، ويزيد وينقص للمصلحة، كما كان عليه السلام يزيد وينقص أحيانا) [الفروع 1/ 597 (2/ 451 ــ 452)] (3).
276 – مقدار مضاعفة الصلاة في المساجد الثلاثة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: بالمسجد (4) الحرام بمائة ألف، وبمسجد المدينة بألف، وأن الصواب في الأقصى بخمس مائة صلاة. كذا قال) [الفروع 1/ 599 (2/ 456)] (5).
_________
(1) أي: إذا كان الإمام يصلي العشاء والمأموم يصلي المغرب مثلا، فإنها تصح.
(2) «الاختيارات» للبعلي (104 – 105)، وانظر: «الفتاوى» (23/ 391).
(3) «الاختيارات» للبعلي (105 – 106).
(4) في ط 1: (فالمسجد)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 63).
(5) «الاختيارات» للبعلي (106)، انظر: «الفتاوى» (27/ 7 – 8).
(1/203)
277 – مشاركة الجن للإنس في جنس التكليف:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ليس الجن كالإنس في الحدّ والحقيقة، فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة، لكنهم مشاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، بلا نزاع أعلمه بين العلماء) [الفروع 1/ 604 (2/ 461)] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (4/ 233)، «الاختيارات» للبعلي (106).
(1/204)
باب الإمامة
278 – الأحق بالإمامة:
– قال ابن مفلح: (وظاهر كلام أحمد: الأقدم ثم الأسن ثم الأشرف ــ وقال ابن حامد: الأشرف ثم الأقدم ثم الأسن. وفي «المقنع» عكسه ــ، وسبق الإسلام كالهجرة، ثم الأتقى ثم الأورع ــ وقيل: يقدمان على الأشرف ــ ثم اختيار الجماعة في رواية، وعنه: القرعة، وقيل: يقدم عليهما القائم بعمارة المسجد، وجزم به في «الفصول» وزاد: أو يفضل على الجماعة المنعقدة فيه. ولم يقدم شيخنا بالنسب، وذكره عن أحمد وأبي حنيفة ومالك) [الفروع 2/ 4 ــ 5 (3/ 5 ــ 7)] (1).
279 – الأقدم هجرة:
– قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين ــ بعد ذكره قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ــ قال: فمن سبق إلى هجر السيئات بالتوبة منها فهو أقدم هجرة فيقدم في الإمامة) [النكت على المحرر 1/ 109] (2).
280 – إذا خالف شرط الواقف ما جاء تقديمه في الشرع:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يجب تقديم من يقدمه الله ورسوله ولو مع شرط الواقف بخلافه، فلا يلتفت إلى شرط يخالف شرط الله ورسوله) [الفروع 2/ 8 (3/ 11 ــ 12)] (3).
_________
(1) «الفتاوى» (19/ 26 – 27)، «الاختيارات» للبعلي (106).
(2) «الفتاوى» (23/ 386).
(3) «الفتاوى» (31/ 95)، «الاختيارات» للبعلي (106).
(1/205)
281 – إمامة الفاسق:
انظر: ما تقدم برقم: (137).
282 – إذا كان بين الإمام والمأمومين عداوة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب، فلا ينبغي أن يؤمهم، لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم بالائتلاف، ولهذا قال عليه السلام: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وقال: «اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا») [الفروع 2/ 11 ــ 12 (3/ 17)] (1).
283 – إذا صلى الإمام بقوم يكرهونه:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: أتى بواجب ومحرم (2) يقاوم صلاته فلم تقبل، إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها) [الفروع 2/ 13 (3/ 19)] (3).
284 – إمامة من زوّر لنفسه ولاية بالإمامة:
– قال ابن مفلح: (ومن زوّر ولاية لنفسه بإمامة، وباشر، فيتوجه: إن كانت ولايته شرطا لاستحقاقه لم يستحقّ، وإلا خرّج على صحة إمامته، وقال شيخنا: له أجر مثله ــ وأطلق (4) ــ كمن ولايته فاسدة (5) بغير كذبه، لا
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (106 – 107).
(2) يعني إذا أمّ قوما يكرهونه.
(3) «الاختيارات» للبعلي (107).
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: لم يفرّق بين من ولايته شرط لاستحقاقه، وبين غيره، والمصنف فرّق بقوله: «فيتوجّه إن كانت ولايته شرطا لاستحقاقه لم يستحقّ، وإلا خرِّج على صحة إمامته»، الشيخ جعل له أجرة المثل من غير تفصيل) ا. هـ.
(5) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الظاهر أنه من تمام كلام الشيخ، أي: يكون له أجرة المثل، كمن ولايته فاسدة، فإن له أجرة المثل، كذلك من باشر بولاية كذب، فإنه يستحق أجرة المثل) ا. هـ.
(1/206)
ما يستحقه عدل بولاية شرعية (1)) [الفروع 2/ 17 ــ 18 (3/ 24)].
285 – إمامة العاجز عن ركن أو شرط بالقادر عليه:
– قال ابن مفلح: (ولا ــ على الأصح ــ «ش» إمامة عاجز عن ركن أو شرط، واختار شيخنا الصحة، قاله في إمام عليه نجاسة يعجز عنها (2)، ولا خلاف أن المصلي خلف المضطجع لا يضطجع وتصح بمثله، وإمامة متيمم بمتوضئ «و» ولا تكره «م») [الفروع 2/ 21 (3/ 29)] (3).
286 – إذا ترك الإمام ركنا أو شرطا عند المأموم:
– قال ابن مفلح: ( … وإن كان (4) ركنا أو شرطا عند المأموم (5) فعنه: يعيد المأموم، اختاره جماعة «و: هـ ش» لاعتقاد المأموم فساد صلاة إمامه، كما لو اعتقده مجمعا عليه فبان خلافه، وعنه: لا، اختاره الشيخ وشيخنا «و: م») [الفروع 2/ 25 (3/ 34)] (6).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا من تمام كلام شيخنا ــ يعني شيخ ابن مفلح ــ أي: قال شيخنا: له أجرة مثله، لا ما يستحقه بولاية شرعية، أي: له أجرة مثله وليس له ما يستحقه بولاية شرعية، بل له أجرة المثل) ا. هـ.
(2) في «الاختيارات»: (يعجز عن إزالتها بمن ليس عليه نجاسة).
(3) «الاختيارات» للبعلي (107).
(4) أي: وإن كان المتروك.
(5) يعني: وتركه الإمام.
(6) «الفتاوى» (23/ 377)، «الاختيارات» للبعلي (107).
(1/207)
287 – إذا فعل مفسقا بلا تقليد:
– قال ابن مفلح: (قال ابن عقيل، وجماعة: لا يجوز أن يقدم (1) على فعلٍ لا يعلم جوازه، ويفسق، أي: إن كان مما يفسق به؛ كما جزم به في «الفصول» في عاميٍّ شرب نبيذًا، بلا تقليدٍ. وهو معنى كلام القاضي وغيره؛ ولم يصرح القاضي بالفسق في موضع، وصرح به في آخر. وذكره شيخنا عنه، ولم يخالفه) [الفروع 2/ 26 ــ 27 (3/ 35)] (2).
_________
(1) في «الاختيارات» للبعلي: (يقدم العامي).
(2) «الاختيارات» للبعلي (108).
(1/208)
باب موقف الجماعة
288 – الصلاة قُدَّام الإمام:
– قال ابن القيم: (إذا لم يمكنه أن يصلي مع الجماعة إلا قدّام الإمام فإنه يصلي قدّامه وتصح صلاته، وكلاهما (1) وجه في مذهب أحمد، وهو اختيار شيخنا – رحمه الله -) [إعلام الموقعين 2/ 41].
– وقال ابن مفلح: (يستحب وقوف الجماعة خلف الإمام «و»، ولا يصح قدّامه بإحرام فأكثر، لأنه ليس موقفا بحال، وذكر شيخنا وجها: تكره وتصح «و: م»، والمراد: وأمكن الاقتداء، وهو متجه، وقيل: تصح جمعة ونحوها لعذر، اختاره شيخنا، وقال: من تأخّر بلا عذر، فلما أذن جاء فصلّى قدّامه عزّر (2)) [الفروع 2/ 28 (3/ 37)].
– وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: في مذهب أحمد وغيره قول أن صلاة المأموم تصح قدّام الإمام مع العذر دون غيره.
قال: وهذا أعدل الأقوال وأرجحها، وهو قول طائفة من العلماء، وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر، وإن كانت واجبة في أصل الصلاة، والواجب في الجماعة أولى بالسقوط. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 112 ــ 113].
_________
(1) يشير إلى هذه المسألة، ومسألة صلاة المنفرد خلف الصف وحده للحاجة.
(2) في «الإنصاف» (4/ 418): (عذر) خطأ.
(1/209)
– وقال أيضا: (وكلامهم (1) يتناول صلاة الجنازة أيضا، وصرح الشيخ تقي الدين فيها بروايتين، واختار الجواز) [النكت على المحرر 1/ 114] (2).
289 – ترك الصف الأول ناقصا:
– قال ابن مفلح: (ورووا (3) أيضا ــ والإسناد جيد ــ عن أنس مرفوعا: «أتموا الصف الأول، ثم الذي يليه، فإن كان نقصان فليكن في الصف المؤخر».
والمشهور القول بموجبه، وأن ترك الصف الأول ناقصا مكروه، خلافا لابن عقيل، فإنه اختار أن لا يكره تطوع الإمام في موضع المكتوبة، وقاسه على ترك الصف الأول للمأمومين، والأول أولى، واختاره الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر 1/ 115].
290 – صلاة المنفرد خلف الصف:
– قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ ينكره أيضًا (4)، ويقول: يصلي خلف الصف فذًا، ولا يجذب غيره.
قال: وتصح صلاته في هذه الحالة فذًا، لأن غاية المصافة أن تكون واجبة، فتسقط بالعذر) [بدائع الفوائد 3/ 74].
_________
(1) أي في هذه المسألة.
(2) «الفتاوى» (23/ 404 – 405)، «جامع المسائل» (4/ 207 – 208)، «الاختيارات» للبعلي (108).
(3) أي: أحمد وأبو داود والنسائي.
(4) أي ينكر أن يجر الرجل أحدا من الصف ليصف معه.
(1/210)
– وقال ابن مفلح: (ومن صلّى فذّا خلفه (1) ركعة ــ وقيل: أو أحرم، واختاره في «الروضة» وذكره رواية، وقيل: لغير غرض ــ لم يصحّ، وعنه: إن علم النهي، وفي «النوادر» رواية تصح لخوفه تضيّقا (2)، وذكره بعضهم قولا، وهو معنى قول بعضهم: لعذر، وعنه: مطلقا «و»، وعنه: في النفل، وبناه في «الفصول» على من صلّى بعض الصلاة منفردا، ثم نوى الائتمام، وحيث صحّت، فالمراد مع الكراهة، ويتوجّه: إلا لعذر، وهو ظاهر كلام شيخنا، وقاله الحنفية) [الفروع 2/ 30 (3/ 40)] (3).
– وقال أيضا: (فإن لم يجد فرجة في الصف ولا وجد أحدا يقوم معه … هل يجذب من يقوم معه؟ نص أحمد على أنه يكره … قال في «التلخيص»: في جواز ذلك وجهان، والذي اختاره ابن عقيل أنه لا يجوز.
وهذا ظاهر قول الشيخ تقي الدين، فإنه قال: صلّى وحده خلف الصف، ولم يدع الجماعة، ولم يجتذب أحدا يصلّي معه.
وقوله: «صلّى وحده» هذا وجه في المذهب، وهو قوي، بناء على أن الأمر بالمصافة إنما هو مع الإمكان) [النكت على المحرر 1/ 116] (4).
291 – صلاة من يلي المرأة في الصف:
– قال ابن مفلح: (وذكر ابن عقيل فيمن يليها (5) رواية تبطل، وفي
_________
(1) أي خلف الإمام.
(2) في ط 2: (تضييقا) والمثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 68).
(3) «الفتاوى» (23/ 396).
(4) «الفتاوى» (23/ 406 – 407)، «الاختيارات» للبعلي (108).
(5) أي: المرأة.
(1/211)
«الفصول» أنه الأشبه، وأن أحمد توقّف، وذكره شيخنا المنصوص) [الفروع 2/ 33 (3/ 45)] (1).
292 – بناء المسجد بجوار مسجد آخر:
– قال ابن مفلح: (اتفقت الرواية أنه لا يبنى لقصد الضرار، وإن لم يقصد ولا حاجة فروايتان، رواية محمد بن موسى: لا يبنى، واختاره شيخنا، وأنه يجب هدمها، وقاله فيما بُنِيَ جوار جامع بني أمية) [الفروع 2/ 38 (3/ 57)] (2).
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 396)، وفيها: (والمنصوص عن أحمد بطلان صلاة من يليها في الموقف).
(2) «الاختيارات» للبعلي (109)، وانظر: «الفتاوى» (31/ 59، 221).
(1/212)
باب صلاة المريض
293 – الصلاة قاعدا:
– قال ابن القيم: (في «صحيح البخاري» ما انفرد به من رواية عمران بن حصين أنه سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن صلاة الرجل قاعدا، قال: «إن صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد».
قلت: اختلف العلماء هل قوله: «من صلى قاعدا» في الفرض أو النفل؟ فقالت طائفة: هذا في الفرض وهو قول كثير من المحدّثين واختيار شيخنا، فورد على هذا أن من صلى الفرض قاعدا مع قدرته على القيام فصلاته باطلة وإن كان مع عجزه فأجر القاعد مساو لأجر القائم، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما».
فقال لي شيخنا: وضع صلاة القاعد على النصف مطلقا، وإنما كمل الأجر بالنية للعجز) [بدائع الفوائد (4/ 209 ــ 210)].
وانظر ما تقدم رقم: (266).
294 – العاجز عن الإيماء بالركوع والسجود:
– قال ابن مفلح: (وإن عجز أومأ (1) بطرفه ناويا مستحضرا الفعل والقول إن عجز عنه بقلبه … وعنه: تسقط الصلاة، اختاره شيخنا «و: هـ» (2))
_________
(1) في ط 1 (أدّى) والمثبت من ط 2.
(2) قال المرداوي في «الإنصاف» (5/ 14): (قال الشيخ تقي الدين: لو عجز المريض عن الإيماء برأسه سقطت عنه الصلاة، ولا يلزمه الإيماء بطرفه) ا. هـ.
(1/213)
[الفروع 2/ 46 ــ 47 (3/ 70 ــ 71)].
– وقال أيضا: (وعن أحمد: تسقط، وضعفها الخلال، وهو قول أبي حنيفة، واختاره الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر 1/ 126] (1).
295 – من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه (2) كان له كأجر الفاعل. ثم احتج بحديث أبي كبشة (3)، وحديث: «إن بالمدينة لرجالا»، وحديث: «إذا مرض العبد»، وحديث: «من دعى إلى هدى» (4)، قال: وله نظائر. واحتج بها في مكان آخر، وبقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95].
وقال أيضا عن حديث «إذا مرض العبد»: هذا يقتضي أن من ترك الجماعة لمرض أو سفر وكان يعتادها كتب له أجر الجماعة، وإن لم يكن يعتادها لم يكتب له، وإن كان في الحالين إنما له بنفس الفعل صلاة منفرد، وكذلك المريض إذا صلى قاعدا أو مضطجعا.
_________
(1) «الفتاوى» (10/ 444؛ 23/ 72)، «الاختيارات» للبعلي (110).
(2) في «الفتاوى» زيادة: (وعجز عن إكماله).
(3) حديث أبي كبشية رواه الترمذي (2325) أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكر أربعة رجال: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل فيه بطاعة الله، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فقال: لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما يعمل فلان، قال: «فهما في الأجر سواء» … الحديث.
(4) «الفتاوى» (22/ 243 – 244).
(1/214)
قال: ومن قصد الجماعة فلم يدركها كان له أجر من صلّى في جماعة) [الفروع 2/ 51 (3/ 77)] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 242).
(1/215)
باب صلاة المسافر
296 – السفر للنزهة والفرجة:
– قال ابن مفلح: (من ابتدأ سفرا مباحا «و: م ش» والأصح: أو هو أكثر قصده، وقيل: أو نقل سفره المباح إلى محرم كالعكس، كتوبته، وقد بقي مسافة قصر في الأصح، وقال ابن الجوزي: أو لا، وعنه: مباحا غير نزهة ولا فرجة، اختاره أبو المعالي، لأنه لهو بلا مصلحة، ولا حاجة، مع أنهم صرحوا بإباحاته، وسبق (1) في المسح كلام شيخنا: أنه يكره) [الفروع 2/ 54 (3/ 80)] (2).
297 – نوع السفر الذي يباح فيه القصر وحده:
– قال ابن مفلح: (قال في «المغني»: الحجّة مع من أباح القصر في كل سفر، ما لم يخالف إجماعا. واختاره شيخنا (3)، وقال أيضا: إن حُدَّ، فتحديده ببريد أجود (4). وقاله أيضا في سفر المعصية، وأن ابن عقيل رجّحه في بعض المواضع «م ش» كأكل الميتة فيه (5)) [الفروع 2/ 57 (3/ 85)].
وانظر: كلام ابن القيم في المسألة رقم: (305)، وكلام ابن مفلح في المسألة رقم (112).
_________
(1) برقم (46).
(2) انظر: «الفتاوى» (28/ 28 – 29).
(3) «الفتاوى» (24/ 38 – 49؛ 19/ 243 – 247).
(4) «الفتاوى» (24/ 47 – 48)، «الاختيارات» للبعلي (110).
(5) «الفتاوى» (24/ 108 – 109)، «الاختيارات» للبعلي (110).
(1/216)
298 – الإتمام في السفر:
– قال ابن القيم: (وأما حديث عائشة: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم= فلا يصح؛ وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول لله – صلى الله عليه وسلم -. انتهى.
وقد رُوي: كان يقصُرُ وتُتِمُّ، الأول: بالياء، آخر الحروف، والثاني: بالتاء المثناة من فوق، وكذلك يفطر وتصوم، أي: تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين.
قال شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل، ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجميع أصحابه، فتصلي خلاف صلاتهم، كيف والصحيح عنها أنها قالت: «إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر»؟! فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين معه؟!) [زاد المعاد 1/ 464 ــ 465].
– وقال أيضا: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا الحديث كذبٌ على عائشة، ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسائر الصحابة وهي تشاهدهم يقصرون، ثم تتم هي وحدها بلا موجب، كيف وهي القائلة: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر»؟ ! فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله، وتخالف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه؟!) [زاد المعاد 1/ 472] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (24/ 150 – 153).
(1/217)
– وقال ابن مفلح: (والقصر أفضل «و»، والإتمام جائز «هـ»، في المنصوص فيهما، وعنه: لا يعجبني الإتمام، وكرهه شيخنا، وهو أظهر) [الفروع 2/ 58 (3/ 87)] (1).
299 – صلاة التطوع في السفر:
– قال ابن مفلح: (ويوتر ويركع سنة الفجر، ويخيّر في غيرهما «ش» في فعله، وعن الحنفية كقولنا وقولِه (2)، وعند شيخنا: يسن تركه غيرهما (3).
قيل لأحمد: التطوع في السفر؟ قال: أرجو أن لا بأس. وأطلق أبو المعالي التخيير في النوافل والسنن، ونقل ابن هانئ: يتطوع أفضل، وجزم به في «الفصول»، و «المستوعب» وغيرهما، واختاره شيخنا في غير الرواتب، ونقله بعضهم «ع») [الفروع 2/ 58 (3/ 87)] (4).
300 – مدة السفر الذي تقصر فيه الصلاة:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا وغيره: القصر والفطر، وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن، كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة ولا يعلم فراغ الحاجة قبل المدة، وقيل: ولا يظن) [الفروع 2/ 64 (3/ 95 ــ 96)] (5).
_________
(1) «الفتاوى» (24/ 9؛ 22/ 82)، «الاختيارات» للبعلي (110).
(2) أي كقول الشافعي، والله أعلم.
(3) انظر: «الفتاوى» (22/ 279 – 280؛ 23/ 128 – 129)
(4) «الاختيارات» للبعلي (111).
(5) «الفتاوى» (24/ 18، 136 – 137)، «الاختيارات» للبعلي (110 – 111).
(1/218)
باب الجمع بين الصلاتين
301 – المفاضلة بين جمع التقديم وجمع التأخير:
– قال ابن مفلح: (قال بعضهم: والجمع في وقت الثانية أفضل، وقيل: في جمع السفر «و: ش»، وقيل: التقديم، وجزم به غير واحد في جمع المطر «و: م» ونقله الأثرم، وإن جمع في السفر يؤخر، وقيل: الأرفق به، واختاره شيخنا، وذكره ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه، وأن في جوازه للمطر في وقت الثانية وجهين، لأنا لم نثق بدوامه) [الفروع 69 – 70 (3/ 107 – 108)] (1).
302 – الجمع لتحصيل الجماعة:
303 – والجمع للحاجة:
– قال ابن القيم: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر لمصلحة الوقوف، ليتصل وقت الدعاء، ولا يقطعه بالنزول لصلاة العصر، مع إمكان ذلك بلا مشقة، فالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى) [زاد المعاد 1/ 481].
– وقال ابن مفلح: (اختار شيخنا الجمع لتحصيل الجماعة، وللصلاة في حمّام (2)
_________
(1) «الفتاوى» (24/ 56 – 58)، «الاختيارات» للبعلي (112).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: لو صلّى من غير جمع لم يمكنه أن يصلّي الثانية إلا في الحمّام، ولو جمع تخلّص من الصلاة في الحمّام، فإنه يجوز له الجمع، ولا يصلي في الحمّام، لأن الصلاة فيه منهي عنها، والجمع مشروع للعذر، وهذا عذر فيجمع).
(1/219)
ــ مع جوازها فيه خوف فوت الوقت (1) ــ ولخوف تحرّج في تركه، أي: مشقّة (2)) [الفروع 2/ 71 (3/ 110 ــ 111)] (3).
304 – الموالاة بين الصلاتين في الجمع:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا موالاة، وأخذه من رواية أبي طالب والمروذي: للمسافر أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق، وعلّله أحمد بأنه يجوز له الجمع، ومن نصّه في جمع المطر: إذا صلّى إحداهما في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس) [الفروع 2/ 72 (3/ 112 ــ 113)] (4).
305 – الجمع والقصر في عرفة ومزدلفة:
– قال ابن القيم: (ولم يكن من هديه – صلى الله عليه وسلم – الجمع راكبًا في سفره ــ كما يفعله كثير من الناس ــ، ولا الجمع حال نزوله أيضًا، وإنما كان يجمع إذا جدّ به السير، وإذا سار عقيب الصلاة، كما … في قصة تبوك.
وأما جمعه وهو نازل غير مسافر= فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة، لأجل اتصال الوقوف، كما قال الشافعي – رحمه الله – وشيخنا، ولهذا: خصّه أبو حنيفة
_________
(1) قال ابن قندس: (يعني: يجوز له، لأجل الصلاة في الحمّام، وإن جوّزنا له الصلاة في الحمّام إذا خاف فوت الوقت، لأنه إنما جاز إذا خاف فوت الوقت، للحاجة إلى إدراك الصلاة، والجمع لا يحتاج معه إلى الصلاة فيه).
(2) قال ابن قندس: («مشقة» تفسير للتحرّج، والمعنى: إذا خاف حرجا في ترك الجمع، فإنه يجمع).
(3) «الاختيارات» للبعلي (112)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 432 – 433، 451 – 452، 457 – 458؛ 24/ 26 – 28).
(4) «الفتاوى» (24/ 51 – 54؛ 25/ 231)، «الاختيارات» للبعلي (112).
(1/220)
بعرفة، وجعله من تمام النسك، ولا تأثير للسفر عنده فيه.
وأحمد ومالك والشافعي: جعلوا سببه السفر، ثم اختلفوا:
فجعل الشافعي وأحمد ــ في إحدى الروايات عنه ــ: التأثير للسفر الطويل، ولم يجوّزاه لأهل مكة.
وجوّز مالك وأحمد ــ في الرواية الأخرى عنه ــ لأهل مكة الجمع والقصر بعرفة، واختارها شيخنا وأبو الخطاب في «عباداته».
ثم طرد شيخنا هذا، وجعله أصلًا في جواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره، كما هو مذهب كثير من السلف، وجعله مالك وأبو الخطاب: مخصوصًا بأهل مكة) [زاد المعاد 1/ 481].
– وقال ابن مفلح: (وصلاة عرفة ومزدلفة كغيرهما، نص عليه، اختاره الأكثر «و: ش»، واختار أبو الخطّاب في «عباداته» وشيخنا: الجمع والقصر مطلقا (1) «و: م»، والأشهر عن أحمد الجمع فقط) [الفروع 2/ 74 (3/ 115)] (2).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (سواء سافر سفر قصر أو لا).
(2) «الفتاوى» (24/ 11، 14 – 15، 27 – 28، 63 – 65؛ 26/ 168 – 169)، «جامع المسائل» (6/ 323)، «الاختيارات» للبعلي (112)، وانظر: «الفتاوى» (19/ 244).
(1/221)
باب صلاة الجمعة
306 – من أقام في غير بناء:
– قال ابن مفلح: (وقدّم الأزجيّ صحتها ووجوبها على المستوطنين بعمود «خ» أو خيام «خ» واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 89 (3/ 137)] (1).
307 – المسافر الذي حضرها:
– قال ابن مفلح: (وتجزئ امرأة حضرتها تبعا «و» (2)، ولا تنعقد بها «و»، ولا تؤمّ «و» (3)، وكذا مسافر له القصر، ويحتمل أن تلزمه تبعا للمقيمين «خ» قاله شيخنا) [الفروع 2/ 91 (3/ 139 ــ 140)] (4).
308 – العدد الذي تنعقد به الجمعة:
– قال ابن مفلح: (تنعقد بأربعين فأكثر في ظاهر المذهب «و: ش»، لا بمن تتقرّى بهم قرية عادة «م»، وعنه: بخمسين، وعنه: بسبعة، وعنه: بخمسة، وعنه: بأربعة «و: هـ»، وعنه: بثلاثة، اختاره شيخنا) [الفروع 1/ 99 (3/ 149 ــ 151)] (5).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (119)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 166).
(2) في ط 1 زيادة: (للمقيمين) وهي غير موجودة في النسخة الخطية (ص: 75).
(3) في ط 1 زيادة: (فيهن) وهي غير موجودة في النسخة الخطية (ص: 75).
(4) «الفتاوى» (24/ 184)، «الاختيارات» للبعلي (119).
(5) «الاختيارات» للبعلي (119 – 120).
(1/222)
309 – تخطي الرقاب:
– قال ابن مفلح: (ويكره تخطّي أحد، وحرّمه في «النصيحة» و «المنتخب» وأبو المعالي وشيخنا) [الفروع 2/ 105 (3/ 160)].
– وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: ليس لأحد أن يتخطى الناس ليدخل في الصف، إذا لم تكن بين يديه فرجة، لا يوم الجمعة ولا غير يوم الجمعة، بل هذا من الظلم والتعدي لحدود الله. ثم استدل بالحديث في ذلك) [النكت على المحرر 1/ 145] (1).
310 – فرش السجادة في يوم الجمعة:
– قال ابن مفلح: (ومن فرش مصلّى ففي جواز رفعه لغيره وجهان، وقيل: إن تخطّى رفعه ولا يصلّي عليه، وقدّم في «الرعاية»: يكره جلوسه عليه، وجزم صاحب «المحرر» وغيره بتحريمه، ويتوجّه إن حرم رفعه: فله فرشه وإلا كره، وأطلق شيخنا: ليس له فرشه) [الفروع 2/ 108 ــ 109 (3/ 163 ــ 164)] (2).
311 – افتتاح خطبة الجمعة بالحمد:
– قال ابن القيم: (وكان لا يخطب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله.
وأما قول كثير من الفقهاء: إنه يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وخطبة العيدين بالتكبير، فليس معهم فيه سنة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – البتة، وسنته تقتضي خلافه، وهو افتتاح جميع الخطب بالحمد الله.
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (121 – 122).
(2) «الفتاوى» (24/ 216)، «الاختيارات» للبعلي (122).
(1/223)
وهو أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب أحمد (1)، وهو اختيار شيخنا قدس الله سره) [زاد المعاد 1/ 186] (2).
312 – التشهد في خطبة الجمعة:
313 – والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها:
– قال ابن مفلح: (والصلاة على رسوله – صلى الله عليه وسلم – (3) «و: م رش»، واختار صاحب «المحرر»: أو يشهد أنه عبد الله ورسوله، وأوجبه شيخنا فقط لدلالته عليه، ولأنه إيمان به، والصلاة عليه دعاء له، وأين هذا من هذا؟ فالصلاة عليه مشروعة مع الدعاء أمامه، كما قدم السلام عليه في التشهد على غيره، والتشهد مشروع في الخطاب (4) والثناء (5).
وأوجب في مكان آخر الشهادتين، وأوجب الصلاة عليه مع الدعاء الواجب (6)، وتقديمها عليه، لوجوب تقديمه على النفس، والسلام عليه في التشهد (7)) [الفروع 2/ 109 (3/ 165 ــ 166)] (8).
_________
(1) أي في استفتاح خطبة الاستسقاء، وهي: تفتتح بالحمد، أو بالتكبير، أو بالاستغفار، كما في «الفتاوى» (22/ 393).
(2) «الفتاوى» (22/ 392 – 394)، «الاختيارات» للبعلي (123).
(3) أي ومن شروط خطبتي الجمعة الصلاة على الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
(4) في «الفتاوى»: (الخطب).
(5) «الفتاوى» (22/ 391).
(6) (الواجب) غير موجودة في ط 1، وهي ثابتة في النسخة الخطية (ص: 77).
(7) «الفتاوى» (24/ 235؛ 27/ 408 – 409)، وانظر: «منهاج السنة» (5/ 408).
(8) «الاختيارات» للبعلي (120).
(1/224)
314 – الموعظة في خطبة الجمعة:
– قال ابن مفلح: (وتشترط الموعظة «و: م رش» (1)، وقيل: في الثانية، وذكر أبو المعالي وشيخنا: لا يكفي ذمّ الدنيا وذكر الموت) [الفروع 2/ 109 ــ 110 (3/ 166)] (2).
315 – رد سلام الخطيب وكل سلام مشروع:
– قال ابن مفلح: (وردّ هذا السلام (3) وكلّ سلام مشروع فرض كفاية على الجماعة المسلّم عليهم لا فرض عين «هـ»، وقيل: سنة «خ» كابتدائه «و»، وفيه وجه غريب: يجب، ذكره شيخنا (4)) [الفروع 2/ 118 (3/ 176)].
– وقال أيضا: (ورد السلام فرض كفاية … وقيل: بل سنة، وذكر ابن حزم وابن عبد البر والشيخ تقي الدين: الإجماع على وجوب الرد) [الآداب الشرعية 1/ 417] (5).
316 – كيفية الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – حال الاستماع إلى الخطبة:
– قال ابن مفلح: (والسنة في الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم – سرّا، كالدعاء اتفاقا، قاله
_________
(1) أي: تشترط في خطبتي الجمعة.
(2) «الاختيارات» للبعلي (120).
(3) أي: سلام الخطيب يوم الجمعة.
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ذكر في «الاختيارات»: أن الشيخ تقي الدين اختار فرض الكفاية في عيادة المريض وتشميت العاطس ورد السلام، وأن الذي يدل عليه النص وجوب ذلك، فيقال: هو واجب على الكفاية) ا. هـ، وهو في «الاختيارات» (128) في أول كتاب الجنائز.
(5) انظر: «الفتاوى» (27/ 412).
(1/225)
شيخنا، وقال: ورفع الصوت قدّام بعض الخطباء مكروه أو محرم اتفاقا) [الفروع 2/ 125 (3/ 184)] (1).
317 – ما تسن قراءته في فجر يوم الجمعة وحكمة ذلك:
318 – وتحري قراءة سورة فيها سجدة غير سورة «السجدة»:
– قال ابن القيم: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة= لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا: على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم: تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعًا، ليست مقصودة، حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت، فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة) [زاد المعاد 1/ 375].
– وقال ابن مفلح: (وفي فجرها (2): «آلم السجدة» «م»، وفي الثانية: «هل أتى» «م»، قال شيخنا: لتضمّنها ابتداء خلق السموات والأرض، وخلق الإنسان إلى أن يدخل الجنة أو النار) [الفروع 2/ 129 (3/ 189)].
– وقال أيضا: (قال شيخنا: ويكره تحريه قراءة سجدة غيرها، والسنة إكمالها) [الفروع 2/ 130 (3/ 190)] (3).
_________
(1) «الفتاوى» (22/ 468 – 470)، «الاختيارات» للبعلي (121).
(2) أي يسن أن يقرأ في فجرها.
(3) «الفتاوى» (24/ 205 – 206)، «الاختيارات» للبعلي (121).
(1/226)
319 – سنة الجمعة القبلية:
– قال ابن القيم: (ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجه في «سننه» عن أبي هريرة وجابر قال: جاء سليك الغطفاني ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخطب، فقال له: «أصليت ركعتين قبل أن تجيء؟ ». قال: لا. قال: «فصل ركعتين، وتجوز فيهما»، وإسناده ثقات.
قال أبو البركات ابن تيمية: وقوله: «قبل أن تجيء» يدل عن (1) أن هاتين الركعتين: سنة الجمعة، وليستا تحية المسجد.
قال شيخنا ــ حفيده أبو العباس ـ: وهذا غلط، والحديث المعروف في «الصحيحين»: عن جابر قال: دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخطب، فقال: «أصليت؟ » قال: لا. قال: «فصل ركعتين». وقال: «إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب: فليركع ركعتين، وليتجوّز فيهما». فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث، وأفراد ابن ماجه في الغالب غير صحيحة. هذا معنى كلامه) [زاد المعاد 1/ 434 ــ 435].
– وقال ابن مفلح: (ولا سنة لها قبلها، نص عليه «و: م»، قال شيخنا: وهو مذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وعليه جماهير الأئمة، لأنها وإن كانت ظهرا مقصورة (2) فتفارقها في أحكام، وكما أن ترك المسافر السنة أفضل لكون ظهره مقصورة، وإلا لكان التربيع أفضل، لكن لا يكره، وأنه لا يداوم إلا لمصلحة، وأن عليه يدل كلام أحمد.
_________
(1) كذا، ولعلها: (على).
(2) (مقصورة) غير موجودة في ط 2، وهي مثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 79) و «الإنصاف» (5/ 266).
(1/227)
وعنه: بلى، ركعتان، اختاره ابن عقيل، وعنه: أربع «و: هـ ش»، قال شيخنا: وهو قول طائفة من أصحابنا … واستحب أحمد أن يدع الإمام الأفضل عنده تأليفا للمأموم، وقاله شيخنا.
قال: ولو كان مطاعا يتبعه المأموم فالسنة أولى.
قال: وقد يرجح المفضول، كجهر عمر بالاستفتاح لتعليم السنة، وابن عباس بالقراءة على الجنازة) [الفروع 2/ 130 (3/ 190 ــ 191)] (1).
320 – الصلاة وقت الزوال يومَ الجمعة:
انظر: ما تقدم برقم (264).
321 – راتبة الجمعة البعدية:
– قال ابن القيم: (وكان – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى الجمعة دخل إلى منزله، فصلى ركعتين سنتها، وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعًا.
قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد صلى أربعًا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين) [زاد المعاد 1/ 440] (2).
322 – الصدقة بين يدي الصلاة يوم الجمعة:
– قال ابن القيم: ( … ومن ذلك: نسخ وجوب الصدقة بين يدي مناجاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يبطل حكمه بالكلية، بل نسخ وجوبه، وبقي استحبابه والندب إليه، وما علم من تنبيهه وإشارته، وهو أنه: إذا استحبت الصدقة بين
_________
(1) «الفتاوى» (24/ 189 – 196)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (77، 121).
(2) انظر: «الفتاوى» (24/ 202).
(1/228)
يدي مناجاة المخلوق، فاستحبابها بين يدي مناجاة الله عند الصلوات والدعاء أولى، فكان بعض السلف الصالح يتصدق بين يدي الصلاة والدعاء إذا أمكنه، ويتأول هذه الأولوية.
ورأيت شيخ الإسلام ابن تيمية يفعله ويتحراه ما أمكنه، وفاوضته فيه، فذكر لي هذا التنبيه والإشارة) [مفتاح دار السعادة 2/ 387].
– وقال أيضا: (وشاهدت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت، من خبز أو غيره، فيتصدق به في طريقه سرًا.
وسمعته يقول: إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفضل، وأولى بالفضيلة) [زاد المعاد 1/ 407].
323 – نية الاعتكاف لمن قصد المسجد:
– قال ابن مفلح: (وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الاعتكاف، ولم يره شيخنا، ويأتي (1) آخر الاعتكاف) [الفروع 2/ 136 (3/ 198)] (2).
_________
(1) (رقم: 479).
(2) «الاختيارات» للبعلي (169).
(1/229)
باب صلاة العيدين
324 – حكم صلاة العيدين:
– قال ابن مفلح: (وهي فرض كفاية، فيقاتل الإمام أهل بلد تركوها؛ وعنه: فرض عين. اختاره شيخنا) [الفروع 2/ 137 (3/ 199)] (1).
325 – قضاء صلاة العيد:
– قال ابن مفلح: (ويشترط لصحتها أداءً (2): الاستيطان، وعدد الجمعة؛ فلا تقام إلا حيث تقام. اختاره الأكثر «و: هـ» وعنه: لا، اختاره جماعة «و: م ش» فيفعلها المسافر، والعبد، والمرأة، والمنفرد، وعلى الأولى: يفعلونها تبعًا؛ لكن يستحب أن يقضيها من فاتته … واختيار شيخنا: لا «و: هـ» وأنه (3) هذه الرواية، لأنه عليه السلام وخلفائه لم يصلوها في سفر) [الفروع 2/ 137 (3/ 199)] (4).
326 – افتتاح خطبة العيد:
– قال ابن القيم: (وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء:
فقيل: يفتتحان بالتكبير، وقيل: تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار،
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 161؛ 24/ 183)، «الاختيارات» للبعلي (123)، «الصلاة» لابن القيم (44).
(2) في ط 1: (إذًا)، والمثبت من ط 2.
(3) في ط 1: (وإن)، والمثبت من ط 2.
(4) «الفتاوى» (24/ 177 – 186)؛ «الاختيارات» للبعلي (123).
(1/230)
وقيل: يفتتحان بالحمد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصواب، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله: فهو أجذم»، وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله) [زاد المعاد 1/ 448].
– وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يفتتحها بالحمد) [الفروع 2/ 142 (3/ 205)] (1).
وانظر: ما تقدم برقم (311).
327 – التعريف عشية عرفة:
328 – وزيارة القدس للتعريف بها:
– قال ابن مفلح: (ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار. نص عليه «هـ م» وقال: إنما هو دعاء وذكر؛ قيل له: تفعله أنت؟ قال: لا؛ وأول من فعله ابن عباس، وعمرو بن حريث، وعنه: يستحب، وذكره شيخنا …. ولم ير شيخنا زيارة القدس؛ ليقف به، أو عند النحر، ولا للتعريف (2) بغير عرفة، وأنه لا نزاع فيه بين العلماء، وأنه منكر، وفاعله ضال) [الفروع 2/ 150 (3/ 216)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (123).
(2) في ط 1 (التعريف) والمثبت من ط 2.
(3) «جامع المسائل» (5/ 364 – 365) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 149)، و «الاختيارات» (124 – 126).
(1/231)
329 – فضل أيام عشر ذي الحجة:
انظر: ما تقدم برقم (229)، وما يأتي برقم (472).
(1/232)
باب صلاة الكسوف
330 – الصلاة لكل آية:
– قال ابن مفلح: (ولا يصلي صلاة الكسوف لغيره «و: م ش» إلا للزلزلة، في المنصوص عنه، ولكل آية «و: هـ» وذكر شيخنا أن هذا قول محققي أصحاب أحمد وغيرهم، قال: كما دل على ذلك السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببا لشر وعذاب لم يصح التخويف بذلك، وهذه صلاة رهبة وخوف، كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة ورجاء؛ وقد أمر الله تعالى عباده أن يدعوه خوفًا وطمعًا) [الفروع 2/ 155 ــ 156 (3/ 223)] (1).
331 – وقت الكسوف والخسوف:
– قال ابن مفلح: (وقيل: إنه لا يتصور كسوف إلا في ثامن وعشرين أو تاسع وعشرين، ولا خسوف إلا في إبدار القمر؛ واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 156 (3/ 223)].
– وقال أيضًا: (وقال ابن عقيل: فإن انكسفت الشمس قبل النصف من الشهر صلينا صلاة الكسوف، ولا نعول على قول المنجمين أن ذلك يختص بالنصف الأخير من الشهر …. وما يحكى عن المنجمين في هذا هو اختيار الشيخ تقي الدين، وبحثه في غير موضع من كلامه) [النكت على المحرر 1/ 173 ــ 175] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (126)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 191 – 192، 259، 264).
(2) «الفتاوى» (24/ 257، 35/ 175، 25/ 184 – 185)، «الاختيارات» للبعلي (126).
(1/233)
332 – صفة صلاة الكسوف:
– قال ابن القيم: (والمنصوص عن أحمد أيضًا أخذه بحديث عائشة وحده: في كل ركعة ركوعان وسجودان؛ قال في رواية المروزي (1): وأذهب إلى أن صلاة الكسوف أربع ركعات، وأربع سجدات، في كل ركعة ركعتان وسجدتان، وأذهب إلى حديث عائشة، أكثر الأحاديث على هذا.
وهذا اختيار أبي بكر، وقدماء الأصحاب، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية، وكان يضعّف كل ما خالفه من الأحاديث، ويقول: هي غلط، وإنما صلى النبي – صلى الله عليه وسلم – الكسوف مرة واحدة، يوم مات ابنه إبراهيم، والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 456] (2).
_________
(1) كذا، ولعلها: (المروذي).
(2) «الفتاوى» (18/ 17 – 18).
(1/234)
باب الاستسقاء
333 – افتتاح الخطبة بالحمد:
انظر: ما تقدم برقم (311) ورقم (326).
334 – التوسل المشروع بالنبي – صلى الله عليه وسلم -:
– قال ابن مفلح: (وجعلها شيخنا كمسألة اليمين به، قال: والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته، والصلاة والسلام عليه – صلى الله عليه وسلم -، وبدعائه وشفاعته، ونحوه مما هو من فعله وأفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع «ع» وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]) [الفروع 2/ 159 ــ 160 (3/ 229)] (1).
335 – زيارة القبور للدعاء عندها:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: قصده (2) للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة، باتفاق الأئمة. وقال أيضًا: يحرم بلا نزاع بين الأئمة) [الفروع 2/ 160 (3/ 229)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (126 – 127)، وانظر: «قاعدة جليلة» (79)، «الرد على البكري» (1/ 119 – 121).
(2) أي: قبر معروف الكرخي.
(3) «الاختيارات» للبعلي (127)، وانظر: «الفتاوى» (27/ 115 – 116).
(1/235)
كتاب الجنائز
336 – الاكتحال بميل الذهب والفضة:
– قال ابن مفلح: (وذكر أبو المعالي: يجوز اكتحاله بميل ذهب وفضة. وذكره شيخنا، قال: لأنها حاجة، ويباحان لها) [الفروع 2/ 167 (3/ 243] (1).
337 – حكم عيادة المريض:
– قال ابن مفلح: (وأوجب أبو الفرج وبعض العلماء عيادته، والمراد: مرة، واختاره الآجري، وفي أواخر «الرعاية»: فرض كفاية، كوجه في ابتداء السلام. ذكره شيخنا، واختاره شيخنا (2)) [الفروع 2/ 175 (3/ 252)] (3).
338 – عيادة المبتدع:
– قال ابن مفلح: (من جهر بمعصية مطلقًا مع بقاء إسلامه فهل يسن
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (15).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (في بعض النسخ: «ذكره شيخنا واختاره» فيحتمل أنه اختار كون عيادة المريض فرض كفاية، ويحتمل أن يعود اختياره إلى الوجه في ابتداء السلام، ويحتمل عوده إلى الحكم المذكور في عيادة المريض وابتداء السلام، وهو أنه فرض كفاية أولى، لأنه اختار فيها فرضية الكفاية كما ذكره في «الاختيارات»، قال في «الاختيارات»: واختلف أصحابنا وغيرهم في عيادة المريض وتشميت العاطس وابتداء السلام، والذي يدل عليه النص وجوب ذلك، فيقال: هو واجب على الكفاية) ا. هـ.
(3) «الاختيارات» للبعلي (128)، وانظر: «الفتاوى» (27/ 412).
(1/237)
هجره، أم يجب إن ارتدع، أم مطلقًا إلا من السلام، أم ترك السلام فرض كفاية، ويكره لبقية الناس؟ فيه أوجه، وفي تحريم السلام على مبتدع غير مخاصم روايتان، وترك العيادة من الهجر، ونصه: لا يعاد المبتدع. وحرمها في «النوادر»، وعنه: لا يعاد الداعية، واعتبر شيخنا المصلحة في ذلك) [الفروع 2/ 183 ــ 185 (3/ 263 ــ 264)] (1).
339 – شكوى المريض:
– قال ابن مفلح: (ذكر شيخنا: أن عمل القلب من التوكل وغيره واجب باتفاق الأئمة، وأن الصبر واجب بالاتفاق. قال: والصبر لا تنافيه الشكوى.
قال: والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق، والشكوى إلى الخالق لا تنافيه. ومراده: بل شكواه إلى الخالق مطلوبة، كما ذكره في موضع آخر) [الفروع 2/ 177 ــ 178 (3/ 256)].
– وقال أيضا: (وذكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية ما ذكر غيره من أن الصبر واجب، قال: والصبر لا تنافيه الشكوى.
وقال في «مسألة العبودية»: والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق.
ثم حكى عن أحمد تركه الأنين لما حكي له عن طاوس كراهته، ثم قال: وأما الشكوى إلى الخالق فلا تنافي الصبر الجميل) [الآداب الشرعية 2/ 278] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (129)، وانظر: «الفتاوى» (28/ 206).
(2) «الفتاوى» (10/ 66 – 667؛ 24/ 284)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (128).
(1/238)
340 – الجمع بين الخوف والرجاء:
– قال ابن مفلح: (ونصه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا. زاد في رواية: فأيهما غلب صاحبه هلك.
قال شيخنا: وهذا هو العدل، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأس والقنوط: إما في نفسه، وإما في أمور الناس؛ ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله: إما في نفسه، وإما في أمور الناس … الخ) [الفروع 2/ 179 (3/ 258 ــ 259)] (1).
341 – تغسيل السقط والصلاة عليه:
– قال ابن مفلح: (وإذا كمل لسقط (2) ــ بتثليث السين ــ أربعة أشهر ــ نقله الجماعة، وجزم به في «المستوعب»، وقدمه جماعة ــ أو بان فيه خلق إنسان= غُسِّل، وصُلِّي عليه ولو لم يستهل، «و: ق»، ويستحب تسميته، نص عليه. اختاره الخلال وغيره؛ ونقل جماعة: بعد أربعة أشهر، لأنه لا يبعث قبلها، ذكره القاضي وغيره، واختار في «المعتمد» أنه يبعث، وأنه ظاهر كلام أحمد. قال شيخنا: وهو قول كثير من الفقهاء) [الفروع 2/ 210 (3/ 294)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (129).
(2) في ط 1: (السقط)، والمثبت من ط 2.
(3) قال المنبجي في «تسلية أهل المصائب» (138): (وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصلاة على السقط ما لم ينفخ فيه الروح مبنية على بعثه، وللعلماء فيه قولان، فإن قلنا: إنه يبعث صلي عليه، وإلا لم يصل عليه، والله أعلم. انتهى كلامه) ا. هـ.
(1/239)
342 – خبر: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»:
– قال ابن مفلح: (وسئل شيخنا عن هذا الخبر مرفوعًا، قال: لا يصح، وإنما يذكره بعض من صنّف في الرقائق، وذكره البغوي مرفوعًا في قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]) [الفروع 2/ 216 (3/ 303)] (1).
343 – من أجمع الناس على الثناء عليه وعكسه:
– قال ابن مفلح: (ونرجو للمحسن، ونخاف على المسيء، ولا نشهد إلا لمن شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم -. ذكره الأصحاب. وقال شيخنا: أو اتفقت الأمة على الثناء أو الإساءة عليه. ولعل مراده: الأكثر، وأنه الأكثر ديانة. وظاهر كلامه: ولو لم تكن أفعال الميت موافقة لقولهم، وإلا لم تكن علامة مستقلة) [الفروع 2/ 217 (3/ 304)] (2).
344 – تواطؤ الرؤى:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وتواطؤ الرؤيا كتواطؤ الشهادات (3)) [الفروع 2/ 221 (3/ 311)] (4).
345 – كفن الميت ومؤنة تجهيزه:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ومن ظن أن غيره لا يقوم به (5) = تعين
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (11/ 197).
(2) «الاختيارات» للبعلي (129)، وانظر: «الفتاوى» (11/ 65).
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي توافق الرؤيا، فإذا توافقت الرؤيا بخير شهد له به، وإن توافقت بشرّ شهد له به) ا. هـ.
(4) «الاختيارات» للبعلي (129).
(5) في «الاختيارات» للبعلي: (بأمر الميت).
(1/240)
عليه) [الفروع 2/ 223 (3/ 315)] (1).
346 – إذا أشكل على المصلي حال من يصلى عليه من الجنائز:
– قال ابن القيم: (وقال شيخنا: كان يشكل عليَّ أحيانا حال من أصلي عليه الجنائز، هل هو مؤمن أو منافق؟ فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فسألته عن مسائل عديدة، منها هذه المسألة، فقال: يا أحمد، الشرط، الشرط. أو قال: علق الدعاء بالشرط) [إعلام الموقعين 3/ 387].
347 – قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا: لا تجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، بل هي سنة) [زاد المعاد 1/ 505].
– وقال ابن مفلح: (والفرض: القيام في فرضها «و»، وظاهره: ولو تكررت إن قيل الثانية فرض «و: ش»؛ والتكبير «و»، فلو نقص تكبيرة عمدًا بطلت، وسهوًا يكبرها ما لم يطل الفصل، وقيل: يعيدها؛ والفاتحة على الأصح فيها «و: ش» وعنه: لا يقرؤها في مقبرة، ولم يوجب شيخنا قراءة، بل استحبها) [الفروع 2/ 242 ــ 243 (3/ 341)] (2).
348 – صلاة الجنازة قدام الإمام:
انظر: ما تقدم برقم (288).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (129).
(2) «الفتاوى» (21/ 286؛ 22/ 274؛ 24/ 196 – 197)، «الاختيارات» للبعلي (129).
(1/241)
349 – إعادة صلاة الجنازة أكثر من مرة:
– قال ابن مفلح: (وفي «الفصول»: لا يصليها مرتين، كالعيد. وقيل: يصلي. اختاره في «الفنون» وشيخنا) [الفروع 2/ 248 (3/ 349)] (1).
– وقال أيضا: (وذكر شيخنا: أن بعض أصحابنا ذكر وجهًا: أنها فرض كفاية «و: ش» مع سقوط الإثم بالأولى «ع» … وقال أيضًا: فروض الكفايات: إذا قام بها رجل سقط، ثم إذا فعل الكل ذلك كان كله فرضًا، ذكره ابن عقيل محل وفاق، لكن لعله إذا فعلوه جميعًا فإنه لا خلاف فيه، وفي فعل البعض بعد البعض وجهان) [الفروع 2/ 249 (3/ 351)] (2).
350 – الصلاة على الغائب:
351 – وتقدير مسافة الغيبة:
– قال ابن القيم: (وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يُصلّ عليه فيه، صُلِّي عليه صلاة الغائب، كما صلّى النبي – صلى الله عليه وسلم – على النجاشي، لأنه مات بين الكفار ولم يُصلَّ عليه، وإن صُلِّي عليه حيث مات لم يُصلَّ عليه صلاة الغائب، لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي – صلى الله عليه وسلم – صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع وهذا له موضع، والله أعلم) [زاد المعاد 1/ 520].
_________
(1) «الفتاوى» (23/ 263، 387 – 388)، «الاختيارات» للبعلي (129).
(2) قال المرداوي في «تصحيح الفروع» (3/ 346): (قوله في الصلاة على الجنازة: «وفي فعل البعض بعد البعض وجهان» انتهى، يعني: هل تكون الصلاة الثانية فرض كفاية أيضا أم لا؟ وهذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين … الخ) ا. هـ.
(1/242)
– وقال ابن مفلح: (ويصلي الإمام والآحاد ــ نصَّ عليه ــ على الغائب عن البلد مسافة قصر ودونها، في قبلته أو وراءه بالنية. وعنه: لا يجوز «و: هـ م»، وقيل: إن كان صُلِّي عليه، واختاره شيخنا.
قال شيخنا: ولا يُصلِّي كلَّ يوم على كلِّ غائب، لأنه لم ينقل. يؤيده قول أحمد: إن مات رجل صالح صُلِّي عليه (1). واحتج بقصة النجاشي، وإطلاق كلام الأصحاب ــ والله أعلم ــ لا يخالفه.
قال: ومقتضى اللفظ أن من كان خارج السور، أو ما يقدَّر سورًا يصلَّى عليه، لكن هذا لا أصل له، فلا بد من انفصاله عن البلد بما يُعَدُّ الذهاب إليه نوع سفر.
وقد قال القاضي: يكفي خمسون خطوة.
قال شيخنا: وأقرب الحدود ما تجب فيه الجمعة، لأنه إذن من أهل الصلاة في البلد، فلا يُعَدُّ غائبًا عنها) [الفروع 2/ 251 ــ 252 (3/ 353 ــ 354)].
– وقال أيضًا: (واختار الشيخ تقي الدين والشيخ شمس الدين ابن عبد القوي أنه إن لم يحضر الغائب من يصلي عليه وجبت الصلاة عليه، وأطلق الغيبة، وظاهره أنه من كان خارج البلد سواء كان مسافة قصر أو دونها، نص عليه، وصرح به جماعة.
وقال الشيخ تقي الدين: مقتضى اللفظ أن من كان خارج السور أو خارج ما يقدر سورا= يصلى عليه، بخلاف من كان داخله، لكن هذا لا أصل
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لأن أحمد لما قيّد بالرجل الصالح دلّ أنّه لا يصلّى مطلقا، بل مع قيد الصلاح) ا. هـ.
(1/243)
له في الشريعة في المذهبين، إذ الحدود الشرعية في مثل هذا:
إما أن تكون العبادات التي تجوز في السفر الطويل والقصير، كالتطوع على الراحلة والتيمم والجمع بين الصلاتين على قول، فلا بد أن يكون منفصلا عن البلد بما يعد الذهاب إليه نوع سفر، وقد قال طائفة ــ كالقاضي أبي يعلى ــ: إنه يكفي خمسون خطوة.
وإما أن يكون الحد ما تجب فيه الجمعة، وهو مسافة فرسخ، وما سمع منه النداء، وهذا أقرب الحدود، فإنه إذا كان دون فرسخ حيث يسمع النداء ويجب عليه حضور الجمعة كان من أهل الصلاة في البلد، فلا يعد غائبا عنها، بخلاف ما إذا كان فوق ذلك، فإنه بالغائب أشبه.
وإما أن يكون الحد ما لا يمكن الذاهب إليه العود في يومه، وهذا يناسب قول من جعل الغائب عن البلد كالغائب عن مجلس الحكم، وإلحاق الصلاة بالصلاة أولى من إلحاق الصلاة بالحكم.
فهذه هي المآخذ التي تبنى عليها هذه المسألة ….
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: ما يفعله بعض الناس أنه كل ليلة يصلي على جميع من مات من المسلمين، فلا ريب أنه بدعة، لم يفعله أحد من السلف.
قوله: «جانبي البلد» (1) قال الشيخ تقي الدين: القائلون بالجواز من الشافعية والحنابلة قيد محققوهم البلد بالكبير، ومنهم من أطلق ولم يقيد)
_________
(1) أي قول صاحب «المحرر»: (فإن صلى بالنية في أحد جانبي البلد على ميت بالآخر لم يجز، وقال ابن حامد: يجوز).
(1/244)
[النكت على المحرر 1/ 199 ــ 200] (1).
352 – اتباع الجنازة:
– قال ابن مفلح: (وهو (2) حقٌّ له ولأهله، قال شيخنا: لو قُدِّر لو انفرد لم يستحقَّ هذا الحقَّ ــ لمزاحم، أو لعدم استحقاقه ــ تبعه لأجل أهله إحسانًا إليهم، لتألفٍ، أو مكافأةٍ، أو غيره. وذكر فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع عبد الله بن أبيٍّ) [الفروع 2/ 260 (3/ 366)] (3).
353 – القيام للجنازة:
– قال ابن مفلح: (ويكره قيامه، وقيام من مرَّت به لها «و»، وعنه: القيام وتركه سواء، وعنه: يستحب، اختاره ابن عقيل وشيخنا) [الفروع 2/ 262 (3/ 368)] (4).
354 – عدم الجلوس حتى توضع الجنازة:
– قال ابن القيم: (وكان إذا تبعها لم يجلس حتى توضع، وقال: «إذا تبعتم الجنازة، فلا تجلسوا حتى توضع».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: والمراد وضعها بالأرض) [زاد المعاد 1/ 518] (5).
_________
(1) «جامع المسائل» (4/ 174 – 182)، «الاختيارات» للبعلي (130 – 131).
(2) أي: اتباع الجنازة.
(3) «الاختيارات» للبعلي (131).
(4) «الاختيارات» للبعلي (132)، وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 205).
(5) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 205).
(1/245)
355 – رفع الصوت مع الجنازة:
– قال ابن مفلح: (ويسنُّ الذكر والقراءة سرًّا، وإلا الصمت، ويكره رفع الصوت ولو بالقراءة اتفاقًا. قاله شيخنا) [الفروع 2/ 263 (3/ 369)] (1).
356 – ضرب النساء بالدف عند الجنازة:
– قال ابن مفلح: (وضرب النساء بالدُّف منكرٌ، منهيٌّ عنه اتفاقًا، قاله شيخنا – رحمه الله -) [الفروع 2/ 264 (3/ 371)] (2).
357 – إذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرا:
– قال ابن القيم: (وقد نصَّ الإمام أحمد على أنَّ الرجل إذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرا لا يقدر على إزالته= أنَّه لا يرجع، ونصَّ على أنَّه إذا دُعي إلى وليمة عرس فرأى فيها منكرا لا يقدر على إزالته= أنَّه يرجع، فسألتُ شيخنا عن الفرق، فقال: لأنَّ الحق في الجنازة للميت، فلا يترك حقه لما فعله الحي من المنكر، والحق في الوليمة لصاحب البيت، فإذا أتى فيها بالمنكر فقد أسقط حقه من الإجابة) [إعلام الموقعين 4/ 209] (3).
358 – البناء في المقبرة المسبَّلة:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: من بنى ما يختصُّ به فيها فهو غاصب، وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم) [الفروع 2/ 273] (4).
_________
(1) «الفتاوى» (24/ 293 – 294)، «الاختيارات» للبعلي (132).
(2) «الاختيارات» للبعلي (132)، وانظر: «الاستقامة» (1/ 324).
(3) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (251)، «الاختيارات» للبعلي (132).
(4) «الاختيارات» للبعلي (132).
(1/246)
359 – البناء على القبر:
360 – والصلاة عند القبر:
– قال ابن مفلح: (ويحرم إسراجها، واتخاذ المسجد عليها، وبينها (1)، وذكره بعضهم «و»، قال شيخنا: يتعين إزالتها، لا أعلم فيه خلافًا بين العلماء المعروفين. قال: ولا تصح الصلاة فيها، على ظاهر المذهب، للنهي واللعن، وليس فيها خلاف، لكون المدفون فيها واحدًا، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد، هل حدها ثلاثة أقبر، أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ؟ على وجهين) [الفروع 2/ 273 (3/ 381)] (2).
361 – مراتب الدعاء عند القبر:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا ــ قدس الله روحه ــ: وهذه الأمور المتبدعة عند القبور مراتب:
أبعدها عن الشرع: أن يسأل الميت حاجته، ويستغيث به فيها؛ كما يفعله كثير من الناس.
قال: وهؤلاء من جنس عُبَّاد الأصنام، ولهذا: قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت أو الغائب، كما يتمثل لعُبَّاد الأصنام، وهذا يحصل للكفار من المشركين وأهل الكتاب، يدعو أحدهم من يعظمه، فيتمثل له الشيطان أحيانًا، وقد يخاطبهم ببعض الأمور الغائبة، وكذلك السجود للقبر، والتمسح به وتقبيله (3).
_________
(1) في ط 1: (وبنيها)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 96).
(2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 187)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (67).
(3) في «تلخيص الاستغاثة»: (وأما السجود للميت أو للقبر فهو أعظم، وكذلك تقبيله).
(1/247)
المرتبة الثانية: أن يسأل الله عز وجل به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو بدعة باتفاق المسلمين.
الثالثة: أن يسأله نفسه.
الرابعة: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد؛ فيقصد زيارته والصلاة عنده: لأجل طلب حوائجه. فهذا أيضًا من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين، وهي محرمة؛ وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة الدين، وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك، ويقول بعضهم: قبر فلان ترياق مجرب. والحكاية المنقولة عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر) [إغاثة اللهفان 1/ 336 ــ 337 (1/ 245 ــ 246)] (1).
362 – الدعاء للميت عند القبر بعد الدفن واقفا:
– قال ابن مفلح: (يستحب الدعاء له (2) عند القبر بعد الدفن، نص عليه، فعله أحمد جالسًا، قال أصحابنا وشيخنا: يستحبُّ وقوفه) [الفروع 2/ 274 (3/ 382)] (3).
363 – تلقين الميت بعد دفنه:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: تلقينه بعد دفنه مباح عند أحمد وبعض
_________
(1) بعض هذا الكلام موجود في «تلخيص الاستغاثة» (1/ 145 – 146) مع اختلاف واختصار، وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 689 – 693).
(2) (له) ليست في ط 1 ولا النسخة الخطية (ص: 96)، وأثبتت من ط 2.
(3) «الفتاوى» (24/ 330)، «الاختيارات» للبعلي (133).
(1/248)
أصحابنا. واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 276 (3/ 384)] (1).
364 – تلقين غير المكلف:
– قال ابن مفلح: (وفي تلقين غير المكلف وجهان ــ بناءً على نزول الملكين، وسؤاله، وامتحانه ــ: النفي، قول القاضي وابن عقيل «و: ش»؛ والإثبات، قول أبي حكيم وغيره، وحكاه ابن عبدوس عن الأصحاب، قال شيخنا: وهو أصح. واحتجَّ بما رواه مالك وغيره: عن أبي هريرة ــ وروي مرفوعًا ــ: أنه صلَّى على طفل لم يعمل خطيئة قط، فقال: اللهم قه عذاب القبر، وفتنة القبر. ولا حجة فيه للجزم بنفي التعذيب، فقد يكون أبو هريرة يرى الوقف فيه (2)) [الفروع 2/ 276 (3/ 384 ــ 385)] (3).
365 – دفن أكثر من ميت في قبر واحد:
– قال ابن مفلح: (ويحرم دفن اثنين فأكثر في قبر، نص عليه. وعنه: يكره، اختاره ابن عقيل وشيخنا وغيرهما) [الفروع 2/ 277 (3/ 386)].
– وقال أيضا: (والذي وجدت في كلام الشيخ تقي الدين القطع بالكراهة (4)) [النكت على المحرر 1/ 206] (5).
_________
(1) «الفتاوى» (24/ 296 – 299)، «الاختيارات» للبعلي (133).
(2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 96): (فيهم)، والمثبت من ط 2.
(3) «الاختيارات» للبعلي (134)، وانظر: «الفتاوى» (4/ 277 – 278، 280 – 281).
(4) أي كراهة أن يدفن في القبر أكثر من واحد.
(5) «جامع المسائل» (4/ 207)، «الاختيارات» للبعلي (134).
(1/249)
366 – حكم الصبر:
367 – وحكم الحزن:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: عمل القلب كالصبر والتوكل والخوف والرجاء وما يتبع ذلك واجبٌ باتفاق الأئمة الأربعة.
قال: ولم يأمر الشرع بالحزن، بل نهى عنه في مواضع، وإن تعلق بأمر الدين، لكن لا يذم ولا يحمد عليه لمجرده) [الفروع 2/ 286 (3/ 397)] (1).
وانظر ما سبق تحت الرقم: (339).
368 – الرضا بأقدار الله:
– قال ابن القيم: (ومن منازل «إياك نعبد وإياك نستعين» منزلة الرضا، وقد أجمع العلماء على أنه مستحب، مؤكد استحبابه، واختلفوا في وجوبه على قولين، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ يحكيهما على قولين لأصحاب أحمد، وكان يذهب إلى القول باستحبابه.
قال: ولم يجئ الأمر به كما جاء الأمر بالصبر، وإنما جاء الثناء على أصحابه ومدحهم.
وقال: وأما ما يروى من الأثر: «من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي» فهذا أثر إسرائيلي، ليس يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم -) [مدارج السالكين 2/ 178] (2).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (10/ 6، 16)، «الاختيارات» للبعلي (128).
(2) انظر: «الفتاوى» (10/ 40 – 41)، «منهاج السنة»: (3/ 204 – 205).
(1/250)
– وقال ابن مفلح: (ويحرم الرضا بما فعله العبد من كفر ومعصية، ذكره ابن عقيل إجماعًا، وذكر شيخنا وجهًا: يرضى (1) بذلك، لأنها من المقضي، قال: وقيل: يرضى بها من وجه كونها خلقًا لله، لا من جهة كونها فعلا للعبد (2).
قال: وكثير من النساك والصوفية ومن أهل الكلام حيث رأوا أن الله خالق كل شيء وربه= اعتقدوا أن ذلك يوجب الرضا والمحبة لكلِّ ذلك، حتى وقعوا في قول المشركين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148] الآية، وغفلوا عن كون الخالق نهى عن ذلك وأبغضه، وسبب ذلك: اشتباه مسألة الشرع والقدر، ويتمسكون بالإجماع على الرضا بقضاء الله، وهذا كلام مجمل يتمسك به القدرية المشركيّة، وأمَّا القدرية المجوسيّة فنفوا أن الله قدّره وقضاه، وإلا للزم الرضا به (3)، والرضا بالكفر كفر بالإجماع.
_________
(1) في ط 1: (لا يرضى)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 97)، ولكنه أشار في هامشها إلى أنه وقع في نسخة (لا يرضى).
وقال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (في بعض النسخ: «وجها: لا يرضى»، وفي بعضها: «يرضى» بحذف «لا»، وهو الموافق للتعليل الذي بعده، وهو قوله: «لأنه من المقضي»، وعلى هذا يكون هذا الوجه موافقا للقول الأول الذي حكاه عن كثير من النساك والصوفية من أهل الكلام، حيث رأوا أن الله تعالى خالق كل شيء وربه، اعتقدوا أن ذلك يوجب الرضى والمحبة بكل ذلك، وقد ذم الشيخ أهل هذا القول) ا. هـ.
(2) انظر: «الفتاوى» (10/ 42).
(3) في ط 1: (الرضا بكل مقضي به)، والمثبت من ط 2، ووقع هنا سقط في النسخة الخطية (ص: 97) بمقدار سطر.
(1/251)
قال: والتحقيق أنه ليس في الكتاب والسنة نصٌّ يأمر فيه بالرضا بكلِّ مقضيٍّ، ولا قاله أحد من السلف، وأمَّا ما في كلام العلماء والآثار من الرضى بالقضاء= فإنما أرادوا ما ليس من فعل العباد، ولأنه إذا لم يجب الصبر على ذلك ــ بل تجب إزالته بحسب الإمكان ــ فالرضا أولى.
ثم ذكر شيخنا: أنه إذا نظر إلى إحداث الرب لذلك، للحكمة التي يحبها ويرضاها، رضي لله بما رضيه لنفسه، فيرضاه ويحبه مفعولًا مخلوقًا لله، ويبغضه ويكرهه فعلًا للمذنب المخالف لأمر الله، وهذا كما نقول فيما خلقه من الأجسام الخبيثة.
قال: فمن فهم هذا الموضع: انكشف له حقيقة هذا الأمر الذي حارت فيه العقول. والله أعلم) [الفروع 2/ 287 ــ 288 (3/ 398)] (1).
– وقال أيضا: (وذكر الشيخ تقي الدين: أن الرضا بالقضاء ليس بواجب في أصَحِّ قولي العلماء، إنما الواجب الصبر.
وذكر في كتاب «الإيمان»: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15] فلم يحصل لهم ريب عند المحن التي تقلقل الإيمان في القلوب، والريب يكون في علم القلب وعمله، بخلاف الشك، فإنه لا يكون إلا في العلم، فلهذا لا يُوصف باليقين إلا من اطمأن قلبه عِلمًا وعملًا، وإلا فإذا كان عالمًا بالحق ولكن المصيبة أو الخوف أورثه جزعًا عظيمًا لم يكن صاحب يقين) [الآداب الشرعية 1/ 29] (2).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (8/ 549؛ 10/ 682 – 686).
(2) «الإيمان» (فتاوى ــ 7/ 281).
(1/252)
369 – البكاء على الميت:
– قال ابن القيم: (وقد ذكر في مناقب الفضيل بن عياض: أنه ضحك يوم مات ابنه علي، فسُئل عن ذلك؟ فقال: إن الله تعالى قضى بقضاء، فأحببت أن أرضى بقضائه.
وهدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكمل وأفضل، فإنه جمع بين الرضا بقضاء ربه تعالى، وبين رحمة الطفل، فإنه لما قال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».
والفضيل ضاق عن الجمع بين الأمرين، فلم يتسع للرضا بقضاء الرب وبكاء الرحمة للولد. هذا جواب شيخنا ابن تيمية وسمعته منه) [تحفة المودود 96].
– وقال أيضا: (بعض العارفين يوم مات ولده جعل يضحك، فقيل له: أتضحك في هذه الحالة؟ قال: إن الله تعالى قضى بقضاء، فأحببت أن أرضى بقضائه.
فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم، فقالوا: كيف يبكي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم مات ابنه إبراهيم، وهو أرضى الخلق عن الله، ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك؟!
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هدي نبينا – صلى الله عليه وسلم – كان أكمل من هدي هذا العارف، فإنه أعطى العبودية حقها فاتسع قلبه للرضى عن الله، ولرحمة الولد والرقّة عليه، فحمد الله ورضي عنه في قضائه، وبكى رحمة ورأفة، فحملته الرأفة على البكاء، وعبوديته لله ومحبته له على الرضى
(1/253)
والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين، ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة) [زاد المعاد 1/ 499].
– وقال ابن مفلح: (قال جماعة: والصبر عنه أجمل، وذكر شيخنا: أنه يستحب، رحمة للميت، وأنه أكمل من الفرح، كفرح الفضيل لما مات ابنه علي) [الفروع 2/ 290 (3/ 401)] (1).
– وقال أيضا: (وذكر الشيخ تقي الدين في «التحفة العراقية» أن البكاء على الميت على وجه الرحمة مُستحب، وذلك لا ينافي الرضا بقضاء الله، بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه، وبهذا يُعرف معنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم – لما بكى على الميت وقال: «هذه رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده».
وأن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمةِ الميت.
وأن الفضيل لما مات ابنه ضحك، وقال: رأيت أن الله قد قضى، فأحببت أن أرضى بما قضى الله به. حاله حال حَسَنٌ بالنسبة إلى أهل الجزع، فأما رحمةُ الميت والرضا بالقضاء وحمد الله كحال النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذا أكمل.
وقال في «الفرقان»: والصبر واجب باتفاق العقلاء … ثم ذكر في الرضا قولين، ثم قال: وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها) [الآداب الشرعية 1/ 30] (2).
_________
(1) «الفتاوى» (10/ 47)، «الاختيارات» للبعلي (134 – 135).
(2) «التحفة العراقية» (الفتاوى ــ 10/ 47)؛ «الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان» (الفتاوى ــ 11/ 260).
(1/254)
370 – تأذي الميت ببكاء الحي:
– قال ابن القيم: ( … ولا تحتاج هذه الأحاديث (1) إلى شيء من هذه التكلفات، وليس فيها بحمد الله إشكال، ولا مخالفة لظاهر القرآن، ولا لقاعدة من قواعد الشرع، ولا تتضمن عقوبة الإنسان بذنب غيره، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يقل: إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ونوحهم، وإنما قال: يعذب بذلك. ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه، والعذاب: هو الألم الذي يحصل له، وهو أعم من العقاب، والأعم لا يستلزم الأخص.
وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: «السفر قطعة من العذاب» وهذا العذاب: يحصل للمؤمن والكافر، حتى إن الميت ليتألم بمن يعاقب في قبره في جواره، ويتأذى بذلك، كما يتأذى الإنسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره.
فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم ــ وهو البكاء الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، والبكاء على الميت عندهم اسم لذلك، وهو معروف في نظمهم ونثرهم ــ: تألم الميت بذلك في قبره، فهذا التألم: هو عذابه بالبكاء عليه.
وهذه طريقة شيخنا في هذه الأحاديث، وبالله التوفيق) [عدة الصابرين 139].
– وقال ابن مفلح: (وجاءت الأخبار المتفق على صحتها: بتعذيب الميت بالنياحة والبكاء عليه. فحمله ابن حامد: على من (2) أوصى به؛ لأن
_________
(1) أي: أحاديث: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه».
(2) في ط 1: (على ما إذا)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 98)، وأشار في هامشها إلى أنه وقع في نسخة: (ما إذا).
(1/255)
عادة العرب الوصيَّة بفعله، فخُرِّج على عادتهم. وفي «شرح مسلم»: هو قول الجمهور. وهو ضعيفٌ، فإن سياق الخبر يخالفه … وحمله الأثرم على من كذَّب به حين (1) يموت. وقيل: يتأذَّى بذلك مطلقًا، واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 291 (3/ 402)] (2).
371 – ما يهيج المصيبة:
– قال ابن مفلح: (وما هيّج المصيبة من وعظ وإنشاد شعرٍ فمن النياحة. قاله شيخنا) [الفروع 2/ 291 (3/ 403)] (3).
372 – الذبح والتضحية عند القبر:
– قال ابن مفلح: (وحرَّم شيخنا الذبح والتضحية عنده) [الفروع 2/ 298 (3/ 410)] (4).
373 – زيارة قبر المشرك:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: تجوز زيارته (5) للاعتبار. وقال: ولا
_________
(1) في ط 1: (حتى)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 98).
(2) «الفتاوى» (24/ 369 – 370)، «الاختيارات» للبعلي (135)، وانظر: «الفتاوى» (18/ 142)، «جامع المسائل» (3/ 138 – 140).
(3) «جامع المسائل» (3/ 135)، «الاختيارات» للبعلي (135).
(4) «الاختيارات» للبعلي (135)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 306؛ 27/ 495)، «جامع المسائل» (151 – 152).
(5) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: على قبر المشرك) ا. هـ.
(1/256)
يمنع الكافر زيارة قريبه المسلم) [الفروع 2/ 299 (3/ 412)] (1).
374 – معرفة الميت بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: استفاضت الآثار بمعرفته بأحوال أهله وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يعرض عليه، وجاءت الآثار: بأنه يرى أيضًا، وبأنه يدري بما يفعل عنده، ويسر بما كان حسنًا، ويتألم بما كان قبيحًا.
وكان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملًا أخزى به عند عبد الله بن رواحة. وهو ابن عمه.
ولما دفن عمر عند عائشة: كانت تستتر منه، وتقول: إنما كان أبي وزوجي، وأما عمر: فأجنبيٌّ. تعني: أنه يراها) [الفروع 2/ 302 (3/ 416)] (2).
375 – قراءة القرآن على القبر:
– قال ابن مفلح: (لا تكره القراءة على القبر، وفي المقبرة، نص عليه، اختاره أبو بكر والقاضي وجماعة، وهو المذهب «و: ش»، وعليه العمل عند مشايخ الحنفية، فقيل: تباح، وقيل: تستحب، قال ابن تميم: نصَّ عليه، كالسلام، والذكر والدعاء والاستغفار. وعنه: لا تكره وقت دفنه. وعنه: تكره. اختاره عبد الوهاب الوراق، وأبو حفص «و: هـ م»، قال شيخنا: نقلها الجماعة، و [هي] (3) قول جمهور السلف، وعليها قدماء أصحابه. وسمّى
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (27/ 165، 377).
(2) «الاختيارات» للبعلي (135 – 136)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 363 – 365؛ 368، 374).
(3) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 100): (وهو)، والمثبت من ط 2.
(1/257)
المَرُّوذِي …
وعنه: بدعة، لأنه ليس من فعله عليه السلام وفعل أصحابه، فعلم أنه محدث، وسأله عبد الله: يحمل مصحفا إلى القبر فيقرأ عليه؟ قال: بدعة.
قال شيخنا: ولم يقل أحد من العلماء المعتبرين أنَّ القراءة عند القبر أفضل، ولا رخَّص في اتخاذه عيدًا كاعتياد القراءة عنده في وقت معلوم، أو الذكر، أو الصيام.
قال: واتخاذ المصاحف عندها، ولو للقراءة (1) بدعةٌ، ولو نفع الميت لفعله السلف، بل هو كالقراءة في المساجد (2) عند السلف، ولا أجر للميت بالقراءة عنده كمستمع (3).
وقال أيضًا: من قال: إنه ينتفع بسماعها دون ما إذا بعد القارئ= فقوله باطلٌ، مخالفٌ للإجماع. كذا قال) [الفروع 2/ 304 ــ 305 (3/ 420 ــ 421)] (4).
_________
(1) في ط 1 زيادة: (فيها).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: لا نقول إنه ينتفع بالقراءة عنده أكثر من انتفاعه بها في المساجد، بل القراءة عنده وفي المساجد سواء، هذا ظاهر كلامه، لقوله: «بل هو كالقراءة في المساجد») ا. هـ.
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الذي يظهر أن مراده أنه لا يقال: له أجر بالقراءة، كما نقول في المستمع له أجر، بخلاف الميت على هذا القول) ا. هـ.
(4) «الاختيارات» للبعلي (136)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 300 – 302)، «اقتضاء الصراط» (2/ 261 – 266).
(1/258)
376 – إهداء ثواب العتق للميت:
377 – ومشاركة المهدي له في الأجر:
– قال ابن مفلح: (كل قربة فعلها المسلم، وجعل ثوابها للمسلم: نفعه ذلك، وحصل له الثواب، كالدعاء «ع»، والاستغفار «ع»، وواجب تدخله النيابة «ع»، وصدقة التطوع «ع»، وكذا العتق، ذكره القاضي وأصحابه أصلًا، وذكره أبو المعالي وشيخنا «ع») [الفروع 2/ 307 (3/ 423)] (1).
– وقال أيضا: (ثم له (2) مثل أجره، لخبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا (3)، رواه حرب، وقال شيخنا: أو أكثر) [الفروع 2/ 310 (3/ 427)].
_________
(1) «الفتاوى» (24/ 366 – 367)، «جامع المسائل» (3/ 133)، «الاختيارات» للبعلي (137).
(2) أي: المُهدي.
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يحتمل أن مراده بخبر عمرو ما استدلّ به على مثل هذه المسألة، وهو: «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا») ا. هـ.
هذا الحديث رواه الترمذي (2677) وابن ماجه (209) من رواية كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده، وليس هو المراد، وإنما المراد ــ والله أعلم ــ ما ذكره ابن مفلح في «النكت على المحرر» (1/ 210 – 211) قال: (والأولى أن يقال: المهدي ينقل ثواب عمله إلى المهدى إليه، وللمهدي الأجر على هذا الإحسان والصدقة والهدية، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب عمله إلا أن يصح ما رواه حرب في «مسائله» بإسناده عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما على أحدكم إذا أراد أن يتصدق بصدقة تطوعا أن يجعلها عن والديه إذا كانا مسلمين فيكون لوالديه أجرها وله مثل أجورهما من غير أن ينقص من أجورهما شيئا») ا. هـ.
(1/259)
378 – إهداء العمل للميت:
379 – وإهداؤه للنبي – صلى الله عليه وسلم -:
– قال ابن القيم: (وقالت طائفة أخرى: القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء أن يبقيه لنفسه، وهو سبحانه وتعالى لم يقل: لا ينتفع إلا بما سعى، وكان شيخنا يختار هذه الطريقة ويرجِّحها) [الروح 320].
– وقال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لم يكن من عادة السلف إهداء ذلك إلى موتى المسلمين، بل كانوا يدعون لهم، فلا ينبغي الخروج عنهم.
ولهذا لم يره شيخنا لمن له كأجر العامل، كالنبي – صلى الله عليه وسلم – ومعلم الخير، بخلاف الوالد، لأن له أجرًا لا كأجر الولد، لأن العامل يثاب على إهدائه، فيكون له أيضًا مثله، فإن جاز إهداؤه فهلم جرًّا، وتسلسل (1) ثواب العمل الواحد ــ وإن لم يجز ــ فما الفرق بين عمل وعمل (2)؟
وإن قيل: يحصل ثوابه مرتين للمهدى إليه، ولا يبقى للعامل ثواب، فلم يشرع الله لأحد أن ينفع غيره في الآخرة بلا (3) منفعة له في الدارين،
_________
(1) في ط 1: (ويتسلسل)، والمثبت من ط 2.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: إن قيل: يجوز إهداء العمل الأول، ولم يجز إهداء الثاني، فما الفرق بينهما؟) ا. هـ.
(3) في ط 1: (ولا)، والمثبت من ط 2.
(1/260)
فيتضرر، ولا يلزم دعاؤه له ونحوه، لأنه مكافأة له كمكافأته لغيره، ينتفع به المدعو له، وللعامل أجر المكافأة، وللمدعو له مثله، فلم يتضرر، ولم يتسلسل، ولا يقصد أجره إلا من الله.
وذكر أيضًا: أن أقدم من بلغ أنه أهدى للنبي – صلى الله عليه وسلم -: علي بن الموفق، أحد الشيوخ المشهورين من طبقة أحمد وشيوخ الجنيد) [الفروع 2/ 311 (3/ 428 ــ 429)] (1).
– وقال أيضًا: (وذكر الشيخ تقي الدين في «فتاويه»: أنه لم يكن من عادات السلف إهداء ثواب ذلك إلى موتى المسلمين، بل كان عادتهم أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها، وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات، كما أمر الله بذلك، يدعون لأحيائهم وأمواتهم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل. انتهى) [النكت على المحرر 1/ 212] (2).
380 – جمع أهل المصيبة الناس على طعام:
381 – والاجتماع لقراءة القرآن وإهدائه للميت:
382 – وقراءة القرآن عند الدفن واكتراء من يفعل ذلك وحكم الوصية به:
– قال ابن مفلح: (وسبق الجلوس للتعزية وصنعة الطعام، وهو صادق على ما قاله شيخنا: جمع أهل المصيبة الناس على طعام ليقرءوا ويهدوا له
_________
(1) «جامع المسائل» (4/ 254 – 255 و 256 – 276).
(2) «الفتاوى» (24/ 322 – 323) باختصار، وفي «جامع المسائل» (4/ 198 – 200)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (137 – 138).
(1/261)
ليس معروفًا في السلف ــ والصدقة أولى منه، لاسيما على من ينتفع به على (1) مصلحة عامة، كالقراء ونحوهم ــ فإنه قد كرهه طوائف من العلماء من غير وجه، وقرب دفنه منهي عنه، وعدّه السلف من النياحة … وذكر خبر جرير السابق (2)، وهذا في المحتسب، فكيف من يقرأ بالكراء؟!
واكتراء من يقرأ ويهديه للميت بدعة، لم يفعلها السلف، ولا استحبها الأئمة، والفقهاء تنازعوا في جواز الاكتراء على تعليمه، فأما اكتراء من يقرأ ويهديه فما علمت أحدًا ذكره، ولا ثواب له، فلا شيء للميت، قاله العلماء.
قال: ولا تنفذ وصيته بذلك، والوقف على القراء والعلماء أفضل من الوقف عليه، اتفاقًا، وللواقف كأجر العامل، وهو داخل في قوله عليه السلام «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا». لأن ذلك سعيٌّ في سنته.
وقال أيضًا: الوقف على الترب بدعة.
وقال أيضًا: فيها مصلحة الحضِّ على بقاء حفظه وتلاوته، وفيها مفاسد: من القراءة لغير الله، واشتغاله به عن القراءة المشروعة، والتأكل به، فمتى أمكن تحصيل هذه المصلحة بدونه: فالواجب المنع منه وإبطاله.
وشرط إهداء القراءة ينبني على إهداء ثواب العبادة البدنية، فمن لم
_________
(1) في ط 1: (في)، والمثبت من ط 2.
(2) يشير إلى قول جرير: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة.
(1/262)
يجوّزه أبطله، ومن جوّزه فإنه إذا كان عبادة، وهي ما قصد به وجه الله، فأما بإجارة وجعالة فلا تكون قربة، وإن جاز أخذ الأجر والجعل عليه.
ثم ذكر الخلاف في أجرة تعليم ونحوه.
فقد حكم بعدم الصحة لما قال: لا تنفذ وصيته فيه، وأن الوقف عليه بدعة، وفي كلامه الأخير: إن أمكن تحصيل المصلحة المذكورة لم يصح، وإلا صح، ولا إهداء، لعدم الثواب، فعلى هذا يصح لتحصيل المصلحة المذكورة ولا يهدي شيئا (1)) [الفروع 2/ 312 ــ 313 (3/ 431 ــ 432)] (2).
وانظر: الفقرة التالية.
_________
(1) ومما يبين موقف شيخ الإسلام من هذه المسألة قوله: ( … فإعانة المسلمين على تلاوة القرآن وتبليغِه بالمال ونحوه حسن مشروع، ولهذا لما تغير الناس وصاروا يفعلون بدعة ويتركون شرعة، وفي البدعة مصلحة ما، إن تركوها ذهبت المصلحة ولم يأتوا بالمشروع، صار الواجب أمرهم بالمشروع المصلح لتلك المصلحة، مع النهي عن البدعة، وإن لم يمكن ذلك فُعل ما يمكن وقُدِّم الراجح، فإذا كانت مصلحة الفعل أهم لم يُنه عنه لما فيه من المفسدة إلا مع تحصيل المصلحة، وإن كانت مفسدته أهم نُهي عنه، وهذه الوقوف التي على التُّرَب فيها من المصلحة بقاء حفظ القرآن وتلاوته، وكون هذه الأموال معونةً على ذلك وخاصةً عليه، إذ قد يَدرُسُ حفظُ القرآن في بعض البلاد بسبب عدم الأسباب الحاملة عليه، وفيها مفاسدُ أُخَر: من حصولِ القراءة لغير الله، والتآكل بالقرآن، وقراءتِه على غير الوجه المشروع، واشتغال النفوس بذلك عن القراءة المشروعة، فمتى أمكن تحصيل هذه المصلحة بدون ذلك فالواجب النهيُ عن ذلك والمنع منه وإبطالُه، وإن ظنّ حصول مفسدة أكثر من ذلك لم يدفع أدنى الفسادين باحتمال أعلاهما) ا. هـ من «جامع المسائل» (3/ 134).
(2) انظر: «الفتاوى» (24/ 300، 314 – 317)، «جامع المسائل» (3/ 138 – 140)، «الاختيارات» للبعلي (137 – 138).
(1/263)
383 – وصية الميت أن يصلى عنه نافلة بأجرة:
384 – ووصيته بشراء وقف ينفق منه على من يقرأ عليه:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لو وصَّى أن يصلَّى عنه نافلة بأجرة لم يجز أن يصلَّى عنه، باتفاق الأئمة.
كذا قال، وهي كالقراءة …
قال: ويتصدق بها على أهل الصلاة، فيكون له أجر كلِّ صلاة استعانوا عليها بها، من غير نقص أجر المصلي (1).
ولعل مراده: إذا أراد الورثة ذلك.
وقال فيمن وصَّى بشراء وقف على مَنْ يقرأ عليه: يصرف في جنس المنفعة، كإعطاء الفقراء في القراءة (2)، أو في غير ذلك من المصالح.
ففي التي قبلها اعتبر جنس المنفعة، وهنا جوّزه في المصالح، فهو كاختلاف الرواية في الصدقة بفاضل ريع الوقف، هل يعتبر جنس المنفعة أم يجوز في المصالح، والله أعلم) [الفروع 2/ 315 (3/ 434)] (3).
وانظر: المسألة السابقة.
385 – جعل المصاب على رأسه علامة يعرف بها ليعزى:
– قال ابن القيم: (وأما قول كثير من الفقهاء ــ من أصحابنا وغيرهم ــ:
_________
(1) «الفتاوى» (30/ 203).
(2) في ط 1: (والقراء)، والمثبت من ط 2.
(3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (138).
(1/264)
لا بأس أن يجعل المصاب على رأسه ثوبا يعرف به، قالوا: لأن التعزية سنة، وفي ذلك تيسير لمعرفته حتى يعزيه، ففيه نظر، وأنكره شيخنا) [عدة الصابرين 129 ــ 130] (1).
_________
(1) «جامع المسائل» (4/ 150).
(1/265)
كتاب الزكاة
386 – تاريخ فرض الزكاة:
– قال ابن مفلح: (اختلف العلماء: هل فرضت بمكة أو بالمدينة؟ وفي ذلك آيات، واختلفوا في آية الذاريات: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذريات: 19] هل المراد به الزكاة؟ ويتوجه أنه الزكاة، لقوله في آية سأل: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] والمعلوم إنما هو الزكاة، لا التطوع.
وذكر صاحب «المغني» و «المحرر» وشيخنا: أنها مدنية. ولعل المراد: طلبها، وبعث السعاة لقبضها، فهذا بالمدينة) [الفروع 2/ 316 (3/ 437)] (1).
387 – اشتراط تمام ملك النصاب لوجوب الزكاة:
– قال ابن مفلح: (ويعتبر تمام ملك النصاب في الجملة «و»، فلا زكاة في دين الكتابة «و» لعدم استقرارها، ولهذا لا يصح ضمانها، وفيه رواية، فدل على الخلاف هنا، ولا في دين مؤجل، أو على معسر، أو مماطل، أو جاحدٍ قبضْه (2)، ومغصوب، ومسروق، ومعرَّف، وضالٍّ رجع، وما دفنه
_________
(1) قال شيخ الإسلام ــ كما في «الفتاوى» (7/ 606) ــ: ( … وأمروا بالزكاة والإحسان في مكة أيضا؛ ولكن فرائض الزكاة ونصبها إنما شرعت بالمدينة) ا. هـ.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (فدلّ أنه يشترط لوجوب الزكاة قبضه، فلو تعذر قبضه في هذه الصور فلا زكاة على رواية وجوب الزكاة، ولهذا قال عند ذكر الرواية الثالثة ــ وهي رواية الوجوب ــ: «فيزكي ذلك إذا قبضه»، وكذلك قوله: «ومغصوب ومسروق ومعرّف وضالّ رجع» فلو لم يرجع المغصوب لتعذره، والمسروق والمعرف، مثل إن عرّف الملتقط اللقطة ولم يعرف ربها، أو ضلّ المال عن ربِّه ولم يرجع إليه، فمفهومه: لا زكاة، كما أشار إليه في رواية بقوله: «إذا قبضه») ا. هـ.
(1/267)
ونسيه، وموروث، أو غيره جهله، أو جهل عند من هو، في رواية صحّحها صاحب «التلخيص» وغيره، ورجّحها بعضهم، واختارها ابن شهاب وشيخنا) [الفروع 2/ 323 (3/ 447)] (1).
388 – زكاة الأجرة:
– قال ابن مفلح: (وعنه: لا حول لأجرة (2). اختاره شيخنا) [الفروع 2/ 327 (3/ 452)] (3).
389 – شرط الزكاة في المضاربة على رب المال:
– قال ابن مفلح: (ولا يصح أن يشرط رب المال زكاة رأس المال، أو بعضه من الربح؛ لأنه قد يحيط بالربح، فهو كشرط فضل دراهم، سأله المروذي: يشترط المضارب على رب المال أن الزكاة من الربح؟ قال: لا، الزكاة على رب المال. وصحَّحه شيخنا (4)) [الفروع 2/ 338 (3/ 467)] (5).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (146)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 46، 47 – 48).
(2) قال في «الإنصاف» (6/ 322): (وعنه: لا حول لأجرة، فيزكيه في الحال كالمعدن، اختاره الشيخ تقي الدين) ا. هـ.
(3) «الاختيارات» للبعلي (146).
(4) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: صحّح شرطَ رب المال زكاة رأس المال أو بعضه من الربح) ا. هـ.
(5) «الاختيارات» للبعلي (146 – 147)، انظر: «الفتاوى» (25/ 63).
(1/268)
390 – سقوط الزكاة بتلف المال:
– قال ابن مفلح: (وسقوط العشر بآفة قبل الإحراز، لأنها من ضمان البائع، بدليل الجائحة. كذا ذكره الشيخ وغيره، وذكر صاحب «المحرر» وغيره بدل «قبل الإحراز»: «قبل أخذه»، واحتجَّ بالجائحة، وفي «الرعاية»: قبل قطعه. وعلى الثانية: لا يضمنها بتلفه، وظاهر الخرقي: مطلقًا «و» واختاره في «النصيحة» و «المغني» (1) و «المستوعب» وشيخنا) [الفروع 2/ 348 (3/ 482 ــ 483)] (2).
391 – الديون لا تقوم يوم القيامة بالزكاة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ولو كان له ديون لم تقم يوم القيامة بالزكاة، لأن عقوبتها أعظم. ثم ذكر ما ذكره العلماء) [الفروع 2/ 351 (3/ 487)] (3).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «المغني»: والصحيح ــ إن شاء الله تعالى ــ أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط، لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب مع عدم المال، وفقر من تجب عليه) ا. هـ.
(2) «مختصر الفتاوى المصرية» (275)، «الاختيارات» للبعلي (147).
(3) «الاختيارات» للبعلي (147)، وفيه: (ولو كان لمانع الزكاة ديون لم تقم يوم القيامة بالزكاة، لأن عقوبتها أعظم)، وانظر: «مختصر الفتاوى» (278).
(1/269)
باب حكم الخلطة
392 – رجوع الشريك على شريكه إذا أخذ الساعي أكثر من المال الواجب بلا تأويل:
393 – والمظالم المشتركة:
– قال ابن مفلح: (وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بلا تأويل، كأخذه عن أربعين مختلطة شاتين من مال أحدهما، وعن ثلاثين بعيرًا جذعة (1) = رجع على خليطه في الأولى بقيمة نصف شاة، وفي الثانية بقيمة نصف بنت مخاض، لأن الزيادة ظلم، فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه «و» (2).
_________
(1) في ط 1: (الجذعة)، والمثبت من ط 2.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «لأن الزيادة ظلم، فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه … الخ» قال في «الاختيارات» في آخر باب الغصب: ومن غرم مالا بسبب كذب عليه عند ولي الأمر، فله تغريم الكاذب عليه ما غرمه. وذكره المصنف في فصل من أتلف مالا محترما، ولم يذكر عن أحد خلافه، لكنه ذكر ذلك عند قوله: «ومن دفع مفتاحا إلى لص، لم يضمن» فيحتمل أن كلاّ من المسألتين نظير الأخرى، لكنه لم يصرّح بذلك، وقد ذكر هنا: لا يجوز رجوعه على غير ظالمه، وفي الجملة ما قاله الشيخ من الرجوع على الكاذب عليه، في غاية القوة، لأن القاعدة أن السبب يحال الحكم عليه إذا لم يكن ــ كذا ولعلها: يمكن ــ إحالة الحكم على المباشر، فإذا كان الذي أخذ المال لا يمكن الرجوع عليه، كما هو المعروف من ولاة الأمر يرجع بذلك على السبب، كما قيل فيما إذا ألقى إنسانا في ماء، فابتلعه حوتٌ، أو ألقاه في زبية أسد فقتله، وقالوا: قد يقوى السبب فيصير كالمباشر، كمن أمسك إنسانا لآخر ليقتله، فإن الممسك يقتل على إحدى الروايتين، وفي الرجوع في صورة الكاذب منعٌ لهذه الفعلة التي تقع كثيرا، فإن الكاذب إذا علم أنه يرجع عليه رجع عن فعله، وسدّت هذه المفسدة) ا. هـ.
(1/270)
وأطلق شيخنا في رجوعه على شريكه قولين، ومراده للعلماء. قال: أظهرهما يرجع (1).
وقال في المظالم المشتركة تطلب من الشركاء، يطلبها الولاة والظلمة من البلدان، أو التجار، أو الحجيج، أو غيرهم، والكلف السلطانية، وغير ذلك، على الأنفس أو الأموال أو الدواب: يلزمهم التزام العدل في ذلك، كما يلزم فيما يؤخذ منهم بحق، ولا يجوز أن يمتنع أحد من أداء قسطه من ذلك، بحيث يؤخذ قسطه من الشركاء، لأنه لم يدفع الظلم عنه إلا بظلم شركائه، لأنه يطلب ما يعلم أنه يظلم فيه غيره، كمن يولي أو يوكل من يعلم أنه يظلم، ويأمره بعدم الظلم، ليس له أن يوليه، ولأنه يلزم العدل في هذا الظلم، ولأن النفوس لا ترضى بالتخصيص، ولأنه يفضي إلى أخذ الجميع من الضعفاء، ولأنه لو احتاج المسلمون إلى جمع مالٍ لدفع عدوٍّ كافر لزم القادر الاشتراك، فهاهنا أولى.
فمن تغيَّب، أو امتنع، وأخذ من غيره حصته رجع على من أدّى عنه ــ في الأظهر ــ إلا أن ينوي تبرعًا، ولا شبهة على الآخذ في الأخذ، كسائر الواجبات، كعامل الزكاة وناظر الوقف والوصيِّ والمضارب والشريك والوكيل وسائر من تصرَّف لغيره بولاية أو وكالة إذا طلب منه حصة ما ينوب ذلك المال من الكلف فإن لهم أن يؤدُّوا ذلك من المال، بل إن كان إن لم يؤدُّوه أَخذ الظلمة أكثر وجب، لأنه من حفظ المال.
_________
(1) «الفتاوى» (30/ 342).
(1/271)
ولو قدر غيبة المال، فاقترضوا عليه، أو أدوا (1) من مالهم= رجعوا به، وعلى هذا العمل، ومن لم يقل به لزم من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد.
قال: وغاية هذا أن يشبه بغصب المشاع، فالغاصب إذا قبض من المشترك نصيب أحد الشريكين كان ذلك من مال ذلك الشريك ــ في الأظهر ــ وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
ولو أقر أحد الابنين بأخ وكذّبه أخوه، لزم المقرَّ أن يدفع إلى المقرِّ به ما فضل عن حقِّه، وهو السدس في مذهب مالك والشافعي وأحمد (2)، جعلوا ما غصبه الأخ المنكر من مال المقرِّ به خاصة لأجل البينة (3).
وكذا هنا، إنما قبض الظالم عن ذلك المطلوب، لم يقصد أخذ مال الدافع، لكن قال أبو حنيفة في غصب المشاع: ما قبضه الغاصب يكون منهما، اعتبارًا بصورة القبض، ويكون النصف الذي غصبه الأخ المنكر منهما، وهو قول في مذهب الشافعي وأحمد.
قال: ومن صودر على مال، وأُكره أقاربه، أو جيرانه أو أصدقاؤه، أو شركاؤه على أن يؤدوا عنه فلهم الرجوع، لأنهم ظُلموا لأجله ولأجل ماله، والطالب مقصوده ماله لا مالهم …
واحتج بقصة ابن اللُّتْبِيَّة، وقال: فلما كانوا إنما أعطوه وأهدوا إليه لأجل ولايته جعل ذلك من جملة المال المستحق لأهل الصدقات، لأنه
_________
(1) في ط 1: (وأدوا)، والمثبت من ط 2.
(2) في «الفتاوى»: (في مذهب مالك وأحمد بن حنبل وكذلك ظاهر مذهب الشافعي).
(3) في «الفتاوى»: (النية).
(1/272)
بسبب أموالهم قبض، ولم يخصَّ به العامل.
فكذا ما قبض بسبب مال بعض الناس، فعنها يحسب ما (1) أُعطي لأجلها، فهو مغنم ونماء لها، لا لمن أخذه، فما أخذ لأجلها فهو مغرم منها، لا على من أعطاه، وكذا من لم يخلِّص مال غيره من التلف إلا بما أدَّى عنه رجع به في أظهر قولي العلماء، وهو محسنٌ) [الفروع 2/ 399 ــ 402 (4/ 62 ــ 65)] (2).
394 – إذا أخذ الساعي القيمة:
– قال ابن مفلح: (وقال ابن تميم: إن أخذ الساعي فوق الواجب بتأويل، أو أخذ القيمة أجزأت في الأظهر، ورجع عليه بذلك. وإطلاق الأصحاب رحمهم الله يقتضي الإجزاء، ولو اعتقد المأخوذ منه عدمه … وصوّب فيه شيخنا الإجزاء، وجعله في موضع آخر، كالصلاة خلف تاركٍ شرطًا (3) عند المأموم، قال شيخنا: وإن طلبها منه فكصلاة الجمعة خلفه) [الفروع 2/ 403 (4/ 65 ــ 66)] (4).
_________
(1) في ط 1: (بحسب فكأنما)، والمثبت من ط 2 و «الفتاوى».
(2) «الفتاوى» (25/ 338 – 354) باختصار، «الاختيارات» للبعلي (148).
(3) في ط 1: (ركن)، والمثبت من ط 2، وفي «الاختيارات» للبعلي: (التارك ركنا أو شرطا).
(4) «جامع المسائل» (5/ 388 – 389)، «الاختيارات» للبعلي (149).
(1/273)
باب زكاة الزرع والثمر
395 – زكاة التين:
– قال ابن مفلح: (ولا زكاة ــ في الأشهر ــ في الجوز، نصّ عليه، وعلّل بأنه معدود، والتين والمشمش والتوت وقصب السكر وكذا العُنَّاب، وجزم في «الأحكام السلطانية» و «المستوعب» و «الكافي» بالزكاة فيه، وهذا أظهر، فالتين والمشمش والتوت مثله، واختاره شيخنا في التين (1)، لأنه يدخر كالتمر) [الفروع 2/ 406 ــ 407 (3/ 71)] (2).
396 – تعطيل العشر باستئجار الذمي الأرض:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وتعطيل العشر باستئجار الذمي الأرض، أو مزارعته فيها كتعطيله بالابتياع) [الفروع 2/ 437 ــ 438 (4/ 109)] (3).
397 – شراء الذمي الأرض العشرية:
– قال ابن مفلح: (يجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية في رواية «و: ش م ر»، ثم من الأصحاب من اقتصر على الجواز، ومنهم من قال: ويكره. نص عليه، وعنه رواية ثالثة: يمنعون من شرائها، اختارها الخلال وصاحبه، فعليها يصح، جزم به الأصحاب رحمهم الله، وحكى أحمد – رحمه الله – عن الحسن وعمر بن عبد العزيز: يمنعون من الشراء، فإن اشتروا لم يصح.
_________
(1) في بعض طبعات «الاختيارات» للبعلي: (التبن)، وهو تطبيع.
(2) «الاختيارات» للبعلي (149).
(3) «الاختيارات» للبعلي (150).
(1/274)
وكلام شيخنا في «اقتضاء الصراط المستقيم» يعطي: أن على المنع لا يصح «و: م ر»، فعلى عدم المنع لا عشر عليهم «و: م رش»، لأنه زكاة، فلا منع، ولا زكاة، كالسائمة وغيرها …
وذكر القاضي في «شرحه الصغير» أن إحدى الروايتين أنه يجب على الذمي غير التغلبي نصف العشر سواء اتّجر أم لم يتّجر به، من ماله وثمره وماشيته … وذكر شيخنا في «اقتضاء الصراط المستقيم» على هذا: هل عليهم عشران، أم لا شيء عليهم؟ على روايتين. وهذا غريب، ولعله أخذه من لفظ «المقنع» (1)) [الفروع 2/ 440 (4/ 111 ــ 112)] (2).
398 – لا يجوز بقاء أرض بلا عشر ولا خراج:
– قال ابن مفلح: (ولا يجوز بقاء أرض بلا عشر ولا خراج بالاتفاق، ذكره شيخنا) [الفروع 2/ 443 (4/ 115)] (3).
399 – بيع الدار أو تأجيرها للكافر:
– قال ابن مفلح: (قال أبو بكر: لا فرق بين البيع والإجارة عنده (4)، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة.
_________
(1) قال المرداوي في «الإنصاف» (6/ 566): (يعني: أن نقل هذه الرواية على القول بجواز الشراء غريب، فأما على رواية منعهم من الشراء لو خالفوا واشتروا لصح الشراء بلا نزاع عند الأصحاب كما تقدم، وعليهم عشران على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب … ) ا. هـ.
(2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 31 – 32)، «الاختيارات» للبعلي (150).
(3) «الاختيارات» للبعلي (150).
(4) أي: الإمام أحمد.
(1/275)
قال شيخنا: ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك، قال ابن أبي موسى: كره أحمد أن يبيع داره من ذميٍّ فيكفر فيها، ويستبيح المحظورات، فإن فعل لم يبطل البيع. وكذا قال الآمدي، أطلق (1) الكراهة مقتصرًا عليها، ومقتضى ما سبق من كلام الخلال وصاحبه: تحريم ذلك. قاله شيخنا.
وقال القاضي: لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار، أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشترط، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر. وقد قال أحمد: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر فيها، يبيعها من مسلم أحب إلي. وقال أيضًا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبِيعة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم، يعينهم على ما هم فيه.
قال شيخنا: فقد حرّم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدًا على ذلك بنصِّ أحمد على أنه لا يبيعها لكافر، ولا يكتري وقف الكنيسة، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم.
قال القاضي في أثناء المسألة: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة، مع علمه بأنهم يفعلون ذلك فيها؟ قيل: المنقول عن أحمد: أنه حكى قول ابن عون وعجب منه.
وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوّز إجارتها من ذميٍّ، وظاهر رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث: جواز ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليل على جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين. ذكره شيخنا.
_________
(1) في ط 1: (وأطلق)، والمثبت من ط 2.
(1/276)
قال: والفرق بين البيع والإجارة: أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة عارضه مصلحة، وهي صرف إرعاب (1) المطالبة بالكراء عن المسلم، وإنزاله بالكفار، كإقراره بالجزية، فإنه إقرار لكافر، لكن جاز لما تضمنه من المصلحة، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة، وهذه المصلحة منتفية في البيع.
قال: فيصير في المسألة أربعة أقوال (2)) [الفروع 445 ــ 448 (4/ 117 ــ 119)] (3).
_________
(1) بالعين المهملة، قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (4/ 116) في نظيرها: (من الرعب، وهو الخوف … لأن المطالَبَ يحصل له رعب عند المطالبة) ا. هـ.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الأول: تحريم البيع والإجارة، الثاني: عدم التحريم فيها ــ كذا، ولعلها: فيهما ــ، الثالث: التحريم في البيع دون الإجارة، الرابع: التحريم في الإجارة دون البيع) ا. هـ.
(3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 25 – 29) باختصار.
(1/277)
باب زكاة الذهب والفضة
400 – مقدار الدرهم:
– قال ابن مفلح: (وسبق كلام شيخنا أول الحيض (1)، ومعناه: أن الشرع والخلفاء الراشدون رتّبوا على الدراهم أحكامًا، فمحال أن ينصرف كلامهم إلى غير الموجود ببلدهم أو زمنهم، لأنهم لا يعرفونه، ولا يعرفه المخاطب، فلا يقصد ولا يراد، ولا يفهم، وغايته العموم، فيعم كل بلد وزمن بحسبه وعادته وعرفه، أما تقييد كلامهم، واعتباره بأمر حادث خاصة غير موجود ببلدهم وزمنهم، من غير دليل عنهم، كيف يمكن؟! والله سبحانه أعلم) [الفروع 2/ 455 (4/ 131)] (2).
401 – لبس الفضة للرجال:
– قال ابن مفلح: (قال الأصحاب رحمهم الله: وتحريم الآنية أشد من اللباس، لتحريمها على الرجال والنساء.
ولم أجدهم احتجوا على تحريم لباس الفضة على الرجال، ولا أعرف التحريم نصًا عن أحمد، وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال، إلا ما دل الشرع على تحريمه.
وقال أيضًا: لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم
_________
(1) برقم (112).
(2) «الفتاوى» (19/ 249 – 252)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (152).
(1/278)
يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه …
ويدخل في الخلاف: تركاش النشاب. وقاله شيخنا، قال: والكلاليب، لأنها يسير تابع.
وواحد الكلاليب: كَلُّوب، بفتح الكاف، وضم اللام المشددة، ويقال أيضًا: كُلاب) [الفروع 2/ 467 ــ 474 (4/ 147 ــ 156)] (1).
– وقال أيضا: (واختار الشيخ تقي الدين أن كلاليب الفضة كخاتم الفضة في الإباحة وأولى؛ لأنها تتخذ غالبا للحاجة، وكلامه يدل على إباحة لبس الفضة إلا أن يدل دليل شرعي على التحريم؛ لأنه ليس فيها نص بخلاف الذهب والحرير، وقد أشرت إلى دليل هذه المسألة وذكر كلامه فيما علقه (2) على المحرر) [الآداب الشرعية 3/ 504] (3).
وانظر: ما تقدم برقم (150).
402 – تحلية السلاح بالذهب:
– قال ابن مفلح: (وقيل: يباح في سلاح. واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 477 (4/ 160)] (4).
وانظر: ما تقدم برقم (148).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (115 – 116).
(2) كذا بالأصل، ولعل الصواب: (ما علقته).
(3) «الاختيارات» للبعلي (115 – 116)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 63 – 65).
(4) «مختصر الفتاوى المصرية» (318)، «الاختيارات» للبعلي (116)، وانظر: «الفتاوى» (21/ 87؛ 25/ 64).
(1/279)
باب حكم الركاز
403 – ما يلحق بالمدفون:
– قال ابن مفلح: (وألحق شيخنا بالمدفون حكما الموجود ظاهرًا بخراب جاهلي، أو طريق غير مسلوك، واحتج بخبر عمرو بن شعيب، رواه أبو داود: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة، غير متخذ خُبْنَةً (1)، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين، فبلغ ثمن المجن، فعليه القطع». قال: وسئل عن اللقطة؟ فقال: «ما كان منها في الطريق الميتاء أو القرية الجامعة فعرفها سنة، فإن جاء طالبها فادفعها إليه، وإن لم يأت فهي لك، وما كان من الخراب». يعنى ففيها وفي الركاز الخمس …
واحتج غير شيخنا به ــ كصاحب المغني والمحرر ــ على أنه في الخراب الجاهلي، والطريق غير المسلوك: كالمدفون. لكن بالعلامة) [الفروع 2/ 498 ــ 500 (4/ 185 ــ 189)] (2).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الخبنة، بالضم: ما تحمله تحت إبطك) ا. هـ
(2) «الاختيارات» للبعلي (151).
(1/280)
باب زكاة الفطر
404 – ما يجزئ من البر في زكاة الفطر:
– قال ابن القيم: (قال الحسن البصري: خطب ابن عباس في آخر رمضان على منبر البصرة، فقال: أَخرجوا صدقة صومكم. فكأن الناس لم يعلموا، فقال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلِّموهم، فإنهم لا يعلمون، فرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هذه الصدقة صاعًا من تمر أو شعير، أو نصف صاع من قمح، على كل حرٍّ أو مملوك، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير. فلما قدم علي – رضي الله عنه -: رأى رخص السعر، قال: قد أوسع الله عليكم، فلو جعلتموه صاعا من كل شيء. رواه أبو داود ــ وهذا لفظه ــ والنسائي، وعنده: فقال علي: أما إذا أوسع الله عليكم، فأوسعوا: اجعلوها صاعا من بر وغيره.
وكان شيخنا – رحمه الله – يقوي هذا المذهب، ويقول: هو قياس قول أحمد في الكفارات، أن الواجب فيها من البر: نصف الواجب من غيره) [زاد المعاد 2/ 20 ــ 21].
– وقال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجزئ نصف صاع من بر. وقال: وهو قياس المذهب في الكفارة، وأنه يقتضيه ما نقله الأثرم «و: هـ» كذا قال، مع أن القاضي قال عن الصاع: نصَّ عليه في رواية الأثرم، فقال: صاع من كل شيء) [الفروع 2/ 534 (4/ 231)] (1).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (152)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (282).
(1/281)
405 – يجزئ في زكاة الفطر قوت البلد:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجزئ قوت بلده، مثل الأرز وغيره. وذكره رواية، وأنه قول أكثر العلماء، واحتج بقوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]) [الفروع 2/ 537 (4/ 236)] (1).
406 – مصرف زكاة الفطر:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لا يجوز دفعها، إلا لمن يستحق الكفارة، وهو: من يأخذ لحاجته، لا في المؤلفة والرقاب وغير ذلك) [الفروع 2/ 540 (4/ 239)] (2).
407 – وقت إخراج زكاة الفطر:
– قال ابن القيم: (وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد، وفي «السنن» عنه أنه قال: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات». وفي «الصحيحين» عن ابن عمر قال: أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بزكاة الفطر أن تؤدّى قبل خروج الناس إلى الصلاة.
ومقتضى هذين الحديثين: أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة، وهذا هو الصواب، فإنه لا معارض لهذين الحديثين، ولا ناسخ، ولا إجماع يدفع القول بهما، وكان شيخنا يقوِّي ذلك وينصره) [زاد المعاد 2/ 21 ــ 22].
_________
(1) «الفتاوى» (21/ 326؛ 25/ 68 – 69)، «الاختيارات» للبعلي (151).
(2) «الفتاوى» (25/ 73)، «الاختيارات» للبعلي (151).
(1/282)
باب إخراج الزكاة
408 – من قال: أنا أؤديها ولا أعطيها للإمام:
– قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: أن من أداها لم تجز مقاتلته، للخلف في إجزائه. ثم ذكر نص أحمد في من قال: أنا أؤدِّيها ولا أعطيها للإمام، لم يكن له قتاله.
ثم قال: من جوّز القتال على ترك طاعة ولي الأمر جوّزه؛ ومن لم يجوِّزه إلا على ترك طاعة الله ورسوله لم يجوِّزه) [الفروع 2/ 557 – 558 (4/ 261)] (1).
409 – إذا أخذ الساعي فوق الواجب باسم الزكاة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ما أخذه باسم الزكاة ــ ولو فوق الواجب ــ بلا تأويل اعتدَّ به (2)، وإلا فلا) [الفروع 2/ 576 – 577 (4/ 282)] (3).
_________
(1) انظر: «منهاج السنة النبوية» (4/ 500 – 501).
(2) أي: اعتد بالزيادة من زكاة سنة ثانية، كما في «الإنصاف» (7/ 193 – 194).
(3) «الفتاوى» (30/ 343)، وانظر: (25/ 81، 93).
(1/283)
باب ذكر أصناف أهل الزكاة
وما يتعلق بذلك
410 – الأخذ من الزكاة لشراء كتب العلم:
– قال ابن مفلح: (وسئل شيخنا: عمن ليس معه ما يشتري كتبًا يشتغل فيها. فقال: يجوز أخذه منها ما يشتري له به منها ما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد لمصلحة دينه ودنياه) [الفروع 2/ 587 (4/ 297)] (1).
411 – الأخذ من الزكاة لإقامة مؤنته:
– قال ابن مفلح: (ومن ملك من غير نقد ما لا يقوم بكفايته: فليس بغنى، ولو كثرت قيمته. قال أحمد: إذا كان له عقار أو ضيعة يستغلها، عشرة آلاف أو أكثر، لا تقيمه ــ يعني: لا تكفيه ــ = يأخذ من الزكاة.
وقال فيمن له أخت لا ينفق عليها زوجها يعطيها؛ فإن كان لها (2) حلي قيمته خمسون درهما فلا.
قيل له: الرجل يكون له الزرع القائم، وليس عنده ما يحصده (3)، أيأخذ من الزكاة؟ قال: نعم، يأخذ.
قال شيخنا: وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة مؤنته، وإن لم ينفقه بعينه في المؤنة) [الفروع 2/ 588 (4/ 299 ــ 300)] (4).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (155).
(2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 118): (عندها)، والمثبت من ط 2.
(3) بعدها في ط 1: (به).
(4) «الاختيارات» للبعلي (156).
(1/284)
412 – أخذ الفقير من الزكاة ما يصير به غنيا:
– قال ابن مفلح: (ولا يأخذ ما يصير به غنيًا وإن كثر «خ» للآجري وشيخنا (1)، لمقارنة المانع (2)، كزيادة المدين والمكاتب على قضاء دينهما) [الفروع 2/ 589 (4/ 300 ــ 301)] (3).
413 – عدد الشهود الذين يثبت بهم الإعسار:
– قال ابن مفلح: (وإن ادّعى الفقر من عُرف غناه لم يقبل إلا بثلاثة شهود، نصّ عليه، لخبر قبيصة؛ وقيل: يقبل باثنين «و» كدين الآدمي، لأن
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: غنى يزيد على قدر الكفاية، أما الغنى الذي يحصل به قدر الكفاية فقط فيجوز، نص عليه أحمد وأصحابه. ذكره في «المغني» وغيره.
وظاهر كلام المصنف أن الأئمة الثلاثة يجوزون أن يدفع إلى الفقير ما يصير به غنيا لا يحتاج إليه، إذا كان الدفع لم يتأخر عن القدر المحتاج إليه، كما ذكره عن الآجري وشيخنا …. ) ثم ناقشه في ذلك.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هو تعليل للمذهب، وهو أنه لا يأخذ ما يصير به غنيا، وليس دليلا لقول الآجري وشيخنا، ويدل عليه قوله: «كزيادة المدين والمكاتب على قضاء دينهما» يعني: أن الإنسان إذا كان عليه دين، فإنه يعطى ما يقضي دينه، أو كان مكاتبا، فإنه يعطى ما يقضى كتابته، ولا يزاد على ذلك، فكذلك الفقير يعطى ما يحتاج إليه ولا يزاد على ذلك، وقوله: «لمقارنة المانع» يعني: أن المانع من الزيادة مقارن للأخذ، وهو عدم الاحتياج، فإنه اقترن أخذ الزيادة وعدم الاحتياج، ومقارنة المانع كسبقه، بدليل الجمع بين الأختين، بخلاف ما إذا سبق الأخذ، ثم حصل عدم الحاجة بعد ذلك، فإنه لا يمنع، مثل إن كان حال الأخذ محتاجا إلى القدر الزائد، ثم حصل له الغنى بعد ذلك فإنه لا يؤثر) ا. هـ
(3) «الاختيارات» للبعلي (156).
(1/285)
خبر قبيصة في حلِّ المسألة، فيقتصر عليه، أجاب به جماعة منهم الشيخ؛ وعنه: يعتبر في الإعسار ثلاثة، واستحسنه شيخنا، لأن حق الآدمي آكد، ولخفائه، فاستظهر بالثالث؛ والمذهب الأول ذكره جماعة، ولا يكفي في الإعسار شاهد ويمين. وقال شيخنا: فيه نظر) [الفروع 2/ 591 (4/ 304 – 305)].
414 – حكم إعطاء السائل:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وإعطاء السُّؤَّال فرض كفاية إن صدقوا، ولهذا جاء في الحديث: «لو صدق لما أفلح من رده» وقد استدل الإمام أحمد بهذا. وأجاب: بأن السائل إذا قال: أنا جائع، وظهر صدقه، وجب إطعامه، وهذا من تأويل قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذريات: 19]، وإن ظهر كذبهم، لم يجب إعطاؤهم. ولو سألوا مطلقًا لغير معين لم يجب إعطاؤهم، ولو أقسموا، لأن إبرار القسم إنما هو إذا أقسم على معيّن، وما ذكره شيخنا من الخبر، هو من حديث أبي أمامة: «لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم» ولم أجده في «المسند» و «السنن الأربعة»، وإسناده ضعيف، قال أحمد في رواية مهنا: ليس بصحيح) [الفروع 2/ 592 (4/ 307)] (1).
415 – حكم سؤال الدعاء:
– قال ابن مفلح: (ومن سأل غيره الدعاء لنفعه أو نفعهما أثيب (2)، وإن
_________
(1) «الرد على البكري» (1/ 279 – 280)، «الفتاوى» (28/ 368)، «الاختيارات» للبعلي (157).
(2) في ط 1: (أثبت)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية (ص: 120).
(1/286)
قصد نفع نفسه فقد نُهي عنه، كالمال؛ وإن كان قد لا يأثم. كذا (1) ذكره شيخنا، وظاهر كلام غيره خلافه، كما هو ظاهر الأخبار …
وقال شيخنا أيضًا في «الفتاوى المصرية» (2): لا بأس بطلب الدعاء بعضهم من بعض، لكن أهل الفضل ينوون بذلك أن الذي يطلبون منه الدعاء إذا دعا لهم كان له من الأجر على دعائه لهم أعظم من أجره لو دعا لنفسه وحدها (3).
ثم ذكر قوله عليه السلام: «ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا وكّل الله ملكًا، كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل»، وقوله عليه السلام لعلي – رضي الله عنه -: «يا علي، عُمَّ، فإن فضل العموم على الخصوص، كفضل السماء على الأرض»، وقوله لعمر – رضي الله عنه -: «لا تنسنا يا أخي من دعائك».
قال: وما زال المسلمون يسألونه الدعاء لهم) [الفروع 2/ 602 ــ 603 (4/ 319 ــ 320)] (4).
_________
(1) (كذا) ليست في ط 2، وهي مثبت من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 120).
(2) لم أقف عليه.
(3) قال الشيخ ابن سعدي في «القول السديد» (47): (من كمال توكل العبد وقوة يقينه أن لا يسأل أحدا من الخلق لا رقية ولا غيرها، بل ينبغي إذا سأل أحدا أن يدعو له أن يلحظ مصلحة الداعي والإحسان إليه بتسببه لهذه العبودية له مع مصلحة نفسه، وهذا من أسرار تحقيق التوحيد ومعانيه البديعة، التي لا يوفق للتفقه فيها والعمل بها إلا الكمّل من العباد) ا. هـ.
(4) «الاختيارات» للبعلي (157)، وانظر: «الفتاوى» (1/ 78 – 79، 190 – 193، 328 – 329)، «تلخيص الاستغاثة» (1/ 219).
(1/287)
416 – محاسبة عمال الزكاة:
– قال ابن مفلح: (ولا يلزمه (1) رفع (2) حساب ما تولّاه إذا طلب منه، جزم به ابن تميم، وقال صاحب «الرعاية»: يحتمل ضدّه، واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 610 (4/ 329)] (3).
417 – قضاء دين الميت من الزكاة:
– قال ابن مفلح: (ولا يقضي منها دين ميت غرمه لمصلحة نفسه أو غيره، حكاه أبو عبيد وابن عبد البر «ع» لعدم أهليته لقبولها، كما لو كفنه منها «ع»، وحكى ابن المنذر عن أبي ثور: يجوز، وعن مالك ــ أو بعض أصحابه ــ مثله، وأطلق صاحب «البيان» الشافعي وجهين، واختاره شيخنا، وذكره إحدى الروايتين عن أحمد، لأن الغارم لا يشترط تمليكه، لأن الله تعالى قال: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] ولم يقل: للغارمين) [الفروع 2/ 619 – 620 (4/ 342)] (4).
418 – إبراء الغريم من الدين بنية الزكاة:
– قال ابن مفلح: (وإن أبرأ ربُّ الدين غريمه من دينه بنية الزكاة لم يجزئه، نص عليه، سواءً كان المخرج عنه عينًا، أو دينًا «و: م ش» خلافًا للحسن وعطاء، ويتوجه لنا احتمال وتخريج كقولهما، بناءً على أنه: هل هو
_________
(1) أي: عامل الزكاة.
(2) في «الاختيارات» للبعلي: (دفع).
(3) «الاختيارات» للبعلي (157).
(4) «الفتاوى» (25/ 80)، وانظر: (25/ 89).
(1/288)
تمليك، أم لا؟ وقيل: تجزئه من زكاة دينه، حكاه شيخنا، واختاره أيضًا، لأن الزكاة مواساة (1)) [الفروع 2/ 620 (4/ 342)] (2).
419 – إعطاء الزكاة لعمودي النسب إذا لم تجب عليه نفقتهما:
– قال ابن مفلح: (ولا يجوز دفعها إلى الوالدين وإن علوا، والولد وإن سفل، في حال تجب نفقتهما «ع»، وكذا إن لم تجب، حتى ولد البنت، نص عليه «و: هـ م»، لاتصال منافع الملك بينهما عادة، فيكون صارفا لنفسه، ولهذا لم تقبل شهادة أحدهما للآخر، وكقرابة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإن منعوا الخمس، احتج بهذا جماعة، منهم القاضي.
وقيل: يجوز، اختاره القاضي في «المجرد» (3)، وشيخنا) [الفروع 2/ 629] (4).
420 – إعطاء أحد عمودي نسبه لغرم نفسه أو كتابة أو كان ابن سبيل:
– قال ابن مفلح: (ولا يعطي عمودي نسبه لغرم لنفسه، أو كتابة، نص عليه؛ وقيل: يجوز «و: ش» واختاره شيخنا، وذكر صاحب «المحرر»: ابن
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (وإذا كانت مواساة، فمن العدل أن يخرج عن الدَّينِ دينٌ، ولا يكلف غيره) ا. هـ.
(2) «الفتاوى» (25/ 84)، «الاختيارات» للبعلي (155).
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هذا القول عائد إلى قوله: «وكذا إن لم تجب، حتى ولد البنت» ذكره في «منتهى الغاية»، وذكر عن القاضي أنه اختار الأول في «خلافه»، فلهذا قيّد المصنف هنا اختياره في «المجرد») ا. هـ.
(4) «الفتاوى» (25/ 90)، «الاختيارات» للبعلي (154).
(1/289)
سبيل كذلك، واختاره شيخنا) [الفروع 2/ 629 (4/ 354)] (1).
421 – أخذ بني هاشم للزكاة إذا منعوا الخُمُس:
– قال ابن مفلح: (ومال شيخنا إلى أنهم: إن منعوا الخمس أخذوا الزكاة) [الفروع 2/ 639 (4/ 367)] (2).
422 – أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – من أهل بيته المحرّم عليهم الصدقة:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: في تحريم الصدقة عليهن، وكونهن من أهل بيته روايتان، أصحهما: التحريم، وكونهن من أهل بيته. كذا قال) [الفروع 2/ 641] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (154)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 90).
(2) «جامع المسائل» (3/ 78)، «الاختيارات» للبعلي (154).
(3) «الفتاوى» (22/ 460 – 461)، و «منهاج السنة النبوية» (7/ 76)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (84).
(1/290)
باب صدقة التطوع
423 – صلة الرحم بالقرض:
– قال ابن مفلح: (ونص أحمد في فقير لقريبه وليمة: يستقرض ويهدي له. ذكره أبو الحسين في «الطبقات»، قال شيخنا: فيه صلة الرحم بالقرض، ويتوجّه أن مراده أنّه يظنُّ وفاء) [الفروع 2/ 651 (4/ 382)].
424 – معنى حبوط الطاعة بالمعصية:
– قال ابن مفلح: (ويحرم المنّ بالصدقة وغيرها، وهو كبيرة، على نص أحمد: الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة. ويبطل الثواب بذلك، للآية، ولأصحابنا خلاف فيه، وفي بطلان طاعة بمعصية. واختار شيخنا: الإحباط بمعنى الموازنة، وذكره أنه قول أكثر السلف) [الفروع 2/ 651 ــ 652 (4/ 382)].
425 – حج التطوع أفضل من الصدقة:
– قال ابن مفلح: (وهل حج التطوع أفضل من صدقة التطوع؟ سأل حرب لأحمد: يحج نفلًا، أم يصل قرابته؟ قال: إن كانوا محتاجين يصلهم أحب إلي. قيل: فإن لم يكونوا قرابة؟ قال: الحج. وذكر أبو بكر بعد هذه الرواية رواية أخرى عن أحمد، أنه سئل عن هذه المسألة، فقال: من الناس من يقول: لا أعدل بالمشاهد شيئًا. وترجم أبو بكر: فضل صلة القرابة بعد فرض الحج. ونقل ابن هانئ في هذه المسألة: وإن قرابته فقراء؟ فقال أحمد: يضعها في أكباد جائعة أحب إلي. فظاهره العموم. وذكر شيخنا: أن
(1/291)
الحج أفضل، وأنه مذهب أحمد) [الفروع 2/ 654 (4/ 386)] (1).
426 – إذا اختلط ماله الحلال بالحرام:
– قال ابن مفلح: (ذكر الأصحاب في الدراهم (2) أن الورع ترك الجميع، وقال شيخنا: لا يتبين لي أن ذلك من الورع) [الفروع 2/ 665 (4/ 397)] (3).
– وقال أيضا: (ذكر الخلال عن أبي طالب أنه نقل عن أحمد في الزيت: أعجب إليَّ أن يتصدقَ به، هذا غير الدراهم. وذكر الأصحابُ في النقد أنَّ الورعَ تركُ الجميع، وذكر الشيخ تقي الدين أنه لم يتبين له أنَّ ذلك من الورع) [الآداب الشرعية: 1/ 473 ــ 474] (4).
427 – معنى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا وغيره: إلا ممن اتقى الله في عمله، ففعله كما أمر خالصًا. وأنه قول السلف والأئمة، وعند الخوارج والمعتزلة: إلا ممن اتقى الكبائر، وعند المرجئة: إلا ممن اتقى الشرك، والله سبحانه أعلم) [الفروع 2/ 666 ــ 667 (4/ 398 ــ 399)] (5).
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 10 – 11)، «مختصر الفتاوى المصرية» (293)، «الاختيارات» للبعلي (172).
(2) أي: إذا خالطت دراهمُ حرام دارهمَ حلال.
(3) انظر: «الفتاوى» (29/ 260 – 263).
(4) انظر: «جامع المسائل» (1/ 45 – 46)، ويأتي برقم (743).
(5) «منهاج السنة النبوية» (6/ 216 – 217)، «الفتاوى» (7/ 447، 494 – 497).
(1/292)
كتاب الصيام
428 – إذا حال دون مطلع هلال رمضان غيم أو قتر:
– قال ابن مفلح: (وإن حال دون مطلعه غيم أو قتر أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان= وجب صومه بنية رمضان، اختاره الأصحاب، وذكروه ظاهر المذهب، وأن نصوص أحمد عليه، كذا قالوا، ولم أجد عن أحمد أنه صرح بالوجوب، ولا أمر به، فلا تتوجه إضافته إليه، ولهذا قال شيخنا: لا أصل للوجوب في كلام أحمد، ولا في كلام أحد من الصحابة – رضي الله عنهم – …
وعنه: لا يجب صومه (1) قبل رؤية هلاله، أو إكمال شعبان. اختاره صاحب «التبصرة»، وشيخنا، وقال: هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه «و: هـ» وأوجب طلب الهلال ليلتئذ (2)) [الفروع 3/ 6 ــ 9 (4/ 406 ــ 410)] (3).
_________
(1) أي رمضان.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (ظاهره أن وجوب الطلب ليلتئذ اختيار شيخنا فقط، وأن غيره لا يوجبه، وجزم في «المغني» و «الزركشي» بالاستحباب) ا. هـ
(3) «مختصر الفتاوى المصرية» (283)، «الفتاوى» (25/ 99، 123 – 125)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (159).
وقال البرهان ابن القيم في «الاختيارات» (رقم: 89): (كان الشيخ ــ قدس الله روحه ــ آخرا يميل إلى أنه لا يستحب) ا. هـ.
(1/293)
429 – وجوب الصوم على من لم ير الهلال يكون مع اتفاق المطالع:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة بهذا، قال: فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا (1)) [الفروع 3/ 13 (4/ 414)] (2).
430 – من رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته:
– قال ابن مفلح: (ومن رأى هلال رمضان وحده وردّت شهادته لزمه الصوم «و» وحكمه «و» للعموم …
ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم، اختاره شيخنا، قال: ولا غيره) [الفروع 3/ 18 (4/ 421 ــ 422)] (3).
431 – من رأى هلال شوال وحده:
– قال ابن مفلح: (وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر، نقله الجماعة «و: هـ م» للخبر السابق (4)، وقاله عمر وعائشة، ولاحتمال خطئه وتهمته، فوجب الاحتياط، قال شيخنا: وكما لا يُعرِّف وحده، ولا يُضحِّي وحده، قال: والنزاع مبنيٌّ على أصل، وهو أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قول شيخنا لا يقيّد ببعد ولا قرب، بل إن اتفقت المطالع وجب الصوم، وإن اختلفت لم يجب، قال: وهو الأصح للشافعية، فعلى هذا: إذا رئي في بلد فما كان من البلاد مطالعه موافق لذلك المطلع وجب الصوم على أهله، وما كان مطالعه مخالفا لذلك المطلع لم يجب على أهله الصوم، قال: وهو قولٌ في مذهب أحمد) ا. هـ
(2) «الاختيارات» للبعلي (158).
(3) «الاختيارات» للبعلي (158)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 114 – 118).
(4) أي: حديث أبي هريرة: «صومكم يوم تصومون» الحديث.
(1/294)
السماء، وإن لم يشتهر ولم يظهر، أو أنه لا يسمى هلالا إلا بالظهور والاشتهار، كما يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد (1)) [الفروع 3/ 19 (4/ 422 ــ 425)] (2).
432 – إذا قامت البينة على دخول رمضان في النهار:
– قال ابن مفلح: (وإن قامت بينة بالرؤية في يوم منه أمسك «و» وقضى «و».
وذكر أبو الخطاب رواية: لا يلزم الإمساك، وقاله عطاء، وخرّج في «المغني» على قول عطاء من ظنّ أن الفجر لم يطلع وقد طلع ونحو ذلك، وقال شيخنا: يمسك ولا يقضي، وأنه لو لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب لم يقض) [الفروع 3/ 24 (4/ 432)] (3).
وانظر: ما يأتي برقم: (457).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قوله: «وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر .. » إلى قوله: «قال شيخنا: وكما لا يعرف وحده، ولا يضحي وحده .. » الخ، قال في «الفتاوى المصرية» في باب صلاة العيد: مسألة في أهل مدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة ولم يثبت عند حاكم المدينة، فهل لهم أن يصوموا اليوم الذي هو في الظاهر التاسع، وإن كان في الباطن العاشر؟ الجواب: … ) وساق الجواب بطوله، وهو في «الفتاوى» (25/ 202 – 208).
(2) انظر: «الفتاوى» (25/ 115 – 116، 204)، «الاختيارات» للبعلي (158، 163 – 164).
(3) انظر: «الفتاوى» (25/ 105 – 106، 109)، «الاختيارات» للبعلي (159).
(1/295)
باب نية الصوم وما يتعلق بها
433 – صوم رمضان بنية مطلقة:
– قال ابن مفلح: (واختار صاحب «المحرر»: يصحّ بنية مطلقة لتعذر صرفه إلى غير نية رمضان، فصرف إليه لئلا يبطل قصده وعمله، لا بنية مقيدة بنفل أو نذر أو غيره، لأنه ناوٍ تركه، فكيف يجعل كنية الفعل؟ وهذا اختيار الخرقي في «شرحه للمختصر»، واختاره شيخنا إن كان جاهلًا، وإن كان عالمًا فلا، قال: كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التبرع، ثم تبين أنه كان حقه، فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثانٍ، بل يقول له: الذي وصل إليك هو حقٌّ كان لك عندي) [الفروع 3/ 40 ــ 41 (4/ 454 ــ 455)] (1).
434 – الأكل والشرب بنية الصوم:
– قال ابن مفلح: (قال في «الروضة» ــ ومعناه لغيره ــ: الأكل والشرب بنية الصوم نية عندنا، وكذا قال شيخنا: هو حين يتعشّى، يتعشّى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي رمضان) [الفروع 3/ 42 (4/ 456)] (2).
_________
(1) «الفتاوى» (25/ 101 – 102)، «الاختيارات» للبعلي (158).
(2) «منهاج السنة النبوية» (5/ 399)، «الاختيارات» للبعلي (158).
(1/296)
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
435 – الكحل للصائم:
– قال ابن مفلح: (وإن اكتحل بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور إثمد مطيّب فعلم وصول شيء من ذلك إلى حلقه أفطر، نص عليه …. واختار شيخنا: لا يفطر) [الفروع 3/ 46 (5/ 5 ــ 6)] (1).
436 – مداواة الصائم الجائفة والمأمومة واستعمال الحقنة:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا يفطر بمداواة جائفة، ومأمومة، ونحو ذلك، ولا بحقنة) [الفروع 3/ 47 (5/ 7)] (2).
437 – الحجامة والفصد والشرط وإخراج الدم بالرعاف وغيره للصائم:
– قال ابن القيم: (والصواب: الفطر بالحجامة والفصاد والتشريط، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية) [تهذيب السنن 6/ 368].
– وقال ابن مفلح: (وإن حجم أو احتجم أفطر، نص عليه … ولم يذكر الخرقي «حجم» وذكر «احتجم» كذا قال، ولعل مراده ما اختاره شيخنا: أنه يفطر الحاجم إن مصّ القارورة، وإلا لا (3)، وظاهر كلام أحمد والأصحاب رحمهم الله: لا فطر إن لم يظهر دم، وهو متجه، واختاره شيخنا، وضعّف خلافه) [الفروع 3/ 47 ــ 48 (5/ 7)] (4).
_________
(1) «الفتاوى» (20/ 528؛ 25/ 233 – 234، 241 – 242)، «الاختيارات» للبعلي (160).
(2) «الفتاوى» (20/ 528؛ 25/ 233 – 234)، «الاختيارات» للبعلي (160).
(3) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 113): (فلا)، والمثبت من ط 2.
(4) «الفتاوى» (25/ 256 – 258)، «الاختيارات» للبعلي (160).
(1/297)
– وقال أيضا: (ولا يفطر بالفصد، جزم به القاضي وصاحب «المستوعب» و «المحرر» فيه وغيرهم، لأن القياس لا يقتضيه، وذكر في «التلخيص»: أن هذا أصحّ الوجهين، والثاني: يفطر، جزم به ابن هبيرة عن أحمد، وذكر شيخنا أنّه أصح في مذهب أحمد، فعلى هذا قال صاحب «الرعاية»: يحتمل التشريط وجهين. وقال: الأولى إفطار المفصود والمشروط دون الفاصد والشارط. وظاهر كلامهم: لا فطر بغير ذلك، واختيار شيخنا: أنه يفطر من أخرج دمه برعاف وغيره (1)؛ وقاله الأوزاعي في الرعاف) [الفروع 3/ 48 (5/ 8)] (2).
438 – الفطر بالحجامة على وفق القياس:
– قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (أما الفطر بالحجامة فإنما اعتقد من قال: إنه على خلاف القياس= ذلك، بناء على أن القياس: الفطر بما دخل، لا بما خرج، وليس كما ظنوه، بل الفطر بها محض القياس.
وهذا إنما يتبين بذكر قاعدة، وهي: أن الشارع الحكيم شرع الصوم على أكمل الوجوه وأقومها بالعدل، وأمر فيه بغاية الاعتدال، حتى نهى عن الوصال، وأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وجعل أعدل الصيام وأفضله صيام داود، فكان من تمام الاعتدال في الصوم أن لا يدخل الإنسان ما به قوامه كالطعام والشراب، ولا يخرج ما به قوامه كالقيء والاستمناء.
وفرّق بين ما يمكن الاحتراز منه من ذلك، وبين ما لا يمكن، فلم يفطر
_________
(1) عبر في «الاختيارات» بقوله: (ويفطر بإخراج الدم بالحجامة … وبإرعاف نفسه).
(2) «الاختيارات» للبعلي (160).
(1/298)
بالاحتلام، ولا بالقيء الذارع، كما لا يفطر بغبار الطحين، وما يسبق من الماء إلى الجوف عند الوضوء والغسل، وجعل الحيض منافيا للصوم دون الجنابة لطول زمانه، وكثرة خروج الدم، وعدم التمكن من التطهير قبل وقته، بخلاف الجنابة.
وفرق بين دم الحجامة ودم الجرح، فجعل الحجامة من جنس القيء والاستمناء والحيض، وخروج الدم من الجرح والرعاف من جنس الاستحاضة والاحتلام وذرع القيء.
فتناسبت الشريعة وتشابهت، تأصيلا وتفصيلا، وظهر أنها على وفق القياس الصحيح، والميزان العادل، ولله الحمد) [إعلام الموقعين 2/ 16 ــ 17] (1).
439 – الإمذاء بالمباشرة من الصائم:
– قال ابن مفلح: (وإن مَذَى بذلك (2) أفطر أيضًا، نصّ عليه «و: م»، واختار الآجري وأبو محمد الجوزي ــ وأظن ــ وشيخنا: لا يفطر، وهو أظهر (3)) [الفروع 3/ 50 (5/ 10)] (4).
_________
(1) «الفتاوى» (20/ 527 – 528) مع اختلاف يسير، وسبقت الإشارة إلى هذا النقل، انظر (ص 57 – 58).
(2) أي: بالمباشرة.
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: بالمذي بالتقبيل، قال في «الاختيارات»: ولا يفطر بمذي سببه قبلة أو لمس أو تكرار نظر، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وبعض أصحابنا) ا. هـ
(4) «الاختيارات» للبعلي (160).
(1/299)
440 – زيادة أجر الصائم ونقصانه:
– قال ابن مفلح: (ولا يفطر بالغيبة ونحوها، نقله الجماعة «و»، وقال أحمد أيضًا: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم. وذكره الشيخ «ع»، لأن فرض الصوم بظاهر القرآن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، وظاهره صحته إلا ما خصه دليل، ذكره صاحب «المحرر»، وقال عما (1) رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث أبي هريرة: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»: معناه: الزجر والتحذير، لم يأمر من اغتاب بترك صيامه. قال: والنهي عنه ليسلم من نقص الأجر، ومراده: أنه قد يكثر فيزيد على أجر الصوم، وقد يقل، وقد يتساويان. قال شيخنا: هذا مما لا نزاع فيه بين الأئمة) [الفروع 3/ 65 (5/ 27)] (2).
441 – ما يقوله من شُتم وهو صائم:
– قال ابن مفلح: (قال الأصحاب: ويسن لمن شُتم أن يقول: إني صائم، قال في «الرعاية»: يقوله مع نفسه. يعني: بزجر نفسه، ولا يطلع الناس عليه للرياء، واختاره صاحب «المحرر» إن كان في غير رمضان، وإلا جهر به، للأمن من الرياء، وفيه زجر من يشاتمه بتنبيهه على حرمة الوقت المانعة من ذلك. وذكر شيخنا لنا ثلاثة أوجه: هذين والثالث ــ وهو اختياره ـ: يجهر به مطلقًا؛ لأن القول المطلق باللسان، والله سبحانه أعلم) [الفروع 3/ 66 (5/ 29)] (3).
_________
(1) في ط 1: (عمار)، والمثبت من ط 2 والنسخة الخطية: (ص: 136).
(2) «الاختيارات» للبعلي (160 – 161)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (289).
(3) «منهاج السنة النبوية» (5/ 197)، «الاختيارات» للبعلي (161)، وفيه: (استحب له أن يجيب)، وفي بعض النسخ: (أن يجهر) كما هنا، وهي أقرب.
(1/300)
442 – ما يحصل به الفضل الوارد في تفطير الصائم:
– قال ابن مفلح: («ومن فطَّر صائمًا فله مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء» صحّحه الترمذي من حديث زيد بن خالد، وظاهر كلامهم: من أيِّ شيء كان، كما هو ظاهر الخبر، وكذا رواه ابن خزيمة من حديث سلمان الفارسي، وذكر فيه ثوابًا عظيمًا إن أشبعه. وقال شيخنا: مراده بتفطيره أن يشبعه) [الفروع 3/ 73 (5/ 37)] (1).
443 – من أكل في نهار رمضان ناسيا:
444 – ومن أكل يظنه ليلا فبان نهارا:
– قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وأما من أكل في صومه ناسيًا، فمن قال: عدم فطره ومضيه في صومه على خلاف القياس= ظن أنه من باب ترك المأمور ناسيًا، والقياس أنه يلزمه الإتيان بما تركه، كما لو حدث (2) ونسي حتى صلى.
والذين قالوا: بل هو على وفق القياس= حجتهم أقوى، لأن قاعدة الشريعة: أن من فعل محظورًا ناسيًا فلا إثم عليه، كما دل عليه قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء، وقال: «قد فعلت»، وإذا ثبت أنه غير آثم، فلم يفعل في صومه محرمًا، فلم يبطل صومه، وهذا محض القياس، فإن
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (161).
(2) كذا، ولعلها: (أحدث).
(1/301)
العبادة إنما تبطل بفعل محظور، أو ترك مأمور.
وطرد هذا القياس أنّ من تكلّم في صلاته ناسيًا لم تبطل صلاته، وطرده أيضًا أنّ من جامع في إحرامه أو صيامه ناسيًا لم يبطل صيامه ولا إحرامه، وكذلك من تطيّب أو لبس، أو غطى رأسه، أو حلق رأسه، أو قلم ظفره ناسيًا= فلا فدية عليه، بخلاف قتل الصيد، فإنه من باب ضمان المتلفات، فهو كدية القتيل، وأما اللباس والطيب: فمن باب الترفه، وكذلك الحلق والتقليم ليس من باب الإتلاف، فإنه لا قيمة له في الشرع، ولا في العرف.
وطرد هذا القياس أنّ من فعل المحلوف عليه ناسيًا لم يحنث ــ سواء حلف بالله، أو بالطلاق، أو بالعتاق، أو غير ذلك ــ، لأن القاعدة: أن من فعل المنهي عنه ناسيًا لم يعد عاصيا، والحنث في الأيمان كالمعصية في الإيمان (1)، فلا يعد حانثا من فعل المحلوف عليه ناسيًا.
وطرد هذا أيضًا أنّ من باشر النجاسة في الصلاة ناسيًا لم تبطل صلاته، بخلاف من ترك شيئًا من فروض الصلاة ناسيًا، أو ترك الغسل من الجنابة، أو الوضوء أو الزكاة أو شيئا من فروض الحج ناسيًا= فإنه يلزمه الإتيان به، لأنه لم يؤد ما أمر به، فهو في وقت عهدة الأمر.
وسِرُّ الفرق: أن من فعل المحظور ناسيًا يجعل وجوده كعدمه، ونسيان ترك المأمور لا يكون عذرًا في سقوطه، كما كان فعل المحظور ناسيًا عذرا في سقوط الإثم عن فاعله.
_________
(1) في «الفتاوى»: (كالمعصية في الأمر والنهي).
(1/302)
فإن قيل: فهذا الفرق حجة عليكم، لأن ترك المفطرات في الصوم من باب المأمورات، ولهذا تشترط فيه النية، ولو كان فعل المفطرات من باب المحظور لم يحتج إلى نية كفعل سائر المحظورات.
قيل: لا ريب أن النية في الصوم شرط، ولولاها لما كان عبادة، ولا أثيب عليه، لأن الثواب لا يكون إلا بالنية، فكانت النية شرطا في كون هذا الترك عبادة، ولا يختص ذلك بالصوم، بل كل ترك لا يكون عبادة، ولا يثاب عليه إلا بالنية، ومع ذلك فلو فعله ناسيًا لم يأثم به، فإذا نوى تركها لله، ثم فعلها ناسيًا لم يقدح نسيانه في أجره، بل يثاب على قصد تركها لله، ولا يأثم بفعلها ناسيًا، وكذلك الصوم.
وأيضا فإن فعل الناسي غير مضاف إليه، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : «من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» فأضاف فعله ناسيًا إلى الله، لكونه لم يرده، ولم يتعمده؛ وما يكون مضافا إلى الله لم يدخل تحت قدرة العبد، فلم يكلف به، فإنه إنما يكلف بفعله، لا بما يفعل فيه، ففعل الناسي كفعل النائم والمجنون والصغير، وكذلك لو احتلم الصائم في منامه، أو ذرعه القيء في اليقظة لم يفطر، ولو استدعى ذلك أفطر به، فلو كان ما يوجد بغير قصده كما يوجد بقصده لأفطر بهذا وهذا.
فإن قيل: فأنتم تفطرون المخطئ، كمن أكل يظنه ليلًا فبان نهارًا أفطر.
قيل: هذا فيه نزاع معروف بين السلف والخلف، والذين فرقوا بينهما قالوا: فعل المخطئ يمكن الاحتراز منه، بخلاف الناسي، ونقل عن بعض السلف: أنه يفطر في مسألة الغروب، دون مسألة الطلوع، كما لو استمر الشك.
(1/303)
قال شيخنا: وحجة من قال لا يفطر في الجميع أقوى، ودلالة الكتاب والسنة على قولهم أظهر، فإن الله سبحانه سوّى بين الخطأ والنسيان في عدم المؤاخذة، ولأن فعل محظورات الحج يستوي فيه المخطئ والناسي، ولأن كل واحد منهما غير قاصد للمخالفة.
وقد ثبت في «الصحيح» أنهم أفطروا على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، ثم طلعت الشمس، ولم يثبت في الحديث: أنهم أمروا بالقضاء، ولكن هشام بن عروة سئل عن ذلك، فقال: لا بد من قضاء. وأبوه عروة أعلم منه، وكان يقول: لا قضاء عليهم.
وثبت في «الصحيحين»: أن بعض الصحابة أكلوا حتى ظهر لهم الخيط الأسود من الأبيض، ولم يأمر أحدًا منهم بقضاء، وكانوا مخطئين.
وثبت عن عمر بن الخطاب أنه أفطر، ثم تبين النهار، فقال: لا نقضي، لأنا لم نتجانف لإثم. وروي عنه أنه قال: نقضي. وإسناد الأوّل أثبت، وصحّ عنه أنه قال: الخطب يسير. فتأول ذلك من تأوله على أنه أراد خفة أمر القضاء، واللفظ لا يدل على ذلك.
قال شيخنا: وبالجملة، فهذا القول أقوى أثرًا ونظرًا، وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس.
قلت له: فالنبي – صلى الله عليه وسلم – مرَّ على رجل يحتجم، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» ولم يكونا عالمين بأن الحجامة تفطر، ولم يبلغهما قبل ذلك قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» ولعل الحكم إنما شرع ذلك اليوم؟
فأجابني بما مضمونه: أن الحديث اقتضى أن ذلك الفعل مفطر، وهذا
(1/304)
كما لو رأى إنسانًا يأكل أو يشرب، فقال: أفطر الآكل والشارب، فهذا فيه بيان السبب المقتضي للفطر، ولا تعرض فيه للمانع، وقد علم أن النسيان مانع من الفطر بدليل خارج، فكذلك الخطأ والجهل، والله أعلم) [إعلام الموقعين 2/ 50 ــ 53] (1).
– وقال ابن مفلح: (وصوم المطمور (2) ليلًا بالتحرِّي، بل أولى، لأن إمكان التحرز من الخطأ هنا أظهر، والنسيان: لا يمكنه التحرز منه، وكذا سهو المصلي بالسلام عن نقص، ولا علامة ظاهرة، ولا أمارة سوى علم المصلي، وهنا علاماتٌ، ويمكن الاحتياط والتحفُّظ، وتأتي رواية: لا قضاء على من جامع جاهلًا بالوقت، واختاره شيخنا، وقال: هو قياس أصول أحمد وغيره. وسبق قوله فيمن أفطر فبان رمضان) [الفروع 3/ 74 (5/ 39)] (3).
وانظر: ما سبق برقم (432).
445 – من أتى بشيء من المفطرات جاهلا:
– قال ابن القيم: ( … وهذا يدل على أن الجاهل أعذر من الناسي، وأولى بعدم الحنث، وصرح به أصحاب الشافعي في الأيمان، ولكن تناقضوا كلهم في جعل الناسي في الصوم أولى بالعذر من الجاهل، ففطروا الجاهل دون الناسي، وسوّى شيخنا بينهما، وقال: الجاهل أولى بعدم الفطر
_________
(1) «الفتاوى» (20/ 569 – 573) مع اختلاف يسير، ودون الجواب عن السؤال الأخير الذي سأله إياه ابن القيم، وقد سبقت الإشارة إلى هذا النقل (ص 57 – 58).
(2) أي: المحبوس في المطمورة، وهي الحبس الذي يكون تحت الأرض. ينظر: «المصباح المنير» (2/ 378).
(3) «الفتاوى» (25/ 264)، «الاختيارات» للبعلي (161).
(1/305)
من الناسي، فسلم من التناقض) [إعلام الموقعين 4/ 87] (1).
446 – من جامع في نهار رمضان ناسيا:
– قال ابن مفلح: (ومن جامع في صوم رمضان بلا عذر لزمه القضاء والكفارة «و» …. والناسي كالعامد، نقله الجماعة، واختاره الأصحاب «و: م» والظاهرية؛ وعنه: لا يكفّر، اختاره ابن بطة «و: م ر»؛ وعنه: لا يقضي، اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي وشيخنا) [الفروع 3/ 75 (5/ 40 ــ 41)] (2).
447 – من جامع يعتقده ليلا فبان نهارا:
– قال ابن مفلح: (وكذا من جامع يعتقده ليلًا، فبان نهارًا يقضي، جزم به الأكثر، وجعله جماعة أصلًا للكفارة، وفي «الرعاية» رواية: لا يقضي، واختاره شيخنا) [الفروع 3/ 76 (5/ 41)] (3).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (20/ 572؛ 25/ 228).
(2) «الفتاوى» (25/ 226)، «الاختيارات» للبعلي (161).
(3) «الفتاوى» (25/ 264)، «الاختيارات» للبعلي (161).
(1/306)
باب أهل الأعذار
448 – الفطر للتقوي على الجهاد:
– قال ابن القيم: (وأجاز شيخنا ابن تيمية الفطر للتقوي على الجهاد وفعَله وأفتى به لما نازل العدو دمشق في رمضان، فأنكر عليه بعض المتفقهين، وقال: ليس هذا سفرًا طويلًا. فقال الشيخ: هذا فطر للتقوِّي على جهاد العدو، وهو أولى من الفطر للسفر يومين سفرًا مباحًا أو معصية، والمسلمون إذا قاتلوا عدوهم وهم صيام لم يمكنهم النكاية فيهم، وربما أضعفهم الصوم على القتال، فاستباح العدو بيضة الإسلام، وهل يشك فقيه أنّ الفطر ههنا أولى من فطر المسافر، وقد أمرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – في غزوة الفتح بالإفطار ليتقووا على عدوهم، فعلل ذلك للقوة على العدو، لا للسفر، والله أعلم) [بدائع الفوائد 4/ 37].
– وقال أيضًا: (وكان يأمرهم (1) بالفطر إذا دنوا من عدوهم، ليتقووا على قتاله.
فلو اتفق مثل هذا في الحضر، وكان في الفطر قوة لهم على لقاء عدوهم، فهل لهم الفطر؟ فيه قولان، أصحهما دليلًا أن لهم ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدوّ بظاهر دمشق) [زاد المعاد 2/ 53].
– وقال ابن كثير: (وأفتى (2) الناس بالفطر مدة قتالهم، وأفطر هو أيضًا،
_________
(1) أي النبي – صلى الله عليه وسلم -.
(2) أي: شيخ الإسلام ابن تيمية.
(1/307)
وكان يدور على الأجناد والأمراء، فيأكل من شيء معه في يده؛ ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل، فيأكل الناس، وكان يتأول في الشاميين قوله – صلى الله عليه وسلم – : «إنكم ملاقوا العدو غدًا، والفطر أقوى لكم»، فعزم عليهم في الفطر عام الفتح، كما في حديث أبي سعيد الخدري) [البداية والنهاية 14/ 30] (1).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (159).
(1/308)
باب حكم قضاء الصوم وغيره
449 – التبرع بالصوم عمن لا يطيقه أو عن ميت:
– قال ابن مفلح: (وقد قال شيخنا: إن تبرع بصومه عمّن لا يطيقه لكبر ونحوه، أو عن ميت، وهما معسران= يتوجّه جوازه، لأنه أقرب إلى المماثلة من المال) [الفروع 3/ 96 (5/ 70)].
– وقال أيضا: (وجزم الشيخ في مسألة من نذر صومًا فعجز عنه، أن صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت، بخلاف رمضان، ولم أجد في كلامه خلافه، ولا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام، واختار شيخنا: أن الصوم عنه بدل مجزئ بلا كفارة) [الفروع 3/ 100 (5/ 75)] (1).
450 – من ترك الصوم أو الصلاة متعمدا بلا عذر:
– قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: لا يقضي متعمِّدٌ بلا عذر «خ» صومًا ولا صلاة، قال: ولا يصح منه، وأنه ليس في الأدلة ما يخالف هذا، بل يوافقه. وضَعَّف أمره عليه السلام المجامع بالقضاء، لعدول البخاري ومسلم عنه) [الفروع 3/ 97 (5/ 71)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (162).
(2) انظر: «الفتاوى» (25/ 225 – 226)
(1/309)
باب صوم التطوع وذكر ليلة القدر
451 – معنى أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر:
– قال ابن مفلح: (ويستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر «و»، وأيام البيض أفضل «و: ش»، نصّ على ذلك، للأخبار الصحيحة في ذلك، وأنه «صوم الدهر»، وفي بعضها: «كصوم الدهر»، قال شيخنا وغيره: مراده أن من فعل هذا حصل له أجر صيام الدهر، بتضعيف الأجر، من غير حصول المفسدة (1). والله أعلم) [الفروع 3/ 106 (5/ 83)] (2).
452 – صوم الست من شوال:
453 – وعدم مشروعية اعتقاد الثامن منه عيدا:
– قال ابن مفلح: (وتحصل فضيلتها (3) متتابعة ومتفرقة، ذكره جماعة، وهو ظاهر كلام أحمد، وقال: في أول الشهر وآخره.
واستحب بعضهم تتابعها، وهو ظاهر كلام الخرقي وغيره، وبعضهم: عقب العيد، واستحبهما ابن المبارك والشافعي وإسحاق، وهذا أظهر، ولعله مراد أحمد والأصحاب، لما فيه من المسارعة إلى الخير، وإن حصلت الفضيلة بغيره، وسمى بعض الناس الثامن: عيد الأبرار.
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: المفسدة الحاصلة بصيام الدهر، وهي الضعف، والتشبيه بالتبتل) ا. هـ.
(2) «الفتاوى» (22/ 303)، «الاختيارات» للبعلي (163).
(3) أي صيام ستة أيام من شوال.
(1/310)
واختار شيخنا الأول لظاهر الخبر، وذكره قول الجمهور، وقال: ولا يجوز اعتقاد ثامن شوال عيدًا، فإنه ليس بعيد إجماعًا، ولا شعائره شعائر العيد، والله أعلم) [الفروع 3/ 108 (5/ 85 ــ 86)] (1).
454 – حكمة مشروعية فطر يوم عرفة بعرفة:
– قال ابن القيم: (وقد اختلف في حكمة استحباب فطر يوم عرفة بعرفة:
فقالت طائفة: ليتقوى على الدعاء، وهذا هو قول الخرقي وغيره.
وقال غيرهم ــ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ: الحكمة فيه، أنه عيد لأهل عرفة، فلا يستحب صومه لهم.
قال: والدليل عليه الحديث الذي في «السنن» عنه أنه قال: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام».
قال شيخنا: وإنما يكون يوم عرفة عيدًا في حق أهل عرفة، لاجتماعهم فيه، بخلاف أهل الأمصار، فإنهم إنما يجتمعون يوم النحر، فكان هو العيد في حقهم) [زاد المعاد 2/ 61 ــ 62].
– وقال أيضا: (وقد ذكر لفطره بعرفة عدة حكم:
منها: أنه أقوى على الدعاء.
ومنها: أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم، فكيف بنفله.
_________
(1) انظر: «شرح العمدة» (4/ 559 – 560 ــ الصيام)، «الفتاوى» (25/ 298)، «مختصر الفتاوى المصرية» (290)، «الاختيارات» للبعلي (165).
(1/311)
ومنها: أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة، وقد نهى عن إفراده بالصوم، فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيدا لنهيه عن تخصيصه بالصوم، وإن كان صومه لكونه يوم عرفة، لا يوم جمعة.
وكان شيخنا – رحمه الله – يسلك مسلكا آخر، وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة، لاجتماعهم فيه، كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة، دون أهل الآفاق.
قال: وقد أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل «السنن»: «يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى، عيدنا أهل الإسلام». ومعلوم أن كونه عيدًا هو لأهل ذلك الجمع، لاجتماعهم فيه، والله أعلم) [زاد المعاد 2/ 78 ــ 79] (1).
455 – صوم المحرم والأشهر الحرم:
– قال ابن القيم: (وسئل – صلى الله عليه وسلم -: أي الصوم أفضل؟ فقال: «شعبان لتعظيم رمضان»، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «صدقة رمضان» ذكره الترمذي، والذي في «الصحيح» أنه سئل: أي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: «شهر الله الذي تدعونه المحرم». قيل: فأي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل».
قال شيخنا: ويحتمل أنه يريد بشهر الله المحرم أول العام، وأن يريد به الأشهر الحرم، والله أعلم) [إعلام الموقعين 4/ 293] (2).
_________
(1) انظر: «شرح العمدة» (4/ 568 ــ الصيام).
(2) انظر: «شرح العمدة» (4/ 548 ــ الصيام).
(1/312)
456 – إفراد العاشر من محرم بالصوم:
– قال ابن مفلح: (ولا يكره إفراد العاشر بالصوم، وقد أمر أحمد بصومهما، ووافق شيخنا المذهب أنه لا يكره، وقال: مقتضى كلام أحمد يكره، وهو قول ابن عباس «و: هـ») [الفروع 3/ 112 (5/ 91)] (1).
457 – حكم صوم عاشوراء:
– قال ابن القيم: (فإن قيل: فكيف يكون فرضًا، ولم يحصل تبييت النية من الليل، وقد قال: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل»؟
فالجواب: …. (2)
وطريقة ثالثة، وهي: أن الواجب تابع للعلم، ووجوب عاشوراء إنما علم من النهار، وحينئذ فلم يكن التبييت ممكنا، فالنية وجبت وقت تجدد الوجوب والعلم به، وإلا كان تكليفًا بما لا يطاق، وهو ممتنع.
قالوا: وعلى هذا، إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار أجزأ صومه بنية مقارنة للعلم بالوجوب، وأصله صوم يوم عاشوراء، وهذه طريقة شيخنا) [زاد المعاد 2/ 73 ــ 74].
– وقال ابن مفلح: (ولم يجب صوم عاشوراء، اختاره الأكثر، منهم القاضي، قال صاحب «المحرر»: هو الأصح من قول أصحابنا «و: ش»، وعن أحمد: وجب، ثم نسخ، اختاره شيخنا) [الفروع 3/ 112 ــ 113 (5/ 91 ــ 92)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (164)، وانظر: «شرح العمدة» (4/ 584 ــ الصيام).
(2) ذكر ابن القيم طريقتين لأهل العلم في الجواب عن الحديث، ثم ذكر الطريقة الثالثة.
(3) «الفتاوى» (25/ 295 – 296، 311).
(1/313)
458 – الأعمال الأخرى التي تعمل في عاشوراء:
– قال ابن مفلح: (سأل ابن منصور أحمد: هل سمعت في الحديث: أن من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر السنة؟ فقال: نعم، رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ــ وكان من أفضل أهل زمانه ــ أنَّه بلغه أن من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته …
وكره شيخنا ذلك (1) وغيره سوى صومه، قال: وقول إبراهيم بن محمد بن المنتشر: «أنه بلغه» لم يذكر عمن بلغه، وبعض الجهال والنواصب ونحوهم وضع في ذلك قبالة الرافضة (2).
قال: ولم يستحب أحد من الأئمة فيه غسلًا، ولا كحلًا وخضابًا، ونحو ذلك، والخبر بذلك كذب اتفاقًا، وغلط من صحّح إسناده) [الفروع 3/ 114] (3).
459 – حكم صوم الدهر ما عدا أيام النهي:
– قال ابن مفلح: (نقل حنبل: إذا أفطر أيام النهي فليس ذلك صوم الدهر. ونقل صالح: إذا أفطرها رجوت أن لا بأس به. وهذا اختيار القاضي
_________
(1) أي التوسعة على العيال.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لأن الرافضة يضعون في بعض الأيام، فوضع بعض الجهال ذلك في مقابلتهم، وقبالة فلان ــ بالضم ــ: أي تجاهه، وهو اسم، ويكون ظرفا) ا. هـ والمراد بقوله: «يضعون» أي يضعون الأحاديث على النبي – صلى الله عليه وسلم -.
(3) انظر: «الفتاوى» (25/ 312 – 313)، و «منهاج السنة النبوية» (8/ 151)، «اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 626 – 627)، «جامع المسائل» (3/ 94، 376 – 377؛ 5/ 151 – 152).
(1/314)
وأصحابه وصاحب «المحرر» والأكثر «و: م ش» …
واختار صاحب «المغني»: يكره، وهو ظاهر رواية الأثرم، وللحنفية قولان.
وقال شيخنا: الصواب قول من جعله تركا للأولى، أو كرهه.
فعلى الأول (1) صوم يوم، وفطر يوم أفضل منه، خلافًا لطائفة من الفقهاء والعباد. ذكره شيخنا) [الفروع 3/ 115 (5/ 94 ــ 95)] (2).
460 – ليلة النصف من شعبان:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: وليلة النصف لها فضلية في المنقول عن أحمد) [الفروع 3/ 118 (5/ 98)] (3).
461 – من نذر صوم رجب كل سنة:
462 – ومن صامه معتقدا أنه أفضل من غيره من الشهور:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من نذر صومه كل سنة، أفطر بعضه وقضاه، وفي الكفارة الخلاف.
قال: ومن صامه معتقدًا أنه أفضل من غيره من الأشهر أثم وعزر. وحمل عليه فعل عمر.
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (الأول: القول بعدم الكراهة خلاف ما اختاره في «المغني») ا. هـ.
(2) «الفتاوى» (22/ 301 – 302)، «الاختيارات» للبعلي (164).
(3) انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 136 – 137)، «مختصر الفتاوى المصرية» (291)، «الاختيارات» للبعلي (99).
(1/315)
وقال أيضًا: في تحريم إفراده وجهان. ولعله أخذه من كراهة أحمد) [الفروع 3/ 118 ــ 119 (5/ 99)] (1).
463 – من نذر صوم رجب وشعبان:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: في مذهب أحمد وغيره نزاع، قيل: يستحب، وقيل: يكره، فيفطر ناذرهما بعض رجب) [الفروع 3/ 119 (5/ 99)].
وانظر: المسألة السابقة.
464 – إفراد يوم السبت بالصوم:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: أنه لا يكره، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ، وهذه (2) طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه كالأثرم وأبي داود، وأن أكثر أصحابنا فهم من كلام أحمد الأخذ بالحديث) [الفروع 3/ 124 (5/ 105)] (3).
465 – تخصيص أعياد المشركين ويوم الجمعة بالصوم:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا – رضي الله عنه -: لا يجوز تخصيص صوم أعيادهم، ولا صوم يوم الجمعة، ولا قيام ليلتها. ويأتي كلامه في الوليمة)
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (164)، وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (291).
(2) في ط 1 والنسخة الخطية (ص: 145): (وأن هذه)، والمثبت من ط 2.
(3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 71 – 76) باختصار، «الاختيارات» للبعلي (164).
(1/316)
[الفروع 3/ 125 (5/ 106)] (1).
وانظر ما يأتي برقم (1049).
466 – صيام يوم النيروز والمهرجان:
– قال ابن القيم: (قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية ــ قدّس الله روحه ــ: وقد يقال: يكره الصوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من الأيام التي لا تعرف بحساب العرب، بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد، لأنه إذا قصد صوم مثل هذه الأيام العجمية أو الجاهلية كان ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام وإحياء أمرها وإظهار حالها، بخلاف السبت والأحد، فإنهما من حساب المسلمين، فليس في صومهما مفسدة، فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي، مع كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي، توفيقًا بين الآثار، والله أعلم) [تهذيب السنن 4/ 52] (2).
467 – الثواب على العبادة التي أداها على وجه محرم أو مكروه:
– قال ابن مفلح: (سبق في الصلاة في المغصوب: هل يثاب على العبادة على وجه محرم أو مكروه؟ كلام شيخنا في صلاة التطوع) [الفروع 3/ 136 (5/ 120)].
وانظر ما تقدم برقم (263).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (164 – 165).
(2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 81).
(1/317)
468 – الثواب على الجزء الصحيح من العبادة الباطلة:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا في «رده على الرافضي»: جاءت السنة بثوابه على ما فعله وعقابه على ما تركه، ولو كان باطلًا كعدمه ولا ثواب فيه لم يجبر بالنوافل شيء، والباطل في عرف الفقهاء: ضد الصحيح في عرفهم، وهو: ما أبرأ الذمة، فقولهم: بطلت صلاته وصومه وحجه لمن ترك ركنًا، بمعنى: وجب القضاء، لا بمعنى أنه لا يثاب عليها بشيء في الآخرة … إلى أن قال (1): فنفي الشارع الإيمان عمن ترك واجبًا منه، أو فعل محرمًا فيه، كنفي غيره، كقوله: «لا صلاة إلا بأم القرآن»، وقوله للمسيء: «فإنك لم تصل» و: «لا صلاة لفذ» (2).
وقال شيخنا أيضًا في قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] البطلان هو بطلان الثواب، ولا نسلم بطلان جميعه، بل قد يثاب على ما فعله، فلا يكون مبطلًا لعمله، والله أعلم (3)) [الفروع 3/ 138 – 139 (5/ 121 – 122)] (4).
469 – تفضيل ليلة القدر على ليلة الإسراء:
– قال ابن القيم: (فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: عن رجل قال: ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، وقال آخر: بل ليلة القدر أفضل، فأيهما المصيب؟
_________
(1) أي: ابن تيمية.
(2) «منهاج السنة النبوية» (5/ 206 – 208) باختصار.
(3) انظر: «الفتاوى» (10/ 639 – 640).
(4) «الاختيارات» للبعلي (165).
(1/318)
فأجاب: الحمد لله، أما القائل: بأن ليلة الإسراء أفضل من ليلة القدر، فإن أراد به: أن تكون الليلة التي أسري فيها بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ، ونظائرها من كل عام أفضل لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – من ليلة القدر، بحيث يكون قيامها والدعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر= فهذا باطل، لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطّراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها، فكيف ولم يقم دليل معلوم، لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها؟ ! بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به.
ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر، فإنه قد ثبت في «الصحيحين» عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»، وفي «الصحيحين» عنه أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقد أخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنه أنزل فيها القرآن.
وإن أراد أن الليلة المعينة التي أسري فيها بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ، وحصل له فيها ما لم يحصل له في غيرها من غير أن يشرع تخصيصها بقيام، ولا عبادة= فهذا صحيح، وليس إذا أعطى الله نبيه فضيلة في مكان أو زمان، يجب أن يكون ذلك الزمان والمكان أفضل من جميع الأمكنة والأزمنة؛ هذا إذا قدر أنه قام دليل على أن إنعام الله تعالى على نبيه ليلة الإسراء كان أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر، وغير ذلك من النعم التي أنعم عليه بها.
والكلام في مثل هذا يحتاج إلى علم بحقائق الأمور، ومقادير النعم، التي لا تعرف إلا بوحي، ولا يجوز لأحد أن يتكلم فيها بلا علم، ولا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، لا سيما على
(1/319)
ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور، ولا يذكرونها، ولهذا لا يعرف أي ليلة كانت، وإن كان الإسراء من أعظم فضائلة – صلى الله عليه وسلم -، ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان، ولا ذلك المكان بعبادة شرعية، بل غار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة، لم يقصده هو، ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خصّ اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خصّ المكان الذي ابتدئ فيه بالوحي، ولا الزمان بشيء.
ومن خصّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله= كان من جنس أهل الكتاب، الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات، كيوم الميلاد، ويوم التعميد، وغير ذلك من أحواله، وقد رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – جماعة يتبادرون مكانًا يصلون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة فليصل، وإلا فليمض.
وقد قال بعض الناس: إن ليلة الإسراء في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – أفضل من ليلة القدر، وليلة القدر بالنسبة إلى الأمة أفضل من ليلة الإسراء، فهذه الليلة في حق الأمة أفضل لهم، وليلة الإسراء في حق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أفضل له) [زاد المعاد 1/ 57 ــ 59].
– وقال أيضا: (ومنها أنه سئل (1) عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أيهما أفضل؟
_________
(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية، والإشارة إلى مسائل التفضيل التي أجاب عنها.
(1/320)
فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي – صلى الله عليه وسلم -، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي اختص به ليلة المعراج منها أكمل من حظه من ليلة القدر، وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج، وإن كان لهم فيها أعظم حظ، لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري به – صلى الله عليه وسلم -) [بدائع الفوائد 3/ 162 ط: الكتاب العربي] (1).
470 – الاعتبار بالماضي أو الباقي في الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الوتر يكون باعتبار الماضي (2)، فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى، وليلة ثلاث، إلى آخره، ويكون باعتبار الباقي، لقوله عليه السلام (3): «لتاسعة تبقى» الحديث، فإذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، فليلة الثانية تاسعة تبقى، وليلة أربع سابعة تبقى، كما فسره أبو سعيد الخدري، وإن كان تسعًا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي) [الفروع 3/ 143 (5/ 126 ــ 127)] (4).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (166)، وانظر: «الفتاوى» (25/ 286).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (إذا كان الشهر ثلاثين، فالثانية من العشر شفع بالنسبة إلى الماضي، لأنها ثانية، وهي وتر بالنسبة إلى الباقي، لأنها تاسعة، وقس على ذلك، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين فما كان شفعا بالنسبة إلى الماضي، فهو شفع بالنسبة إلى الباقي، وما كان وترا بالنسبة إلى الماضي فهو وتر بالنسبة إلى الباقي، فالرابعة: شفع بالنسبة إلى الماضي لأنها رابعة، وشفع بالنسبة إلى الباقي، لأنها سادسة، والثالثة: وتر الماضي، وهي وتر الباقي، لأنها سابعة) ا. هـ
(3) في «الفتاوى»: (كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -).
(4) «الفتاوى» (25/ 284 – 285)، «الاختيارات» للبعلي (166).
(1/321)
471 – أفضل أيام الأسبوع، وأفضل أيام السنة:
– قال ابن القيم: (ومنها أنه سئل (1) عن يوم الجمعة ويوم النحر، فقال: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام) [زاد المعاد 1/ 57 ــ 59].
– وقال ابن مفلح: (ذكر أبو بكر بن العربي المالكي في «العارضة» ــ وذكر غيره ــ: أن يوم الجمعة أفضل الأيام، وقال شيخنا: هو أفضل أيام الأسبوع إجماعًا.
وقال: يوم النحر أفضل أيام العام، وكذا ذكره جده صاحب «المحرر» في صلاة العيد من شرحه «منتهى الغاية»: أن يوم النحر أفضل، وظاهر ما ذكره أبو حكيم: أن يوم عرفة أفضل، وهذا أظهر، وقاله أكثر الشافعية، وبعضهم: يوم الجمعة.
وظهر مما سبق: أن هذه الأيام أفضل من غيرها، ويتوجه على اختيار شيخنا: بعد يوم النحر يوم القَرِّ (2)، الذي يليه، لأنه احتج بقوله عليه السلام: «أعظم الأيام عند الله: يوم النحر، ثم يوم القرّ») [الفروع 3/ 145 (5/ 129)] (3).
_________
(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية، والإشارة إلى مسائل التفضيل التي أجاب عنها.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (بفتح القاف وتشديد الراء المهملة، هو أول أيام التشريق، وهو الحادي عشر، سمي بذلك لأن أهل منى يستقرّون فيه، ولا يجوز النفر فيه) ا. هـ.
(3) «الفتاوى» (25/ 288 – 289)، «الاختيارات» للبعلي (166).
(1/322)
472 – أفضل عشر، وأفضل الشهور:
473 – وحكم من فضل رجب على رمضان:
– قال ابن القيم: (وقد اختلف في أيام العشر من ذي الحجة، والعشر الأخير من رمضان: أيهما أفضل؟
قال شيخنا: وفصل الخطاب أن ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، فإن فيها ليلة القدر، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجتهد في تلك الليالي ما لا يجتهد في غيرها من الليالي، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الآخر من رمضان، لحديث ابن عباس، وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر»، وما جاء في يوم عرفة) [تهذيب السنن 6/ 315].
– وقال أيضا: (ومنها أنه سئل (1) عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟ فقال: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة) [بدائع الفوائد 3/ 162 ــ ط: دار الكتاب العربي].
– وقال ابن مفلح: (وعشر ذي الحجة أفضل، على ظاهر ما في «العمدة» وغيرها، وسبق كلام شيخنا في صلاة التطوع، وقال أيضًا: قد يقال ذلك، وقد يقال: ليالي عشر رمضان الأخير، وأيام ذلك أفضل. قال: والأوّل أظهر، لوجوه (2) … وذكرها (3).
_________
(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية، والإشارة إلى مسائل التفضيل التي أجاب عنها.
(2) في ط 2: (لوجوده)، والتصويب من ط 1 والنسخة الخطية (ص: 148).
(3) أي ابن تيمية.
(1/323)
ورمضان أفضل، ذكره جماعة، وذكره ابن شهاب: فيمن زال عذره، وذكروا: أن الصدقة فيه أفضل، وعللوا ذلك، قال شيخنا: ويكفر من فَضَّلَ رجبًا عليه) [الفروع 3/ 145 (5/ 130)] (1).
وانظر ما تقدم برقم (229).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (25/ 287).
(1/324)
باب الاعتكاف
474 – إذا نذر الاعتكاف أو الصلاة ــ بلا شد رحل ــ في مسجد له مزية شرعية غير المساجد الثلاثة:
– قال ابن مفلح: (أما ما لم يحتج إلى شد رحل، فمفهوم كلامه في «المغني» يلزم فيه، وهو ظاهر «الانتصار» فإنه قال: القياس لزومه، تركناه لقوله: «لا تشد الرحال … ». وذكره صاحب «المحرر» أن القاضي ذكر تعيينه لها، قال صاحب «المحرر»: لأنه أفضل، قال: ونذر الاعتكاف مثله. وأطلق شيخنا وجهين في تعيين ما امتاز بمزية شرعية ــ كقدم، وكثرة جمع ــ (1)، واختار في موضع آخر: يتعين (2)) [الفروع 3/ 165 (5/ 153)] (3).
475 – إذا نذر عبادة في مسجد لا يصل إليه إلا بشد رحل:
– قال ابن مفلح: (وإن أراد الذهاب إلى ما عيّنه، فإن احتاج إلى شدِّ رحل خيّر عند القاضي وغيره، وجزم بعضهم بإباحته، واختاره الشيخ في القصير، واحتج بخبر قباء، وحمل النهي على أنه لا فضيلة فيه، وقاله أكثر الشافعية، وحكاه في «شرح مسلم» عن جمهور العلماء، ولم يجوّزه ابن عقيل، وشيخنا «و: م»، وبعض أصحابنا) [الفروع 3/ 167 (5/ 155)] (4).
_________
(1) «شرح العمدة» (2/ 769 ــ الصيام).
(2) انظر: «الفتاوى» (31/ 50 – 51).
(3) «الاختيارات» للبعلي (168).
(4) «الفتاوى» (27/ 21، 247 – 250)، «الاختيارات» للبعلي (168).
(1/325)
476 – قصد زيارة المشاهد:
– قال ابن مفلح: (وحكى شيخنا وجهًا: يجب السفر المنذور إلى المشاهد، ومراده ــ والله أعلم ــ اختيار صاحب «الرعاية».
وقال شيخنا أيضًا: ما شرع جنسه، والبدعة اتخاذه عادة كأنه واجب، كصلاة وقراءة ودعاء وذكرٍ ــ جماعةً وفرادى ــ وقصد بعض المشاهد ونحوه= يفرّق بين الكثير الظاهر منه والقليل الخفي، والمعتاد وغيره.
قال: ويترتب على استحبابه وكراهته حكم نذره وشرطه في وقف ووصية ونحوه، والله أعلم) [الفروع 3/ 168 (5/ 156)] (1).
477 – اشتراط الصوم للاعتكاف:
– قال ابن القيم: (فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف: أن الصوم شرط الاعتكاف، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية) [زاد المعاد 2/ 88].
478 – قراءة القرآن عند ورود الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه:
– قال ابن مفلح: (وذكر شيخنا: إن قرأ عند الحكم الذي أنزل له، أو ما يناسبه، ونحوه: فحسن؛ كقوله لمن دعاه لذنب تاب منه: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16]، وقوله عند ما أهمّه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]) [الفروع 3/ 194 (5/ 189)] (2).
_________
(1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 145).
(2) «الاختيارات» للبعلي (168). …
تنبيه: وقع في مطبوعات «الاختيارات» للبعلي: (ولا يجوز شد الرحل للذهاب إلى المشاهد والقبور والمساجد غير المساجد الثلاثة، وهو قول مالك وبعض أصحابه.
وقال ابن عقيل من أصحابنا: وإن قرأ القرآن عند الحكم الذي أنزل … )، والذي يبدو لي أن صواب العبارة: (وهو قول مالك وبعض أصحابه، وقاله ابن عقيل من أصحابنا. وإن قرأ القرآن .. ) فتكون جملة: «وإن قرأ … » مستأنفة، وهذا هو الموافق لما حكاه ابن مفلح في الفروع (انظر المسألة: 475)، والله أعلم.
(1/326)
479 – نية الاعتكاف عند قصد المسجد للصلاة أو غيرها:
– قال ابن مفلح: (ينبغي لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها= أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه، لا سيما إن كان صائمًا، ذكره ابن الجوزي في «المنهاج»، ومعناه في «الغنية»، وفاقًا للشافعية، ولم يره شيخنا، والله أعلم) [الفروع 3/ 202 (5/ 196)] (1).
وانظر: ما سبق (323).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (169).
(1/327)
كتاب المناسك
480 – حكم العمرة:
– قال ابن مفلح: (وعنه: العمرة سنة، وفاقا لأبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعية، واختاره شيخنا …
وعنه رواية ثالثة: تجب إلا على المكي، نقلها عبد الله والأثرم والميموني وبكر بن محمد، اختاره الشيخ. وقال شيخنا: عليه نصوصه، وتأولها القاضي على أنه نفى عنهم دم التمتع، كذا قال) [الفروع 3/ 204 ــ 206 (5/ 203 ــ 205)] (1).
481 – طاعة الوالدين في أداء الحج:
– قال ابن مفلح: (وقال أحمد في الفرض: إن لم تأذن لك أمك، وكان عندك زاد وراحلة فحج، ولا تلتفت إلى إذنها، واخضع لها، ودارها. ويلزمه طاعة والديه في غير معصية، ويحرم فيها. ولو أمره بتأخير الصلاة ليصلي به أخرها. نص على ذلك كله، قال في «المستوعب» وغيره: ولو كانا فاسقين. وهو إطلاق كلام أحمد، وقال شيخنا: هذا فيما فيه نفع لهما ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا، وإنما لم يقيده أبو عبد الله (2)
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 5 – 9، 44 – 45، 197، 256 – 258)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (170).
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (5/ 296): (يعني: الإمام أحمد، لم يقيّده بقوله: «ولا ضرر عليه» لأنه معروف أن فرائض الله تسقط بالضرر، ولهذا قيّد في تملكه من ماله، وله أن يتملك من ماله ما لا يضرّ به، فشرط نفي الضرر، فقيد نفي الضرر مرادٌ وإن لم يُذكر) ا. هـ
(1/329)
لسقوط فرائض الله بالضرر، وعلى هذا بنينا تملكه من ماله (1)، فنفعه كماله، فليس الولد بأكثر من العبد (2). هذا كلامه …
ويأتي أول الطلاق إن شاء الله تعالى كلام أحمد: فيمن يأمره أحد أبويه بالطلاق، وكلام شيخنا في أمره بنكاح معينة» [الفروع 3/ 224 ــ 226 (5/ 229 ــ 230) وذكر نحوه في موضع آخر: 3/ 272 (5/ 296)] (3).
وانظر ما يأتي برقم (1070).
482 – حكم التوكل على الله:
– قال ابن مفلح: (والتوكل على الله واجب، قال شيخنا: باتفاق أئمة الدين) [الفروع 3/ 227 (5/ 232)] (4).
483 – سلوك الطريق غير الآمنة إلى الحج:
– قال ابن مفلح: (وقال ابن الجوزي: العاقل إذا أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها. واختاره شيخنا، وقال: أعان على نفسه، فلا يكون شهيدًا) [الفروع
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (لأنهم اشترطوا في تملك الأب مال الابن عدم ضرر الابن) ا. هـ.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (والعبد ليس لسيده أن يفعل به ما يضره) ا. هـ
(3) «الاختيارات» للبعلي (170).
(4) «الفتاوى» (10/ 6).
(1/330)
3/ 231 ــ 232 (5/ 239)] (1).
484 – حكم الخفارة:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المُخَفَّر، ولا تجوز مع عدمها، كما يأخذه السلطان من الرعايا) [الفروع 3/ 232 (5/ 239)] (2).
485 – إذا حج على دابة مغصوبة:
– قال ابن مفلح: (ونقل ابن القاسم: لا أجر لمن غزا على فرس غصب، وقاله شيخنا وغيره في حج) [الفروع 1/ 336 (2/ 48)].
486 – حكم سفر المرأة للحج وللطاعة بلا محرم:
– قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: تحجُّ كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، وقال: إن هذا متوجِّه في كل سفر طاعة. كذا قال) [الفروع 3/ 236 ــ 237 (5/ 245)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (171)، وانظر: «الفتاوى» (24/ 293).
(2) «الاختيارات» للبعلي (171).
(3) «الاختيارات» للبعلي (171 – 172)، وقال أيضا: (وصحح أبو العباس في «الفتاوى المصرية» أن المرأة لا تسافر للحج إلا مع زوج أو ذي محرم)، وفي «الفتاوى» (26/ 13): (وسئل هل يجوز أن تحج المرأة بلا محرم؟ فأجاب: إن كانت من القواعد اللاتي لم يحضن وقد يئست من النكاح، ولا محرم لها، فإنه يجوز في أحد قولي العلماء أن تحج مع من تأمنه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب مالك والشافعي) ا. هـ. ونحوه في «مختصر الفتاوى المصرية» (317).
(1/331)
487 – سفر إماء المرأة معها بلا محرم:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: إماء المرأة يسافرن معها ولا يفتقرن إلى محرم، لأنه لا محرم لهن في العادة الغالبة، فأما عتقاؤها من الإماء … وبيّض لذلك (1)، ويتوجه احتمال أنهن كالإماء على ما قال، إن لم يكن لهن محرم، واحتمال عكسه، لانقطاع التبعية وملك أنفسهن بالعتق، فلا حاجة، بخلاف الإماء، وظاهر كلامهم اعتبار المحرم للكلِّ، وعدمه كعدم المحرم للحرة) [الفروع 3/ 237 ــ 238 (5/ 246)] (2).
488 – ثبوت المحرمية بوطء الشبهة بخلاف الزنا:
– قال ابن مفلح: (ولا محرمية بوطء شبهة أو زنا، فليس بمحرم لأم الموطوءة وابنتها، لأن السبب غير مباح، قال الشيخ وغيره: كالتحريم باللعان وأولى، لأن المحرمية تعمه (3)، فاعتُبر إباحة سببها كسائر الرخص.
وعنه: بلى، واختاره في «الفصول» في وطء الشبهة، لا الزنا، واختاره شيخنا، وذكره قول أكثر العلماء، لثبوت جميع الأحكام، فيدخل في الآية، بخلاف الزنا.
والمراد ــ والله أعلم ــ بالشبهة ما جزم به جماعة: الوطء الحرام مع
_________
(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(2) «الاختيارات» للبعلي (172).
(3) كذا في ط 1 وط 2 والنسخة الخطية (ص: 161)، ولعل الصواب: (نعمة) كما في «المبدع» (3/ 41)، و «مطالب أولي النهى» (2/ 293)، و «حاشية الروض المربع» (3/ 526).
(1/332)
الشبهة، كالجارية المشتركة ونحوها، لكن ذكر في «الانتصار» في مسألة تحريم المصاهرة ــ وذكره شيخنا ــ: أن الوطء في نكاح فاسد كالوطء بشبهة) [الفروع 3/ 238 ــ 239 (5/ 247)] (1).
489 – أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا وغيره: وأزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية «و») [الفروع 3/ 239 (5/ 247)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (172).
(2) «منهاج السنة النبوية» (4/ 369)، «الاختيارات» للبعلي (172).
(1/333)
باب المواقيت
490 – وقت حجة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -:
– قال ابن مفلح: (وحجة أبي بكر لما بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت في ذي الحجة عند أحمد، واحتج بقول أبي هريرة: بعثني أبو بكر أنادي يوم الحج الأكبر، قال أحمد: فهل هذا إلا في ذي الحجة. رواه البيهقي في «مناقب أحمد»، والأشهر في ذي القعدة، وذكره شيخنا اتفاقًا) [الفروع 3/ 289 (5/ 320)] (1).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (7/ 598)، «شرح العمدة» (5/ 223 ــ كتاب المناسك).
(1/334)
باب الإحرام
491 – انعقاد الإحرام يكون بالنية مع التلبية أو سوق الهدي:
– قال ابن مفلح: (وهو نية النسك، لا ينعقد إلا بنية، وللشافعي قول ضعيف ينعقد بالتلبية، ونية النسك كافية، نصّ عليه «و: م ش»، وفي «الانتصار» رواية: مع تلبية، أو سوق هدي «و: هـ»، اختارها شيخنا) [الفروع 3/ 291 (5/ 323)] (1).
492 – الصلاة للإحرام:
– قال ابن مفلح: (يحرم عقب مكتوبة أو نفل، نصّ عليه …
واختار شيخنا: عقب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه) [الفروع 3/ 293 (5/ 326)] (2).
493 – الاشتراط للمحرم:
– قال ابن مفلح: (واستحبّ شيخنا الاشتراط للخائف خاصة، جمعًا بين الأدلة) [الفروع 3/ 297 (5/ 329)] (3).
494 – أفضل أنواع النسك:
– قال ابن القيم: (ولكن نقل عنه [المَرُّوذِي] (4): أنه إذا ساق الهدي،
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (173)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 22، 108).
(2) «الفتاوى» (26/ 108 – 109)، «الاختيارات» للبعلي (173).
(3) «الفتاوى» (26/ 106 – 107)، «الاختيارات» للبعلي (173).
(4) في الأصل: (المروزي)، والصواب ما أثبت، كما سيأتي في النقل عن «الفروع»، والله أعلم.
(1/335)
فالقران أفضل، فمن الصحابة (1) من جعل هذا رواية ثانية، ومنهم من جعل المسألة رواية واحدة، وأنه إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسق فالتمتع أفضل، وهذه طريقة شيخنا) [زاد المعاد 2/ 141].
– وقال ابن مفلح: (ونقل المَرُّوذِي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل، ثم التمتع. لأنّ في «الصحيحين» عن عائشة مرفوعًا: «من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا»، اختاره شيخنا.
قال: وإن اعتمر وحج في سفرتين، أو اعتمر قبل أشهر الحج، فالإفراد أفضل، باتفاق الأئمة الأربعة.
ونصّ عليه أحمد في الصورة الأولى، وذكره في «الخلاف» وغيره، وهي أفضل من الثانية، نصّ عليه، وسبقت الثانية آخر الباب قبله (2).
وقال شيخنا: ومن أفرد العمرة بسفرة، ثم قدم في أشهر الحج فإنّه متمتع، لأنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم – اعتمروا عمرة القضيّة، ثم تمتعوا) [الفروع 3/ 300 (5/ 334)] (3).
_________
(1) كذا بالأصل، ولعل الصواب: (أصحابه) أي: أصحاب الإمام أحمد، والله أعلم.
(2) يشير إلى ما ذكره (5/ 321) عن ابن إبراهيم أنه نقل عن أحمد قوله في العمرة: هي في رمضان أفضل، وفي غير أشهر الحج أفضل، ثم قال ابن مفلح: (وكذا نقله الأثرم، قال: لأنها أتم، لأنه ينشيء لها سفرا) ا. هـ.
(3) «الفتاوى» (26/ 79، 85، 101، 276)، «الاختيارات» للبعلي (173).
(1/336)
495 – حكم التمتع:
496 – وفسخ الحج إلى العمرة:
– قال ابن القيم: (وأما قول عثمان – رضي الله عنه – في متعة الحج: إنها كانت لهم ليست لغيرهم، فحكمه حكم قول أبي ذر سواء، على أن المروي عن أبي ذر وعثمان يحتمل ثلاثة أمور:
أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرّم الفسخ.
الثاني: اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي كان يراه شيخنا ــ قدس الله روحه ــ، يقول: إنهم كانوا قد فرض عليهم الفسخ لأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لهم به، وحتمه عليهم، وغضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة.
لكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وجعل الوجوب للأمة إلى يوم القيامة، وأن فرضا على كل مفرد وقارن لم يسق الهدي أن يحلّ ولا بد، بل قد حلّ وإن لم يشأ، وأنا إلى قوله أميل مني إلى قول شيخنا) [زاد المعاد 2/ 193].
– وقال أيضا ــ في أثناء جوابه عن حجج من فضل الإفراد والقران على التمتع ــ: (وأما ما في حديث أبي الأسود عن عروة من فعل أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار وابن عمر (1)، فقد أجابه ابن عباس فأحسن
_________
(1) يشير إلى ما رواه مسلم في «صحيحه» (1235) من حديث محمد بن نوفل أن رجلا من أهل العراق قال له: سل لي عروة بن الزبير عن رجل أهل بالحج، فإذا طاف بالبيت، أيحل أم لا … فذكر الحديث، وفيه: وقد حج رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم حج أبو بكر، ثم كان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان، فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر … الحديث.
(1/337)
جوابه … (1).
ثم أجاب أبو محمد بن حزم عروةَ عن قوله هذا بجواب نذكره، ونذكر جوابا أحسن منه لشيخنا … (2).
وأما الجواب الذي ذكره شيخنا، فهو: أن عمر – رضي الله عنه – لم ينه عن المتعة البتة، وإنما قال: إن أتم لحجكم وعمرتكم أن تفصلوا بينهما، فاختار عمر لهما أفضل الأمور، وهو إفراد كل واحد منهما بسفر ينشئه له من بلده، وهذا أفضل من القران والتمتع الخاص بدون سفرة أخرى؛ وقد نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة ومالك والشافعي ــ رحمهم الله تعالى ــ وغيرهم، وهذا هو الإفراد الذي فعله أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما -، وكان عمر يختاره للناس، وكذلك علي – رضي الله عنهما -) [زاد المعاد 2/ 209] (3).
– وقال أيضا: (وقد سلك المانعون من الفسخ طريقتين:
الطريقة الثانية: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج …
_________
(1) وساق جواب ابن عباس.
(2) وذكر جواب ابن حزم.
(3) انظر: «الفتاوى» (26/ 85).
(1/338)
وهاتان الطريقتان باطلتان … وأما الطريقة الثانية: فأظهر بطلانا من وجوه عديدة: … (1)
الحادي عشر: أن فسخ الحج إلى العمرة موافق لقياس الأصول، لا مخالف له، ولو لم يرد به النص لكان القياس يقتضي جوازه، فجاء النص به على وفق القياس. قاله شيخ الإسلام، وقرره بأن المحرم إذا التزم أكثر مما كان لزمه جاز باتفاق الأئمة، فلو أحرم بالعمرة، ثم أدخل عليها الحج= جاز بلا نزاع، وإذا أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة= لم يجز عند الجمهور، وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي في ظاهر مذهبه، وأبو حنيفة يجوز ذلك بناء على أصله في أن القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين.
قال: وهذا قياس الرواية المحكية عن أحمد في القارن: أنه يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وإذا كان كذلك فالمحرم بالحج لم يلتزم إلا الحج، فإذا صار متمتعًا صار ملتزما لعمرة وحج، فكان ما التزمه بالفسخ أكثر مما كان عليه، فجاز ذلك، ولما كان أفضل كان مستحبًا.
وإنما أشكل هذا على من ظن أنه فسخ حجا إلى عمرة، ليس كذلك فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة لم يجز بلا نزاع، وإنما الفسخ جائز لمن كان من نيته أن يحج بعد العمرة، والمتمتع من حين يحرم بالعمرة فهو داخل في الحج، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»، ولهذا يجوز له أن يصوم الأيام الثلاثة من حين يحرم بالعمرة، فدل على أنه في تلك الحال في الحج، وأما إحرامه بالحج بعد ذلك فكما يبدأ الجنب بالوضوء ثم يغتسل بعده، وكذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يفعل إذا اغتسل من
_________
(1) وساق ابن القيم هذه الوجوه.
(1/339)
الجنابة، وقال للنسوة في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»، فغسل مواضع الوضوء بعض الغسل) [زاد المعاد 2/ 211 ــ 218] (1).
497 – نوع النسك الذي حج به النبي – صلى الله عليه وسلم -:
– قال ابن القيم: (ورأيت لشيخ الإسلام فصلًا حسنًا في اتفاق أحاديثهم (2)، نسوقه بلفظه:
قال: والصواب: أن الأحاديث في هذا الباب متفقة، ليست بمختلفة، إلا اختلافا يسيرًا، يقع مثله في غير ذلك، فإن الصحابة ثبت عنهم أنه تمتع، والتمتع عندهم يتناول القران، والذين رُوي عنهم أنه أفرد رُوي عنهم أنه تمتع.
أما الأول: ففي «الصحيحين» عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي – رضي الله عنه -: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى – رضي الله عنه – ذلك أهل بهما جميعا.
فهذا يبين أن من جمع بينهما كان متمتعا عندهم، وأن هذا هو الذي فعله النبي – صلى الله عليه وسلم -، ووافقه عثمان على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك، لكن كان النزاع بينهما: هل ذلك الأفضل في حقنا أم لا؟ وهل شرع فسخ الحج إلى العمرة في حقنا، كما تنازع فيه الفقهاء؟ فقد اتفق علي وعثمان على أنه تمتع،
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 57 – 58).
(2) أي أحاديث الصحابة الذين نقلوا نوع النسك الذي حج به النبي – صلى الله عليه وسلم -.
(1/340)
والمراد بالتمتع عندهم: القران.
وفي «الصحيحين» عن مطرف قال: قال عمران بن حصين: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جمع بين حج وعمرة، ثم إنه لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرّمه. وفي رواية عنه: تمتّع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وتمتّعنا معه.
فهذا عمران ــ وهو من أجل السابقين الأولين ــ أخبر أنه تمتع، وأنه جمع بين الحج والعمرة، والقارن عند الصحابة متمتع، ولهذا أوجبوا عليه الهدي، ودخل في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196].
وذكر (1) حديث عمر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : «أتاني آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة».
قال: فهؤلاء الخلفاء الراشدون ــ عمر، وعثمان، وعلي ــ وعمران بن حصين، روي عنهم بأصح الأسانيد: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قرن بين العمرة والحج، وكانوا يسمون ذلك تمتعا، وهذا أنس يذكر: أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يلبي بالحج والعمرة جميعًا.
وما ذكره بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر: أنه لبّى بالحج وحده، فجوابه: أن الثقات الذين هم أثبت في ابن عمر من بكر ــ مثل سالم ابنه ونافع ــ رووا عنه أنه قال: تمتع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالعمرة إلى الحج. وهؤلاء أثبت في ابن عمر من بكر، فتغليط بكر عن ابن عمر أولى من تغليط سالم ونافع عنه، وأولى من تغليطه هو على النبي – صلى الله عليه وسلم – .
_________
(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(1/341)
ويشبه أن ابن عمر قال له: أفرد الحج. فظن أنه قال: لبّى بالحج. فإن إفراد الحج كانوا يطلقونه ويريدون به: إفراد أعمال الحج، وذلك رد منهم على من قال: إنه قرن قرانا طاف فيه طوافين، وسعى فيه سعيين، وعلى من يقول: إنه حل من إحرامه، فرواية من روى من الصحابة أنه أفرد الحج= تردُّ على هؤلاء.
يبين هذا ما رواه مسلم في «صحيحه» عن نافع عن ابن عمر قال: أهللنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالحج مفردا. وفي رواية: أهل بالحج مفردا. فهذه الرواية، إذا قيل: إن مقصودها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أهل بحج مفردًا، قيل: فقد ثبت بإسناد أصح من ذلك عن ابن عمر: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تمتع بالعمرة إلى الحج، وأنه بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج. وهذا من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر.
وما عارض هذا عن ابن عمر: إما أن يكون غلطا عليه، وإما أن يكون مقصوده موافقا له، وإما أن يكون ابن عمر لما علم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يحل= ظن أنه أفرد، كما وهم في قوله: إنه اعتمر في رجب، وكان ذلك نسيانا منه، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لما لم يحل من إحرامه، وكان هذا حال المفرد ظن أنه أفرد.
ثم ساق (1) حديث الزهري عن سالم عن أبيه تمتع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – … الحديث، وقول الزهري: وحدثني عروة عن عائشة بمثل حديث سالم عن أبيه، قال (2): فهذا من أصح حديث على وجه الأرض، وهو من حديث الزهري ــ أعلم أهل زمانه بالسنة ــ عن سالم عن أبيه، وهو من أصح حديث
_________
(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(2) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(1/342)
ابن عمر وعائشة.
وقد ثبت عن عائشة – رضي الله عنها – في «الصحيحين» أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتمر أربع عمر، الرابعة مع حجته، ولم يعتمر بعد الحج باتفاق العلماء، فيتعين أن يكون متمتعا تمتع قران، أو التمتع الخاص.
وقد صح عن ابن عمر أنه قرن بين الحج والعمرة، وقال: هكذا فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . رواه البخاري في «الصحيح».
قال (1): وأما الذين نقل عنهم إفراد الحج، فهم ثلاثة: عائشة، وابن عمر، وجابر، والثلاثة نقل عنهم التمتع، وحديث عائشة وابن عمر: أنه تمتع بالعمرة إلى الحج= أصح من حديثيهما، وما صح في ذلك عنهما فمعناه: إفراد أعمال الحج، أو أن يكون وقع منه غلط كنظائره، فإن أحاديث التمتع متواترة، رواها أكابر الصحابة: كعمر، وعثمان، وعلي، وعمران بن حصين، ورواها أيضًا عائشة، وابن عمر، وجابر، بل رواها عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بضعة عشر من الصحابة) [زاد المعاد 2/ 117 ــ 120] (2).
– وقال أيضًا: (وحمل هؤلاء (3) رواية من روى: أن المتعة كانت له خاصة= على أن طائفة منهم خصوا بالتحليل من الإحرام مع سوق الهدي، دون من ساق الهدي من الصحابة، وأنكر ذلك عليهم آخرون ــ منهم شيخنا أبو العباس ــ وقالوا: من تأمل الأحاديث المستفيضة الصحيحة، تبين له: أن النبي
_________
(1) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(2) «الفتاوى» (26/ 66 – 75) مع بعض الاختلاف.
(3) أي من قال: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتمر في حجته عمرة حل منها.
(1/343)
– صلى الله عليه وسلم – لم يحل، لا هو، ولا أحد ممن ساق الهدي) [زاد المعاد 2/ 127] (1).
– وقال أيضا: (قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومما يبين أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يطف طوافين، ولا سعى سعيين:
قول عائشة – رضي الله عنها -: وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا واحدا. متفق عليه، وقول جابر: لم يطف النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، طوافه الأول. رواه مسلم، وقوله لعائشة: «يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك» رواه مسلم، وقوله لها في رواية أبي داود: «طوافك بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك جميعا»، وقوله لها ــ في الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة، وبين الصفا والمروة ــ: «قد حللت من حجك وعمرتك جميعًا».
قال (2): والصحابة الذين نقلوا حجة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، كلهم نقلوا أنهم لما طافوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، أمرهم بالتحليل، إلا من ساق الهدي، فإنه لا يحل إلا يوم النحر، ولم ينقل أحد منهم: أن أحدا منهم طاف وسعى، ثم طاف وسعى، ومن المعلوم: أن مثل هذا، مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقله أحد من الصحابة علم أنه لم يكن (3) … والذي تقدم هو بسط قول شيخنا وشرحه، والله أعلم) [زاد المعاد 2/ 148 ــ 150] (4).
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 61 – 62، 75).
(2) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(3) ذكر ابن القيم هنا مسألة: هل على المتمتع والقارن سعيان أم سعي واحد؟ وستأتي في باب صفة الحج والعمرة، برقم: (530).
(4) «الفتاوى» (26/ 75 – 77) باختصار.
(1/344)
– وقال ابن مفلح: (أمّا حجّة النبي – صلى الله عليه وسلم – فاختلف فيها بحسب المذاهب، حتى اختلف كلام القاضي وغيره: هل حلّ من عمرته؟ وفيه وجهان، والأظهر قول أحمد: لا شك أنه كان قارنًا، والمتعة أحبُّ إليَّ. قال شيخنا: وعليه متقدمو أصحابه، وهو باتفاق علماء الحديث. كذا قال) [الفروع 3/ 300 ــ 301 (5/ 335)] (1).
498 – ضبط كلمة (إن) في صيغة التلبية:
– قال ابن مفلح: (ويقول: «لبيك إن» بكسر الهمزة، عند أحمد، قال شيخنا: هو أفضل عند أصحابنا والجمهور، فإنه حُكي عن محمد بن الحسن والكسائي والفراء وغيرهم، وقاله الحنفية والشافعية، وحُكي الفتح عن أبي حنيفة وآخرين، قال ثعلب: من كسر فقد عمّ. يعني: حمد لله على كل حال، قال: ومن فتح فقد خصّ. أي: لأن الحمد لك، أي: لهذا السبب) [الفروع 3/ 340 (5/ 388)].
499 – التلبية عند الوقوف بالمشاعر:
– قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: لا يلبي بوقوفه بعرفة ومزدلفة، لعدم نقله. كذا قال (2)) [الفروع 3/ 344 (5/ 392)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (173 – 174)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 62 – 63، 164).
(2) وقال ابن مفلح بعد ذلك (5/ 395): (ولبّى النبي – صلى الله عليه وسلم – بمزدلفة. قاله ابن مسعود، رواه مسلم) ا. هـ.
(3) «الفتاوى» (26/ 136، 174).
(1/345)
باب محظورات الإحرام وكفاراتها
500 – ما يجزئ في إطعام الفدية:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: يجزئ خبز رطلان عراقية، وينبغي أن يكون بأدم، وأن مما يأكله أفضل من بر وشعير) [الفروع 3/ 350 (5/ 400)] (1).
501 – قطع الشعر للحجامة أو الغسل:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا ــ فيمن احتاج، وقطعه لحجامة أو غسل ــ: لم يضره. كذا قال) [الفروع: 3/ 356 (5/ 407)] (2).
502 – قتل القمل ونحوه:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إن قرصه ذلك قتله مجانا، وإلا فلا يقتله) [الفروع 3/ 357 (5/ 407)] (3).
503 – عدم قطع المحرم لخفيه إذا لم يجد نعلين:
– قال ابن مفلح: ( … وعن قولهم (4): فيه زيادة لفظ: بأن خبرنا فيه
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 113).
(2) «الفتاوى» (26/ 116)، «الاختيارات» للبعلي (174).
(3) «الفتاوى» (26/ 118)، «الاختيارات» للبعلي (174).
(4) يشير إلى قول من قال بقطع الخفين إذا لم يجد المحرم النعلين، وقولهم أن حديث ابن عمر: «وليقطعهما أسفل من الكعبين» فيه زيادة لفظ على حديث ابن عباس: «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين».
(1/346)
زيادة حكم جواز اللبس بلا قطع، يعني: وهذا الحكم لم يشرع بالمدينة. وقاله شيخنا، وهو أولى من دعوى [النسخ] (1)، كما قاله صاحب «المغني» و «المحرر») [الفروع 3/ 371 (5/ 425)] (2).
504 – لبس الخف للمحرم:
– قال ابن القيم: (والعجب أن من يوجب القطع= يوجب ما لا فائدة فيه، فإنهم لا يجوزون لبس المقطوع كالمداس والجمجم ونحوهما، بل عندهم المقطوع كالصحيح في عدم جواز لبسه، فأي معنى للقطع، والمقطوع عندكم كالصحيح؟!
وأما أبو حنيفة فيجوز لبس المقطوع، وليس عنده كالصحيح، وكذلك المداس والجمجم ونحوهما.
قال شيخنا: وأفتى به جدي أبو البركات في آخر عمره لما حج.
قال شيخنا: وهو الصحيح، لأن المقطوع: لبسه أصل، لا بدل.
قال شيخنا: فأبو حنيفة فهم من حديث ابن عمر: أن المقطوع لبسه أصل، لا بدل، فجوز لبسه مطلقًا، وهذا فهم صحيح، وقوله في هذا أصح من قول الثلاثة، والثلاثة فهموا منه الرخصة في لبس السراويل عند عدم الإزار، والخف عند عدم النعل، وهذا فهم صحيح، وقولهم في هذا أصح من قوله، وأحمد فهم من النص المتأخر لبس الخف صحيحًا بلا قطع عند عدم النعل، وأن ذلك ناسخ للأمر بالقطع، وهذا فهم صحيح، وقوله في ذلك أصح
_________
(1) في ط 1 وط 2: (الشيخ)، والتصويب من النسخة الخطية (ص: 179).
(2) «الفتاوى» (21/ 191، 195).
(1/347)
الأقوال) [تهذيب السنن 5/ 196 ــ 197] (1).
– وقال ابن مفلح: (وإن لبس مقطوعًا دونهما، مع وجود نعل: لم يجز، وفدى. نص عليه «و: هـ م» لأنه عليه السلام شرط لجواز لبسهما عدم النعلين؛ وأجازه لأنه يقارب النعلين، ولم يجزه لإسقاط الفدية، ولأنه محيط لعضو بقدره، كغيره.
وذكر القاضي في المسألة الأولى جوازه وابن عقيل في «مفرداته» وصاحب «المحرر» وشيخنا: لأنه ليس بخف) [الفروع 3/ 371 ــ 372 (5/ 425)] (2).
505 – عقد الرداء:
– قال ابن مفلح: (وقيل: له شد وسطه بحبل وعمامة ونحوهما، وعند شيخنا: ورداء لحاجة) [الفروع 3/ 374 (5/ 427 ــ 428)] (3).
506 – جماع المحرم الناسي أو الجاهل أو المكره:
– قال ابن مفلح: (والناسي والجاهل والمكره ونحوه كغيره، نقله الجماعة «و: هـ م» ….. وفي «الفصول» رواية: لا يفسد، اختاره شيخنا، وأنه لا شيء عليه) [الفروع 3/ 390 (5/ 447)] (4).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (21/ 196).
(2) «الفتاوى» (21/ 190)، «الاختيارات» للبعلي (174).
(3) «الفتاوى» (26/ 111)، «الاختيارات» للبعلي (174).
(4) «الفتاوى» (20/ 573؛ 21/ 478؛ 25/ 226 – 228).
(1/348)
507 – العمرة على المحرم إذا جامع بعد رمي الجمرة:
– قال ابن مفلح: (المذهب أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي جمرة العقبة، ويلزمه أن يحرم من الحلِّ ليجمع بين الحلِّ والحرم، ليطوف في إحرام صحيح، لأنه ركن الحج، كالوقوف، وإذا أحرم طاف للزيارة وسعى ــ ما لم يكن سعى ــ وتحلل، لأن الإحرام إنما وجب ليأتي بما بقي من الحج، هذا ظاهر كلام الخرقي، واختاره الشيخ وغيره، وقال: ويحتمل أن الإمام أحمد والأئمة (1) أرادوا هذا، وسموه عمرة، لأن هذه أفعالها، ويحتمل أن يريدوا عمرة حقيقية فيلزمه سعي وتقصير، واختار شيخنا كالشيخ، قال: سواء بعد، أو لا، ومعناه كلام غيره، وقاله القاضي في «المجرد»، وقال شيخنا أيضًا: يعتمر مطلقًا، وعليه نصوص أحمد) [الفروع 3/ 397 ــ 398 (5/ 458)] (2).
508 – حكم قتل النحل والنمل:
– قال ابن مفلح: (واختار شيخنا: لا يجوز قتل نحل، ولو بأخذ كل عسله. قال هو وغيره: إن لم يندفع ضرر نمل إلا بقتله جاز) [الفروع 3/ 440 (5/ 515)] (3).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الأئمة الذين قالوا مثل قول أحمد) ا. هـ.
(2) «الاختيارات» للبعلي (174)، وانظر: «شرح العمدة» (6/ 242 – 243 ــ الحج: 2)، «الفتاوى» (20/ 375).
(3) «الاختيارات» للبعلي (174)، وانظر: «شرح العمدة» (6/ 149 ــ الحج: 2).
(1/349)
– وقال أيضا: (وسئل الشيخ تقي الدين: هل يجوز إحراق بيوت النمل بالنار؟ فقال: يدفع ضرره بغير التحريق) [الآداب الشرعية 3/ 352] (1).
509 – الخضاب بالحناء للرجال:
– قال ابن مفلح: (فأما الخضاب للرجل، فذكر الشيخ أنه لا بأس به فيما لا تشبه فيه بالنساء، لأن الأصل الإباحة، ولا دليل للمنع، وأطلق في «المستوعب»: له الخضاب بالحناء. وقال في مكان آخر: كرهه أحمد، قال أحمد: لأنه من الزينة. وقال شيخنا: هو بلا حاجة مختص بالنساء «و: ش») [الفروع 3/ 454 (5/ 533)].
510 – المضي في الحج الفاسد ليس مخالفا للقياس:
– قال ابن القيم نقلا عن شيخ الإسلام ــ في جوابه عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس ــ: (وأما المضي في الحج الفاسد فليس مخالفًا للقياس، فإن الله سبحانه أمر بإتمام الحج والعمرة، فعلى من شرع فيهما أن يمضي فيهما، وإن كان متطوعا بالدخول، باتفاق الأئمة، وإن تنازعوا فيما سواه من التطوعات: هل تلزم بالشروع أم لا؟ فقد وجب عليه بالإحرام أن يمضي فيه إلى حين يتحلل، ووجب عليه الإمساك عن الوطء، فإذا وطئ فيه لم يُسقط وطؤه ما وجب عليه من إتمام النسك، فيكون ارتكابه ما حرمه الله عليه سببًا لإسقاط الواجب عليه.
ونظير هذا الصائم إذا أفطر عمدًا لم يُسقط عنه فطره ما وجب عليه من إتمام الإمساك، ولا يقال له: قد بطل صومك، فإن شئت أن تأكل فكل، بل
_________
(1) «الفتاوى» (31/ 273).
(1/350)
يجب عليه المضي فيه وقضاؤه، لأن الصائم (1) له حد محدود، وهو غروب الشمس.
فإن قيل: فهلا طردتم ذلك في الصلاة إذا أفسدها، وقلتم: يمضي فيها ثم يعيدها.
قيل: من ههنا ظن من ظن أن المضي في الحج الفاسد على خلاف القياس، والفرق بينهما أن الحج له وقت محدود، وهو يوم عرفة، كما للصيام وقت محدود وهو الغروب، وللحج مكان مخصوص لا يمكن إحلال المحرم قبل وصوله إليه، كما لا يمكن فطر الصائم قبل وصوله إلى وقت الفطر، فلا يمكنه فعله، ولا فعل الحج ثانيا في وقته، بخلاف الصلاة فإنه يمكنه فعلها ثانيا في وقتها.
وسر الفرق: أن وقت الصيام والحج بقدر فعله، لا يسع غيره، ووقت الصلاة أوسع منها، فيسع غيرها، فيمكنه تدارك فعلها إذا فسدت في أثناء الوقت، ولا يمكن تدارك الصيام والحج إذا فسدا، إلا في وقت آخر، نظير الوقت الذي أفسدهما فيه، والله أعلم) [إعلام الموقعين 2/ 49 ــ 50] (2).
_________
(1) في «الفتاوى»: (الصيام).
(2) هذا النص في «الفتاوى» (20/ 568 – 569) وذكر هنا بعض الزيادات، وانظر ما تقدم (ص 57 – 58).
(1/351)
باب فضل الحرمين والمجاورة بهما
511 – المفاضلة بين الكعبة وتربة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: لم أعلم أحدًا فضّل التربة على الكعبة، غير القاضي عياض، ولم يسبقه أحد، ولا وافقه أحد) [الفروع 3/ 492 (6/ 28)] (1).
512 – المكان الأفضل للمجاورة:
– قال ابن مفلح: (وفي «الإرشاد» وغيره: الخلاف في المجاورة فقط (2)، وجزموا بأفضلية الصلاة وغيرها، واختاره شيخنا وغيره، وهو أظهر، وقال: المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان) [الفروع 3/ 492].
– وقال أيضا: (وحكى الشيخ تقي الدين – رحمه الله – عن الجمهور: استحباب المجاورة بمكة، قال: قالوا: ولأن [في] (3) المجاورة بها من تحصيل العبادات وتضعيفها ما لا يكون في بلد آخر؛ ولأن الصلاة بها تتضاعف هي وغيرها من الأعمال. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 3/ 412] (4).
_________
(1) «الفتاوى» (27/ 38)، «الاختيارات» للبعلي (167).
(2) أي الخلاف في التفضيل بين المجاورة في مكة وفي المدينة.
(3) استدركت من «جامع المسائل».
(4) «جامع المسائل» (5/ 345)، «الفتاوى» (27/ 39، 48)، «الاختيارات» للبعلي (167).
(1/352)
513 – مضاعفة الحسنة والسيئة بالمكان والزمان الفاضلين:
– قال ابن مفلح: (وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان أو زمان فاضل، ذكره القاضي وغيره وشيخنا) [الفروع 3/ 493 (6/ 30)].
– وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان. انتهى كلامه) [الآداب الشرعية 3/ 415] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (34/ 180)، «الاختيارات» للبعلي (167).
(1/353)
باب صفة الحج والعمرة
514 – الاشتغال بالدعاء قبل الطواف:
– قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: لا يشتغل بدعاء) [الفروع 3/ 496 (6/ 33)].
515 – استقبال الحجر الأسود بوجهه عند الطواف:
– قال ابن مفلح: (وفي استقباله بوجهه وجهان، وعند شيخنا: هو السنة) [الفروع 3/ 497 (6/ 34)] (1).
516 – الحكمة في كونه يجعل البيت عن يساره في الطواف:
– قال ابن مفلح: (ثم يجعل البيت عن يساره، فيقرِّب جانبه الأيسر إليه. قال شيخنا: لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى، فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى) [الفروع 3/ 497 (6/ 34)] (2).
517 – القراءة في الطواف:
518 – والمفاضلة بين القراءة والطواف:
– قال ابن مفلح: (وعنه: تكره القراءة، قال في «الترغيب»: لتغليطه المصلين. وقال شيخنا: ليس له إذا. وقال شيخنا: تستحب القراءة فيه، لا الجهر بها. وقال القاضي وغيره: ولأنه صلاة، وفيها قراءة ودعاء، فيجب
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 120)، «الاختيارات» للبعلي (175).
(2) «الفتاوى» (21/ 111).
(1/354)
كونه مثلها. وقال شيخنا: وجنس القراءة أفضل من الطواف (1)) [الفروع 3/ 498 ــ 499 (6/ 36)] (2).
519 – الشاذروان ليس من البيت:
– قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: ليس هو منه، بل جعل عمادًا للبيت) [الفروع 3/ 500 (6/ 38)] (3).
520 – طواف الحائض:
– قال ابن مفلح: (وتشترط الطهارة من حدث، قال القاضي وغيره: الطواف كالصلاة في جميع الأحكام، إلا في إباحة النطق. وعنه: يجبره بدم، وعنه: إن لم يكن بمكة، وعنه: يصحّ من ناسٍ ومعذورٍ فقط، وعنه: ويجبره بدمٍ، وعنه: وكذا حائض، وهو ظاهر كلام القاضي وجماعة، واختاره شيخنا، وأنه لا دم لعذرٍ، وقال: هل هي واجبة أو سنة لها؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره) [الفروع 3/ 501 ــ 502 (6/ 40)] (4).
وانظر: ما تقدم برقم (58 و 106).
521 – حكم تقبيل المقام ومسحه:
– قال ابن مفلح: (ولا يشرع تقبيل المقام ومسحه «ع»، فسائر
_________
(1) في ط 1: (من جنس الطواف)، والمثبت من ط 2.
(2) «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 122، 199).
(3) «الفتاوى» (26/ 121)، «الاختيارات» للبعلي (175).
(4) «الاختيارات» للبعلي (45)، وانظر: (176).
(1/355)
المقامات أولى، ذكره شيخنا) [الفروع 3/ 503 (6/ 42)] (1).
522 – الإسراع في السعي بين الصفا والمروة:
– قال ابن القيم: (وقال ابن حزم: وطاف – صلى الله عليه وسلم – بين الصفا والمروة أيضا سبعا، راكبا على بعيره، يخب ثلاثا ويمشي أربعا.
وهذا من أوهامه وغلطه – رحمه الله -، فإن أحدا لم يقل هذا قط غيره، ولا رواه أحد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – البتة، وهذا إنما هو في الطواف بالبيت، فغلط أبو محمد، ونقله إلى الطواف بين الصفا والمروة، وأعجب من ذلك استدلاله عليه بما رواه من طريق البخاري عن ابن عمر: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – طاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف، ومشى أربعا، فركع حين قضى طوافه بالبيت، وصلى عند المقام ركعتين، ثم سلم، فانصرف فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط … وذكر باقي الحديث، قال: ولم نجد عدد الرمل بين الصفا والمروة منصوصا، ولكنه متفق عليه. هذا لفظه!
قلت: المتفق عليه السعي في بطن الوادي في الأشواط كلها، وأما الرمل في الثلاثة الأول خاصة فلم يقله ــ ولا نقله فيما نعلم ــ غيره، وسألت شيخنا عنه، فقال: هذا من أغلاطه، وهو لم يحج – رحمه الله – تعالى) [زاد المعاد 2/ 231].
523 – الشك في الطواف والسعي ورمي الجمار:
انظر ما تقدم برقم: (224).
_________
(1) «الفتاوى» (17/ 476)، «جامع المسائل» (3/ 46)، «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر «الفتاوى»: (26/ 121).
(1/356)
524 – صعود جبل إلال بعرفة:
– قال ابن مفلح: (ويستحب وقوفه عند الصخرات، وجبل الرحمة (1)
ــ واسمه إلال بوزن هلال ــ، ولا يشرع صعوده «ع» قاله شيخنا) [الفروع 3/ 507 (6/ 47)] (2).
525 – المفاضلة بين الحج ماشيا وراكبا:
– قال ابن مفلح: (عند شيخنا: يختلف ذلك بحسب الناس) [الفروع 3/ 508 (6/ 49)] (3).
_________
(1) قال فضيلة الشيخ بكر أبو زيد في «معجم المناهي اللفظية» (216): (في شرق مشعر عرفات جبل صغير في جنوبيه صخرات كبار، يسمى: «جبل عرفة» أو «جبل عرفات»، وقد شاع على ألسنة الناس، وفي أقلام الكتاب تسميته باسم: «جبل الرحمة»، وعند بادية نجد باسم: «القُرَين»، ولا أصل لواحد من هذين الوصفين، والله أعلم) ا. هـ.
وقال في كتابه «جبل إلال بعرفات»: ( … تسميته بجبل الرحمة لم تعرف ــ حسب التتبع ــ إلا من أواخر القرن الرابع الهجري، ولعلها بحكم ما يتفضل الله به على عباده ذلك اليوم من الرحمة والمغفرة … وأن هذا الاسم «جبل الرحمة» من جنس تعبيرهم عن «الحجر» من البيت باسم «حجر إسماعيل» بدعوى أن إسماعيل ــ عليه السلام ــ دفن فيه، وهو غلط لا تسنده رواية صحيحة البتة … والمتعين هو إرجاع الشيء إلى أصله وتسميته باسمه، لا سيما فيما يتعلق بمواضع النسك والتعبد، فلنقل: «جبل إلال» أو «جبل عرفة»، ويزيد الأمر هنا أن هذا الاسم المستحدث «جبل الرحمة» فيه مزيد إغراء لجهلة الحجيج بقصد الذهاب إليه، والوقوف عليه، مما يحصل منه إضرار جسيم، وتعبد بما لم يشرع، والله أعلم) ا. هـ باختصار.
(2) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 810)، «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 133).
(3) «الفتاوى» (26/ 132)، «الاختيارات» للبعلي (175).
(1/357)
526 – صلاة الخوف لمن خاف فوت الوقوف بعرفة:
– قال ابن مفلح: (وهل لخائف فوتها صلاة خائف؟ واختاره شيخنا، أو يُقدِّم الصلاة؟ أو يؤخرها إلى أمنِه؟ فيه أوجه) [الفروع 3/ 509 (6/ 50)] (1).
527 – استيعاب الرأس بالتقصير:
– قال ابن مفلح: (وإن قصّر فمن جميعه، نص عليه، قال شيخنا: لا من كلِّ شعرة بعينها) [الفروع 3/ 513 (6/ 54)] (2).
528 – عقد النكاح بعد التحلل الأول:
– قال ابن مفلح: (ثم حل له (3) كل شيء إلا النساء، قال القاضي وابنه وابن الزاغوني والشيخ وجماعة: والعقد، وظاهر كلام أبي الخطاب وابن شهاب وابن الجوزي: حلُّه، وقاله شيخنا وذكره عن أحمد) [الفروع 3/ 514] (4).
529 – المخطئ فيما فهمه من قول المفتي:
– قال ابن مفلح: (فإن حلق قبل نحره أو رميه، أو نحَر أو زار قبل رميه فلا دم، نص عليه، ونقل أبو طالب وغيره: يلزم عامدًا عالمًا. اختاره أبو بكر وغيره، وأطلقها ابن عقيل، وظاهر نقل المَرُّوذِي: يلزمه صدقة. قال شيخنا: والمخطئ فيما فهمه من قول المفتي يشبه خطأ المجتهد فيما يفهمه من
_________
(1) «جامع المسائل» (5/ 354 – 355)، «الاختيارات» للبعلي (113).
(2) «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 137).
(3) أي بعد الرمي والحلق أوالتقصير.
(4) «الاختيارات» للبعلي (175)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 137 – 138)، «شرح العمدة» (6/ 537 ــ الحج: 2).
(1/358)
النص. ومما احتجّ بهذه المسألة (1)) [الفروع 3/ 515 (6/ 56)].
530 – يكفي المتمتع والقارن سعي واحد:
– قال ابن القيم: (وقد تنازع الناس في القارن والمتمتع هل عليهما سعيان أو سعي واحد؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: ليس على واحد منهما إلا سعي واحد، كما نص عليه أحمد في رواية ابنه عبد الله، قال عبد الله: قلت لأبي: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين فهو أجود، وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس. قال شيخنا: وهذا منقول عن غير واحد من السلف) [زاد المعاد 2/ 149].
– وقال ابن مفلح: (ثم يأتي (2) مكة فيطوف المتمتع ــ في المنصوص ــ للقدوم، كعمرته، ثم يسعى، نص عليه، وعنه: يجزئ سعي عمرته، اختاره شيخنا) [الفروع 3/ 516 (6/ 58)] (3).
531 – صلاة الظهر يوم النحر بمنى:
– قال ابن القيم: (وقالت طائفة ــ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ــ: الذي يرجح أنه (4) إنما صلّى الظهر بمنى لوجوه … ) [تهذيب السنن 5/ 333].
532 – تعجل الإمام المقيم للمناسك:
– قال ابن مفلح: (وليس للإمام المقيم للمناسك التعجيل لأجل من
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يعني: احتج بأشياء منها هذه المسألة) ا. هـ.
(2) أي: الحاج.
(3) «الفتاوى» (26/ 138)، «الاختيارات» للبعلي (175).
(4) أي النبي – صلى الله عليه وسلم -.
(1/359)
يتأخر. قاله أصحابنا. وذكره شيخنا (1)) [الفروع 3/ 520] (2).
533 – طواف الوداع ليس من أعمال الحج:
– قال ابن مفلح: (ثم يطوف للوداع إن لم يُقْم، قال القاضي والأصحاب: إنما يستحق عليه عند العزم على الخروج. واحتج به شيخنا على أنه ليس من الحج «و: ش» كذا في «التعليق» أنه ليس منه، ولا يتعلق به، في مَن وطئ بعد التحلل (3)) [الفروع 3/ 521 (6/ 62)] (4).
_________
(1) في ط 1: (ذكره القاضي وغيره وشيخنا)، والمثبت من ط 2، وأشار في هامش النسخة الخطية إلى أنه وقع في نسخة بخطه ــ لعله يريد المؤلف ــ حاشية: (القاضي وغيره).
(2) «الفتاوى» (26/ 141)، «الاختيارات» للبعلي (176).
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال الشيخ في «المنسك الصغير»: لم يُقِم النبي – صلى الله عليه وسلم – بمكة بعد صدره من منى، لكنه ودّع البيت، وقال: «لا ينصرف أحدٌ حتى يكون آخر عهده بالبيت»، فلا يخرج الحاج حتى يودّع البيت، فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت، ومن أقام بمكة فلا وداع عليه، وهذا الطواف يؤخّره الصادر عن مكة حتى يكون بعد جميع أموره، فلعل المصنف أخذ من قوله: «فلا يخرج الحاج حتى يودِّع» = أن غير الحاج لا وداع عليه، لكونه قيّد بالحاج، وهذا ظاهر على قول من يجعل طواف الوداع من الحج، وهم الذين يعدونه من واجبات الحج، وأما على قول من لم يجعله من الحج فليس بظاهر، وقد ذكر المصنف هذا عن أبي العباس و «التعليق» قبل ذلك بيسير بقوله: «وإنما تستحق عند العزم»، وهذا يقتضي أنه لا يختص بالحاج، كما حكاه النووي الشافعي … وهذا مقتضى ما استدل به أبو العباس – رضي الله عنه -، فإنه قال في كلامه: «وقال ــ يعني: النبي – صلى الله عليه وسلم – ــ: «لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»، و «أحد» ها هنا صيغة عموم، لأنه نكرة في سياق النهي، فيدخل فيه الحاج وغيره، ولأنه قال: «وهذا الطواف يؤخِّره الصادر عن مكة» وظاهره: أن الصادر عن مكة يفعله، سواء كان حاجّا أو غيره، وأما قوله: «فلا يخرج الحاج» يحتمل أنه خرج مخرج الغالب، فلا يكون مفهومه حجة، لأن غالب من يخرج عن مكة الحاج، وإذا ثبت ذلك، فالمعنى والدليل يقتضي التسوية بين الحاج وغيره، والله أعلم … الخ) ا. هـ
(4) «الفتاوى» (26/ 6، 142).
(1/360)
534 – طواف الوداع لمن خرج من مكة وهو غير حاج:
– قال ابن مفلح: (وإن خَرَج غير حاجّ، فظاهر كلام شيخنا: لا يودِّع) [الفروع 3/ 521 (6/ 64)] (1).
535 – ما يفعله الحاج بعد طواف الوداع:
– قال ابن مفلح: (وذكر أحمد أنه يأتي الحطيم ــ وهو تحت الميزاب ــ فيدعو، وذكر شيخنا: ثم يشرب من زمزم، ويستلم الحجر الأسود. نقل حرب: إذا قدم معتمرا فيستحب أن يقيم بمكة بعد عمرته ثلاثة أيام. ثم يخرج، فإن التفت ودّع، نص عليه، وذكره أبو بكر وقدّمه في «التعليق» وغيره، وحمله جماعة على الندب، وذكر ابن عقيل وابن الزاغوني: لا يولِّي ظهره حتى يغيب. وذكر شيخنا: أن هذه بدعة مكروهة) [الفروع 3/ 523 (6/ 65)] (2).
536 – الوقوف عند القبور للدعاء:
– قال ابن مفلح: (قال ابن عقيل وابن الجوزي: يكره قصد القبور للدعاء. قال شيخنا: ووقوفه عندها له) [الفروع 3/ 523 (6/ 66)] (3).
وانظر: ما تقدم برقم (335).
537 – الطواف بغير الكعبة:
538 – وتقبيل قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – والتمسح به:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: يحرم طوافه بغير البيت العتيق اتفاقًا.
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (176).
(2) انظر: «الفتاوى» (26/ 143).
(3) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 730 – 731).
(1/361)
قال: واتفقوا أنه لا يقبِّله ولا يتمسح به، فإنه من الشرك.
وقال: والشرك لا يغفره الله، ولو كان أصغر) [الفروع 3/ 524 (6/ 66)] (1).
539 – النهي عن اتخاذ قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عيدا:
– قال ابن القيم – رحمه الله – تعالى ــ بعد أن ذكر جملة من الأحاديث التي فيها النهي عن اتخاذ قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عيدا ــ: (قال شيخ الإسلام ــ قدّس الله روحه ــ: ووجه الدلالة (2) أن قبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدًا، فقبر غيره أولى بالنهي، كائنا من كان.
ثم إنه قرن ذلك بقوله: «ولا تتخذوا بيوتكم قبورًا» أي: لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري النافلة في البيوت، ونهى عن تحري العبادة عند القبور، وهذا ضد ما عليه المشركون من النصارى وأشباههم.
ثم إنه عقّب النهي عن اتخاذه عيدًا بقوله: «وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا …
وهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين – رضي الله عنهما – نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره – صلى الله عليه وسلم -، واستدل بالحديث، وهو الذي رواه وسمعه من أبيه الحسين عن جده علي – رضي الله عنه -، وهو أعلم بمعناه من هؤلاء
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (176)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 121، 133، 250)، و «مختصر الفتاوى» (298).
(2) أي على المنع من اتخاذ القبور مساجد.
(1/362)
الضلال، وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن ــ شيخ أهل بيته ــ كره أن يقصد الرجل القبر إذا لم يكن يريد المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدًا.
قال شيخنا: فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قُربُ النسب وقرب الدار، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا له أضبط) [إغاثة اللهفان 1/ 302 ــ 303] (1).
540 – شد الرحل لزيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -:
– قال ابن عبدالهادي ــ بعد كلام سابق ــ: ( … فانظر إلى كلام هذا المعترض (2) المتضمن لرد النقل الصحيح بالرأي الفاسد، واجمع بينه وبين ما حكاه عن شيخ الإسلام من الافتراء العظيم، والإفك المبين، والكذب الصراح، وهو ما نقله عنه من أنه جعل زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقبور سائر الأنبياء عليهم السلام = معصية بالإجماع مقطوعًا بها.
هكذا ذكر هذا المعترض عن بعض قضاة الشافعية عن الشيخ أنه قال هذا القول، الذي لا يشك عاقل من أصحابه وغير أصحابه أنه كذب مفترى لم يقله قط، ولا يوجد في شيء من كتبه، ولا دل كلامه عليه، بل كتبه كلها ومناسكه وفتاويه وأقواله وأفعاله تشهد ببطلان هذا النقل عنه، ومن له أدنى علم وبصيرة يقطع بأن هذا مفتعل مختلق على الشيخ، وأنه لم يقله قط، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا
_________
(1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 662 – 665).
(2) يعني: السبكي.
(1/363)
بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] …
إلى أن قال: وليعلم: قبل الشروع في الكلام مع هذا المعترض أن شيخ الإسلام – رحمه الله – لم يحرم زيارة القبور على الوجه المشروع في شيء من كتبه، ولم ينه عنها، ولم يكرهها، بل استحبها، وحض عليها، ومناسكه ومصنفاته طافحة بذكر استحباب زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وسائر القبور.
قال رحمه الله تعالى في بعض مناسكه: باب زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – ، إذا أشرف على مدينة النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل الحج أو بعده، فليقل ما تقدم، فإذا دخل استحب له أن يغتسل (1)،
نص عليه الإمام أحمد، فإذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى، وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلي بها، ويدعو بما شاء، ثم يأتي قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فيستقبل جدار القبر، ولا يمسه، ولا يقبله، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه؛ ليكون قائمًا وجاه النبي – صلى الله عليه وسلم – ، ويقف متباعدًا كما يقف لو ظهر في حياته
_________
(1) قال الشيخ إسماعيل الأنصاري في تعليقه على «الصارم»: (علق العلامة الأثري الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله بن باز على قوله: «فإذا دخل استحب له أن يغتسل» علق عليه بما نصه في استحباب الغسل هنا نظر, والأظهر عدمه؛ لعدم الدليل عليه, والعبادات توقيفية, ولعل هذا منسك للشيخ قديم, ولهذا لم يذكر ذلك في منسكه الجديد, والله الموفق) ا. هـ.
قلت: وقد قال شيخ الإسلام في مقدمة «منسكه» الجديد (ص: 17): ( … فإني كنت قد كتبت منسكا في أوائل عمري, فذكرت فيه أدعية كثيرة, وقلدت في الأحكام من اتبعته قبلي من العلماء, وكتبت في هذا ما تبيّن لي من سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مختصرا مبينا) ا. هـ.
(1/364)
بخشوع وسكون، منكس الرأس، غاض الطرف، مستحضرًا بقلبه جلالة موقفه، ثم يقول: السلام عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله، وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبيًا ورسولًا عن أمته، اللهم آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، يغبطة به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم (1)،
وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، وأسقنا بكأسه مشربًا رويًا، لا نظمأ بعده أبدًا.
ثم يأتي أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما -، فيقول: السلام عليك يا أبا بكر
_________
(1) قال الشيخ إسماعيل الأنصاري في تعليقه على «الصارم المنكي»: (لفظ: «على إبراهيم» في هذا الموضع وفي الذي قبله ورد في المطبوعة, وأما المخطوطتان فلم يرد فيهما غير: «على آل إبراهيم» في الموضعين, وهذا هو المناسب لما نقله علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن العباس البعلي الدمشقي في «الاختيارات» عن شيخ الإسلام ابن تيمية, وهو أنه قال: «الأحاديث التي في الصحاح لم أجد في شيء منها: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» , وقد تعقبه البعلي بقوله: «قلت: بل روى البخاري في صحيحه الجمع بينهما» انتهى كلام البعلي, ورواية البخاري التي أشار إليها البعلي هي في ترجمة إبراهيم عليه السلام في أحاديث الأنبياء … الخ).
(1/365)
الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وضجيعيه، ورحمة الله وبركاته، جزاكما الله عن صحبة نبيكما وعن الإسلام خيرًا، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
قال: ويزور قبور أهل البقيع، وقبور الشهداء إن أمكن.
هذا كلام الشيخ رحمه الله بحروفه، وكذلك سائر كتبه ذكر فيها استحباب زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وسائر القبور، ولم ينكر زيارتها في موضع من المواضع، ولا ذكر في ذلك خلافًا إلا نقلًا غريبًا ذكره في بعض كتبه عن بعض التابعين (1).
وإنما تكلم عن مسألة شد الرحال وإعمال المطي إلى مجرد زيارة القبور، وذكر في ذلك قولين للعلماء المتقدمين والمتأخرين:
أحدهما: القول بإباحة ذلك، كما يقوله بعض أصحاب الشافعي وأحمد.
_________
(1) ذكر شيخ الإسلام في «الرد على الإخنائي» (113) ــ وهو من أواخر كتبه كَتَبَه في سجنه الأخير كما في «العقود الدرية» (ص 361) ــ أنه كان يعتقد أثناء كتابة الفتوى التي حصل الاعتراض عليه بسببه= أن زيارة القبور مستحبة بالإجماع, ثم رأى بعد ذلك فيها نزاعا قال: (وهو نزاع مرجوح, والصحيح أنها مستحبة) ا. هـ.
وقد بسط الكلام على هذا الخلاف في أثناء كتابه (ص 232 – 234) ونقله عنه ابن عبدالهادي في «الصارم» (441) ثم قال: (والمقصود أن الإجماع المذكور في هذه المسألة غير محقق وإن كان قول من خالف الجمهور فيها ضعيفا, وشيخ الإسلام لم يذهب إلى هذا القول المخالف لقول الجمهور, وإنما حكاه كما حكاه غيره من أهل العلم, والله أعلم) ا. هـ.
(1/366)
والثاني: أنه منهي عنه، كما نص عليه إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ولم ينقل عن أحد من الأئمة الثلاثة خلافه، وإليه ذهب جماعة من أصحاب الشافعي وأحمد.
هكذا ذكر الشيخ الخلاف في شد الرحال وإعمال المطي إلى القبور، ولم يذكره في الزيارة الخالية عن شد رحل وإعمال مطي، والسفر إلى زيارة القبور مسألة، وزيارتها من غير سفر مسألة أخرى، ومن خلط هذه المسألة بهذه المسألة، وجعلهما مسألة واحدة، وحكم عليهما بحكم واحد، وأخذ في التشنيع على من فرَّق بينهما، وبالغ في التنفير عنه= فقد حرم التوفيق، وحاد عن سواء الطريق.
واحتج الشيخ لمن قال بمنع شد الرحال وإعمال المطي إلى القبور بالحديث المشهور المتفق على صحته وثبوته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى».
هكذا أخرجه البخاري ومسلم في «صحيحيهما» بصيغة الخبر: (لا تشد الرحال)، ومعنى الخبر في هذا معنى النهي، يبين ذلك ما رواه مسلم في «صحيحه» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى». هكذا رواه مسلم بصيغة النهي.
ورواه الإمام إسحاق بن راهويه في «مسنده» بصيغة الحصر: «إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: مسجد إبراهيم، ومسجد محمد، ومسجد بيت المقدس».
(1/367)
وقد روي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذا الحديث أيضًا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بصيغة النهي: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس».
هذا هو الذي فعل الشيخ: حكى الخلاف في مسألة بين العلماء، واحتج لأحد القولين بحديث متفق على صحته، فأي عتب عليه في ذلك؟ ! ولكن نعوذ بالله من الحسد، والبغي، واتباع الهوى) [الصارم المنكي (21 – 28)].
– وقال أيضًا: (قال المعترض (1): … قال القاضي عياض – رحمه الله -: زيارة قبره – صلى الله عليه وسلم – سنة بين المسلمين، مجمع عليها، وفضيلة مرغب فيها.
قلت: هذا الإجماع الذي حكاه القاضي عياض ــ رحمه الله تعالى ــ حكاه شيخ الإسلام أيضًا في غير موضع، وقد قدمنا غير مرة ذكره في مصنفاته وفتاويه ومناسكه = استحباب زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – على الوجه المشروع، ولم يذكر في ذلك نزاعًا بين العلماء، وإنما ذكر الخلاف بينهم في السفر لمجرد زيارة القبور، واختار المنع من ذلك كما هو مذهب مالك وغيره من أهل العلم، وهو الذي اختاره القاضي عياض مع حكايته هذا الاجماع.
ومقصود المعترض الاحتجاج على الشيخ بهذا الإجماع الذي ذكره القاضي عياض، والشيخ لا يخالف هذا الإجماع، بل يوافقه ويذهب إليه، ويحكيه في مواضع، مع قوله بالنهي عن السفر لزيارة القبور، كما ذهب إليه
_________
(1) أي: السبكي.
(1/368)
القاضي عياض ناقل هذا الإجماع، وينبغي للمعترض وأمثاله أن يعرفوا الفرق بين مواقع الإجماع ومحال النزاع، ولا يخلطوا بعضها ببعض … الخ) [الصارم المنكي (338 – 339)] (1).
– وقال أيضًا: ( … فلما كان في سنة ست وعشرين وسبعمائة وقع الكلام في مسألة شد الرحال، وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين، وظفروا للشيخ بجواب سؤال في ذلك، كان قد كتبه من سنين كثيرة، يتضمن حكاية قولين في المسألة، وحجة كل قول منهما، وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدم أقدم من الجواب المذكور بكثير ذكره في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم» وغيره، وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به.
وكثر الكلام، والقيل والقال، بسبب العثور على الجواب المذكور، وعظم التشنيع على الشيخ، وحرف عليه، ونقل عنه ما لم يقله، وحصل فتنة طار شررها في الآفاق، واشتد الأمر، وخيف على الشيخ من كيد القائمين في
_________
(1) قد قرر الحافظ ابن عبدالهادي هذا المعنى في مواضع من كتابه «الصارم» , وأكثر من النقل عن شيخ الإسلام حول هذه المسألة, فنقل عنه من عدة كتب, وهي: «الجواب الباهر»، و «الرد على الإخنائي» , و «اقتضاء الصراط المستقيم» , و «المنسك» (الجديد) , وكلها مطبوعة متداولة, وقد بلغ مجموع ما نقله من هذه الكتب (175 صفحة) تقريبا, فرأيت أن لا حاجة إلى سردها هنا واكتفيت بذكر ما أثبته في الأعلى, والإشارة إلى مواضع بقية النقول، والله الموفق.
(ينظر: «الصارم المنكي»: 41 – 54, 64 – 67, 80 – 86, 102 – 115, 122 – 127, 151 – 186, 186 – 220, 244 – 246, 261 – 262, 295, 321 – 322, 331 – 332, 339 – 343, 349 – 355, 357 – 359, 366 – 369, 375 – 379, 386 – 391, 394 – 413, 414 – 421, 232 – 439, 441).
(1/369)
هذه القضية بالديار المصرية والشامية، وكثر الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله تعالى، وضعف من أصحاب الشيخ من كان عنده قوة، وجبن منهم من كانت له همة، وأما الشيخ – رحمه الله – فكان ثابت الجأش، قوي القلب، وظهر صدق توكله واعتماده على ربه …
ولما كان يوم الاثنين بعد العصر السادس من شعبان من السنة المذكورة = حضر إلى الشيخ من جهة نائب السلطنة بدمشق مشد الأوقاف، وابن خطير ــ أحد الحجاب ــ وأخبراه أن مرسوم السلطان ورد بأن يكون في القلعة، وأحضرا معهما مركوبا.
فأظهر الشيخ السرور بذلك، وقال: أنا كنت منتظرا ذلك، وهذا فيه خير عظيم … الخ).
وقد ساق ابن عبدالهادي بعد ذلك نص فتيا الشيخ المشار إليها (1) , ثم قال: (هذا آخر ما أجاب به شيخ الإسلام، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وله من الكلام في مثل هذا كثير، كما أشار إليه في الجواب.
ولما ظفروا في دمشق بهذا الجواب كتبوه، وبعثوا به إلى الديار المصرية، وكتب عليه قاضي الشافعية: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية فصح … إلى أن قال: وإنما المحرف (2) جعله زيارة قبر النبي وقبور الأنبياء صلوات الله عليهم معصية بالإجماع مقطوع بها.
_________
(1) وهي في الفتاوى ــ نقلًا عن ابن عبدالهادي ــ (27/ 182 – 192).
(2) كذا, ولعل الصواب: (المحز) كما يأتي في كلام ابن كثير.
(1/370)
هذا كلامه! فانظر إلى هذا التحريف على شيخ الإسلام، والجواب ليس فيه المنع من زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما ذكر فيه قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى.
والشيخ لا يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض الشيخ إلى هذه الزيارة في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية.
ولما وصل خط القاضي المذكور إلى الديار المصرية كثر الكلام وعظمت الفتنة، وطلب القضاة بها فاجتمعوا وتكلموا، وأشار بعضهم بحبس الشيخ، فرسم السلطان به، وجرى ما تقدم ذكره.
ثم جرى بعد ذلك أمور على القائمين في هذه القضية لا يمكن ذكرها في هذا الموضع) [العقود الدرية 327 – 341].
– وقال ابن كثير: (وفي يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة، دَرَّس بالحنبلية برهان الدين [إبراهيم بن] (1) أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي، بدلا عن شيخ الاسلام ابن تيمية، وحضر عنده القاضي الشافعي وجماعة من الفقهاء، وشق ذلك على كثير من أصحاب الشيخ تقي الدين، وكان ابن الخطيري الحاجب قد دخل على الشيخ تقي الدين قبل هذا اليوم فاجتمع به، وسأله عن أشياء بأمر نائب السلطنة.
_________
(1) استدركت من ط 2, بتحقيق: الشيخ عبد الله التركي.
(1/371)
ثم يوم الخميس دخل القاضي بدر الدين ابن جملة، وناصر الدين مشد الأوقاف، وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة، فكتب ذلك في درج، وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية إلى أن قال: وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع مقطوعا بها!
فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الاسلام، فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى هذه الزيارة على هذا الوجه في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، ولا هو جاهل قول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة»، والله سبحانه لا يخفى عليه شيء، ولا يخفى عليه خافية، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]) [البداية والنهاية 14/ 143] (1).
541 – السلام على النبي – صلى الله عليه وسلم – عند قبره:
– قال ابن عبد الهادي: (وقال شيخ الإسلام ــ في أثناء كلامه في الصلاة والسلام على النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل مكان ــ: وأما السلام عليه عند القبر
_________
(1) للشيخ مؤلفات مفردة في هذه المسألة طبع منها: «الجواب الباهر»، و «الرد على الإخنائي».
(1/372)
فقد عرف أن الصحابة والتابعين المقيمين بالمدينة لم يكونوا يفعلونه إذا دخلوا المسجد وخرجوا منه … إلى أن قال (1): ولهذا كان أكثر السلف لا يفرقون بين الغرباء وأهل المدينة، ولا بين حال السفر وغيره، فإن استحباب هذا لهؤلاء، وكراهته لهؤلاء= حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي، ولا يمكن أحدًا أن ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه شرع لأهل المدينة الإتيان عند الوداع للقبر، وشرع لهم ولغيرهم ذلك عند القدوم من سفر، وشرع للغرباء تكرير ذلك كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولم يشرع ذلك لأهل المدينة.
فمثل هذه الشريعة ليس منقولًا عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا عن خلفائه، ولا هو معروف من عمل الصحابة، وإنما نقل عن ابن عمر السلام عند القدوم من السفر، وليس هذا من عمل الخلفاء وأكابر الصحابة، كما كان ابن عمر يتحرى الصلاة والنزول والمرور حيث حل ونزل وعبر في السفر، وجمهور الصحابة لم يكونوا يصنعون ذلك، بل أبوه عمر كان ينهى عن مثل ذلك، والله أعلم) [الصارم المنكي 328 – 329].
542 – تكرار العمرة مع الموالاة:
– قال ابن مفلح: (ولا يكره الاعتمار في السنة أكثر من مرة «م»، ويكره الإكثار والموالاة بينها باتفاق السلف، اختاره الشيخ وغيره، قال أحمد: إن شاء كل شهر. وقال: لا بدَّ يحلق أو يقصِّر، وفي عشرة أيام يمكن. واستحبّه جماعة (2)، ومن كره أطلق، ويتوجه أن مراده: إذا عوض بالطواف، وإلا لم
_________
(1) أي: ابن تيمية.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: الإكثار من الاعتمار) ا. هـ.
(1/373)
يكره، خلافًا لشيخنا) [الفروع 3/ 528 (6/ 71)] (1).
543 – الخروج من مكة لعمرة تطوع، وتفضيل الطواف عليه:
– قال ابن مفلح: (وكره شيخنا: الخروج من مكة لعمرة تطوع، وأنه بدعة، لأنه لم يفعله عليه السلام ولا صحابي على عهده إلا عائشة، لا في رمضان ولا غيره اتفاقًا، ولم يأمر عائشة، بل أذن لها بعد المراجعة لتطييب قلبها.
قال: وطوافه ولا يخرج أفضل اتفاقًا، وخروجه عند من لم يكرهه على سبيل الجواز. كذا قال) [الفروع 3/ 528] (2).
544 – دخول المتمتع في الحج من حين يحرم بالعمرة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: قوله عليه السلام: «من حج، فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يدخل فيه بإحرام العمرة، ولهذا أنكر أحمد على من قال: إن حجة المتمتع حجة مكية، نقله الأثرم، وهي عند أحمد بعض حجه الكامل، بدليل صومها (3)) [الفروع 3/ 529 (6/ 72)] (4).
545 – الخروج مع الجند في الحج:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: ومن جُرِّد معهم (5)، وجمع له من الجند
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 270، 290).
(2) «الفتاوى» (26/ 252، 264، 270 – 271)، «الاختيارات» للبعلي (176).
(3) أي أنه إذا كان غير واجد للهدي فإنه له الابتداء بالصوم من حين الإحرام بالعمرة.
(4) «الفتاوى» (26/ 52)، «الاختيارات» للبعلي (176).
(5) أي مع من ولي تسيير الحجيج.
(1/374)
المقطعين ما يعينه على كلفة الطريق: أبيح له، ولا ينقص أجره، وله أجر الحج والجهاد، وهذا كأخذ بعض الأقطاع ليصرفه في المصالح، وليس في هذا خلاف، ويلزم المعطى بذل ما أمر به) [الفروع 3/ 531 (6/ 75)] (1).
546 – شهر السلاح عند القدوم على تبوك:
– قال ابن مفلح: (وشهر السلاح عند قدوم تبوك بدعة. زاد شيخنا: محرمة.
قال: وما يذكره الجهال من حصار تبوك كذب، لم يكن بها حصن ولا مقاتلة. فإن مغازي النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت بضعًا وعشرين لم يقاتل فيها، إلا في تسع: بدر، وأحد، والخندق، وبني المصطلق، والغابة، وفتح خيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف) [الفروع 3/ 531 (6/ 75)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (177).
(2) «الاختيارات» للبعلي (177)، وانظر: «منهاج السنة النبوية» (6/ 195).
(1/375)
باب الفوات والإحصار
547 – إذا وقف الناس في الثامن أو العاشر خطأ:
– قال ابن مفلح: (وإن وقف الناس الثامن أو العاشر خطأ أجزأ، نص عليهما. قال شيخنا: هل هو يوم عرفة باطنا؟ فيه خلاف في مذهب أحمد، بناء على أن الهلال اسم لما يطلع في السماء، أو لما يراه الناس ويعلمونه؟ وفيه خلاف مشهور في مذهب أحمد وغيره.
وذكر في موضع آخر: أن عن أحمد فيه روايتين، قال: والثاني الصواب، ويدل عليه لو أخطؤوا لغلط في العدد أو في الطريق ونحوه، فوقفوا العاشر لم يجزئهم «ع»، فلو اغتفر الخطأ للجميع لاغتفر لهم في غير هذه الصورة بتقدير وقوعها، فعلم أنه يوم عرفة باطنا وظاهرًا، يوضحه أنه لو كان هنا خطأ وصواب لا يستحب الوقوف مرتين، وهو بدعة لم يفعله السلف، فعلم أنه لا خطأ، ومن اعتبر كون الرائي من مكة دون مسافة القصر، أو بمكان لا تختلف فيه المطالع فقول لم يقله أحد من السلف في الحج، فلو رآه طائفة قليلة لم ينفردوا بالوقوف، بل الوقوف مع الجمهور) [الفروع 3/ 535 (6/ 79)].
548 – من فاته الحج:
– قال ابن مفلح: (فإن فاته الحج تحلَّلَ بعمرة، نقله الجماعة، ولا ينحر هديا معه إلا بالحرم، نصَّ على التفرقة، وفي لزوم القضاء والهدي الخلاف، وأوجب الآجري القضاء هنا، وعنه: يتحلَّل كمحصر بعدوٍّ، واختاره شيخنا، وأنَّ مثله حائض تعذَّر مقامها، وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف لجهلها
(1/376)
بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه ولو لذهاب الرفقة، وكذا من ضلَّ الطريق، ذكره في «المستوعب»، وفي «التعليق»: لا يتحلل.
واحتجَّ شيخنا لاختياره بأن الله لم يوجب على المحصر أن يبقى محرمًا حولًا بغير اختياره، بخلاف بعيد أحرم من بلده، ولا يصل إلا في عام، بدليل تحلل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، لما حصروا عن إتمام العمرة مع إمكان رجوعهم محرمين إلى العام القابل، واتفقوا أن من فاته الحج، لا يبقى محرمًا إلى العام القابل) [الفروع 3/ 539 (6/ 83 ــ 84)] (1).
_________
(1) «الفتاوى» (26/ 186، 226 – 228).
(1/377)
باب الهدي والأضحية
549 – الأجر على قدر القيمة:
– قال ابن مفلح: (وعند شيخنا: الأجر على قدر القيمة مطلقًا) [الفروع 3/ 541 (6/ 86)] (1).
550 – الهتماء:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: الهتماء ــ التي سقط بعض أسنانها ــ تجزئ في أصحِّ الوجهين) [الفروع 3/ 542 (6/ 88)] (2).
551 – ما يقال عند الذبح:
– قال ابن مفلح: (وذكر بعضهم، يقول: اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك. وقاله شيخنا، وأنه إذا ذبح قال: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض … » إلى قوله: «وأنا من المسلمين») [الفروع 3/ 545 (6/ 91)] (3).
552 – آخر أيام الذبح:
– قال ابن مفلح: (وآخره آخر ثاني التشريق، وفي «الإيضاح»: آخر يوم، واختاره شيخنا) [الفروع 3/ 546 (6/ 93)] (4).
_________
(1) انظر: «مختصر الفتاوى المصرية» (525)، «الاختيارات» للبعلي (178).
(2) «الفتاوى» (26/ 308)، «الاختيارات» للبعلي (178).
(3) «الفتاوى «(26/ 308 – 309)، «الاختيارات» للبعلي (178).
(4) «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/378)
553 – التضحية عن الميت أفضل من الصدقة:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: والتضحية عن الميت أفضل) [الفروع 3/ 554 (6/ 101)] (1).
554 – اسم ما يذبح بمكة:
555 – والأضحية من النفقة بالمعروف:
– قال ابن مفلح: (وقال (2): كل ما ذبح بمكة يسمّى هديا، ليس فيه ما يقال له: أضحية، ولا يقال: هديٌ.
وقال: ما ذبح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم هديٌ، ويسمى أيضا: أضحية، فما اشتراه من عرفات وساقه إلى منى فهو هديٌ باتفاق العلماء، وكذا ما اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم، وإن اشتراه من منى وذبحه بها فعن ابن عمر: ليس بهدي «و: م»، وعن عائشة: هديٌ «و: هـ ش» وأحمد، وما ذبح يوم النحر بالحل أضحية لا هديٌ.
وقال: هي من النفقة بالمعروف، فتضحّي امرأة من مال زوج عن أهل البيت بلا إذنه، ومدين لم يطالَب) [الفروع 3/ 554 (6/ 101 ــ 102)] (3).
556 – الحلق بعد ذبح الأضحية:
– قال ابن مفلح: (ويحرم على من يضحّي أو يضحّى عنه ــ في ظاهر
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (178)، وانظر: «الفتاوى» (26/ 304، 306)، و «جامع المسائل» (4/ 255).
(2) أي شيخ الإسلام ابن تيمية.
(3) «الفتاوى» (26/ 137، 305)، «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/379)
كلام الأثرم وغيره ــ أخذ شيء من شعره وظفره وبشرته في العشر، وقال القاضي وغيره: يكره، وأطلق أحمد النهي، ويستحب الحلق بعد الذبح، قال أحمد: على ما فعل ابن عمر تعظيم لذلك اليوم، وعنه: لا، اختاره شيخنا) [الفروع 3/ 555 (6/ 103)] (1).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/380)
باب العقيقة
557 – إذا لم يجد ثمن العقيقة:
– قال ابن مفلح: (فإن عدم اقترض، نص عليه، وقال شيخنا: مع وفاء) [الفروع 3/ 564 (6/ 112)] (1).
558 – عدم اعتبار التمليك في العقيقة:
– قال ابن مفلح: (ولم يعتبر شيخنا التمليك) [الفروع 3/ 565 (6/ 113)] (2).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (178).
(2) «الاختيارات» للبعلي (178).
(1/381)
كتاب البيع
559 – صيغة الإيجاب والقبول:
– قال ابن مفلح: (ونص في رواية أحمد بن القاسم فيمن قيل له: بكم هذا الثوب؟ قال: بعشرة دراهم، فيقول المشتري: قد قبلت: أنه يكفي، ولا يحتاج بعد هذا إلى كلام آخر.
قال الشيخ تقي الدين: فقد نص على أن قوله: «هذا الثوب بعشرة دراهم» إيجاب، وإن لم يلفظ بما اشتق من المبيع، ولا بصيغة انتقال إلى المشتري، وقوله: «هذا بعشرة دراهم» جملة اسمية لا فعلية، مع احتماله لمعنى السوم، وقد نص على أن القبول بصيغة المضارع لا يصح، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 252].
560 – تقدم القبول على الإيجاب:
– قال ابن مفلح: (وقوله (1): «وإن تقدم عليه فعلى روايتين» يعني: إن تقدم بلفظ الماضي أو الطلب.
والذي نصره القاضي وأصحابه: أنه لا يصح، قال: وهي الرواية المشهورة، واختاره أبو بكر وغيره، وذكر ابن هبيرة: أنها أشهرهما عن الإمام أحمد، ومما احتج به أبو الحسين بأن القبول تقدم (2) الإيجاب في عقد
_________
(1) أي: المجد ابن تيمية.
(2) كذا.
(1/383)
يلحقه الفسخ لم يصح، دليله: لو تأخر الإيجاب عن القبول ساعة، وهما في المجلس، وهو معنى كلام أبي الفرج.
وقطع في «المغني» و «الكافي» بالصحة فيما إذا تقدم بلفظ الماضي، كقول الأئمة الثلاثة، وقدم الصحة فيما إذا تقدم بلفظ الأمر، خلافًا لأبي حنيفة، واختار الشيخ تقي الدين الصحة) [النكت على المحرر 1/ 253 – 254].
– وقال أيضا: (ولو تأخر الطلب من المشتري لم يصح قولا واحدا.
وقال الشيخ تقي الدين: إذا كان المبيع عينًا من الطرفين فكلاهما موجب قابل= فينبغي أن يقدم أحدهما على الآخر كالعكس، لكن لو قال أحدهما: ابتعت هذا العبد بهذا، أو قال: بعني= كان تقدما على ظاهر كلام أصحابنا، مع أن الرواية التي ذكرها عن أحمد ليس فيها إلا إذا تقدم بلفظ الطلب والاستدعاء، ولا يلزم من المنع هنا المنع إذا كان بلفظ الخبر، مثل قوله: اشتريت وابتعت.
قال: وأما إذا كان دينا بعين، وهو السلم، فهنا المعروف: أن يقول: أسلمت إليك هذه المائة في وسق حنطة، أو أسلمت إليك مائة في وسق حنطة، فيقول: قبلت. فيقدمون لفظ المسلف، ويجعلونه بمنزلة الموجب، والمستسلف بمنزلة القابل، لأن المسلف هو الذي يقدم العين، فصار بمنزلة البائع، وإن كان في المعنى المستسلف هو البائع، فلو تقدم قول المستسلف بصيغة البيع، مثل أن يقول: بعتك وسق حنطة بعشرة دراهم= فهذا جار على الترتيب، لكنه بلفظ البيع.
ولو قال المسلم: اشتريت منك وسق حنطة بعشرة دراهم، فقال: بعت، فقد استويا من جهة أن المسلف تقدم قبوله، لكن هناك جاء بلفظ القبول،
(1/384)
وهو: «اشتريت»، وهنا جاء بلفظ الإيجاب، وهو: «أسلمت»، فهنا يجيء أربع مسائل، لأن الترتيب بلفظ «السلم» غير الترتيب بلفظ البيع.
ويجوز أن يقارن القبول الإيجاب إذا تولاهما واحد، في مثل قوله: جعلت عتقك صداقك، وقول الولي: تزوجت فلانة، ونحو ذلك، ذكره غير واحد من الأصحاب، لأن الجملة الواحدة تضمنت جملتي القبول والإيجاب، فيكون اشتراط تقدم الإيجاب على القبول حيث افتقر إلى جملتين.
ولو قال: إن بعتني عبدك هذا فلك عليّ ألف، فقال: بعتك= لم يصح البيع، بخلاف الخلع، لأن البيع يفتقر إلى استدعاء تمليك، والخلع لا يفتقر إلى استدعاء تمليك، لأن ملكه يزول عنها بغير رضاها، ذكره القاضي في «الجامع» و «المجرد».
قال الشيخ تقي الدين: ومضمونه أن تقدم القبول بصيغة الشرط لا يصح البتة) [النكت على المحرر 1/ 254 – 256].
561 – الموالاة بين الإيجاب والقبول:
– قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين ــ في أثناء كلامه في اشتراط الاتصال ــ قال: وأما في الموالاة ــ وهو الاتصال ــ فإما في كلام واحد، كالأيمان والنذور والطلاق والعتق، وفيها الروايتان في الأيمان والطلاق، وهما في العقود أولى. هذا كلامه.
وقال أيضًا في موضع آخر ــ والظاهر أنه من كلام أبي حفص العكبري، لأنه يعلم له «ك» وفي هذا الموضع علم له «ك» ــ: إذا قال: بعت أو زوجت
(1/385)
ونحوهما، وطال الفصل قبل القبول، ثم قال البائع: ألا تقبل مني هذا البيع؟ اقبله مني. فقال: قبلت= فأفتيت بانعقاد البيع، وكذلك لو قال: إن أبرأتني هذه الساعة من صداقك فأنت طالق. فقالت: ما أبريك، ثم سكتوا زمانًا، ثم قال: بل أبريني، فقالت: أبرأتك= أفتيت بوقوع الطلاق، لأن هذه الصيغ متضمنة للطب، لأن كل واحد من المتعاقدين طالب من الآخر مقصوده، فمتى تكلم بصيغة العقد، وطال الفصل، ثم طلب مقصوده الذي طلبه أولًا طلبًا ثانيًا= كان هذا بمنزلة ابتدائه الطلب حيئنذ، وكان ترك ذكره للعوض الآخر من باب المحذوف المدلول عليه، ويمكن أن تبنى هذه المسألة على الشرط المتقدم على العقد: هل هو بمنزلة المقارن؟ وهذا بناء صحيح) [النكت على المحرر 1/ 257 – 258].
562 – بيع المعاطاة:
– قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: وأصوله تقتضي ثبوت العقود والشروط بالعرف في مسألة الحمَّام والغسل.
وقد نصَّ أحمد على أن العقد والفسخ لا يكون إلا بكلام في رواية إسماعيل بن سعيد، قال: سألت أحمد بن حنبل، قلت: أرأيت لو أعتق المشتري العبد الذي اشتراه، وهما في المجلس فأنكر البائع عتقه، وأراد أن يرد بيعه، هل له ذلك؟ قال: عتق المشتري فيه جائز بمنزلة الموت، ما لم يرجع البائع فيه قبل عتقه، ولا يكون الرجوع للبائع فيه إلا بكلام، مثل البيع الذي ما يكون إلا بكلام. انتهى كلام الشيخ.
ولعل هذا من أحمد على الرواية التي تمنع بيع المعاطاة.
(1/386)
قال الشيخ تقي الدين: عبارة أصحابنا وغيرهم تقتضي أن المعاطاة ونحوها ليست من الإيجاب والقبول، وهذا تخصيص عرفي، فالصواب الاصطلاح الموافق للغة، وكلام المتقدمين: أن لفظ الإيجاب والقبول يشتمل على صور العقد: قولية أو فعلية.
قال: ولهذا قيده القاضي في آخر كلامه، حيث قال: لم يوجد الإيجاب والقبول المعتاد، يعني: المعتاد تسميته بذلك) [النكت على المحرر 1/ 260] (1).
563 – تصرفات الصغير المميز:
– قال ابن مفلح: (وعنه: يصح تصرف مميز ويقف على إجازة وليه، نقل حنبل: إن تزوج الصغير، فبلغ أباه فأجازه، جاز. قال جماعة: ولو أجازه هو بعد رشده، لم يجز.
وقال شيخنا: رضاه بقسمه هو قسمة تراض، وليس إجازة لعقد فضولي.
وقال: إن نفذ عتقه المتقدم، أو دل على رضاه به عتق، كمن يعلم أنه يتصرف كالأحرار) [الفروع 4/ 5 ــ 6 (6/ 125)].
564 – بيع شحوم الميتة للاستصباح:
– قال ابن القيم: (وأما تحريم بيع الميتة، فيدخل فيه كل ما يسمى ميتة، سواء مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة لا تفيد حله، ويدخل فيه أبعاضها أيضا،
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (29/ 5 – 20، 226 – 227).
(1/387)
ولهذا استشكل الصحابة – رضي الله عنهم – تحريم بيع الشحم، مع ما لهم فيه من المنفعة، فأخبرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه حرام، وإن كان فيه ما ذكروا من المنفعة، وهذا الموضع اختلف الناس فيه، لاختلافهم في فهم مراده – صلى الله عليه وسلم -، وهو: أن قوله: «لا، هو حرام» هل هو عائد إلى البيع، أو عائد إلى الأفعال التي سألوا عنها؟
فقال شيخنا: هو راجع إلى البيع، فإنه – صلى الله عليه وسلم – لما أخبرهم: أن الله حرم بيع الميتة، قالوا: إن في شحومها من المنافع كذا وكذا ــ يعنون: فهل ذلك مسوغ لبيعها؟ ــ فقال: «لا، هو حرام») [زاد المعاد 5/ 749] (1).
وانظر: ما تقدم برقم (17).
565 – بيع الطير لقصد صوته:
– قال ابن مفلح: (ويجوز بيع طير لقصد صوته، قاله جماعة، وعند شيخنا: إن جاز حبسه) [الفروع 4/ 9 (6/ 129)] (2).
566 – ضابط الوصف المعتبر:
– قال ابن مفلح: (قوله (3): «أو بصفة تكفي في السلم».
تارة يصفه بقوله، وهذا هو المعروف، وتارة يقول: هو مثل هذا، فيجعل له مثالًا يرد إليه فإن هذا كما لو وصف وأولى، قاله الشيخ تقي
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (24/ 270 – 271).
(2) «الاختيارات» للبعلي (179).
(3) أي: المجد ابن تيمية.
(1/388)
الدين (1)) [النكت على المحرر (1/ 427)].
567 – بيع العقار بالصفة:
– قال ابن مفلح: ( … ولما احتج الحنفية لمذهبهم في صحة بيع الغائب من غير رؤية ولا صفة بما روي عن الصحابة – رضي الله عنهم – من بيع العقار= حمل القاضي والشيخ موفق الدين ذلك على أنه يحتمل أن يكون وصف له.
قال الشيخ تقي الدين: وهذا يقتضي أن بيع العقار بالصفة جائز، والعقار لا يجوز فيه السلم، فعلم أن هذا أوسع من باب السلم) [النكت على المحرر 1/ 292].
_________
(1) كذا في مطبوعة «النكت والفوائد»، وأخشى أن يكون صواب العبارة: (قال الشيخ تقي الدين)؛ لأنه قال بعدها: (وقد نص الإمام أحمد على ذلك في رواية جعفر بن محمد وغيره، فإن ذلك القياس ليس مبيعا، بل يقول: أبيعك ثوبا مثل هذا، فالذي ينبغي أنه لا فرق؛ لأن معرفة الغائب برؤية مثله لا تختلف يكون ذلك المثل مبيعا أو غير مبيع، ومعرفة الشيء برؤية مثله أتم من معرفته بوصفه بالقول، لكن إذا قلنا: إنه لا بد من رؤية المبيع ــ كمذهب الشافعي ــ فرؤية البعض تكفي في المتماثلات ونحوها، ولو أراه في المتماثلات ما ليس من المبيع، وقال: المبيع مثل هذا، لم يكف، وهذا قياس هذا القول. انتهى كلامه) ا. هـ.
قوله: (انتهى كلامه) يفيد أن هذا الكلام منقول, ولم يتقدم ذكر لقائله, فيحتمل أن يكون صواب العبارة السابقة (قال الشيخ تقي الدين)، ويحتمل أن في الكلام سقطا, وتحقيق الأمر يحتاج إلى مراجعة الأصول الخطية للكتاب, فإن ظهر رجحان الاحتمال الأول, فينقل هذا النص إلى الجوف بدلا عن النص المثبت الآن, والله أعلم.
(1/389)
568 – إذا عدمت الصفة وعرف المبيع بذوق أو لمس أو شم:
– قال ابن مفلح: (فإن عدمت الصفة فعرف المبيع بذوق أو لمس أو شم صح وإلا فلا، وإن باع شيئًا بثمن معين احتمل وجهين، ووافق على صحة بيعه أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: لا يصح، بناء على الأصل المذكور.
قال الشيخ تقي الدين: وعلى الرواية التي توافقه يمكن أن نقول: يصح هنا للحاجة.
ولا يشترط مع الرؤية ذوق ولا لمس ولا شم، ذكره القاضي بما يقتضي أنه محل وفاق، وأنه لا يثبت الخيار بعدمه عند أبي حنيفة.
وذكر (1) أبو الخطاب: أنه يشترط أيضًا المعرفة، فلا يجوز أن يشتري غير الجوهري جوهرة، ولا غير الكاتب كتابًا مثمنًا، أو يشتري الدباغ عودًا كبيرًا.
قال: على ما نقله أبو طالب عن الإمام أحمد: إذا لم يعرف صفته فهو بيع فاسد. وكذلك الميموني: فلا يبيعه حتى يراه ويعرفه. قال: فشرط المعرفة، لأنه ليس المقصود عين المعرفة، وإنما المقصود المعرفة بها.
ثم ذكر وجهًا ثانيًا: أنه لا يشترط، وفرق بينه وبين الرؤية، وذكر في موضع آخر من المسألة: أن الوجه الثاني أصح، وأنه يكفي مجرد الرؤية، أو الصفة في جميع المبيعات) [النكت على المحرر 1/ 292 – 293].
_________
(1) من هنا إلى آخر النص لا أدري هل هو من تتمة كلام ابن تيمية، أم أنه كلام مستأنف لابن مفلح؟
(1/390)
569 – إذا اشترى الشيء بغير رؤية ولا صفة:
– قال ابن مفلح: (وعنه: ويعرف صفة المبيع تقريبا، فلا يصح شراء غير جوهري جوهرة، وقيل: وشمه وذوقه، وعلى الأصح: أو رؤية سابقة بزمن لا يتغير فيه ظاهرا، وقيل: يعتبر (1) ظن بقاء ما اصطرفا به، وعلى الأصح: أو بصفة تكفي في السلم «ق» فيصح بيع أعمى وشراؤه كتوكيله «و» وعنه: لا تكفي (2) «خ» وعنه: وبغير صفة «و: هـ» اختاره شيخنا في موضع، وضَعَّفَهُ أيضًا (3)، هذا إن ذكر جنسه وإلا لم يصح رواية واحدة قاله القاضي وغيره) [الفروع 4/ 21 – 22 (6/ 144)] (4).
570 – مسألة:
– قال ابن مفلح: (وكذا مسألة: بعتك بعشرة نقدًا، وبعشرين نسيئة، فإن باع من المعدود المنفصل المتقارب كالبيض، مثل: أن يبيع مائة بيضة من ألف بيضة، فينبغي أن يخرج على السلم فيه عددًا، فإن صح ــ وهو الراجح ــ صح ذلك، وإلا فلا.
وذكر القاضي في مسألة المبيع المتعين أنه يصح.
قال الشيخ تقي الدين: وهو مقتضى قول الخرقي، إلا أن نجعل قول
_________
(1) في ط 1: (بغير)، والمثبت من ط 2.
(2) في ط 1: (أو لا يكفي).
(3) قال البعلي في «الاختيارات»: (في موضع آخر).
(4) «الاختيارات» للبعلي (179)، وانظر: «الفتاوى» (20/ 345؛ 29/ 221 – 222، 306).
(1/391)
الخرقي: «معدودًا»: يعم المذروع (1) أيضًا) [النكت على المحرر 1/ 295 (1/ 431)].
571 – بيع الصفة والسلم حالّا:
– قال ابن مفلح: (وجَوَّز شيخنا بيع الصفة والسلم حالّا إن كان في ملكه، قال: وهو المراد بقوله عليه السلام لحكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» فلو لم يجز السلم حالّا لقال: لا تبع هذا، سواء كان عنده أو لا، وأما إذا لم يكن عنده، فإنما يفعله لقصد التجارة والربح، فيبيعه بسعر، ويشتريه بأرخص، ويلزمه تسليمه في الحال، وقد يقدر عليه وقد لا، وقد لا تحصل له تلك السلعة إلا بثمن أعلى مما تسلف فيندم، وإن حصلت بسعر أرخص من ذلك ندم المسلف، إذ كان يمكنه أن يشتريه هو بذلك الثمن، فصار هذا من نوع الميسر والقمار والمخاطرة، كبيع العبد الآبق والبعير الشارد يباع بدون ثمنه، فإن حصل ندم البائع، وإن لم يحصل ندم المشتري، وأما مخاطرة التجارة فيشتري السلعة بقصد أن يبيعها بربح، ويتوكل على الله تعالى في ذلك، فهذا الذي أحله الله) [الفروع 4/ 23 ــ 24 (6/ 146 – 147] (2).
وانظر: ما يأتي تحت المسألة رقم (584)، والمسألة رقم (678).
572 – إذا قال الشريك: بعتك ثلث الدار أو ربعها:
573 – وإذا باع الشريك نصيبه من بيت من دار له فيها بيوت:
– قال ابن مفلح: (قوله (3): «وإن باعه ذراعًا غير معين من أرض أو
_________
(1) في ط 1: (المزروع) والتصويب من ط 2.
(2) انظر: «الاختيارات» للبعلي (179).
(3) أي: صاحب المحرر.
(1/392)
ثوب لم يصح، إلا أن يعلما ذرع الكل فيصح في قدره مشاعًا».
قال ابن منصور: قلت للإمام أحمد: قال سفيان في خمس نفر بينهم خمسة أبيات في دار، فباع أحدهم نصيبه في بيت: لا أجيزه، وإن باعوا جميعًا جاز، هو ضرر يضر بأصحابه، هو لا يستطيع أن يأخذ نصيبه من ذلك البيت.
فإن قال: أبيعك بيتًا من الدار، لا يجوز، يبيع ما ليس له (1)؟ قيل له: فإن قال: أبيعك خمس الدار؟ فقال: إذا قال: نصيبي. قال أحمد: جيد.
قيل للإمام أحمد: قال سفيان: إذا كان دار بين اثنين، فقال أحدهما: أبيعك نصف هذه الدار. قال: لا يجوز، إنما له الربع من النصف، حتى يقول: نصيبي. قال أحمد: هو كما قال.
قال الشيخ تقي الدين: هذا الكلام فيه مسألتان:
إحداهما: إذا قال الشريك: بعتك ثلث الدار أو ربعها أو قيراطًا منها لم يجز حتى يقول: نصيبي، لأن قوله: الثلث أو النصف يعم النصف من نصيبه ونصيب شريكه، وكذلك الهبة والوقف والرهن.
المسألة الثانية: إذا باع نصيبه من بيت من دار له فيها بيوت= لم يجز، بخلاف ما لو باع نصيبه من البيوت كلها، ولهذا إذا باع البيت جميعه لم يجز بيعه في نصيبه لأنه لا يملك بيعه مفردًا، لأن في ذلك ضررًا بالشركاء، لأن المشتري لا يمكنه الانتفاع ببعض البيت إلا بالانتفاع بغيره من الأرض
_________
(1) في «مسائل إسحاق بن منصور» (2/ 151): (قيل: فإن قال: أبيعك بيتا من الدار؟ قال: لا يجوز، بيع ما ليس عنده) ا. هـ
(1/393)
المشتركة، وإنما يملك الانتفاع من كان شريكًا في البيوت كلها.
وهذا معنى قوله: «هو لا يستطيع أن يأخذ نصيبه من ذلك» يعني أن الانتفاع بنصيبه من ذلك البيت دون غيره لا يجوز، فكيف يجوز للمشتري منه؟
وقال ــ بعد أن ذكر كلام صاحب «المحرر» ــ: تقدم الكلام على بيع المشاع، وكلام الإمام أحمد يخالف هذا، وإذا علمنا عدد العبيد وأوجبنا القسمة أعيانًا، فالفرق بين المتصل والمنفصل بين ذراع من أرض، وعبد من أعبد= ليس بذاك، وقد ذكروا احتمالًا في صحة بيع ذراع مبهم، ويكون مشاعًا، فكذلك بيع عبد مبهم. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 295 – 296 (1/ 432 – 433)] (1).
574 – إذا استأجر مبهما في مجموعة:
– قال ابن مفلح: (قوله (2): «وإذا باع عبدًا مبهمًا في أعبد لم يصح».
قال القاضي: إذا ابتاع ثوبًا من أحد هذين، أو من أحد ثلاثة، أو من أحد أربعة: فالعقد فاسد، ولم يذكر عن أحمد ولا غيره نصًا، وذكر في أثناء المسألة: أنه يصح مثل ذلك في الإجارة فيما يتقارب نفعه، وهذا مثل مذهب مالك في البيع.
قال الشيخ تقي الدين: والفرق بين البيع والإجارة عسر، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 294 – 295].
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (29/ 233 – 235).
(2) أي: المجد ابن تيمية في «المحرر».
(1/394)
575 – الاستثناء في الإقرار ونحوه:
– قال ابن مفلح: (قوله (1): «أو بدينار إلا درهمًا (2)».
قال حرب: سألت الإمام أحمد، قلت: الرجل يقول: أبيعك هذا بدينار إلا درهمًا؟ قال: لا يجوز، ولكن بدينار إلا قيراطًا، ونحو ذلك، لأن الاستثناء يكون في شيء يعرف، والدرهم ليس يعرف كم هو من الدينار؟ ويجوز أن يقول: أبيعك بدينار ودرهم.
قال الشيخ تقي الدين: قد يؤخذ من هذا جواز الاستثناء في الإقرار ونحوه لأنه علل بالجهالة، وذلك لا يضر في الإقرار، ولأنه لو كان الاستثناء باطلًا لصح بالدينار، ولغا قوله: إلا درهما، على قول من يبطل هذا الاستثناء. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 302].
576 – بيع لبن موصوف في الذمة من شاة أو بقرة معينة:
– قال ابن القيم: (وأما إن باعه لبنًا مطلقًا، موصوفًا في الذمة، واشترط كونه من هذه الشاة، أو البقرة.
فقال شيخنا: هذا جائز، واحتج بما في «المسند»: من أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى أن يسلم في حائط بعينه، إلا أن يكون قد بدا صلاحه.
قال: فإذا بدا صلاحه، وقال: أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط= جاز، كما يجوز أن يقول: ابتعت منك عشرة أوسق من هذه
_________
(1) أي: المجد ابن تيمية في «المحرر».
(2) أي: إذا باعه شيئا بدينار إلا درهما.
(1/395)
الصبرة، ولكن الثمن (1) يتأخر قبضه إلى كمال صلاحه. هذا لفظه) [زاد المعاد 5/ 823].
– وقال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إن باعه لبنا موصوفا في الذمة، واشترط كونه من هذه الشاة أو البقرة جاز، واحتج بما في «المسند» أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى أن يسلم في حائط بعينه، إلا أن يكون قد بدا صلاحه.
قال: فإذا بدا صلاحه، وقال: أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط جاز، كما يجوز أن يقول: ابتعت منك عشرة أوسق من هذه الصبرة، ولكن التمر يتأخر قبضه إلى كمال صلاحه. هذا لفظه) [الفروع 4/ 25 ــ 26 (6/ 147 – 148)] (2).
577 – بيع المقاثي ونحوها من المغيبات مع عدم ظهور أصلها:
– قال ابن القيم: (يجوز بيع المقاثي والباذنجان ونحوها بعد أن يبدو صالحها كما تباع الثمار في رؤوس الأشجار، ولا يمنع من صحة المبيع تلاحق المبيع شيئا بعد شيء، كما لم يمنع ذلك صحة بيع التوت والتين وسائر ما يخرج شيئا بعد شيء، هذا محض القياس … وبيع ذلك كبيع الثمار، وهو قول أهل المدينة، وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخنا) [إعلام الموقعين 3/ 402 – 403].
– وقال أيضا: (اختلف الفقهاء في جواز بيع المغيبات في الأرض من البصل والثوم والجزر واللفت والفجل والقلقاس ونحوها على قولين:
_________
(1) كذا بالأصل, ولعل الصواب: (التمر) كما سيأتي في النقل عن «الفروع» , والله أعلم.
(2) «الاختيارات» للبعلي (179).
(1/396)
أحدهما: المنع من بيعه كذلك، لأنه مجهول غير مشاهد، والورَق لا يدل على باطنه، يخلاف ظاهر الصبرة، وعند أصحاب هذا القول لا يباع حتى يقلع.
والقول الثاني: يجوز بيعه كذلك على ما جرت به عادة أصحاب الحقول، وهذا قول أهل المدينة، وهو أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، اختاره شيخنا) [إعلام الموقعين 4/ 4].
– وقال أيضا: (والنوع المختلف فيه (1)، كبيع المقاثي والمباطخ إذا طابت، فهذا فيه قولان:
أحدهما: أنه يجوز بيعها جملة، ويأخذها المشتري شيئًا بعد شيء، كما جرت به العادة، ويجري مجرى بيع الثمرة بعد بدوِّ صلاحها، وهذا هو الصحيح من القولين الذي استقر عليه عمل الأمة، ولا غنى لهم عنه، ولم يأت بالمنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا أثر ولا قياس صحيح، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، وأحد القولين في مذهب أحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [زاد المعاد 5/ 808 ــ 809].
– وقال ابن مفلح: (ولا فُجل (2) ونحوه قبل قلعه، في المنصوص، وقثاء ونحوه، إلا لقطة لقطة، نص عليه، إلا مع أصله، وجوّز ذلك شيخنا، وقال: هو قول كثير من أصحابنا «و: م» لقصد الظاهر غالبا) [الفروع 4/ 27
_________
(1) أي: من أنواع بيع المعدوم التابع للموجود.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (هو بضم الفاء، على وزن قفل)، والمعنى: ولا يصح بيع فجل.
(1/397)
(6/ 149)] (1).
وانظر: ما يأتي تحت المسألة رقم (624).
578 – بيع الثمر بعد بدو صلاحه:
– قال ابن مفلح: (ورخص في الثمر بعد بدوِّ صلاحه، قال شيخنا: وبعضه معدوم) [الفروع: 4/ 27 (6/ 150)] (2).
579 – بيع النحل في كواراته:
– قال ابن مفلح: (وقال في «الكافي»: ويجوز بيع النحل في كواراته ومنفردًا عنها، إذا رؤى وعلم قدره.
وذكر الشيح تقي الدين كلامه في «الكافي»، ثم قال: وهذا الكلام يقتضي أنه اشترط العلم فقط، وأنه يصح بيعه طائرًا، كالعبد الخارج من المنزل وهو أصح. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 288].
580 – بيع العين المؤجرة:
– قال ابن مفلح: (وقد نقل الميموني عن الإمام أحمد: سأله رجل: اكتريت دارًا أربعة أشهر، فخرج بعد شهر؟ فسمعته يقول: مذهبنا أنه يلزمه الكراء. ثم قال أبو عبد الله: ليس له أن يخرجه من منزله، قلت: ولا له أن ييبعه؟ قال: ولا له أن يبيعه، إلا أن يبين شرطه، هذا الذي له فيه.
_________
(1) «الفتاوى» (20/ 547، 29/ 227 – 228، 484 – 485، 487 – 493)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (180، 191).
(2) «الفتاوى» (30/ 200).
(1/398)
قال الشيح تقي الدين: رواية الميموني ظاهرها أنه من باع العين المؤجرة، ولم يبين للمشترى أنها مستأجرة لم يصح) [النكت على المحرر 1/ 289 – 290] (1).
581 – نقل الملك في العين المؤجرة بغير البيع:
582 – وإذا بيعت العين المؤجرة ونحوها مما قد يتعلق به حق غير المالك وهو عالم بالبيع ولم يتكلم:
583 – وإذا رأى عبده يبيع فلم ينهه:
– قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: سائر نقل الملك في العين المؤجرة كالبيع، فلو وهبها، أو أعتق العبد المؤجر، أو وقفها، فينبغي أن يكون كالبيع، لا يسقط حق المستأجر، وكذلك لو زوج الحرة أو الأمة المؤجرة، فينبغي أن يقدم حق المستأجر على حق الزوج، فإن الزوج لا يكون أقوى من المشتري، لا سيما عند من يقول: إن السيد لا يجب عليه تسليم الأمة نهارًا، لأن السيد يستحق الاستخدام، فإذا قدم حق السيد فحق المستأجر أولى، لأن العقود الواردة إذا أوردها المستحق قطعت حقه، بخلاف ما إذا أوردها غير المستحق.
وقال: إذا بيعت العين المؤجرة، أو المرهونة ونحوها، مما قد يتعلق به حق غير البائع وهو عالم بالبيع، فلم يتكلم، فينبغي أن يقال: لا يملك المطالبة بفساد البيع بعد هذا، لأن إخباره بالعيب واجب عليه بالسنة بقوله: «ولا يحل لمن علم ذلك إلا أن يبينه» فكتمانه تغرير، والغار ضامن.
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (230).
(1/399)
وكذلك ينبغي أن يقال: فيما إذا رأى عبده يبيع فلم ينهه، وفي جميع المواضع فالمذهب: أن السكوت لا يكون إذنًا، فلا يصح التصرف، لكن إذا لم يصح يكون تغريرًا، فيكون ضامنًا، فإن ترك الواجب عندنا يوجب الضمان بفعل المحرم، كما نقول في مسألة المستضيف، ومن قدر على إنجاء شخص من الهلكة، بل الضمان هنا أقوى. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 290 – 291].
584 – حديث «لا تبع ما ليس عندك»:
– قال ابن القيم: (ورأيت لشيخنا في الحديث فصلا مفيدا وهذه سياقته، قال: للناس في هذا الحديث أقوال:
قيل: المراد بذلك أن يبيع السلعة المعينة التي هي مال الغير، فيبيعها ثم يتملكها ويسلمها إلى المشتري، والمعنى: لا تبع ما ليس عندك من الأعيان، ونقل هذا التفسير عن الشافعي، فإنه يُجوِّز السلم الحال وقد لا يكون عند المسلم إليه ما باعه، فحمله على بيع الأعيان ليكون بيع ما في الذمة غير داخل تحته، سواء كان حالًا أو مؤجلًا.
وقال آخرون: هذا ضعيف جدًا، فإن حكيم بن حزام ما كان يبيع شيئًا معينًا هو ملك لغيره، ثم ينطلق فيشتريه منه، ولا كان الذين يأتونه يقولون: نطلب عبد فلان، ولا دار فلان، وإنما الذي يفعله الناس أن يأتيه الطالب فيقول: أريد طعاما كذا وكذا، أو ثوبا كذا وكذا، أو غير ذلك، فيقول: نعم، أعطيك، فيبيعه منه، ثم يذهب فيحصله من عند غيره إذا لم يكن عنده، هذا هو الذي يفعله من يفعله من الناس، ولهذا قال: «يأتيني فيطلب مني المبيع عندي»، لم يقل: يطلب مني ما هو مملوك لغيري، فالطالب طلب الجنس لم
(1/400)
يطلب شيئا معينا، كما جرت به عادة الطالب لما يؤكل ويلبس ويركب، إنما يطلب جنس ذلك ليس له غرض في ملك شخص بعينه دون ما سواه مما هو مثله أو خير منه، ولهذا صار الإمام أحمد وطائفة إلى القول الثاني، فقالوا: الحديث على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده، وهو يتناول النهي عن السلم إذا لم يكن عنده، لكن جاءت الأحاديث بجواز السلم المؤجل، فبقي هذا في السلم الحال.
والقول الثالث ــ وهو أظهر الأقوال ــ: أن الحديث لم يُرد به النهي عن السلم المؤجل ولا مطلقا، وإنما أريد به أن يبيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكا له ولا يقدر على تسليمه، ويربح فيه قبل أن يملكه ويضمنه ويقدر على تسليمه، فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه، فيلزم ذمته بشيء حال ويربح فيه، وليس هو قادرا على إعطائه، وإذا ذهب يشتريه فقد يحصل وقد لا يحصل، فهو من نوع الغرر والمخاطرة، وإذا كان السلم حالا وجب عليه تسليمه في الحال، وليس بقادر على ذلك، ويربح فيه على أن يملكه ويضمنه، وربما أحاله على الذي ابتاع منه فلا يكون قد عمل شيئا، بل أكل المال بالباطل، وعلى هذا فإذا كان السلم الحال والمسلم إليه قادرا على الإعطاء فهو جائز، وهو كما قال الشافعي: إذا جاز المؤجل فالحال أولى بالجواز.
ومما يبين أن هذا مراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن السائل إنما سأله عن بيع شيء مطلق في الذمة كما تقدم، لكن إذا لم يجز بيع ذلك فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع، وإذا كان إنما سأله عن بيع شيء في الذمة فإنما سأله عن بيعه حالا، فإنه قال: أبيعه ثم أذهب فأبتاعه، فقال له: «لا تبع ما ليس عندك»،
(1/401)
فلو كان السلف الحال لا يجوز مطلقا لقال له ابتداء: لا تبع هذا، سواء كان عنده أو ليس عنده، فإن صاحب هذا القول يقول: بيع ما في الذمة حالا لا يجوز، ولو كان عنده ما يسلمه، بل إذا كان عنده فإنه لا يبيع إلا معينا، لا يبيع شيئا في الذمة، فلما لم ينه النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك مطلقا بل قال: «لا تبع ما ليس عندك» = علم أنه – صلى الله عليه وسلم – فرق بين ما هو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه وما ليس كذلك، وإن كان كلاهما في الذمة.
ومن تدبر هذا تبين له أن القول الثالث هو الصواب، فإن قيل: إن بيع المؤجل جائز للضرورة، وهو بيع المفاليس، لأن البائع احتاج أن يبيع إلى أجل وليس عنده ما يبيعه الآن، فأما الحال فيمكنه أن يحضر المبيع فيراه فلا حاجة إلى بيع موصوف في الذمة أو بيع عين غائبة موصوفة لا يبيع شيئا مطلقا.
قيل: لا نسلم أن السلم على خلاف الأصل، بل تأجيل المبيع كتأجيل الثمن، كلاهما من مصالح العالم، والناس لهم في مبيع الغائب ثلاثة أقوال: منهم من يجوزه مطلقا، ولا يجوزه معينا موصوفا، كالشافعي في المشهور عنه؛ ومنهم من يجوزه معينا موصوفا، ولا يجوزه مطلقا، كأحمد وأبي حنيفة؛ والأظهر جواز هذا وهذا، ويقال للشافعي مثل ما قال هو لغيره: إذا جاز بيع المطلق الموصوف في الذمة فالمعين الموصوف أولى بالجواز، فإن المطلق فيه من الغرر والخطر والجهل أكثر مما في المعين، فإذا جاز بيع حنطة مطلقة بالصفة= فجواز بيعها معينة بالصفة أولى، بل لو جاز بيع المعين بالصفة فللمشتري الخيار إذا رآه= جاز أيضا، كما نقل عن الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين، وقد جَوَّز القاضي وغيره من أصحاب أحمد السلم الحال بلفظ البيع.
(1/402)
والتحقيق أنه لا فرق بين لفظ ولفظ، فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرد ألفاظها، ونفس بيع الأعيان الحاضرة التي يتأخر قبضها يسمى: «سلفا» إذا عجل له، كما في «المسند» عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه نهى أن يسلم في الحائط بعينه إلا أن يكون قد بدا صلاحه، فإذا بدا صلاحه وقال: أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط جاز، كما يجوز أن يقول: ابتعت عشرة أوسق من هذه الصبرة، ولكن الثمن يتأخر قبضه إلى كمال صلاحه، فإذا عجل له الثمن قيل له: سلف، لأن السلف هو الذي تقدم، والسالف: المتقدم، قال الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56]، والعرب تسمي أول الرواحل: «السالفة»، ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : «ألحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون»، وقول الصديق – رضي الله عنه -: لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي. وهي: العنق.
ولفظ: «السلف» يتناول القرض والسلم، لأن المقرض أيضا أسلف القرض، أي: قدمه، ومنه هذا الحديث: «لا يحل سلف وبيع»، ومنه الحديث الآخر: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استسلف بكرا وقضى جملا رباعيا، والذي يبيع ما ليس عنده لا يقصد إلا الربح، وهو تاجر، فيستلف بسعر ثم يذهب فيشتري بمثل ذلك الثمن، فإنه يكون قد أتعب نفسه لغيره بلا فائدة، وإنما يفعل هذا من يتوكل لغيره فيقول: أعطني فأنا أشتري لك هذه السلعة، فيكون أمينا، أما أنه يبيعها بثمن معين يقبضه، ثم يذهب فيشتريها بمثل ذلك الثمن من غير فائدة في الحال فهذا لا يفعله عاقل.
نعم إذا كان هناك تاجر فقد يكون محتاجا إلى الثمن، فيستسلفه وينتفع به مدة إلى أن يحصل تلك السلعة، فهذا يقع في السلم المؤجل، وهو الذي
(1/403)
يسمى: «بيع المفاليس»، فإنه يكون محتاجا إلى الثمن وهو مفلس، وليس عنده في الحال ما يبيعه ولكن له ما ينتظره من مغل أو غيره، فيبيعه في الذمة، فهذا يفعل مع الحاجة، ولا يفعل بدونها إلا أن يقصد أن يتجر بالثمن في الحال، أو يرى أنه يحصل به من الربح أكثر مما يفوت بالسلم، فإن المستسلف يبيع السلعة في الحال بدون ما تساوي نقدا، والمسلف يرى أن يشتريها إلى أجل بأرخص مما يكون عند حصولها، وإلا فلو علم أنها عند طرد الأصل تباع بمثل رأس مال السلم لم يسلم فيها فيذهب نفع ماله بلا فائدة، وإذا قصد الأجر أقرضه ذلك قرضا، ولا يجعل ذلك سلما إلا إذا ظن أنه في الحال أرخص منه وقت حلول الأجل، فالسلم المؤجل في الغالب لا يكون إلا مع حاجة المستسلف إلى الثمن، وأما الحال فإن كان عنده فقد يكون محتاجا إلى الثمن فيبيع ما عنده معينا تارة وموصوفا أخرى، وأما إذا لم يكن عنده فإنه لا يفعله إلا إذا قصد التجارة والربح فيبيعه بسعر ويشتريه بأرخص منه، ثم هذا الذي قدره قد يحصل كما قدره، وقد لا يحصل له تلك السلعة التي يسلف فيها إلا بثمن أغلى مما أسلف، فيندم، وإن حصلت بسعر أرخص من ذلك قدم السلف إذ كان يمكنه أن يشتريه هو بذلك الثمن، فصار هذا من نوع الميسر والقمار والمخاطرة، كبيع العبد الآبق والبعير الشارد يباع بدون ثمنه، فإن حصل ندم البائع، وإن لم يحصل ندم المشتري، وكذلك بيع حبل الحبلة وبيع الملاقيح والمضامين ونحو ذلك مما قد يحصل وقد لا يحصل، فبائع ما ليس عنده من جنس بائع الغرر الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وهو من جنس القمار والميسر.
والمخاطرة مخاطرتان: مخاطرة التجارة: أن يشتري السلعة بقصد أن يبيعها ويربح ويتوكل على الله في ذلك؛ والخطر الثاني: الميسر الذي
(1/404)
يتضمن أكل المال بالباطل، فهذا الذي حرمه الله تعالى ورسوله، مثل بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة والملاقيح والمضامين وبيع الثمار قبل بدو صلاحها، ومن هذا النوع يكون أحدهما قد قمر الآخر وظلمه، ويتظلم أحدهما من الآخر، بخلاف التاجر الذي قد اشترى السلعة ثم بعد هذا نقص سعرها فهذا من الله سبحانه ليس لأحد فيه حيلة، ولا يتظلم مثل هذا من البائع، وبيع ما ليس عنده من قسم القمار والميسر لأنه قصد أن يربح على هذا لما باعه ما ليس عنده، والمشتري لا يعلم أنه يبيعه ثم يشتري من غيره، وأكثر الناس لو علموا ذلك لم يشتروا منه، بل يذهبون ويشترون من حيث اشترى هو، وليست هذه المخاطرة مخاطرة التجار بل مخاطرة المستعجل بالبيع قبل القدرة على التسليم، فإذا اشترى التاجر السلعة وصارت عنده ملكا وقبضا فحينئذ دخل في خطر التجارة وباع بيع التجارة كما أحله الله بقوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، والله أعلم) [زاد المعاد 5/ 811 – 816].
وانظر: ما تقدم برقم (571). وما يأتي برقم (678).
585 – بيع الحيوان المذبوح مع جلده، أو بيع اللحم وحده والجلد وحده:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا في حيوان مذبوح: يجوز بيعه مع جلده جميعا، كما قبل الذبح، كقول جماهير العلماء كما يعلمه إذا رآه حيّا، ومنعه بعض متأخري الفقهاء، ظانًّا أنه بيع غائب بدون رؤية ولا صفة.
قال شيخنا: وكذلك يجوز بيع اللحم وحده والجلد وحده، وأبلغ من ذلك: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبا بكر في سفر الهجرة، اشتريا من رجل شاة، واشترطا
(1/405)
له رأسها وجلدها وسواقطها، وكذلك كان أصحابه عليه السلام يتبايعون) [الفروع 4/ 29 ــ 30 (6/ 155)] (1).
586 – اشتراط معرفة الثمن:
587 – والبيع بما ينقطع به السعر:
588 – والبيع بدون تسمية الثمن:
589 – وبيع السلعة برقمها:
– قال ابن القيم: ( … والقول الثاني ــ وهو الصواب المقطوع به، وهو عمل الناس في كل عصر ومصر ــ: جواز البيع بما ينقطع به السعر، وهو منصوص الإمام أحمد، واختاره شيخنا، وسمعته يقول: هو أطيب لقلب المشتري من المساومة، يقول: لي أسوة بالناس، آخذ بما يأخذ به غيري.
قال: والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه، بل هم واقعون فيه، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا إجماع الأمة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح يحرمه، وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل، وأكثرهم يجوزون عقد الإجارة بأجرة المثل كالنكاح (2) والغسال والخباز والملاح وقيِّم الحمَّام والمكاري والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمَّام، فغاية البيع بالسعر أن يكون بيعه بثمن المثل فيجوز، كما تجوز المعاوضة بثمن المثل في هذه الصورة وغيرها، فهذا هو القياس الصحيح، ولا تقوم مصالح الناس إلا به) [إعلام الموقعين 4/ 6].
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (180).
(2) كذا، وتحرر.
(1/406)
– وقال أيضا: (إذا قال: بعتك هذه السلعة، ولم يسم الثمن؟ … وجواب شيخنا ابن تيمية: صحة البيع بدون تسمية الثمن؛ لانصرافه إلى ثمن المثل، كالنكاح، والإجارة، كما في دخول الحمَّام، ودفع الثوب إلى القصّار، والغسّال، واللحم إلى الطبّاخ، ونظائره.
قال: فالمعاوضة بثمن المثل ثابتة بالنص والإجماع في النكاح، وبالنص في إجارة المرضع، في قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وعمل الناس قديما وحديثا عليه في كثير من عقود الإجارة، وكذلك البيع بما ينقطع به السعر، وهو بيع بثمن المثل، وقد نص أحمد على جوازه، وعمل الأمة عليه) [بدائع الفوائد 4/ 852 (4/ 1364)].
– وقال ابن مفلح: (السادس (1): معرفة الثمن، فلا يصح برقم مجهول، أو بما ينقطع سعره، أو كما يبيع الناس على الأصح فيهن، وصححه شيخنا بثمن المثل، كنكاح (2)، وأنه مسألة السعر (3)، وأخذه من مسألة التحالف، ومن جهالة الثمن: بعني هذا بمائة، على أن أرهن بثمنه وبالمائة
_________
(1) أي: من شروط البيع.
(2) نقل ابن قندس في «حاشيته على الفروع» في هذا الموضع كلاما لشيخ الإسلام، يأتي في النقل التالي من كتاب «النكت على المحرر» لابن مفلح.
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (يريد أن البيع يصح من غير معرفة الثمن على ما صححه شيخنا، وأنه ينعقد بثمن المثل، كما يصح النكاح من غير معرفة المهر، وينعقد بمهر المثل، ولا فرق بين أن يقع البيع من غير ذكر ثمن أو بذكر ثمن مجهول، كما قيل في النكاح، وأن هذه المسألة هي مسألة البيع بما ينقطع به السعر، أو كما يبيع الناس، وقد جاء في ذلك رواية عن الإمام أحمد بقوله: على الأصح فيهن، فعرف أن ذلك رواية عن أحمد بالصحة).
(1/407)
التي عليّ هذا) [الفروع 4/ 30 (6/ 155 – 156)].
– وقال أيضًا: (قوله (1): «وإن باعه شيئا برقمه». قال الخلال: ذكر البيع بغير ثمن مسمى، ثم ذكر عن حرب: سألت الإمام أحمد: قلت: الرجل يقول لرجل: ابعث لي جريبا من بر واحسبه علي بسعر ما تبيع؟ قال: لا يجوز هذا حتى يبين له السعر.
وعن إسحاق بن منصور، قلت للإمام أحمد: الرجل يأخذ من الرجل سلعة فيقول: أخذتها منك على ما تبيع الباقي؟ قال: لا يجوز.
وعن حنبل: قال عمي: أنا أكرهه، لأنه بيع مجهول، والسعر يختلف، يزيد وينقص. وروى حنبل عن أبي عبيدة (2) أنه كره ذلك.
قال أبو داود في «مسائله»: باب في الشراء ولا يسمى الثمن، سمعت أحمد سئل عن الرجل يبعث إلى البقال فيأخذ منه الشيء بعد الشيء، ثم يحاسبه بعد ذلك؟ قال: أرجو أن لا يكون بذلك بأس. قال أبو داود: قيل لأحمد: يكون البيع ساعتئذ؟ قال: لا.
قال الشيخ تقي الدين: وظاهر هذا أنهما اتفقا على الثمن بعد قبض المبيع، والتصرف فيه، وأن البيع لم يكن وقت القبض، وإنما كان وقت التحاسب، وأن معناه صحة البيع بالسعر.
وقوله: «أيكون البيع ساعتئذ؟ » يعني: وقت التحاسب، وهذا هو
_________
(1) أي: قول المجد في «المحرر».
(2) كذا بالأصل، ولعلها: (عبيد).
(1/408)
الظاهر، وأصرح من ذلك ما ذكره في مسألة المعاطاة عن مثنى بن جامع عن أحمد في الرجل يبعث إلى معامل له ليبعث إليه بثوب، فيمر به فيسأله عن ثمن الثوب، فيخبره، فيقول له: اكتبه. والرجل يأخذ التمر فلا يقطع ثمنه، ثم يمر بصاحب التمر فيقول له: اكتب ثمنه؟ فأجازه إذا ثمنه بسعر يوم أخذه، وهذا صريح في جواز الشراء بثمن المثل وقت القبض، لا وقت المحاسبة، سواء ذكر ذلك في العقد أو أطلق لفظ الأخذ زمن البيع.
وقد احتج القاضي في مسألة المعاطاة بحديث أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -، وهما دليل على ذلك، وهذا يشبه الإذن في الإتلاف بعوض، كما إذا قال: ألقه في البحر وعلي قيمته، أو: أعتق عبدك عني وعلي قيمته.
وعلى هذا: فلو اختلفا والعين قائمة ردت، وإن فاتت فالقيمة، وسيجيء في أول السلم (1) هذه المسألة عن الأوزاعي: إذا اتفقا على تقدير الثمن، ثم أخذ منه بعد ذلك، ثم حاسبه، فلعل كلام الإمام أحمد على ذلك.
هذا ويتوجه أن يكون الثمن بعد العقد والإتلاف، كتقدير الصداق بعد العقد أو بعد الدخول. هذا كله كلام الشيخ تقي الدين.
قال القاضي: وقد أطلق الإمام أحمد القول في جواز البيع بالرقم، فقال في رواية أبي داود: وقد سئل عن بيع الرقم؟ فكأنه لم ير به بأسا.
وقال أيضا في رواية أبي طالب: لا بأس ببيع الرقم، يقول: أبيعك برقم كذا وكذا، وزيادة على الرقم كذا وكذا، كل ذلك جائز، ومتاع فارس إنما هو
_________
(1) أي: من تعليقه على «المحرر» للمجد، ولم ينقل عنه ابن مفلح تحت باب السلم شيئا.
(1/409)
بيع بالرقم، قال: وهذا محمول على أنهما عرفا مبلغ الرقم، فأوقعا العقد عليه.
قال الشيخ تقي الدين: الرقم رأس المال، وما اشترى به فلان أحاله على فعل واحد، والسعر إحالة على فعل العامة، مع أنه محتمل، فإنه شبه التوكيل، ولو أذن لرجل أن يشتري له هذه السلعة بما رأى جاز، لكن قد يقال: هو مقيد بأن لا يكون فيه غير خارج عن العادة، وهذا متوجه إن شاء الله تعالى، وقول الإمام أحمد: كل ذلك جائز، دليل على أنه ذكر صورتين: إحداهما: أن يعين الرقم، فيقول: برقم كذا وكذا، والثانية: أن يقول: بزيادة على الرقم كذا وكذا، ولا يعينه، فقال: كل ذلك جائز، ولولا أن الرقم غير معين لم يكن لسؤالهم له وجه، ولا يقول أبو داود: كأنه لم ير به بأسا، وهذا كالتوكيد والأخذ بالشفعة ونحو ذلك.
ثم قال: بيع الشيء بالسعر أو بالقيمة ــ وهي في معنى السعر ــ لها صور:
إحداها: أن يقول: بعني كذا بالسعر، وقد عرفا السعر، فهذا لا ريب فيه.
الثانية: أن يكون عرف (1) عام أو خاص، أو قرينة تقتضي البيع بالسعر وهما عالمان، فهذا قياس ظاهر المذهب: صحتُه هنا، كبيع المعاطاة، مثل أن يقول: زن لي من الخبز أو اللحم أو الفاكهة كذا وكذا، وعُرف هذا البائع أنه يبيع الناس كلهم بثمن واحد، وكذا عرف أهل البلد، فإن الرجوع إلى العرف
_________
(1) في «حاشية ابن قندس على الفروع»: (أن يكون بينهما عرف).
(1/410)
في قدر الثمن كالرجوع في وصفه (1).
الثالثة: أن يتبايعا بالسعر لفظا أو عرفا، وهما أو أحدهما لا يعلم، فكلام الإمام أحمد يقتضي روايتين، ووجه الصحة: إلحاق ذلك بقيمة المثل في الإجارة إذا دخل الحمّام أو قصر الثوب، ثم إن قيل: البيع فاسد، وكانت العين تالفة، فالواجب أن لا يضمن إلا بالقيمة، لأنهما تراضيا بذلك، ونظيره: أعتق عبدك عني وعليّ ثمنه، أو: ألق متاعك في البحر وعليّ ثمنه. انتهى كلامه.
وقال أيضا ــ بعد أن حكى ما تقدم من الروايات ــ: قد يقال في المسألة روايتان، لأنه جوّزه هناك بالسعر كما تقدم، ومنعه هنا، وقد يقال هناك: كان السعر معلوما للبائع مستقرا، وهنا لم يكن السعر معلوما للبائع، لأنه لم يدر بعد ما يبيع به، فصار البيع بالسعر المستقر الذي يعلمه البائع كالبيع بالثمن الذي اشتراه في بيع التولية والمرابحة، وأخذ الشفيع الشقص المشفوع بالثمن الذي اشترى به قبل علمه بقدر الثمن.
وذكر في موضع آخر: أن هذا أظهر، قال: كل من ألزمه الشارع بالبيع فإنما يلزمه البيع بثمن المثل، وبذلك حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، كمن أعتق شركا له في عبد.
قال: وليس هذا من باب ضمن التلف بالبدل، كما توهم ذلك طائفة من أصحابنا وغيرهم، بل هو من باب البيع بقيمة المثل، لأن نصيب الشريك يدخل
_________
(1) هذا النص نقله ابن قندس في «حاشيته على الفروع» (6/ 155) من «شرح المحرر» لشيخ الإسلام، وزاد هنا: (فإنه إذا باع بنقد ولم يذكر وصفه يرجع فيه إلى العرف، وهو نقد البلد إن كان واحدا، أو إلى الغالب إن كان فيه نقود، فكذلك إذا باع من غير تعيين قدر الثمن، يصح ويرجع في قدره إلى العرف، وهو ثمن المثل).
(1/411)
في ملك المعتق، ثم يعتق ويكون ولاء العبد كله له، ليس من قبيل العبد المشترك بينه وبين شريكه، بل هو كمن ابتاع نصيب شريكه، لكن ألزمهما بالتبايع لتكميل حرية العبد) [النكت على المحرر 1/ 298 – 301 (1/ 435 – 438)] (1).
وانظر: ما يأتي تحت المسألة رقم (679).
590 – البيع بالنقد المطلق:
– قال ابن مفلح: (قوله: «أو بدينار مطلق، وليس للبلد نقد غالب».
وذكره أجود، لأن الجهالة تزول بظهور المعاملة بغالب نقد البلد.
قال الشيخ تقي الدين: الذي يقتضيه كلامه في رواية الأثرم والأنطاكي وسندي وابن القاسم: إذا باعه أو أكراه بكذا وكذا درهمًا صح، وله نقد الناس، وإن كانت النقود مختلفة، فله أوسطها في رواية، وأقلها في رواية.
وكلامه نص لمن تأمله: أن البيع بالنقد المطلق يصح بكل حال، وإلا لأخبر بفساد العقد، وهذا شبيه بتصحيح المطلق من الحيوان في الصداق وغيره، لكن المطلق في النقود أوسع، فلهذا صححه في البيع. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 303].
591 – إذا تفرقا قبل أن يعينا أحد الثمنين:
– قال ابن مفلح: (قوله (2): «أو قال: بعتك بعشرة نقدا، أو بعشرين
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (29/ 231 – 232، 345؛ 34/ 127)، «الاختيارات» للبعلي (180).
(2) أي: المجد ابن تيمية في «المحرر».
(1/412)
نسيئة، فإنه لا يصح».
يعني: إن افترقا قبل تعيين أحد الثمنين، لأن هذا بيعان في بيعة، وقد نهى عنه الشارع، فسره بذلك جماعة منهم: مالك والثوري وإسحاق وأحمد في رواية أبي الحارث، وهو قول أكثر العلماء.
وقال مهنا (1): سألت الإمام أحمد عن رجل باع بيعا بدرهم، واشترط عليه الدينار بكذا وكذا؟ فقال: هذا لا يحل، هذه بيعتان في بيعة.
وكذا فسره في رواية: حرب ومحمد بن موسى بن مشيش وهارون الحمَّال وأبي الحارث أيضا.
وقال مهنا: سألت أبا عبد الله عن الرجل يقول للرجل: هذا الثوب بثلاثين درهما بالمكسرة، وبخمسة وعشرين بالصحاح؟ قال: لا يصح، هذان شرطان في بيع. فقلت: يترك له هذا الثوب بثلاثين درهما نسيئة، وعشرين بالنقد. قال: لا يصح، هذه بيعتان في بيعة.
وقيل للإمام أحمد ــ في رواية الأثرم ــ: إذا قال: بعشرة دراهم بالصحاح وباثني عشر بالغلة، هو شرطان في بيع؟ قال: لا، بيعتان في بيعة.
وقيل للإمام أحمد ــ في رواية محمد بن أبي حرب -: إن قال: إن أتيتني بالدراهم إلى شهر (2) فهو بكذا، وإن أتيتني إلى شهرين فهو بكذا، أكثر من ذلك؟ قال: لا يجوز هذا.
وقال في رواية صالح: هذا مكروه، إلا أن يفارقه على أحد البيوع.
_________
(1) في الأصل: (منها) خطأ.
(2) في الأصل: (إلى مشهر)، وهو تطبيع.
(1/413)
وقال أبو الخطاب: ويحتمل أن يصح قياسا على قول الإمام أحمد في الإجارة: إن خطته اليوم فلك درهم، وإن خطته غدا فلك نصف درهم.
وفرَّق غيره من جهة أن العقد ثَمَّ يمكن أن يصح جعالة بخلاف البيع.
وقال الشيخ تقي الدين: قياس مسألة الإجارة أن يكون في هذه روايتان، لكن الرواية المذكورة في الإجارة فيها نظر، وهذه تشبه: شاة من قطيع، وعبدا من أعبد، ونظيرها من كل وجه: أحد العبدين أو الثوبين. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 304 – 305].
592 – إذا قال: بعتك داري هذه وأجرتكها شهرا بألف:
– قال ابن مفلح: (قال القاضي: فإن قال: بعتك داري هذه، وأجرتكها شهرًا بألف= فالكل باطل، لأن ملك الرقبة ملك المنافع، فلا يصح أن يؤاجره منفعة ملكها عليه.
قال الشيخ تقي الدين: وللصحة وجه بأن تكون مستثناة) [النكت على المحرر 1/ 308].
593 – إذا تصرف في مال غيره أو طلق زوجاته أو غير ذلك من التصرفات:
– قال ابن مفلح: (وإن باع أو اشترى بمال غيره، أو طلق زوجته، أو غير ذلك من التصرفات ــ قاله شيخنا، وهو ظاهر كلام غيره، وصرح به ابن الجوزي في طلاق زوجة غيره بلا إذنه ــ لم يصح، اختاره الأكثر) [الفروع 4/ 36 (6/ 163)] (1).
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (20/ 577؛ 29/ 249 – 250).
(1/414)
594 – بيع الأرض الموقوفة مما فتح عنوة ولم يقسم:
– قال ابن مفلح: (ولا يصح بيع أرض موقوفة مما فتح عنوة ولم يقسم، كالشام والعراق ومصر ونحوها، وعنه: يصح» و: هـ ق» ذكره الحلواني، اختاره شيخنا، وذكره قولا لنا، وقال: جوّز أحمد إصدَاقها) [الفروع 4/ 38 (6/ 165)] (1).
595 – من وقع بيده من آبائه أرض موقوفة مما فتح عنوة ولم يقسم:
– قال ابن مفلح: (وجوزها (2) في «الترغيب» مؤقتة، لأن عمر لم يقدر المدة للمصلحة العامة، احتمل في واقعة كلية. قال: وليس لأحد أخذ شيء ممن وقع بيده من آبائه، ويقول: أنا أعطي غلته، لأن الإجارة لا تنفسخ بموت، والمزارعة أولى، والمؤثر بها أحق. قال شيخنا: بلا خلاف) [الفروع 4/ 39 (6/ 167)].
596 – حكم الأرض التي يجعلها الإمام فيئا:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: إذا جعلها الإمام فيئا، صار ذلك حكما باقيا فيها دائما، فإنها لا تعود إلى الغانمين، وليس غيرهم مختصًا بها) [الفروع 4/ 41 (6/ 168)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (179)، وانظر: «الفتاوى» (17/ 488 – 489؛ 28/ 588 – 589؛ 29/ 204 – 206؛ 31/ 230 – 231)، «جامع المسائل» (2/ 223 – 225؛ 4/ 368 – 373).
(2) أي: الإجارة.
(3) «الاختيارات» للبعلي (179).
(1/415)
597 – ملك ما يتولد من الأرض قبل حيازتها (1):
– قال ابن مفلح: (ولا يملك ماءٌ عِدٌّ (2) وكلأٌ ومعدنٌ جارٍ بملك أرض قبل حيازته «و: هـ»، فلا يجوز بيعه «و: هـ»، كأرض مباحة «ع» فلا يدخل في بيع، بل مشترٍ أحقُّ به، وعنه: يملكه فيجوز بيعه، لأنّه متولدٌ من أرضه كالنتاج «و: ش م» في أرض عادة ربِّها ينتفع بها، لا أرض بور، وجوَّزه شيخنا في مُقطع محسوب عليه يريد تعطيلَ ما يستحقُّه من زرعٍ وبيع الماء) [الفروع 4/ 41 (6/ 168 – 169)] (3).
598 – صاحب الأرض أحق بالطلول التي يجني منها النحل:
– قال ابن مفلح: (والطلول التي يجنى منها النحل كالكلأ وأولى، ونحلُ ربِّ الأرضِ أحقُّ، فله منع غيره إن أضرَّ به. ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 42 (6/ 169)] (4).
_________
(1) انظر: «الإنصاف» (11/ 77 – 80).
(2) في «المطلع» (230): (العِدُّ: بكسر العين، وتشديد الدال المهملة: الذي له مادة لا تنقطع، وجمعه: أعداد) ا. هـ، وفي «المصباح» (396): (الماء الذي لا انقطاع له، مثل ماء العين وماء البئر) ا. هـ.
(3) «الفتاوى» (29/ 214 – 215)، ونصه: (إذا كان الماء محبوسا عليه في الإقطاع، مثل أن تكون الأرض بمائها محبوسة عليه بألف درهم، وبدون تحبيس عليه بخمسمائة درهم، وهو يريد تعطيل ما يستحقه من الزرع وبيعه لغيره يسقي به في أرضه فإن هذا يجوز بيعه) ا. هـ.
وانظر: «الفتاوى» (29/ 217 – 219)، «الاختيارات» لابن اللحام (179).
(4) «الفتاوى» (29/ 220 – 221).
(1/416)
599 – إذا جمع بين البيع والنكاح في عقد واحد:
– قال ابن مفلح: (قوله (1): «وإن كان الجمع بين بيع ونكاح».
مثل: إن زوج وباع عبده بألف، أو أصدقها عبدًا على أن ترد عليه ألفًا= صح النكاح، لأنه لا يفسد بفساد العوض، وفي البيع وجهان:
أحدهما: يصح، قال الشيخ تقي الدين: وهو الذي ذكره القاضي في كتابيه، وابن عقيل في الصداق، فتقسط الألف على مهر المثل وقيمة العبد، وكذلك يقسط العبد على مهر المثل والألف، لأن جملة العوض معلومة.
والثاني: لا يصح فيهما، فإنه إذا انفسخ البيع لزم توزيع الصفقة، قال: ولو قال: زوجتك بنتي، ولك هذه الألف بعبدك هذا= فالعبد بعضه مبيع وبعضه مهر، فيقسط العبد على مهر المثل والألف، ولو كان لبنته مال فقال: زوجتك هذه ولك هذه الألف معها بهذه الألفين من عندك= بطل البيع والمهر جميعًا، لأنه من باب: «مد عجوة ودرهم» (2)، هذا الذي ذكره القاضي وابن عقيل وأبو محمد من غير خلاف. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 308].
600 – المعاوضة على المنافع الدينية:
– قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين ــ بعد أن ذكر الكلام في المصحف ــ: وكذلك في المعاوضة على المنافع الدينية من العلم ونحوه، وكذلك الاستئجار هناك مثل الابتياع هنا، وإبدال منفعة دينية بمنفعة دينية كما هنا، إذ لا فرق بين الأعيان الدينية والمنافع.
_________
(1) أي المجد ابن تيمية في «المحرر».
(2) في الأصل: (وردهم).
(1/417)
ويتوجه في هذا وأمثاله: أنه يجوز للحاجة كالرواية المذكورة في التعليم، فينبغي أن يفرق في الأعيان بين المحتاج وغيره، كما فرق في المنافع.
وما لم يجز بيعه فينبغي أن لا يجوز أن يوهب هبة يبتغى بها الثواب، لحديث المكارمة بالخمر، وكذلك ينبغي أن لا يجوز استنقاذ آدمي أو مصحف ونحو ذلك بها، مثل أن نعطي لكافر خمرًا، أو ميتة، أو دهنًا نجسًا، ليعطينا مسلمًا بدله، أو مصحفًا، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 287] (1).
601 – بيع ما قصد به الحرام:
– قال ابن مفلح: (ولا يصحُّ بيعُ ما قصد به الحرام، كعصير لمتخذه خمرًا قطعًا، نقل الجماعة: إذا علم، وقيل: أو ظنًّا، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 42 (6/ 169)] (2).
602 – بيع الدار على الكافر والفاسق والمبتدع:
– قال ابن القيم: ( … قال (3): وقد أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل أبو عبد الله عن حصين بن عبد الرحمن، فقال: روى عنه حفص، لا أعرفه. قال له أبو بكر (4): هذا من النساك، حدثني أبو سعيد
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (31/ 212 – 213).
(2) «الاختيارات» للبعلي (180).
(3) أي: الخلال.
(4) قال الشيخ صبحي الصالح محقق «أحكام أهل الذمة»: (أي: أبو بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال، والسياق يؤكده) ا. هـ ولكن غلام الخلال لم يدرك أحمد!
(1/418)
الأشج سمعت أبا خالد الأحمر يقول: حفص هذا العدى (1) نفسه، باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد أهل الكوفة من عون البصري! فقال له أحمد: حفص؟ قال: نعم، فعجب أحمد من حفص بن غياث. قال الخلال: وهذا أيضا تقوية لمذهب أبي عبد الله.
قال شيخنا: وعون هذا كان (2) من أهل البدع أو من الفساق بالعمل، فأنكر أبو خالد الأحمر على حفص بن غياث قاضي الكوفة أنه باع دار الرجل الصالح من مبتدع، وعجب أحمد من فعل القاضي.
قال الخلال: وإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من كافر، وإن كان الذمي يقر، والفاسق لا يقر، لكن ما يفعله الكافر فيها أعظم.
وهكذا ذكر القاضي عن أبي بكر عبد العزيز، وقد ذكر قول أحمد في رواية أبي الحارث: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها، يبيعها من مسلم أحب إلي، فقال أبو بكر: لا فرق بين الإجارة والبيع عنده، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة. ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك.
قال شيخنا: وتلخيص الكلام في ذلك أما بيع داره من كافر فقد ذكرنا منع أحمد منه، ثم اختلف أصحابه في ذلك، هل هذا تنزيه أو تحريم؟
فقال الشريف أبو علي بن أبي موسى: كره أحمد أن يبيع مسلم داره من ذمي يكفر فيها بالله تعالى، ويستبيح المحظورات، فإن فعل أساء ولم
_________
(1) كذا بالأصل، وفي «الاقتضاء»: (العدوي).
(2) في «الاقتضاء»: (كأنه)، وهي أنسب، والله أعلم.
(1/419)
يبطل البيع، وكذلك أبو الحسن الآمدي أطلق الكراهة مقتصرا عليها.
أما الخلال وصاحبه والقاضي فمقتضى كلامهم تحريم ذلك، وصرح به القاضي فقال: لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه كنيسة أو بيت نار، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أم لم يشرط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر، وقد قال أحمد في رواية أبي الحارث: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر فيها بالله .. إلى آخر كلامه (1).
قال القاضي: وقال أحمد أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم، يعينهم على ما هم فيه. قال: وبهذا قال الشافعي.
ثم قال القاضي: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة مع علمه بأنهم يفعلون فيها ذلك؟ قيل: المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عون، وعجب منه. وذكر القاضي رواية الأثرم، وهذا يقتضي أن القاضي لا يُجوّز إجارتها من ذمي، وقد قال أبو بكر: إذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع منع.
قال شيخنا: وكلام أحمد يحتمل الأمرين، فإن قوله في رواية أبي الحارث: يبيعها من مسلم أحب إلي= يقتضي أنه منع تنزيه، واستعظامه لذلك في رواية المروذي، وقوله: لا يباع من الكافر، وتشديده في ذلك= يقتضي التحريم، وأما الإجارة فقد سوى الأصحاب بينها وبين البيع، وما حكاه عن ابن عون فليس بقول أحمد، وإعجابه بفعله إنما هو لحسن مقصد ابن عون ونيته الصالحة، ويمكن أن يقال: ظاهر الرواية أنه أجاز ذلك، فإن
_________
(1) أي: أحمد، وقد سبق بتمامه.
(1/420)
إعجابه بالفعل دليل جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين.
والفرق بين الإجارة والبيع أن ما في الإجارة مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة أخرى، وهي صرف إرعاب المطالبة بالكراء عن المسلم، وإنزال ذلك بالكافر، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية، فإنه وإن كان إقرارا لكافر لكن لما تضمنه من المصلحة جاز، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة، فأما البيع فهذه المصلحة منتفية فيه، وهذا ظاهر على قول ابن أبي موسى وغيره أن البيع مكروه غير محرم، فإن الكراهة في الإجارة تزول بهذه المصلحة الراجحة، كما في نظائره، فيصير في المسألة أربعة أقوال.
قال شيخنا: وهذا الخلاف عندنا والتردد في الكراهة هو إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة، فأما إن أجره إياها لأجل بيع الخمر أو اتخاذها كنيسة أو بيعة لم يجز قولا واحدا، وبه قال الشافعي وغيره، كما لا يجوز أن يكري أمته أو عبده للفجور، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يؤاجرها لذلك، قال أبو بكر الرازي: لا فرق عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر وبين ألا يشترط لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر= أن الإجارة تصح، ومأخذه في ذلك أنه لا يستحق عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء، وإن شرط له ألا يبيع فيها الخمر ولا يتخذها كنيسة، ويستحق عليه الأجرة بالتسليم في المدة، فإذا لم يستحق عليه فعل هذه الأشياء كان ذكرها وترك ذكرها سواء، كما لو اكترى دارا لينام فيها أو يسكنها، فإن الأجرة تستحق عليه وإن لم يفعل ذلك، وكذلك يقول فيما إذا استأجر رجلا لحمل خمر أو خنزير أنه يصح، لأنه لا يتعين حمل الخمر، بل لو حمل عليه بدله عصيرا
(1/421)
استحق الأجرة، فهذا التقييد عنده لغو، فهو بمنزلة الإجارة المطلقة، والمطلقة عنده جائزة، وإن غلب على ظنه أن المستأجر يعصي فيها، كما يجوز بيع العصير لمن يتخذه خمرا، ثم إنه كره بيع السلاح في الفتنة، قال: لأن السلاح معمول للقتال لا يصلح لغيره.
وعامة الفقهاء خالفوه في المقدمة الأولى، وقالوا: ليس المقيد كالمطلق، بل المنفعة المعقود عليها هي المستحقة، فتكون هي المقابلة بالعوض، وهي منفعة محرمة، وإن جاز للمستأجر أن يقيم مثله مقامه (1)، وألزموه ما لو اكترى دارا ليتخذها مسجدا، فإنه لا يستحق عليه فعل المعقود عليه، ومع هذا فإنه أبطل هذه الإجارة بناء على أنها اقتضت فعل الصلاة، وهي لا تستحق بعقد إجارة.
ونازعه أصحابنا وكثير من الفقهاء في المقدمة الثانية، وقالوا: إذا غلب على ظنه أن المستأجر ينتفع بها في محرم حرمت الإجارة له، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لعن عاصر الخمر ومعتصرها، والعاصر إنما يعصر عصيرا، لكن إذا رأى أن المعتصر يريد أن يتخذه خمرا أو عصيرا (2) استحق اللعنة، وهذا أصل مقرر في غير هذا الموضع.
لكن معاصي الذمي قسمان:
أحدهما: ما اقتضى عقد الذمة إقراره عليها.
والثاني: ما اقتضى عقد الذمة منعه منها أو من إظهارها.
_________
(1) في «الاقتضاء»: (أن يقيم غيرها مقامها).
(2) في «الاقتضاء»: (خمرا وعصره).
(1/422)
فأما القسم الثاني فلا ريب أنه لا يجوز على أصل أحمد أن يؤاجر أو يبايع إذا غلب على الظن أنه يفعل ذلك، كالمسلم وأولى.
وأما القسم الأول فعلى ما قاله ابن أبي موسى: يكره ولا يحرم، لأنا قد أقررناه على ذلك، وإعانته على سكنى هذه الدار كإعانته على سكنى دار الإسلام، فلو كان هذا من الإعانة المحرمة لما جاز إقراره بالجزية، وإنما كره ذلك لأنه إعانة من غير مصلحة، لإمكان بيعها من مسلم، بخلاف الإقرار بالجزية، فإنه جاز لأجل المصلحة.
وعلى ما قاله القاضي: لا يجوز، لأنه إعانة على ما يستعين به على المعصية من غير مصلحة تقابل هذه المفسدة، فلم يجز، بخلاف إسكانهم دار الإسلام فإن فيه من المصالح ما هو مذكور في فوائد إقرارهم بالجزية) [أحكام أهل الذمة 1/ 286 – 290].
– وقال ابن مفلح: (قال الخلال – رحمه الله -: باب الرجل يؤاجر داره للذمي أو يبيعها منه … قال الخلال: وقد أخبرني أحمد بن الحسين بن حسان قال: سئل أبو عبد الله عن حصين بن عبد الرحمن، فقال: روى عنه حفص، لا أعرفه, قال له أبو بكر: هذا من النساك، حدثني أبو سعيد الأشج، سمعت أبا خالد الأحمر يقول: حفص هذا باع دار حصين بن عبد الرحمن عابد أهل الكوفة من عون البصري، فقال له أحمد: حفص؟ قال: نعم، فعجب أحمد، يعني من حفص بن غياث.
قال الخلال: وهذا تقوية لمذهب أبي عبد الله، فإذا كان يكره بيعها من فاسق فكذلك من كافر، وأن الذمي يقر، وأن الفاسق لا يقر، لكن ما يفعله الذمي فيها أعظم. انتهى كلامه.
(1/423)
عون هذا من أهل البدع، أو من الفساق بالعمل.
قال أبو بكر عبد العزيز ــ فيما ذكره عن (1) القاضي ــ: لا فرق بين البيع والإجارة عنده، فإذا أجاز البيع أجاز الإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة، ووافقه القاضي وأصحابه على ذلك.
وعن إسحاق بن منصور أنه قال لأبي عبد الله: سئل ــ يعني الأوزاعي ــ عن الرجل يؤاجر نفسه لنظارة كرم النصراني، فكره ذلك، قال أحمد: ما أحسن ما قال؛ لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر، إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر فلا بأس.
قال الشريف أبو علي بن أبي موسى: كره أحمد أن يبيع داره من ذمي يكفر فيها بالله عز وجل، ويستبيح المحظورات، فإن فعل أساء ولم يبطل البيع.
وكذلك قال أبو الحسن الآمدي: أطلق الكراهة مقتصرا عليها، وأما الخلال وصاحبه والقاضي فمقتضى كلامهم تحريم ذلك، وقد سبق كلام الخلال وصاحبه.
وقال القاضي: لا يجوز أن يؤجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار، أو كنيسة، أو يبيع فيه الخمر، سواء شرط أنه يبيع فيه الخمر أو لم يشترط، لكنه يعلم أنه يبيع فيه الخمر، وقد قال أحمد: لا أرى أن يبيع داره من كافر يكفر بالله فيها، يبيعها من مسلم أحبُّ إلي.
_________
(1) كذا, ولعل الصواب: (عنه).
(1/424)
وقال أيضا في نصارى وقفوا ضيعة لهم للبيعة: لا يستأجرها الرجل المسلم منهم يعينهم على ما هم فيه، قال: وبهذا قال الشافعي.
فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدًا على ذلك بنص أحمد على أنه لا يبيعها لكافر، ولا يشتري وقف الكنيسة، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم.
قال: قال القاضي في أثناء المسألة: فإن قيل: أليس قد أجاز أحمد إجارتها من أهل الذمة مع علمهم بأنهم يفعلون ذلك فيها؟
قيل: المنقول عن أحمد أنه حكى قول ابن عون وعجب منه.
وهذا يقتضي أن القاضي لا يجوز إجارتها من ذمي، وظاهر رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث جواز ذلك، فإن إعجابه بالفعل دليل جوازه عنده، واقتصاره على الجواب بفعل رجل يقتضي أنه مذهبه في أحد الوجهين.
والفرق بين البيع والإجارة أن ما في الإجارة من مفسدة الإعانة قد عارضه مصلحة أخرى، وهو مصرف إرعاب المطالبة بالكراء عن المسلم وأنزل ذلك بالكفار، وصار ذلك بمنزلة إقرارهم بالجزية، فإنه وإن كان إقرارًا لكافر لكن لما تضمنه من المصلحة جاز، ولذلك جازت مهادنة الكفار في الجملة، فأما البيع فهذه المصلحة منتفية فيه، فيصير في المسألة أربعة أقوال. ذكر هذا كله الشيخ تقي الدين) [الآداب الشرعية 3/ 256 ــ 257] (1).
_________
(1) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 24 – 31)، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (227 – 228).
(1/425)
603 – بيع الحرير والذهب والخمر للكفار:
– قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: بيع الحرير للكفار حديث عمر – رضي الله عنه – يقتضي جوازه بخلاف بيع الخمر، فإن الحرير ليس حراما على الإطلاق، وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة لهم، وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعتها لبيعها منهم، وجاز عملها لهم بالأجرة. انتهى كلامه، ذكره في أول باب ما يجوز بيعه من «تعليقه على المحرر») [الآداب الشرعية 3/ 379].
604 – إذا باع على بيع أخيه أو اشترى على شرائه:
– قال ابن مفلح: (قوله (1): «فإن فعلا ذلك، فهل يصح البيع الثاني؟ على وجهين».
وقال ابن الجوزي: فالبيع باطل في ظاهر المذهب. وقدمه الشيخ موفق الدين وغيره، لظاهر النهي، وحكاه في «المستوعب» عن أبي بكر، وحكى عن القاضي وأبي الخطاب: أنه يصح، لأن المحرم سابق على عقد البيع، ولأن الفسخ الذي حصل به الضرر صحيح، فالبيع المحصل للمصلحة أولى، ولأن النهي لحق آدمي فأشبه بيع النجش.
وقطع بالخلاف في «الهداية» و «الخلاصة».
وقال في «الرعاية»: وفي صحة العقد الثاني روايتان، أشهرهما بطلانه.
قال الشيخ تقي الدين: وهذا القول يعمُّ ما إذا كان أحد المتبايعين وكيلًا، أو وليًا ليتيم أو غيره، ويكون بيع المزايدة جائزًا في الوقت الذي
_________
(1) أي: صاحب «المحرر».
(1/426)
يجوز فيه الاستيام؛ لأن الرجل الزائد سائم دون ما بعد ذلك، وهذا هو التوفيق بين حديث المزايدة وحديث النهي عن السوم، ويكون ثبوت الخيار لا يبيح الفسخ في هذه الصورة، لما فيه من الضرر، كما أنه لا يجوز التفريق خشية أن يستقيله على الروايتين عنه (1)، وإن كان يملك التفرق إلا (2) بهذه النية.
ولو قيل: إنه في بيوع المزايدة ليس لأحدهما أن يفسخ لما فيه من الضرر بالآخر= كان متوجهًا، لأنه لو لم يقبل أمكنه أن يبيع الذي قبله، فإذا قبل ثم فسخ= كان قد غرّ البائع، بل يتوجه كقول مالك: إنه في بيع المزايدة إذا زاد أحدهما شيئًا لزمه، وإن كان المستام المطلق لا يلزمه، فإنه بزيادته فوت عليه الطالب الأول، ألا ترى أنه في النجش إذا زاد قد غرّ المشتري؟ فكذلك هنا إذا زاد فقد غرّ البائع.
والفرق بين المساومة التي كانت غالبة على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وبيع المزايدة= ظاهر، وإخراج الصور القليلة من العموم لمعارض أمر مستمر في الأدلة الشرعية.
وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أنواع من العقود لما فيها من الضرر بالغير، فعلى قياسه ينهى عن الفسوخ التي فيها إضرار بالغير، انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 282 – 283 (1/ 417 ــ 418)].
_________
(1) في الأصل: (الرايتين) والتصويب من ط 2، وقال محقق ط 1 في الحاشية: (بهامش الأصل: في «شرح المحرر»: «على أبين الروايتين عنه»).
(2) في ط 2: (لا).
(1/427)
– وقال ابن مفلح أيضا: (وعند شيخنا: للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة وأخذ الزيادة، أو عوضها (1)) [الفروع 4/ 46 (6/ 174)] (2).
605 – سومه على سوم أخيه:
606 – واستئجاره على استئجار أخيه، واقتراضه على اقتراض أخيه، واتهابه على اتهاب أخيه، وطلبه العمل في الولايات:
– قال ابن مفلح: (وقال الشيخ تقي الدين: وأما استيامه على سوم أخيه: فكخطبته على خطبة أخيه، يفرق فيه بين الركون وعدمه، ولهذا جاز بيع المزايدة؛ لأن البائع طلب المزايدة، فلم يركن، بل رده، ولو لم يجب برد ولا قبول ففيه وجهان، لكن بيع المزايدة ظاهر فيما إذا كانت السلعة أو المنفعة بين البائع أو المؤجر، فأما المستأجر لحانوت، وفي رأس الحول إن لم يزد عليه أحد وإلا أجره المالك (3) = فهذا ليس مثل بيع المزايدة، فإن المالك لم يطلب ولم يزد، وإنما تشبه مسألة الوجهين.
وقال: استئجاره على استئجار أخيه، واقتراضه على اقتراض أخيه، واتهابه على اتهاب أخيه= مثل شرائه على شراء أخيه، وكذا اقتراضه في
_________
(1) كذا المسألة في «الفروع»، وقال البعلي في «الاختيارات»: (ويحرم الشراء على شراء أخيه، وإذا فعل ذلك كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة وأخذ السلعة ــ كذا ــ أو عوضها) ا. هـ، ونحوه في «الإنصاف» (11/ 180) والجملة الأخيرة فيه: (وأخذ الزيادة أو عوضها) كما في «الفروع»، وهو الصواب، والله أعلم.
(2) «الاختيارات» للبعلي (180)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 283 – 286).
(3) قال المحقق في الحاشية: (بهامش الأصل: الذي في «شرح المحرر»: «وإلا أجرة الملك»).
(1/428)
الديوان، وطلبه العمل في الولايات، ونحو ذلك) [النكت على المحرر 1/ 284 (1/ 418 ــ 419)].
607 – إذا امتنع الغاصب من دفع المال إلى صاحبه لإلجائه إلى أن يبيعه عليه:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: من استولى على ملك رجل بلا حق، فطلبه صاحبه، فجحده أو منعه إياه حتى يبيعه إياه، فباعه إياه على هذا الوجه، فهذا مكره بغير حق) [الفروع 4/ 50 (6/ 177)] (1).
608 – إذا أقر الرجل بالعبودية لكي يباع:
– قال ابن مفلح: (وسأله ابن الحكم عن رجلٍ يقرُّ بالعبوديَّة حتى يباع، قال: يؤخذ البائع والمقر بالثمن، فإن مات أحدهما أو غاب أخذ الآخر بالثمن، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 51 (6/ 178)] (2).
609 – إلزام الباعة بالمعاوضة بثمن المثل (التسعير):
– قال ابن القيم: (وأما صفة ذلك عند من جوَّزه (3)، فقال ابن حبيب: ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارا على صدقهم، فيسألهم: كيف يشترون، وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سدادا، حتى يرضوا به، ولا يجبرهم على التسعير، ولكن عن رضى.
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (180 – 181).
(2) «الاختيارات» للبعلي (181)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 225).
(3) أي: التسعير.
(1/429)
قال أبو الوليد: ووجه هذا: أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضا بما لا ربح لهم فيه= أدى ذلك إلى فساد الأسعار، وإخفاء الأقوات، وإتلاف أموال الناس.
قال شيخنا: فهذا الذي تنازعوا فيه، وأما إذا امتنع الناس من بيع ما يجب عليهم بيعه فهنا يؤمرون بالواجب، ويعاقبون على تركه، وكذلك كل من وجب عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع.
ومن احتج على منع التسعير مطلقا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : «إن الله هو المسعر القابض الباسط، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال» = قيل له: هذه قضية معينة وليست لفظا عاما، وليس فيها أن أحدا امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه، فإذا بذله صاحبه ــ كما جرت به العادة ــ ولكن الناس تزايدوا فيه، فهنا لا يسعر عليهم) [الطرق الحكمية 200] (1).
– وقال ابن مفلح: (وأوجب شيخنا إلزامَهم المعاوضة بثمن المثل» ش» وأنه لا نزاع فيه، لأنها مصلحة عامة لحقِّ الله، فهي أولى من تكميل الحريّة.
قال: ولهذا حرم «هـ» وأصحابه من يقسم بالأجر الشركة، لئلا يغلوا على الناس، فمنع (2) البائعين والمشترين المتواطئين أولى، وأنه أولى من تلقي الركبان، وحرم غيره «م ر» وألزم بصنعة الفلاحة للجند، وكذا بقية الصناعة، وأن
_________
(1) «الفتاوى» (28/ 95).
(2) في ط 2: (فمع)، والمثبت من ط 1.
(1/430)
ابن الجوزي وغيرَه ذكروا ذلك، لأن مصلحة الناس لا تتم إلا بها، كالجهاد وطلب العلم إذا لم يتعينا) [الفروع 4/ 51 – 52 (6/ 178 – 179)] (1).
610 – حكم تمني الغلاء:
– قال ابن مفلح: (قال أحمد: لا ينبغي أن يتمنى الغلاء، وفي «الرعاية»: يكره، واختاره شيخنا) [الفروع 4/ 54 (6/ 180)] (2).
611 – الإجبار على بيع السلاح لحاجة الجهاد:
– قال ابن مفلح: (ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس «ش» فإن أبى وخيف التلف: فرقه الإمام، ويردون مثله، ويتوجه قيمته، وكذا سلاح لحاجة، قاله شيخنا) [الفروع 4/ 54 (6/ 180)] (3).
612 – إذا ضمن مكانا ليبيع ويشتري فيه وحده:
– قال ابن مفلح: (ومن ضمن مكانا ليبيع ويشتري فيه وحده= كره الشراء منه بلا حاجة، ويحرم عليه أخذُ زيادةٍ بلا حقٍّ، ذكره شيخنا) [الفروع 4/ 54 (6/ 180)] (4).
613 – النهي عن بيعتين في بيعة:
– قال ابن القيم: (وقوله في الحديث المتقدم: «من باع بيعتين في
_________
(1) «الفتاوى» (28/ 76 – 88، 96 – 98) باختصار، وانظر: «الاختيارات» للبعلي (181).
(2) «الاختيارات» للبعلي (181).
(3) «الفتاوى» (28/ 87).
(4) «الفتاوى» (29/ 238 – 239، 253 – 256)، «الاختيارات» للبعلي (181).
(1/431)
بيعة: فله أوكسهما أو الربا» هو منزل على العينة بعينها، قاله شيخنا) [تهذيب السنن 9/ 240] (1).
614 – تفريق الصفقة:
– قال ابن مفلح: (قال القاضي في «التعليق» ضمن المسألة: وإذا أوجب في عبدين لم يكن للمشتري أن يقبل في أحدهما، ذكره القاضي محل وفاق، مسلمًا له، وذكر في حجة المخالف أن امرأتين لو قالتا لرجل: زوجناك أنفسنا= لكان له أن يقبل إحداهما دون الأخرى وسلَّمه القاضي.
وبناه المخالف على أنه إذا جمع بين محللة ومحرمة في النكاح، فإن نكاح المحرمة لا يصير شرطًا في نكاح المحللة، فإن تفريق الصفقة في النكاح جائز، وفي البيع يصير شرطًا.
وقال القاضي: قبول البيع في أحدهما ليس شرطًا في قبوله في الآخر عندنا، قاله الشيخ تقي الدين.
قال: وأجاب عن الحكم جوابًا فيه نظر، والتحقيق: أنه شرط، لكن المشروط وجود القبول، لا صحة القبول كما لم يشترط لزوم القبول في أحدهما، ولو كان المشروط شرطًا فاسدًا لم نسلم أنه يبطل البيع.
وعلّله القاضي بأنه إنما لم يصح أن يقبل البيع في أحد العبدين، لأن نصف الثمن لا يقابل أحدهما؛ لأنه ينقسم على قدر قيمتهما، فإن قبل أحدهما بنصف الثمن لم يكن القبول موافقًا للإيجاب، فلهذا لم يصح.
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (29/ 432).
(1/432)
وهذا التعليل يقتضي القبول، كما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء، وفيما لو قال: بعتك هذا بألف، وهذا بخمسمائة، وهذا فيه نظر.
وقياس المذهب: أن ذلك ليس بلازم؛ لأن لمن تفرقت عليه الصفقة الخيار، والصفقة تتفرق هنا عليه، كما فيما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء.
قال: وإذا جمع بين عقدين مختلفين بعوضين متميزين، مثل: بعتك عبدي بألف، وزوجتك بنتي بخمسمائة، فهذا أولى بالجواز من ذاك إذا قلنا به هناك، وإن قلنا بالمنع … وبيض، فعلى هذا: هل للخاطب أن يقبل في أحد العقدين؟
قياس المذهب: أنه ليس له ذلك؛ لأن غاية هذا أن يكون كأنه جمع بعوض بين ما ينقسم الثمن عليه بالأجزاء، ومعلوم أنه لو قال: بعتك هذه الصبرة بألف، لم يكن له أن يقبل نصفها بنصف الألف، وإن كان نصيبها من الثمن معلومًا، فكذلك إذا أوجب في عينين مختلفي الحكم أو متفقتين، إذ لا فرق في الحقيقة بين الأعيان التي تتفق أحكامها أو تختلف، إلا أن العطف في المختلف كالجمع في المؤتلف، فقوله: بعتك هذه، وزوجتك هذه، كقوله: بعتك هذين، أو زوجتكهما. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 309 – 311 (1/ 449 – 450)].
(1/433)
باب الشروط في البيع
615 – الشروط الباطلة في البيع:
– قال ابن القيم: (واستفتته – صلى الله عليه وسلم – عائشة – رضي الله عنها -، فقالت: إني أردت أن أشتري جارية فأعتقها، فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا. فقال: «لا يمنعك ذلك، إنما الولاء لمن أعتق».
والحديث في الصحيح … وقال شيخنا: بل الحديث على ظاهره، ولم يأمرها النبي – صلى الله عليه وسلم – باشتراط الولاء تصحيحا لهذا الشرط، ولا إباحة له، ولكن عقوبة لمشترطه إذ أبى أن يبيع جارية للمعتق إلا باشتراط ما يخالف حكم الله تعالى وشرعه، فأمرها أن تدخل تحت شرطهم الباطل، ليظهر به حكم الله ورسوله؛ لأن الشروط الباطلة لا تغير شرعه، وأن من شرط ما يخالف دينه لم يجز أن يوفّى له بشرطه، ولا يبطل البيع به، وأن من عرف فساد الشرط وشَرَطه ألغي اشتراطه ولم يعتبر) [إعلام الموقعين 4/ 338 – 339] (1).
616 – إذا شرط البائع نفع المبيع مدة معلومة:
617 – وحكم اشتراط تأخير القبض بلا غرض صحيح:
– قال ابن مفلح: (ويصح شرط البائع نفع المبيع مدة معلومة على الأصح، غير الوطء، واحتج في «التعليق» و «الانتصار» و «المفردات» و «عيون المسائل» بشراء عثمان من صهيب أرضًا، وشرط وقفها عليه وعلى عقبه، وكحبسه على ثمنه والانتفاع به، والأشهر لا ينتفع، وقيل: يلزم تسليمه
_________
(1) انظر: «الفتاوى» (29/ 337 – 339).
(1/434)
ثم يرده إلى بائعه ليستوفي المنفعة، ذكره شيخنا، قال: وإن شرط تأخير قبضه بلا غرض صحيح لم يجز) [الفروع 4/ 60 (6/ 187 – 188)] (1).
618 – تعليق البيع بشرط في العقد:
– قال ابن مفلح: (القسم الثاني (2): فاسد يحرم اشتراطه، كتعليقه بشرط، نحو: بعتك إن حبيتني بكذا أو رضي (3) زيد= فلا يصحان، وعنه: صحة عقده، وحكي عنه: صحتهما، اختاره شيخنا في كل العقود والشروط التي لم تخالف (4) الشرع؛ لأن إطلاق الاسم يتناول المنجز والمعلق والصريح والكناية، كالنذر، وكما يتناوله بالعربية والعجمية، وقد نقل علي بن سعيد فيمن باع شيئا وشرط إن باعه فهو أحق به بالثمن= جواز البيع والشرطين، وأطلق ابن عقيل وغيره في صحة هذا الشرط، ولزومه روايتين.
قال شيخنا: عنه (5) نحو عشرين نصا على صحة هذا الشرط، أنه (6) يحرم الوطء لنقص الملك.
وسأله أبو طالب عمن اشترى أمة بشرط أن يتسرى بها لا للخدمة؟ قال: لا بأس به.
_________
(1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (183).
(2) أي من أقسام الشروط في البيع، والقسم الأول: الصحيح اللازم.
(3) في ط 1: (أو إن رضي)، وذكر المحقق أنه زادها من نسخة.
(4) في ط 1: (التي تخالف)، وهو خطأ، والمثبت من ط 2.
(5) أي: عن أحمد، كما في «الاختيارات» للبعلي، و «الإنصاف» (11/ 240).
(6) في ط 1: (وأنه)، والمثبت من ط 2.
(1/435)
واحتج أحمد في شرط العتق بخبر جابر، وقال: إنما هذا شرط واحد، والنهي إنما هو عن شرطين.
ونقل حرب ما نقله الجماعة: لا بأس بشرط واحد، قال حرب: ومذهبه على أن قوله: «بعتك على أن لا تبيع ولا تهب» شرط واحد.
وقد فسّر أحمد الشرطين بهذين ونحوهما في رواية جماعة، فدلَّ على جواز الواحد) [الفروع 4/ 62 ــ 63 (6/ 190)] (1).
619 – إذا كان الشرط ينافي مقتضى العقد:
– قال ابن مفلح: (وإن شرط منافٍ مقتضاه ــ قال ابن عقيل وغيره: في العقد وكذا في «الانتصار» كابن عقيل في الفاسد هل ينتقل الملك؟ ويأتي كلام شيخنا في النكاح ــ نحو: أن لا يبيعه ولا يهبه ولا يعتقه، أو إن أعتقه: فالولاء له، أو لا خسارة عليه، أو إن نفق وإلا رده، أو شرط رهنا فاسدًا، أو خيارًا، أو أجلا مجهولين، أو نفع بائع ومبيع إن لم يصحا، أو تأخير تسليمه بلا انتفاع، أو فناء الدار لا بحق طريقها: صح العقد فقط) [الفروع 4/ 64 (6/ 191 – 192)].
620 – إذا جهل فساد الشرط:
– قال ابن مفلح: (ولا أثر لإسقاط الفاسد بعد العقد، وعلى الصحة للفائت غرضه، وقيل: لجاهل فساد الشرط الفسخ، أو أرش نقص الثمن
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (182 – 183)، وانظر: «القواعد النورانية» (292 – 293)، «الفتاوى» (29/ 136 – 137، 168 – 169)، ولا أدري هل نقل نصوص أحمد من تتمة كلام الشيخ أم من ابن مفلح؟
(1/436)
بإلغائه، وقيل: لا أرش، ذكره شيخنا ظاهر المذهب) [الفروع 4/ 64 (6/ 192)].
621 – إذا تقايلا إجارة الأرض أو فسخاها بحق:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: لو تقايلا الإجارة، أو فسخاها بحق: فله قيمة حرثه (1)) [الفروع 4/ 74 (6/ 203)] (2).
622 – إذا بدا الصلاح في جنس من البستان:
– قال ابن القيم: (إذا بدا الصلاح في بعض الشجرة جاز بيع جميعها، وكذلك يجوز بيع ذلك النوع كله في البستان، وقال شيخنا: يجوز بيع البستان كله تبعا لما بدا صلاحه، سواء كان من نوعه أو لم يكن، تقارب إدراكه وتلاحق أم تباعد، وهو مذهب الليث بن سعد) [إعلام الموقعين 4/ 23].
– وقال ابن مفلح: (وإذا بدا صلاح بعض نوع ــ ونقل حنبل: غلب، وقاله القاضي وغيره في شجره ــ بيع جميعه، وعلى الأصح: وبستان، وعنه: وما قاربه، وأطلق في «الروضة» في البساتين روايتين، وعنه: الجنس كالنوع، واختار شيخنا: وبقية الأجناس التي تباع جملة عادة) [الفروع 4/ 77 (6/ 208)] (3).
_________
(1) قال ابن نصر الله في «حواشيه على الفروع» (ل 73/ب): (قوله: «فله قيمة حرثه» على صاحب الأرض، ولو قيل يكون شريكا به توجه، فأما ــ كذا ولعلها: كما ــ لو انقضت مدة الإجارة وفيها للمستأجر حرث أو أثر حرث) ا. هـ.
(2) «الاختيارات» للبعلي (226).
(3) «الاختيارات» للبعلي (191 – 192)، وقال المرداوي في «الإنصاف» (11/ 207): (قال الشيخ تقي الدين: صلاح جنس في الحائط صلاح لسائر أجناسه، فيتبع الجوز التوت، والعلة عدم اختلاف الأيدي على الثمر. قاله في «الفائق»، قال في «الفروع»: واختار شيخنا بقية الأجناس التي تباع عادة كالنوع) ا. هـ. وانظر: «الفتاوى» (29/ 38 – 39، 480 – 482).
(1/437)
623 – ثبوت الجائحة في زرع مستأجر أو حانوت نقص نفعه عن العادة:
– قال ابن القيم: ( … ومن ذلك قوله في الثمرة تصيبها الجائحة: «أرأيت إن منع الله الثمرة، فبم يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق؟» وهذا التعليل بعينه ينطبق على من استأجر أرضا للزراعة فأصاب الزرع آفة سماوية لفظا ومعنى، فيقال للمؤجر: أرأيت إن منع الله الزرع فبم تأكل مال أخيك بغير حق؟ وهذا هو الصواب الذي ندين الله به في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية) [إعلام الموقعين 4/ 162].
– وقال ابن مفلح: (ولا جائحة في مشترًى مع أصله، وكذا إن فات وقت أخذه، وقال القاضي: ظاهر كلامه وضعها عنه. واختار شيخنا ثبوتها (1) في زرعٍ مستأجرٍ، وحانوتٍ نقص نفعُه عن العادة، وأنَّه خلاف ما رواه (2) عن أحمد، وحكم به أبو الفضل بن حمزة (3) في حمّام.
وقال شيخنا أيضًا: قياس نصوصه وأصوله إذا عُطِّلَ نفعُ الأرض بآفة=
_________
(1) أي: الجائحة، كما في «الإنصاف» (12/ 199).
(2) كذا في ط 1 وط 2، وفي «الاختيارات» للبعلي: (قال أبو العباس: لكنه خلاف ما رأيته عن الإمام أحمد) والله أعلم.
(3) في «الاختيارات» للبعلي: (أبو الفضل سليمان بن جعفر) خطأ، والصواب سليمان بن حمزة المقدسي الصالحي، المتوفى سنة: (715)، وهو مترجم في «ذيل الطبقات» لابن رجب (2/ 364 – 365)
(1/438)
انفسخت (1) فيما بقي، كانهدام الدار ونحوه، وأنه لا جائحة فيما تلف من زرعه؛ لأن المؤجرَ لم يبعه إياه، ولا ينازع في هذا من فهمه) [الفروع 4/ 79 (6/ 209 – 210)] (2).
624 – بيع ما له أصل يتكرر كالقثاء ونحوه:
– قال ابن مفلح: (وما له أصل يتكرر حمله كقثاء فكالشجر، وثمره كثمره، فيما تقدم (3)، ذكره جماعة، لكن لا يؤخر البائع اللقطة الظاهرة، ذكره في «الترغيب» وغيره، وإن تعيب: فالفسخ أو الأرش، وقيل: لا يباع إلا لقطةً لقطة، كثمر لم يبد صلاحه. ذكره شيخنا، وجوَّزه مطلقًا تبعا لما بدا كثمر) [الفروع 4/ 80 (6/ 210)].
وانظر: ما تقدم برقم (577).
_________
(1) أي: الإجارة.
(2) «الاختيارات» للبعلي (192)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 50 – 51؛ 30/ 235 – 236، 259 – 262).
(3) أي: ما تقدم من أحكام ثمر الشجر.
(1/439)
باب الخيار
625 – التفرق الذي يثبت به البيع:
– قال ابن مفلح: (قوله: «إلى أن يتفرقا». قال القاضي في «التعليق» ضمن المسألة: ولا يتعلق لزوم العقد بالتفرق وحده حتى ينضم إليه اختيار العاقد، فلو هرب أحدهما من صاحبه، أو فسخ في المجلس، ثم تفرقا= لم يلزم العقد. ذكره الشيخ تقي الدين ولم يزد عليه، وهو خلاف كلام الأصحاب) [النكت على المحرر 1/ 261].
626 – إسقاط الخيار:
– قال ابن مفلح: (قوله (1): «فإن أسقطاه في المجلس أو في العقد سقط، وعنه لا يسقط».
أكثر الأصحاب حكى الروايتين في المسألتين، منهم أبو الخطاب في «الهداية»، وذكره في «الانتصار» في ضمن مسألة الأعيان الغائبة، ولم أجد في شيء من كلام الإمام أحمد إسقاط الخيار في العقود، وإنما فيه التخيير بعد العقد.
وقال القاضي في «التعليق»: نقل الميموني عنه: إذا تخايرا حال العقد انعقد الخيار، قال أبو بكر: وتابعه حرب.
قال القاضي: وهذا تنبيه على ما بعد العقد، لأن حالة العقد أضعف، وقد قطع الخيار بينهما.
_________
(1) أي: المجد ابن تيمية.
(1/440)
قال الشيخ تقي الدين: كتبت (1) لفظ رواية الميموني وحرب، وليس فيهما أكثر مما في حديث ابن عمر، ولفظ رواية الأثرم نص فيمن ذهب إلى حديث ابن عمر، يقول: إذا خيره بعد البيع وجب البيع.
قال: وهذا منه دليل على أن إسقاطه في العقد لا يسقط به قولًا واحدًا.
قال القاضي: إذا أسقطاه في العقد ــ وقلنا: لا يسقط ــ ففي بطلان العقد الروايتان في الشروط الفاسدة.
والذي نصره القاضي وأصحابه ــ ابنه أبو الحسين، وأبو الخطاب، والشريف وغيرهم ــ، وقدمه غير واحد: أنه لا يسقط مطلقًا.
واختار ابن أبي موسى، والشيخ موفق الدين: أنه يسقط، وقدَّمه المصنف (2) هنا.
والقول بالتفرقة إليه ميل أبي الخطاب والشيخ تقي الدين هنا، وهو متوجه على المذهب) [النكت على المحرر 1/ 261 – 262].
627 – خيار الشرط يجوز في كل العقود:
– قال ابن مفلح: (وقال شيخنا: يجوز في كل العقود) [الفروع 4/ 84 (6/ 216)] (3).
628 – خيار الشرط في الإجارة:
– قال ابن مفلح: (قال ابن منصور: قلت للإمام أحمد: الرجل يستأجر
_________
(1) كذا, ولعلها: (كشفت)، والله أعلم.
(2) أي: صاحب «المحرر».
(3) «الاختيارات» للبعلي (184)، وانظر: «الفتاوى» (29/ 349 – 350).
(1/441)
البيت إذا شاء أخرجه، وإذا شاء خرج؟ قال: قد وجب بينهما إلى أجله، إلى أن ينهدم البيت، أو يموت البعير، فلا ينتفع المستأجر بما استأجر، فيكون عليه بحساب ما سكن.
قال القاضي: ظاهر هذا أن الشرط الفاسد لا يبطل الإجارة.
قال الشيخ تقي الدين: هذا اشتراط للخيار، لكنه اشتراط له في جميع المدة مع الإذن في الانتفاع) [النكت على المحرر 1/ 273].
629 – انتفاع المستأجر بالعين زمن الخيار:
– قال ابن مفلح: (وقال القاضي في «التعليق»، ضمن مسألة الإجارة: احتج المخالف بأن بعضه تلف إلى مضي ثلاثة أيام. فلا يمكن رده سليمًا.
فقال القاضي: ينتقض بخيار العيب.
فقال المخالف: إذا رد المنفعة بالعيب ضمن منفعة ما مضى من المدة، وليس كذلك خيار الشرط، فإنه لا يضمن شيئًا.
قال القاضي: فكان يجب أن يجعل له، والضمان لقيمة المنفعة لما مضى.
قال الشيخ تقي الدين: حيث جاز للمستأجر الانتفاع، فينبغي أن يكون ضمان المنفعة عليه، وحيث لم يجز لم يضمنها مع الرد، لكن إذا مضى العقد تكون عليه جميع الأجرة، أو تقسط على ما بعد مدة الخيار، وهنا يتوجه أن يكون للمستأجر الانتفاع، وإن كان الخيار لهما أو للبائع، إذ لا ضرر عليه فيه، بخلاف البيع، ولئلا تتعطل المنفعة.
ولو قيل أيضًا في المبيع: إن المشتري يستوفي منفعته، ولا يتصرف في
(1/442)
عينه لتوجه أيضًا، وأظنه مكتوبًا في موضع آخر. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 273].
630 – خيار الشرط على إجارة تلي مدتها العقد:
– قال ابن مفلح: (قوله (1): «إلا خيار الشرط على إجارة تلي مدتها العقد» فيه وجهان:
أحدهما: لا يثبت لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها، أو استيفائها في مدة الخيار، وكلاهما لا يجوز، وهو قول الشافعي، وله في الإجارة في الذمة قولان.
والثاني: يثبت، وهو قول أبي حنفية ومالك، لأنه عقد [معاوضة] (2) يصح فسخه، كالإقالة، لم يشترط فيه القبض في المجلس، فهو كالبيع. قاله القاضي، واحترز بالأول عن النكاح، وبالثاني عن الصرف والسلم.
قال الشيح تقي الدين: أما النكاح فقد جعل بعض أصحابنا الخلع فيه كالإقالة، وأما القبض في المجلس فظاهر مذهب الشافعي: أن الإجارة في الذمة كالسلم في القبض فيمنعون هذا الوصف، والقاضي قد سلَّمه. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 272 (1/ 406)].
631 – عقود لا يثبت فيها خيار الشرط، ولا خيار المجلس:
– قال ابن مفلح: (قوله (3): «ولا يثبتان (4) في باقي العقود».
_________
(1) أي: المجد ابن تيمية.
(2) في ط 1: (معاونة) , والتصويب من ط 2.
(3) أي: المجد ابن تيمية.
(4) أي: خيار الشرط، وخيار المجلس.
(1/443)
وذكر القاضي: أن العبد المكاتب والموهوب لهما الخيار على التأبيد، بخلاف سيد المكاتب والواهب.
قال الشيخ تقي الدين: وهذا فيه نظر، وقال ابن عقيل: لا خيار للسيد، لأنه دخل على أنه باع ماله بآلته (1)، وأما العبد فله الخيار أبدًا مع القدرة على الوفاء والعجز، فإذا امتنع كان الخيار للسيد، هذا ظاهر كلام الخرقى.
وقال أبو بكر: إن كان قادرًا على الوفاء فلا خيار له، وإن عجز عنه فله الخيار.
قال ابن عقيل: والواهب بالخيار إن شاء قَبَّض، وإن شاء منع.
وظاهر كلامه في «المحرر»: أن القسمة إذا دخلها رد ففيها الخياران، لأنها بيع وإلا فلا.
وقطع القاضي في الخلاف وغيره بثبوت الخيارين مطلقًا، وقطع به في «الرعاية»، قال: لأن وضعها للإرتياء والنظر، وهذا يحتاج إليه هنا.
وقال ابن عقيل: إن كان فيها رد فهي كالبيع، يدخلها الخياران، وإن لم يكن فيها رد، وتعدلت السهام، ووقعت القرعة فلا خيار، لأنه حكم، وإن كان القاسم المشتركين، فلا يدخلها خيار المجلس أيضًا، لأنها إفراز حق، وليست بيعًا. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 274 (1/ 405 – 406)].
632 – الخيار في المساقاة والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة:
– قال ابن مفلح: (قوله (2): «إلا خيار المجلس في المساقاة
_________
(1) في ط 2: (بماله).
(2) أي: المجد ابن تيمية.
(1/444)
والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة إذا أخذ بها فإنها على وجهين».
الوجهان في المساقاة والمزارعة والسبق، قيل: هما بناء على الخلاف في جواز ذلك ولزومه، وقيل: هما على لزومه.
والحوالة والشفعة: لا خيار فيهما في وجه، لأن من لا رضى له لا خيار له، وإذا لم يثبت في أحد طرفيه لا يثبت في الآخر، كسائر العقود.
والوجه الثاني: يثبت الخيار للمحيل والشفيع، لأن العوض مقصود، فأشبه سائر عقود المعاوضة.
وقال الشيخ تقي الدين: خيار الشرط في هذه الأشياء أقوى من خيار المجلس، بدليل أن النكاح والصداق والضمان لنا فيها خلاف في خيار الشرط، دون خيار المجلس، ولأن خيار المجلس ثابت بالشرع، فلا يمكن أن يلحق بالمنصوص ما ليس في معناه، بخلاف خيار الشرط، فإنه تابع لرضاهما، والأصل عندنا: أن الشرط يتبع رضا المتشارطين، والأصل صحتها في العقود، وإنما يناسب البطلان من يقول: إن خيار الشرط ثابت على خلاف القياس، وليس ذلك قولنا.
وقولهم: «ينافي مقتضى العقد» إنما ينافي مقتضى العقد المطلق، وكذلك جميع الشروط، وقد أبطل الإمام أحمد حجة من استدل بنهيه عن بيع وشرط، ولأن خيار الشرط يجوز بغير توقيت، ولو كان منافيًا لتقدر بقدر الضرورة، أو تقدر بالشرع كما ادعاه غيرنا، ولا يجوز في عقود العبادات ــ من الإحرام والاعتكاف ــ ما يخالف مقتضى العقد المطلق في المعاملات.
وعلى هذا: فلو اشترط في العقود اللازمة الجواز على وجه لا يمنع
(1/445)
التصرف في المعقود عليه ــ مثل أن يشترط في الرهن: أنِّى متى شئت فسخته، أو في الكتابة: إذا شئت فسختها، أو في الإجارة ــ فهذا اشتراط خيار مؤبد، وهو أبعد عن الجواز، وللجواز وجه، كما لو اشترط في العقود الجائزة من المضاربة ونحوها اللزوم.
والضابط: أن حقيقة الخيار هو القدرة على فسخ العقد، فتارة يشترط ثبوته فيما ليس فيه مؤقتًا أو مطلقًا، وتارة يشترط نفيه فيما ليس فيه مؤقتًا أو مطلقًا، إلا أن اشتراط نفيه مطلقًا باطل قطعًا، مثل أن يشترط: أني مضاربك على أنه لا خيار لي في الفسخ، فهذا باطل، لما فيه من الفساد) [النكت على المحرر 1/ 274 – 276 (1/ 408 – 409)].
633 – إذا أطلق الخيار:
– قال ابن مفلح: (قال الشيخ تقي الدين: يتوجه أنه إذا أطلق الخيار ثبت ثلاثا، لخبر حبان) [النكت على المحرر 1/ 263] (1).
634 – للبائع الفسخ في مدة الخيار ويرد الثمن:
– قال ابن مفلح: (وله (2) الفسخ، وأطلقه (3) الأصحاب، ونقل أبو طالب: يرد الثمن، وجزم به شيخنا، كالشفيع) [الفروع 4/ 86 (6/ 220)] (4).
وانظر المسألة التالية.
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (185).
(2) أي: البائع.
(3) في ط 1: (أطلقه)، والمثبت من ط 2.
(4) «الاختيارات» للبعلي (185).
(1/446)
635 – إذا فسخ أحدهما العقد في مدة الخيار، ولم يبلغ الآخر:
– قال ابن مفلح: (قوله: «ويتخرج أن لا ينفسخ إذا لم يبلغه في المدة».
هذا التخريج ذكره أبو الخطاب، قال: كالموكل هل يملك عزل وكيله من غير حضوره وعلمه؟ على روايتين، أصلًا لهذه المسألة.
قال الشيح تقي الدين: قياس أن الوكالة إذا قلنا: لا تنفسخ قبل العلم= أن نقول هنا: لا ينفسخ قبل العلم، فإذا انقضت المدة فلم يتصرف الآخر، حتى بلغه الخبر= انفسخ، وإن تصرف قبل بلوغ الخبر= لم يصح، كما قلنا مثل ذلك في الرجعة ــ على إحدى الروايتين ــ: أنها إذا تزوجت قبل أن يبلغها خبر الرجعة انعقد النكاح.
وقال ابن الجوزي: إذا كان الخيار لأحدهما كان له الفسخ من أنه لا يفسخ إلا بحضوره.
وظاهر كلامه وكلام غيره من الأصحاب أنه يملك الفسخ من غير إحضار الثمن.
وقال الشيخ تقي الدين: ولا يملك الفسخ إلا برد الثمن، نص عليه.
قال أبو طالب لأحمد يقولون: إذا كان له الخيار، فمتى قال: اخترت داري، أو أرضي= فالخيار له ويطالب الثمن؟ قال: كيف له الخيار ولم يعطه ماله؟ ليس هذا بشيء، إن أعطاه فله الخيار، وإن لم يعطه ماله فليس له خيار.
قال الشيح تقي الدين: فقد نص على أن البائع لا يملك إعادتها إلى ملكه إلا بإحضار الثمن، كما أن الشفيع لا يملك أخذ الشقص) [النكت على المحرر 1/ 262 – 263 (1/ 395 ــ 396)].
(1/447)
636 – إذا علق البائع عتق عبده ببيعه:
– قال ابن مفلح: (وإن علق عتق عبده ببيعه، فباعه= عتق، نص عليه، كالتدبير، ولم ينتقل الملك، وتردّد فيه شيخنا، وقال: وعلى قياس المسألة: تعليق طلاق وعتق بسبب يزيل ملكه عن الزوجة والعبد) [الفروع 4/ 92 (6/ 226)] (1).
– وقال أيضا: (وقد ذكر ابن عقيل في «الفصول» في غير هذا الباب المنصوص، فذكر قول الإمام أحمد في رواية البائع، قيل له: كيف يعتق، وقد زال ملكه؟ فقال: كما يملك الوصية بعد الموت.
قال ابن عقيل: وهذا صحيح، لأن الوصية تستند أن يلفظ بها في حال ملكه.
وذكر الشيخ تقي الدين: أن الإمام أحمد نص على هذا في رواية الأثرم ومثنى) [النكت على المحرر 1/ 278 (1/ 412)].
_________
(1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (185 – 186).
وقال المرداوي في «الإنصاف» (11/ 143): (وتردد فيه الشيخ تقي الدين في موضع، وله فيه طريقة أخرى تأتي، قال العلامة ابن رجب في «قواعده»: اختلف الأصحاب في تخريج كلام الإمام أحمد على طرق: … وسلك الشيخ تقي الدين طريقا سادسا، فقال: إن كان المعلِّق للعتق قصده اليمين دون التبرر بعتقه أجزأه كفارة يمين، لأنه إذا باعه خرج عن ملكه، فبقي كنذره أن يعتق عبد غيره، فتجزئه الكفارة، وإن قصد به التقرب صار عتقه مستحقا كالنذر، فلا يصح بيعه، ويكون العتق معلًّقا على صورة البيع، كما لو قال لما لا يحل بيعه: إذا بعته فعليّ عتق رقبة، أو قال لأم ولده: إن بعتك فأنت حرة. انتهى كلام ابن رجب) ا. هـ. وكلام ابن رجب تحت القاعدة: 57 (1/ 463).
(1/448)
– وقال أيضًا: (ولم أجد أحدًا صرح بانفساخ البيع قبل صاحب «المحرر»، وهو حسن، لأنه عقد صحيح امتنع استمراره ودوامه.
وقال الشيخ تقي الدين: قول الجد: «انفسخ البيع» (1) فيه نظر، أو تجوُّز، فإن كلام الإمام أحمد في هذه المسألة يدل على أن هذا عنده مثل الوصية والتدبير، وأنه كما جاز له أن يملك ويعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه وهو الموت، فكذلك له أن يعتق بعد انعقاد السبب المخرج لملكه، وهو البيع، وهناك لا نقول: إن المدبر ملكه الورثة ثم عتق، بل نقول: التدبير منع الموت أن يوجب ملك الورثة، وكذلك هنا: التعليق المتقدم منع البيع أن ينقل الملك إلى المشتري، وكأن البيع هنا له موجبان: عتق، وملك، فقدم العتق لانعقاد سببه قبل البيع، وعلمنا بقوله: «إذا بعتك» أي إذا عقدت عليك عقد بيع من شأنه أن ينقل الملك لولا هذا التعليق، فأنت حر.
وإن قلنا: إن الملك انتقل إلى المشتري لم يخرج عن ملكه، لكن يقال: الانفساخ إنما يستدعي انعقادا، سواء اقتضى انعقاد الملك أو لم يقتضه، ولا نقول: إن البيع هنا نقل الملك، لأنه لو نقله وعتق العبد: خرج عن أن يكون ناقلًا، ولزم الدور، فكان لا يصح بيعه ولا عتقه، لأنه إذا كان التقدير: إذا بعتك بيعًا ينتقل به الملك فأنت حر فإذا انتقل الملك عتق، وإذا عتق لم يكن البيع ناقلًا للملك، إلا أن يقال: إن الملك زال بعد ثبوته، وهذا غير جائز.
وعلى هذا: فلو قال: إذا ملكتك فأنت حر= عتق بالبيع ونحوه، ولو قال: إذا خرجت عن ملكي فأنت حر، أو إذا صرت ملكًا لغيري فأنت حر=
_________
(1) تمام عبارة المجد: (ومن علق عتق عبده ببيعه فباعه عتق وانفسخ البيع).
(1/449)
فهنا ينبغي أن لا يعتق، لأنه أوقع العتق في حال عدم ملكه، وفي الأولى: أوقعه عقب سبب زوال ملكه، إلا أن يقال: يقع هنا ويكون قوله: «خرجت عن ملكي» أي: انعقد سبب حريتك، أو يقول (1) في الجميع: خرج عن ملكه، ثم خرج عن ملك ذلك المالك، ويكون التعليق المتقدم منع الملك من الدوام، كما منع سبب الملك من الملك.
وعلى قياس هذه المسألة: متى علق الطلاق، أو العتاق بسبب يزيل ملكه عن العبد، أو الزوجة: وقع الطلاق والعتاق، ولم يترتب على ذلك السبب حكمه، مثل أن يقال (2): إذا وهبتك، أو يقول: إذا أصدقتك، أو صالحت بك عن قصاص.
وكذلك لو علقه بسبب يمنعه التصرف، مثل أن يقول: إذا رهنتك، إن قلنا: لا يجوز عتق الراهن، بخلاف ما لو قال: إذا أجرتك، فإن الإجارة لا تمنع صحة العتق.
وأما في الطلاق: فلو قال: إن خلعتك فأنت طالق ثلاثًا، فإنه على قياس هذا يقع بها الثلاث، ولا يوجب الخلع حكمه، لأنها عقب الخلع إن أوقعنا الثلاث لم يقع بينونة، وإن أوقعنا بينونة لم تقع الثلاث، لكن قد يقال: إن الخلع لا يقبل الفسخ، ولا يصح وجوده منفكًا عن حكمه، ولو قال: إن خلعتك فأنت طالق، فهنا الخلع يصح، لأن التعليق المتقدم لا يمنع نفوذ حكمه، لكن في وقوع الطلاق هنا تردد، فإنه يقع مع البينونة وهذا مبني على أصلين:
_________
(1) كذا، ولعلها: (أو نقول).
(2) كذا، ولعلها: (أن يقول).
(1/450)
أحدهما: هو أن شرط الحكم إذا زال قبل حصول سببه لم يثبت الحكم، وإن زال بعد ثبوت الحكم لم يقدح فيه، مثال الأول: إذا قال: إن دخلتِ الدار فأنتِ طالقٌ، فدخلت بعد البينونة، ومثال الثاني: أن تبين بعد الدخول، وإن زال مع السبب أو عقب السبب، فالمشهور عند أصحابنا: أن الحكم لا يثبت، كما لو قال: أنتِ طالقٌ مع موتي، أو عقب موتي، وكما لو قال لزوجته الأمة: إذا ملكتك فأنتِ طالق، فشرط الطلاق يزول عقب السبب، قالوا: لا تطلق.
الثاني: أن السبب إذا كان من فعله أمكنه أن يبطل حكمه، مثل أن يقول: إذا بعتُك فأنتَ حرٌّ، أو إذا خلعتِك فأنتِ طالقٌ ثلاثًا، أما إذا كان السبب من فعل غيره، أو كان يرتب عليه حكمًا شرعيًا، مثل انفساخ النكاح عقب الملك: فهنا ليس مثل الأول. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 279 – 281 (1/ 414 – 415)] (1).
637 – إذا قال لعبده: إن أكلت لك ثمنا فأنت حر، فباعه بمكيل أو موزون أو غيرهما:
– قال ابن مفلح: (ولو قال: إن أكلت لك ثمنا فأنت حر، فباعه بمكيل أو موزون أوغيرهما أو بنقد= لم يعتق. قاله في «الرعاية».
وقال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب: أن يكون الأكل عبارة عن الاستحقاق (2)، فيكون كقوله: إن بعتك، أو يكون عبارة عن الأخذ، فلو أبرأ
_________
(1) انظر: «الاختيارات» للبعلي (185 – 186).
(2) قال المحقق في الحاشية: (بهامش الأصل: الذي في «شرح المحرر» للشيخ تقي الدين: «عبارة عن الاستيجاب») ا. هـ.
(1/451)
من الثمن لم يعتق، وإن قبضه عتق، ولا يضر تأخر الصفة عن المبيع) [النكت على المحرر 1/ 282 (1/ 416)].
638 – النماء الحاصل زمن الخيار:
– قال ابن مفلح: (وقال الشيح تقي الدين: أما النماء فإن كان المشتري هو الفاسخ فهو كما لو فسخ بالعيب، وفي رد النماء روايتان، وإن كان البائع هو الفاسخ فهو كفسخ البائع لإفلاس المشتري بالثمن، وفيه أيضًا خلاف أقوى من الرد بالعيب، فإن المنصوص أنه يرجع بالنماء المنفصل، فلا يكون الخيار دون هذا. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 264 (1/ 397)].
639 – تصرف المشتري زمن الخيار:
– قال ابن مفلح: (قوله (1): «وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق، إلا أن يتصرف مع البائع أو يكون الخيار له وحده» أما تصرفه بالعتق فينفذ إن قلنا الملك له، وعند الجوزجاني: لا ينفذ عتقه، لكن إذا لم يناكره حتى انقضى الخيار مضى، كأنه يشبهه بالتصرف في الشقص المشفوع، ويتخرج مثله في الرهن. ذكره الشيخ تقي الدين) [النكت على المحرر 1/ 265 – 266 (1/ 399)].
– وقال أيضا: (قال الشيخ تقي الدين: وأما المشتري، فقد أطلق القاضي أن تصرفه ينفذ، وكأنه ــ والله أعلم ــ يريد إذا لم يفسخ البائع العقد، كما بينه أبو بكر في «التنبيه»، فإنه استشهد بقول أبي بكر، وكما أومأ إليه الإمام أحمد فيمن باع الثوب، فقال: يرده إلى صاحبه الأول إن طلبه. فمفهومه أنه إذا لم يطلبه مضى البيع.
_________
(1) أي: المجد ابن تيمية، صاحب «المحرر».
(1/452)
وهذا هو الذي دل عليه كلام الإمام أحمد، وهو قول الجوزجاني، وعليه يدل حديث ابن عمر.
ثم صرح بذلك في مسألة عتق المشتري. فقال: واحتج بأنه لو باعه أو وهبه أو وقفه= وقف جميع ذلك على إمضاء البائع، كذلك العتق.
والجواب: أنه لا يمنع أن لا ينفذ بيعه وهبته، وينفذ عتقه، لما فيه من التغليب والسراية، كما في العبد المشترك.
وقد ذكر في مسألة انتقال الملك: أن تصرفه بغير العتق ينفذ. انتهى كلامه) [النكت على المحرر 1/ 267 (1/ 400)].
640 – إذا نفعه المبيع بنفسه لم يبطل خياره:
– قال ابن مفلح: (قوله: «ولو قبلته المبيعة فلم يمنعها فخياره باق» نص عليه، كما لو قبلت البائع، ويحتمل أن يبطل إذا لم يمنعها، كما لو قبلها، وشرط القاضي وجماعة: حصول الشهوة منها، وجماعة: لم يشترطوا، فهذا قول ثالث.
قال القاضي: إن أحمد نص على أن مسها إياه لتغميز رأسه ورجليه: لا يبطل خياره، وأبطل ذلك بمسه إياها.
قال الشيخ تقي الدين: غسل رأسه، وتغميز رجليه هنا كان بأمره. ولو قال لها: قبليني أو باشريني ففعلت بطل خياره، وإنما العلة: أن ذلك فعل مباح مع الأجنبي، بدليل أن أبا موسى غسل رأسه امرأة من قومه، وتغميز الرجل لعلة من وراء حائل، ومناط أحمد: أنه متى نال منها ما يحرم على الأجنبي بطل خياره.
(1/453)
فيؤخذ من هذا أن قبلتها له لم يبلغ هو منها مالا يحل لغيره. انتهى كلامه.
وقال أيضًا: فلعله يفرق بين أن ينتفع هو بالمبيع، وبين أن ينفعه المبيع بنفسه) [النكت على المحرر 1/ 269 (1/ 402 ــ 403)].
641 – إذا تلف المبيع ــ حقيقة أو حكما ــ زمن الخيار:
– قال ابن مفلح: (وذكر الشيخ تقي الدين: أن أحمد صرح في رواية أبي طالب بأنه إذا أعتق العبد أو مات، لم يكن عليه إلا الثمن، وإذا باعه ولم يمكنه رده ضمنه بالقيمة، وإن كانت أكثر من الثمن.
ففرَّق بين ما هو تلف ــ حسيًا أو حكميًا ــ، وبين ما ليس بتلف، وإنما هو جناية فوَّت بها يد المشتري، فيضمنه ضمان الحيلولة، فحيثما كان العبد باقيًا فعليه القيمة، وحيثما كان تالفًا فعلى الروايتين.
وفقه ذلك ظاهر، فإنه إذا كان باقيًا أمكن فسخ العقد لبقاء المعقود عليه وإمكان رجوعه.
وعلى هذا فجميع الفسوخ: من الفسخ بالعيب، واختلاف المتبايعين، ونحو ذلك مما اختلف في جواز فسخها بعد تلف المبيع= قد سووا بين الفوت والتلف، لأن التفويت هناك كان بغير تفريط من الذي هو في يده، بخلاف التفويت هنا، فإما أن تكون هذه رواية ثالثة، أو يكون الفرق قولًا واحدًا.
يوضح الفرق: أن هناك لم تستحق (1) الفسخ إلا بعد الفوت، وهنا كان يملك الفسخ قبل الفوت. هذا كلامه) [النكت على المحرر 1/ 270 – 271 (1/ 404)].
_________
(1) كذا, ولعلها: (يستحق).
(1/454)
باب خيار التدليس والغبن
642 – حكم البيع إذا أعلمه بالعيب ولم يعلما قدره:
– قال ابن مفلح: (ويحرم كتم العيب، ذكره الترمذي عن العلماء، وذكر أبو الخطاب: يكره، وفي «التبصرة»: هو نص أحمد، ويصح، وعنه: لا، نقل حنبل: بيعه مردود، اختاره أبو بكر، وكذا لو أعلمه به ولم يعلما قدر عيبه، ذكره شيخنا، وأنه يجوز عقابه بإتلافه والتصدق به (1)، وقال: أفتى به طائفة من أصحابنا) [الفروع 4/ 94 (6/ 229)] (2).
643 – ثبوت الخيار للمسترسل إلى البائع:
– قال ابن مفلح: (ويثبت على الأصح لمسترسل (3) جاهل بالقيمة إذا غبن، وفي «المذهب»: أو جهلها لعجلته، وعنه: ولمسترسل إلى البائع لم يماكسه، اختاره شيخنا، وذكره المذهب) [الفروع 4/ 97 (6/ 232)] (4).
644 – إذا دلس المستأجر على مؤجر أو غيره حتى استأجره بدون القيمة:
– قال ابن مفلح: (ويحرم تغرير مشتر بأن يسومه كثيرًا ليبذل قريبه.
_________
(1) في «الإنصاف» (11/ 365): (والتصدق به إذا دلسه).
(2) «الاختيارات «(187).
(3) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (تنبيه: المسترسل الجاهل بالقيمة لا فرق فيه بين البائع والمشتري، صرح به في «التلخيص»، قال في ثبوت الخيار له: مسترسل لا يعرف سعر ما باعه أو اشتراه) ا. هـ.
(4) «الفتاوى» (28/ 75؛ 29/ 359)، «الاختيارات» للبعلي (185).
(1/455)
ذكره شيخنا، قال: وإن دلَّس مستأجر على مؤجر أو غيره (1)، حتى استأجره بدون القيمة= فله أجرة المثل (2)) [الفروع 4/ 98 (6/ 233)] (3).
_________
(1) في ط 1: (وغيره)، والمثبت من ط 2.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (قال في «مختصر الفتاوى المصرية» في أول باب الإجارة: إذا دلس المستأجر على المؤجر، مثل أن يكون قد أخبره أن قيمة الأرض في الناحية كذا، بما ينقص عن قيمتها، ولم يكن الأمر كذلك فأجره بمال، ثم تبين له، فله فسخ الإجارة، وكذلك إن أخبره أنه ليس هناك من يستأجره، وكان له طلاب، أو أخبره أن هذا سعره ولم يكن سعره، وأمثال ذلك. فقد صرّح الشيخ بأن له الفسخ، ولم يقل: فله أجرة المثل) ا. هـ.
(3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (186).
(1/456)
باب خيار العيب
645 – موافقة حديث المصرَّاة للقياس:
– قال ابن القيم: (ومما قيل فيه: إنه على خلاف القياس= حديث المصرَّاة (1)، قالوا: وهو يخالف القياس من وجوه:
منها: أنه تضمن رد البيع بلا عيب، ولا خلف في صفة.
ومنها: أن الخراج بالضمان، فاللبن الذي يحدث عند المشتري غير مضمون عليه، وقد ضمنه إياه.
ومنها: أن اللبن من ذوات الأمثال، وقد ضمنه إياه بغير مثله.
ومنها: أنه إذا انتقل من التضمين بالمثل فإنما ينتقل إلى القيمة، والتمر لا قيمة ولا مثل.
ومنها: أن المال المضمون إنما يضمن بقدره في القلة والكثرة، وقد قدر ههنا الضمان بصاع.
قال أنصار الحديث: كل ما ذكرتموه خطأ، والحديث موافق لأصول الشريعة وقواعدها، ولو خالفها لكان أصلًا بنفسه، كما أن غيره أصل بنفسه، وأصول الشرع لا يضرب بعضها ببعض، كما نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أن يضرب كتاب الله بعضه ببعض، بل يجب اتباعها كلها، ويقر كل منها على
_________
(1) هو قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا تصروا الإبل ولا الغنم، فمن ابتاع مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر» رواه البخاري (2148) ومسلم (3815) من حديث أبي هريرة.
(1/457)
أصله وموضعه، فإنها كلها من عند الله الذي أتقن شرعه وخلقه، وما عدا هذا فهو الخطأ الصريح، فاسمعوا الآن هدم الأصول الفاسدة التي يعترض بها على النصوص الصحيحة:
أما قولكم: إنه تضمن الرد من غير عيب، ولا فوات صفة= فأين في أصول الشريعة المتلقاة عن صاحب الشرع ما يدل على انحصار الرد بهذين الأمرين؟ وتكفينا هذه المطالبة، ولن تجدوا إلى إقامة الدليل على الحصر سبيلًا.
ثم نقول: بل أصول الشريعة توجب الرد بغير ما ذكرتم، وهو: الرد بالتدليس والغش، فإنه هو والخلف في الصفة من باب واحد، بل الرد بالتدليس أولى من الرد بالعيب، فإن البائع يظهر صفة المبيع: تارة بقوله، وتارة بفعله، فإذا أظهر للمشتري أنه على صفة، فبان بخلافها كان قد غشه، ودلس عليه، فكان له الخيار: بين الإمساك والفسخ، ولو لم تأت الشريعة بذلك لكان هو محض القياس، وموجب العدل، فإن المشتري إنما بذل ماله في المبيع= بناء على الصفة التي أظهرها له البائع، ولو علم أنه على خلافها لم يبذل له فيها ما بذل، فإلزامه للبيع مع التدليس والغش من أعظم الظلم الذي تتنزه الشريعة عنه، وقد أثبت النبي – صلى الله عليه وسلم – الخيار للركبان إذا تُلُقُّوا، واشْتُرِيَ منهم قبل أن يهبطوا السوق، ويعلموا السعر، وليس ههنا عيب، ولا خلف في صفة، ولكن فيه نوع تدليس وغش.
فصل
وأما قولكم: «الخراج بالضمان» = فهذا الحديث، وإن كان قد روي فحديث المصرَّاة أصح منه، باتفاق أهل الحديث قاطبة، فكيف يعارض به؟ مع
(1/458)
أنه لا تعارض بينهما بحمد الله، فإن الخراج: اسم للغلة، مثل: كسب العبد، وأجرة الدابة، ونحو ذلك، وأما الولد واللبن: فلا يسمى خراجًا، وغاية ما في الباب: قياسه عليه بجامع كونهما من الفوائد، وهو من أفسد القياس، فإن الكسب الحادث والغلة: لم يكن موجودا حال البيع، وإنما حدث بعد القبض.
وأما اللبن ههنا: فإنه كان موجودا حال العقد، فهو جزء من المعقود عليه، والشارع لم يجعل الصاع عوضا عن اللبن الحادث، وإنما هو عوض عن اللبن الموجود وقت العقد في الضرع، فضمانه هو محض العدل والقياس.
وأما تضمينه بغير جنسه ففي غاية العدل، فإنه لا يمكن تضمينه بمثله البتة، فإن اللبن في الضرع محفوظ، غير معرض للفساد، فإذا حلب صار عرضة لحمضه وفساده، فلو ضمن اللبن الذي كان في الضرع بلبن محلوب في الإناء كان ظلما تتنزه الشريعة عنه، وأيضًا فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد، فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشتري، وقد يكون أقل منه أو أكثر فيفضي إلى الربا، لأن أقل الأقسام أن تجهل المساواة.
وأيضًا: فلو وكلناه إلى تقديرهما، أو تقدير أحدهما= لكثر النزاع والخصام بينهما، ففصل الشارع الحكيم صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله النزاع، وقدره بحد لا يتعديانه قطعا للخصومة، وفصلا للمنازعة، وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن، فإنه قوت أهل المدينة، كما كان اللبن قوتًا لهم، وهو مكيل، كما أن اللبن مكيل، فكلاهما مطعوم مقتات مكيل، وأيضا: فكلاهما يقتات به، بلا صنعة ولا علاج، بخلاف الحنطة والشعير والأرز، فالتمر: أقرب الأجناس التي كانوا يقتاتون بها إلى اللبن.
(1/459)
فإن قيل: فأنتم توجبون صاع التمر في كل مكان سواء كان قوتا لهم، أو لم يكن.
قيل: هذا من مسائل النزاع، وموارد الاجتهاد، فمن الناس من يوجب ذلك، ومنهم من يوجب في كل بلد صاعًا من قوتهم، ونظير هذا: تعيينه – صلى الله عليه وسلم – الأصناف الخمسة في زكاة الفطر، وأن كل بلد يخرجون من قوتهم مقدار الصاع، وهذا أرجح وأقرب إلى قواعد الشرع، وإلا: فكيف يكلف من قوتهم السمك مثلًا، أو الأرز، أو الدخن، إلى التمر؟ وليس هذا بأول تخصيص قام الدليل عليه، وبالله التوفيق) [إعلام الموقعين 2/ 38] (1).
646 – الجار السوء عيب:
647 – وإن تعذر الرد فللمشتري الأرش:
– قال ابن مفلح: (قال شيخنا: والجار السوء عيب، فمن (2) اشترى شيئا، فبان معيبا ـ وقال في «الانتصار»: أو عالما عيبه ـ ولم يرض= أمسكه. والمذهب: له أرشه، وعنه: إن تعذر رده. اختاره شيخنا؛ لأنه معاوضة عن الجزء الفائت، فلا يلزم، قال: وكذا يقال في نظائره، كالصفقة إذا تفرقت) [الفروع 4/ 102 (6/ 237)] (3).
_________
(1) هذا النص ضمن الجواب عن المسائل التي قيل فيها إنها على خلاف القياس، وقد سبقت الإشارة إليه (ص: 57 – 58)، وهو في «الفتاوى» (20/ 556 – 558) وما هنا فيه إضافات كثيرة.
(2) في ط 1: (فمتى)، والمثبت من ط 2.
(3) «الاختيارات» للبعلي (186 – 187)، وانظر: «الفتاوى» (30/ 161)، «جامع المسائل» (1/ 239 – 240).
(1/460)
648 – تخيير المشتري في خيار العيب:
– قال ابن مفلح: (وخيار العيب كخلف في الصفة (1)،
قال شيخنا: وعلى المذهب (2): يجبر المشتري على ردِّه، أو أرشه، لتضرر البائع بالتأخير) [الفروع 4/ 105 (6/ 241)] (3).
_________
(1) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (أي: خيار العيب هل هو على التراخي أو الفور؟ فيه روايتان، تقدم ذكرهما فيما إذا كان المبيع قد تغيرت صفته) ا. هـ
وقال ابن مفلح فيما تقدم (6/ 144): (وللمشتري الفسخ بخلاف رؤية سابقة أو صفة لا مطلقا «هـ ق» على التراخي، إلا بما يدل على الرضا من سوم ونحوه، لا بركوبه الدابة في طريق الرد، وعنه: على الفور) ا. هـ.
(2) قال ابن قندس في «حاشيته على الفروع»: (مراده: أن الرد على التراخي هذا المذهب، ومع هذا يجبر المشتري على رده أو أرشه) ا. هـ.
(3) انظر: «الاختيارات» للبعلي (186).
(1/461)
باب الخيار لاختلاف المتباعين
649 – الاجتهاد في قيمة المتلف:
– قال ابن مفلح: (وعمل شيخنا بالاجتهاد في قيمة المتلف، فتخرص الصبرة، واعتبر في مُزَارع أتلف مغلَّ سنتين بالسنين (1) المعتدلة (2)، وفي ربح مضارب بشراء رفقته من نوع متاعه، وبيعهم في مثل سعره) [الفروع 4/ 126 (6/ 269)] (3).
650 – إذا ظهر عسر مشتر أو مطله:
– قال ابن مفلح: (وإذا ظهر عسرُ مشتر ـ وقال شيخنا: أو مطلُه ـ فله خيار الفسخ، كمفلس وكمبيع) [الفروع 4/ 131 (6/ 276)] (4).
_________
(1) في ط 1: (سنتين)، والمثبت من ط 2.
(2) قال ابن قندس في «حواشيه على الفروع»: («السنين المعتدلة» متعلق بقوله: «اعتبر») ا. هـ.
(3) «الاختيارات» للبعلي (241).
(4) «الاختيارات» للبعلي (187).
(1/462)
باب التصرف في المبيع وتلفه
651 – إذا اشترى مكيلا أو موزونا أو مذروعا أو معدودا فإنه يملكه بالعقد:
– قال ابن مفلح: (من اشترى شيئا بكيل أو وزن، نقله جماعة، وعنه: المطعوم منهما، وعنه: المطعوم، وظاهر المذهب: أو عدد، والمشهور: أو ذرع= ملكه بالعقد «و» وذكره شيخنا «ع») [الفروع 4/ 134 (6/ 278)] (1).
652 – التصرف في المبيع قبل قبضه بغير البيع:
653 – وبيع المبيع لبائعه قبل قبضه:
– قال ابن مفلح: (وفي رهنه وهبته بلا عوض بعد قبض ثمنه وجهان، ويصح عتقه قولا واحدا، وذكره شيخنا «ع»، قال أبو يعلى الصغير: والوصية به، والخلع عليه. قال بعضهم في طريقته: وتزويجه. وجوَّز شيخنا التولية والشركة، وخرَّجه من بيع دين، وجوَّز التصرف بغير بيع وبيعه لبائعه، ويجعل (2) علة النهي توالي الضمانين، بل عجزه عن تسليمه، لسعي بائعه في فسخه مع الربح، أو أدَّاه إن لم يسع لدينه) [الفروع 4/ 135 (6/ 278 – 279)] (3).
_________
(1) «الاختيارات» للبعلي (187).
(2) كذا في ط 1 وط 2، ولعل الصواب: (ولا يجعل) كما هو ظاهر السياق، وقال البعلي في «الاختيارات»: (وعلة النهي عن البيع قبل القبض ليست توالي الضمانين، بل عجز المشتري عن تسلمه، لأن البائع قد يسلمه وقد لا يسلمه … الخ) ا. هـ.
(3) «الفتاوى» (29/ 400 – 403)، «الاختيارات» للبعلي (187).
(1/463)
654 – ما يجوز التصرف فيه قبل القبض:
– قال ابن مفلح: (وإن قبضه جزافا لعلمهما قدره جاز، وفي المكيل روايتان، ذكره في «المحرر»، وذكر جماعة فيمن شاهد كيله قبل شرائه روايتين في شرائه بلا كيل ثان، وخصّهما في «التلخيص» بالمجلس، وإلا لم يجز، وأن الموزون مثله، ونقل حرب وغيره: إن لم يحضر هذا المشتري الكيل، فلا إلا بكيل. وقال في «الانتصار»: ويفرغه من المكيال ثم يكيله، وإن أعلمه بكيله ثم باعه به لم يجز، نقله الجماعة، وكذا جزافا، ذكره الشيخ وغيره، والمبيع بصفة أو رؤية سابقة كذلك، وما عداه كعبد وصبرة وشبهها فالمذهب يجوز تصرفه فيه، كأخذه بشفعة (1)، وعنه: إن لم يكن صبرةَ مكيلٍ أو موزونٍ، نصره القاضي وأصحابُه، وذكره شيخنا ظاهر المذهب، وعنه: إن لم يكن مطعوما، وفي طريقة بعض أصحابنا رواية: يجوز في العقار فقط، وعنه: لا مطلقا، ولو ضمنه، اختاره ابن عقيل وشيخنا، وجعلها طريقة الخرقي وغيره، وأن عليه تدل أصول أحمد، كتصرف (2) المشتري في الثمرة والمستأجر في العين، مع أنه لا يضمنهما وعكسه كالصبرة المعينة، كما لو شرط قبضه لصحته كسلم وصرف) [الفروع 4/ 137 (6/ 280 – 281)] (3).
655 – المبيع يكون من ضمان المشتري إذا تمكن من قبضه:
– قال ابن مفلح: (وما جاز تصرفه فيه من ضمانه، إذا لم يمنعه البائع، نص عليه، فظاهره تمكن من قبضه أو لا، وجزم به في «المستوعب» وغيره،
_________
(1) في ط 1: (كأخذه شفعة)، والمثبت من ط 2.
(2) في ط 1: (لتصرف)، والمثبت من ط 2.
(3) انظر: «الفتاوى» (29/ 505 – 512)، «الاختيارات» للبعلي (187).
(1/464)
وقال شيخنا: إذا تمكن من قبضه. وقال: ظاهر المذهب الفرق بين ما تمكن من قبضه وغيره، ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره، كذا قال) [الفروع 4/ 138 (6/ 282)] (1).
656 – التصرف فيما ملكه بعقد سوى البيع قبل قبضه:
657 – وإذا تعين ملكه في موروث أو وصية أو غنيمة فلا يعتبر قبضه في صحة التصرف فيه:
– قال ابن مفلح: (وكل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه (2) كبيع (3)، وجوَّز شيخنا البيع وغيره، لعدم قصد الربح، ومالا ينفسخ بهلاكه ـ كنكاح وخلع وعتق وصلح عن دم عمد ـ قيل: كبيع، لكن يجب بتلفه مثله، أو قيمته ولا فسخ، واختار شيخنا: لهما فسخ نكاح، لفوت بعض المقصود، كعيب مبيع، وقيل: له التصرف قبل قبضه فيما لا ينفسخ، فيضمنه، وفي «المستوعب» و «التلخيص»: بل ضمانه كبيع.
وإن تع